You are on page 1of 413

‫‪324‬‬ ‫سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني‬

‫‪8‬‬

‫مفهوم‪ ،‬وفضائل‪ ،‬وآداب‪ ،‬وأنواع‪ ،‬وأحكام‪ ،‬وكيفية‬

‫يف ضوء الكتاب والسنة‬

‫تأليف الفقير إلى اهلل تعالى‬

‫الجزء الثاني‬
065
‫‪065‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫المبحث الخامس والعشرون‪ :‬مكان صالة الجماعة‪:‬المساجد‬


‫الم َع ّد‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫‪ -1‬مفهوم المساجد‪ :‬جمع َمسجد‪،‬إن أريد به المكان المخصوص ُ‬
‫للصلوات الخمس‪،‬وإن أُريد به موضع سجود الجبهة‪،‬فإنه بالفتح ال غير‬
‫سجد))(‪.)1‬‬
‫(( َم َ‬
‫فالمسجد لغة‪ :‬الموضع الذي يسجد فيه‪ ،‬ثم ّاتسع المعنى إلى البيت‬
‫الم ّتخذ الجتماع المسلمين ألداء الصالة فيه‪ ،‬قال الزركشي رحمه اهلل‪:‬‬ ‫ُ‬
‫((ولـمـا كان السجود أشرف أفعال الصالة‪ ،‬لقرب العبد من ربه‪ ،‬اشتق‬
‫َ ّ‬
‫العرف خصص‬ ‫ُ‬ ‫إن‬ ‫ثم‬ ‫مركع‪،‬‬ ‫يقولوا‪:‬‬ ‫ولم‬ ‫مسجد‪،‬‬ ‫فقيل‪:‬‬ ‫منه‬ ‫المكان‬ ‫اسم‬
‫المص ّلى‬ ‫المهيأ للصلوات الخمس‪)2( ،‬حتى يخرج ُ‬ ‫المسجد بالمكان‬
‫ّ‬
‫المجتمع فيه لألعياد ونحوها‪ ،‬فال يُعطى حكمه)) ‪.‬‬
‫والمسجد في االصطالح الشرعي‪ :‬المكان الذي أ ُ ِع ّد للصالة فيه على‬
‫الدوام(‪ ،)3‬وأصل المسجد شرع ًا‪ :‬كل موضع من األرض يُسجد هلل‬ ‫ّ‬
‫وج ِع َلت لي األرض مسجداً‬ ‫ُ‬ ‫فيه(‪)4‬؛لحديث جابر ‪ ،‬عن النبي ‪...(( :‬‬
‫فليصل))(‪ ،)5‬وهذا من‬‫ّ‬ ‫وطهوراً‪ ،‬فأيُّما رجل من ّأمتي أدركته الصالة‪،‬‬
‫وأمته‪ ،‬وكانت األنبياء قبله إنما أُبيحت لهم الصالة‬ ‫ّ‬ ‫خصائص ّنبينا ‪‬‬
‫في مواضع مخصصة‪ :‬كالبِيع والكنائس(‪.)6‬‬
‫َ‬
‫ذر ‪ ،‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪ ...(( :‬وأينما‬ ‫ّ‬ ‫أبي‬ ‫وقد ثبت في حديث‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الدال‪،‬فصل الميم‪،202-203/4،‬وسبل السالم‪ ،‬للصنعاني‪.171/2 ،‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪:‬لسان العرب البن منظور‪،‬باب ّ‬
‫(‪ )2‬إعالم الساجد بأحكام المساجد‪ ،‬ص‪ ، 28-27‬وانظر‪ :‬مشارق األنوار للقاضي عياض ‪،207/2‬‬
‫ومفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬لألصفهاني‪ ،‬ص‪ ، 417‬ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ ،‬للمال‬
‫علي القاري‪ ،12/10 ،‬وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح‪.4342/11 ،‬‬
‫(‪ )3‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬لألستاذ الدكتور‪ /‬محمد رواس‪ ،‬ص‪.417‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬إعالم الساجد بأحكام المساجد‪ ،‬للزركشي‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫باب‪ :‬حدثنا عبد اهلل بن يوسف‪ ،‬برقم ‪ ،442‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب التيمم‪ٌ ،‬‬
‫المساجد‪ ،‬باب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬برقم ‪.221‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪ ،‬للقرطبي‪.117/2 ،‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪065‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فصل‪ ،‬فهو مسجد)) ‪ ،‬قال اإلمام النووي رحمه اهلل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أدركتك الصالة‬
‫((فيه جواز الصالة في جميع المواضع إال ما استثناه الشرع من الصالة‪:‬‬
‫في المقابر‪ ،‬وغيرها من المواضع التي فيها النجاسة‪ :‬كالمزبلة‪،‬‬
‫والمجزرة‪ ،‬وكذا ما نُهِ ي عنه لمعنى آخر‪ :‬فمن ذلك أعطان اإلبل‪... ،‬‬
‫َ‬
‫ومنه قارعة الطريق‪ ،‬والحمام‪ ،‬وغيرها؛ لحديث ورد فيها))(‪.)2‬‬
‫سمي بذلك؛ ألنه يجمع أهله؛ وألنه‬‫أما الجامع‪ :‬فهو نعت للمسجد‪ّ ،‬‬
‫عالمة لالجتماع‪ ،‬فيقال‪ :‬المسجد الجامع‪ ،‬ويجوز‪(( :‬مسجد الجامع))‬

‫باإلضافة‪ ،‬بمعنى‪ :‬مسجد اليوم الجامع(‪ ،)3‬ويقال للمسجد الذي ُتص َّلى‬
‫فيه الجمعة‪ ،‬وإن كان صغيراً؛ ألنه يجمع الناس في وقت معلوم‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل المساجد وشرفها‪ :‬ألهمية المساجد‪ ،‬ومكانتها وفضلها‪،‬‬
‫ّ‬
‫ذكرها اهلل ‪ ‬في كتابه في ثمانية عشر موضعاً(‪.)4‬‬
‫ولمكانتها العالية وعظم منزلتها عند اهلل تعالى أضافها إلى نفسه إضافة‬
‫تشريف وتكريم؛ فإن المضاف إلى اهلل ‪ ‬نوعان‪ :‬صفات ال تقوم‬
‫بأنفسها‪ :‬كالعلم‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والكالم‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬فهذه إضافة صفة‬
‫إلى الموصوف بها‪ ،‬فعلمه‪ ،‬وكالمه‪ ،‬وقدرته‪ ،‬وحياته‪ ،‬ووجهه‪ ،‬ويده‪،‬‬
‫صفات له ال يشبهه فيها أحد من خلقه‪ ،‬وهي تليق به ‪ .‬والنوع الثاني‪:‬‬‫ٌ‬
‫إضافة أعيان منفصلة عنه‪ ،‬كالبيت‪ ،‬والناقة‪ ،‬والعبد‪ ،‬والرسول‪ ،‬والروح‪،‬‬
‫فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه‪ ،‬لكنها إضافة تقتضي تخصيصاً وتشريف ًا‬
‫يتميز بها المضاف عن غيره(‪.)5‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اب‪ ‬برقم‬ ‫َ‬ ‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األنبياء‪ ،‬باب‪ :‬ووهب َنا ِل َداوود س َليم َ ِ‬
‫ان ن ْع َم ا ْل َع ْب ُد إِنَّ ُه أ َّو ٌ‬ ‫ُ َ ُ َْ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫ٌ‬
‫‪ ، 322‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬برقم ‪.220‬‬
‫(‪ )2‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.2/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬فصل الجيم‪ ،‬باب العين ‪.22/8،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬لمحمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬ص‪.432‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪:‬شرح العقيدة الطحاوية‪،‬ص‪ ،332‬والكواشف الجلية عن معاني الواسطية للسلمان‪.232 ،‬‬
‫‪065‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫واهلل ‪ ‬أضاف المساجد إلى نفسه إضافة تشريف‪ ،‬وفضل‪ ،‬كقوله‬


‫يها ْاس ُم ُه‪ .)1(‬وكقوله‬
‫َ‬ ‫اج َد اهلل أَن يُ ْذ َكر ِف‬
‫تعالى‪َ  :‬و َم ْن أَ ْظ َلم ِممن م َن َع َمس ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َّ َّ‬
‫َ‬
‫اآلخرِ ‪.)2(‬وقوله ‪:‬‬ ‫اج َد اهلل من آمن بِاهلل وا ْليو ِم ِ‬ ‫‪ِ  :‬إنَّما يعمر َمس ِ‬
‫َ(‪ْ َ )3‬‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َ َْ ُُ َ‬
‫اج َد هلل َفال َت ْد ُعوا َم َع اهلل أَ َح ًدا‪ . ‬مع أن جميع البقاع وما‬ ‫‪َ ‬وأَ َّن الـمس ِ‬
‫َْ َ‬
‫فيها ملك هلل ‪ ، ‬فهو خالق كل شيء ومالكه‪ ،‬ولكن المساجد لها ميزة‬
‫وشرف؛ ألنها تختص بكثير من العبادات‪ ،‬والطاعات‪ ،‬والقربات‪،‬‬
‫فليست المساجد ألحد سوى اهلل‪ ،‬كما أن العبادة التي كلف اهلل بها عباده‬
‫ال يجوز أن تصرف ألحد سواه(‪ .)4‬ومن هذه اإلضافة ما أضافه النبي ‪‬‬
‫إلى اهلل إضافة تشريف بقوله ‪(( :‬وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اهلل‬
‫يتلون كتاب اهلل‪ ،‬ويتدارسونه بينهم إال نزلت عليهم السكينة‪ ،‬وغشيتهم‬
‫الرحمة وذكرهم اهلل فيمن عنده))(‪.)5‬‬
‫ومما يدل على فضل المساجد‪ ،‬ومكانتها قول اهلل تعالى‪َ  :‬و َل ْوال َد ْف ُع‬
‫ات َو َمس ِ‬
‫اج ُد يُ ْذ َكر‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫اهلل الناس َب ْع َض ُهم بِب ْع ٍض لـ ُه ّد َم ْت َص َو ِام ُع َوبِي ٌع َو َص َل َو‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ (‪َّ )6‬‬ ‫ِ‬
‫يها ْاسم اهلل َكثيرا‪ . ‬فالجهاد ُشرع إلعالء كلمة اهلل‪ ،‬والمساجد هي‬ ‫ف َ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫أفضل البقاع التي ُتر َفع فيها كلمة التوحيد‪ ،‬وتُ َؤ َّدى فيها أعظم الفرائض‬
‫ْ‬
‫بعد الشهادتين‪ ،‬ولهذا كان الدفاع عنها واجباً على المسلمين‪ ،‬فقوله‬
‫تعالى‪َ  :‬و َل ْوال َد ْف ُع اهلل الناس َب ْع َض ُهم بِب ْع ٍض‪ ‬قال اإلمام ابن جرير‬
‫َ‬
‫رحمه اهلل‪(( :‬أولى األقوال في ذلك بالصواب أن يقال‪ :‬إن اهلل تعالى ذكره‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.113 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.18 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة الجن‪ ،‬اآلية‪.18 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪:‬فصول ومسائل تتعلق بالمساجد‪ ،‬للدكتور العالمة‪ ،‬عبد اهلل بن عبد الرحمن الجبرين‪ ،‬ص‪،2‬‬
‫واألثر التربوي للمسجد‪ ،‬للدكتور العالمة صالح بن غانم السدالن‪ ،‬ص‪،3‬والمشروع والممنوع في‬
‫المسجد‪،‬للشيخ محمد بن علي العرفج‪،‬ص‪.3‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪،‬كتاب الذكر والدعاء‪،‬باب فضل االجتماع على تالوة القرآن‪،‬برقم ‪.2311‬‬
‫(‪ )6‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.30 :‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪065‬‬
‫أخبر أنه لوال دفاعه الناس بعضهم ببعض‪ ،‬لهدم ما ذكر‪ ،‬من دفعه تعالى‬
‫ذكره بعضهم ببعض‪ ،‬وكفه المشركين بالمسلمين عن ذلك‪ ،‬ومنه كفه‬
‫ببعضهم التظالم‪ :‬كالسلطان الذي كف به رعيته عن التظالم بينهم‪ ،‬ومنه‬
‫ك ُّفه لمن أجاز شهادته بينهم بعضهم عن الذهاب بحق من له قبله حق‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪ .)1())...‬وقال اإلمام ابن كثير رحمه اهلل‪(( :‬أي لوال أنه يدفع‬
‫ويكف شرور أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره من‬ ‫ّ‬ ‫بقوم عن قوم‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫األسباب‪ ،‬لفسدت األرض‪ ،‬وألهلك القوي الضعيف)) ‪ .‬وقال اإلمام‬
‫البغوي رحمه اهلل‪(( :‬ومعنى اآلية ولوال دفع اهلل الناس بعضهم ببعض‬
‫بالجهاد‪ ،‬وإقامة الحدود‪ ،‬لهدم في شريعة كل نبي مكان صالتهم‪ ،‬لهدم‬
‫في زمن موسى الكنائس‪ ،‬وفي زمن عيسى البيع والصوامع‪ ،‬وفي زمن‬
‫محمد ‪ ‬المساجد))(‪.)3‬‬
‫وقيل‪ :‬الضمير في قوله تعالى‪ :‬يُ ْذ َكر ِف َيها ْاسم اهلل َك ِثيرا‪ ‬عائد إلى‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المساجد؛ ألنها أقرب المذكورات‪ ،‬قال اإلمام ابن جرير رحمه اهلل‪(( :‬وأولى‬
‫لهدمت صوامع‬ ‫األقوال في ذلك بالصواب‪ ،‬قول من قال‪ :‬معنى ذلك‪ّ :‬‬
‫الرهبان‪ ،‬وبيع النصارى‪ ،‬وصلوات اليهود وهي كنائسهم‪ ،‬ومساجد المسلمين‬
‫التي يذكر فيها اسم اهلل كثير ًا))(‪.)4‬‬
‫ومن دافع عن المساجد ونصر دين اهلل نصره اهلل تعالى‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫نصر ُه ِإ َّن اهلل َل َقوِ ٌّي َعزِ ٌيز‪ .)5(‬ثم بين اهلل ‪ ‬صفات‬ ‫نصر َّن اهلل من ي‬ ‫‪‬ولي‬
‫َّ‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫َ َ َ ُ (‪َ)6‬‬
‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصال َة َو َآت ُوا‬
‫اموا َّ‬ ‫اه ْم في األَ ْرض أ َق ُ‬
‫ين إِن َّم َّكنَّ ُ‬ ‫ناصريه ‪ ،‬فقال‪ :‬الَّذ َ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪.337/18 ،‬‬
‫(‪ )2‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫(‪ )3‬تفسير البغوي‪.210/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،320/18 ،‬وانظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫(‪ )5‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.30 :‬‬
‫(‪ )6‬تفسير البغوي‪.281/4 ،‬‬
‫‪060‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫نكرِ َوهلل َع ِاقب ُة األ ُ ُمورِ ‪.)1(‬‬ ‫الز َكا َة وأَمروا بِالـمعر ِ‬
‫وف َو َن َه ْوا َع ِن الـْ ُم َ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َْ ُْ‬ ‫َ َُ‬
‫ولعظم فضل المساجد جعل اهلل ‪ ‬من أقبح القبائح‪،‬وأعظم الظلم‬
‫اج َد اهلل أَن يُ ْذ َكر ِف َيها‬‫المنع من عمارتها‪،‬فقال ‪َ :‬و َم ْن أَ ْظ َلم ِممن م َن َع َمس ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َّ َّ‬
‫َ‬
‫ْاس ُم ُه َو َس َعى ِفي َخراب َِها‪ .)2(‬وال شك أن اهلل ‪ ‬نسخ جميع الشرائع‬
‫َ‬
‫السابقة كلها باإلسالم‪،‬فبعد هذا النسخ يتعين منع عمارة الكنائس‪،‬‬
‫والصوامع‪ ،‬والبيع‪،‬وجميع المعابد‪،‬ويجب إظهار هذه المساجد ورفعها‪،‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫والعناية بها‪،‬لقوله ‪ِ :)3(‬في بي ٍ‬
‫وت أَ ِذ َن اهلل أَن تُر َف َع َويُ ْذ َكر ِف َيها ْاس ُم ُه‪‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُُ‬
‫واهلل المستعان(‪.)5‬‬
‫وفضل المساجد ثبت فيه حديث أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪:‬‬
‫ب البالد إلى اهلل مساجدها‪ ،‬وأبغض البالد إلى اهلل أسواقها))(‪.)6‬‬
‫((أَ َح ُّ‬
‫أحب البالد إلى اهلل مساجدها))؛ ألنها‬
‫قال اإلمام النووي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ّ (( :-‬‬
‫بيوت الطاعات‪ ،‬وأساسها على التقوى‪(( ،‬وأبغض البالد إلى اهلل أسواقها))؛‬
‫ألنها محل الغش‪ ،‬والخداع‪ ،‬والربا‪ ،‬واأليمان الكاذبة‪ ،‬وإخالف الوعد‪،‬‬
‫واإلعراض عن ذكر اهلل‪ ،‬وغير ذلك مما في معناه))(‪.)7‬‬
‫أحب البالد إلى اهلل مساجدها‬
‫))‬
‫وقال اإلمام القرطبي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ّ (( :-‬‬
‫أي أحب بيوت البالد‪ ،‬أو بقاعها‪ ،‬وإنما كان ذلك لما ُخ َّصت به من‬
‫العبادات‪ ،‬واألذكار‪ ،‬واجتماع المؤمنين‪ ،‬وظهور شعائر الدين‪ ،‬وحضور‬
‫المالئكة‪ ،‬وإنما كانت األسواق أبغض البالد إلى اهلل؛ ألنها مخصوصة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.31 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.113 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪:‬فصول ومسائل تتعلق بالمساجد‪،‬للعالمة عبد اهلل بن عبد الرحمن الجبرين‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫(‪ )4‬سورة النور‪ ،‬اآلية‪.43 :‬‬
‫(‪ )5‬انظر تفسير ابن كثير‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب فضل الجلوس في المصلى بعد الصبح وفضل‬
‫المساجد‪ ،‬برقم ‪.371‬‬
‫(‪ )7‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.177/2 ،‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪066‬‬
‫بطلب الدنيا‪ ،‬ومطالب العباد‪ ،‬واإلعراض عن ذكر اهلل؛ وألنها مكان‬
‫األيمان الفاجرة‪ ،‬وهي معركة الشيطان‪ ،‬وبها يركز رايته))(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬أفضل المساجد‪ :‬المساجد الثالثة‪ :‬المسجد الحرام‪،‬ومسجد النبي‬
‫‪ ،‬والمسجد األقصى؛ لحديث أبي ذر ‪ ‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أي‬
‫أي؟‬
‫مسجد وضع في األرض َّأول؟ قال‪(( :‬المسجد الحرام))‪ .‬قلت‪ :‬ثم ُّ‬
‫قال‪(( :‬المسجد األقصى))‪ .‬قلت‪ :‬كم بينهما؟ قال‪(( :‬أربعون سنة‪ ،‬وأينما‬
‫صل‪ ،‬فهو مسجد))(‪.)2‬‬ ‫أدركتك الصالة ف ّ‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬نزل الحجر األسود‬
‫فسودته خطايا بني آدم))‪ .‬ولفظ ابن‬
‫اللبن‪َّ ،‬‬ ‫من الجنة‪ ،‬وهو أشد بياضاً من‬
‫خزيمة‪ ..(( :‬أشد بياضاً من الثلج))(‪.)3‬‬
‫وعنه ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬واهلل ليبعثنه اهلل يوم القيامة‪ ،‬له عينان‬
‫يبصر بهما‪ ،‬ولسان ينطق به‪ ،‬يشهد على من استلمه بحق))(‪.)4‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬صالة في مسجدي هذا‬
‫خير من ألف صالة فيما سواه إال المسجد الحرام))‪ .‬ولفظ مسلم‪:‬‬
‫((صالة في مسجدي هذا أفضل من ألف صالة فيما سواه إال المسجد‬
‫الحرام))(‪ .)5‬والصواب أن الصالة في المسجد الحرام تضاعف داخل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم‪.213/2 ،‬‬
‫َ‬ ‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األنبياء‪ ،‬باب ‪‬ووهب َنا ِل َداوود س َليم َ ِ‬
‫اب‪ ‬برقم ‪،322‬‬‫ان ن ْع َم ا ْل َع ْب ُد ِإنَّ ُه أ َّو ٌ‬ ‫ُ َ ُ َْ‬ ‫َ َ َْ‬
‫وبرقم ‪،4433‬ومسلم‪،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬برقم ‪.220‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما جاء في فضل الحجر األسود والركن‬
‫والمقام‪ ،‬برقم ‪ ،877‬وابن خزيمة في صحيحه‪ ،220/3 ،‬وصححه األلباني في صحيح سنن‬
‫الترمذي‪،341/1،‬وحسنه األرنؤوط في جامع األصول‪.272/1،‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما جاء في الحجر األسود‪ ،‬برقم ‪ ،131‬وابن خزيمة‪ ،20/3 ،‬وأحمد‪،‬‬
‫‪ ، 233/1‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي‪،‬‬
‫‪ ،283/1‬ورواه الحاكم‪ ،327/1 ،‬وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب فضل الصالة في مسجدي مكة والمدينة‪ ،‬برقم ‪ ،1110‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الحج‪ ،‬باب فضل الصالة بمسجدي مكة والمدينة‪ ،‬برقم ‪.1413‬‬
‫‪065‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫الحرم كله(‪.)1‬‬
‫وعن جابر ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬صالة في مسجدي أفضل من‬
‫ألف صالة فيما سواه إال المسجد الحرام‪ ،‬وصالة في المسجد الحرام‬
‫أفضل من مائة ألف صالة فيما سواه))(‪ .)2‬وقد جاء‪(( :‬والصالة في بيت‬
‫المقدس بخمسمائة صالة))(‪.)3‬‬
‫تشد الرحال إال إلى ثالثة‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪(( :‬ال‬
‫ّ ّ‬
‫مساجد‪ :‬مسجدي هذا‪ ،‬ومسجد الحرام‪ ،‬والمسجد األقصى))‪ .‬ولفظ‬
‫البخاري‪(( :‬ال تشد الرحال إال إلى ثالثة مساجد‪ :‬المسجد الحرام‪،‬‬
‫ومسجد الرسول ‪ ،‬ومسجد األقصى))(‪.)4‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ما بين بيتي ومنبري روضة من‬
‫رياض الجنة‪ ،‬ومنبري على حوضي))(‪.)5‬‬
‫‪ -3‬مسجد قباء أفضل المساجد بعد المساجد الثالثة؛ لحديث عبد اهلل بن‬
‫ٍ‬
‫سبت ماشي ًا‬ ‫عمر رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬كان النبي ‪ ‬يأتي مسجد قباء كل‬
‫وراكباً))‪ .‬وكان عبد اهلل بن عمر يفعله‪ .‬وفي لفظ لمسلم‪(( :‬كان رسول اهلل‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى اإلمام ابن باز‪.240/12 ،‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصالة والسنة فيها‪ ،‬باب ما جاء في فضل الصالة في المسجد الحرام‬
‫ومسجد النبي ‪ ،‬برقم ‪ ،1303‬وأحمد‪ ،434/4 ،‬وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه‪،‬‬
‫‪ ،243/1‬وإرواء الغليل‪.431/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬جاء من حديث أبي الدرداء عند البزار‪ ،‬وابن عبد البر‪ ،‬والبيهقي في الشعب‪ ،‬وحسنه البزار‪ ،‬ونقله‬
‫ابن حجر في الفتح‪ ،37/4 ،‬ولم يتعقبه بشيء‪ ،‬ولم يتضح لأللباني فتوقف عنه في إرواء الغليل‪،‬‬
‫‪ ، 432/3‬وانظر‪ :‬التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل‪ ،‬لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز‬
‫آل الشيخ‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب فضل الصالة في مسجد مكة والمدينة‪ ،‬باب فضل الصالة في مسجد‬
‫مكة والمدينة‪ ،‬برقم ‪ ، 1181‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فضل المساجد الثالثة‪ ،‬برقم ‪.1417‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب فضل الصالة في مسجد مكة والمدينة‪ ،‬باب فضل ما بين القبر‬
‫والمنبر‪ ،‬برقم ‪ ،1113‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فضل مابين قبره ‪ ‬ومنبره‪ ،‬وفضل موضع منبره‪،‬‬
‫برقم ‪.1411‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪065‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ‬يأتي مسجد قباء‪ ،‬راكب ًا‪ ،‬وماشي ًا‪ ،‬فيصلي فيه ركعتين)) ‪.‬‬
‫تطهر في بيته‪،‬‬
‫من‪ّ )2‬‬ ‫وعن سهل بن حنيف ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬‬
‫(‬
‫ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صالة كان له كأجر عمرة)) ‪.‬‬
‫وعن أسيد بن ظُهير األنصاري ‪ ‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬الصالة في‬
‫كعمرة))(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬
‫مسجد قباء ُ‬
‫يشد الرحال‪ ،‬وإنما زار مسجد قباء من المدينة‪ ،‬أو قدم‬‫وهذا لمن لم َّ‬
‫شد الرحال فال يجوز إال للمساجد الثالثة‬
‫للمدينة ثم أراد زيارة قباء‪ ،‬أما ُّ‬
‫كما تقدم آنف ًا‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل بناء المساجد وعمارتها‪ ،‬جاء فيه نصوص كثيرة تدل على‬
‫آم َن بِاهلل َوا ْلي ْو ِم‬
‫اج َد اهلل َم ْن َ‬‫العناية بها‪ ،‬كقول اهلل ‪ِ  :‬إنَّما ي ْعمر َمس ِ‬
‫َ َ ُُ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الز َكا َة َو َلم َي ْخ َش ِإال َّ اهلل َف َع َسى أ ُ ْو َلـئ َك أَن‬ ‫ِ‬
‫اآلخرِ َوأَ َق‬
‫ْ‬ ‫الصالَ َة َو َآتى َّ‬
‫َّ‬ ‫ام‬
‫َ‬
‫ين‪ .)4(‬وتكون عمارة المساجد ببنائها‪ ،‬وتنظيفها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ُكونُو ْا م َن الـْ ُم ْه َتد َ‬
‫وفرشها‪ ،‬وإنارتها‪ ،‬كما تكون عمارتها‪ :‬بالصالة فيها‪ ،‬وكثرة التردد عليها‬
‫لحضور الجماعات‪ ،‬وتعلم وتعليم العلوم النافعة‪ ،‬وأعظم العلم النافع‬
‫تع ُّلم القرآن وتعليمه‪ ،‬وغير ذلك من أنواع الطاعات(‪ ،)5‬وإخالص هذه‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق علي ه‪:‬البخاري‪،‬كتاب فضل الصالة في مسجد مكة والمدينة‪،‬باب من أتى مسجد قباء كل‬
‫سبت‪،‬برقم ‪،1114‬ومسلم‪،‬كتاب الحج‪،‬باب فضل مسجد قباء وفضل الصالة فيه‪،‬برقم ‪.1411‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب فضل مسجد قباء والصالة فيه‪ ،‬برقم ‪ ،700‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة‬
‫الصالة والسنة فيها‪ ،‬باب ما جاء في الصالة في مسجد قباء‪ ،‬برقم ‪ ،1312‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح النسائي‪ ،120/1 ،‬وصحيح ابن ماجه‪.247/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما جاء في الصالة في مسجد قباء‪ ،‬برقم ‪ ،423‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب‬
‫إقامة الصالة‪ ،‬باب ما جاء في الصالة في مسجد قباء‪ ،‬برقم ‪ ،1311‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫الترمذي‪ ،103/1 ،‬وصحيح ابن ماجه‪.247/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.18 :‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن للراغب األصفهاني‪ ،‬ص‪ ،283‬وجامع البيان عن تأويل آي القرآن‪،‬‬
‫للطبري‪ ،132/13 ،‬وتفسير البغوي‪ ،173/2 ،‬وتفسير السعدي‪ ،‬ص‪.211‬‬
‫‪065‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫اج َد هلل َفال َت ْد ُعوا َم َع‬ ‫العبادات كلها هلل تعالى‪ ،‬كما قال ‪َ  :‬وأَ َّن الـمس ِ‬
‫َْ َ‬
‫اهلل أَ َح ًدا‪.)1(‬‬
‫وت أَ ِذ َن اهلل أَن ُتر َف َع َويُ ْذ َكر ِف َيها ْاس ُم ُه يُ َسب ُح َل ُه ِف َيها‬ ‫وقال اهلل ‪ِ  :‬في بي ٍ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُُ‬
‫ال الّ ُت ْلهِ يهِ م ِتجار ٌة وال بيع عن ِذ ْكرِ اهلل و ِإ َق ِام الصالةِ‬ ‫بِا ْل ُغ ُدو واآلص ِ‬
‫ال‪ ،‬رِ َج ٌ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َْ ٌ َ‬ ‫ّ َ َ‬
‫ار‪ِ ،‬لي ْجزِ َي ُهم اهلل‬ ‫ُ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫ب‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫َ‬ ‫وب‬
‫ُ‬ ‫ل‬‫ق‬
‫ُُْ‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫يه‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ب‬
‫ُ‬ ‫الز َك ِاة َ َ ُ َ َ ْ ً َ َ َ َّ‬
‫ل‬ ‫ق‬ ‫ت‬‫ت‬ ‫ا‬‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ون‬ ‫ف‬‫ا‬‫خ‬ ‫ي‬ ‫َوإ َِيتاء َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اب‪.)2(‬‬ ‫أَ ْح َس َن َما َع ِم ُلوا َو َيزِ َيد ُهم ّمن َف ْض ِل ِه َواهلل َير ُز ُق َمن َي َش ُاء ب َِغيرِ ِح َس ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وقوله تعالى‪ :‬أَ ِذ َن اهلل أَن تُر َف َع‪ :‬أي أمر اهلل ‪ ‬ببنائها‪ ،‬ورفعها‪ ،‬وأمر‬
‫ْ‬
‫بعمارتها‪ ،‬وتطهيرها‪ ،‬وقيل‪ :‬أمر اهلل بتعاهدها‪ ،‬وتطهيرها من الدنس‪،‬‬
‫واللغو‪ ،‬واألقوال‪ ،‬واألفعال التي ال تليق فيها(‪ .)3‬وذكر اإلمام الطبري‬
‫رحمه اهلل أن معنى‪ :‬أَ ِذ َن اهلل أَن تُر َف َع‪ ‬أي‪ :‬أذن اهلل أن ُتبنى‪ ،‬وقال‬
‫ْ‬
‫بعضهم‪(( :‬أذن اهلل أن تعظم‪.))...‬ثم رجح القول األول فقال‪((:‬وأولى‬
‫القولين عندي بالصواب القول الذي قاله مجاهد‪،‬وهو أن معناه‪:‬أذن اهلل أن‬
‫ت‪.)4( ‬‬ ‫ترفع بناء‪،‬كما قال جل ثناؤه‪:‬و ِإ ْذ ير َفع إبراهيم ا ْل َقو ِاع َد ِمن ا ْلبي ِ‬
‫َ (‪ْ َ)5‬‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫ً‬
‫وذلك أن هذا هو األغلب في معنى الرفع في البيوت واألبنية)) ‪.‬‬
‫وت أَ ِذ َن اهلل أَن تُر َف َع‬ ‫وقال العالمة السعدي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ِ  :-‬في بي ٍ‬
‫ْ‬ ‫ُُ‬
‫يها ْاس ُم ُه‪ ‬هذا مجموع أحكام المساجد‪ ،‬فيدخل في رفعها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َويُ ْذ َك َر ف َ‬
‫بناؤها‪ ،‬وكنسها‪ ،‬وتنظيفها من النجاسات واألذى‪ ،‬وصونها من المجانين‬
‫والصبيان‪ ،‬الذين ال يتحرزون من النجاسات‪ ،‬وعن الكافر‪ ،‬وأن تصان‬
‫عن اللغو فيها‪ ،‬ورفع األصوات بغير ذكر اهلل))(‪.)6‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الجن‪ ،‬اآلية‪.18 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة النور‪ ،‬اآليات‪.48-43 :‬‬
‫(‪ )3‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير‪ ،‬ص‪.134‬‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.127 :‬‬
‫(‪ )5‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬للطبري‪ ،110/11 ،‬وانظر‪ :‬تفسير البغوي ‪.437/4‬‬
‫(‪ )6‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬للعالمة السعدي‪ ،‬ص‪.218‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪055‬‬
‫وعن عمرو بن ميمون ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬قال‪(( :‬أدركت أصحاب رسول‬
‫اهلل ‪ ،‬وهم يقولون‪ :‬المساجد بيوت اهلل‪ ،‬وإنه حق على اهلل أن يكرم من‬
‫زاره))(‪.)1‬‬
‫ورغب في ذلك‪ ،‬فعن عثمان بن‬ ‫حث النبي ‪ ‬على بناء المساجد َّ‬ ‫وقد ّ‬
‫عفان ‪ ‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬من بنى مسجد ًا)) قال بكير‪ :‬حسبت أنه قال‪:‬‬
‫((يبتغي به وجه اهلل)) ((بنى اهلل له مثله في الجنة))‪ .‬ولفظ مسلم‪(( :‬من بنى‬
‫مسجداً هلل)) قال بكير‪ :‬حسبت أنه قال‪(( :‬يبتغي به وجه اهلل تعالى‪ ،‬بنى اهلل له‬
‫بيتاً في الجنة))(‪.)2‬‬
‫وذكر ابن حجر رحمه اهلل أن قوله ‪(( :‬من بنى مسجداً)) التنكير فيه‬
‫للشيوع فيدخل فيه الكبير والصغير))(‪ .)3‬ووقع في رواية أنس ‪ ‬عن‬
‫النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬من بنى هلل مسجداً صغيراً أو كبيراً بنى اهلل له بيتاً في‬
‫الجنة))(‪ .)4‬وجاء من حديث أبي ذر ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬من بنى هلل‬
‫مسجداً ولو قدر مفحص قطاة(‪ )5‬بنى اهلل له بيتاً في الجنة))(‪.)6‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪-‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وحمل أكثر العلماء ذلك على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن جرير في جامع البيان‪.181/11 ،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب من بنى مسجداً‪ ،‬برقم ‪ ،320‬ومسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪،‬‬
‫باب فضل بناء المساجد‪ ،‬والحث عليها‪ ،‬برقم ‪.244‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.232/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما جاء في فضل بنيان المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،411‬وحسنه األلباني في‬
‫صحيح الترغيب والترهيب‪.110/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬مفحص قطاة ‪ :‬القطاة‪ :‬واحدة القطا‪ ،‬وهو طائر معروف ببطء سيره‪ ،‬والمفحص من الفحص‪ :‬أي‬
‫الحفر‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬الموضع الذي تحفره لترقد فيه فتضع فيه بيضها‪ .‬وانظر‪ :‬الترغيب والترهيب‬
‫للمنذري‪.232/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬البزار بلفظ [مختصر زوائد البزار على الكتب الستة ومسند أحمد‪ ،‬البن حجر‪ 210/1 ،‬برقم ‪،]230‬‬
‫والطبراني في المعجم الصغير [مجمع البحرين‪ ،331/1 ،‬برقم ‪ ،]278‬وابن حبان [اإلحسان‪،‬‬
‫‪ ،310/3‬برقم ‪ ،]1310‬وقال الهيثمي في مجمع الزوائد‪(( :7/2 ،‬رواه البزار والطبراني في الصغير‪،‬‬
‫ورجاله ثقات))‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب‪.101/8 ،‬‬
‫‪055‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫المبالغة؛ ألن المكان الذي تفحص القطاة عنه؛ لتضع فيه بيضها‪ ،‬وترقد‬
‫عليه ال يكفي مقداره للصالة فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬هو على ظاهره‪ ،‬والمعنى أن يزيد‬
‫في مسجد قدر ًا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر‪ ،‬أو يشترك جماعة‬
‫في بناء مسجد‪ ،‬فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر‪ ،‬وهذا كله بناء على‬
‫أن المراد بالمسجد ما يتبادر إلى الذهن‪ ،‬وهو المكان الذي يتخذ للصالة‬
‫فيه‪ ،‬فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع الجبهة فال‬
‫يحتاج إلى شيء مما ذكر‪ ،‬لكن قوله‪(( :‬بنى)) يشعر بوجود بناء على‬
‫الحقيقة‪ ،‬ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة رضي اهلل عنها‪(( :‬من بنى هلل بيتاً)) أخرجه‬
‫سمويه في فوائده بإسناد حسن‪ ...‬لكن ال يمنع إرادة اآلخر مجاز ًا إذ بناء‬
‫كل شيء بحسبه‪ ،‬وقد شاهدنا كثير ًا من المساجد في طرق المسافرين‬
‫يحوطونها إلى جهة القبلة‪ ،‬وهي في غاية الصغر‪ ،‬وبعضها ال تكون أكثر‬
‫من قدر موضع السجود‪ ،‬وروى البيهقي في الشعب من حديث عائشة نحو‬
‫حديث عثمان‪ ،‬وزاد‪ :‬قلت‪ :‬وهذه المساجد التي في الطرق؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫وللطبراني نحوه من حديث أبي قرصافة وإسنادهما حسن))(‪.)1‬‬
‫أما قوله ‪((:‬من بنى مسجداً هلل)) فمعناه‪((:‬أي مخلصاً في بنائه هلل تعالى))(‪.)2‬‬
‫وذكر ابن حجر رحمه اهلل عن ابن الجوزي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬أنه قال‪((:‬من كتب‬
‫اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيداً من إلخالص))(‪ .)3‬ومن بناه باألجرة ال‬
‫يحصل له هذا الوعد المخصوص؛لعدم اإلخالص‪،‬وإن كان يؤجر في الجملة على‬
‫حسب إخالصه‪،‬لكن اإلخالص الكامل ال يحصل إال من المتطوع(‪.)4‬‬
‫أما قوله ‪ ‬في حديث عثمان ‪(( :‬بنى اهلل له مثله في الجنة)) فقال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.232/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬المفهم ِل َـما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪ ،‬للقرطبي‪.140/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.232/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.232/1 ،‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪055‬‬
‫القرطبي ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬هذه المثلية ليست على ظاهرها‪ ...‬وإنما يعني‬
‫بناء أشرف وأعظم‪ ،‬وأرفع))(‪ .)1‬وقال اإلمام النووي‬
‫أنه بنى له بثوابه ً‬
‫رحمه اهلل تعالى ‪(( :-‬يحتمل قوله‪ (( :‬مثله)) أمرين‪ :‬أحدهما أن يكون‬
‫معناه‪ :‬بنى اهلل تعالى له مثله في مسمى البيت‪ ،‬وأما صفته في السعة‬
‫وغيرها فمعلوم فضلها أنها مما ال عين رأت‪ ،‬وال أذن سمعت‪ ،‬وال‬
‫خطر على قلب بشر‪.‬‬
‫الثاني‪(( :‬أن معناه أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على‬
‫بيوت الدنيا))(‪.)2‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر ‪-‬رحمه اهلل ‪((:-‬ومن األجوبة المرضية‪،‬أيضاً أن‬
‫المثلية هنا بحسب الكمية‪،‬والزيادة حاصلة بحسب الكيفية‪،‬فكم من بيت‬
‫خير من عشرة بل من مائة))(‪.)3‬وهذا هو االحتمال األول عند النووي‪.‬‬
‫وال شك أن التفاوت حاصل قطعاً بالنسبة إلى ضيق الدنيا‪ ،‬وسعة‬
‫الجنة؛ألن موضع شبر فيها خير من الدنيا وما فيها(‪.)4‬‬
‫وجاء عن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إن مما يلحق المؤمن من‬
‫عمله وحسناته بعد موته‪:‬علماً ع َّلمه ونشره‪،‬وولداً صالحاً تركه‪،‬ومصحفاً‬
‫ورثه‪،‬أو مسجداً بناه‪،‬أو بيتاً البن السبيل بناه‪،‬أو نهراً أجراه‪،‬أو صدقة أخرجها‬
‫َّ‬
‫(‪)5‬‬
‫من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته)) ‪.‬‬
‫رضي اهلل عنها‬ ‫‪ -3‬تنظيف المساجد‪ ،‬وتطييبها‪ ،‬وصيانتها؛لحديث عائشة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪ ،‬للقرطبي‪.140/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.18/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪.233/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري ‪.233/1،‬‬
‫(‪ )5‬ابن ماجه‪ ،‬المقدمة‪ ،‬باب من بلغ علماً‪ ،‬برقم ‪ ،232‬وحسنه األلباني في صحيح الترغيب‬
‫والترهيب‪.111/1 ،‬‬
‫‪055‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬
‫(‪)1‬‬
‫وأن تنظف‪،‬‬ ‫قالت‪(( :‬أمر رسول اهلل ‪ ‬ببناء المساجد في الدور‬
‫وتطيب))(‪.)2‬‬
‫وعن سمرة ‪ ‬أنه كتب إلى ابنه‪(( :‬أما بعد‪ ،‬فإن رسول اهلل ‪ ‬كان‬
‫يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في دورنا‪ ،‬ونصلح صنعتها‪ ،‬ونطهرها))(‪.)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫يقم المسجد‬
‫أسود أو امرأة سوداء كان ُّ‬‫َ‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ‬أن رجالً‬
‫فمات ولم يعلم النبي ‪ ‬بموته‪ ،‬فذكره ذات يوم‪ ،‬فقال‪(( :‬ما فعل ذلك‬
‫اإلنسان))؟ قالوا‪ :‬مات يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪(( :‬أفال آذنتموني))؟ فقالوا‪ :‬إنه كان‬
‫كذا وكذا قصته‪ ،‬قال‪ :‬فحقروا شأنه‪ ،‬قال‪(( :‬دلّوني على قبره)) أو قال‪(( :‬على‬
‫قبرها)) فأتى قبرها فصلى عليها‪[ ،‬ثم قال‪(( :‬إن هذه القبور مملوءة ظلمة‬
‫على أهلها‪ ،‬وإن اهلل ‪ ‬ي ّنورها لهم بصالتي عليهم))(‪ .])5‬وعن أنس ‪‬‬
‫قال‪ :‬بينما نحن في المسجد مع رسول اهلل ‪ ،‬إذ جاء أعرابي فقام يبول في‬
‫المسجد‪ ،‬فقال أصحاب رسول اهلل ‪ :‬مه‪ ،‬مه(‪)6‬؟ قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫((ال تزرموه(‪ )7‬دعوه)) فتركوه حتى بال‪ ،‬ثم إن رسول اهلل ‪ ‬دعاه فقال له‪:‬‬
‫((إن هذه المساجد ال تصلح لشيء من هذا البول والقذر‪ ،‬إنما هي لذكر اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بناء المساجد في الدور‪:‬قال سفيان‪:‬يعني في القبائل‪،‬جامع األصول البن األثير ‪.208/11‬‬
‫(‪ )2‬أحمد في المسند‪ ،271/3 ،‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب اتخاذ المساجد في الدور‪ ،‬برقم ‪،322‬‬
‫والترمذي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما ذكر في تطييب المساجد‪ ،‬برقم ‪ ،213‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب‬
‫المساجد والجماعات‪ ،‬برقم ‪ ،721 ،728‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.12/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب اتخاذ المساجد في الدور‪ ،‬برقم ‪ ،323‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫سنن أبي داود‪.12/1 ،‬‬
‫(‪َ )4‬ق ُّم المسجد‪ :‬هو كنسه‪ .‬الترغيب والترهيب للمنذري‪.238/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب كنس المسجد والتقاط الخرق‪ ،‬واألذى‪ ،‬والعيدان‪ ،‬برقم‬
‫‪ ، 328‬وكتاب الجنائز‪ ،‬باب الصالة على القبر بعدما يدفن‪ ،‬برقم ‪ ،1447‬ومسلم كتاب الجنائز‪،‬‬
‫باب الصالة على القبر‪ ،‬برقم ‪ ،123‬وما بين المعقوفين من رواية مسلم‪.‬‬
‫(‪َ )6‬م ْه َم ْه‪ :‬معناه اكفف‪ ،‬وهي كلمة زجر قيل‪ :‬أصلها ما هذا؟ ثم حذف تخفيفاً‪ ،‬وتقال مكررة ومفردة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪.82/1 ،‬‬
‫(‪ )7‬ال تزرموه‪ :‬أي ال تقطعوا عليه بوله‪ .‬شرح السنة للبغوي‪.301/2 ،‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪055‬‬
‫‪ ‬والصالة‪ ،‬وقراءة القرآن)) أو كما قال رسول اهلل ‪ ،‬قال‪ :‬فأمر رجالً من‬
‫فشنه(‪ )1‬عليه))(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬
‫القوم فجاء بدلوٍ من ماء َّ‬
‫وعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬البزاق في المسجد‬
‫خطيئة‪ ،‬وك َّفارتها دفنه))‪ .‬وفي لفظ لمسلم‪(( :‬التفل في المسجد خطيئة‬
‫وكفارتها دفنها))(‪.)3‬‬
‫وعن أبي ذر ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪ُ (( :‬عرضت علي أعمال أمتي‪ :‬حسنها‬
‫ّ‬
‫وسيئها‪ ،‬فوجدت في محاسن أعمالها‪ ،‬األذى يُماط عن الطريق‪،‬‬
‫ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة(‪ )4‬تكون في المسجد وال‬
‫تدفن))(‪ .)5‬قال اإلمام النووي رحمه اهلل‪(( :‬هذا ظاهر أن هذا القبح أو الذم‬
‫ال يختص بصاحب النخاعة بل يدخل فيه هو‪ ،‬وكل من رآها وال يزيلها‬
‫حك‪ ،‬ونحوه))(‪.)6‬‬ ‫بدفن أو ٍّ‬
‫‪ -7‬يبتعد المسلم عن الروائح الخبيثة إذا ذهب إلى المسجد؛ لحديث‬
‫جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬من أكل ثوماً أو بصالً‬
‫وليقعد في بيته))‪ .‬وفي لفظ لمسلم‪(( :‬فإن‬
‫ْ‬ ‫مسجدنا‪،‬‬
‫َ‬ ‫ليعتزل‬
‫ْ‬ ‫فليعتز ْلنا‪ ،‬أو‬
‫المالئكة تتأ َّذى مما يتأ َّذى منه بنو آدم))(‪.)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شنَّه عليه‪ :‬أي صبه عليه‪ .‬المرجع السابق‪.301/2 ،‬‬
‫باب‪ :‬صب الماء على البول في المسجد‪ ،‬برقم ‪،221‬‬ ‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الوضوء‪ٌ ،‬‬
‫ومسلم واللفظ له‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في‬
‫المسجد‪ ،‬وأن األرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها‪ ،‬برقم ‪.282‬‬
‫(‪ ) 3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب كفارة البزاق في المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،312‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب النهي عن البصاق في المسجد‪ ،‬في الصالة وغيرها‪ ،‬والنهي عن‬
‫بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه‪ ،‬برقم ‪.222‬‬
‫(‪ )4‬النخاعة ‪ :‬البزقة التي تخرج من أصل الفم مما يلي أصل النخاع‪ .‬النهاية في غريب الحديث البن‬
‫األثير‪ ،‬باب النون مع الخاء‪.44/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب النهي عن البصاق في المسجد‪ ،‬برقم ‪.224‬‬
‫(‪ )6‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.32/2 ،‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،822‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،233‬وتقدم تخريجه في مكروهات الصالة‪.‬‬
‫‪050‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫وخطب عمر بن الخطاب ‪ ‬الناس في آخر حياته‪ ،‬وقال‪(( :‬إنكم أيها‬


‫الناس تأكلون شجرتين ال أراهما إال خبيثتين‪ ،‬هذا البصل والثوم‪ ،‬لقد‬
‫رأيت رسول اهلل ‪ ‬إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به‬
‫فأُخرج‪ ،‬فمن أكلهما فليمتهما طبخاً))(‪.)1‬‬
‫‪ -8‬فضل المشي إلى المساجد دلت عليه األدلة الصحيحة‬
‫الصريحة‪،‬ومن هذه الفضائل‪:‬أن من تعلق قلبه بالمساجد يكون في ظل‬
‫حط‬
‫الدرجات‪،‬وت ّ‬
‫ُ‬ ‫اهلل يوم ال ظل إال ظله‪،‬المشي إلى المساجد تُرفع به‬
‫الخطايا‪،‬وتكتب الحسنات؛والذاهب إليها في صالة حتى يرجع إلى‬‫ُ‬
‫بيته‪،‬وإذا أسبغ الوضوء ثم ذهب إليها غفر اهلل له ذنوبه‪،‬وإذا غدا إلى‬
‫المسجد أو راح أعد اهلل له في الجنة ضيافة كلما غدا أو راح؛والمشي‬
‫إلى المساجد ألداء صالة الجماعة من أسباب سعادة الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وغير ذلك من الفضائل(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬المساجد يجب أن تقام الجماعة فيها‪ ،‬وال يجوز للرجال فعلها إال‬
‫في المسجد‪ ،‬واألدلة على ذلك هي البراهين الدالة على وجوب صالة‬
‫الجماعة‪ ،‬وأنها فرض عين(‪ )3‬ولكن إذا لم يتيسر مسجد أو كان المسجد‬
‫بعيداً ال يُسمع األذان منه أو كان الجماعة في سفر‪ ،‬فإن الجماعة تجب‬
‫على من يستطيع أن يجدها‪ ،‬وعليهم أن يصلوا في مكان طاهر؛ لحديث‬
‫عطهن أحد قبلي‪ :‬نُصرت‬ ‫ُ‬
‫ّ‬ ‫جابر ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬أعطيت خمساً لم يُ‬
‫وج ِعلت لي األرض مسجداً وطهوراً‪ ،‬فأيما رجل‬ ‫بالرعب مسيرة شهر‪ُ ،‬‬
‫حل ألحد‬ ‫فليصل‪ ،‬وأحلت لي الغنائم ولم تُ ّ‬
‫ّ‬ ‫من أمتي أدركته الصالة‬
‫عثت إلى‬
‫قبلي‪ ،‬وأعطيت الشفاعة‪ ،‬وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُ ُ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬برقم ‪.233‬‬
‫(‪ )2‬تقدمت أدلة هذه الفضائل في فضل المشي إلى صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدمت األدلة على ذلك في حكم صالة الجماعة‪.‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪056‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الناس عامة)) ‪ .‬قال اإلمام ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪(( :-‬من تأمل‬
‫الت ُّأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على األعيان‪ ،‬إال‬
‫السنة حق ّ‬
‫لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة‪ ،‬فترك حضور المسجد لغير‬
‫عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر‪ ،‬وبهذا تتفق جميع األحاديث‬
‫ندين اهلل به أنه ال يجوز ألحد التخلف عن الجماعة في‬‫ُ‬ ‫واآلثار‪ ...‬فالذي‬
‫المسجد إال من عذر‪ ،‬واهلل أعلم بالصواب))(‪.)2‬‬
‫‪ -10‬تحريم اتخاذ القبور مساجد‪،‬لحديث أبي هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل‬
‫‪ ‬قال‪((:‬لعن اهلل اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))(‪)3‬؛‬
‫(‪)5‬‬
‫ولحديث عائشة وابن عباس ‪ ‬قاال‪َ (( :‬ل ّما نزل(‪ )4‬برسول اهلل ‪ ‬طفق‬
‫يطرح خميصة له على وجهه‪ ،‬فإذا اغتم بها(‪ )6‬كشفها عن وجهه‪ ،‬فقال‬
‫وهو كذلك‪(( :‬لعنة اهلل على اليهود والنصارى‪ ،‬اتخذوا قبور أنبيائهم‬
‫مساجد يحذر ما صنعوا))(‪.)7‬‬
‫وعن ُجندب ‪ ‬قال‪ :‬سمعت النبي ‪ ‬قبل أن يموت بخمس وهو يقول‪:‬‬
‫((إني أبرأ إلى اهلل أن يكون لي منكم خليل؛فإن اهلل تعالى قد اتخذني خليالً‬
‫كما اتخذ إبراهيم خليالً‪،‬ولو كنت ُمتخذاً من أمتي خليالً التخذت أبا بكر‬
‫خليالً‪،‬أال وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫باب‪ :‬حدثنا عبد اهلل بن يوسف‪ ،‬برقم ‪ ،442‬ومسلم‪،‬كتاب‬‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب التيمم‪ٌ ،‬‬
‫المساجد ومواضع الصالة‪،‬باب المساجد ومواضع الصالة برقم‪.221‬‬
‫(‪ )2‬كتاب الصالة‪ ،‬البن القيم‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫باب‪ :‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬برقم ‪ ،343‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ٌ ،‬‬
‫ومواضع الصالة‪،‬باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم‪.240‬‬
‫(‪ )4‬نزل‪ :‬أي نزل ملك الموت برسول اهلل ‪.‬‬
‫(‪ )5‬طفق‪ :‬جعل‪.‬‬
‫(‪ )6‬اغتم‪ :‬أي تغطَّى بها‪ .‬انظر‪ :‬المصباح المنير للفيومي‪.323 ،‬‬
‫باب‪ :‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬برقم ‪ ،343‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد‬
‫(‪ )7‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ٌ ،‬‬
‫ومواضع الصالة‪،‬باب النهي عن بناء المساجد على القبور‪،‬برقم ‪.241‬‬
‫‪055‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫مساجد‪ ،‬أال فال تتخذوا القبور مساجد‪،‬فإني أنهاكم عن ذلك))(‪.)1‬‬


‫وعن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة رضي اهلل عنهن ذكرتا كنيسة رأينها‬
‫بالحبشة فيها تصاوير‪َ ،‬ف َذكرتا للنبي ‪ ‬فقال‪(( :‬إ َّن أولئك إذا كان فيهم‬
‫وصوروا فيه تلك الصور‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أولئك شرار الخلق عند اهلل ‪ ‬يوم القيامة)) ‪.‬‬
‫‪ -11‬دخول الكافر المسجد عند الحاجة بدون ضرر أو أذى؛لحديث‬
‫نجد فجاءت برجل من بني‬ ‫أبي هريرة ‪ ‬قال‪:‬بعث النبي ‪ ‬خيالً ِقب َل ٍ‬
‫َ‬
‫حنيفة يقال له‪:‬ثمامة بن أثال‪،‬فربطوه بسارية من سواري المسجد‪،‬فخرج‬
‫إليه النبي ‪ ‬فقال‪((:‬أطلقوه)) فانطلق إلى نخل قريب من المسجد‪،‬‬
‫فاغتسل‪،‬ثم دخل المسجد فقال‪:‬أشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمداً رسول‬
‫اهلل(‪.)3‬وهذا يدل على جواز دخول المشرك المسجد إذا كان له فيه حاجة‪،‬‬
‫أما المسجد الحرام فال(‪.)4‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل‬
‫ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪((:‬وهذا فيه شاهد على جواز ربط الكافر في‬
‫المسجد‪،‬ويدل على جواز دخول الكافر المدينة المنورة‪،‬فليست كمكة‬
‫عند الحاجة‪ ،‬وفيه دليل على جواز دخول الكافر المسجد للحاجة‪ ،‬فإذا‬
‫جاز دخوله مسجد المدينة فالمساجد األخرى من باب أولى ما عدا‬
‫مكة))(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ ) 1‬مسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور‬
‫فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد‪ ،‬برقم ‪.242‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد‪،‬‬
‫برقم ‪ ، 327‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب النهي عن بناء المساجد على القبور‬
‫واتخاذ الصور فيها‪ ،‬والنهي عن اتخاذ القبور مساجد‪ ،‬برقم ‪.228‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري واللفظ له‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب االغتسال إذا أسلم وربط األسير أيض ًا في‬
‫المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،332‬وباب دخول المشرك المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،331‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب‬
‫ربط األسير وحبسه وجواز المن عليه‪ ،‬برقم ‪.1733‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬سبل السالم للصنعاني‪.182/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.232‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪055‬‬
‫‪ -12‬جواز إنشاد الشعر الحكيم النافع في المسجد؛ لحديث أبي‬
‫هريرة ‪ ‬أن عمر ‪ ‬مر بحسان ‪ ‬وهو ينشد الشعر في المسجد‪،‬‬
‫ّ‬
‫أنشد وفيه من هو خير منك‪ ،‬ثم التفت إلى‬
‫ُ‬ ‫كنت‬ ‫فلحظ إليه(‪ )1‬فقال‪ :‬قد‬
‫أبي هريرة فقال‪ :‬أنشدك اهلل أسمعت رسول اهلل يقول‪(( :‬أجب عني اللهم‬
‫أيّده بروح القدس))(‪ )2‬قال‪ :‬اللهم نعم(‪.)3‬‬
‫وفي هذا الحديث داللة على جواز إنشاد األشعار التي تدعو إلى الخير‬
‫في المسجد؛لما في ذلك من األثر العظيم في النفوس‪ ،‬وتشجيع أهل‬
‫الحق‪ ،‬أما ما جاء من أحاديث النهي عن تناشد األشعار في المسجد‪،‬‬
‫فالنهي محمول على تناشد أشعار الجاهلية‪ ،‬وأهل البطالة‪ ،‬فالمأذون فيه ما‬
‫سلم من ذلك‪ ،‬وقيل‪ :‬المأذون فيه‪ :‬مشروط بأن ال يكون ذلك مما يشغل‬
‫َمن في المسجد(‪.)4‬‬
‫‪ -14‬تحريم السؤال عن الضالة في المسجد؛ لحديث أبي هريرة ‪‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬من سمع رجالً ينشد ضالة(‪ )5‬في المسجد‬
‫بن لهذا))(‪ .)6‬وعن بريدة ‪‬‬‫لم‪)7‬تُ َ‬ ‫ردها اهلل عليك؛فإن المساجد‬
‫فليقل‪ :‬ال ّ‬
‫أن رجالً نشد في المسجد فقال‪:‬من دعا( إلى الجمل األحمر؟ فقال‬
‫وجدت إنما بُنيت المساجد ِل َما بُنيت له))(‪.)8‬‬
‫َ‬ ‫النبي ‪(( :‬ال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لحظ إليه ‪ :‬نظر إليه وكأن حسان فهم منه نظر اإلنكار‪ .‬سبل السالم‪.187/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬روح القدس‪ :‬جبريل ‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الشعر في المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،324‬ومسلم‪ ،‬كتاب فضائل‬
‫الصحابة‪ ،‬باب فضائل حسان بن ثابت ‪ ،‬برقم ‪.2382‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬سبل السالم للصنعاني‪.187/2 ،‬‬
‫ينش ُد‪ :‬من نشدت إذا طلبت‪ ،‬ومنه قوله‪(( :‬نشد)) شرح النووي على صحيح مسلم‪.28/2 ،‬‬ ‫(‪ُ )5‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪،‬كتاب المساجد‪،‬باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد‪ ،‬برقم ‪.238‬‬
‫(‪ )7‬من دعا إلى الجمل األحمر ‪ :‬أي من وجد ضالتي وهو الجمل األحمر فدعاني إليه‪ .‬انظر‪ :‬جامع‬
‫األصول البن األثير‪.203/11 ،‬‬
‫(‪ )8‬مسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من‬
‫سمع الناشد‪ ،‬برقم ‪.231‬‬
‫‪055‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫دل هذان الحديثان على النهي عن نشد الضالة في المسجد‪ ،‬ويلحق به‬ ‫ّ‬
‫ما في معناه‪ :‬من البيع والشراء‪ ،‬واإلجارة‪ ،‬ونحوها من العقود‪ ،‬وكراهة‬
‫رفع الصوت في المسجد‪ ،‬والدعاء عليه‪ :‬عقوبة له على مخالفته‬
‫وعصيانه‪ ،‬وينبغي لسامعه أن يقول‪ :‬ال وجدت فإن المساجد لم تبن‬
‫لهذا‪ ،‬أو يقول‪ :‬ال وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له(‪ .)1‬والضالة‪:‬‬
‫الضائعة‪ ،‬ونشدها طلبها والسؤال عنها(‪.)2‬‬
‫‪ -13‬تحريم البيع والشراء في المساجد؛ لحديث أبي هريرة ‪ ‬أن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع(‪ )3‬في المسجد فقولوا‪ :‬ال أربح اهلل‬
‫رد اهلل عليك))(‪.)4‬‬
‫تجارتك‪ ،‬وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا‪ :‬ال ّ‬
‫والحديث يدل على تحريم البيع والشراء في المسجد‪ ،‬وأنه ينبغي‬
‫لمن رأى ذلك أن يقول لكل من البائع والمشتري‪ :‬ال أربح اهلل تجارتك‪،‬‬
‫جهراً للفاعل(‪ )5‬هذا فيه تعزير بالدعاء‪ ،‬والعلة في قوله فيما سلف‪(( :‬فإن‬
‫المساجد لم تبن لذلك))‪.‬‬
‫‪ -12‬ال تقام الحدود في المساجد وال يستقاد فيها؛لحديث حكيم بن‬
‫حزام ‪ ‬أنه قال‪((:‬نهى رسول اهلل ‪ ‬أن يستقاد في المسجد‪،‬وأن تنشد فيه‬
‫األشعار‪،‬وأن تقام فيه الحدود))(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.21-28/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬جامع األصول‪ ،‬البن األثير‪.204/11 ،‬‬
‫(‪ )3‬يبتاع‪ :‬أي يشتري‪ .‬سبل السالم للصنعاني‪.181/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ ،‬بلفظه‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب النهي عن البيع في المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،1421‬والنسائي في عمل اليوم‬
‫والليلة‪ ،‬برقم ‪ ،173‬وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم ‪ ،123‬والحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪،‬‬
‫‪،23/2‬وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي‪،43/2،‬وفي إرواء الغليل‪،‬برقم ‪.1312‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬سبل السالم للصنعاني‪.181/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب في إقامة الحد في المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،3310‬بلفظه‪ ،‬وأحمد في‬
‫المسند‪ ،43/4 ،‬والحاكم في المستدرك‪ ،478/3 ،‬والدارقطني في السنن‪ ،83/4 ،‬برقم ‪،13‬‬
‫والبيهقي في السنن الكبرى‪ ، 428/8 ،‬وعزاه ابن حجر في التلخيص الحبير إلى ابن السكن‪،‬‬
‫وضعف إسناده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام‪ ،‬وقال في التلخيص الحبير‪(( :78/3 ،‬ال بأس‬
‫=‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪055‬‬
‫يدل على تحريم إقامة الحدود في المساجد‪ ،‬وعلى تحريم‬ ‫والحديث ّ‬
‫االستقادة فيها(‪ ،)1‬أما األشعار التي ال تجوز في المساجد فهي أشعار‬
‫الجاهلية‪ ،‬وأهل المعاصي‪ ،‬بخالف األشعار التي تدعو إلى الفضيلة فال‬
‫بأس بها‪ .‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪-‬رحمه اهلل‬
‫‪ -‬يقول‪(( :‬الحديث وإن كان ضعيف ًا لكن معناه تشهد له األدلة األخرى؛فإن‬
‫إقامة الحدود في المساجد قد تلوثها عند الضرب أو القطع‪ ،‬فيحصل‬
‫تلويث المسجد بالبول أو غيره))(‪.)2‬‬
‫‪ -13‬النوم واألكل والسكن وبقاء المريض في المسجد؛ لحديث عائشة‬
‫(‪)3‬‬
‫رضي اهلل عنها قالت‪(( :‬أصيب سعد يوم الخندق فضرب عليه رسول اهلل ‪‬‬
‫خيمة في المسجد ليعوده من قريب))(‪ .)4‬وهذا يدل على جواز النوم في‬
‫المسجد‪ ،‬وبقاء المريض فيه‪ ،‬ونصب الخيمة(‪ .)5‬وسمعت شيخنا اإلمام‬
‫عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪(( :‬ال بأس من اتخاذ‬
‫خيمة‪ ،‬أو خيام في المسجد‪ ،‬سواء كانت لالعتكاف‪ ،‬أو لرجل له شأن‪،‬‬
‫ليزار‪ ،‬أو للسكن لمن لم يكن له سكن))(‪.)6‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أنه كان ينام وهو شاب أعزب ال أهل له‬
‫في مسجد النبي ‪.)7(‬وعن عائشة رضي اهلل عنها أن وليدة سوداء كان لها خباء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫بإسناده))‪ ،‬وحسنه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.820/4 ،‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬سبل السالم للصنعاني‪.111/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.231‬‬
‫(‪ )3‬فضرب عليه خيمة‪ :‬أي نصب عليه خيمة‪ .‬سبل السالم للصنعاني‪.114/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم‪ ،‬برقم ‪،334‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم‬
‫حاكم عدل أهل للحكم‪ ،‬برقم ‪.1731‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬سبل السالم للصنعاني ‪.114/2،‬‬
‫(‪ )6‬سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.270‬‬
‫(‪ )7‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب نوم الرجال في المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،330‬ومسلم‪ ،‬كتاب فضائل‬
‫الصحابة‪ ،‬باب من فضائل عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما برقم ‪.2371‬‬
‫‪055‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫في المسجد‪،‬فكانت تأتيني فتحدث عندي‪،‬قالت‪:‬فال تجلس عندي مجلس ًا‬


‫إال قالت‪:‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أال إنه من بلـدة الكفر أنجاني‬ ‫ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا‬
‫وفي هذا دليل على إباحة المبيت‪ ،‬والمقيل في المسجد‪ ،‬لمن ليس له‬
‫مسكن من المسلمين‪ ،‬رجالً كان أو امرأة عند أمن الفتنة(‪ .)3‬وكان‬
‫أصحاب الصفة يسكنون في المسجد؛ لحديث أبي هريرة ‪ ‬قال‪:‬‬
‫رداء‪ ،‬إما إزار وإما‬
‫((رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه ٌ‬
‫كساء قد ربطوا في أعناقهم‪ ،‬فمنها ما يبلغ نصف الساقين‪ ،‬ومنها ما يبلغ‬
‫الكعبين‪ ،‬فيجمعه بيده كراهية أن ُترى عورته))(‪.)4‬‬
‫وعن عبد اهلل بن الحارث بن جزء الزبيدي ‪ ‬قال‪(( :‬كنا نأكل على عهد‬
‫رسول اهلل ‪ ‬في المسجد الخبز واللحم))(‪.)5‬‬
‫رضي‬ ‫‪ -17‬اللعب المباح في المسجد‪ :‬ما أذن فيه النبي ‪ ،‬فعن عائشة‬
‫اهلل عنها قالت‪(( :‬لقد رأيت رسول اهلل ‪ ‬يوم ًا على باب حجرتي والحبشة‬
‫يلعبون في المسجد‪ ،‬ورسول اهلل ‪ ‬يسترني بردائه‪ ،‬أنظر إلى لعبهم))‪.‬‬
‫وفي لفظ‪(( :‬كان الحبشة يلعبون بحرابهم فيسترني رسول اهلل ‪ ‬وأنا‬
‫أنظر‪ ،‬فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف‪ ،‬فاقدروا قدر الجارية‬
‫الحديثة السن تسمع اللهو))(‪ .)6‬وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬بينما الحبشة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬يوم الوشاح له قصة عجيبة‪ ،‬انظرها في صحيح البخاري‪ ،‬برقم ‪.4842 ،341‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب نوم المرأة في المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،341‬وفيه قصة عجيبة!‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬سبل السالم‪.113/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب نوم الرجال في المسجد‪،‬برقم ‪.332‬‬
‫(‪ )5‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب األطعمة‪ ،‬باب األكل في المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،4400‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫سنن ابن ماجه‪.240/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه‪ :‬البخاري واللفظ له‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب أصحاب الحراب في المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،323‬وكتاب‬
‫النكاح‪ ،‬باب حسن المعاشرة مع األهل‪ ،‬برقم ‪ ،2110‬وكتاب العيدين‪ ،‬باب الحراب والدرق يوم‬
‫العيد‪ ،‬برقم ‪ ،120‬وكتاب النكاح‪ ،‬باب نظر المرأة إلى الجيش ونحوهم‪ ،‬برقم ‪ ،2243‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫صالة العيدين‪ ،‬باب الرخصة في اللعب الذي ال معصية فيه في أيام العيد‪ ،‬برقم ‪.812‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪055‬‬
‫يلعبون عند النبي ‪[ ‬وفي رواية‪ :‬في المسجد] دخل عمر فأهوى إلى‬
‫الحصباء فحصبهم بها‪ ،‬فقال‪(( :‬دعهم يا عمر))(‪ .)1‬قال الحافظ ابن حجر‬
‫‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬واللعب بالحراب ليس لعباً مجرد ًا‪ ،‬بل فيه تدريب‬
‫الشجعان على مواقع الحروب‪ ،‬واالستعداد للعدو))(‪.)2‬‬
‫وقال ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬واستدل به على جواز اللعب بالسالح على‬
‫طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه))(‪.)3‬‬
‫وأما نظر عائشة رضي اهلل عنها إلى الحبشة‪ ،‬وهم يلعبون وهي أجنبية ففيه‬
‫داللة على جواز نظر المرأة إلى جملة الناس من دون تفصيل ألفرادهم‪،‬‬
‫كما تنظرهم إذا خرجت للصالة في المسجد‪ ،‬وعند المالقاة في‬
‫الطرقات(‪ .)4‬وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪(( :‬هذا‬
‫الحديث يدل على أن نظر النساء في الجملة ال حرج فيه‪ ،‬كما ينظرن‬
‫الرجال في األسفار والمساجد‪ ،‬فالنظر العام للماشين والمصلين‪،‬‬
‫والالعبين ال يضر؛ ألنه في الغالب ال يكون مع الشهوة‪.)5())...‬‬
‫‪ -18‬تشييد المساجد‪ ،‬وزخرفتها‪ ،‬واالقتصاد في بنائها‪ ،‬جاء في النهي‬
‫عن تشييد المساجد وزخرفتها آثار وأحاديث‪ ،‬وجاء في األمر باالقتصاد‬
‫في بنائها أحاديث أخر‪ ،‬فعن أنس ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬ال تقوم‬
‫الساعة حتى يتباهى الناس(‪ )6‬في المساجد))‪ .‬ولفظ النسائي‪(( :‬من أشراط‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب اللهو بالحراب ونحوها‪ ،‬برقم ‪ ،2101‬ومسلم‪،‬‬
‫كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب الرخصة في اللعب الذي ال معصية فيه‪ ،‬برقم ‪.814‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪.231/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق‪.332/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬سبل السالم للصنعاني‪.112/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام البن حجر‪ ،‬الحديث رقم ‪.271‬‬
‫(‪ )6‬يتباهى الناس ‪ :‬يتفاخرون في بناء المساجد‪ :‬بالنقش والكثرة‪ .‬انظر‪ :‬جامع األصول البن األثير‪،‬‬
‫‪ ،210/11‬ونيل األوطار للشوكاني‪.312/1 ،‬‬
‫‪055‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫الساعة أن يتباهى الناس في المساجد))(‪.)1‬‬


‫(‪)2‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬ما أمرت بتشييد‬
‫المساجد))(‪.)3‬‬
‫لتزخرِ ُف َّنها كما زخرفت اليهود والنصارى(‪.)5()))4‬‬
‫قال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ْ (( :‬‬
‫وقال أبو سعيد الخدري ‪(( :‬كان سقف المسجد من جريد‬
‫النخل))(‪ ،)6‬وأمر عمر ‪ ‬ببناء المسجد‪ ،‬وقال‪ِ (( :‬‬
‫أك َّن الناس من المطر‪،‬‬
‫وإياك أن ُت َح ّمر‪ ،‬أو تُص ّفر‪ ،‬فتفتن الناس))(‪ .)7‬وكأ َّن عمر ‪ ‬فهم ذلك من‬
‫رد النبي ‪ ‬الخميصة إلى أبي جهم من أجل األعالم التي فيها‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫((إنها ألهتني عن صالتي))(‪ .)8‬قال ابن حجر ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬ويحتمل أن‬
‫يكون عند عمر من ذلك علم))(‪ .)9‬وقال أنس بن مالك ‪(( :‬يتباهون بها‬
‫ثم ال يعمرونها إال قليالً))(‪.)10‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب في بناء المساجد‪ ،‬برقم ‪ ،331‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب المساجد‬
‫والجماعات‪ ،‬باب تشييد المساجد‪ ،‬برقم ‪ ،741‬والنسائي‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب المباهاة في‬
‫المساجد‪ ،‬برقم ‪ ،381‬وأحمد‪ ،32/4 ،‬وصححه األلباني في صحيح سنن النسائي‪،138/1 ،‬‬
‫وصحيح سنن أبي داود‪.11/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬تشييد ‪ :‬المراد بالتشييد رفع البناء وتطويله‪ .‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث البن األثير‪،217/2 ،‬‬
‫وشرح السنة للبغوي‪.431/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب في بناء المساجد‪ ،‬برقم ‪ ،338‬وصححه األلباني في صحيح سنن‬
‫أبي داود‪.10/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬الزخرفة‪:‬النقوش‪،‬وتذهيب الحيطان وتمويهها بالذهب‪.‬جامع األصول‪.201/11 ،‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب بنيان المساجد‪ ،‬معلقاً قبل الحديث رقم ‪ ،333‬ووصله أبو داود‪،‬‬
‫برقم ‪.338‬‬
‫(‪ )6‬البخاري موقوفاً معلقاً‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب بنيان المسجد‪،‬قبل الحديث رقم ‪ ،333‬قال الحافظ ابن‬
‫حجر وهو طرف من حديثه في ليلة القدر‪ ،‬وقد وصله المؤلف في االعتكاف‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري‪،‬‬
‫البن حجر‪.241/1 ،‬‬
‫(‪ )7‬البخاري‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب بنيان المسجد [في ترجمة الباب]‪،‬قبل الحديث رقم ‪.333‬‬
‫(‪ )8‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،474‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،223‬وتقدم تخريجه في مكروهات الصالة‪.‬‬
‫(‪ )9‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.441/1 ،‬‬
‫(‪ )10‬البخاري‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب بنيان المساجد‪[ ،‬في ترجمة الباب] قبل الحديث رقم ‪ .333‬قال الحافظ‬
‫=‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪055‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪(( :‬زخرفة المساجد‬
‫وعدم الصالة فيها من المصائب))(‪.)1‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‪ :‬أن المسجد كان على عهد رسول اهلل‬
‫مبنياً باللبن‪ ،‬وسقفه الجريد‪ ،‬وعمده خشب النخل‪ ،‬فلم يزد فيه أبو بكر‬
‫ّ‬
‫شيئ ًا‪ ،‬وزاد فيه عمر وبناه على بنياه في عهد رسول اهلل ‪ :‬بال َّلبِن‬
‫والجريد‪ ،‬وأعاد عمده خشباً‪ ،‬ثم غيره عثمان‪ ،‬فزاد فيه زيادة كثيرة‪ ،‬وبنى‬
‫جداره بالحجار المنقوشة والقصة(‪ ،)2‬وجعل عمده من حجارة منقوشة‪،‬‬
‫وسقفه بالساج(‪.)4() )3‬‬ ‫)‬

‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪:‬‬
‫((فعل عثمان ‪ ‬يدل على تحسين المسجد بالحجارة المنقوشة‪ ،‬واألخشاب‬
‫الطيبة‪ ،‬والقصة يعني صبغ الجدار ال بأس بذلك‪ ،‬وإن كان حياة السلف أولى‬
‫حسن الناس مساكنهم‪ ،‬ونفروا من البنايات القديمة‪ ،‬وصار‬ ‫وأفضل‪ ،‬لكن إذا َّ‬
‫ترك المسجد على حالته القديمة قد ينفرهم من الصالة واالجتماع في‬
‫المساجد‪ ،‬فال بأس أن يفعل مثل ما فعل عثمان ‪ ‬للترغيب في المساجد‪،‬‬
‫أما للمفاخرة فال‪ ،‬ويكره أن يكتب في المسجد فاألولى أن يكون سادة))(‪.)5‬‬
‫‪ -11‬الكالم في المسجد ال بأس به إذا كان مباح ًا؛ لحديث جابر بن‬
‫سمرة ‪ ‬وفيه أن النبي ‪((:‬كان ال يقوم من مصالّه الذي صلى فيه الصبح‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫ابن حجر في فتح الباري‪(( :241/1 ،‬وهذا التعليق رويناه موصوالً في مسند أبي يعلى‪،‬وصحيح ابن‬
‫خزيمة‪،‬من طريق أبي قالبة‪،‬أن أنساً قال‪(( :‬سمعته يقول‪((:‬يأتي على أمتي زمان يتباهون في المساجد‪،‬ثم‬
‫ال يعمرونها إال قليالً))‪.‬‬
‫(‪ )1‬سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪.333‬‬
‫(‪ )2‬القصة‪ :‬الجص بلغة أهل الحجاز‪ .‬جامع األصول البن األثير‪.183/11 ،‬‬
‫(‪ )3‬الساج‪:‬نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند‪.‬فتح الباري‪،‬البن حجر‪.230/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب بنيان المسجد‪ ،‬برقم ‪.333‬‬
‫(‪ )5‬سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.273‬‬
‫‪050‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫أو الغداة حتى تطلع الشمس‪،‬فإذا طلعت الشمس قام‪،‬وكانوا يتحدثون‬


‫ويتبسم))(‪ .)1‬ولفظ أحمد‪(( :‬شهدت‬
‫ّ‬ ‫فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون‬
‫النبي ‪ ‬أكثر من مائة مرة في المسجد‪ ،‬وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء‬
‫من أمر الجاهلية‪ ،‬فربما تبسم معهم))(‪ .)2‬قال النووي ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬فيه‬
‫والتبسم))(‪.)3‬وقال القرطبي ‪-‬رحمه اهلل‪(( :-‬يمكن أن يقال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫جواز الضحك‬
‫إنهم في ذلك الوقت كانوا يتكلمون؛ ألن الكالم فيه جائز غير ممنوع‪ ،‬إذ‬
‫لم يرد في ذلك منع‪ ،‬وغاية ما هنالك أن اإلقبال في ذلك الوقت على ذكر‬
‫اهلل تعالى أفضل وأولى‪ ،‬وال يلزم من ذلك أن يكون الكالم مطلوب الترك‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬واهلل تعالى أعلم))(‪.)4‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه‬
‫اهلل ‪(( :-‬وأما الكالم الذي يحبه اهلل ورسوله ‪ ‬في المسجد فحسن‪ ،‬وأما‬
‫المحرم فهو في المسجد أشد تحريم ًا‪ ،‬وكذلك المكروه‪ ،‬ويكره فيه فضول‬
‫َّ‬
‫المباح))(‪.)5‬‬
‫يشوش على المصلين‪،‬‬ ‫‪ -20‬رفع األصوات في المساجد ممنوع؛ ألنه ّ‬
‫ولو بقراءة القرآن؛ لحديث أبي سعيد الخدري ‪ ‬قال‪ :‬اعتكف رسول‬
‫اهلل ‪ ‬في المسجد فسمعهم يجهرون بالقرآن‪ ،‬فكشف الستر وقال‪(( :‬أال‬
‫يؤذين بعضكم بعضاً‪ ،‬وال يرفع بعضكم على‬‫َّ‬ ‫ربه‪ ،‬فال‬
‫إن كلكم مناج َّ‬
‫(‪)6‬‬ ‫ٍ‬
‫بعض في القراءة)) أو قال‪(( :‬في الصالة)) ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪،‬باب فضل الجلوس في مصاله بعد صالة الصبح‪،‬برقم‪.370‬‬
‫(‪ )2‬أحمد بلفظه ‪ ، 11/2‬والترمذي بنحوه‪ ،‬في كتاب األدب‪ ،‬باب ما جاء في إنشاد الشعر‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،2820‬وقال‪(( :‬حديث حسن صحيح))‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي‪147/4 ،‬‬
‫[طبعة مكتبة المعارف]‪.‬‬
‫(‪ )3‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪.177/2،‬‬
‫(‪ )4‬المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪.213/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم‪ ،‬ابن تيمية‪.232 ،200/22 ،‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬كتاب التطوع‪ ،‬باب رفع الصوت بالقراءة في صالة الليل‪ ،‬برقم ‪ ،1442‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح أبي داود‪،137/1،‬ورواه أحمد بنحوه في المسند‪ ،37/2،‬عن ابن عمر رضي اهلل عنهما وصححه‬
‫أحمد شاكر في شرحه للمسند‪،‬برقم ‪ ،128‬و‪.2431‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪056‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وعن السائب بن يزيد ‪ ‬قال‪(( :‬كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل‪،‬‬
‫فنظرت فإذا عمر بن الخطاب‪ ،‬فقال‪ :‬اذهب فأتني بهذين‪ ،‬فجئته بهما‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قاال‪ :‬من أهل الطائف‪ ،‬قال‪ :‬لو كنتما من أهل البلد‬
‫ألوجعتكما‪ ،‬ترفعان أصواتكما في مسجد رسول اهلل ‪.)2())‬‬
‫ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه‬‫وعن كعب بن مالك ‪ ‬أنه تقاضى َ‬
‫في المسجد‪ ،‬فارتفعت أصواتهما‪ ،‬حتى سمعهما رسول اهلل ‪ ‬وهو في‬
‫جف حجرته(‪ )3‬فنادى‪(( :‬يا كعب))‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫بيته‪ ،‬فخرج إليهما حتى كشف ِس َ‬
‫لبيك يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪(( :‬ضع من دينك هذا)) وأومأ إليه‪ :‬أي الشطر‪،‬‬
‫قال كعب‪:‬قد فعلت يا رسول اهلل‪،‬قال رسول اهلل ‪(( :‬قم فاقضه))(‪،)4‬قال‬
‫الحافظ ابن حجر ‪-‬رحمه اهلل‪(( :-‬وفي الحديث جواز رفع الصوت في‬
‫المسجد‪ ،‬وهو كذلك ما لم يفحش‪ ...‬والمنقول عن مالك منعه في‬
‫المسجد مطلقاً‪ ،‬وعنه التفرقة بين رفع الصوت بالعلم والخير‪ ،‬وما ال بد‬
‫منه فيجوز‪ ،‬وبين رفعه باللغط ونحوه فال))(‪ .)5‬ونقل الحافظ ابن حجر ‪-‬‬
‫رحمه اهلل ‪ -‬عن المهلب قوله‪(( :‬لو كان رفع الصوت في المسجد ال‬
‫يجوز لما تركهما النبي ‪ ،‬ولبين لهما ذلك)) قال ابن حجر‪(( :‬قلت‪ :‬ولمن‬
‫َّ‬
‫منع أن يقول‪ :‬لعله تقدم نهيه عن ذلك‪ ،‬فاكتفى به‪ ،‬واقتصر على التوصل‬
‫بالطريق المؤدية إلى ترك ذلك بالصلح المقتضي لترك المخاصمة‪،‬‬
‫الموجبة لرفع الصوت))(‪،)6‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن عبد اهلل‬
‫ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪(( :‬وهذا فيه جواز طلب قضاء الدين في‬
‫المسجد‪ ،‬كأن يقول‪ :‬أعطني ديني‪ ،‬وهذا ليس كالبيع‪[ ،‬أو] يقول‪ :‬اقضني‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فحصبني‪:‬حصبته‪:‬إذا رميته بالحصباء‪،‬وهي الحصى الصغار‪.‬جامع األصول البن األثير‪.202/11 ،‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب رفع الصوت في المسجد‪ ،‬برقم ‪.370‬‬
‫(‪ِ )3‬س ْجف حجرته‪:‬الستر‪،‬وقيل‪:‬أحد طرفي الستر المفرج‪.‬فتح الباري‪،‬البن حجر‪.222/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب التقاضي والمالزمة في المسجد‪ ،‬برقم ‪.327‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪.222/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬فتح الباري‪.222/1 ،‬‬
‫‪055‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫ديني جزاك اهلل خير ًا))(‪ ،)1‬وسمعته يقول عن كالم النبي ‪ ‬لكعب وابن‬
‫أبي حدرد‪(( :‬هذا من باب اإلصالح‪ ،‬والصواب أنهما إذا اتفقا على‬
‫تعجيل الدين والوضع منه فال بأس‪.)2())...‬‬
‫‪ -21‬الصالة بين السواري في المسجد‪ ،‬ال بأس بها للمنفرد‪ ،‬واإلمام‪،‬‬
‫أما المأمومون فتكره صالتهم بينها عند السعة؛ ألن السواري تقطع‬
‫الصفوف‪ ،‬وال تكره عند ضيق المسجد‪ ،‬وقد جاء في ذلك حديث أنس بن‬
‫مالك ‪ ،‬فعن عبد الحميد بن محمود قال‪ :‬كنت مع أنس بن مالك‬
‫أصلي‪ ،‬قال‪ :‬فألقونا بين السواري‪ ،‬قال‪ :‬فتأخر أنس‪ ،‬فلما صلينا قال‪ :‬إنَّا‬
‫ُك َّنا نتقي هذا على عهد رسول اهلل ‪ .)3())‬وعن معاوية بن قرة عن أبيه‬
‫‪ ‬قال‪(( :‬كنا نُ ْنهى عن الصالة بين السواري ونطرد عنها طرداً))(‪.)4‬‬
‫أما جواز ذلك لإلمام والمنفرد؛ فلحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‪(( :‬أن النبي‬
‫‪ ‬لما دخل الكعبة صلى بين الساريتين))(‪.)5‬‬
‫التح ُّلق في المسجد قبل صالة الجمعة‪ ،‬جاء فيه حديث عبد اهلل‬‫‪ّ -22‬‬
‫بن عمرو رضي اهلل عنهما‪(( :‬أن النبي ‪ ‬نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل‬
‫الصالة‪ ،‬وعن الشراء والبيع في المسجد))‪ .‬ولفظ الترمذي‪(( :‬نهى عن‬
‫تناشد األشعار في المسجد‪ ،‬وعن البيع والشراء فيه‪ ،‬وأن يتح َّلق الناس‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم ‪.327‬‬
‫(‪ )2‬سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم ‪.2318‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الصفوف بين السواري‪ ،‬برقم ‪ ،374‬والترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،221‬والنسائي‪،‬‬
‫‪ ،13 /2‬وأحمد‪ ،141 /4 ،‬والحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪ ،218/1 ،‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح سنن أبي داود‪.131 /1 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1002‬والحاكم وصححه ‪ ،218/1‬وقال األلباني في صحيح ابن ماجه‪،‬‬
‫‪(( :218 /1‬حسن صحيح ))‪.‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الصالة بين السواري في غير جماعة‪ ،‬برقم ‪،203‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب استحباب دخول الكعبة‪ ،‬برقم ‪.1421‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪055‬‬
‫ِ‬
‫والح َلق‪ :‬جمع َح ْلقة‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫فيه يوم الجمعة قبل الصالة)) ‪ .‬والتحلق‪،‬‬
‫الجماعة من الناس‪ ،‬فنهاهم أن يجلسوا متحلقين حلقة واحدة أو أكثر‪،‬‬
‫حتى ولو كان ذلك لمذاكرة العلم؛ ألنه ربما قطع الصفوف مع كونهم‬
‫والتراص في الصفوف‪ :‬األول‪ ،‬فاألول‪،‬‬‫ّ‬ ‫مأمورين بالتبكير يوم الجمعة‪،‬‬
‫والتحلق قبل الصالة يوهم غفلتهم عن األمر الذي ندبوا إليه‪ ،‬فإذا فرغ‬
‫من صالة الجمعة فال حرج وال كراهة(‪ .)2‬وقد كان شيخنا اإلمام عبد‬
‫العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يعمل بهذا الحديث فيوقف‬
‫الحلقات يوم الجمعة ابتداء من صالة الفجر إلى الفراغ من صالة‬
‫الجمعة‪ ،‬ثم يكون هناك حلقة بعد صالة الجمعة في بيته‪.‬‬
‫‪ -24‬االنتقال عند النعاس في المسجد إلى مكان آخر؛ لحديث ابن‬
‫عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬إذا نعس أحدكم وهو‬
‫في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره))(‪ .)3‬ولفظ الترمذي‪:‬‬
‫((إذا نعس أحدكم يوم الجمعة‪ ،‬فليتحول عن مجلسه ذلك))‪ .‬ولفظ‬
‫أحمد‪(( :‬إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم الجمعة فليتحول إلى غيره))‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب النهي عن البيع والشراء في المسجد وعن التحلق قبل صالة الجمعة‪،‬‬
‫برقم‪ ،713 :‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب التحلق يوم الجمعة قبل الصالة‪ ،‬برقم ‪ ،1071‬والترمذي‪،‬‬
‫كتاب الصالة‪ ،‬باب ما جاء في كراهة البيع والشراء‪ ،‬وإنشاد الضالة والشعر في المسجد‪ ،‬برقم ‪،422‬‬
‫وابن ماجه‪ ،‬كتاب المساجد والجماعات‪ ،‬باب ما جاء في الحلق يوم الجمعة قبل الصالة واالحتباء‬
‫واإلمام يخطب‪ ،‬برقم ‪.1144‬‬
‫وحسنه األلباني في صحيح سنن النسائي‪ ،123/1 ،‬وفي صحيح سنن أبي داود‪ ،221/1،‬وصحيح‬
‫سنن الترمذي‪ ،104/1 ،‬وصحيح سنن ابن ماجه‪ ،183/1 ،‬وحسنه األرنؤوط في حاشيته على جامع‬
‫األصول البن األثير‪.203/11 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تحفة األحوذي للمباركفوري‪ ،272/2 ،‬وشرح السندي على سنن ابن ماجه‪.21/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود بلفظه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الرجل ينعس واإلمام يخطب‪ ،‬برقم ‪ ،1111‬والترمذي‪ ،‬كتاب‬
‫الجمعة‪ ،‬باب فيمن نعس يوم الجمعة أنه يتحول من مجلسه‪ ،‬وقال‪(( :‬حسن صحيح))‪ ،‬برقم ‪،223‬‬
‫وأحمد في المسند‪ ،142 ،42 ،22/2 ،‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪،‬‬
‫‪ ، 208/1‬وحسنه األرنؤوط في حاشيته على جامع األصول البن األثير‪ ،203/11 ،‬قلت‪ :‬وقد‬
‫صرح محمد بن إسحاق بالسماع في رواية أحمد‪.142/2 ،‬‬
‫‪055‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫وفي لفظ ألحمد‪(( :‬إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة فليتحول‬
‫من مجلسه ذلك إلى غيره))‪ .‬وفي لفظ‪((:‬إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم‬
‫الجمعة فليتحول منه إلى غيره))‪.‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪(( :‬وظاهر األوامر‬
‫الوجوب))(‪.)1‬‬
‫والحكمة من االنتقال أن الحركة تذهب النعاس‪ ،‬ويحتمل أن الحكمة‬
‫فيه‪ :‬انتقاله من المكان الذي أصابته فيه الغفلة بنومه‪ ،‬وإن كان النائم ال‬
‫حرج عليه‪ ،‬فقد أمر النبي ‪ ‬في قصة نومهم عن صالة الصبح باالنتقال‬
‫من المكان الذي ناموا فيه‪ ،‬وأيض ًا من جلس ينتظر الصالة فهو في صالة‪،‬‬
‫والنعاس في الصالة من الشيطان‪ ،‬فربما كان األمر بالتحول إلذهاب ما هو‬
‫منسوب إلى الشيطان من حيث غفلة الجالس في المسجد عن الذكر‪ ،‬أو‬
‫سماع الخطبة‪ ،‬أو ما فيه منفعة(‪.)2‬‬
‫وقوله‪(( :‬إذا نعس أحدكم يوم الجمعة)) لم يرد بذلك جميع اليوم بل‬
‫المراد به إذا كان في المسجد ينتظر صالة الجمعة‪ ،‬وسواء فيه حال‬
‫الخطبة أو قبلها‪ ،‬لكن حال الخطبة أكثر‪ .‬وقوله‪(( :‬يوم الجمعة)) يحتمل‬
‫أنه خرج مخرج األغلب؛ لطول مكث الناس في المسجد؛ للتبكير إلى‬
‫صالة الجمعة؛ ولسماع الخطبة‪ ،‬وأن المراد انتظار الصالة في المسجد‬
‫في الجمعة وغيرها‪ ،‬كما في لفظ أبي داود في الباب‪(( :‬إذا نعس أحدكم‬
‫وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره))‪ ،‬فيكون ذكر يوم‬
‫الجمعة من التنصيص على بعض أفراد العام‪ ،‬ويحتمل أن المراد يوم‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على سنن الترمذي‪ ،‬الحديث رقم ‪.223‬‬
‫(‪ )2‬نيل األوطار للشوكاني‪،223/2 ،‬وتحفة األحوذي شرح جامع الترمذي‪،‬للمباركفوري‪،33/4 ،‬‬
‫وعون المعبود‪.331/4 ،‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪055‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الجمعة فقط؛ لالعتناء بسماع الخطبة)) ‪.‬‬
‫‪ -23‬الصالة في الكنيسة وإزالتها واتخاذ مكانها مسجد؛ لحديث طلق‬
‫بن علي ‪ ‬قال‪ :‬خرجنا وفداً إلى النبي ‪ ‬فبايعناه‪ ،‬وصلينا معه‪،‬‬
‫وأخبرناه أن بأرضنا بيعة(‪ )2‬لنا فاستوهبناه من فضل طهوره‪ ،‬فدعا فتوضأ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫إداوة(‪ ،)3‬وأمرنا فقال‪(( :‬اخرجوا فإذا أتيتم‬ ‫وتمضمض‪ ،‬ثم صبه في‬
‫أرضكم فاكسروا بيعتكم‪ ،‬وانضحوا مكانها بهذا الماء‪ ،‬واتخذوها‬
‫بعيد والحر شديد‪ ،‬والماء ينشف‪ ،‬فقال‪(( :‬مدوه‬ ‫مسجداً)) قلنا‪ :‬إن البلد ٌ‬
‫من الماء؛ فإنه ال يزيده إال طيب ًا))‪ ،‬فخرجنا حتى قدمنا فكسرنا بيعتنا‪ ،‬ثم‬
‫نضحنا مكانها‪ ،‬واتخذناها مسجداً فنادينا فيه باألذان‪ ،‬قال‪ :‬والراهب‬
‫حق‪ ،‬ثم استقبل تلع ًة(‪ )4‬من‬
‫رجل من طيئ‪ ،‬فلما سمع األذان قال‪ :‬دعوة ٍّ‬
‫تالعنا فلم نره بعد))(‪.)5‬‬
‫وقال عمر لبعض عظماء النصارى‪(( :‬إنا ال ندخل كنائسكم من أجل‬
‫التماثيل التي فيها الصور))(‪(( .)6‬وكان ابن عباس رضي اهلل عنهما يصلي في‬
‫البيعة إال بيعة فيها تمثال))(‪.)7‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪.223/2 ،‬‬
‫البيعة‪ :‬قيل‪ :‬صومعة الراهب‪ ،‬وقيل‪ :‬كنيسة النصارى‪ ،‬ورجح ابن حجر في فتح الباري أن القول‬ ‫(‪َ )2‬‬
‫الثاني هو المعتمد‪.241/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬إداوة‪ :‬اإلناء الصغير‪.‬‬
‫(‪ )4‬تلعة ‪ :‬قيل مجرى أعلى األرض إلى بطون األودية‪ ،‬وقيل‪ :‬هو ما ارتفع من األرض وما انهبط منها‪.‬‬
‫فهو إذن من األضداد‪ .‬جامع األصول البن األثير‪.210/11 ،‬‬
‫(‪ )5‬النسائي‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب اتخاذ البيع مساجد‪ ،‬برقم ‪ ،701‬وصحح األلباني إسناده في‬
‫صحيح النسائي‪.121/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الصالة في البيعة‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪ ،343‬وقال الحافظ ابن حجر‬
‫في فتح الباري‪(( :241/1 ،‬وصله عبد الرزاق))‪.‬‬
‫(‪ )7‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الصالة في البيعة‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪ ،343‬وقال الحافظ ابن حجر‬
‫في فتح الباري‪(( :242/1 ،‬وصله البغوي في الجعديات‪ ،‬وزاد فيه‪(( :‬فإن كان فيها تماثيل خرج‬
‫فصلى في المطر))‪.‬‬
‫‪055‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫وهذا الحديث يدل على جواز تحويل أماكن الكنائس إلى مساجد‪،‬‬
‫وتدل اآلثار على جواز الصالة في الكنائس وال يُص َّلى إلى الصور‪ ،‬وال‬
‫في مكان نجس(‪.)1‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪(( :‬ال بأس بالصالة‬
‫في الكنيسة‪ ،‬وال يصلي إلى الصور‪ ،‬هذا إذا لم يجد مكان ًا يصلي فيه‬
‫غيرها))(‪.)2‬‬
‫‪ -22‬األمر بإمساك نصال السالح في المساجد واألسواق؛ لحديث‬
‫أبي موسى عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬إذا مر أحدكم في مسجدنا‪ ،‬أو في‬
‫ّ‬
‫سوقنا ومعه نبل(‪ )3‬فليمسك على نصالها)) (‪ ،)4‬أو قال‪(( :‬فليقبض بكفه أن‬
‫يصيب أحداً من المسلمين منها شيء))‪ .‬وفي رواية‪(( :‬من مر في شيء‬
‫ّ‬
‫من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها‪ ،‬ال يعقر بك ّفه‬
‫مسلماً))(‪.)5‬‬
‫وعن جابر ‪ :‬أن رجالً مر في المسجد بأسهم قد بدا نصولها‪ ،‬فأُمر‬
‫ّ‬
‫أن يأخذ بنصولها ال يخدش مسلماً‪ .‬وفي لفظ مسلم‪ :‬فقال له رسول اهلل‬
‫‪(( :‬أمسك بنصالها))‪ .‬وفي لفظ آخر لمسلم‪(( :‬أن رجالً مر بأسهم في‬
‫َّ‬
‫المسجد قد أبدى نصولها‪ ،‬فأُمر أن يأخذ بنصولها كي ال يخدش‬
‫مسلم ًا))(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪.387/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬سمعته من سماحته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪.343‬‬
‫(‪ )3‬نبل‪ :‬النبل‪ :‬السهام العربية‪ .‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.333/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬نصل‪:‬النصول والنصال‪:‬جمع نصل‪،‬وهو حديدة السهم‪.‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،307/13،‬وهو‪:‬‬
‫حديدة السهم والسيف‪ ،‬وانظر‪ :‬غريب ما في الصحيحين للحميدي‪ ،‬ص‪.142 ،71‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب المرور في المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،322‬وكتاب الفتن‪ ،‬باب قول‬
‫النبي ‪ :‬من حمل علينا السالح فليس منا‪ ،‬برقم ‪ ،7072‬ومسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب أمر من مر‬
‫بسالح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها‪ ،‬برقم ‪.2312‬‬
‫باب‪ :‬يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،321‬وكتاب‬
‫(‪ )6‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬الصالة‪ٌ ،‬‬
‫=‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪055‬‬
‫قال اإلمام النووي ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬في هذا األدب وهو اإلمساك‬
‫بنصالها عند المرور بين الناس في مسجد أو سوق أو غيرهما))(‪ .)1‬وهذا‬
‫فيه اجتناب كل ما يخاف منه والتحذير مما يؤذي المسلمين(‪.)2‬‬
‫يحل ألحدكم أن‬ ‫ّ‬ ‫وعن جابر ‪ ‬قال‪ :‬سمعت النبي ‪ ‬يقول‪(( :‬ال‬
‫يحمل بمكة السالح))(‪ .)3‬قال اإلمام النووي ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬هذا النهي‬
‫إذا لم تكن حاجة فإن كانت حاجة جاز‪ ،‬وهذا مذهبنا ومذهب‬
‫الجماهير‪ ،‬قال القاضي عياض‪ :‬وهذا محمول عند أهل العلم على حمل‬
‫السالح لغير ضرورة وال حاجة‪.)4())...‬‬
‫وقد جاء التشديد في النهي عن اإلشارة بالسالح حتى لو كان من باب‬
‫المزاح‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬ال يشير أحدكم‬
‫على أخيه بالسالح؛ فإنه ال يدري لعل الشيطان ينزغ في يده‪ ،‬فيقع في‬
‫حفرة من حفر النار))(‪ .)5‬ولفظ مسلم‪(( :‬ال يشير أحدكم(‪ )6‬إلى أخيه‬
‫بالسالح فإنه ال يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع(‪ )7‬في يده فيقع في‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫الفتن‪ ،‬باب قول النبي ‪ :‬من حمل علينا السالح فليس منا‪ ،‬برقم ‪ ،7073‬ومسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪،‬‬
‫باب أمر من مر بسالح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك‬
‫ّ‬
‫نصالها‪ ،‬برقم ‪.2313‬‬
‫(‪ )1‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.307/13 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪.307/13 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪،‬كتاب الحج‪،‬باب النهي عن حمل السالح بمكة من غير حاجة‪،‬برقم ‪.1423‬‬
‫(‪ )4‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،141/1 ،‬وانظر‪ :‬المفهم للقرطبي‪.377/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب قول النبي ‪ :‬من حمل علينا السالح فليس منا‪ ،‬برقم‬
‫‪ ، 7072‬ومسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب النهي عن اإلشارة بالسالح إلى مسلم‪ ،‬برقم ‪.2317‬‬
‫(‪ )6‬يشير ‪ :‬قال النووي‪ :‬هكذا وقع في جميع النسخ‪ :‬ال يشير بالياء بعد الشين وهو صحيح‪ ،‬وهو نهي‬
‫بلفظ الخبر‪ .‬الشرح على صحيح مسلم‪ ،308/13 ،‬وقال الحافظ ابن حجر‪(( :‬ووقع لبعضهم ال‬
‫يشر بغير ياء‪ ،‬وهو بلفظ النهي‪ ،‬وكالهما جائز))‪ ،‬فتح الباري‪.23/14 ،‬‬
‫(‪ )7‬ينزع‪ :‬هذا في جميع النسخ عند مسلم‪ ،‬ومعناه يرمي في يده ويحقق ضربته ورميته‪ ،‬وفي البخاري‪:‬‬
‫((ينزغ‪ :‬أي يحمل على تحقيق الضرب به ويزين ذلك))‪ .‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.308/12 ،‬‬
‫‪055‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫حفرة من النار))(‪)1‬؛ولعظم األمر قال النبي ‪(( :‬من أشار إلى أخيه‬
‫بحديدة؛ فإن المالئكة تلعنه حتى يدعه‪ ،‬وإن كان أخاه ألبيه وأمه))(‪.)2‬‬
‫وأعظم من ذلك حمل السالح على المسلمين؛ لقتالهم‪ ،‬فعن عبد اهلل بن‬
‫عمر‪ ،‬وأبي موسى ‪ ‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬من حمل علينا السالح‬
‫(‪)3‬‬
‫سل السيف على المسلمين‪،‬‬ ‫يدل على الوعيد لمن ّ‬‫فليس منا)) ‪ .‬وهذا ّ‬
‫وحمل السالح عليهم لقتالهم به بغير حق‪ِ ،‬ل َما في ذلك من تخويفهم‬
‫وإدخال الرعب عليهم(‪.)4‬‬
‫سداً‬
‫وقد حرص النبي ‪ ‬على سالمة المؤمنين من كل ما يؤذيهم ّ‬
‫ألبواب الشرور‪ ،‬ومن ذلك نهيه عن تناول السيف مسلوالً‪ ،‬فعن جابر‬
‫‪ ‬أن النبي ‪ ‬نهى أن يُتعاطى السيف مسلوالً(‪.)5‬‬
‫‪ -23‬صالة النساء في المساجد جاءت في األحاديث الصحيحة‪ ،‬وصالتهن‬
‫في البيوت أفضل‪ ،‬فإذا لم يكن في خروجهن ما يدعو إلى الفتنة‪ :‬من طيب‪ ،‬أو‬
‫حلي أو زينة وجب على الرجال اإلذن لهن وعدم‬ ‫تبرج وسفور‪ ،‬أو إظهار ٍّ‬
‫منعهن‪ ،‬أما مع وجود هذه المنكرات فال يجب وال يجوز‪ ،‬ويحرم عليهن‬
‫الخروج‪ ،‬ومن األحاديث في ذلك ما يأتي‪:‬‬
‫الحديث األول‪:‬عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما عن النبي ‪(( :‬إذا استأذنت‬
‫أحدكم امرأته إلى المسجد فال يمنعها))‪.‬وفي لفظ لمسلم‪((:‬ال تمنعوا إماء اهلل‬
‫مساجد اهلل))(‪ .)6‬ولفظ أبي داود‪(( :‬ال تمنعوا نساءكم مساجد اهلل وبيوتهن خير‬
‫ٌ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب النهي عن اإلشارة بالسالح‪ ،‬برقم ‪.2317‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪،‬كتاب البر والصلة‪،‬باب النهي عن اإلشارة بالسالح إلى مسلم‪،‬برقم ‪.2313‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪،‬كتاب الفتن‪،‬باب قول النبي ‪((:‬من حمل علينا السالح فليس منا))‪ ،‬برقم ‪.7071 ،7070‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.23/14 ،‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب في النهي أن يتعاطى السيف مسلوالً‪ ،‬برقم ‪ ،2288‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.311/2 ،‬‬
‫(‪ ) 6‬متفق عليه‪:‬البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب استئذان المرأة زوجها إلى المسجد وغيره‪ ،‬برقم ‪،2248‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب خروج النساء إلى المساجد‪ ،‬برقم ‪.332‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪055‬‬
‫لهن))(‪.)1‬‬
‫الحديث الثاني‪ :‬عن زينب الثقفية عن رسول اهلل ‪ ‬أنه قال‪(( :‬إذا َشهِ َد ْت‬
‫إحداك َّن العشاء فال تطيب تلك الليلة))‪ ،‬وفي لفظ‪(( :‬إذا شهدت إحداكن‬ ‫ُ‬
‫َّ(‪)2‬‬
‫تمس طيباً)) ‪.‬‬
‫المسجد فال ّ‬
‫الحديث الثالث‪ :‬عن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬أيما امرأة‬
‫أصابت بخوراً فال تشهد معنا العشاء اآلخرة))(‪.)3‬‬
‫الحديث الرابع‪ :‬عن أبي هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬ال تمنعوا‬
‫إماء اهلل مساجد اهلل‪ ،‬ولكن ليخرجن وهن َت ِفالت(‪.)5()))4‬‬
‫الحديث الخامس‪ :‬عن عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪:‬‬
‫((صالة المرأة في بيتها(‪ )6‬أفضل من صالتها في حجرتها(‪ ،)7‬وصالتها في‬
‫َم ْخدعها(‪ )8‬أفضل من صالتها في بيتها))(‪.)9‬‬
‫فدل الحديث على أن ثواب صالة المرأة في مسكنها الذي تسكن فيه‪،‬‬
‫وتأوي إليه أكثر من ثواب صالتها في حجرتها‪:‬أي صحن دارها التي تكون‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب في خروج النساء إلى المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،237‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح سنن أبي داود‪.114/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب خروج النساء إلى المساجد‪ ،‬برقم ‪.334‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب خروج النساء إلى المساجد‪ ،‬برقم ‪.333‬‬
‫(‪ )4‬تفالت‪ :‬أي غير متطيبات‪ .‬نيل األوطار للشوكاني‪.422/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب خروج النساء إلى المساجد‪ ،‬برقم ‪ ،232‬وأحمد‪ ،348/2 ،‬وقال‬
‫األلباني في صحيح سنن أبي داود‪(( :114/1 ،‬حسن صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )6‬صالة المرأة في بيتها‪ :‬أي الداخلي‪ ،‬لكمال سترها‪ .‬عون المعبود‪.277/2 ،‬‬
‫(‪ )7‬حجرتها‪ :‬صحن الدار‪ ،‬وأراد بالحجرة ما تكون أبواب البيوت إليها وهي أدنى حاالً من البيت في‬
‫الستر‪ ،‬انظر‪ :‬عون المعبود‪ ،277/2 ،‬والمنهل العذب المورود للسبكي‪.270/3 ،‬‬
‫(‪ُ )8‬م ْخ َد ُع ‪ :‬بيت صغير يحرز فيه الشيء‪ ،‬يكون داخل البيت الكبير‪ ،‬تحفظ فيه األمتعة النفيسة‪ ،‬من‬
‫الخدع وهو إخفاء الشيء‪ :‬أي في خزانتها‪ .‬انظر‪ :‬المصباح المنير‪ ،‬للفيومي‪ ،132/1 ،‬وعون‬
‫المعبود شرح سنن أبي داود‪.277/2 ،‬‬
‫(‪ )9‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب التشديد في ذلك‪ ،‬برقم ‪ ،270‬وصححه األلباني في صحيح سنن‬
‫أبي داود‪.113/1 ،‬‬
‫‪050‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫أبواب البيت إليها‪،‬وهي أدنى حاالً من البيت في الستر‪،‬وصالة المرأة في‬


‫الغرفة الصغيرة داخل بيتها الكبير أفضل من صالتها في بيتها؛ ألن مبنى‬
‫أمرها على التستر‪ ،‬فكلما كان المكان أستر كانت صالتها فيه أفضل(‪.)1‬‬
‫الحديث السادس‪ :‬عن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬لو‬
‫تركنا هذا الباب للنساء)) قال نافع‪ :‬فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات(‪.)2‬‬
‫والمعنى‪ :‬لو تركنا هذا الباب للنساء لكان حسناً؛ لئال يختلط الرجال‬
‫بالنساء في الدخول والخروج إذا حضرن المسجد لصالة الجماعة‬
‫فتحصل الفتنة‪ ،‬فينبغي أن يجعل في المساجد بعض األبواب المخصوصة‬
‫للنساء يدخلن ويخرجن منه‪ ،‬وهذا إن أمنت الفتنة وإال فيمنعن(‪.)3‬‬
‫قال اإلمام النووي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ ...(( :-‬أحاديث ظاهرة في أنها ال تمنع‬
‫المسجد‪ ،‬لكن بشروط ذكرها العلماء‪ ،‬مأخوذة من األحاديث‪ ،‬وهو أن ال‬
‫تكون‪ :‬متطيبة‪ ،‬وال متزينة‪ ،‬وال ذات خالل يسمع صوتها‪ ،‬وال ثياب فاخرة‪،‬‬
‫وال مختلطة بالرجال‪ ،‬وال شابة‪ ،‬ونحوها ممن يفتتن بها‪ ،‬وأن ال يكون في‬
‫الطريق ما يخاف به مفسدة‪ ،‬ونحوها‪.)4())...‬‬
‫‪ -27‬االحتباء في المسجد قبل صالة الجمعة واإلمام يخطب‪ ،‬جاء‬
‫الحب َو ِة(‪ )5‬يوم‬ ‫فيه حديث معاذ بن أنس ‪‬أن رسول اهلل ‪(( :‬نهى عن‬
‫ُْ‬
‫الجمعة واإلمام يخطب))(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود‪ ،‬للسبكي‪.270/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب في اعتزال النساء في المسجد عن الرجال‪ ،‬برقم ‪ ،332‬وباب‬
‫التشديد في ذلك برقم ‪،271‬وصححه األلباني في صحيح أبي داود‪.113/1،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المنهل العذب المورود‪ ،70/3 ،‬وعون المعبود‪.277/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.303/3 ،‬‬
‫(‪ )5‬الحبوة ‪ :‬هي أن يقيم الجالس ركبتيه‪ ،‬ويقيم رجليه إلى بطنه‪ ،‬بثوب يجمعهما به مع ظهره‪ ،‬ويشد‬
‫عليهما‪ ،‬وتكون أليتاه على األرض‪ ،‬وقد يكون االحتباء باليدين عوض الثوب‪ .‬نيل األوطار‬
‫للشوكاني‪.222/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب االحتباء واإلمام يخطب‪ ،‬برقم ‪ ،1110‬والترمذي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما جاء‬
‫=‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪056‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬نهى رسول اهلل ‪ ‬عن االحتباء‬
‫يوم الجمعة‪ ،‬يعني واإلمام يخطب))(‪.)1‬‬
‫من أهل العلم الحبوة يوم‬ ‫قوم‬
‫قال الترمذي ‪-‬رحمه اهلل‪((:-‬وقد َكرِ ه ٌ‬
‫بعضهم‪،‬ومنهم‪:‬عبد اهلل بن‬ ‫‪،‬ورخص في ذلك‬ ‫َّ‬ ‫الجمعة واإلمام يخطب‬
‫ال يريان بالحبوة واإلمام‬ ‫عمر‪ ،‬وغيره‪ ،‬وبه يقول أحمد وإسحاق‪:‬‬
‫يخطب بأساً))(‪.)2‬‬
‫وقال اإلمام الشوكاني‪(( :‬وقد اختلف العلماء في كراهية االحتباء يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬فقال بالكراهة قوم من أهل العلم‪ ،‬واستدلوا بحديث الباب وما‬
‫تقوي بعضها بعض ًا‪ .‬وذهب أكثر أهل العلم كما‬‫ذكرناه في معناه وهي ّ‬
‫قال العراقي إلى عدم الكراهة‪ ...‬وأجابوا عن أحاديث الباب أنها كلها‬
‫ضعيفة‪.)3())...‬‬
‫وقال المباركفوري‪((:‬أحاديث الباب وإن كانت ضعيفة لكن يقوي‬
‫بعضها بعضاً‪ ،‬وال شك في أن الحبوة جالبة للنوم‪ ،‬فاألولى أن يحترز‬
‫عنها يوم الجمعة في حال الخطبة‪ ،‬هذا ما عندي واهلل تعالى أعلم))(‪.)4‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول تعليقاً على كالم‬
‫المباركفوري‪(( :‬هذا هو األقرب فتركها أحسن))(‪ .)5‬وسمعته ‪-‬رحمه اهلل‪-‬‬
‫يقول عن حديث معاذ بن أنس ‪(( :‬أحسن ما جاء في االحتباء هذا‬
‫الحديث‪ ،‬وفيه مقال‪ ،‬وله شواهد ضعيفة‪ ،‬فاألولى بالمؤمن أن ال يحتبي‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫في كراهة االحتباء واإلمام يخطب‪ ،‬برقم ‪ ،213‬وقال‪(( :‬هذا حديث حسن))‪ ،‬وحسنه األلباني في صحيح أبي‬
‫داود‪ ،203/1 ،‬وفي صحيح الترمذي‪.121/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب المساجد والجماعات‪ ،‬باب ما جاء في الحلق يوم الجمعة قبل الصالة واالحتباء‬
‫واإلمام يخطب‪ ،‬برقم ‪ ،1143‬وحسنه األلباني في صحيح سنن ابن ماجه‪.187/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬سنن الترمذي مع تحفة األحوذي‪.33/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬نيل األوطار للشوكاني‪.222/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬تحفة األحوذي شرح جامع الترمذي‪.37/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬سمعته منه أثناء تعليقه على كالم المباركفوري في تحفة األحوذي‪.37/4 ،‬‬
‫‪055‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫أما احتباء بعض الصحابة؛ فألنه لم يبلغهم هذا الحديث))(‪.)1‬‬


‫‪ -28‬المنبر‪ :‬مرقاة الخطيب سمي منبراً؛ الرتفاعه وعلوه(‪ ،)2‬وقد ثبت‬
‫أن النبي ‪ ‬اتخذ منبراً في مسجده‪ ،‬فعن أبي حازم قال‪ :‬سألوا سهل بن‬
‫سعد ‪ ‬من أي شيء المنبر؟ فقال‪(( :‬ما بقي بالناس أعلم مني‪ :‬هو من‬
‫أثل الغابة عمله فالن مولى فالنة لرسول اهلل ‪ .))‬وفي لفظ‪(( :‬بعث‬
‫رسول اهلل ‪ ‬إلى امرأة أن ُمري غالمك النجار يعمل لي أعواداً أجلس‬
‫عليهن))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬واهلل إني ألعرف مما هو‪ ،‬ولقد رأيته أول يوم‬
‫وضع‪ ،‬وأول يوم جلس عليه رسول اهلل ‪ ،‬أرسل رسول اهلل ‪ ‬إلى‬
‫فالنة امرأة من األنصار‪ُ (( :‬مري غالمك النجار أن يعمل لي أعواداً‬
‫ِ‬
‫طرفاء الغابة‪ ،‬ثم جاء‬ ‫كلمت الناس)) فأمرته فعملها من‬ ‫عليهن إذا‬ ‫أجلس‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫بها فأرسلت إلى رسول اهلل ‪ ،‬فأمر بها فوضعت هاهنا‪. ))...‬‬
‫وعن جابر ‪ ‬أن امرأة قالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أال أجعل لك شيئاً تقعد‬
‫عليه؟ فإن لي غالم ًا نجار ًا‪ ،‬قال‪(( :‬إن شئت))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬كان جذع يقوم‬
‫عليه النبي ‪ ‬فلما ُو ِضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار‬
‫حتى نزل النبي ‪ ‬فوضع يده عليه))‪.‬‬
‫وفي لفظ‪((:‬فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن‬
‫تئن أنين الصبي‬‫ّ‬ ‫تنشق‪ ،‬فنزل النبي ‪ ‬حتى أخذها فضمها إليه‪،‬فجعلت‬
‫يسكت حتى استقرت‪ ،‬قال‪ :‬بكت على ما كانت تسمع من الذكر))(‪.)4‬‬
‫الذي َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته منه أثناء تقريره على الحديث رقم ‪ 213‬من سنن الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )2‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬باب الراء‪ ،‬فصل الميم‪.181/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الصالة في السطوح والمنبر والخشب‪ ،‬برقم ‪ ،477‬وباب االستعانة بالنجار‬
‫والصناع في أعواد المنبر والمسجد‪ ،‬برقم ‪ ،338‬وكتاب الجمعة‪ ،‬باب الخطبة على المنبر‪.117 ،‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب االستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد‪ ،‬برقم ‪،331‬‬
‫وكتاب الجمعة‪ ،‬باب الخطبة على المنبر‪ ،‬برقم ‪ ،118‬وكتاب البيوع‪ ،‬باب النجار‪ ،‬برقم ‪ ،2012‬وكتاب‬
‫المناقب‪ ،‬باب عالمات النبوة في اإلسالم‪ ،‬برقم ‪.4282‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪055‬‬
‫وفي لفظ‪(( :‬كان المسجد مسقوف ًا على جذوع من النخل‪ ،‬فكان النبي‬
‫‪ ‬يقوم إلى جذع منها‪ ،‬فلما صنع له المنبر فكان عليه‪ ))...‬الحديث‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن النبي ‪َ ‬ل ّما َّبدن(‪ )1‬قال له تميم‬
‫الداري‪ :‬أال أتخذ لك منبراً يجمع أو يحمل عظامك؟ قال‪(( :‬بلى)) فاتخذ‬
‫له منبر ًا مرقاتين))(‪ .)2‬وعن سهل بن سعد ‪ ‬قال‪ :‬أرسل رسول اهلل ‪ ‬إلى‬
‫امرأة‪(( :‬انظري غالمك النجار يعمل لي أعواداً أكلم الناس عليها)) فعمل‬
‫هذه الثالث درجات‪ ،‬ثم أمر بها رسول اهلل ‪ ‬فوضعت هذا الموضع(‪.)3‬‬
‫وعن سلمة بن األكوع ‪ ‬قال‪(( :‬وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر‬
‫الشاة))(‪ .)4‬وعن سهل ‪(( :‬أنه كان بين جدار المسجد مما يلي القبلة وبين‬
‫المنبر ممر الشاة))(‪.)5‬‬
‫‪ -21‬اإلخالص عند إتيان المسجد‪ ،‬ليفوز بالثواب العظيم؛ لحديث‬
‫أبي هريرة ‪ ‬قال‪:‬قال رسول اهلل ‪(( :‬من أتى المسجد لشيء فهو‬
‫يدل على أن من أتى المسجد لقصد حصول شيء‬ ‫حظه))(‪ .)6‬وهذا ّ‬
‫أخروي أو دنيوي فذلك الشيء حظه ونصيبه؛ ألن لكل امرئ ما نوى‪،‬‬
‫وفيه تنبيه على تصحيح النية في إتيان المسجد‪،‬لئال يكون مختلطاً‬
‫بغرض دنيوي‪ :‬كالتمشية والمصاحبة مع األصحاب‪ ،‬بل ينوي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بدن الرجل بالتشديد‪ :‬إذا كبر‪ ،‬وبالتخفيف‪َ (( :‬ب َد َن)) إذا سمن‪ .‬جامع األصول‪ ،‬البن األثير‪،‬‬
‫بدن‪َّ :‬‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫‪.188/11‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب اتخاذ المنبر‪ ،‬برقم ‪ ، 1081‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي‬
‫داود‪.202/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب جواز الخطوة والخطوتين في الصالة‪ ،‬برقم ‪.233‬‬
‫دنو المصلي من السترة‪ ،‬برقم ‪.201‬‬ ‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ّ‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬كتاب االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب ما ذكر عن النبي ‪ ‬وحض على اتفاق أهل العلم‬
‫وما يجتمع عليه الحرمان‪ :‬مكة والمدينة‪ ،‬وما كان بهما من مشاهد النبي ‪ ‬والمهاجرين‬
‫واألنصار‪ ،‬ومصلى النبي ‪ ‬والمنبر‪ ،‬برقم ‪.7443‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب فضل القعود في المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،372‬وحسنه األلباني في صحيح سنن‬
‫أبي داود‪ ،13/1 ،‬وحسنه األرنؤوط في حاشيته على جامع األصول البن األثير‪.211/11 ،‬‬
‫‪055‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫االعتكاف‪ ،‬والعزلة واالنفراد‪ ،‬والعبادة‪ ،‬وزيارة بيت اهلل‪ ،‬واستفادة علم‬


‫وإفادته‪ ،‬ونحوها(‪.)1‬‬
‫‪ -40‬يحذر من هجر المسجد الذي يليه إال لعذر؛ لحديث عبد اهلل بن‬
‫ليصل أحدكم في مسجده وال‬ ‫عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ّ (( :‬‬
‫يتتبع المساجد))(‪.)2‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وما ذاك إال ألنه ذريعة إلى هجر‬
‫المسجد الذي يليه‪ ،‬وإيحاش صدر اإلمام‪ ،‬وإن كان اإلمام ال يتم‬
‫الصالة‪ ،‬أو يُر َمى ببدعة‪ ،‬أو يُعلن بفجورٍ ‪ ،‬فال بأس بتخطيه إلى غيره))(‪.)3‬‬
‫ْ‬
‫خلوه عن‬‫وهجر المسجد القريب إذا كثر من أهل الحي يؤدي أيضاً إلى ّ‬
‫غرض صحيح‪ :‬كأن‬ ‫ٌ‬ ‫الجماعة‪ ،‬ويؤدي إلى إساءة الظن باإلمام‪ ،‬أما إذا ُوجد‬
‫يحضر محاضرة‪ ،‬أو درساً‪ ،‬أو يكون المسجد األبعد يبكر بالصالة‬
‫والمأموم محتاج إلى ذلك فال بأس(‪ .)4‬أو يكون اإلنسان في المدينة أو‬
‫مكة‪ ،‬فإن األفضل أن يصلي في المسجد الحرام في مكة‪ ،‬وفي المسجد‬
‫النبوي في المدينة؛ ألنه امتاز المسجد األبعد بخاصية فيه(‪.)5‬‬
‫‪ -41‬يحذر من تخطي رقاب الناس؛ لحديث عبد اهلل بن بسر ‪ ‬قال‪:‬‬
‫جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي ‪ ‬يخطب‪ ،‬فقال له‬
‫النبي ‪(( :‬اجلس فقد آذيت))(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬عون الم عبود شرح سنن أبي داود‪ ،‬للعالمة محمد شمس الحق العظيم آبادي‪.143/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬الطبراني في المعجم الكبير‪ ،270/12 ،‬برقم ‪ ،14474‬وصححه األلباني في صحيح الجامع‪،‬‬
‫‪ ،102/2‬برقم ‪ ،2442‬وانظر‪ :‬األحاديث الصحيحة لأللباني‪ ،243/2 ،‬برقم ‪.2200‬‬
‫(‪ )3‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪.130/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬أحكام حضور المساجد‪ ،‬لعبد اهلل بن فوزان‪ ،‬ص‪ ،173‬وكيف نعيد للمسجد مكانته‪،‬‬
‫للدكتور محمد أحمد لوح‪ ،‬ص‪ ،31‬والشرح الممتع البن عثيمين‪.212-213/3 ،‬‬
‫(‪ )5‬الشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين ‪.212-213/3،‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1118‬والنسائي‪ ،‬كتاب‬
‫الجمعة‪ ،‬باب النهي عن تخطي رقاب الناس‪ ،‬واإلمام على لمنبر يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪،1411‬‬
‫=‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪655‬‬
‫وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما أن رجالً دخل المسجد يوم الجمعة‬
‫ورسول اهلل ‪ ‬يخطب فجعل يتخطى الناس فقال رسول اهلل ‪(( :‬اجلس‬
‫فقد آذيت وآنيت(‪.)2()))1‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬ليس ألحد أن يتخ َّطى‬
‫رقاب الناس؛ ليدخل في الصف‪ ،‬إذا لم يكن بين يديه فرجة‪ ،‬ال يوم‬
‫الجمعة وال غيره؛ ألن هذا من الظلم‪ ،‬والتعدي لحدود اهلل))(‪.)3‬‬
‫‪ -42‬ال يُفرق بين اثنين؛لحديث سلمان الفارسي ‪ ‬قال‪:‬قال النبي ‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪،‬ويتطهر ما استطاع من الطّهر‪،‬ويدهن من‬
‫ّ‬ ‫((ال يغتسل رجل يوم الجمعة‬
‫يمس من طيب بيته‪،‬ثم يخرج فال يُفرق بين اثنين‪،‬ثم يص ّلي ما‬‫دهنه‪،‬أو ّ‬
‫ّ‬
‫ُكتب له‪،‬ثم يُنصت إذا تك ّلم اإلمام إال ُغفر له ما بينه وبين الجمعة‬
‫األخرى))(‪.)4‬‬
‫‪ -44‬ال يمر بين يدي المصلي وسترته؛ لحديث أبي جهيم ‪ ‬قال‪:‬‬
‫المار بين يدي المصلي ماذا عليه‪ ،‬لكان أن‬
‫ُّ‬ ‫قال رسول اهلل ‪(( :‬لو يعلم‬
‫يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه))‪ ،‬قال أبو النضر‪ :‬ال أدري قال‪:‬‬
‫َّ‬
‫أربعين يوماً‪ ،‬أو شهراً‪ ،‬أو سنة(‪.)5‬‬
‫‪ -43‬ال يتخذ مكاناً خاصاً ال يصلي إال فيه؛ لحديث عبد الرحمن بن‬
‫شبل ‪ ‬قال‪ :‬نهى رسول اهلل ‪ ‬عن نقرة الغراب‪ ،‬وافتراش السبع‪ ،‬وأن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.208/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬آنيت‪ :‬أي أخرت المجيء وأبطأت‪ .‬شرح السندي‪ ،‬لسنن ابن ماجه‪.22/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقام ة الصالة‪،‬باب ما جاء في النهي عن تخطي الناس يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪،1112‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.183/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬االختيارات الفقهية‪ ،‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب الدهن للجمعة‪ ،‬برقم ‪.884‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،210‬ومسلم‪،‬برقم ‪،207‬وتقدم تخريجه في صفة الصالة‪.‬‬
‫‪655‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير(‪.)1‬‬


‫‪ -42‬ال يقيم أحداً من مكانه ليجلس فيه؛ لحديث جابر ‪ ‬عن النبي‬
‫أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم ليخالف إلى مقعده‪،‬‬ ‫يقيمن ُ‬
‫َّ‬ ‫‪ ‬قال‪(( :‬ال‬
‫فيقعد فيه‪ ،‬ولكن يقول‪ :‬افسحوا))(‪ .)2‬وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما عن النبي‬
‫الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه‪ ،‬ولكن‬ ‫َ‬ ‫أحدكم‬
‫يقيمن ُ‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬قال‪(( :‬ال‬
‫وتوسعوا)) قال نافع‪ :‬الجمعة؟ قال الجمعة وغيرها(‪ ،)3‬وهذا عام‬‫ّ‬ ‫تفسحوا‬
‫ّ‬
‫في جميع المجالس‪.‬‬
‫صت للخطبة يوم الجمعة؛ لحديث أبي هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪‬‬
‫‪ -43‬يُ ْن ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫قال‪(( :‬إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت واإلمام يخطب فقد لغوت)) ‪.‬‬
‫‪ -47‬ال يشغل الوقت بين األذان واإلقامة بالكالم مع الناس‪ ،‬فيضيع‬
‫هذا الوقت العظيم بالقيل والقال وكثرة السؤال في أمور الدنيا‪،‬‬
‫واإلعراض عن قراءة القرآن والذكر‪ ،‬فقد ورد عن عبد اهلل بن مسعود ‪‬‬
‫يرفعه‪(( :‬سيكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد حلقاً حلق ًا‪،‬‬
‫إمامهم الدنيا‪ ،‬فال تُجالسوهم؛ فإنه ليس هلل فيهم حاجة))(‪.)5‬‬
‫‪ -48‬ال يحجز مكاناً بسجادة ونحوها‪ ،‬ال يوم الجمعة وال غيره؛ ألنه‬
‫غصب بقعة في المسجد بفرش ذلك المفروش فيها‪ ،‬ومنع غيره من‬
‫المصلين الذين يسبقونه إلى المسجد أن يصلي في ذلك المكان‪ ،‬والمأمور‬
‫قدم المفروش وتأخر هو فقد خالف‬ ‫به أن يسبق بنفسه إلى المسجد‪ ،‬فإذا َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود‪ ،‬برقم ‪ ،832‬وأحمد‪ ،337-333/2 ،‬والحاكم‪ ،221/1 ،‬وحسنه األلباني في‬
‫صحيح سنن أبي داود‪ ،134/1 ،‬وتقدم تخريجه‪ ،‬في مكروهات الصالة‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب السالم‪ ،‬باب تحريم إقامة اإلنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه‪ ،‬برقم ‪.2178‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ال يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد مكانه‪ ،‬برقم ‪،111‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب السالم‪ ،‬باب تحريم إقامة اإلنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه‪ ،‬برقم ‪.2178‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب اإلنصات يوم الجمعة واإلمام يخطب‪ ،‬برقم ‪،143‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب اإلنصات يوم الجمعة في الخطبة‪ ،‬برقم ‪.821‬‬
‫(‪ )5‬الطبراني في الكبير‪،111/10 ،‬برقم ‪،10322‬وأورده األلباني في سلسلة األحاديث الصحيحة‪،‬برقم ‪.1134‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪655‬‬
‫الشريعة من جهتين‪:‬من جهة تأخره وهو مأمور بالتقدم‪،‬ومن جهة غصبه‬
‫يتموا‬ ‫المسجد‪)1‬أن يص ّلوا فيه‪،‬وأن ّ‬ ‫لطائفة من المسجد ومنعه السابقين إلى‬
‫(‬
‫الصف األول‪ ،‬ثم إنه يتخ ّطى الناس إذا حضروا ‪.‬وأفتى بعدم جواز ذلك‬
‫يحل؛ ألنه مخالف‬ ‫اهلل‪،‬وبين أنه ال ّ‬ ‫العالمة عبد الرحمن السعدي رحمه‬
‫(‪)2‬‬ ‫َّ‬
‫للشرع‪ ،‬ومخالف لما كان عليه الصحابة ‪ ‬والتابعون لهم بإحسان ‪.‬‬
‫‪ -41‬ال يجلس الجنب والحائض في المسجد‪ ،‬لقول اهلل تعالى‪َ  :‬يا أَ ُّي َها‬
‫ون َوال ُجنُب ًا‬ ‫الصال َة َوأَ ْن ُت ْم ُس َك َارى َح َّتى َت ْع َل ُموا َما َت ُقولُ َ‬
‫َّ‬ ‫آمنُوا ال َت ْقربُوا‬
‫َ‬ ‫ين‬
‫َ‬ ‫الَّ ِذ‬
‫‪3‬‬ ‫َ‬
‫ِيل َح َّتى َت ْغ َت ِس ُلوا‪ .) (‬والمعنى‪ :‬ال تقربوا المصلى للصالة‬ ‫إِال َعابِرِ ي َسب ٍ‬
‫وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون‪ ،‬وال تقربوه جنباً إال عابري سبيل‪:‬‬
‫يعني إال مجتازين فيه الخروج منه‪،‬فقد أقيمت الصالة هنا مقام المصلى‬
‫والمسجد إذا كانت صالة المسلمين في مساجدهم‪ ،‬ورجح هذا التفسير‬
‫اإلمام ابن جرير رحمه اهلل(‪.)4‬وقال الحافظ ابن كثير رحمه اهلل‪((:‬ومن هذه‬
‫احتج كثير من األئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اآلية‬
‫(‪)5‬‬
‫ويجوز له المرور‪،‬وكذا الحائض والنفساء أيض ًا في معناه)) ‪ ،‬ولكن على‬
‫الحائض والنفساء أن تتحفظ حتى ال تلوث المسجد‪ ،‬وفي حديث عائشة‬
‫رضي اهلل عنها أن النبي ‪ ‬قال لها‪(( :‬ناوليني الخمرة(‪ )6‬من المسجد))‪ ،‬فقالت‪ :‬إني‬
‫حائض‪ ،‬فقال‪(( :‬إن حيضتك ليست في يدك))(‪ .)7‬وفي حديث أبي هريرة ‪‬‬
‫قال‪ :‬بينما رسول اهلل ‪ ‬في المسجد قال‪(( :‬يا عائشة ناوليني الثوب))‪ ،‬فقالت‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم‪ ،‬ابن تيمية‪ ،217-213/23 ،‬و‪.88/27‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الفتاوى السعدية‪ ،‬ص‪ ، 182‬وقد سمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل يفتي‬
‫بعدم جواز ذلك‪،‬إال إذا كان اإلنسان في المسجد ثم خرج للوضوء ثم يعود‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.34 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن ‪.482-482/8،‬‬
‫(‪ )5‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ص‪.427‬‬
‫(‪ )6‬الخمرة‪ :‬السجادة أو ما في معناها‪.‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ ،‬كتاب الحيض‪ ،‬باب االضطجاع مع الحائض في لحاف واحد‪ ،‬برقم ‪.218‬‬
‫‪655‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫إني حائض‪ ،‬فقال‪(( :‬حيضتك ليست في يدك))(‪ .)1‬أما حديث عائشة‬


‫رضي اهلل عنها‬
‫حل المسجد لحائض‬ ‫وجهوا هذه البيوت عن المسجد‪ ،‬فإني ال أ ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ترفعه‪(( :‬‬

‫وال جنب))(‪.)2‬فهذا في حق من يجلس في المسجد‪،‬وقد قال بعض أهل‬


‫العلم بجواز جلوس الجنب في المسجد إذا توضأ‪،‬لخبر زيد بن أسلم أن‬
‫بعض أصحاب النبي ‪ ‬كانوا إذا توضؤوا جلسوا في المسجد(‪ ،)3‬ولكن قال‬
‫غيرهم من أهل العلم ال يجلس مطلقاً لعموم اآلية‪َ  :‬وال ُجنُباً إِال َعابِرِ ي‬
‫يل َح َّتى َت ْغ َت ِس ُلوا‪.)4(‬والوضوء ال يخرجه من كونه جنب ًا؛ولعموم الحديث‬‫َس ِب ٍ‬
‫المذكور آنفاً‪،‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪-‬حمه اهلل‬
‫‪-‬قول‪(( :‬وهذا هو أظهر وأقوى‪ ،‬وفعل من جلس من الصحابة يحمل على‬
‫الدال على أنه يمنع الجنب من الجلوس في المسجد‪،‬‬ ‫أنه خفي عليه الدليل ّ‬
‫واألصل األخذ بالدليل‪ ،‬وزيد بن أسلم وإن روى له مسلم ففي القلب منه‬
‫شيء إذا تفرد بالحديث))(‪.)5‬‬
‫‪ -30‬المواضع المنهي عن الصالة فيها؛ مما ال شك فيه أن اهلل قد‬
‫جعل األرض مسجداً وطهوراً للنبي محمد عليه الصالة والسالم وأمته‪،‬‬
‫والحمام‪ ،‬ومعاطن اإلبل‪ ،‬ومواضع النجاسة‪ ،‬ومواضع‬ ‫ّ‬ ‫إال المقبرة‪،‬‬
‫الخسف والعذاب؛لحديث أبي سعيد ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫والحمام))(‪ .)6‬فالمقبرة ال يُصلى فيها‬
‫ّ‬ ‫((األرض كلها مسجد إال المقبرة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬في كتاب الحيض‪ ،‬الباب السابق‪ ،‬برقم ‪.211‬‬
‫باب في الجنب يدخل المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،242‬قال الحافظ ابن حجر في‬ ‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬كتاب الطهارة‪ٌ ،‬‬
‫التلخيص الحبير‪ ،130/1 ،‬قال أحمد‪ :‬ما أرى به بأساً‪ ،‬وقد صححه ابن خزيمة‪ ،‬وحسنه ابن‬
‫القطان‪ ،‬وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،142‬يقول‪:‬‬
‫((سنده ال بأس به))‪ .‬وحسنه األرنؤوط في حاشيته على جامع األصول‪.202/11 ،‬‬
‫(‪ )3‬رواه سعيد بن منصور‪ ،‬وحنبل بن إسحاق‪ ،‬كما في المنتقى البن تيمية‪ ،132-131/1 ،‬وشرح‬
‫العمدة البن تيمية‪.411/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.34 :‬‬
‫(‪ )5‬سمعته منه رحمه اهلل أثناء تقريره على المنتقى للمجد ابن تيمية‪ ،‬الحديث رقم ‪.413‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب المواضع التي ال تجوز الصالة فيها‪ ،‬برقم ‪ ،312‬والترمذي‪ ،‬كتاب‬
‫=‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪655‬‬
‫تصح فيها الصالة‪ ،‬سواء كانت الصالة على القبر‪ ،‬أو بين القبور‪ ،‬أو‬ ‫ُّ‬ ‫وال‬
‫في مكان منفرد عن القبور‪ :‬كالبيت داخل المقبرة‪ ،‬وال يُص َّلى في‬
‫الحمام‪ ،‬وال تصح الصالة فيه؛ ألن النهي يدل على فساد المنهي عنه‪،‬‬
‫وكل ما صدق عليه لفظ المقبرة والحمام ال يُص َّلى فيه(‪ .)1‬وحكمة المنع‬
‫من الصالة في المقبرة قيل‪ :‬هو ِل َما تحت المصلي من النجاسة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫لحرمة الموتى‪ ،‬وأما الحمام فحكمة المنع من الصالة فيه؛ ألنه تكثر فيه‬
‫النجاسات‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه مأوى الشياطين(‪ .)2‬وسمعت اإلمام شيخنا عبد‬
‫المعدة للغسل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‪(( :‬والحمامات‪:‬‬
‫والصالة في المقبرة‪ ،‬والصالة إليها ممنوعة‪ ،‬والعلة أن الصالة في‬
‫المقبرة أو إليها وسيلة إلى الشرك‪ ،‬أما الحمام فهو مظنة النجاسات‪ ،‬أو‬
‫ألنه بيت الشيطان‪ ،‬واهلل أعلم بالعلة))(‪.)3‬‬
‫والصالة على القبور ممنوعة؛ لحديث أبي مرثد الغنوي قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬ال تصلوا إلى القبور وال تجلسوا عليها))(‪ .)4‬وعن‬
‫أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬ألن يجلس أحدكم على جمرة‬
‫فتحرق ثيابه‪ ،‬فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر))(‪.)5‬‬
‫ٌ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫الصالة‪ ،‬باب ما جاء أن األرض كلها مسجد إال المقبرة والحمام‪ ،‬برقم ‪ ،417‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب‬
‫المساجد والجماعات‪ ،‬باب المواضع التي تكره الصالة فيها‪ ،‬برقم ‪ ،732‬وأحمد‪،13 ،84/4 ،‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ ،17/1 ،‬وفي صحيح سنن الترمذي‪ ،102/1 ،‬وفي‬
‫صحيح سنن ابن ماجه‪ ،122/1 ،‬وسمعت اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول‪(( :‬الصواب أن الحديث‬
‫موصول؛ ألن الوصل مقدم على اإلرسال‪ ،‬فالحكم لمن وصل‪ .‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ‬
‫المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.221‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪ ،370/1 ،‬وسبل السالم للصنعاني‪.111/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪ ،370/1 ،‬وسبل السالم‪.111/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.221‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬كتاب الجنائز‪،‬باب النهي عن الجلوس على القبر والصالة عليه‪ ،‬برقم ‪.172‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب النهي عن الجلوس على القبر والصالة عليه‪ ،‬برقم ‪.171‬‬
‫‪650‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬اجعلوا في بيوتكم‬
‫من صالتكم وال تتخذوها قبوراً))(‪.)1‬‬
‫والمراد بالصالة في البيوت‪:‬النوافل؛ألن الفرائض تقام مع الجماعة في‬
‫المسجد‪ ،‬وقوله ‪((:‬وال تتخذوها قبوراً))؛ألن القبور ليست بمحل للصالة‪،‬‬
‫وقد استنبط البخاري من هذا الحديث كراهية الصالة في المقابر(‪.)2‬‬
‫وال يُص ّلي المسلم في معاطن اإلبل وهي مبارك اإلبل؛ لحديث البراء بن‬
‫عازب ‪ ‬قال‪ :‬سئل رسول اهلل ‪ ‬عن الصالة في مبارك اإلبل؟ فقال‪(( :‬ال‬
‫تصلوا في مبارك اإلبل؛ فإنها من الشياطين))‪ .‬وسئل عن الصالة في مرابض‬
‫الغنم؟ فقال‪(( :‬صلوا فيها فإنها بركة))(‪.)3‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مغفل المزني ‪ ‬قال‪:‬قال رسول اهلل ‪(( :‬صلوا في‬
‫مرابض الغنم‪،‬وال تصلوا في أعطان اإلبل‪،‬فإنها ُخلقت من الشياطين))(‪.)4‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬صلوا في مرابض الغنم‬
‫وال تصلوا في أعطان اإلبل))(‪.)5‬‬
‫وعن سبرة بن معبد الجهني ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬ال يُص َّلى في‬
‫أعطان اإلبل‪ ،‬ويُص ّلى في مراح الغنم))(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب كراهية الصالة في المقابر‪ ،342 ،‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة‬
‫المسافرين‪ ،‬باب استحباب صالة النافلة في بيته‪ ،‬برقم ‪.777‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬نيل األوطار‪.372/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب النهي عن الصالة في مبارك اإلبل‪ ،‬برقم ‪ ،314‬ورقم ‪،183‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.17/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬النسائي‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب ذكر نهي النبي ‪ ‬عن الصالة في أعطان اإلبل‪ ،‬برقم ‪ ،743‬وابن‬
‫ومراح الغنم‪ ،‬برقم ‪،731‬‬
‫ماجه بلفظه‪ ،‬كتاب المساجد والجماعات‪ ،‬باب الصالة في أعطان اإلبل ُ‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن النسائي‪ ،128/1 ،‬وفي صحيح سنن ابن ماجه‪.128/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي بلفظه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما جاء في الصالة في مرابض الغنم‪ ،‬وأعطان اإلبل‪ ،‬برقم ‪،438‬‬
‫وابن ماجه‪،‬كتاب المساجد والجماعات‪،‬باب الصالة في أعطان اإلبل ومراح الغنم‪،‬برقم ‪ ،738‬وأحمد‪،‬‬
‫‪ ،120/3‬وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي‪ ،110/1 ،‬وصحيح ابن ماجه‪.128/1 ،‬‬
‫(‪ ) 6‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب المساجد والجماعات‪ ،‬باب الصالة في أعطان اإلبل‪ ،‬برقم ‪ ،770‬وقال األلباني‬
‫في صحيح ابن ماجه‪(( :128/1 ،‬حسن صحيح))‪.‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪656‬‬
‫وعن جابر بن سمرة ‪ ‬أن رجالً سأل رسول اهلل ‪ :‬أأتوضأ من‬
‫لحوم الغنم؟ قال‪(( :‬إن شئت فتوضأ‪ ،‬وإن شئت فال تتوضأ)) قال‪ :‬أتوضأ‬
‫من لحوم اإلبل؟ قال‪(( :‬نعم فتوضأ من لحوم اإلبل))‪ .‬قال‪ :‬أصلي في‬
‫مرابض الغنم؟ قال‪(( :‬نعم))‪ .‬قال‪ :‬أصلي في مبارك اإلبل؟ قال‪(( :‬ال))(‪.)1‬‬
‫جاء في معظم األحاديث التعبير بمعاطن اإلبل‪ ،‬ووقع في بعضها‬
‫((مبارك اإلبل)) وفي بعضها‪(( :‬أعطان اإلبل))‪ .‬وفي بعضها‪(( :‬مناخ اإلبل))‪.‬‬
‫وفي بعضها‪(( :‬مرابد اإلبل))‪ .‬وفي بعضها‪(( :‬مزابل اإلبل)) واألحاديث تدل‬
‫على جواز الصالة في مرابض الغنم‪ ،‬وعلى تحريم الصالة في معاطن‬
‫اإلبل‪ ،‬وإليه ذهب اإلمام أحمد فقال‪(( :‬ال تصح بحال)) ومن صلى في‬
‫معاطن اإلبل أعاد لهذه األحاديث‪ ،‬وذهب الجمهور إلى حمل النهي‬
‫على الكراهة‪ ،‬والصواب أن النهي يقتضي التحريم‪ ،‬وقد نقل ابن حزم‬
‫أن أحاديث النهي عن الصالة في أعطان اإلبل متواترة‪ ،‬بنقل متواتر‬
‫يوجب العلم‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن حكمة النهي‪ :‬كونها خلقت من الشياطين‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬لكونها ال تخلو غالباً عن نجاسة من يستتر بها عند قضاء الحاجة؛‬
‫أو لئال يتعرض لنفارها في صالته فتؤدي إلى قطعها أو أذى يحصل له‬
‫تشوش عليه فتزيل الخشوع‪ ،‬وهذا كله مما يؤكد على المصلي‬ ‫ّ‬ ‫منها‪ ،‬أو‬
‫أن يجتنب الصالة في معاطنها(‪.)2‬‬
‫وال يصلي المسلم في مواضع الخسف والعذاب؛ لحديث عبد اهلل بن‬
‫عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬ال تدخلوا على هؤالء المعذبين‬
‫إال أن تكونوا باكين‪ ،‬فإن لم تكونوا باكين فال تدخلوا عليهم‪ ،‬ال‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب الحيض‪ ،‬باب الوضوء من لحوم اإلبل‪ ،‬برقم ‪.430‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي‪ ،303/1 ،‬وشرح النووي على صحيح‬
‫مسلم‪ ،281/3 ،‬وفتح الباري‪ ،‬البن حجر‪ ،227/1 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪ ،377/1 ،‬وسبل‬
‫السالم للصنعاني‪.120/2 ،‬‬
‫‪655‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫يصيبكم ما أصابهم))(‪ .)1‬وفي لفظ‪َ :‬لما مر رسول اهلل ‪ِ ‬‬


‫بالحجر قال‪(( :‬ال‬
‫ّ ّ‬
‫تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم‪ ،‬أن يصيبكم ما أصابهم إال أن‬
‫تكونوا باكين))‪ .‬ثم رفع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي))(‪.)2‬‬
‫رضي‬ ‫أما جعل اإلبل سترة في غير المعاطن فال حرج‪ ،‬فقد كان ابن عمر‬
‫اهلل عنهما يصلي إلى بعيره‪ ،‬وقال‪(( :‬رأيت النبي ‪ ‬يفعله))(‪.)3‬‬
‫‪ -31‬حلقات العلم في المساجد من أعظم القربات هلل تعالى؛ لحديث‬
‫أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬من َن َّف َس عن مؤمن كربة من كرب‬
‫يسر‬‫يسر على معسر َّ‬ ‫الدنيا َن َّف َس اهلل عنه كربة من كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن َّ‬
‫اهلل عليه في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن ستر مسلماً ستره اهلل في الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫واهلل في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه‪ ،‬ومن سلك طريقاً يلتمس‬
‫سهل اهلل له به طريقاً إلى الجنة‪ ،‬وما اجتمع قوم في بيت من‬ ‫فيه علماً َّ‬
‫بيوت اهلل يتلون كتاب اهلل ويتدارسونه بينهم‪ ،‬إال نزلت عليهم السكينة‪،‬‬
‫طأ به‬ ‫وغشيتهم الرحمة‪ ،‬وحفتهم المالئكة‪ ،‬وذكرهم اهلل فيمن عنده‪ ،‬ومن ب َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫عمله لم يسرع به نسبه)) ‪ .‬وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي اهلل عنهما‬
‫عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬ال يقعد قوم يذكرون اهلل ‪ ‬إال حفتهم المالئكة‪،‬‬
‫وغشيتهم الرحمة‪ ،‬ونزلت عليهم السكينة‪ ،‬وذكرهم اهلل فيمن عنده))(‪.)5‬‬
‫وهذا حديث عظيم جامع ألنواع من العلوم‪ ،‬والقواعد‪ ،‬واآلداب‪ ،‬وفيه‬
‫يسر‪ :‬من علم‪ ،‬أو مال‪ ،‬أو‬‫فضل قضاء حوائج المسلمين‪ ،‬ونفعهم بما ت َّ‬
‫معاونة‪ ،‬أو إشارة بمصلحة‪ ،‬أو نصيحة وغير ذلك‪ ،‬وفضل الستر على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب الصالة في مواضع الخسف والعذاب‪ ،‬برقم ‪ ،344‬ومسلم‪،‬‬
‫كتاب الزهد‪ ،‬باب ال تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إال أن تكونوا باكين‪ ،‬برقم ‪.2180‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الصالة في مواضع اإلبل‪ ،‬برقم ‪.342‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ 3311‬و‪ ،3702‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪.2181-2180‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء‪ ،‬باب فضل االجتماع على تالوة القرآن وعلى الذكر‪ ،‬برقم ‪.2311‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء‪ ،‬باب فضل االجتماع على تالوة القرآن وعلى الذكر‪ ،‬برقم ‪.2700‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪655‬‬
‫المسلمين‪ ،‬وفضل إنظار المعسر‪ ،‬وفضل المشي في طلب العلم‪ ،‬ويلزم‬
‫من ذلك االشتغال بالعلم الشرعي‪ ،‬بشرط أن يقصد به وجه اهلل تعالى‪،‬‬
‫وفيه فضل االجتماع على تالوة القرآن في المسجد‪ ،‬ويلحق بالمسجد‬
‫في تحصيل هذه الفضيلة االجتماع في مدرسة‪ ،‬أو بيت ونحوهما إن‬
‫شاء اهلل تعالى‪ ،‬ويدل عليه الحديث الثاني؛ فإنه مطلق يتناول جميع‬
‫المواضع‪ ،‬ويكون التقييد في الحديث األول خرج على الغالب‪ ،‬وفي‬
‫الحديث أن من كان عمله ناقص ًا لم يلحقه بمرتبة أصحاب األعمال‪،‬‬
‫فينبغي أن ال يتكل على شرف النسب‪ ،‬وفضيلة اآلباء(‪.)1‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري ‪ ‬قال‪:‬خرج معاوية ‪ ‬على حلقة في‬
‫المسجد فقال‪:‬ما أجلسكم؟ قالوا‪:‬جلسنا نذكر اهلل‪ ،‬قال‪:‬آهلل ما أجلسكم إال‬
‫ذاك؟ قالوا‪ :‬واهلل ما أجلسنا إال ذاك‪،‬قال‪ :‬أما إني لم ْأس َت ْح ِل ْف ُكم ُتهم ًة لكم‪،‬‬
‫وما كان أحد بمنزلتي من رسول اهلل ‪ ‬أقل عنه حديث ًا مني‪،‬وإن رسول اهلل‬
‫حلقة من أصحابه فقال‪((:‬ما أجلسكم؟)) قالوا‪ :‬جلسنا نذكر‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ‬خرج على‬
‫ومن به علينا‪ ،‬قال‪((:‬آهلل ما أجلسكم إال‬ ‫اهلل ونحمده على ما هدانا لإلسالم َّ‬
‫ذاك؟)) قالوا‪:‬واهلل ما أجلسنا إال ذاك‪،‬قال‪((:‬أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم‬
‫ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن اهلل ‪ ‬يباهي بكم المالئكة))(‪.)2‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إن هلل مالئكة يطوفون في‬
‫هلموا‬
‫الطرق يلتمسون أهل الذكر‪ ،‬فإذا وجدوا قوماً يذكرون اهلل تنادوا‪ّ :‬‬
‫إلى حاجتكم‪ ،‬قال‪ :‬فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬فيسألهم‬
‫ربهم ‪ ‬وهو أعلم بهم‪ ،‬ما يقول عبادي؟ قال‪ :‬تقول‪ :‬يسبحونك‪،‬‬
‫ويكبرونك‪ ،‬ويحمدونك‪ ،‬ويمجدونك‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬هل رأوني؟ قال‬
‫فيقولون‪ :‬ال‪ ،‬واهلل ما رأوك‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬كيف لو رأوني؟ قال‪ :‬يقولون‪:‬‬
‫أشد لك عبادة‪ ،‬وأشد لك تمجيداً‪ ،‬وأكثر لك تسبيح ًا‪،‬‬ ‫لو رأوك كانوا ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.23/17 ،‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء‪ ،‬باب فضل االجتماع على تالوة القرآن وعلى الذكر‪ ،‬برقم ‪.2701‬‬
‫‪655‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫قال‪ :‬يقول‪ :‬فما يسألوني؟ قال‪ :‬يسألونك الجنة‪ ،‬قال‪ :‬يقول‪ :‬وهل رأوها؟‬
‫قال‪ :‬يقولون‪ :‬ال‪ ،‬واهلل يا رب ما رأوها‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬فكيف لو أنهم‬
‫رأوها؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرص ًا وأشد لها‬
‫طلباً‪ ،‬وأعظم فيها رغبة‪ ،‬قال‪ :‬فمم يتعوذون؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬من النار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َ‬
‫يقول‪ :‬وهل رأوها؟ قال يقولون‪ :‬ال‪ ،‬واهلل يا رب ما رأوها‪ ،‬قال‪ :‬يقول‪:‬‬
‫أشد منها فراراً‪ ،‬وأشد لها‬
‫فكيف لو رأوها؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو رأوها كانوا ّ‬
‫مخافة‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬فأشهدكم أني قد غفرت لهم‪ ،‬قال‪ :‬يقول ملك من‬
‫المالئكة‪ :‬فيهم فالن ليس منهم إنما جاء لحاجة‪ ،‬قال‪ :‬هم الجلساء ال‬
‫يشقى بهم جليسهم))(‪ .)1‬وفي لفظ مسلم‪(( :‬إن هلل تبارك وتعالى مالئكة‬
‫سيارة ُف ُضالً(‪ )2‬يبتغون مجالس الذكر‪ ،‬فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا‬
‫وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء‬ ‫َّ‬ ‫معهم‪،‬‬
‫الدنيا‪ ،‬فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء‪ ،‬قال‪ :‬فيسألهم اهلل ‪ ‬وهو‬
‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫عباد لكفي األرض‪:‬‬ ‫أعلم بهم‪ ،‬من أين جئتم؟ فيقولون‪ :‬جئنا من عند‬
‫يسبحونك‪ ،‬ويكبرونك‪ ،‬ويهللونك‪ ،‬ويحمدونك‪ ،‬ويسألونك‪ ))...‬الحديث‪.‬‬
‫وفيه‪(( :‬قد غفرت لهم‪ ،‬وأعطيتهم ما سألوا‪ ،‬وأجرتهم مما استجاروا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫عبد خطّاء إنما مر فجلس معهم‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬وله‬ ‫يقولون‪ :‬رب فيهم فالن ٌ‬
‫( ّ‪)3‬‬
‫جليسهم)) ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫غفرت‪ ،‬هم القوم ال يشقى بهم‬
‫وسمعت اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪(( :‬وهذا‬
‫فضل عظيم نسأل اهلل أن يتقبل‪،‬ومجالس العلم أعظم من مجالس التسبيح))(‪.)4‬‬
‫ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب فضل ذكر اهلل عز وجل‪ ،‬برقم ‪ ،3308‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الذكر والدعاء‪ ،‬باب فضل مجالس الذكر‪ ،‬برقم ‪.2381‬‬
‫(‪ )2‬سيارة‪ :‬معناه‪ :‬سياحون في األرض‪ ،‬وأما معنى ((فضالً)) على جميع الروايات‪ :‬أنهم مالئكة زائدون‬
‫على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخالئق‪ ،‬فهؤالء السيارة ال وظيفة لهم‪ ،‬وإنما مقصودهم‬
‫حلق الذكر‪ .‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،18/17 ،‬وانظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.201/11 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،2381‬وتقدم تخريجه في الهامش الذي قبل السابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم ‪.3308‬‬
‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬ ‫‪655‬‬
‫وعن أبي واقد الليثي أن رسول اهلل ‪ ‬بينما هو جالس في المسجد‬
‫والناس معه‪ ،‬فأقبل ثالثة نفر‪ ،‬فأقبل اثنان إلى رسول اهلل ‪ ‬وذهب‬
‫واحد‪ ،‬قال‪ :‬فوقفا على رسول اهلل ‪ ،‬فأما أحدهما فرأى ُفرجة في‬
‫ْ‬
‫الحلقة فجلس فيها‪ ،‬وأما اآلخر فجلس خلفهم‪ ،‬وأما الثالث فأدبر ذاهباً‪،‬‬
‫فلما فرغ رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬أال أخبركم عن النفر الثالثة‪ :‬أما أحدهم‬
‫فآوى إلى اهلل فآواه اهلل‪ ،‬وأما اآلخر فاستحيا فاستحيا اهلل منه‪ ،‬وأما اآلخر‬
‫فأعرض فأعرض اهلل عنه))(‪.)1‬‬
‫وهذا الحديث فيه فوائد عظيمة‪ ،‬منها‪ :‬جواز اإلخبار عن أهل المعاصي‪،‬‬
‫وأحوالهم للزجر عنها‪ ،‬وأن ذلك ال يعد من الغيبة‪ ،‬وفيه فضل مالزمة حلق‬
‫والمذكر في المسجد‪ ،‬وفيه‪ :‬الثناء على‬
‫ّ‬ ‫العلم والذكر‪ ،‬وجلوس العالم‬
‫المستحي‪ ،‬والجلوس حيث ينتهي به المجلس(‪ ،)2‬وسمعت اإلمام عبد‬
‫العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‪(( :‬وهذا يدل على أن العالم ينبغي‬
‫له أن يكون له في مسجده حلقات‪ ،‬حتى يستفيد الناس‪ ،‬وفيه أن الطالب‬
‫يشرع له أن يدخل في فرج الحلقات‪ ،‬وحضورها‪ ،‬واألولى االنضمام في‬
‫الحلقة والدخول فيها))(‪ .)3‬وسمعته أيض ًا يقول‪(( :‬وهذا فيه الحرص على‬
‫حلقات العلم‪ ،‬والقرب من المحدث‪ ،‬ويخشى على من يخرج من‬
‫المواعظ أن يدخل في اإلعراض))(‪.)4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫الص ّفة‬
‫في ّ‬ ‫وعن عقبة بن عامر ‪ ‬قال‪ :‬خرج رسول اهلل ‪ ،‬ونحن‬
‫ان أو العقيق(‪ )1‬فيأتي منه‬ ‫(‪)6‬‬
‫فقال‪(( :‬أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بُ ْط َح َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الحلق والجلوس في المسجد‪ ،‬برقم ‪ ،373‬وكتاب العلم‪ ،‬باب من قعد حيث‬
‫ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها‪ ،‬برقم ‪.33‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.127/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم ‪.33‬‬
‫(‪ )4‬سمعته أثناء تقريره على الحديث رقم ‪ 373‬من صحيح البخاري‪.‬‬
‫(‪ )5‬الصفة ‪ :‬سقيفة كانت في المسجد‪ ،‬يأوي إليها الفقراء‪ .‬المفهم للقرطبي‪.321/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬يغدو‪ :‬يبكر‪ .‬المفهم للقرطبي‪.321/2 ،‬‬
‫‪655‬‬ ‫مكان صالة الجماعة‪ :‬المساجد‬

‫رحم؟)) فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫إثم وال قطع‬‫بناقتين َكوماوي ِن(‪ )2‬في غير ٍ‬
‫ْ َ ْ‬
‫أحد ُكم إلى المسجد فيع َلم أو يقرأ ُ آيتين‬ ‫نحب ذلك‪ ،‬قال‪(( :‬أفال يغدو ُ‬
‫ُ‬
‫وأربع‬ ‫ٍ‬
‫ثالث‪،‬‬ ‫وثالث خير له من‬ ‫ٌ‬ ‫ناقتين‪،‬‬
‫ِ‬ ‫من كتاب اهلل ‪ ،‬خير له من‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫خير له من أرب ٍع‪ ،‬ومن أعدادهن من اإلبل))(‪ .)3‬قال اإلمام القرطبي رحمه‬
‫ٌ‬
‫اهلل‪(( :‬ومقصود الحديث‪ :‬الترغيب في تع ُّل ِم القرآن‪ ،‬وتعليمه‪ ،‬وخاطبهم‬
‫جزء من ثواب القرآن‬ ‫ٍ‬ ‫على ما تعارفوه‪ ،‬فإنهم أهل إبل‪ ،‬وإال فأقل‬
‫وتعليمه خير من الدنيا وما فيها))(‪ ،)4‬وقد قال ‪(( :‬ولقاب قوس‬
‫ٌ‬
‫أحدكم(‪ )5‬أو موضع ٍ‬
‫قدم خير من الدنيا وما فيها))(‪.)6‬‬

‫‪‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫(‪ )1‬بطحان‪ ،‬والعقيق ‪ ،‬واديان بينهما وبين المدينة قريب من ثالثة أميال‪ ،‬أو نحوها‪ .‬المرجع السابق‪،‬‬
‫‪ ،321/2‬وشرح النووي على صحيح مسلم‪.447/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬الكوماوان ‪ ،‬تثنية كوماء‪ :‬الناقة العظيمة السنام‪ ،‬كأنه كوم‪ ،‬انظر‪ :‬المفهم للقرطبي‪ ،321/2 ،‬وشرح‬
‫النووي على صحيح مسلم‪.447/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب فضل قراءة القرآن وتعلمه‪ ،‬برقم ‪.804‬‬
‫(‪ )4‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪.321/2 ،‬‬
‫موضع قدره‪ ،‬وقيل‪ :‬قدر ذراع‪ ،‬وفي لفظ للبخاري [برقم‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )5‬لقاب قوس أحدكم‪ :‬القاب القدر‪ ،‬أي‬
‫‪(( ]2713‬ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع ٍ‬
‫قيد يعني سوطه خير من الدنيا وما فيها))‪ ،‬وفي‬
‫ٌ‬
‫الترمذي عن أبي هريرة ‪[ ‬برقم ‪(( ]4014‬إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها))‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي‪ ،‬ص‪ ،433‬والنهاية في غريب الحديث واألثر‪،‬‬
‫البن األثير‪ ،‬باب القاف مع الواو‪.118/3 ،‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه‪ .‬البخاري‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب صفة الجنة والنار‪ ،‬برقم ‪ ،3238‬ومسلم‪،‬‬
‫كتاب اإلمارة‪ ،‬باب فضل الغدوة والروحة في سبيل اهلل‪ ،‬برقم ‪.1880‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫الصالة‬
‫المبحث السادس والعشرون‪ :‬اإلمامة في ّ‬
‫أوالً‪ :‬مفهوم اإلمامة واإلمام‪:‬‬
‫اإلمامة‪ :‬مصدر َّأم الناس‪ :‬صار لهم إماماً يتبعونه في صالته(‪ .)1‬أي‪:‬‬
‫تقدم رجل المصلين ليقتدوا به في صالتهم‪ ،‬واإلمامة‪ :‬رياسة المسلمين‪،‬‬ ‫ّ‬
‫واإلمامة الكبرى‪ :‬رياسة عامة في الدين والدنيا‪ ،‬خالفة عن النبي ‪،‬‬
‫والخالفة هي اإلمامة الكبرى‪ ،‬وإمام المسلمين‪ :‬الخليفة ومن جرى‬
‫مجراه(‪ .)2‬واإلمامة الصغرى‪ :‬ربط صالة المؤتم باإلمام بشروط(‪.)3‬‬
‫اقت ِدي به‪ ،‬و ُق ّدم في األمور‪ ،‬والنبي ‪ ‬إمام األئمة‪،‬‬
‫اإلمام‪ :‬كل من ُ‬
‫والخليفة‪ :‬إمام الرعية‪ ،‬والقرآن إمام المسلمين‪ ،‬وإمام الجند‪ :‬قائدهم‪.‬‬
‫واإلمام َج ْم ُع ُه‪ :‬أئمة‪ ،‬واإلمام في الصالة‪ :‬من يتقدم المصلين ويتابعونه‬
‫في حركات الصالة‪ .‬واإلمام‪ :‬من يأتم به الناس من رئيس وغيره‪ ،‬مح ّقاً‬
‫كان أو مبطالً‪ ،‬ومنه‪ :‬إمام الصالة‪ ،‬واإلمام‪ :‬العالم المقتدى به‪ ،‬وإمام كل‬
‫شيء‪ :‬قيمه والمصلح له(‪.)4‬‬
‫ّ‬
‫ثانياً‪ :‬فضل اإلمامة في الصالة والعلم‪:‬‬
‫يؤم‬
‫والية شرعية ذات فضل؛ لقول النبي ‪ُّ (( :‬‬ ‫‪ -1‬اإلمامة في الصالة‬
‫القوم أقرؤهم لكتاب اهلل))(‪ .)5‬ومعلوم أن األقرأ أفضل‪ ،‬فقرنها بأقرأ يدل‬
‫على أفضليتها(‪.)6‬‬
‫ويدل على ذلك عموم قول‬ ‫ّ‬ ‫‪ -2‬اإلمام في الصالة يُقتدى به في الخير‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬حاشية الروض المربع‪ ،‬للعالمة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪.213/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬القاموس الفقهي لغة واصطالحاً‪ ،‬لسعدي أبو حبيب‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪:‬معجم مقاييس اللغة‪،‬البن فارس‪،‬كتاب الهمزة‪،‬باب الهمزة في الذي يقال له مضاعف‪،‬ص‪،38‬‬
‫ولسان العرب‪،‬البن منظور‪،‬باب الميم‪،‬فصل الهمزة‪ ،22/12 ،‬ومفردات ألفاظ القرآن‪،‬للراغب‬
‫األصفهاني‪ ،‬مادة‪َّ (( :‬أم))‪ ،‬ص‪ ،87‬ومعجم لغة الفقهاء‪ ،‬لألستاذ الدكتور محمد رواس‪ ،‬ص‪.31-38‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪،‬باب من أحق باإلمامة‪،‬برقم ‪،374‬من حديث أبي مسعود ‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الشرح الممتع‪ ،‬للعالمة محمد بن صالح العثيمين‪.43/2 ،‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫اهلل ‪ ‬في وصفه لعباد الرحمن‪ ،‬وأنهم يقولون في دعائهم لربهم‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ون َر َّب َنا َه ْب َل َنا ِم ْن أَ ْز َو ِ‬ ‫‪َ ‬والَّ ِذ‬
‫اج َنا َو ُذ ّريَّات َنا ُق َّر َة أَ ْع ُي ٍن َو ْ‬
‫اج َع ْل َنا‬ ‫ين َي ُقولُ َ‬‫َ‬
‫ين إ َِماماً‪ .)1(‬المعنى‪ :‬اجعلنا أئمة يُقتدى بنا في الخير‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ِل ْل ُم َّت ِق‬
‫المعنى‪ :‬اجعلنا ُهدا ًة مهتدين دعا ًة إلى الخير(‪ .)2‬فسألوا اهلل أن يجعلهم‬
‫أئمة التقوى يقتدي بهم أهل التقوى‪ ،‬قال ابن زيد كما قال إلبراهيم‪:‬‬
‫‪،‬وامتن اهلل ‪ ‬على من وفقه لإلمامة في‬ ‫(‪)3‬‬
‫اس إ َِماما‬ ‫اع ُل َك ِللن ِ‬ ‫‪ِ ‬إنّي ج ِ‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫الدين فقال‪ :‬وجع ْل َنا ِم ْنهم أَ ِئم ًة يه ُدو َن ِبأَمرِ َنا َلـما صبروا و َكانُوا بِآيات َناِ‬
‫َّ َ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ َّ َ ْ‬ ‫(‪َ َ َ )4‬‬
‫وقنُو َن‪ ‬أي َل ّـما كانوا صابرين على أوامر اهلل ‪ ‬وترك نواهيه‪،‬‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫والصبر على التعلم والتعليم والدعوة إلى اهلل‪ ،‬ووصلوا في إيمانهم إلى‬
‫درجة اليقين ‪ -‬وهو العلم التام الموجب للعمل ‪ -‬كان منهم أئمة يهدون‬
‫إلى الحق بأمر اهلل‪ ،‬ويدعون إلى الخير‪ ،‬ويأمرون بالمعروف وينهون عن‬
‫المنكر(‪.)5‬‬
‫‪ -4‬دعاء النبي ‪ ‬لألئمة باإلرشاد‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫ضامن والمؤذن مؤتمن‪ ،‬اللهم أرشد األئمة واغفر‬‫ٌ‬ ‫اهلل ‪(( :‬اإلمام‬
‫للمؤذنين))(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬اإلمامة فضلها مشهور‪ ،‬توالها النبي ‪ ‬بنفسه‪ ،‬وكذلك خلفاؤه‬
‫الراشدون‪ ،‬وما زال يتوالها أفضل المسلمين علم ًا وعمالً‪ ،‬وال يمنع هذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الفرقان‪ ،‬اآلية‪.73 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬لإلمام الطبري‪ ،411/11 ،‬وتفسير القرآن العظيم البن‬
‫كثير‪ ،‬ص‪.133‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪.411/11 ،‬‬
‫(‪ )4‬سورة السجدة‪ ،‬اآلية‪.23 :‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬للطبري‪ ،113/20 ،‬وتفسير القرآن العظيم البن كثير‪،‬‬
‫ص‪ ، 1011‬وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬للسعدي‪ ،‬ص‪ ،303‬وفتاوى شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية‪.430/24 ،‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،217‬والترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،207‬وابن خزيمة‪ ،‬برقم ‪ ،228‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح سنن أبي داود‪ ،102/1 ،‬وتقدم تخريجه في فضل األذان‪.‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫الفضل العظيم أن يكون األذان له ثواب أكثر؛ ِل َما فيه من إعالن ذكر اهلل‬
‫ول َما فيه من المش ّقة‪ ،‬ولهذا اختلف العلماء في أيهما أفضل‪:‬‬ ‫تعالى‪ِ ،‬‬
‫األذان أم اإلمامة؟ فمنهم من قال‪ :‬اإلمامة أفضل‪ِ ،‬ل َما سبق من األدلة‪،‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬األذان أفضل‪ ،‬لقوله ‪(( :‬اإلمام ضامن والمؤذن مؤتمن‪،‬‬
‫اللهم أرشد األئمة واغفر للمؤذنين))‪ .‬ومنزلة األمانة فوق منزلة الضمان‬
‫وأعلى منه‪ ،‬والمدعو له بالمغفرة أفضل من المدعو له بالرشد‪ ،‬فالمغفرة‬
‫أعلى من اإلرشاد؛ ألن المغفرة نهاية الخير(‪.)1‬‬
‫واختار شيخ اإلسالم ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬أن األذان أفضل من اإلمامة(‪.)2‬‬
‫وأما إمامة النبي ‪ ‬وإمامة الخلفاء الراشدين ‪ ‬فكانت متعينة عليهم؛‬
‫فإنها وظيفة اإلمام األعظم ولم يمكن الجمع بينها وبين األذان‪ ،‬فصارت‬
‫اإلمامة في حقهم أفضل من األذان؛ لخصوص أحوالهم‪ ،‬وإن كان‬
‫ألكثر الناس األذان أفضل(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬عظم شأن اإلمامة وخطره على من استهان بأمرها ظاهر في حديث‬
‫أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬يصلون لكم فإن أصابوا فلكم [ولهم]‬
‫وإن أخطأوا فلكم وعليهم))(‪ .)4‬والمعنى‪(( :‬يصلون)) أي األئمة ((لكم)) أي‬
‫ألجلكم‪(( ،‬فإن أصابوا)) في األركان والشروط‪ ،‬والواجبات‪ ،‬والسنن ((فلكم))‬

‫ثواب صالتكم‪(( ،‬ولهم)) ثواب صالتهم‪(( ،‬وإن أخطأوا)) أي ارتكبوا الخطيئة‬


‫في صالتهم‪ ،‬ككونهم محدثين ((فلكم))‪ ،‬ثوابها‪(( ،‬وعليهم)) عقابها(‪ .)5‬وعن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المغني‪ ،‬البن قدامة‪ ،22/2 ،‬وشرح العمدة‪ ،‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪،130-143/2 ،‬‬
‫وحاشية عبد الرحمن القاسم على الروض المربع‪ ،213/2 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪.43/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬شرح العمدة‪ ،147 /2 ،‬واالختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪ ،23‬ورجح قول‬
‫شيخ اإلسالم العالمة ابن عثيمين في الشرح الممتع‪.43/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬االختيارات الفقهية‪،‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية ص‪،23‬وشرح العمدة له‪.141/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب إذا لم يتم اإلمام وأتم من خلفه‪ ،‬برقم ‪ 313‬وما بين المعقوفين في‬
‫نسخة دار السالم‪ ،‬وعند أحمد‪.422/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،187/2 ،‬وإرشاد الساري للقسطالني‪.431/2 ،‬‬
‫‪650‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫عقبة بن عامر ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪َ (( :‬من ّأم الناس فأصاب‬
‫الوقت فله ولهم‪ ،‬ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه وال عليهم))(‪.)1‬‬
‫وعن سهل بن سعد ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬اإلمام‬
‫ضامن فإن أحسن فله ولهم‪ ،‬وإن أساء ‪ -‬يعني ‪ -‬فعليه وال عليهم))(‪.)2‬‬
‫ثالثاً‪ :‬طلب اإلمامة في الصالة إذا صلحت النية ال بأس به؛‬
‫لحديث عثمان بن أبي العاص ‪ ‬قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬اجعلني إمام‬
‫قومي‪ ،‬فقال‪(( :‬أنت إمامهم واقت ِد بأضعفهم‪ ،‬واتخذ مؤذناً ال يأخذ على‬
‫أذانه أجراً))(‪.)3‬‬
‫يدل على جواز طلب اإلمامة في الخير‪ ،‬وقد ورد في أدعية عباد‬ ‫والحديث ّ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫الرحمن الذين وصفهم اهلل بتلك األوصاف الجميلة أنهم يقولون‪َ :‬والَّ (ذ‪َ )4‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون َربَّ َنا َه ْب َل َنا ِم ْن أَ ْز َو ِ‬
‫ين إ َِماماً‪. ‬‬ ‫اج َنا َو ُذ ّريَّات َنا ُق َّر َة أَ ْع ُي ٍن َو ْ‬
‫اج َع ْل َنا ل ْل ُم َّتق َ‬ ‫َي ُقولُ َ‬
‫وليس ذلك من طلب الرياسة المكروهة؛ فإن ذلك فيما يتعلق برياسة‬
‫الدنيا التي ال يعان من طلبها‪ ،‬وال يستحق أن يُعطاها من سألها(‪ ،)5‬فإذا‬
‫صلحت النية وتأكدت الرغبة في القيام بالواجب والدعوة إلى اهلل ‪‬‬
‫فال حرج من طلب ذلك‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬أولى الناس باإلمامة‪ :‬األق أر(‪ )6‬العالم فقه صالته‪ ،‬فإن استووا في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أحمد‪ ،123/3 ،‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما يجب على اإلمام‪ ،‬برقم ‪ ،184‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪،‬‬
‫باب جماع اإلمامة وفضلها‪ ،‬برقم ‪ ،280‬وقال األلباني في صحيح سنن أبي داود‪(( :112/1 ،‬حسن‬
‫صحيح))‪ ،‬وصححه في صحيح سنن ابن ماجه‪.214/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما يجب على اإلمام‪ ،‬برقم ‪ ،181‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫سنن ابن ماجه‪.212/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،241‬والترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،201‬والنسائي‪ ،‬برقم ‪ ،372‬وتقدم تخريجه في األذان‪،‬‬
‫آداب المؤذن‪ ،‬وصححه األلباني في اإلرواء‪.412/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬سورة الفرقان‪ ،‬اآلية‪.73 :‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬سبل السالم‪ ،‬للصنعاني‪ ، 83/2 ،‬والمنهل العذب المورود في شرح سنن اإلمام أبي داود‪،‬‬
‫للشيخ محمود بن محمد بن خطاب السبكي‪.208 /3 ،‬‬
‫(‪ )6‬األقرأ‪ :‬قيل‪ :‬األقرأ‪ :‬هو أكثرهم قرآناً‪ ،‬وقيل‪ :‬أجودهم وأحسنهم وأتقنهم قراءة‪ ،‬والصواب القول األول؛‬
‫=‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪656‬‬
‫القراءة وعلم فقه الصالة(‪ )1‬فأفقههم‪ ،‬فإن استووا فأقدمهم هجرة‪ ،‬فإن استووا‬
‫فأقدمهم إسالم ًا‪ ،‬لحديث أبي مسعود األنصاري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اهلل(‪ )2‬فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫((‬
‫(‪)3‬‬
‫سواء‬
‫(‪ً )1‬‬ ‫الهجرة‬ ‫في‬ ‫كانوا‬ ‫فإن‬ ‫‪،‬‬ ‫سواء فأقدمهم هجرة‬
‫ً‬ ‫فإن كانوا في السنة‬
‫(‪)4‬‬
‫جل في سلطانه ‪،‬‬ ‫جل ا َّلر َ‬
‫يؤم َّن ال َّر ُ‬
‫فأقدمهم سلماً ‪-‬وفي رواية‪ -‬سنّاً وال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫لحديث عمرو بن سلمة وفيه‪ ...(( :‬وليؤمكم أكثركم قرآناً))‪[ ،‬البخاري برقم ‪]3402‬؛ ولحديث أبي‬
‫سعيد الخدري ‪ ‬وفيه‪(( :‬وأحقهم باإلمامة أقرؤهم))‪[ ،‬مسلم برقم ‪ ،]372‬ومعناه‪ :‬أكثرهم قرآناً‪ ،‬ولكن‬
‫لو استووا في القرآن بحيث قد استظهروا القرآن كله فيرجح من كان أتقنهم قراءة وأضبط لها‪ ،‬وأحسن‬
‫ترتيالً؛ ألنه األقرأ بالنسبة لهؤالء الذين استووا في كثرة الحفظ‪[ .‬انظر‪ :‬المفهم‪ ،‬للقرطبي‪،217/2 ،‬‬
‫والمغني‪ ،‬البن قدامة‪ ،13/2 ،‬ونيل األوطار‪ ،‬للشوكاني‪.]410/2 ،‬‬
‫(‪ )1‬العالم فقه صالته‪ :‬أي يعلم شروطها‪ ،‬وأركانها‪ ،‬وواجباتها‪ ،‬ومبطالتها‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬قال الحافظ‬
‫ابن حجر‪(( :‬وال يخفى أن محل تقديم األقرأ إنما هو حيث يكون عار ًفا بما يتعين معرفته من‬
‫أحوال الصالة‪ ،‬فأما إذا كان جاهالً بذلك فال يقدم اتفاقاً)) فتح الباري‪ ،171/2 ،‬وانظر‪ :‬حاشية ابن‬
‫قاسم على الروض المربع‪ ،213/2 ،‬والشرح الممتع‪ ،‬البن عثيمين‪.211/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اهلل‪ :‬فيه دليل واضح على أنه يقدم األقرأ على األفقه‪ ،‬وهو مذهب اإلمام‬
‫أحمد‪ ،‬وأبي حنيفة‪ ،‬وبعض أصحاب الشافعي‪ ،‬وقال اإلمام مالك والشافعي وأصحابهما‪ :‬األفقه مقدم‬
‫على األقرأ؛ ألن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط‪ ،‬وقد‬
‫يعرض في الصالة أمر ال يقدر على مراعاة الصواب فيه إال كامل الفقه‪ ،‬لكن في قوله ‪(( :‬فإن كانوا‬
‫في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة))‪ :‬دليل على تقديم األقرأ مطلقاً‪ ،‬والصواب أن األقرأ يقدم إذا كان‬
‫عارفاً فقه صالته‪[ .‬انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،178/2 ،‬والمفهم في تلخيص كتاب‬
‫مسلم‪ ،‬للقرطبي‪ ،217/2 ،‬والمغني البن قدامة‪ ،12-11/4 ،‬وفتح الباري البن حجر‪ ،171/2 ،‬ونيل‬
‫األوطار للشوكاني‪ ،481/2 ،‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪ ،213/2 ،‬والشرح الممتع البن‬
‫عثيمين‪ ،211-281/3 ،‬وسبل السالم للصنعاني‪.]12/4 ،‬‬
‫المقدم بها في اإلمامة ال تختص بالهجرة في‬
‫َّ‬ ‫(‪ )3‬فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة‪ :‬الهجرة‬
‫عصره ‪ ، ‬بل هي التي ال تنقطع إلى يوم القيامة كما ثبت ذلك في األحاديث؛ ألن الهجرة من دار‬
‫الكفر إلى دار اإلسالم قربة وطاعة‪ ،‬فقدم السابق إليها؛ لسبقه إلى الطاعة‪ .‬انظر‪ :‬المغني البن‬
‫قدامة‪ ، 12/4 ،‬وشرح النووي على صحيح مسلم‪ ،171/2 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪،410/2 ،‬‬
‫وسبل السالم للصنعاني‪.13/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬األقدم سلماً وفي رواية ((سنّاً))‪ ،‬وفي الرواية األخرى ((فأكبرهم سنّاً))‪ ،‬وهذا لفضيلة السبق إلى‬
‫اإلسالم‪ ،‬والرواية األخرى ((سنّاً)) راجع إ لى سبق السن باإلسالم؛ ألن األكبر سبق األصغر‪[ .‬انظر‪:‬‬
‫المفهم للقرطبي‪ ]218/2 ،‬وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث‬
‫=‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫تكرِ َم ِته(‪ )2‬إال بإذنه))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬يؤم القوم أقرؤهم‬


‫وال يقعد في بيته على ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫سواء‪. ))...‬‬
‫ً‬ ‫لكتاب اهلل وأقدمهم قراءة‪ ،‬فإن كانت قراءتهم‬
‫أما حديث مالك بن الحويرث ‪ ‬الذي فيه‪((:‬فإذا حضرت الصالة فليؤ ّذن‬
‫ليؤمكم أكبركم))(‪.)4‬فقدم األكبر؛ألنهم استووا في باقي‬ ‫َّ‬ ‫أحدكم ثم‬
‫ُ‬ ‫لكم‬
‫ُ‬
‫الخصال والشروط؛ألنهم هاجروا جميع ًا‪،‬وصحبوا رسول اهلل ‪ ‬والزموه‬
‫عشرين ليلة‪،‬فاستووا في األخذ عنه‪،‬ولم يبق ما يقدم به إال السن(‪.)5‬‬
‫فالمراتب خمس‪ :‬يقدم األقرأ‪ ،‬فاألعلم بالسنة‪ ،‬فاألقدم هجرة‪ ،‬فاألقدم‬
‫إسالم ًا‪ ،‬فاألكبر سنّ ًا(‪.)6‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫سناً إال أن يكونوا كفاراً ثم أسلموا‪ ،‬فأقدمهم إسالماً هو‬
‫رقم ‪(( :343‬ومن كان أقدم سلم ًا فهو أكبرهم ّ‬
‫من جنس أقدمهم هجرة)) [وانظر‪:‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،180/2،‬ونيل األوطار‬
‫للشوكاني‪،410/2،‬وسبل السالم للصنعاني‪،13/4،‬والمغني البن قدامة‪.]12/4،‬‬
‫يؤم ّن الرجل الرجل في سلطانه أي في موضع سلطته‪،‬وهو ما يملكه أو يتسلط عليه بالتصرف‬ ‫(‪ )1‬وال ّ‬
‫فيه‪،‬ويدخل فيه صاحب البيت والمجلس‪،‬وإمام المسجد‪،‬وأعظم السلطة السلطان األعظم؛ ألن واليته‬
‫عامة‪ ،‬وصاحب المكان أحق فإن شاء تقدم وإن شاء قدم من يريده‪ ،‬وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضوالً‬
‫بالنسبة للحاضرين؛ألنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء‪،‬والسلطان مقدم على إمام المسجد وصاحب‬
‫البيت‪،‬ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه‪[ .‬انظر‪:‬المفهم للقرطبي‪،‬‬
‫‪،211/2‬والمغني البن قدامة‪،32/4 ،‬وشرح النووي‪،180/2 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪ ،411/2 ،‬وسبل‬
‫السالم للصنعاني‪،17/4 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪.]211/3 ،‬‬
‫(‪(( )2‬وال يقعد على تكرمته إال بإذنه))‪ ،‬وفي رواية‪(( :‬وال تجلس على تكرمته في بيته إال أن يأذن لك‬
‫أو بإذنه))‪ ،‬والتكرمة‪ :‬الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به‪ ،‬ووجه هذا المنع أنه‬
‫مبني على منع التصرف في ملك الغير إال بإذنه‪ ،‬غير أنه خص التكرمة بالذكر للتساهل في القعود‬
‫عليها‪ ،‬وإذا منع القعود فمنع التصرف بنقلها أو بيعها أولى‪.‬المفهم للقرطبي‪،211/2 ،‬وشرح‬
‫النووي على صحيح مسلم‪.180/2،‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم‪،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪،‬باب من أحق باإلمامة‪،‬برقم ‪.374‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب من قال‪ :‬ليؤذن في السفر مؤذن واحد‪ ،‬برقم ‪ ،328‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب من األحق باإلمامة‪ ،‬برقم ‪.373‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬شرح النووي على مسلم‪ ،181/2 ،‬والمفهم للقرطبي‪.401/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الشرح الممتع‪.213/3 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫خامساً‪ :‬أنواع اإلمامة في الصالة على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬إمامة الصبي جائزة على الصحيح(‪)1‬؛ لحديث عمرو بن سلمة‬
‫قال‪ :‬كنا بماء ممر الناس(‪ ،)2‬وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس ما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ّ‬
‫للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون‪ :‬يزعم أن اهلل أرسله‪ ،‬أوحى إليه‪،‬‬
‫يقر في صدري‪،‬‬ ‫ذاك‪ )4‬الكالم‪ ،‬فكأنما ُّ‬ ‫أوحى اهلل بكذا‪ ،‬فكنت أحفظ‬
‫تلوم بإسالمهم الفتح( ‪ ،‬فيقولون اتركوه وقومه‪ ،‬فإن ظهر‬ ‫وكانت العرب َّ‬
‫عليهم فهو نبي صادق‪ ،‬فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم‬
‫بإسالمهم‪ ،‬وبدر أبي قومي بإسالمهم(‪ ،)5‬فلما َق ِد َم قال‪((:‬جئتكم واهلل من‬
‫عند النبي ‪ ‬ح ّقاً‪،‬فقال‪((:‬ص ّلوا صالة كذا في حين كذا‪ ،‬وص ّلوا صالة‬
‫ليؤمكم‬
‫أحدكم‪ ،‬و َّ‬ ‫ُ‬ ‫الصالة فليؤ ّذن‬
‫كذا في حين كذا‪ ،‬فإذا حضرت ّ‬
‫أكثركم قرآناً)) فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً منّ ِ‬
‫ي؛ل َما كنت أتل َّقى من‬
‫ُ‬
‫فقدموني بين أيديهم‪،‬وأنا ابن ست أو سبع سنين‪،‬وكانت علي‬ ‫ّ‬ ‫الركبان‪،‬‬
‫َّ‬ ‫(‪)6‬‬
‫بردة‪ ،‬كنت إذا سجدت تق َّلصت عني ‪،‬فقالت امرأة من الحي‪:‬أال‬
‫تغطُّون عنا است قارئكم؟ فاشتروا(‪ )7‬فقطعوا لي قميصاً فما فرحت‬
‫بشيء فرحي بذلك القميص))‪.‬وفي أبي داود زيادة‪((:‬قال عمرو بن سلمة‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اختلف أهل العلم في إمامة الصبي‪ :‬فمذهب الشافعية أنها تصح مطلقاً في الفريضة والنفل‪،‬‬
‫ومذهب المالكية‪ ،‬والحنفية‪ ،‬والحنابلة أن إمامة الصبي ال تصح في الفرض بالبالغ‪ .‬انظر‪ :‬المغني‬
‫البن قدامة‪ ،70/4 ،‬والشرح الكبير ومعه المقنع واإلنصاف‪ ،487/3 ،‬وفتح الباري البن حجر‪،‬‬
‫‪ ،24/8‬ونيل األوطار للشوكاني‪.301/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬بماء ممر الناس‪ :‬موضع مرورهم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،24/8 ،‬وإرشاد الساري‬
‫للقسطالني‪.283/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬ما هذا الرجل‪ :‬يسألون عن حال النبي ‪ ‬وحال العرب معه‪ .‬فتح الباري البن حجر‪.24/8 ،‬‬
‫تلوم‪ :‬تنتظر‪ .‬فتح الباري البن حجر‪.24/8 ،‬‬
‫(‪َّ )4‬‬
‫(‪ )5‬بدر‪ :‬سبق‪ .‬المرجع السابق‪.24/8 ،‬‬
‫(‪ )6‬بردة ‪ :‬كساء صغير مربع ويقال كساء أسود‪ ،‬ومعنى‪ :‬تقلصت‪ :‬انكشفت عنه‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري البن‬
‫حجر‪ ،24/8 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪.301/2 ،‬‬
‫(‪ )7‬فاشتروا‪ :‬أي ثوباً‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري‪.24/8 ،‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫فما شهدت مجمعاً من جرم إال كنت إمامهم‪،‬وكنت أصلي على‬


‫جنائزهم إلى يومي هذا))(‪.)1‬‬
‫قدمه القوم‬
‫تصح بالفرض والنّفل إذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصبي‬
‫الصواب أ ّن إمامة ّ‬ ‫وهذا هو ّ‬
‫وكان أكثرهم قرآن ًا‪،‬وقد بلغ سبع سنين؛ألنه ال قياس في مقابلة النّ ّص؛وأل ّن‬
‫الصالة باطلة‬ ‫إمامة عمرو بن سلمة بقومه كانت زمن الوحي‪ ،‬فلو كانت ّ‬
‫قدموا عمراً كانوا كلهم‬ ‫وعمله منكر ًا؛ ألنكره اهلل تعالى؛ وأل ّن الذين َّ‬
‫صحابة(‪ ،)2‬وقد قال جابر ‪(( :‬كنّا نعزل والقرآن ينزل)) وفي لفظ‪(( :‬كنّا‬
‫نعزل على عهد رسول اهلل ‪ .)3())‬وفي رواية مسلم‪(( :‬كنّا نعزل والقرآن‬
‫ينزل‪ ،‬ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن))‪.‬‬
‫يرجح‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ّ -‬‬
‫بالصبي في‬
‫يعتد ّ‬‫صحة إمامة الصبي الذي بلغ سبع سنين في الفرض والنّفل‪،‬وأنه ّ‬ ‫ّ‬
‫خصه‬
‫الصالة‪ ،‬وأ ّن األصل في الفرائض والنّوافل سواء إال ما ّ‬ ‫المصافة) في ّ‬
‫الدليل(‪. 4‬‬
‫ّ‬
‫‪ -2‬إمامة األعمى صحيحة بال كراهة؛ لحديث أنس ‪ ‬أ ّن النبي ‪‬‬
‫يؤم الناس وهو أعمى(‪ ،)5‬وفي رواية عنه أن النبي ‪‬‬‫استخلف ابن ّأم مكتوم ُّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬باب مقام النبي ‪ ‬بمكة زمن الفتح‪ ،‬برقم ‪ ،3402‬وزيادة أبي داود‪:‬‬
‫((فاشتروا لي قميصاً ُعمانياً))‪ ،‬برقم ‪،282‬وزاد في روايته رقم ‪(( :287‬فما شهدت مجمعاً من جرم إال‬
‫ّ‬
‫كنت إمامهم‪ ،‬وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا))‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪ ،301/2 ،‬وفتح الباري البن حجر‪ ،24/8 ،‬و‪ ،182/2‬وسبل السالم‬
‫للصنعاني‪ ،13/4 ،‬ومجموع فتاوى ابن باز‪ ،118/12 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪،‬‬
‫‪.418-417/3‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب العزل‪ ،‬برقم ‪ ،2201-2207‬ومسلم‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‬
‫حكم العزل‪ ،‬برقم ‪.1330‬‬
‫(‪ )4‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم ‪ ،342‬وأثناء تقريره على صحيح البخاري‪،‬‬
‫الحديث رقم ‪.3402‬‬
‫(‪ )5‬ابو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪،‬باب إمامة األعمى‪،‬برقم ‪،212‬وأحمد في المسند‪ ،112/4 ،‬والبيهقي في السنن الكبرى‪،‬‬
‫‪ ،88/4‬وله شاهد عن عائشة رضي اهلل عنها عند ابن حبان في [اإلحسان‪ 203/2،‬برقم ‪،]2143‬وقال األلباني في‬
‫صحيح سنن أبي داود‪(( :118/1 ،‬حسن صحيح))‪.‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫مرات استخالف‬ ‫ُ‬ ‫استخلف ابن ّأم مكتوم على المدينة مرتين(‪ .)1‬وقد ُع َّدت‬
‫صحة إمامة األعمى‬ ‫ثالث‪)2‬عشرة مرة‪ ،‬وهذا دليل على ّ‬ ‫ابن أم مكتوم فبلغت‬
‫ويدل على ذلك ما رواه محمود بن الربيع‬ ‫ّ‬ ‫من دون كراهة في ذلك( ‪،‬‬
‫قوم ُه وهو أعمى‪ ،‬وأنه قال لرسول‬ ‫يؤم َ‬
‫األنصاري ‪ ‬أن عتبان بن مالك كان ُّ‬
‫اهلل ‪ ،‬يا رسول اهلل‪ :‬إنها تكون الظلمة والسيل‪ ،‬وأنا رجل ضرير البصر‪،‬‬
‫فصل يا رسول اهلل في بيتي مكاناً أتخذه ُمص َّلى‪ ،‬فجاءه رسول اهلل ‪ ‬فقال‪:‬‬ ‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫تحب أن أص ّلي))؟ فأشار إلى مكان من البيت فص ّلى فيه رسول اهلل ‪. ‬‬ ‫ّ‬ ‫((أين‬
‫‪ -4‬إمامة العبد والمولى صحيحة؛ لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪َ :‬ل ّما‬
‫األولون العقبة ‪ -‬موضع بقباء ‪ -‬قبل مقدم رسول اهلل ‪‬‬ ‫ّ‬ ‫َق ِد َم المهاجرون‬
‫يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة ‪ ‬وكان أكثرهما قرآناً(‪.)4‬‬ ‫كان ُّ‬
‫وفي رواية‪ :‬عن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬كان سالم مولى أبي حذيفة‬
‫يؤم المهاجرين األولين وأصحاب النبي ‪ ‬في مسجد قباء‪ ،‬فيهم أبو‬
‫بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وأبو سلمة‪ ،‬وزيد‪ ،‬وعامر بن ربيعة(‪.)5‬‬
‫وكان سالم مولى امرأة من األنصار فأعتقته‪ ،‬وكانت إمامته بهم قبل أن يُعتق‪،‬‬
‫وإنما قيل له‪ :‬مولى أبي حذيفة؛ ألنه الزم أبا حذيفة بعد أن أعتق فتبناه‪ ،‬فلما‬
‫نهوا عن ذلك قيل له‪ :‬مواله‪ ،‬وسبب تقديمهم له؛ ألنه كان أكثرهم قرآناً(‪ ،)6‬قال‬
‫البخاري ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬باب إمامة العبد المولى‪ ،‬وكانت عائشة يؤمها عبدها‬
‫ذكوان من المصحف‪ .‬وولد البغي واألعرابي والغالم الذي لم يحتلم‪ ،‬لقول‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ ،‬كتاب الخراج‪ ،‬باب في الضرير يولَّى‪ ،‬برقم ‪ ،2141‬وصححه األلباني في صحيح سنن‬
‫أبي داود‪.233/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬سبل السالم للصنعاني‪ ،120/4 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪.412/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪،‬كتاب األذان‪،‬باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله‪،‬برقم ‪.337‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب إمامة العبد والمولى‪ ،‬برقم ‪.312‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬كتاب األحكام‪ ،‬باب استقضاء الموالي واستعمالهم‪ ،‬برقم ‪.7172‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،183/2 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪.413/2 ،‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫يؤمهم أقرؤهم لكتاب اهلل)) وال يُمنع العبد من الجماعة بغير علة))(‪.)1‬‬
‫النبي ‪ُّ (( :‬‬
‫‪ -3‬إمامة المرأة للنساء صحيحة؛ لحديث أم ورقة بنت عبد اهلل بن‬
‫الحارث أن رسول اهلل ‪ ‬كان يزورها في بيتها‪ ،‬وجعل لها مؤذناً يؤذن لها‪،‬‬
‫تؤم أهل دارها‪ .‬قال عبد الرحمن بن خالَّد الراوي عنها‪(( :‬أنا‬ ‫َّ‬ ‫وأمرها أن‬
‫يدل على مشروعية صالة النساء جماعة‬ ‫رأيت مؤذنها شيخاً كبير ًا))(‪ .)2‬وهذا ّ‬
‫ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫منفردات عن الرجال ‪ ،‬ورجح اإلمام ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬استحباب‬
‫صالة النساء جماعة؛ لحديث أم ورقة؛ وألن عائشة رضي اهلل عنها َّأمت نسوة في‬
‫فأمتهن بينهن وسط ًا(‪)4‬؛ وألن أم سلمة رضي اهلل عنها َّأمت نساء فقامت‬
‫َّ‬ ‫المكتوبة‬
‫وسطهن(‪ ،)5‬ولو لم يكن في المسألة إال عموم قوله ‪(( :‬تفضل صالة‬
‫الجماعة على صالة الفذ بسبع وعشرين درجة))(‪ )6‬لكفى(‪.)7‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬
‫يدل على مشروعية ذلك‪ ،‬وال بأس به‪،‬‬ ‫يقول عن حديث ورقة‪(( :‬وأنه ّ‬
‫ويستحب ذلك‪ ،‬والحديث وإن كان في إسناده كالم‪ ،‬ولكن مثله نوع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب إمامة العبد والمولى‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪.312‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬بلفظه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب إمامة النساء‪ ،‬برقم ‪ ،212‬وأحمد‪ ،302/3 ،‬والحاكم‪،‬‬
‫‪ ،204/1‬والبيهقي‪ ،140/4 ،‬والدارقطني‪ ،304/1 ،‬وابن خزيمة في صحيحه‪،81/4،‬برقم ‪،1373‬‬
‫وحسنه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.118/1،‬‬
‫(‪ )3‬اختلف العلماء في صالة الجماعة للنساء منفردات عن الرجال في بيوتهن‪ :‬فقيل‪ :‬سنة؛ ألن النبي‬
‫‪ ‬أمر ورقة أن تؤم أهل دارها‪ ،‬وقيل‪ :‬مكروهة‪ ،‬وقالوا‪ :‬بأن حديث ورقة ضعيف‪ ،‬وقيل‪ :‬مباحة؛‬
‫ألن النساء من أهل الجماعة في الجملة؛ ولهذا أبيح لها أن تحضر في المسجد إلقامة الجماعة‪،‬‬
‫فتكون إقامة الجماعة في بيتها مباحة مع ما في ذلك من التستر‪ .‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة ‪،47/4‬‬
‫والشرح الممتع البن عثيمين ‪.111-118/3‬‬
‫(‪ )4‬عبد الرزاق في المصنف‪ 131/4 ،‬برقم ‪ ،2083‬وابن أبي شيبة‪ ،81/2 ،‬والحاكم ‪،204/1‬‬
‫والدارقطني‪ ،303/1 ،‬والبيهقي‪ ،141/4 ،‬وابن حزم‪.171/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬عبد الرزاق في المصنف‪،130/2 ،‬برقم ‪،2082‬وابن أبي شيبة‪،88/2 ،‬والشافعي في المسند‪،83/3 ،‬‬
‫والدارقطني‪ ،303/1 ،‬والبيهقي‪ ،141/4 ،‬وابن حزم‪.172/4 ،‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه‪ ،‬وتقدم تخريجه في فضل صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )7‬إعالم الموقعين‪.427/4 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫مستقل ويعمل به‪ ،‬ويعضده ما جاء عن عائشة‪ ،‬وأم سلمة أنهما كانتا‬
‫تؤمان أهل بيتهما‪ ،‬لكن تقف في وسط النساء‪ ،‬وصالة الجماعة ال تجب‬
‫عليهن‪ ،‬ولكن تستحب))(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬إمامة الرجل للنساء فقط صحيحة؛ ألخبار وردت في ذلك(‪)2‬؛‬
‫وألن األصل صحة صالة الجماعة وانعقادها بالنساء مع الرجل‪ ،‬بل‬
‫بالمرأة مع الرجل ومن منع فعليه الدليل(‪ ،)3‬إال إذا كانت أجنبية وحدها‬
‫يؤمها؛ لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما يرفعه‪(( :‬ال يخلو َّن‬
‫َّ‬ ‫فإنه يحرم أن‬
‫أحدكم بامرأة إال مع ذي محرم))(‪ ،)4‬والصحيح أن إمامة النساء ال تكره‬ ‫ُ‬
‫إال إذا خاف الفتنة؛ ابتعد عن ذلك؛ ألن ما كان ذريعة إلى حرام فهو‬
‫حرام(‪ ،)5‬وقد كان ذكوان مولى عائشة رضي اهلل عنهما يؤمها من المصحف(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬إمامة المفضول للفاضل صحيحة؛لحديث المغيرة بن شعبة ‪‬حينما‬
‫كان مع النبي في غزوة تبوك‪ ،‬وذكر وضوء النبي ‪ ‬وأنه جاء معه قال‪:‬‬
‫قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حين كان‬ ‫حتى نجد الناس قد َّ‬
‫وقت الصالة‪ ،‬قال‪ :‬ووجدنا عبد الرحمن وقد صلى بهم ركعة من صالة‬
‫فصف مع المسلمين فصلى وراء عبد الرحمن بن‬ ‫الفجر‪،‬فقام رسول اهلل ‪َّ ‬‬
‫يتم صالته‪،‬‬
‫عوف الركعة الثانية‪،‬فلما س َّلم عبد الرحمن قام رسول اهلل ‪ُّ ‬‬
‫قال‪ :‬فلما قضى رسول اهلل ‪ ‬صالته أقبل عليهم ثم قال‪(( :‬أحسنتم))‪ ،‬أو‬
‫صحة‬
‫ّ‬ ‫((قد أصبتم))‪ ،‬يغبطهم أن ص ّلوا الصالة لوقتها(‪ ،)7‬وهذا ّ‬
‫يدل على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪،‬الحديث رقم ‪،337‬وانظر‪:‬مجموع فتاوى ومقاالت له‪.140/12،‬‬
‫(‪ )2‬مسند أبي يعلى‪ 443/4 ،‬برقم ‪ ،1801‬وانظر‪ :‬مجمع الزوائد للهيثمي‪ ،73/2 ،‬وسبل السالم‬
‫للصنعاني‪.111/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪.431/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،1832‬ومسلم‪،‬برقم ‪،1431‬وتقدم تخريجه في صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الشرح الممتع‪ ،‬البن عثيمين‪.422/3 ،‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب إمامة العبد والمولى‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪.312‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،182‬ومسلم برقم ‪،273‬وتقدم تخريجه في صالة الجماعة‪.‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫إمامة المفضول للفاضل‪.‬‬


‫‪ -7‬إمامة المتيمم للمتوضئ جائزة؛ لحديث عمرو بن العاص ‪‬قال‪ :‬احتلمت‬
‫في ليلة باردة شديدة البرد في غزوة ذات السالسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك‪،‬‬
‫فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح‪ ،‬فذكروا ذلك لرسول اهلل ‪ ‬فقال‪(( :‬يا عمرو‬
‫ص ّليت بأصحابك وأنت جنب))؟ فأخبرته بالذي منعني من االغتسال‪ ،‬وقلت‪ :‬إني‬
‫سمعت اهلل يقول‪َ  :‬وال َت ْقتُ ُلوا أَ ْن ُف َس ُكم ِإ َّن اهلل َكا َن ب ُِكم َر ِحيما‪ ،)1(‬فضحك رسول‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اهلل ‪ ‬ولم يقل شيئ ًا(‪ .)2‬وفي رواية‪(( :‬فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصالة ثم ص ّلى‬
‫بهم‪.)3())...‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ -‬رحمه اهلل ‪((:-‬وقال البيهقي‪ :‬يمكن الجمع بين‬
‫الروايات بأنه توضأ ثم تيمم عن الباقي‪ ،‬وقال النووي‪:‬وهو متعين))(‪.)4‬‬
‫ّ‬
‫وفي لفظ البخاري‪(( :‬فذكر للنبي ‪ ‬فلم يعنّف))‪ ،‬ووقع في رواية ((فلم‬
‫يعنّفه))‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وفي هذا الحديث جواز‬
‫التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهالك‪،‬سواء كان من أجل برد أو‬
‫غيره‪،‬وجواز صالة المتيمم بالمتوضئين‪ .)5())..‬قال ابن قدامة ‪ -‬رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫ويصح ائتمام المتوضئ بالمتيمم ال أعلم فيه خلالً))(‪.)6‬ولكن ال يتيمم لشدة‬
‫َّ‬ ‫((‬

‫البرد من أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن الضرر منه(‪.)7‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.21 :‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ برقم ‪ ،443‬وأحمد‪ ،204/3 ،‬والدارقطني‪،‬‬
‫‪ ،178/1‬والحاكم‪ ،177/1 ،‬والبيهقي‪ ،223/1 ،‬وابن حبان‪ ،‬برقم ‪ ،1412‬والبخاري تعليقاً في كتاب التيمم‪،‬‬
‫باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪،432‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.38/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود في الكتاب والباب المذكور‪ ،‬برقم ‪ ،442‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.38/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري‪.323/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري ‪ ،323/1‬والمغني البن قدامة‪.33/4 ،‬‬
‫(‪ )6‬المغني‪.33/4 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪.213/1 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫‪ -8‬إمامـــــة المســـــافر للمقـــــيم صـــــحيحة ويـــــتم المقـــــيم بعـــــد ســـــالم‬
‫المسافر؛لآلثار في ذلك(‪ )1‬واإلجماع‪ ،‬قال اإلمام ابن قدامة ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬
‫‪ (( :‬أجمع أهل العلم على أن المقيم إذا ائتم بالمسافر وسلم المسـافر مـن ركعتـين‬
‫أن على المقيم إتمام الصالة))(‪ .)2‬وعن عمر ‪ ‬أنه كان إذا قـدم بمكـة صـلى بهـم‬
‫سفر))(‪.)3‬‬ ‫ركعتين ثم يقول‪(( :‬يا أهل مكة أتموا صالتكم فإنا قوم‬
‫ٌ ٌْ‬
‫فظهر من ذلك أن المقيم إذا صلى خلف المسافر صالة الفريضة‪:‬‬
‫كالظهر‪ ،‬والعصر‪ ،‬والعشاء‪ ،‬فإنه يلزمه أن يكمل صالته أربعاً‪ ،‬أما إذا‬
‫صلى المقيم خلف المسافر طلب ًا لفضل الجماعة‪ ،‬وقد صلى المقيم‬
‫فريضته‪ ،‬فإنه يصلي مثل صالة المسافر‪ :‬ركعتين؛ ألنها في حقه نافلة(‪.)4‬‬
‫تامة صحيحة وخالف‬
‫فأتم بهم فصالتهم ّ‬ ‫وإذا ّأم المسافر المقيمين‬
‫َّ‬
‫األفضل(‪.)5‬‬
‫‪ -1‬إمامة المقيم للمسافر صحيحة‪ ،‬ويتم المسافر مثل صالة إمامه‪ ،‬سواء‬
‫ّ‬
‫أدرك جميع الصالة‪ ،‬أو ركعة‪ ،‬أو أقل‪ ،‬وحتى لو دخل معه في التشهد األخير‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬روي عن عمران ‪‬يرفعه‪(( :‬أنه ‪ ‬أقام بمكة زمان الفتح ثماني عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين‬
‫ركعتين إال المغرب ثم يقول‪ :‬يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا سفر)) أحمد بلفظه‪،‬‬
‫‪ ،340/3‬وأبو داود‪ ،‬كتاب صالة السفر‪ ،‬باب متى يتم المسافر‪ ،‬برقم ‪ 1221‬ولفظه‪(( :‬يا أهل البلد‬
‫صلوا أربعاً فإنا قوم سفر))‪ ،‬وفي سنده علي بن زيد بن جدعان ضعيف‪ ،‬قال الشوكاني‪(( :‬وإنما‬
‫حسن الترمذي حديثه (‪ )232‬لشواهده))‪ ،‬نيل األوطار‪.302/2 ،‬‬ ‫ّ‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،133/4 ،‬وانظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪.304/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬مالك في الموطأ موقوفاً‪ ،‬كتاب قصر الصالة في السفر‪ ،‬باب صالة المسافر إذا كان إماماً أو كان‬
‫وراء اإلمام‪ ،‬برقم ‪ .131/1 ،11‬قال اإلمام الشوكاني في نيل األوطار‪(( :302/2 ،‬وأثر عمر رجال‬
‫إسناده أئمة ثقات))‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى ومقاالت متنوعة‪ ،‬لإلمام ابن باز‪.231-221/12 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المغني‪ ،‬البن قدامة‪ ،133/4 ،‬ومجموع فتاوى ابن باز‪ ،230/12 ،‬وقد كان عثمان ‪‬يتم‬
‫بالناس في الحج في السنوات األخيرة من خالفته‪ ،‬وثبت عن عائشة رضي اهلل عنها أنها كانت تتم‬
‫الصالة في السفر‪ ،‬وتقول‪ :‬إنه ال يشق عليها‪ ،‬فال حرج في إتمام المسافر‪ ،‬ولكن األفضل ما فعله‬
‫النبي ‪‬؛ ألنه المشرع المعلم ‪ .‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى ابن باز‪ ،230/12 ،‬وحديث عثمان في‬
‫مسلم‪ ،‬برقم ‪.312 ،313‬‬
‫‪650‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫قبل السالم فإنه يتم‪ ،‬وهذا هو الصواب من قولي أهل العلم‪ِ ،‬ل َما ثبت عن ابن‬
‫عباس رضي اهلل عنهما من حديث موسى بن سلمة ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬قال‪ :‬كنّا مع ابن‬
‫عباس بمكة فقلت‪ :‬إنا إذا ُكنّا معكم ص ّلينا أربعاً وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا‬
‫ركعتين‪ ،‬قال‪(( :‬تلك سنّة أبي القاسم ‪ .)1())‬وكان ابن عمر رضي اهلل عنهما إذا ص ّلى‬
‫مع اإلمام ص ّلى أربعاً وإذا صالها وحده ص ّلى ركعتين(‪.)2‬‬
‫وذكر اإلمام ابن عبد البر ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬أن في إجماع الجمهور من‬
‫الفقهاء على أن المسافر إذا دخل في صالة المقيمين فأدرك منها ركعة‬
‫أنه يلزمه أن يصلي أربع ًا(‪ .)3‬وقال‪(( :‬قال أكثرهم إنه إذا أحرم المسافر‬
‫خلف المقيم قبل سالمه أنه تلزمه صالة المقيم‪ ،‬وعليه اإلتمام))(‪.)4‬‬
‫يدل على أ ّن المسافر إذا صلى خلف المقيم يلزمه اإلتمام عموم‬‫ومما ّ‬
‫قوله ‪(( :‬إنما ُجعل اإلمام ليؤتم به فال تختلفوا عليه‪ ،‬فإذا كبر‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫فكبروا‪.)6()))5(...‬‬
‫ّ‬
‫‪ -10‬إمامة من يؤدي الصالة بمن يقضيها صحيحة على القول الصحيح من‬
‫قولي أهل العلم‪ ،‬مثال ذلك رجل وجد الناس يصلون ظهر اليوم وذكر أن عليه‬
‫صالة الظهر باألمس‪ ،‬فإنه يدخل معهم خلف اإلمام وينوي ظهر أمس؛ فصالته‬
‫الصلوات واجب فيصلي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الترتيب بين ّ‬
‫مؤد؛ وأل ّن ّ‬
‫صحيحة‪ ،‬ألنه قاض صلى خلف ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أحمد في المسند‪ ،213/1 ،‬قال األلباني في إرواء الغليل‪(( :21/4 ،‬قلت وسنده صحيح رجاله رجال‬
‫أصل مع اإلمام؟ فقال‪:‬‬
‫الصحيح))‪ ،‬والحديث أخرجه مسلم بلفظ‪(( :‬كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم ّ‬
‫((ركعتين سنة أبي القاسم ‪ ،))‬مسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب صالة المسافرين‬
‫وقصرها‪ ،‬برقم ‪.388‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪،‬الكتاب والباب السابق‪،‬برقم ‪،)388( 17‬وانظر آثاراً في موطأ اإلمام مالك‪.120-131/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬التمهيد‪.412-411/13 ،‬‬
‫(‪ )4‬التمهيد ‪.412/13‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه من حديث أبي هريرة ‪:‬البخاري‪،‬كتاب األذان‪،‬باب إقامة الصف من تمام الصالة‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،722‬ومسلم‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب ائتمام المأموم باإلمام‪،‬برقم ‪.313‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،133/4 ،‬ومجموع فتاوى اإلمام ابن باز‪ ،230 ،121/12 ،‬والشرح‬
‫الممتع‪ ،‬البن عثيمين ‪.211/3‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪656‬‬
‫الصالة بنية الفائتة ثم يصلي الحاضرة(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪ -11‬إمامة من يقضي الصالة بمن يؤديها عكس المسألة السابقة‬
‫صحيحة على القول الصحيح‪ ،‬فيكون اإلمام هو الذي يقضي والمأموم‬
‫هو الذي يؤدي‪،‬مثال ذلك رجل عليه ظهر أمس فصلى فدخل معه من‬
‫يصلي ظهر اليوم‪،‬فاإلمام يصلي بنية ظهر أمس‪،‬والمأموم بنية ظهر‬
‫اليوم‪،‬فصحة المؤداة خلف المقضية وبالعكس؛أل ّن الصالة واحدة وإنما‬
‫ّ‬
‫الزمن(‪.)2‬‬ ‫اختلف ّ‬
‫‪ -12‬إمامة المفترض للمتنفل صحيحة بال خالف؛ لحديث أبي سعيد‬
‫تصدق‬
‫‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬أبصر رجالً يصلي وحده‪ ،‬فقال‪(( :‬أال رجل ي ّ‬
‫على هذا فيصلي معه))(‪)3‬؛ وألحاديث إعادة صالة الجماعة لمن أدرك‬
‫الجماعة وقد صلى قبل ذلك(‪ ،)4‬ومنها حديث يزيد بن األسود وفيه‪:‬‬
‫((إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها‬
‫لكما نافلة))(‪.)5‬‬
‫قال اإلمام ابن قدامة ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وال نعلم بين أهل العلم فيه‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪ ،103‬واإلنصاف في معرفة الراجح من‬
‫الخالف‪ ،‬للمرداوي المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪ ،308/3 ،‬وحاشية ابن قاسم على الروض‬
‫المربع‪ ،428/2 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪ ،427/3 ،‬ومجموع فتاوى اإلمام عبد العزيز بن‬
‫عبد اهلل ابن باز‪.182/12 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬اإلنصاف لمعرفة الراجح من الخالف للمرداوي‪ ،‬المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪،301/3 ،‬‬
‫واالختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪ ،103‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪،‬‬
‫‪ ،428/2‬والشرح الممتع البن عثيمين‪ ،427/3 ،‬ومجموع فتاوى اإلمام ابن باز‪،183 ،182/12 ،‬‬
‫‪.111 ،181 ،188 ،183‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،273‬والترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،220‬وأحمد ‪ ،33 ،32/4‬وغيرهم‪ ،‬وصححه األلباني في‬
‫إرواء الغليل‪ ،413/2 ،‬وتقدم تخريجه في الصلوات ذوات األسباب آخر صالة التطوع‪.‬‬
‫(‪ )4‬تقدم تخريجها في صالة الجماعة فيمن صلى ثم أدرك جماعة أعادها معهم نافلة‪.‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،211‬وأبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،272‬والنسائي‪ ،‬برقم ‪ ،828‬وتقدم تخريجه في الصلوات‬
‫ذوات األسباب آخر صالة التطوع‪.‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫اختالفاً))(‪.)1‬‬
‫‪ -14‬إمامة المتنفل للمفترض جائزة على القول الصحيح؛ لحديث‬
‫جابر ‪ ‬أن معاذ بن جبل ‪(( ‬كان يصلي مع رسول اهلل ‪ ‬العشاء ثم يأتي‬
‫مسجد قومه فيصلي بهم تلك الصالة))(‪ .)2‬ومعلوم أن الصالة األولى هي‬
‫الفريضة والثانية لمعاذ هي النافلة‪ ،‬ولم ينكر عليه النبي ‪.‬‬
‫وقد صلى النبي ‪ ‬في بعض أنواع صالة الخوف بالطائفة األولى ركعتين‪،‬‬
‫ثم سلم‪ ،‬ثم صلى بالطائفة الثانية ركعتين ثم سلم(‪ ،)3‬فالصالة األولى فرض‬
‫النبي ‪ ،‬والثانية نفالً(‪ ،)4‬وهو اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل(‪.)5‬‬
‫فعلى هذا تجوز صالة العشاء خلف من يصلي صالة التراويح وغيرها(‪.)6‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول عن‬
‫هذين الحديثين‪(( :‬وهذا واضح في جواز إمامة المتنفل بالمفترض))(‪.)7‬‬
‫‪ -13‬إمامة من يصلي العصر أو غيرها بمن يصلي الظهر أو غيرها جائزة‬
‫على القول الصحيح؛ ألنها فرع من إمامة المتنفل بالمفترض على‬
‫الصحيح‪ ،‬وهي مثلها في الحكم‪ ،‬بل هنا أولى؛ لصحة صالة من يصلي‬
‫الظهر خلف من يصلي الجمعة‪ ،‬فلو أدرك المأموم اإلمام في صالة الجمعة‬
‫بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية من صالة الجمعة دخل معه بنية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني‪.38/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب‪ :‬إذا طول اإلمام وكان للرجل حاجة فخرج وصلى‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،700‬ومسلم بلفظه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب القراءة في العشاء‪ ،‬برقم ‪ 180‬و‪.]333[ 181‬‬
‫(‪ )3‬النسائي‪ ،‬كتاب صالة الخوف‪ ،‬برقم ‪ ،1222‬وصححه األلباني‪ ،‬في صحيح سنن النسائي ‪.430/1‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬سبل السالم للصنعاني‪ ،210/4 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪ ،303/2 ،‬والشرح الممتع البن‬
‫عثيمين‪ ،410/3 ،‬وفتاوى اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز‪ ،178/12 ،‬واإلحكام شرح أصول‬
‫األحكام البن قاسم‪.481/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪.103‬‬
‫(‪ )6‬المغني البن قدامة‪،31/4 ،‬وانظر‪ :‬مجموع فتاوى اإلمام ابن تيمية‪ ،483/24 ،‬ومجموع فتاوى ابن‬
‫باز‪ 181/12،‬جمع الشويعر‪،‬و‪ 334 ،313-314/3‬جمع الطيار‪.‬‬
‫(‪ )7‬سمعته منه أثناء تقريره على المنتقى من أحاديث المصطفى ‪ ‬الحديث رقم ‪.1348‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫الظهر فإذا سلم اإلمام قام فصلى أربعاً ظهراً(‪ .)1‬وهذا هو اختيار شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وشيخنا اإلمام ابن باز وغيرهما ‪ -‬رحمهم اهلل ‪.)2(-‬‬
‫وأما قول النبي ‪(( :‬إنّما ُج ِعل اإلمام ليؤتم به فال تختلفوا عليه‪.)3())...‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ّ‬
‫فاالختالف المراد به في الحديث االختالف في األفعال واألقوال ‪ ،‬كما‬
‫جاء مفسر ًا بقوله‪(( :‬إنّما ُجعل اإلمام ليؤتم به‪ ،‬فإذا كبر فكبروا وال تكبروا‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫حتى يُكبر‪ ،‬وإذا ركع فاركعوا وال تركعوا حتى يركع‪ ،‬وإذا قال سمع اهلل‬
‫ّ‬
‫لمن حمده فقولوا‪ :‬اللهم ربّنا لك الحمد‪ ،‬وإذا سجد فاسجدوا وال‬
‫تسجدوا حتى يسجد‪ ،‬وإذا صلى قائماً فصلوا قيام ًا‪ ،‬وإذا ص ّلى قاعد ًا‬
‫فص ّلوا قعوداً أجمعون))(‪ .)5‬قال اإلمام الصنعاني ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬الحديث لم‬
‫فدل أنها إذا اختلفت نية اإلمام والمأموم ‪ -‬كأن‬ ‫يشترط المساواة في النية‪ّ ،‬‬
‫ينوي أحدهما فرضاً واآلخر نفالً‪ ،‬أو ينوي هذا عصراً‪ ،‬واآلخر ظهر ًا أنها‬
‫تصح الصالة جماعة))(‪ .)6‬وسمعت سماحة شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن‬ ‫ّ‬
‫عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول في شرحه لهذا الحديث‪(( :‬فقد ذكر‬
‫فدل على أن النية مغتفرة))(‪ ،)7‬فعلى ذلك‬ ‫األفعال واألقوال ولم يذكر النية ّ‬
‫ال يؤثر اختالف النية‪ :‬فتصح إمامة من يصلي الظهر بمن يصلي العشاء‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬حاشية ابن قاسم على الروض المربع‪.440/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪ ،103‬ومجموع فتاوى ابن باز‪،‬‬
‫‪ ،111/12‬وهو مذهب الشافعي كما في المجموع للنووي‪ ،120/3 ،‬واختاره أيضاً الشيخ‬
‫محمد بن إبراهيم في فتاويه‪.403/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪،‬برقم ‪ ،722‬ومسلم‪،‬برقم ‪،313‬وتقدم تخريجه في إمامة المقيم للمسافر‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الشرح الكبير البن قدامة‪ ،312/3 ،‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪،421/2 ،‬‬
‫واإلحكام شرح أصول األحكام البن قاسم‪ ،482/1 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪.432/3 ،‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود بلفظه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب اإلمام يصلي من قعود‪ ،‬برقم ‪ ،304‬وهو حديث صحيح‪،‬‬
‫وأصله متفق عليه‪:‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،722‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،313‬وتقدم تخريجه في إمامة المقيم‬
‫للمسافر‪.‬‬
‫(‪ )6‬سبل السالم شرح بلوغ المرام‪.71/4 ،‬‬
‫(‪ )7‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.321‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫وإمامة من يصلي الظهر بمن يصلي العصر‪ ،‬ومن يصلي العصر بمن يصلي‬
‫الظهر‪ ،‬ومن يصلي صالة أكثر بمن يصلي أقل‪ ،‬ومن يصلي أقل بمن يصلي‬
‫أكثر مثال من يصلي صالة أكثر خلف من يصلي أقل‪ :‬كمن يصلي العشاء‬
‫خلف من يصلي المغرب‪ ،‬فإنه يصلي مع اإلمام فإذا س ّلم إمامه قام وأتى‬
‫بركعة‪ .‬ومثال من يصلي صالة أقل خلف من يصلي صالة أكثر‪ ،‬كمن‬
‫يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء‪ ،‬فإنه إن أدرك اإلمام في الركعة‬
‫الثانية فما بعدها فال إشكال؛ ألنه يتابع إمامه ويسلم معه‪ ،‬وإن دخل في‬
‫الركعة الثالثة أتى بعده بركعة‪ ،‬وإن دخل في الرابعة أتى بعده بركعتين‪ ،‬لكن‬
‫إن أدرك اإلمام في الركعة األولى فإنه يلزمه إذا قام اإلمام إلى الرابعة أن‬
‫يجلس وال يقوم معه بل ينتظر في التشهد حتى يسلم مع إمامه‪ ،‬هذا هو‬
‫األفضل‪ ،‬وإن نوى االنفراد وقرأ التشهد األخير ثم سلم فال حرج(‪ ،)1‬وهو‬
‫اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية(‪ ،)2‬وشيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن‬
‫باز(‪ ،)3‬والشيخ العالمة محمد بن إبراهيم آل الشيخ(‪ )4‬رحمهم اهلل تعالى (‪.)5‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‪...(( :‬‬
‫وهكذا على األرجح لو جاء وهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب‬
‫بسبب السفر أو المرض [فقد] اختلف العلماء‪ :‬فقيل يصلي معهم‬
‫العشاء نافلة ثم يصلي المغرب‪ ،‬وقيل‪ :‬يجوز عدم الترتيب‪ ،‬وقيل‪ :‬يصلي‬
‫معهم المغرب بنية المغرب فإذا قاموا إلى الرابعة جلس ينتظرهم ثم‬
‫يسلم معهم‪ ،‬وهذا قول حسن وجيد وهو معذور في الجلوس كما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف للمرداوي‪ ،‬المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‬
‫‪ 313-314/3‬وذكر أنه اختيار المجد في شرحه‪ ،‬واختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬األخبار العلمية من االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪،‬ص‪.102-103‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى ومقاالت متنوعة لإلمام ابن باز‪.110 ،183/12 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم‪.403-402/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬وانظر‪ :‬الشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين‪.438-433/3 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫يجلس المسبوق ثم يتم صالته‪،‬حتى ولو لم يدرك إال ركعة جلس معهم‬
‫ثم أتم‪،‬فالتأخر لعذر والمتابعة لعذر شرعي))(‪.)1‬‬
‫تصح صالته لنفسه صحيحة على القول‬ ‫ّ‬ ‫‪ -12‬إمامة الفاسق الذي‬
‫الصحيح من قولي أهل العلم‪ ،‬إذا كانت معصيته أو بدعته ال تخرجه عن‬
‫اإلسالم‪ ،‬لكن ينبغي أن ال يرتب إماماً في الصالة وغيرها(‪.)2‬‬
‫صحة إمامة الفاسق حديث أبي ذر ‪‬قال‪ :‬قال لي‬ ‫ّ‬ ‫يدل على‬‫ومما ّ‬
‫رسول اهلل ‪(( :‬كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يُ َؤ ّخرون الصالة عن‬
‫صل‬ ‫وقتها أو يميتون الصالة عن وقتها))؟ قال‪ :‬قلت فما تأمرني؟ قال‪ّ (( :‬‬
‫فصل فإنها لك نافلة [وال تقل إني قد‬
‫ّ‬ ‫الصالة لوقتها‪ ،‬فإذا أدركتها معهم‬
‫ص ّليت فال أصلي]))(‪)3‬؛ ولحديث أبي هريرة ‪‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪:‬‬
‫((يص ّلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم‪ ،‬وإن أخطأوا فلكم وعليهم))(‪)4‬؛‬
‫وألن جمع ًا من الصحابة ‪ ‬كانوا يصلون الجمعة‪ ،‬والجماعة‪ ،‬واألعياد‬
‫خلف األئمة الفجار وال يعيدون الصالة‪ ،‬كما كان عبد اهلل بن عمر يصلي‬
‫أشد الناس تحري ًا‬
‫ّ‬ ‫خلف الحجاج بن يوسف(‪ ،)5‬وابن عمر كان ‪ ‬من‬
‫ّ‬
‫التباع السنة‪ ،‬واحتياطاً لها‪ ،‬والحجاج معروف بأنه من أفسق الناس‪.‬‬
‫وكذا أنس ‪ ‬كان يصلي خلف الحجاج‪،‬وكذلك عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬وغيره‬
‫من الصحابة كانوا يص ّلون خلف الوليد بن أبي معيط‪ ،‬وقد ص ّلى بهم الصبح يوماً‬
‫الحد‪ ،‬فجلده‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم قال‪ :‬أزيدكم؟ فشهد عليه رجالن عند عثمان ‪ ‬فأقام عليه ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على الحديث رقم ‪ 321‬من بلوغ المرام‪ .‬وانظر‪ :‬مجموع الفتاوى له‪،‬‬
‫‪.110 ،183/12‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى اإلمام ابن باز‪ ،112/12 ،‬ومن ‪ ،127-103‬والمغني البن قدامة‪،22/4 ،‬‬
‫والكافي البن قدامة‪.312/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪،‬برقم ‪،338‬وتقدم تخريجه في الصلوات ذوات األسباب في آخر صالة التطوع‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،313‬وتقدم تخريجه في فضل اإلمامة‪.‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب التهجير بالرواح يوم عرفة‪ ،‬برقم ‪ ،1330‬وباب الجمع بين الصالتين‬
‫بعرفة‪ ،‬برقم ‪ ،1332‬وباب قصر الخطبة بعرفة‪ ،‬برقم ‪.1334‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫وكل‬
‫أربعين‪ ،‬ثم قال‪ :‬جلد النبي ‪ ‬أربعين‪ ،‬وأبو بكر أربعين‪ ،‬وعمر ثمانين‪ٌّ ،‬‬
‫سنة وهذا أحب إلي(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫وفي الصحيح عن عبيد اهلل بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن‬
‫عفان ‪ ‬وهو محصور فقال‪ :‬إنك إمام عامة ونزل بك ما نرى ويصلي‬
‫لنا إمام فتنة ونتحرج‪ ،‬فقال‪(( :‬الصالة أحسن ما يعمل الناس‪ ،‬فإذا أحسن‬
‫الناس فأحسن معهم‪ ،‬وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم))(‪.)2‬‬
‫وصلى أبو سعيد الخدري ‪ ‬خلف مروان بن الحكم صالة العيد في‬
‫قصة تقديمه الخطبة على الصالة(‪ .)3‬قال اإلمام الشوكاني ‪ -‬رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫((‪ ...‬وقد ثبت إجماع أهل العصر األول من بقية الصحابة ومن معهم من‬
‫التابعين إجماعاً فعلياً‪ ،‬وال يبعد أن يكون قولياً على الصالة خلف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجائرين؛ ألن األمراء في تلك األعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس‪،‬‬
‫فكان الناس ال يؤمهم إال أمراؤهم‪ ،‬في كل بلدة فيها أمير))(‪ .)4‬وقال‪:‬‬
‫صحت صالته لنفسه‬ ‫((والحاصل أن األصل عدم اشتراط العدالة وأن كل من ّ‬
‫محل النّزاع إنما هو صحة الجماعة خلف‬‫صحت صالته لغيره‪...‬واعلم أن ّ‬
‫من ال عدالة له‪،‬وأما أنها مكروهة فال خالف في ذلك))(‪.)5‬قال اإلمام‬
‫الطحاوي‪-‬رحمه اهلل‪(( :-‬ونرى الصالة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة‬
‫وعلى من مات منهم))(‪ .)6‬وقد تكلم الشارح كالم ًا نفيساً رجح فيه صحة‬
‫الصالة خلف الفاسق‪ ،‬وأن من أظهر بدعته وفسقه ال يرتب إمام ًا‬
‫للمسلمين؛ ألنه يستحق التعزير حتى يتوب‪ ،‬وإن أمكن هجره حتى يتوب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫حد الخمر‪ ،‬برقم ‪.1707‬‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب ّ‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب إمامة المفتون والمبتدع‪ ،‬برقم ‪.312‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب كتاب صالة العيدين‪ ،‬برقم ‪.881‬‬
‫(‪ )4‬نيل األوطار‪.418/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬نيل األوطار‪ ،411/2 ،‬وانظر الشرح الممتع البن عثيمين‪.307/3 ،‬‬
‫(‪ )6‬الطحاوية مع شرحها‪ ،‬ص‪.321‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫كان حسناً‪ ،‬وأما إذا كان ترك الصالة خلفه يفوت المأموم الجمعة‬
‫والجماعة‪ ،‬فهذا ال يترك الصالة خلفه إال مبتدع مخالف للصحابة ‪‬‬
‫وكذلك إذا كان اإلمام قد رتبه والة األمور ليس في ترك الصالة خلفه‬
‫مصلحة شرعية‪ ،‬فال يترك الصالة خلفه بل الصالة خلفه أفضل‪ ،‬فال‬
‫يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير‪،‬وال دفع أخف الضررين‬
‫بحصول أعظمهما؛ فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها‪،‬‬
‫جمع والجماعات‬ ‫وتعطيل المفاسد وتقليلها‪ ،‬بحسب اإلمكان‪،‬فتفويت الُ َ‬
‫أعظم فساداً من االقتداء فيهما باإلمام الفاجر‪ ،‬وال سيما إذا كان التخلف‬
‫عنها ال يدفع فجور ًا فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية دون دفع المفسدة‪.‬‬
‫أما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهذا أولى من فعلها‬
‫وحينئذ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر فهو موضع‬ ‫ٍ‬ ‫خلف الفاجر‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫اجتهاد العلماء‪ :‬منهم من قال‪ :‬يعيد‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬ال يعيد ‪،‬‬
‫واألقرب أنه ال يعيد(‪.)2‬وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬
‫يقول‪((:‬من يسلم من األئمة من الفسق وال سيما آخر الزمان‪،‬فالقول بعدم‬
‫صحة الصالة خلف الفاسق فيه حرج عظيم‪،‬ومشقة كبيرة‪ ،‬فالصواب أنها‬
‫تصح‪،‬ولكن على المسؤولين أن يختاروا))(‪ )3‬واهلل المستعان(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬شرح العقيدة الطحاوية‪ ،‬ص‪.324‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى اإلمام ابن باز‪ ،113/12 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪ ،407/3 ،‬واإلحكام‬
‫شرح أصول األحكام البن قاسم‪ ، 478-477/1 ،‬واالختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪،‬‬
‫ص‪ ،107‬واختار أن الصالة ال تصح خلف أهل األهواء والبدع والفسقة مع القدرة على الصالة‬
‫خلف غيرهم‪ .‬وانظر‪ :‬حاشية ابن قاسم على الروض المربع‪ ،408-407/4 ،‬واإلنصاف في‬
‫معرفة الراجح من الخالف‪.422/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬سمعته أثناء تقريره على األحاديث رقم ‪ 1342-1321‬من المنتقى من أخبار المصطفى ‪ ،‬ألبي‬
‫البركات ابن تيمية‪.‬‬
‫صحت إمامته‪ ،‬قال العالمة محمد بن عثيمين في الشرح الممتع‪،‬‬‫ّ‬ ‫صحت صالته لنفسه‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )4‬فكل من‬
‫‪(( :407/3‬وهذا القول ال يسع الناس اليوم إال هو‪ ،‬ألننا لو طبقنا القول األول على الناس ما‬
‫وجدنا إمام ًا يصلح لإلمامة))‪.‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫‪ -13‬إمامـــة مـــن يكرهـــه أكثـــر الجماعـــة بحـــق مكروهـــة علـــى أقــــل‬


‫األحوال؛لحديث أبي أمامة ‪ ‬قال‪:‬قـال رسـول اهلل ‪(( :‬ثالثـة ال تجـاوز‬
‫صالتهم آذانهم‪ :‬العبد اآل بـق حتـى يرجـع‪ ،‬وامـرأة باتـت وزوجهـا عليهـا‬
‫ســاخط‪ ،‬وإمــام قــوم وهــم لــه كــارهون))(‪ .)1‬وعــن عمــرو بــن الحــارث بــن‬
‫أشـد النــاس عـذاباً [يـوم القيامـة] اثنـان‪ :‬امــرأة‬
‫المصـطلق قـال‪ :‬كـان يقـال‪ُّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫قوم وهم له كارهون ‪.‬‬ ‫عصت زوجها‪ ،‬وإمام ٍ‬
‫قال اإلمام الترمذي ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪(( :-‬وقد كره قوم من أهل‬
‫يؤم الرجل قوم ًا وهم له كارهون‪ ،‬فإذا كان اإلمام غير ظالم‬ ‫العلم أن َّ‬
‫واحد‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فإنما اإلثم على من كرهه‪ ،‬وقال أحمد وإسحاق في هذا‪ :‬إذا َكرِ َه‬
‫(‪)3‬‬
‫أو اثنان‪ ،‬أو ثالثة فال بأس أن يصلي بهم حتى يكرهه أكثر القوم)) ‪.‬‬
‫وذكر الشوكاني ‪ -‬رحمه اهلل ‪ :-‬أنه ذهب إلى التحريم قوم وإلى الكراهة‬
‫آخرون‪ ،‬وقيد جماعة من أهل العلم ذلك بالكراهة الدينية لسبب‬
‫ّ‬
‫شرعي‪ ،‬فأما الكراهة لغير الدين فال عبرة بها‪ ،‬وقيدوه بأن يكون‬
‫الكارهون أكثر المأمومين‪ ،‬وال اعتبار بكراهة الواحد‪ ،‬واالثنين‪ ،‬والثالثة‬
‫إذا كان المؤتمون جمع ًا كثير ًا‪ ،‬ال إذا كانوا اثنين أو ثالثة‪ ،‬فإن كراهتهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما جاء في من ّأم قوم ًا وهم له كارهون‪ ،‬برقم ‪ ،430‬وقال‪(( :‬هذا‬
‫حديث حسن غريب))‪ ،‬والبيهقي‪ 128/4 ،‬وقال‪(( :‬إسناده ليس بالقوي))‪ ،‬وذكره المنذري في‬
‫الترغيب والترهيب وذكر تحسين الترمذي له وأقره‪ ،482/1 ،‬وحسنه األلباني في صحيح الترغيب‬
‫ّ‬
‫والترهيب‪ ،228/1 ،‬وله شاهد من حديث طلحة في صحيح الترغيب‪ ،228/1 ،‬ومن حديث‬
‫الذهلي‪ ، 228/1 ،‬وقد جاء لهذا شواهد‪ :‬عن أنس عند الترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،428‬وعن عبد اهلل بن‬
‫عمرو عند أبي داود‪ ،‬برقم ‪ ،214‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،170‬وعن ابن عباس عند ابن ماجه‪ ،‬برقم‬
‫‪ . 171‬والحديث صححه أحمد شاكر في شرحه على سنن الترمذي‪ ،114/2 ،‬وقال المباركفوري‬
‫في تحفة األحوذي‪(( :438/2 ،‬قال النووي في الخالصة‪ :‬واألرجح هنا قول الترمذي))‪ .‬وحسنه‬
‫األلباني في صحيح سنن الترمذي‪ ،114/1 ،‬وقال اإلمام الشوكاني في نيل األوطار‪:317/2 ،‬‬
‫((وأحاديث الباب يقوي بعضها بعضاً))‪.‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما جاء فيمن ّأم قوماً وهم له كارهون‪ ،‬برقم ‪ ،421‬وقال األلباني في‬
‫صحيح سنن الترمذي‪(( :114/1 ،‬صحيح اإلسناد))‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫أو كراهة أكثرهم معتبرة‪ ،‬واالعتبار بكراهة أهل الدين دون غيرهم(‪.)1‬‬
‫هناد‪ :‬قال جرير‪ :‬قال منصور‪ :‬فسألنا عن‬ ‫وقال الترمذي ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬قال َّ‬
‫أمر اإلمام؛ فقيل لنا‪ :‬إنما عنى بهذا األئمة الظلمة‪ ،‬فأما من أقام السنة فإنما اإلثم‬
‫على من كرهه))(‪ .)2‬وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪(( :‬ذكر‬
‫أهل العلم ‪ -‬رحمهم اهلل ‪ -‬أن كراهة المأمومين فيها تفصيل‪ :‬فمراد النبي ‪ ‬إذا‬
‫كرهوه بحق‪ ،‬أما إذا كانت كراهتهم له؛ ألنه صاحب سنة‪ ،‬أو [ألنه] يأمرهم‬
‫بالمعروف وينهاهم عن المنكر فال وجه لكراهتهم‪ ،‬وهذا مأخوذ من األدلة‬
‫الشرعية‪ ،‬أما إذا كرهوه لشحناء بينهم‪ ،‬أو لفسقه‪ ،‬أو يشق عليهم‪ ،‬أو لعدم عنايته‬
‫بالصالة‪ ،‬أو عدم مواظبته‪ ،‬فال ينبغي أن يصلي بهم؛ ألنه مسيء إليهم‪ ،‬فال يجوز‬
‫له أن يصلي بهم في هذه الحال‪ ،‬وهو داخل في هذا الوعيد في هذه‬
‫األحاديث))(‪.)3‬‬
‫‪ -17‬إمامة الزائر لقوم منهي عنها إال بإذنهم؛ لحديث مالك بن‬
‫ٌّ‬
‫يؤمهم‪،‬‬
‫َّ‬ ‫فال‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫قوم‬ ‫زار‬ ‫من‬ ‫((‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‬ ‫رسول‬ ‫الحويرث ‪‬قال‪ :‬سمعت‬
‫وليؤ َّمهم رجل منهم))(‪ .)4‬قال اإلمام الترمذي ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬والعمل‬
‫ُ‬
‫على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي ‪،‬وغيرهم‪ ،‬قالوا‪(( :‬صاحب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪ ،318-317/2 ،‬واالختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪،‬‬
‫ص‪ 103‬وقال‪(( :‬وإذا كان بين اإلمام والمأمومين معاداة من جنس معاداة أهل األهواء أو المذاهب‬
‫لم ينبغ أن يؤمهم؛ ألن المقصود بالصالة جماعة االئتالف‪ ،‬ولهذا قال ‪(( :‬ال تختلفوا فتختلف‬
‫قلوبكم)) [مسلم برقم ‪ ،]342‬فإن أمهم فقد أتى بواجب ومحرم يقاوم الصالة فلم تقبل إذ الصالة‬
‫المقبولة ما يثاب عليها)) ص‪ ، 107-103‬وانظر‪ :‬حاشية ابن قاسم على الروض المربع‪427/2 ،‬‬
‫والشرح الممتع البن عثيمين‪.422-424/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما جاء فيمن أم قوماً وهم له كارهون‪ ،‬بعد الحديث رقم ‪،421‬‬
‫وانظر‪ :‬المغني البن قدامة‪.171/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى ‪ ‬ألبي البركات ابن تيمية‪ ،‬األحاديث رقم‬
‫‪.1327 ،1323‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب إمامة الزائر‪ ،‬برقم ‪ ،213‬والترمذي‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب فيمن زار قوماً‬
‫فال يصلي بهم‪ ،‬برقم ‪ ،423‬وقال‪(( :‬هذا حديث حسن صحيح))‪ ،‬والنسائي‪ ،‬كتاب اإلمامة‪ ،‬باب إمامة‬
‫الزائر‪ ،‬برقم ‪ ،787‬وأحمد‪ ،24/2 ،‬وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي‪.112/1 ،‬‬
‫‪650‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫المنزل أحق باإلمامة من الزائر))‪ .‬قال‪(( :‬وقال بعض أهل العلم‪ :‬إذا أَ ِذ َن‬
‫فال بأس أن يصلي به))(‪ .)1‬وقال أبو البركات ابن تيمية‪(( :‬وأكثر أهل العلم‬
‫أنه ال بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان(‪)2‬؛ لقوله ‪ ‬في حديث أبي‬
‫مسعود ‪(( :‬إال بإذنه))(‪.)3‬‬
‫يحل لرجل يؤمن باهلل واليوم‬‫وعن أبي هريرة ‪‬عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ال ّ‬
‫يحل لرجل يؤمن‬ ‫اآلخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف))‪ .‬وقال‪(( :‬وال ّ‬
‫يختص نفسه بدعوة‬ ‫ّ‬ ‫باهلل واليوم اآلخر أن يؤم قوماً إال بإذنهم‪ ،‬وال‬
‫دونهم(‪ ،)4‬فإن فعل فقد خانهم))(‪ .)5‬قال اإلمام الشوكاني ‪ -‬رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫((وقوله في حديث أبي هريرة ((إال بإذنهم)) يقتضي جواز إمامة الزائر عند‬
‫رضا المزور‪ ،‬قال العراقي‪ :‬ويشترط أن يكون المزور أهالً لإلمامة؛ فإن‬
‫لم يكن أهالً كالمرأة في صورة كون الزائر رجالً‪ ،‬واألمي في صورة‬
‫كون الزائر قارئاً ونحوهما فال حق له في اإلمامة))(‪ .)6‬وسمعت شيخنا‬
‫اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪(( :‬وفي حديث‬
‫يقعد‬
‫ْ‬ ‫الرجل في سلطانه‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫الرجل‬
‫ُ‬ ‫يؤم َّن‬
‫أبي مسعود في آخره‪(( :‬وال َّ‬
‫يؤمهم كما‬‫في بيته على تكرمته إال بإذنه)) هذا يفيد أن من زار قوماً فال ّ‬
‫في حديث مالك بن الحويرث وإن كان في سنده ضعف لكن حديث‬
‫أبي مسعود صحيح‪،‬فالزائر ال يؤم إال ٍ‬
‫بإذن إذا زار [القوم] في مسجدهم‬
‫أو في بيتهم‪ ،‬وحضرت الصالة فاإلمام صاحب البيت‪،‬وإن كان في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ ،‬بعد الحديث رقم ‪ ،423‬وتقدم تخريجه في الذي قبله‪.‬‬
‫(‪ )2‬المنتقى من أخبار المصطفى ‪ ،‬بعد الحديث رقم ‪.1322‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،374‬وتقدم تخريجه في أولى الناس باإلمامة‪.‬‬
‫(‪ )4‬قوله‪(( :‬وال يختص نفسه بدعوة دونهم)) أي الذي يؤمنون عليه خلفه‪ :‬كالدعاء في القنوت وغيره‬
‫واهلل أعلم‪ .‬هكذا سمعته من شيخنا ابن باز‪.‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟ برقم ‪ ،11‬قال األلباني في صحيح سنن‬
‫أبي داود‪(( :42/1 ،‬صحيح إال جملة الدعوة))‪.‬‬
‫(‪ )6‬نيل األوطار للشوكاني‪.413/2 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪656‬‬
‫المسجد فصاحب السلطان‪،‬فال يتقدم عليه‪،‬وإن كان الزائر أعلم أو أكبر‬
‫سنّاً‪،‬إال أن يقدمه ويأذن له فال بأس؛ ألن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬إال بإذنه))‪،‬‬
‫صح فهو محمول على بغير اإلذن‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أما حديث‪(( :‬من زار قوم ًا)) لو‬
‫وحديث‪(( :‬من زار قوماً)) تعضده األدلة األخرى‪ ،‬وبعض الناس قد يأذن‬
‫يلح عليه صاحب‬ ‫أن‪)1‬ال يعجل في التقدم حتى َّ‬ ‫حياء‪ ،‬فينبغي للزائر‬
‫ً‬
‫(‬
‫السلطان ويشدد ويلزم)) ‪.‬‬
‫‪ -18‬اإلمامة في مسجد قبل إمامه ال تجوز إال إذا تأخر عن الوقت المحدد‬
‫أو بإذنه؛ لقوله ‪(( :‬وال يؤمن الرجل الرجل في سلطانه))(‪ .)2‬فال يجوز‬
‫يوكله فيقول‪:‬‬
‫لإلنسان أن يؤم في مسجد له إمام راتب إال بإذن اإلمام‪ ،‬كأن ّ‬
‫ت عن موعد اإلقامة فصلوا‪.‬‬ ‫تأخ ْر ُ‬
‫صل بالناس‪ ،‬أو يقول للجماعة إذا َّ‬
‫ّ‬
‫يقدموا أحدهم؛ لفعل‬ ‫ويجوز للجماعة إذا تأخر اإلمام تأخر ًا ظاهر ًا أن ّ‬
‫الص ّديق ‪ )3(‬وعبد الرحمن بن عوف ‪‬حين غاب النبي ‪ ‬فقال النبي‬ ‫ّ‬
‫‪(( :‬أحسنتم))(‪ ،)4‬وإذا َّأم في مسجد قبل إمامه بدون إذن اإلمام أو عذره‬
‫تصح‪ ،‬ويجب عليهم اإلعادة مع اإلمام الراتب‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫فقيل‪ :‬الصالة ال‬
‫ّ‬
‫الص ّحة حتى يقوم الدليل‬
‫اإلثم وهذا هو الصواب؛ ألن األصل ّ‬ ‫تصح مع‬
‫ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫على الفساد ‪.‬‬
‫‪ -11‬اإلمامة من المصحف صحيحة على الصحيح من قولي أهل‬
‫عبدها ذكوان من المصحف(‪ .)6‬قال‬‫يؤمها ُ‬
‫العلم؛ ألن عائشة رضي اهلل عنها كان ُّ‬
‫اإلمام ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬يجوز ذلك إذا دعت الحاجة إليه‪ ،‬كما يجوز‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى ‪،‬األحاديث ‪.1322-1313‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،374‬وتقدم تخريجه في أولى الناس باإلمامة‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،383‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،321‬ويأتي تخريجه في انتقال اإلمام مأموماً‪.‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،182‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،273‬وتقدم تخريجه في صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الروض المربع مع حاشية ابن قاسم‪ ،238-237/2 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪،‬‬
‫‪ ،218/3‬ومجموع فتاوى اإلمام ابن باز‪.134/12 ،‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪،‬كتاب األذان‪،‬باب إمامة العبد والمولى‪،‬في ترجمة الباب‪،‬قبل الحديث رقم ‪.312‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫القراءة من المصحف في التراويح لمن ال يحفظ القرآن‪ ،‬وتطويل القراءة‬


‫في صالة الفجر سنة‪ ،‬فإذا كان اإلمام ال يحفظ المفصل وال غيره من بقية‬
‫القرآن الكريم جاز له أن يقرأ من المصحف‪ ،‬ويشرع له أن يشتغل بحفظ‬
‫القرآن وأن يجتهد))(‪.)1‬‬
‫سادساً‪ :‬وقوف المأموم مع اإلمام أنواع‪:‬‬
‫‪ -1‬وقوف المأموم الواحد عن يمين اإلمام؛ لحديث عبداهلل بن عباس‬
‫رضي اهلل‬
‫عنهما وفيه‪(( :‬فقام النبي [‪ ]‬يصلي فقمت عن يساره‪،‬فأخذ بأذني فأدارني عن‬
‫يدل على أن موقف الواحد مع اإلمام عن يمينه‪،‬بدليل اإلدارة‪،‬إذ‬ ‫يمينه))‪ ،‬وهذا ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫لو كان اليسار موقف ًا له لما أداره في الصالة ‪،‬وهذا هو األفضل‬
‫واألكمل(‪.)3‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل‬
‫يدل على أن المأموم إذا كان واحد ًا يكون عن يمين اإلمام‬ ‫‪ -‬يقول‪((:‬وهذا ّ‬
‫مساوياً له ال يتقدم وال يتأخر؛ألن النبي ‪ ‬لم يقل البن عباس ال تتأخر‬
‫عني))(‪.)4‬وسمعته ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪((:‬لو صلى عن يسار اإلمام صحت‬
‫صالته؛ألن النبي ‪ ‬ما أمره بإعادة التحريمة‪،‬لكن السنة عن يمين اإلمام))(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬وقوف االثنين فأكثر خلف اإلمام؛لحديث جابر بن عبد اهلل‬
‫رضي اهلل عنهما‬
‫وفيه‪(( :‬جئت حتى قمت عن يسار رسول اهلل ‪ ‬فأخذ بيدي فأدارني حتى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجموع فتاوى اإلمام ابن باز‪ ،‬جمع الطيار‪ ،488/3 ،‬وحاشية ابن باز على فتح الباري‪.182/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬سبل السالم للصنعاني‪ ،103/4 ،‬والمغني البن قدامة‪.24/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬فإن صلى الواحد عن يسار اإلمام أو صلى اثنان‪ :‬واحد عن يمينه واآلخر عن شماله أو صلى معه‬
‫صحت الصالة على الصحيح‪ ،‬وكان ذلك خالف األفضل‪.‬‬ ‫خلو يمينه ّ‬
‫واحد أو أكثر عن شماله مع ّ‬
‫انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،24/4 ،‬والكافي البن قدامة‪ ،321/1 ،‬واختيارات السعدي‪ ،‬ص‪ ،32‬وسبل‬
‫السالم للصنعاني‪ ،103/4 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪ ،321/2 ،‬والشرح الممتع‪.472/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪،‬الحديث رقم ‪ 317‬مغرب األحد بتاريخ ‪1311/8/27‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )5‬سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،728‬ورقم ‪ ،723‬مغرب األحد الموافق‬
‫‪1311/10/7‬هـ‪.‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫أقامني عن يمينه‪ ،‬ثم جاء جبار بن صخر فتوضأ ثم جاء فقام عن يسار‬
‫َّ‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬فأخذ رسول اهلل ‪ ‬بيدينا جميعاً فدفعنا حتى أقامنا‬
‫(‪)1‬‬
‫يدل على أن موقف الرجلين فأكثر مع اإلمام في الصالة‬ ‫خلفه)) ‪ .‬وهذا ّ‬
‫خلفه(‪ ،)2‬ومما يدل على ذلك حديث أنس ‪ ‬وفيه‪(( :‬فقام رسول اهلل ‪،‬‬
‫وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا‪ ،‬فصلى لنا رسول اهلل ‪‬‬
‫ركعتين ثم انصرف))(‪ .)3‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن‬
‫فدل على جواز مصا ّفة الصغير وأن المرأة‬ ‫باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪ّ (( :‬‬
‫الواحدة تصلي خلف الصف))(‪ .)4‬وسمعته يقول‪(( :‬فدلت السنة على أن‬
‫الواحد يقف عن يمين اإلمام كما في حديث جابر‪ ،‬وأنس‪ ،‬وابن عباس‪،‬‬
‫في الفرض والنفل جميع ًا‪ ،‬أما إذا كانوا اثنين فأكثر فإن السنة أن يكونوا‬
‫خلفه‪ .‬أما أثر ابن مسعود‪ ،‬وهو أنه جعل علقمة واألسود عن يمينه‬
‫وشماله‪ ،‬ونقله عن النبي ‪ ،‬فقال العلماء فيه‪ :‬إنه موقوف‪ ،‬وأع ّله بعضهم‪،‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬إنه منسوخ‪ ،‬والصواب أنه موقوف من اجتهاده أو منسوخ(‪.)5‬‬
‫‪ -4‬وقوف اإلمام تلقاء وسط الصف‪ ،‬العمل عليه عند أهل العلم‪،‬‬
‫فينبغي أن يجعل اإلمام مقابالً لوسط الصف‪.‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد‬
‫وسطوا اإلمام وسدوا‬
‫بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪ّ (( :‬‬ ‫العزيز‬
‫الخلل))(‪ :)6‬الحديث وإن كان فيه ضعف ولكن العمل عليه عند أهل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب صالة النبي ‪ ‬ودعائه بالليل‪ ،‬برقم ‪ ،733‬وفي كتاب الزهد‬
‫والرقائق‪ ،‬باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر‪ ،‬برقم ‪.4010‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬نيل األوطار للشوكاني‪،320/2،‬وسبل السالم للصنعاني‪،107/4 ،‬والمغني البن قدامة‪.24/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،480‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،328‬وتقدم تخريجه في جواز صالة التطوع‬
‫جماعة أحياناً‪.‬‬
‫(‪ )4‬سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم ‪ ، 871‬وذلك يوم األحد بعد المغرب في‬
‫مسجد سارة‪ ،‬الموافق ‪1311/11/1‬هـ‪ ،‬وانظر المغني البن قدامة‪ ،24/4 ،‬ونيل األوطار‬
‫للشوكاني‪ ،327/2 ،‬وسبل السالم للصنعاني‪.107/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬سمعته أثناء تقريره على منتقى األخبار ألبي البركات ابن تيمية‪ ،‬األحاديث ‪.1333-1328‬‬
‫(‪ )6‬الحديث رواه أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ، 381‬وضعفه األلباني في ضعيف سنن أبي داود‪ ،‬ص‪ ،23‬قال‪:‬‬
‫=‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫العلم‪،‬فالسنة أن يكون اإلمام وسطاً في المساجد‪،‬هذه السنة العملية التي‬


‫درج عليها المسلمون(‪ .)2() )1‬وقال رحمه اهلل‪(( :‬الصف يبدأ من الوسط مما‬‫)‬

‫يلي اإلمام‪ ،‬ويمين كل صف أفضل من يساره‪ ،‬والواجب أال يبدأ في صف‬


‫حتى يكمل الذي قبله‪ .‬وال بأس أن يكون الناس في يمين الصف أكثر‪ ،‬وال‬
‫صف في‬ ‫حاجة إلى التعديل‪ ،‬بل األمر بذلك خالف السنة‪ ،‬ولكن ال يُ ّ‬
‫الثاني حتى يكمل األول‪ ،‬وال في الثالث حتى يكمل الثاني‪ ،‬وهكذا بقية‬
‫الصفوف؛ ألنه قد ثبت عن رسول اهلل ‪ ‬األمر بذلك))(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬وقوف المرأة الواحدة خلف الرجل؛ لحديث أنس ‪‬وفيه‪:‬‬
‫((وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا))(‪ .)4‬وقال اإلمام ابن عبد‬
‫البر ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬أجمع العلماء على أن المرأة تصلي خلف الرجل‬
‫وحدها ص ّفاً‪ ،‬وأن سنتها الوقوف خلف الرجل ال عن يمينه))(‪ .)5‬ولكن ال‬
‫تجوز الخلوة بالمرأة وحدها كما تقدم(‪.)6‬‬
‫‪ -2‬وقوف المرأة الواحدة أو أكثر خلف الرجال؛لحديث أنس السابق؛‬
‫ولحديثه اآلخر أن النبي ‪ ‬دخل عليه وصلى به وبأمه وقال‪((:‬فأقامني عن‬
‫يمينه وأقام المرأة خلفنا))(‪.)7‬وإذا زاد النساء عن واحدة صلين خلف‬
‫الرجال؛لحديث أنس ‪ ‬وفيه‪((:‬صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي ‪‬‬
‫وأمي وأم سليم خلفنا))(‪.)8‬وإذا لم يوجد إال اإلمام صلى بالنساء وهن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫((لكن الشطر الثاني منه صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على المنتقى للمجد أبي البركات ابن تيمية‪،‬الحديث رقم ‪.1332‬‬
‫(‪ )2‬وانظر‪:‬نيل األوطار‪ ،322/2،‬وفتاوى ابن باز‪،202/12،‬والكافي البن قدامة‪.343/1،‬‬
‫(‪ )3‬فتاوى ابن باز‪.202/12 ،‬‬
‫ٍ‬
‫حواش‪.‬‬ ‫(‪ )4‬متفق عليه‪ ،‬وتقدم قبل ست‬
‫(‪ )5‬االستذكار الجامع لمذاهب فقهاء األمصار‪،231/3 ،‬وانظر‪ :‬المغني البن قدامة‪.23-24/4،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ما تقدم في صالة الجماعة‪ :‬انعقاد الجماعة باثنين‪.‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،330‬وتقدم تخريجه في جواز صالة التطوع جماعة أحياناً‪.‬‬
‫(‪ )8‬البخاري‪،‬كتاب األذان‪ ،‬باب المرأة وحدها تكون ص ّفاً‪ ،‬برقم ‪ ،727‬وهو طرف الحديث رقم ‪.480‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫خلفه إال إذا خاف الفتنة فال يصلي بهن؛ألن ما كان ذريعة إلى الحرام فهو‬
‫حرام(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬وقوف المرأة الواحدة مع المرأة كوقوف الرجل مع الرجل‬
‫الواحد‪ ،‬تقف عن يمينها(‪.)2‬‬
‫‪ -7‬وقوف النساء مع المرأة عن يمينها وشمالها‪ ،‬فإمامتهن تقوم‬
‫وسطهن في صفهن‪ ،‬استحباباً؛ ألن أم سلمة رضي اهلل عنها كانت إذا َّأمت‬
‫النساء وقفت في صفهن(‪ ،)3‬وعائشة رضي اهلل عنها أيض ًا كانت إذا َّأمت النساء‬
‫وقفت في صفهن(‪)4‬؛ ألن ذلك أستر للمرأة‪ ،‬والمرأة مطلوب منها الستر‬
‫بقدر المستطاع(‪ ،)5‬وإذا كن عراة فكذلك تقوم إمامتهم وسطهن‪ ،‬وتجهر‬
‫بالقراءة في الصالة الجهرية(‪.)6‬‬
‫‪ -8‬وقوف العراة مع إمامهم العاري عن يمينه وشماله‪ ،‬فيكون إمامهم وسط صفهم‬
‫ولو طال الصف؛ ألن ذلك أستر له(‪ .)7‬قال اإلمام ابن قدامة ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في المغني‪:‬‬
‫((وإذا شرعت الجماعة لعراة النساء مع أن الستر في حقهن آكد‪،‬والجماعة في حقهن‬
‫أخف فللرجال أولى وأحرى‪،‬وغض البصر يحصل بكونهم ص ّفاً واحداً يستر بعضهم‬
‫بعض ًا‪ ،‬إذا ثبت هذا فإنهم يصلون ص ّف ًا واحد ًا ويكون إمامهم وسطهم‪،‬ليكون أستر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين‪.422/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،481/3 ،‬والكافي البن قدامة‪ ،343/1 ،‬والروض المربع‪،430/2 ،‬‬
‫ومجموع فتاوى ابن باز‪ ،141/12 ،‬واالختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه عبد الرزاق في المصنف‪ ،‬برقم ‪ ،2082‬وابن أبي شيبة‪ ،88/2 ،‬والشافعي في المسند‪،‬‬
‫‪ ،82/3‬والدارقطني‪،303/1 ،‬والبيهقي‪،141/4 ،‬وابن حزم في المحلى واحتج به‪.172/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه عبد الرزاق‪ ،‬برقم ‪ ،2083‬وابن أبي شيبة‪ ،81/2 ،‬والحاكم‪ ،204/1 ،‬والدارقطني‪،303/1،‬‬
‫والبيهقي‪،141/4،‬وابن حزم في المحلى واحتج به‪.171/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪:‬اإلنصاف للمرداوي‪ ،‬مع الشرح الكبير‪ ،332/3 ،‬والشرح الممتع‪ ،470/3 ،‬و‪،122/4‬‬
‫المغني البن قدامة‪ ،47/4 ،‬و‪ ،420-411/2‬وحاشية الروض البن قاسم‪.441/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬مجموع فتاوى ابن باز‪.140/12 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪:‬المغني البن قدامة ‪،418/2،‬والشرح الممتع‪،‬البن عثيمين‪، 470/3،‬و‪.183/2‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫له))(‪ .)1‬وهذا على سبيل الوجوب إال إذا كانوا عمياً‪ ،‬أو في ظلمة فإنه يصلي بهم‬
‫أمامهم(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬وقوف الرجال‪ ،‬والصبيان‪ ،‬والنساء مع اإلمام على النحو اآلتي‪:‬‬
‫أ‪ -‬يصف الرجال خلف اإلمام إن َسب ُقوا‪.‬‬
‫ب‪ -‬ثم يصف الصبيان خلف الرجال ما لم يسبقوا أو يمنع مانع‪.‬‬
‫ج‪ -‬ثم يصف النساء خلف الصبيان‪.‬‬
‫ويدل على هذا الترتيب حديث أبي مسعود ‪‬قال‪:‬كان رسول اهلل ‪‬‬
‫يمسح مناكبنا في الصالة ويقول‪((:‬استووا وال تختلفوا فتختلف قلوبكم‪،‬‬
‫ليلني منكم أُولو األحالم والنهى(‪،)3‬ثم الذين يلونهم‪،‬ثم الذين‬ ‫ِ‬
‫يلونهم))(‪.)4‬وفي حديث عبد اهلل بن مسعود ‪((:‬ليلني منكم أولو األحالم‬
‫والنهى‪،‬ثم الذين يلونهم‪-‬ثالثاً‪-‬وإياكم وهيشات(‪ )5‬األسواق))(‪.)6‬قال اإلمام‬
‫النووي‪-‬رحمه اهلل تعالى‪(( :-‬فاألفضل إلى األمام؛ ألنه أولى باإلكرام؛ وألنه‬
‫ربما يحتاج اإلمام إلى استخالف فيكون هو أولى؛ وألنه يتفطن لتنبيه‬
‫اإلمام على السهو ِل َما ال يتفطن له غيره؛ وليضبطوا صفة الصالة‬
‫ويحفظوها‪ ،‬وينقلوها ويُع ّلموها للناس؛وليقتدي بأفعالهم من وراءهم‪ ،‬وال‬
‫يختص هذا التقديم بالصالة‪ ،‬بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني البن قدامة‪.420-418/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الممتع البن عثيمين‪.470/3 ،183/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬األحالم والنهى ‪ :‬العقول واأللباب‪ ،‬وهما بمعنى واحد‪ :‬وهي العقول‪ :‬واحدها‪ :‬نهية؛ ألنه ينهى‬
‫صاحبه عن الرذائل‪ ،‬انظر‪ :‬المفهم للقرطبي‪ ،32/2 ،‬وجامع األصول البن األثير‪.211/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب تسوية الصفوف‪،‬وإقامتها‪،‬وفضل األول فاألول منها‪ ،‬واالزدحام على‬
‫الصف األول‪،‬والمسابقة إليها‪،‬وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من اإلمام‪،‬برقم ‪.))342(( -122‬‬
‫(‪ )5‬هيشات األسواق ‪ :‬اختالطها‪ ،‬والمنازعة‪ ،‬والخصومات وارتفاع األصوات‪ ،‬واللغط والفتن التي‬
‫ْ‬
‫فيها‪ .‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.300/3 ،‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪،‬باب تسوية الصفوف وإقامتها‪،‬وفضل األول فاألول منها‪ ،‬واالزدحام على‬
‫الصف األول‪ ،‬والمسابقة إليها‪ ،‬وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من اإلمام‪ ،‬برقم ‪.))342(( -124‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫إلى اإلمام وكبير المجلس‪ :‬كمجالس العلم‪ ،‬والقضاء‪ ،‬والذكر‪ ،‬والمشاورة‪،‬‬
‫ومواقف القتال‪ ،‬وإمامة الصالة‪،‬والتدريس‪ ،‬واإلفتاء‪ ،‬وإسماع الحديث‪،‬‬
‫ونحوها‪ ،‬ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين‪ ،‬والعقل‪،‬‬
‫والشرف‪ ،‬والسن‪ ،‬والكفاءة في ذلك الباب‪ ،‬واألحاديث الصحيحة متعاضدة‬
‫على ذلك))(‪.)1‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري ‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬رأى في أصحابه تأخراً‬
‫فائتموا بي وليأتم بكم َم ْن بعدكم(‪ ،)2‬ال يزال قوم‬ ‫تقدموا‬
‫فقال‪ّ (( :‬‬
‫ّ (‪ّ )4( )3‬‬
‫يتأخرون حتى يؤخرهم اهلل)) ‪ .‬وفي لفظ أبي داود عن عائشة رضي اهلل عنها‪:‬‬
‫((ال يزال قوم يتأخرون عن الصف األول حتى يؤخرهم اهلل في النار))(‪.)5‬‬
‫والمقصود فيما تقدم أن يتقدم الرجال‪ ،‬ثم بعد ذلك الصبيان؛ ألن الصبيان‬
‫فضل اهلل الذكور على اإلناث فهم أقدم من النساء‪ ،‬ثم بعد ذلك‬ ‫ذكور وقد ّ‬
‫النساء؛ ألن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬خير صفوف الرجال ّأولها وشرها آخرها‪،‬‬
‫ّ‬
‫وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها))(‪ .)6‬ويلزم من ذلك تأخر صفوف‬
‫(‪ّ )7‬‬
‫النساء عن صفوف الرجال ‪.‬‬
‫أما ترتيب صفوف الصبيان فال شك أن األولى أن يكونوا خلف‬
‫الرجال إال إذا حصل بذلك تشويش على المصلين فإنا نجعل بين كل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.300-411/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬معنى وليأتم بكم من بعدكم ‪ :‬أي يقتدوا بي مستدلين على أفعالي بأفعالكم‪ ،‬ففيه جواز اعتماد‬
‫المأموم في متابعة اإلمام الذي ال يراه وال يسمعه على مبلغ عنه‪ ،‬وصف قدامه يراه متابعاً لإلمام‪.‬‬
‫شرح النووي على صحيح مسلم‪.304/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬ال يزال قوم يتأخرون ‪ :‬أي عن الصفوف األول حتى يؤخرهم اهلل تعالى عن رحمته أو عظيم فضله‬
‫ورفع المنزلة‪ ،‬وعن العلم ونحو ذلك‪ ،‬شرح النووي‪.304/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف وإقامتها‪ ،‬برقم ‪.348‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف األول‪ ،‬برقم ‪،371‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.200/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف‪ ،‬برقم ‪.330‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬الشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين‪.410/3 ،‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫صبيين رجالً بالغاً‪ ،‬ليخشع الناس في الصالة(‪.)1‬‬


‫وتقديم الرجال ثم الصبيان يكون في ابتداء األمر‪ ،‬كأن يجتمع الناس‬
‫للصالة في وقت واحد ولم يتقدم أحد قبل أحد‪ ،‬أما إذا جاء الصبي إلى‬
‫مكان فالصواب أنه أحق به من غيره(‪)2‬؛‬ ‫ٍ‬ ‫الصفوف األ ُ َول وسبق إلى‬
‫لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬ال يقيم الرجل الرجل‬
‫من مجلسه ثم يجلس فيه))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬نهى النبي ‪ ‬أن يقيم الرجل‬
‫الرجل من مقعده ويجلس فيه)) فقيل لنافع‪ :‬الجمعة؟ قال‪ :‬الجمعة‬
‫وغيرها(‪ .)3‬وفي لفظ لمسلم‪(( :‬ال يقيم الرجل الرجل من مقعده ثم‬
‫وتوسعوا))‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تفسحوا‬ ‫يجلس فيه ولكن ّ‬
‫وإقامة الصبي من مكانه وتأخيره يؤدي إلى تنفير الصبيان من‬
‫أخرهم عن الصف(‪،)4‬وهذه‬ ‫المساجد‪ ،‬وكراهتهم للرجل الذي ّ‬
‫مفسدة(‪.)5‬قال اإلمام شيخنا عبدالعزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫((إذا كان الصبي مميزاً عاقالً فال يؤخر من مكانه؛ألنه قد سبق إلى ما لم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين‪.411/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬وهو اختيار أبي البركات جد شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وقال المرداوي في اإلنصاف لمعرفة الراجح من‬
‫الخالف‪(( :‬وهو الصواب)) اإلنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪ ،303/4 ،‬و‪.340-321/3‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ال يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد مكانه‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،111‬وكتاب االستئذان‪ ،‬باب ال يقيم الرجل الرجل من مجلسه‪ ،‬برقم ‪ ،3231‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫السالم‪ ،‬باب تحريم إقامة اإلنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه‪ ،‬برقم ‪.2177‬‬
‫(‪ )4‬رأيت رجالً كبيراً في السن معه عكازه جاء متأخراً إلى الجامع الكبير بالرياض قبل عام ‪1302‬هـ‬
‫تأخر وجلس مكانه وقال‪ :‬قال رسول‬ ‫فوجد صبياً في الصف األول فقرعه في رأسه بالعصا وقال‪ّ :‬‬
‫اهلل ‪(( :‬ليلني منكم أولو األحالم والنهى)) فاستغرب ت هذا العمل‪ ،‬وسألت العالمة شيخنا عبد‬
‫العزيز ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬وكان إمام الجامع آنذاك فبين ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬أن هذا خطأ وال يجوز‪،‬‬
‫ّ‬
‫وإنما تأخير الصبيان إذا جاء الناس للصالة في وقت واحد ولم يتقدم أحد على أحد‪ ،‬وذكر أنه‬
‫ينبغي ألولي األحالم والنهى أن يتقدموا ويسبقوا إلى الصف األول‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين‪ 21-20/4 ،‬و‪ ،414-481/3‬وحاشية ابن قاسم على‬
‫الروض المربع‪ ،431/2 ،‬والمغني البن قدامة‪ ،27/4 ،‬واإلنصاف للمرداوي المطبوع مع المقنع‬
‫والشرح الكبير‪ 340-321/3 ،‬و‪ ،303/4‬ونيل األوطار‪ ،‬للشوكاني‪.323/2 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫يسبق إليه مسلم‪ ،‬فكان أولى؛ ِ‬
‫ول َما فيه من التشجيع للصبيان على المسابقة‬
‫إلى الصالة‪ ،‬وإذا كان دون التمييز أو غير عاقل فإنه يؤخر؛ألن صالته غير‬
‫صحيحة))(‪.)1‬‬
‫سابعاً‪ :‬متى يقوم المأمومون ألداء الصالة؟‬
‫حد محدود‪ ،‬واألمر فيه واسع‪:‬‬ ‫وقت قيام المأمومين للصالة ليس له ّ‬
‫سواء كان في أول اإلقامة‪ ،‬أو في أثنائها‪ ،‬أو في آخرها‪ ،‬والمطلوب أن‬
‫يكبر تكبيرة اإلحرام بعد تكبير اإلمام وال تفوته مع اإلمام(‪ ،)2‬وال يقوم‬
‫المصلون إذا أخذ المؤذن في اإلقامة حتى يخرج اإلمام‪ ،‬لحديث أبي‬
‫قتادة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إذا أقيمت الصالة فال تقوموا حتى‬
‫تروني [قد خرجت]))(‪ ،)3‬وعن جابر بن سمرة ‪ ‬قال‪(( :‬كان بالل يؤذن إذا‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجموع فتاوى ابن باز‪ ،‬جمع الطيار‪.313/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬اختلف العلماء من السلف فمن بعدهم متى يقوم الناس للصالة على أقوال‪ :‬فقيل‪ :‬يقوم المصلي‬
‫عند ((حي على الفالح)) يذكر عن أبي حنيفة‪ ،‬وقيل‪ :‬عند ((حي على الصالة)) يذكر عن أبي حنيفة أيضاً‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬يستحب أال يقوم حتى يفرغ المؤذن من اإلقامة‪ ،‬ويذكر عن الشافعي‪ ،‬وقيل‪ :‬يقوم إذا أخذ المؤذن في‬
‫اإلقامة‪ ،‬يذكر عن مالك‪ ،‬وقيل‪ :‬القيام موكول إلى قدرة الناس‪ ،‬فإن منهم الثقيل والخفيف‪ ،‬وليس في ذلك‬
‫حد محدود‪ ،‬ويذكر ذلك عن مالك في الموطأ أيضاً‪.‬وقيل‪:‬يقوم إذا قال المؤذن قد قامت الصالة‪ ،‬يذكر ذلك‬
‫عن أنس ‪ ،‬وبه قال أحمد‪ ،‬وقيل‪ :‬إذا كان اإلمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ اإلقامة‪ ،‬وإذا لم‬
‫يكن اإلمام في المسجد فال يقوموا حتى يروه‪ .‬انظر‪ :‬شرح اإلمام النووي على صحيح مسلم‪،103/2 ،‬‬
‫والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي‪ ،221/2 ،‬وفتح الباري البن حجر‪ ،120/2 ،‬والمغني‬
‫البن قدامة‪ ،124/2 ،‬واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف‪ ،‬للمرداوي‪ ،‬المطبوع مع المقنع والشرح‬
‫الكبير‪،301/4 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪،348/2،‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪،7-3/2،‬والشرح‬
‫الممتع البن عثيمين‪،10-1/4،‬وصالة الجماعة للسدالن‪،‬ص‪،17‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز‬
‫‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري‪،‬الحديث رقم ‪،347‬وعلى الروض المربع حاشية ابن‬
‫قاسم‪((:3/2 ،‬والصواب أنه ال حرج في القيام في أول اإلقامة أو في أثنائها أو في آخرها‪،‬فاألمر واسع))‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب متى يقوم الناس إذا رأوا اإلمام عند اإلقامة‪ ،‬برقم ‪،347‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب متى يقوم الناس للصالة‪ ،‬برقم ‪ ،303‬وما بين‬
‫المعقوفين له‪.‬‬
‫‪650‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫دحضت الشمس(‪ )1‬فال يقيم حتى يخرج النبي ‪ ‬فإذا خرج أقام الصالة‬
‫(‪)2‬‬
‫حين يراه)) ‪ .‬ويجمع بين هذا الحديث وحديث أبي قتادة السابق أن بالالً‬
‫‪ ‬كان يراقب خروج النبي ‪،‬فيراه أول خروجه قبل أن يراه غيره أو إال‬
‫القليل‪ ،‬فعند أول خروجه ‪ ‬يقيم بالل وال يقوم الناس حتى يروا النبي‬
‫عدلوا صفوفهم(‪.)3‬قال اإلمام القرطبي ‪-‬‬ ‫‪،‬ثم ال يقوم الرسول ‪ ‬حتى يُ ّ‬
‫يصح الجمع‬
‫ّ‬ ‫رحمه اهلل تعالى ‪ -‬بعد أن ذكر هذا الجمع‪(( :‬وبهذا الترتيب‬
‫بين األحاديث المتعارضة في هذا المعنى))(‪.)4‬‬
‫وأما حديث أبي هريرة ‪(( :‬أن الصالة كانت تقام لرسول اهلل ‪‬‬
‫فيأخذ الناس مصا ّفهم قبل أن يقوم النبي ‪ ‬مقامه))(‪ )5‬فقال اإلمام‬
‫النووي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬عنه‪(( :‬وقوله في رواية أبي هريرة ‪ :‬فأخذ الناس‬
‫مصافهم قبل خروجه‪ :‬لعله كان مرة أو مرتين ونحوهما لبيان الجواز‪ ،‬أو‬
‫لعذر‪ ،‬ولعل قوله ‪(( :‬فال تقوموا حتى تروني)) كان بعد ذلك‪ ،‬قال‬
‫العلماء‪(( :‬والنهي عن القيام قبل أن يروه؛ لئال يطول عليهم القيام؛ وألنه‬
‫قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه))(‪.)6‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪ -‬عن حديث أبي هريرة ‪:‬‬
‫((‪ ...‬يجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز‪ ،‬وبأن‬
‫صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إذا دحضت الشمس‪ :‬أي إذا زالت عن كبد السماء‪ ،‬وأصل الدحض‪ :‬الزلق‪ .‬المفهم ِل َما أشكل من‬
‫تلخيص كتاب مسلم‪ ،‬للقرطبي‪.222/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪،‬باب متى يقوم الناس للصالة‪،‬برقم ‪.303‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪:‬المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪،222/2،‬وشرح النووي على صحيح مسلم‪.103/2،‬‬
‫(‪ )4‬المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪.222/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه واللفظ لمسلم‪ ،‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب متى يقوم الناس إذا رأوا اإلمام عند‬
‫اإلقامة‪ ،‬برقم ‪ ،341‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب متى يقوم الناس للصالة‪ ،‬برقم ‪.302‬‬
‫(‪ )6‬شرح النووي على صحيح مسلم‪،103/2 ،‬وانظر‪ :‬بدائع الفوائد‪ ،‬البن القيم‪.31/4 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪656‬‬
‫قتادة‪ ،‬وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصالة ولو لم يخرج النبي ‪ ،‬فنهاهم‬
‫عن ذلك؛ الحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم‬
‫انتظاره‪ ،‬وال يرد هذا حديث أنس اآلتي(‪ :)1‬أنه قام في مقامه طويالً في حاجة‬
‫بعض القوم؛ الحتمال أن يكون ذلك وقع نادراً‪ ،‬أو فعله؛ لبيان الجواز))(‪.)2‬‬
‫ثامناً‪ :‬الصفوف في الصالة والعناية بها‪:‬‬
‫‪ -5‬ترتيب الصفوف؛لحديث أبي مسعود ‪ ‬عن النبي ‪،‬وفيه‪:‬‬
‫(( ِلي ِلني منكم أولو األحالم والنُّهى‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪،‬ثم الذين‬
‫َ‬
‫يلونهم))(‪ ،)3‬وعن عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬ليلني‬
‫منكم أولو األحالم والنهى‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪-‬ثالثاً ‪-‬وإياكم وهيشات‬
‫األسواق))(‪.)4‬‬
‫ففي هذا الحديث ترتيب الصفوف على حسب األفضلية خلف‬
‫اإلمام‪ :‬الرجال‪،‬ثم الصبيان‪،‬ثم النساء‪،‬ما لم يسبق الصبيان إلى الصفوف‬
‫األ ُ َول‪ ،‬أو يمنع مانع‪ ،‬فإن سبقوا فهم أولى بها‪ ،‬أما إذا كان المأموم‬
‫واحداً‪ ،‬فإنه يقف على يمين اإلمام‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما(‪.)5‬‬
‫وإذا كان المأمومون اثنين وقفا خلفه؛ لحديث جابر بن عبد اهلل‬
‫رضي اهلل‬
‫عنهما في قصته وجبار بن صخر‪ ،‬وأن النبي ‪ ‬جعلهما خلفه(‪ ،)6‬وإذا‬
‫كانت امرأة واحدة وقفت خلف الرجال؛لحديث أنس ‪ ‬وفيه‪(( :‬فأقامني‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬حديث أنس‪ :‬قال‪(( :‬أقيمت الصالة والنبي ‪ ‬يناجي رجالً في جانب المسجد‪ ،‬فما قام إلى الصالة‬
‫حتى نام القوم)) البخاري‪ ،‬برقم ‪.332‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪.120/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،342‬وتقدم في موقف الرجال والصبيان والنساء مع اإلمام‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪،‬برقم ‪،)342( - 124‬وتقدم في موقف الرجال والصبيان والنساء مع اإلمام‪.‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،3413‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،734‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع جماعة‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،733‬ورقم ‪ ،4010‬وتقدم تخريجه في موقف االثنين خلف اإلمام‪.‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫عن يمينه وأقام المرأة خلفنا))(‪.)1‬‬


‫وإذا كان المأمومون‪:‬امرأتين ورجالً وقف الرجل على يمين اإلمام‬
‫والمرأتان خلف اإلمام لرواية أنس‪،‬وفيها‪((:‬ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً‬
‫فقامت ُّأم سليم وأم حرام خلفنا)) قال‪((:‬أقامني عن يمينه على بساط))(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬تسوية الصفوف تجب على الصحيح؛ لحديث النعمان بن بشير‬
‫ليخالفن اهلل‬
‫َّ‬ ‫لتسو َّن صفوفكم أو‬
‫‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪ُّ (( :‬‬
‫يسوي صفوفنا‬ ‫لمسلم‪ :‬كان رسول اهلل ‪ّ ‬‬ ‫بين وجوهكم))‪ .‬وفي لفظ‬
‫(‪)3‬‬
‫حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنّا قد عقلنا عنه‪ ،‬ثم خرج يوماً‬
‫فقام حتى كاد يكبر فرأى رجالً بادي ًا صدره من الصف فقال‪(( :‬عباد اهلل‬
‫ليخالفن اهلل بين وجوهكم))(‪.)4‬‬
‫َّ‬ ‫لتسو َّن صفوفكم أو‬
‫ُّ‬
‫وظاهر كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل وجوب تسوية‬
‫(‪)5‬‬
‫سووا‬
‫الصفوف؛ لهذا الحديث ؛ ولحديث أنس ‪ ‬عن النبي ‪ُّ (( :‬‬
‫صفوفكم‪ ،‬فإن تسوية الصفوف من إقامة الصالة))‪ .‬وفي لفظ مسلم‪(( :‬من‬
‫تمام الصالة))(‪ ،)6‬وفي حديث أبي هريرة يرفعه‪ ...(( :‬وأقيموا الصف في‬
‫الصالة‪ ،‬فإن إقامة الصف من حسن الصالة))(‪.)7‬‬
‫ومن ذكر اإلجماع على استحباب تسوية الصفوف فمراده‪:‬ثبوت استحباب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،480‬ومسلم واللفظ له‪،‬برقم ‪ )330(- 231‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان‪ ،‬برقم ‪ ،308‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.182/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬القداح‪:‬خشب السهام حينما تنحت وتبرى‪،‬واحدها‪:‬قدح بكسر القاف‪،‬معناه يبالغ في تسويتها حتى‬
‫يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها‪.‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.301/3،‬‬ ‫تصير كأنما ّ‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب تسوية الصفوف عند اإلقامة وبعدها‪ ،‬برقم ‪،717‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف وإقامتها‪ ،‬برقم ‪.343‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪.73-72‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب إقامة الصف من تمام الصالة‪ ،‬برقم ‪ ،724‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف وإقامتها‪ ،‬برقم ‪.344‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه‪ :‬البخاري واللفظ له‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب إقامة الصف من تمام الصالة‪ ،‬برقم ‪،722‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ائتمام المأموم باإلمام‪ ،‬برقم ‪.313‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫ذلك ال نفي وجوبه‪،‬واهلل أعلم(‪.)1‬قال العالمة محمد بن صالح العثيمين ‪-‬‬
‫رحمه اهلل ‪ ...(( :-‬القول الراجح في هذه المسألة وجوب تسوية الصف‪،‬‬
‫يسووا الصف فهم آثمون‪ ،‬وهذا هو ظاهر كالم شيخ‬ ‫ُّ‬ ‫وأن الجماعة إذا لم‬
‫اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل))(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬ألفاظ النبي ‪ ‬في تسوية الصفوف أنواع على النحو اآلتي‪:‬‬
‫وتراصوا))؛لحديث أنس ‪.)3(‬‬
‫ُّ‬ ‫النوع األول‪((:‬أقيموا صفوفكم‬
‫سووا صفوفكم فإ ّن تسوية الصفوف من إقامة الصالة))‪،‬‬
‫النوع الثاني‪ُّ )4((( :‬‬
‫لحديث أنس ‪. ‬‬
‫سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصالة))‪،‬‬
‫النوع الثالث‪ُّ )5((( :‬‬
‫لحديث أنس ‪. ‬‬
‫النوع الرابع‪(( :‬أقيموا الصف في الصالة فإن إقامة الصف من حسن‬
‫الصالة))؛ لحديث أبي هريرة ‪.)6(‬‬
‫فتختلف قلوبكم))؛ لحديث أبي‬
‫َ‬ ‫النوع الخامس‪(( :‬استووا وال تختلفوا‬
‫مسعود‪ ،‬وعبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنهما‪ ،‬ولفظ حديث أبي مسعود‪(( :‬كان‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يمسح مناكبنا في الصالة‪ ،‬ويقول‪ :‬الحديث))(‪.)7‬‬
‫النوع السادس‪(( :‬أتموا الصفوف))‪ ،‬لحديث أنس ‪ ‬يرفعه‪(( :‬أتموا‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الممتع على زاد المستقنع‪.11/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬البخاري بلفظه‪،‬كتاب األذان‪،‬باب إقبال اإلمام على الناس عند تسوية الصفوف‪،‬برقم ‪.711‬‬
‫(‪ )4‬البخاري بلفظه‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب إقامة الصف من تمام الصالة‪ ،‬برقم ‪.724‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ ،‬بلفظه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف‪ ،‬برقم ‪.344‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬بلفظه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف‪ ،‬برقم ‪ ،342‬وأصله عند البخاري بلفظ‪:‬‬
‫((وأقيموا الصف في الصالة؛ فإن إقامة الصف من حسن الصالة))‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب إقامة الصف‬
‫من تمام الصالة‪ ،‬برقم ‪.722‬‬
‫(‪ )7‬مسلم بلفظه‪،‬كتاب الصالة باب تسوية الصفوف‪،‬برقم ‪،)342(- 122‬و‪.)342(-124‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫الصفوف فإني أراكم خلف ظهري))(‪.)1‬‬


‫النوع السابع‪(( :‬أقيموا الصفوف‪))..‬؛ لحديث أنس ‪‬يرفعه‪(( :‬أقيموا‬
‫الصفوف فإني أراكم خلف ظهري))‪ ،‬وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه‬
‫وقدمه بقدمه(‪.)2‬‬
‫النوع الثامن‪(( :‬أقيموا صفوفكم ‪ -‬ثالث ًا ‪))-‬؛ لحديث النعمان بن بشير‬
‫‪ ‬قال‪ :‬أقبل رسول اهلل ‪ ‬على الناس بوجهه فقال‪(( :‬أقيموا صفوفكم‬
‫ليخالفن اهلل بين قلوبكم)) قال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫لتقيمن صفوفكم أو‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬ثالث ًا ‪ -‬واهلل‬
‫((فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه‪ ،‬وركبته بركبته‪ ،‬وكعبه‬
‫بكعبه))(‪.)3‬‬
‫المناكب‪،‬وسدوا الخلل‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫النوع التاسع‪((:‬أقيموا الصفوف‪،‬وحاذوا بين‬
‫(‪)4‬‬
‫ولينوا بأيدي إخوانكم ‪،‬وال تذروا ُفرجات للشيطان‪،‬ومن وصل ص ّفاً‬
‫وصله اهلل‪،‬ومن قطع ص ّفاً قطعه اهلل))؛لحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما(‪.)5‬‬
‫رصوا صفوفكم‪ ،‬وقاربوا بينها‪ ،‬وحاذوا باألعناق))؛ لحديث‬
‫النوع العاشر‪ُّ (( :‬‬
‫أنس ‪ ‬وفيه‪(( :‬فوالذي نفسي بيده إني ألرى الشيطان يدخل من خلل الصف‬
‫كأنها الحذف(‪ .)1()))6‬وفي لفظ النسائي‪(( :‬فوالذي نفس محمد بيده إني ألرى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم بلفظه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف‪ ،‬برقم ‪.343‬‬
‫(‪ )2‬البخاري بلفظه‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف‪ ،‬برقم ‪.722‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود بلفظه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف‪ ،‬برقم ‪ ،332‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫سنن أبي داود‪.113/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬لينوا بأيدي إخوانكم‪ :‬قال أبو داود‪ :‬ومعنى ولينوا بأيدي إخوانكم‪ :‬إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل‬
‫فيه‪ ،‬فينبغي أن يُلين له كل رجل منكبه حتى يدخل في الصف‪.‬سنن أبي داود‪ ،‬برقم ‪ ،333‬وصححه األلباني‬
‫في صحيح سنن أبي داود‪.117/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود بلفظه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف‪ ،‬برقم ‪ ،333‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫سنن أبي داود‪.117/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬الحذف‪ :‬الغنم الصغار الحجازية‪ ،‬وقيل‪ :‬غنم صغار ليس لها أذناب وال آذان‪ ،‬يجاء بها من ُجرش‬
‫َ‬
‫اليمن‪ ،‬سميت حذفاً؛ ألنها محذوفة عن مقدار الكبار‪ .‬جامع األصول البن األثير‪ ،301/2 ،‬وثبت‬
‫عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬خياركم ألينكم مناكب في الصالة))‪ ،‬أبو داود‪،‬‬
‫=‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪605‬‬
‫الشياطين تدخل من خلل الصف كأنها الحذف))(‪.)2‬‬
‫النوع الحادي عشر‪((:‬أتموا الصف المقدم‪ ،‬ثم الذي يليه‪ ،‬فما كان من نقص‬
‫فليكن في الصف المؤخر))؛لحديث أنس ‪.)3(‬‬
‫النوع الثاني عشر‪(( :‬استووا‪ ،‬استووا‪ ،‬استووا‪))...‬؛ لحديث أنس ‪.)4(‬‬
‫النوع الثالث عشر‪((:‬كان رسول اهلل ‪ ‬يتخلل الصف من ناحية إلى‬
‫ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا‪،‬ويقول‪((:‬ال تختلفوا فتختلف قلوبكم))(‪.)5‬‬
‫النوع الرابع عشر‪((:‬أحسنوا إقامة الصفوف))؛لحديث أبي هريرة ‪.)6(‬‬
‫النوع الخامس عشر‪(( :‬أال تصفون كما تصف المالئكة عند ربها))؟ فقلنا يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬وكيف تصف المالئكة عند ربها؟ قال‪(( :‬يتمون الصفوف األ ُ َول‬
‫ويتراصون في الصف))(‪.)7‬‬
‫‪ -3‬الصف األول أفضل الصفوف؛ لحديث أبي هريرة ‪ ‬أن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬لو يعلم الناس ما في النداء والصف األول ثم لم يجدوا إال‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫برقم ‪ ،372‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.118/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف‪ ،‬برقم ‪ ،337‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي‬
‫داود‪.118/1 ،‬‬
‫رص الصفوف والمقاربة بينها‪ ،‬برقم ‪،813‬‬ ‫(‪ )2‬النسائي‪ ،‬كتاب اإلمامة‪ ،‬باب حث اإلمام على ّ‬
‫وصححه األلباني في صحيح النسائي‪.231/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود بلفظه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف‪ ،‬برقم ‪ ،371‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫سنن أبي داود‪.118/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬سنن النسائي بلفظه‪ ،‬كتاب اإلمامة‪ ،‬باب كم مرة يقول‪ :‬استووا‪ ،‬برقم ‪ ،812‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح النسائي‪.231/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف‪ ،‬برقم ‪ ،333‬عن البراء بن عازب‪ ،‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.117/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬أحمد في المسند‪،382/2،‬وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب‪.443/1،‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،340‬وتقدم تخريجه في فضل صالة الجماعة‪.‬‬
‫‪605‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫أن يستهموا الستهموا))(‪)1‬؛ ولحديث أبي بن كعب ‪ ‬يرفعه وفيه‪(( :‬وإن‬


‫ّ‬
‫الصف األول على مثل صف المالئكة))(‪ ،)2‬أي في القرب من اهلل ونزول‬
‫الرحمة‪ ،‬وإتمامه‪ ،‬واعتداله(‪ ،)3‬والصف األول خير الصفوف؛ لحديث‬
‫أبي هريرة ‪ ‬يرفعه‪(( :‬خير صفوف الرجال أولها‪ ،‬وشرها آخرها‪ ،‬وخير‬
‫صفوف النساء آخرها‪ ،‬وشرها أولها))(‪ ،)4‬واهلل ‪ ‬ومالئكته يصلون على‬
‫الصف األول؛ لحديث النعمان بن بشير ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪‬‬
‫يقول‪(( :‬إن اهلل ومالئكته يصلون على الصف األول‪ ،‬أو الصفوف‬
‫األولى))(‪ ،)5‬وعن البراء ‪ ‬يرفعه‪(( :‬إن اهلل ومالئكته يصلون على‬
‫الصفوف المتقدمة))(‪ .)6‬والنبي ‪ ‬ص ّلى على الصف األول ثالثاً وعلى‬
‫الثاني مرة واحدة؛ لحديث العرباض ‪‬يرفعه‪(( :‬كان يصلي على الصف‬
‫األول ثالثاً وعلى الثاني واحدة))‪ .‬ولفظ ابن ماجه‪(( :‬كان يستغفر للصف‬
‫المقدم ثالثاً‪ ،‬والثاني مرة))(‪ ،)7‬وقد حذر النبي ‪ ‬عن التأخر عن‬
‫الصفوف األ ُ َول‪ ،‬فعن عائشة رضي اهلل عنها أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬ال يزال قوم‬
‫يتأخرون عن الصف األول حتى يؤخرهم اهلل في النار))(‪ ،)8‬عن أبي سعيد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،312‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،141 ،147‬وتقدم تخريجه في فضل صالة‬
‫الجماعة وفي فضل الصالة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،223‬وحسنه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ ،132/1 ،‬وتقدم تخريجه في‬
‫فضل صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬بلوغ األماني من أسرار الفتح الرباني‪.171/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،330‬وتقدم تخريجه في فضل صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )5‬أحمد‪ ،231/3 ،‬وحسنه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب‪ ،117/1 ،‬وتقدم تخريجه في‬
‫فضل صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )6‬النسائي‪ ،‬برقم ‪ ،811‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،117‬لكن بلفظ‪(( :‬إن اهلل ومالئكته يصلون على الصف‬
‫األول)) وصححه األلباني في صحيح النسائي‪ ،172/1 ،‬وأبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،333‬لكن بلفظ‪(( :‬إن اهلل‬
‫ومالئكته يصلون على الصفوف األ ُ َول))‪ ،‬وتقدم تخريجه في فضل صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )7‬النسائي‪ ،‬برقم ‪ ،817‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،113‬وصححه األلباني في صحيح سنن النسائي‪،‬‬
‫‪ ،177/1‬وتقدم تخريجه في فضل صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )8‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،371‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ ،220/1 ،‬وتقدم تخريجه في‬
‫وقوف الرجال والصبيان والنساء مع اإلمام‪.‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪605‬‬
‫بعدكم‪ ،‬ال يزال قوم‬
‫وليأتم بكم َم ْن َ‬ ‫فأتموا بي‬
‫‪ ‬يرفعه‪ ،‬وفيه‪(( :‬تقدموا ُّ‬
‫َّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫يتأخرون حتى يؤخرهم اهلل)) ‪.‬‬
‫‪ -2‬ميامن الصفوف أفضل؛ لحديث عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إن اهلل‬
‫ومالئكته يصلون على ميامن الصفوف))(‪ ،)2‬وعن البراء ‪‬قال‪ :‬كنا إذا صلينا خلف النبي‬
‫‪ ‬أحببنا أن نكون عن يمينه‪ ،‬يقبل علينا بوجهه‪ ،‬فسمعته يقول‪(( :‬رب قني‬
‫عذابك يوم تبعث عبادك))(‪.)3‬‬
‫رغب فيه النبي ‪ ،‬وح ّذر عن قطعها؛ لحديث‬ ‫‪ -3‬وصل الصفوف َّ‬
‫عائشة رضي اهلل عنها ترفعه وفيه‪(( :‬إن اهلل ومالئكته يصلون على الذين يص ُلون‬
‫(‪)4‬‬
‫سد فرج ًة رفعه اهلل بها درجة)) ‪.‬وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما‬ ‫الصفوف‪ ،‬ومن َّ‬
‫(‪)5‬‬
‫يرفعه‪(( :‬من وصل ص ّفاً وصله اهلل‪ ،‬ومن قطع ص ّفاً قطعه اهلل)) ‪.‬‬
‫‪ -7‬صالة المنفرد خلف الصف ال تصح على القول الصحيح؛‬
‫لحديث وابصة ‪(( ‬أن رسول اهلل ‪ ‬رأى رجالً يصلي خلف الصف‬
‫وحده فأمره أن يعيد الصالة))(‪)6‬؛ ولحديث علي بن شيبان أن رسول اهلل‬
‫‪ ‬رأى رجالً َفرد ًا يصلي خلف الصف‪ ،‬فوقف حتى انصرف الرجل‪،‬‬
‫ْ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،348‬وتقدم تخريجه في وقوف الرجال والصبيان والنساء مع اإلمام‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،373‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1002‬وحسنه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪،‬‬
‫‪ ،111/1‬لكن قال بلفظ‪(( :‬على الذين يصلون الصفوف))‪ ،‬قلت‪ :‬وحسن إسناده ابن حجر في فتح‬
‫الباري‪ ،214/2 ،‬وتقدم تخريجه في فضل صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،701‬وتقدم تخريجه في صفة الصالة‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجه‪ ،‬بلفظه‪ ،‬برقم ‪ ،112‬وقال األلباني في صحيح الترغيب‪(( ،442/1 ،‬صحيح لغيره))‪.‬‬
‫وتقدم تخريجه في فضل صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )5‬النسائي‪ ،‬برقم ‪ 811‬بلفظه‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،333‬وصححه األلباني في صحيح الترغيب‬
‫والترهيب‪.442/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الرجل يصلي وحده خلف الصف‪ ،‬برقم ‪ ،382‬والترمذي‪ ،‬كتاب‬
‫الصالة‪ ،‬باب ما جاء في الصالة خلف الصف وحده‪ ،‬برقم ‪ ،241 ،240‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة‬
‫الصالة والسنة فيها‪ ،‬باب صالة الرجل خلف الصف وحده‪ ،‬برقم ‪ ،1003‬وأحمد ‪ ،228/3‬وابن‬
‫حبان‪[ ،‬اإلحسان]‪ ،273/2 ،‬برقم ‪ ،2111‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪،‬‬
‫‪ ،211/1‬وفي إرواء الغليل‪ ،‬برقم ‪.231‬‬
‫‪605‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫فقال رسول اهلل ‪(( :‬استقبل صالتك فال صالة لرجل فرد خلف‬
‫الصف))(‪ ،)1‬وهذان الحديثان يدالن على بطالن صالة الرجل الذي صلى‬
‫منفرداً وحده خلف الصف(‪ ،)2‬لكن من ركع دون الصف ثم دخل في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أحمد في المسند‪، 24/3،‬وابن ماجه‪،‬كتاب إقامة الصالة‪ ،‬باب صالة الرجل خلف الصف وحده‪،‬‬
‫برقم ‪،1004‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪،211/1،‬وفي إرواء الغليل‪.428/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬اختلف السلف في صالة الرجل المأموم خلف الصف وحده‪ ،‬على أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ال يجوز وال يصح‪ ،‬وممن قال بذلك النخعي‪ ،‬والحسن بن صالح‪ ،‬وأحمد‪،‬‬
‫وإسحاق‪،‬وحماد‪،‬وابن أبي ليلى‪،‬ووكيع؛لهذين الحديثين الثابتين الصريحين‪..‬‬
‫القول الثاني‪ :‬يجوز للرجل الفرد أن يصلي خلف الصف‪ ،‬وممن قال بذلك‪ ،‬الحسن البصري‪،‬‬
‫واألوزاعي‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأصحاب الرأي‪ ،‬واستدلوا بحديث أبي بكرة‪ ،‬قالوا‪ :‬ألنه أتى‬
‫ببعض الصالة خلف الصف ولم يأمره النبي ‪ ‬باإلعادة‪ ،‬ومما تمسكوا به أيضاً‪ :‬حديث ابن‬
‫عباس عند البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،3413‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪،734‬وحديث جابر عند مسلم‪،‬برقم ‪ ،733‬إذ‬
‫مؤتماً به وحده‪ ،‬فأدار كل واحد منهما حتى جعله‬
‫ّ‬ ‫جاء كل واحد منهما فوقف عن يسار النبي ‪‬‬
‫عن يمينه‪ ،‬فعلى هذا فقد صار كل واحد منهما خلف رسول اهلل ‪ ‬في تلك اإلدارة‪ .‬وهذا متمسك‬
‫غير مفيد؛ ألن المدار من اليسار إلى اليمين ال يسمى مصلياً خلف الصف‪ ،‬وإنما هو مصل عن‬
‫ّ‬
‫اليمين‪ ،‬وهذا القول الثاني هو قول أكثر أهل العلم إن الصالة منفرداً خلف الصف صحيحة سواء‬
‫كان لعذر أو غير عذر‪ ،‬ولو كان في الصف سعة‪ ،‬وهو رواية عن أحمد أيضاً‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬قال بعض العلماء‪ :‬المسألة فيها تفصيل‪ ،‬فإن صلى خلف الصف منفرداً لعذر‬
‫صحت الصالة‪ ،‬وإن لم يكن له عذر لم تصح الصالة‪ .‬واختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وتلميذه‬
‫ابن القيم‪ ،‬وعبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬ومحمد بن صالح العثيمين‪ .‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ،31/4‬ونيل األوطار للشوكاني‪ ،321/2 ،‬وسبل السالم للصنعاني‪ ،111-110/4 ،‬والشرح‬
‫الممتع البن عثيمين‪ ،482-437/3 ،‬وفتاوى ابن باز‪ ،221-211/12 ،‬والمختارات الفقهية لشيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪ ،108‬وفتاوى ابن تيمية‪ ،300-414/24 ،‬وإعالم الموقعين البن القيم‪،‬‬
‫‪ ،31/2‬والفتاوى السعدية ‪ ،171/1‬والمختارات الجلية للسعدي‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يرجح القول األول وذلك‬
‫أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪ 334‬و‪ ،333‬فيقول‪(( :‬هذان الحديثان يدالن على أنه‬
‫ال صالة لمنفرد خلف الصف‪،‬وكما يدل عليه حديث أبي بكرة المتقدم‪:‬زادك اهلل حرصاً وال تعد‪،‬‬
‫والمراد‪:‬ال تركع خلف الصف‪،‬فدل ذلك على أن من ركع دون الصف ثم دخل في الصف أو جاء معه‬
‫آخر قبل االستمرار في السجود فال حرج‪،‬أما إذا استمر وسجد‪،‬فإنه يؤمر باإلعادة جمعاً بين‬
‫النصوص‪.‬وذهب األكثرون إلى صحة الصالة‪،‬وأنه من باب األدب ومن الكمال‪،‬وليس من باب‬
‫اإليجاب‪،‬والحق قول من قال‪:‬بالوجوب؛ألن هذا هو األصل في النفي ((ال صالة لمنفرد خلف الصف))‬
‫هذا هو األصل‪،‬ثم فعل النبي ‪ ‬وأمره أن يعيد يوضح هذا المعنى‪،‬وأن المراد نفي اإلجزاء‪ ،‬واحتج‬
‫بعضهم بأن اإلمام يصلي وحده‪،‬وهذه حجة باطلة؛ألن اإلمام مأمور بهذا فال يقاس ما أمر به على ما‬
‫=‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪605‬‬
‫الصف أو دخل معه رجل آخر قبل السجود أجزأته الركعة وصالته‬
‫صحيحة؛ لحديث أبي بكرة ‪ ‬أنه انتهى إلى النبي ‪ ‬وهو راكع فركع‬
‫قبل أن يصل إلى الصف‪ ،‬ف ُذكر ذلك للنبي ‪ ‬فقال‪(( :‬زادك اهلل حرصاً‬
‫وال تعد))(‪ ،)1‬ولم يأمره النبي ‪ ‬بقضاء الركعة‪ ،‬فدل ذلك على إجزائها‪،‬‬
‫وأن مثل هذا العمل مستثنى من قوله ‪(( :‬ال صالة لمنفرد خلف‬
‫الصف)) واهلل ولي التوفيق(‪.)2‬‬
‫‪ -8‬صالة الصفوف بين السواري مكروهة لغير حاجة؛ لحديث أنس‬
‫‪‬فعن عبد الحميد بن محمود قال‪ :‬كنا مع أنس فصلينا مع أمير من‬
‫األمراء‪ ،‬فدفعونا حتى قمنا وصلينا بين ساريتين‪ ،‬فجعل أنس يتأخر‪،‬‬
‫وقال‪(( :‬قد كنا نتقي هذا على عهد رسول اهلل ‪ .))‬وفي لفظ‪(( :‬صليت‬
‫مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدفعونا إلى السواري‪ ))...‬الحديث‪ .‬وفي‬
‫لفظ‪(( :‬صلينا خلف أمير من األمراء‪ ،‬فاضطرنا الناس فصلينا بين‬
‫َّ‬
‫الساريتين‪ ))...‬الحديث(‪ .)3‬وعن قرة ‪ ‬قال‪(( :‬كنا نُنهى أن نصف بين‬
‫طرد عنها طرد ًا))(‪ ،)4‬ويجوز لإلمام‬
‫السواري على عهد رسول اهلل ‪ ،‬ونُ ُ‬
‫والمنفرد الصالة بين السواري؛ لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما ((أن النبي ‪‬‬
‫َل ّما دخل الكعبة صلى بين الساريتين))(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫نهي عنه))‪.‬‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب‪ :‬إذا ركع دون الصف‪ ،‬برقم ‪.784‬‬
‫(‪ )2‬مجموع فتاوى اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز‪.228/12 ،‬‬
‫(‪ )3‬النسائي‪ ،‬كتاب اإلمامة‪ ،‬باب الصف بين السواري‪ ،‬برقم ‪ ،820‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب‬
‫الصفوف بين السواري‪ ،‬برقم ‪ ، 374‬والترمذي‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما جاء في كراهية الصف بين‬
‫السواري‪ ،‬برقم ‪ ،221‬وأحمد‪ ،841/4 ،‬والحاكم وصححه‪ ،218/1 ،‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح سنن النسائي‪.271/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجه‪،‬كتاب إقامة الصالة‪،‬باب الصالة بين السواري في الصف‪،‬برقم ‪ ،1002‬والحاكم‬
‫وصححه‪ ،218/1 ،‬وقال األلباني في صحيح سنن ابن ماجه‪(( :218/1 ،‬حسن صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،203‬ومسلم‪،‬برقم ‪،1421‬وتقدم تخريجه في المساجد ((الصالة بين السواري))‪.‬‬
‫‪600‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫‪ -1‬كمال الصفوف وتسويتها يشمل عدة أمور على النحو اآلتي‪:‬‬


‫يدنو أُولو الفضل من اإلمام؛ لحديث أبي مسعود وابن‬ ‫األمر األول‪ :‬أن َ‬
‫مسعود رضي اهلل عنهما في أول الباب أن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ليلني منكم أولو األحالم‬
‫والنهى‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪.))...‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬ترتيب الصفوف‪ :‬الرجال‪ ،‬ثم الصبيان إن لم يسبق‬
‫الصبيان إلى الصفوف األ ُ َول‪ ،‬ثم النساء؛ لحديث أبي سعيد السابق‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬تسوية محاذاة الصفوف وقد سبقت‪.‬‬
‫التراص في الصف؛ ألمر النبي ‪ ‬بذلك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األمر الرابع‪:‬‬
‫األمر الخامس‪ :‬إكمال الصف األول فاألول‪.‬‬
‫األمر السادس‪ :‬التقارب بين الصفوف‪ ،‬وبينها وبين اإلمام‪ ،‬وأنهم‬
‫جماعة والجماعة مأخوذة من االجتماع‪ ،‬وال اجتماع مع التباعد‪ ،‬وكلما‬
‫قربت الصفوف بعضها إلى بعض‪ ،‬وقربت إلى اإلمام كان أفضل‬
‫وأجمل‪.‬‬
‫األمر السابع‪ :‬تفضيل اليمين في الصفوف‪ :‬يمين اإلمام على شماله‪،‬‬
‫ولكن ليس على سبيل اإلطالق‪.‬‬
‫األمر الثامن‪ :‬أن تفرد النساء وحدهن بحيث يكون النساء خلف‬
‫الرجال‪ ،‬وال يختلط النساء بالرجال‪.‬‬
‫األمر التاسع‪ :‬اقتداء كل صف بمن أمامه عند الحاجة إذا كان صوت‬
‫اإلمام خفياً‪ ،‬وليس هناك من يبلغ عنه‪ ،‬فكل صف يقتدي بمن أمامه‪.‬‬
‫ّ‬
‫األمر العاشر‪ :‬عدم صالة الفذ خلف الصف‪.‬‬
‫األمر الحادي عشر‪:‬عدم صالة المأمومين بين السواري(‪.)1‬‬
‫خوات‬
‫‪ -10‬جواز انفراد المأموم عن اإلمام لعذر؛ لحديث صالح بن َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الشرح الممتع البن عثيمين‪ ،22-14/4 ،‬وتقدمت جميع األدلة على ذلك‪.‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪606‬‬
‫عمن شهد مع رسول اهلل ‪ ‬يوم ذات الرقاع صالة الخوف‪(( :‬أن طائفة‬
‫ص ّلت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائم ًا‬
‫وأتموا ألنفسهم‪ ،‬ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو‪ ،‬وجاءت الطائفة‬
‫األخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صالته‪ ،‬ثم ثبت جالساً وأتموا‬
‫ألنفسهم‪ ،‬ثم سلم بهم))(‪)1‬؛ ولحديث جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما أن معا ًذا‬
‫‪‬كان يصلي مع النبي ‪ ‬ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصالة‪ ،‬فقرأ بهم‬
‫البقرة‪ ،‬قال فتجوز رجل فصلى صالة خفيفة‪ ،‬فبلغ ذلك معاذاً فقال‪ :‬إنه‬
‫منافق‪ ،‬فبلغ ذلك الرجل فأتى النبي ‪‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل إنا قوم نعمل‬
‫بأيدينا‪ ،‬ونسقي بنواضحنا(‪ ،)2‬وإن معاذ ًا صلى بنا البارحة فقرأ سورة‬
‫أفتان أنت؟)) ‪ -‬ثالثاً‬ ‫فتجوزت فزعم أني منافق؟ فقال ‪(( :‬يا معاذ ّ‬ ‫َّ‬ ‫البقرة‪،‬‬
‫ح ْاسم َربّ َك األعلى‪ ،‬ونحوهما))‪.‬‬ ‫اها‪ ،‬و‪‬سب‬ ‫‪ -‬اقرأ‪ :‬و َّ ِ‬
‫َ ّ ِ َ‬ ‫الش ْمس َو ُض َح َ‬ ‫َ‬
‫وفي لفظ لمسلم‪(( :‬كان يصلي مع رسول اهلل ‪ ‬العشاء اآلخرة ثم يرجع‬
‫إلى قومه فيصلي بهم تلك الصالة))(‪.)3‬‬
‫فيؤم‬
‫ّ‬ ‫وفي رواية لمسلم‪(( :‬كان معاذ يصلي مع رسول اهلل ‪ ‬ثم يأتي‬
‫فأمهم فافتتح بسورة‬
‫ّ‬ ‫قومه‪ ،‬فصلى ليلة مع النبي ‪ ‬العشاء ثم أتى قومه‬
‫البقرة‪ ،‬فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف‪ .)4())..‬وفي حديث‬
‫تجوز في صالته‬
‫طول َّ‬ ‫أحمد‪)5،‬وفيه‪(( :‬فلما رأى معاذاً َّ‬ ‫أنس عند اإلمام‬
‫ولحق بنخله يسقيه‪ . ())...‬وفي حديث بريدة األسلمي ‪((‬أن معاذ بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬باب غزوة ذات الرقاع‪ ،‬برقم ‪ ،3121‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة‬
‫المسافرين‪ ،‬باب صالة الخوف‪ ،‬برقم ‪.832‬‬
‫(‪ )2‬النواضح‪ :‬اإلبل التي يستقى عليها‪ .‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.327/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري واللفظ له‪،‬كتاب األدب‪ ،‬باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأوالً أو جاهالً‪ ،‬برقم‬
‫‪،3103‬ومسلم‪،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب القراءة في العشاء‪،‬برقم ‪.)332( 81‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،332‬وتقدم تخريجه في الذي قبله‪.‬‬
‫(‪ )5‬اإلمام أحمد‪،‬في المسند ‪،101/4‬وصحح إسناده ابن حجر في فتح الباري‪.113/2،‬‬
‫‪605‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫اعة‪ ،‬فقام رجل من‬ ‫ِ‬


‫الس َ‬
‫جبل صلى بأصحابه العشاء فقرأ‪ 1‬فيها‪ :‬ا ْق َت َر َبت َّ‬
‫( )‬
‫دل حديث جابر بلفظ اإلمام البخاري‬ ‫ّ‬ ‫قبل أن يفرغ فصلى وذهب‪))...‬‬

‫رحمه اهلل وحديث أنس وحديث بريدة األسلمي بلفظ اإلمام أحمد ‪-‬‬
‫رحمه اهلل تعالى ‪ -‬على أن الرجل قطع القدوة فقط ولم يخرج من‬
‫الصالة؛ بل استمر فيها منفرداً حتى أتمها(‪ .)2‬ودلّت رواية اإلمام مسلم‬
‫على أن الرجل قطع الصالة وابتدأها من جديد‪ ،‬ولهذا قال اإلمام‬
‫استدل المصنف‬
‫ّ‬ ‫الشوكاني ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في شرحه لمنتقى األخبار‪(( :‬‬

‫بحديث أنس وبريدة رضي اهلل عنهما المذكورين على جواز صالة من قطع‬
‫وج ِم َع بينه وبين ما في‬‫االئتمام بعد الدخول فيه لعذر وأتم لنفسه‪ُ ،‬‬
‫الصحيحين من أنه سلم‪ ،‬ثم استأنف بتعدد الواقعة))(‪ .)3‬قال ابن تيمية ‪-‬‬
‫رحمه اهلل ‪ -‬في منتقى األخبار‪َ ...(( :‬ف ُع ِلم بذلك أنهما قضيتان إما لرجل‬
‫أو رجلين))(‪.)4‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬
‫يقول عن حديث أنس وبريدة رضي اهلل عنهما‪(( :‬فيه الداللة على جواز االنفراد‬
‫عن اإلمام لعذر‪ ،‬سواء أتم لنفسه أو قطعها وابتدأها من جديد‪ ،‬كما في‬
‫َّ‬
‫القصتين‪ ،‬وهذا عذر شرعي؛ إلطالة اإلمام‪ ،‬ويظهر من هذا أنه ينبغي لإلمام‬
‫أال يطول‪ ،‬ويراعي الناس حتى ال يشق عليهم))(‪.)5‬‬
‫‪ -11‬انتقال المنفرد إماماً ال بأس به؛ لحديث أنس ‪‬قال‪(( :‬كان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقوى إسناده ابن حجر في فتح الباري‪.114 /2 ،‬‬
‫(‪ )1‬أحمد في المسند‪ّ ،422 /2 ،‬‬
‫(‪ )2‬اختلف العلماء ‪ -‬رحمهم اهلل ‪ -‬هل الرجل استأنف صالته أم أتمها خفيفة‪ ،‬وانظر‪ :‬التحقيق في‬
‫ذلك‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،117 ،112-113/2 ،‬وشرح النووي على صحيح مسلم‪،‬‬
‫‪ ،328-323/3‬ونيل األوطار للشوكاني‪.474-471/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬نيل األوطار‪.474-471/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬المنتقى من أخبار المصطفى ‪ ، ‬ألبي البركات عبد السالم ابن تيمية الحراني‪ ،301/1 ،‬على‬
‫الحديث رقم ‪.1483‬‬
‫(‪ )5‬سمعته أثناء تقريره على منتقى األخبار ألبي البركات ابن تيمية‪ ،‬األحاديث رقم ‪.1483-1484‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪605‬‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يصلي في رمضان‪ ،‬فجئت فقمت إلى جنبه‪ ،‬وجاء رجل‬
‫كنا رهطاً‪ ،‬فلما حس النبي ‪ ‬أنا خلفه جعل‬ ‫آخر فقام أيضاً‪ ،‬حتى َّ‬
‫يتجوز في الصالة‪ ،‬ثم دخل رحله(‪ )1‬فصلى صالة ال يصليها عندنا‪ ،‬قال‬
‫‪ -‬قلنا له حين أصبحنا‪ :‬أفطنت لنا الليلة؟ فقال‪(( :‬نعم ذلك الذي حملني‬
‫على الذي صنعت))(‪)2‬؛ ولحديث زيد بن ثابت ‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬اتخذ‬
‫ُحجرة في المسجد من حصير في رمضان‪ ،‬فصلى فيها ليالي‪ ،‬فصلى‬
‫بصالته ناس من أصحابه‪ ،‬فلما علم بهم‪ ،‬جعل يقعد فخرج إليهم فقال‪:‬‬
‫((قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم‪ ،‬فصلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن‬
‫أفضل الصالة صالة المرء في بيته إال المكتوبة))‪ .‬وفي رواية‪(( :‬ثم جاؤوا‬
‫ليلة فحضروا وأبطأ رسول اهلل ‪ ‬عنهم‪ ،‬فلم يخرج عليهم‪ ،‬فرفعوا‬
‫أصواتهم وحصبوا الباب‪ ،‬فخرج إليهم مغضباً‪ ،‬فقال لهم رسول اهلل ‪:‬‬
‫((ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم [ولو كتب عليكم‬
‫ما قمتم به]‪ ،‬فعليكم بالصالة في بيوتكم؛ فإن خير صالة المرء في بيته‬
‫إال الصالة المكتوبة))(‪)3‬؛ ولحديث عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬كان رسول اهلل‬
‫‪ ‬يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير‪ ،‬فرأى الناس‬
‫شخص النبي ‪ ،‬فقام أناس يصلون بصالته‪ ،‬فأصبحوا فتحدثوا بذلك‪،‬‬
‫فقام ليلة الثانية فقام معه ناس يصلون بصالته‪ ،‬صنعوا ذلك ليلتين أو‬
‫ثالثاً‪ ،‬حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول اهلل ‪ ‬فلم يخرج‪ ،‬فلما أصبح‬
‫ذكر ذلك الناس فقال‪(( :‬إني خشيت أن تكتب عليكم صالة الليل))(‪.)4‬‬
‫قال أبو البركات ‪ -‬ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬باب انتقال المنفرد إماماً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رحله‪ :‬منزله‪ ،‬ويتجوز في صالته ‪ :‬أي يخفف ويقتصر على الجائز المجزي مع بعض المندوبات‪.‬‬
‫شرح النووي على صحيح مسلم‪.221/7 ،‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب النهي عن الوصال‪ ،‬برقم ‪.1103‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب صالة الليل‪ ،‬برقم ‪ ،741‬وكتاب األدب‪ ،‬باب ما يجوز من الغضب‬
‫والشدة ألمر اهلل تعالى‪ ،‬برقم ‪ ، 3114‬وكتاب االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب ما يكره من كثرة‬
‫السؤال ومن تكلف ما ال يعنيه‪ ،‬برقم ‪.7210‬‬
‫األذان‪،‬باب إذا كان بين اإلمام وبين القوم حائط أو سترة‪،‬برقم ‪.721‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )4‬البخاري‪،‬كتاب‬
‫‪605‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫في النوافل)) ثم ساق األحاديث السابقة(‪ .)1‬قال اإلمام الشوكاني ‪ -‬رحمه‬


‫اهلل ‪(( :-‬واألحاديث المذكورة تدل على ما ّبوب له المصنف ‪ -‬رحمه اهلل‬
‫‪ -‬من جواز انتقال المنفرد إماماً في النوافل‪ ،‬وكذلك في غيرها لعدم‬
‫الفارق))(‪.)2‬‬
‫مست ْخ ِل ُفه؛ لحديث‬
‫َ‬ ‫استخلف فحضر‬ ‫‪ -12‬انتقال اإلمام مأموماً إذا ُ‬
‫سهل بن سعد الساعدي ‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬ذهب إلى بني عمرو بن‬
‫عوف‪ ،‬ليصلح بينهم فحانت الصالة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال‪:‬‬
‫أتصلي للناس فأقيم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فصلى أبو بكر‪ ،‬فجاء رسول اهلل ‪‬‬
‫َ‬
‫والناس في الصالة‪ ،‬فتخ َّلص حتى وقف في الصف‪ ،‬فصفق الناس‪،‬‬
‫وكان أبو بكر ال يلتفت في صالته‪ ،‬فلما أكثر الناس التصفيق التفت‬
‫فرأى رسول اهلل ‪ ،‬فأشار إليه رسول اهلل ‪ ‬أن امكث مكانك‪ ،‬فرفع‬
‫أبو بكر ‪‬يديه‪ ،‬فحمد اهلل على ما أمره به رسول اهلل ‪‬من ذلك‪ ،‬ثم‬
‫استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف‪ ،‬وتقدم رسول اهلل ‪ ،‬فلما‬
‫انصرف قال‪(( :‬يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟)) فقال أبو بكر‪ :‬ما‬
‫كان البن أبي ُقحافة أن يصلي بين يدي رسول اهلل ‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫راب ُه(‪ )3‬شيء في صالته فليسبح؛‬
‫‪(( :‬ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من َ‬
‫التفت إليه‪ ،‬وإنما التصفيق للنساء))‪ .‬وفي رواية‪(( :‬أن هذه‬
‫فإنه إذا سبح ُ‬
‫الصالة هي صالة العصر‪ ،‬وأن النبي ‪ ‬لما جاء وأبو بكر يصلي بالناس‬
‫شق الصفوف حتى قام خلف أبي بكر فتقدم في الصف الذي‬
‫يليه‪.)4())...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المنتقى من أخبار المصطفى ‪.301/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬نيل األوطار‪.472/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬وفي رواية للبخاري‪ ،‬برقم ‪(( :1218‬من نابه شيء في صالته)) والمعنى‪ :‬من أصابه شيء يحتاج‬
‫فيه إلى إعالم الغير))‪.‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب من دخل ليؤم الناس فجاء اإلمام األول فتأخر األول أو‬
‫لم يتأخر جازت صالته‪ ،‬برقم ‪ ،383‬وكتاب األحكام‪ ،‬باب اإلمام يأتي قوماً يصلح بينهم‪ ،‬برقم‬
‫=‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪665‬‬
‫استخلف فحضر‬
‫يدل على جواز انتقال اإلمام مأموماً إذا ُ‬
‫والحديث ّ‬
‫مستخلفه(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬
‫يقول‪(( :‬فيه الداللة على أنه ال بأس أن يتأخر اإلمام إذا كان خليفة وجاء‬
‫المستخلف‪ ،‬فيكون في أول [الصالة إمام ًا] وفي أثنائها مأموم ًا‪ ،‬ال حرج‬
‫الص ّديق لـ َّما حضر النبي ‪ ،‬ولو استمر إماماً فال‬‫في ذلك‪ ،‬كما فعل ّ‬
‫حرج؛ ألن النبي ‪‬أشار إليه أن يستمر‪ ،‬ولكنه كره ذلك وقال‪ :‬ما كان‬
‫البن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول اهلل ‪ ،‬وفي حديث عبد‬
‫الرحمن بن عوف عند مسلم في غزوة تبوك(‪ )2‬أنه صلى بالناس وأقره‬
‫النبي ‪ ،‬وصلى خلفه‪ ،‬وكان عبد الرحمن قد صلى بالناس ركعة من‬
‫فلمـا سلم عبد الرحمن قام النبي فقضى ركعة هو‬ ‫صالة الفجر‪َّ ،‬‬
‫والمغيرة‪ ،‬فإذا جاء اإلمام والمستخلف قد صلى ركعة فينبغي له أال‬
‫يتقدم؛ بل يصلي مع الناس‪ ،‬أما إذا كان في أولها فهو مخير إن شاء تقدم‬
‫وتأخر الخليفة‪ ،‬وإن شاء تركه يكمل وصلى مع الناس‪ ،‬واألفضل أن‬
‫الص ّديق‬
‫الص ّديق أن يكمل ولكن ّ‬ ‫يكمل؛ ألن الرسول ‪ ‬أمر ّ‬ ‫يتركه‬
‫تأدب))(‪.)3‬‬
‫َّ‬
‫ويدل على ذلك أيضاً حديث عائشة رضي اهلل عنها‪(( :‬أن النبي ‪‬في مرض‬
‫موته وجد خفة فخرج فوجد أبا بكر يصلي بالناس فأراد أبو بكر أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫‪ ، 7110‬ومسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر اإلمام ولم يخافوا‬
‫مفسدة بالتقديم‪ ،‬برقم ‪.321‬‬
‫(‪ )1‬نيل األوطار للشوكاني‪ ،477/2 ،‬وانظر‪ :‬المغني البن قدامة‪.32/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،273‬وتقدم تخريجه في صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى ‪ ،‬الحديث رقم ‪.1410‬‬
‫‪665‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫يتأخر فأومأ إليه أن مكانك‪ ،‬ثم جيء به ‪‬يُهادى بين رجلين حتى جلس‬
‫إلى جنبه عن يسار أبي بكر‪ ،‬وكان أبو بكر يصلي قائم ًا‪ ،‬وكان رسول اهلل‬
‫‪ ‬قاعداً‪ ،‬يقتدي أبو بكر بصالة رسول اهلل ‪ ،‬والناس بصالة أبي بكر))‪.‬‬
‫وفي لفظ للبخاري‪ :‬أنها صالة الظهر‪ ،‬وفي لفظ لمسلم‪(( :‬وكان النبي ‪‬‬
‫يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير))(‪.)1‬‬
‫‪ -14‬انتقال المأموم إماماً إذا استخلفه اإلمام ال بأس به؛ لحديث‬
‫عمرو بن ميمون قال‪(( :‬إني لقائم ما بيني وبين عمر ‪ -‬غداة أصيب ‪ -‬إال‬
‫عبد اهلل بن عباس‪ ،‬فما هو إال أن كبر فسمعته يقول‪ :‬قتلني أو أكلني‬
‫َّ‬
‫فقدمه‪ ،‬فصلى‬
‫الكلب حين طعنه‪ ،‬وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف َّ‬
‫بهم عبد الرحمن صالة خفيفة))(‪.)2‬‬
‫قال اإلمام الشوكاني ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وفيه جواز االستخالف لإلمام‬
‫عند عروض عذر يقتضي ذلك؛ لتقرير الصحابة لعمر على ذلك‪ ،‬وعدم‬
‫اإلنكار من أحد منهم فكان إجماعاً‪ ،‬وكذلك فعل علي وتقريرهم له‬
‫على ذلك))(‪ .)3‬واهلل ‪ ‬أعلم(‪.)4‬‬
‫تاسعاً‪ :‬االقتداء وشروطه ولوازمه على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬صفة االقتداء باإلمام وعدم سبقه ومقارنته؛ لحديث أبي هريرة‬
‫‪‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إنما جعل اإلمام ليؤتم به‪[ ،‬فال تختلفوا عليه]‬
‫َّ‬
‫فإذا كبر فكبروا‪ ،‬وال تكبروا حتى يكبر‪ ،‬وإذا ركع فاركعوا‪ ،‬وال تركعوا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حتى يركع‪ ،‬وإذا قال سمع اهلل لمن حمده فقولوا‪ :‬اللهم ربنا لك الحمد‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬باب الرجل يأتم باإلمام ويأتم الناس بالمأموم‪ ،‬برقم ‪ ،714‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الصالة‪ ،‬باب استخالف اإلمام إذا عرض له عذر‪ ،‬برقم ‪.318‬‬
‫(‪ )2‬البخاري مختصراً‪ ،‬كتاب فضائل أصحاب النبي ‪ ،‬باب قصة البيعة واالتفاق على عثمان بن‬
‫عفان‪ ،‬برقم ‪.4700‬‬
‫(‪ )3‬نيل األوطار من أسرار منتقى األخبار‪.313/2 ،‬‬
‫ٍ‬
‫(‪ )4‬وتأتي أحكام االستخالف‪ ،‬وأحكام االقتداء بمن أخطأ بترك شرط أو ركن‪ ،‬واالقتداء بمن ذكر أنه‬
‫محدث‪ ،‬بعد صفحات‪.‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪665‬‬
‫وإذا سجد فاسجدوا‪ ،‬وال تسجدوا حتى يسجد‪ ،‬وإذا صلى قائماً فصلوا‬
‫قياماً‪ ،‬وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون))(‪ .)1‬هذا الحديث دل على‬
‫قتدى باإلمام‪ ،‬ومن شأن التابع والمأموم أن ال يتقدم‬
‫أن شرعية اإلمامة؛ ُلي َ‬
‫متبوعه‪ ،‬وال يساويه‪ ،‬وال يتقدم عليه في موقفه‪ ،‬بل يراقب أحواله ويأتي‬
‫على إثرها بنحو فعله‪ ،‬ومقتضى ذلك أن ال يخالفه في شيء من األحوال‪،‬‬
‫فصل الحديث ذلك‪ ،‬ويقاس ما لم يذكر من أحواله‪ - :‬كالتسليم ‪-‬‬ ‫وقد َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫على ما ذكر‪ ،‬فمن خالفه في شيء مما ذكر فقد أثم ‪.‬‬
‫توعد النبي ‪ ‬من سابق إمامه بقوله ‪َ (( :‬أما‬ ‫‪ -2‬مسابقة اإلمام‪ .‬قد ّ‬
‫رأس ُه رأس حمار))‪ ،‬وفي لفظ‬ ‫حول ُ‬ ‫يخشى الذي يرفع رأسه قبل اإلمام أن يُ َّ‬
‫البخاري‪(( :‬أن يجعل اهلل رأسه رأس حمار‪ ،‬أو يجعل اهلل صورته صورة‬
‫حمار))(‪ ،)3‬وعن أنس بن مالك ‪‬قال‪ :‬صلى بنا رسول اهلل ‪‬ذات يوم‪ ،‬فلما‬
‫قضى الصالة أقبل علينا بوجهه فقال‪(( :‬أيها الناس إني إمامكم فال تسبقوني‬
‫بالركوع‪ ،‬وال بالسجود‪ ،‬وال بالقيام‪ ،‬وال باالنصراف(‪)4‬؛ فإني أراكم أمامي‬
‫ومن خلفي‪ ،‬والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليالً ولبكيتم‬
‫كثير ًا)) قالوا‪ :‬ما رأيت يا رسول اهلل؟ قال‪(( :‬الجنة والنار))(‪.)5‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪‬موقوفاً عليه‪(( :‬الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل اإلمام إنما‬
‫ناصيته بيد شيطان))(‪ .)6‬قال اإلمام مالك ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬فيمن سها فرفع رأسه قبل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب اإلمام يصلي من قعود‪ ،‬برقم ‪ ،304‬وأصله في صحيح البخاري‪،‬‬
‫كتاب األذان‪ ،‬باب إقامة الصف من تمام الصالة‪ ،‬برقم ‪ ،722‬ومسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ائتمام‬
‫المأموم باإلمام‪ ،‬برقم ‪ ،313‬وما بين المعقوفين من لفظ البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبل السالم للصنعاني‪ ،78/4 ،‬وانظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،217 ،201/2 ،‬وشرح النووي‬
‫على صحيح مسلم‪.477/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه من حديث أبي هريرة ‪:‬البخاري‪،‬كتاب األذان باب إثم من رفع رأسه قبل اإلمام‪ ،‬برقم‬
‫‪،311‬ومسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪،‬باب تحريم سبق اإلمام بركوع وسجود أو نحوهما‪،‬برقم ‪.327‬‬
‫(‪ )4‬االنصراف‪ :‬المراد به السالم‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب تحريم سبق اإلمام‪ :‬بركوع‪ ،‬أو سجود‪ ،‬أو نحوهما‪ ،‬برقم ‪.323‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مالك في الموطأ‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما يفعل من رفع رأسه قبل اإلمام‪،‬‬
‫=‬
‫‪665‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫اإلمام في الركوع أو السجود‪(( :‬إن السنة في ذلك أن يرجع راكعاً أو ساجداً‪ ،‬وال‬
‫ينتظر اإلمام‪ ،‬وذلك خطأ ممن فعله؛ ألن الرسول ‪ ‬قال‪(( :‬إنّما ُج ِع َل اإلمام‬
‫ليؤتم به فال تختلفوا عليه))‪ .‬وقال أبو هريرة‪ :‬الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل‬
‫اإلمام‪((:‬إنما ناصيته بيد شيطان))(‪.)1‬وعن البراء بن عازب ‪ ‬قال‪(( :‬كنا نصلي‬
‫منا ظهره حتى‬ ‫أحد َّ‬
‫يحن ٌ‬ ‫خلف النبي ‪ ،‬فإذا قال‪(( :‬سمع اهلل لمن حمده)) لم ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫يضع النبي ‪ ‬جبهته على األرض [ثم يخر من وراءه ساجد ًا])) ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعن معاوية بن أبي سفيان ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬ال تبادروني‬
‫بركوع وال بسجود‪ ،‬إنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت‬
‫بدنت(‪.)4()))3‬‬
‫إني قد َّ‬
‫وعن عمرو بن حريث ‪ ‬قال‪(( :‬صليت خلف النبي ‪ ‬الفجر‪،‬‬
‫ـج َوارِ ا ْل ُكنَّ ِس‪ ،)5(‬وكان ال يحني‬ ‫فسمعته يقرأ‪َ  :‬فال أ ُ ْق ِسم بِا ْل ُ ِ‬
‫ـخنَّس (*‪6‬ا) ْل َ‬ ‫ُ‬
‫رجل منا ظهره حتى يستتم ساجداً)) ‪ .‬قال النووي ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬في‬
‫هذا الحديث وغيره ما يقتضي مجموعه أن السنة للمأموم التأخر عن‬
‫اإلمام قليالً بحيث يشرع في الركن بعد شروعه وقبل فراغه منه واهلل‬
‫أعلم))(‪.)7‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫‪ ،12/1‬برقم ‪ ،27‬وانظر‪ :‬فتح الباري‪.184/2 ،‬‬
‫(‪ )1‬موطأ مالك‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما يفعل من رفع رأسه قبل اإلمام‪.12/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬كتاب األذان‪،‬اب متى يسجد َمن خلف اإلمام؟برقم ‪،310‬وباب رفع البصر إلى‬
‫اإلمام في الصالة‪،‬برقم ‪،737‬وباب السجود على سبعة أعظم‪،‬برقم ‪،811‬ومسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪،‬باب‬
‫متابعة اإلمام والعمل بعده‪ ،‬برقم ‪،373‬واللفظ للبخاري‪،‬وما بين المعقوفين لمسلم‪.‬‬
‫كبر‪،‬وب ُدن‪:‬إذا سمن‪.‬جامع األصول البن األثير‪.321/2 ،‬‬
‫َ‬ ‫‪:‬بدن الرجل‪:‬إذا‬
‫(‪َّ )3‬بدنت َّ‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما يؤمر به المأموم من اتباع اإلمام‪ ،‬برقم ‪ ،311‬وقال األلباني في‬
‫صحيح سنن أبي داود‪(( :183/1 ،‬حسن صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )5‬سورة التكوير‪ ،‬اآليتان‪.13 -12 :‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب متابعة اإلمام والعمل بعده‪ ،‬برقم ‪.372‬‬
‫(‪ )7‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.343/3 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪665‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬
‫يقول عن حديث أبي هريرة أول هذه األحاديث‪(( :‬المقصود أنهم يتأخرون‬
‫عنه قليالً ال كثير ًا‪ ،‬إذا انتهى صوته مكبر ًا كبروا‪ ،‬وإذا استوى راكع ًا ركعوا‪،‬‬
‫وإذا استوى ساجداً سجدوا في غير مهلة‪ ،‬وقد ذكر األفعال واألقوال ولم‬
‫يذكر النية‪ ،‬فدل على أن النية مغتفرة))(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬أحوال المأموم مع إمامه‪ :‬أربعة أحوال‪ :‬مسابقة‪ ،‬وموافقة أو‬
‫مقارنة‪ ،‬وتأخر‪ ،‬ومتابعة‪ ،‬وتفصيل ذلك على النحو اآلتي‪:‬‬
‫الحال األول‪ :‬المسابقة‪ :‬وهي أن يسبق المأموم إمامه في شيء من األفعال‬
‫أو األقوال في الصالة‪ ،‬مثل‪ :‬أن يتقدمه في تكبير‪ ،‬أو ركوع‪ ،‬أو رفع‪ ،‬أو‬
‫سجود‪ ،‬أو سالم‪ ،‬أو غير ذلك من األفعال أو األقوال داخل الصالة(‪.)2‬‬
‫متوعد عليها بالعقوبة‪ ،‬باتفاق العلماء؛ لألدلة‬
‫َّ‬ ‫ومسابقة اإلمام حرام‬
‫السابقة آنف ًا‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪ ...(( :-‬أما‬
‫مسابقة اإلمام فحرام باتفاق األئمة‪ :‬ال يجوز ألحد أن يركع قبل إمامه‪،‬‬
‫وال يرفع قبله‪ ،‬وال يسجد قبله))(‪ .)3‬ثم قال‪(( :‬ومن فعل ذلك استحق‬
‫العقوبة والتعزير الذي يردعه وأمثاله‪ ،‬كما ُروي عن عمر‪ :‬أنه رأى رجالً‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.321‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬المغني‪،‬البن قدامة‪،212-208/2 ،‬والمقنع البن قدامة مع الشرح الكبير‪،427-217/3 ،‬‬
‫والشرح الكبير البن قدامة مع المقنع‪،427-417/3،‬واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف‪،‬‬
‫للمرداوي مع المقنع والشرح الكبير‪،423-417/3،‬ومنتهى اإلرادات مع حاشية النجدي‪،‬‬
‫‪ ،214-287/1‬وحاشية الروض المربع البن قاسم‪ ،3/2 ،‬وإرشاد أولي البصائر واأللباب لنيل‬
‫الفقه بأقرب الطرق وأيسر األسباب‪ ،‬للسعدي‪ ،‬ص‪ ،28-23‬والشرح الممتع البن عثيمين‪،‬‬
‫‪ ،270-227/3‬وصالة الجماعة‪ ،‬للسدالن‪ ،‬ص‪ ،181-173‬والمختارات الجلية للسعدي‪،‬‬
‫ص‪ ،22‬واإلقناع لطالب االنتفاع‪،‬ألبي النجا الحجاوي‪ ،222-221/1،‬ونيل األوطار‬
‫للشوكاني‪،433-434/2،‬ومنار السبيل للضويان‪.132 ،133/1،‬‬
‫(‪ )3‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪.443/24 ،‬‬
‫‪660‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫يسابق اإلمام‪ ،‬فضربه‪ ،‬وقال‪ :‬ال وحدك صليت وال بإمامك اقتديت))(‪.)1‬‬
‫قال العالمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪:-‬‬
‫((والصواب أن مسابقة اإلمام عمد ًا‪ ،‬إذا كان المسابق عالم ًا بالحال‬
‫والحكم‪ ،‬أنها مبطلة للصالة بمجرد ذلك‪ ،‬سواء سبقه إلى ركن(‪ ،)2‬أو‬
‫بركن(‪ ،)3‬أو ركنين(‪ ،)4‬وسواء كان ذلك ركوع ًا‪ ،‬أو سجود ًا‪ ،‬أو غيرهما‪،‬‬
‫وسواء أدركه اإلمام أو رجع إلى ترتيب الصالة(‪)5‬؛ ألن النهي والوعيد‬
‫يتناول هذا‪ ،‬وما نهي عنه لخصوص العبادة كان من مفسداتها‪ ،‬وأما‬
‫القول‪ :‬بأن ذلك محرم‪ ،‬واإلبطال يتوقف على السبق بركن الركوع‪ ،‬أو‬
‫َّ‬
‫بركنين غيره‪ ،‬فهذا القول ال دليل عليه‪ ،‬وكما أنه خالف النص؛ فإنه‬
‫خالف نص اإلمام أحمد كما صرح بذلك في رسالته المشهورة))(‪.)6‬‬
‫وقال العالمة عبد الرحمن السعدي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬أيضاً‪(( :‬وأما إذا‬
‫وقع السبق نسياناً أو جهالً فال يخلو‪ :‬إما أن يرجع فيأتي بما سبق به مع‬
‫اإلمام أو ال‪ ،‬فإن رجع صحت ركعته مطلقاً؛ سواء كان السبق إلى ركن‪،‬‬
‫أو بركن‪ ،‬أو ركنين‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬فإن لم يرجع حتى لحقه اإلمام فإن كان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪.447/24 ،‬‬
‫(‪ )2‬سبقه إلى ركن‪ ،‬مثل‪ :‬أن يركع أو يسجد أو يرفع قبل إمامه‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبقه بركن‪ ،‬مثل‪ :‬أن يركع ويرفع قبل ركوع إمامه [وال يعد سابقاً بركن حتى يتخلص منه‪ ،‬فال يعد‬
‫سابقاً بالركو ع حتى يرفع‪ ،‬وال بالرفع حتى يهوي إلى السجود] حاشية منتهى اإلرادات للنجدي‪،‬‬
‫‪.281/1‬‬
‫(‪ )4‬سبقه بركنين ‪ ،‬مثل‪ :‬أن يسجد المأموم قبل سجود إمامه ثم يرفع‪ ،‬ثم يسجد الثانية قبل أن يصله‬
‫اإلمام‪.‬‬
‫(‪ )5‬أو رجع إلى ترتيب الصالة‪ ،‬مثل‪ :‬أن يرجع إلى ما سبق به إمامه فيأتي به بعده‪ .‬انظر هذه األمثلة‪:‬‬
‫إرشاد أولي البصائر للسعدي‪ ،‬ص‪ ،27‬واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف‪ ،‬للمرداوي‪،‬‬
‫المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪ ،422/3 ،‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪.287/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬المختارات الجلية للسعدي‪ ،‬ص‪ ،22‬وانظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،210/2 ،‬أما رسالة اإلمام أحمد‪:‬‬
‫فهي الرسالة السنية‪ ،‬انظر‪ :‬مجموعة الحديث النجدية‪ ،‬ص ‪.333‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪666‬‬
‫سبقه إلى ركن الركوع‪ :‬بأن ركع ساهياً أو جاهالً قبل إمامه‪ ،‬ثم ركع‬
‫اإلمام والسابق في ركوعه صحت ركعته واعتد بها‪ ،‬ومثله السبق بركن‬
‫واحد غير الركوع‪ ،‬وإن كان السبق بركن الركوع‪ ،‬أو بركنين غير الركوع‬
‫فإن رجع قبل وصول اإلمام له صحت أيضاً ركعته‪ ،‬وإن لحقه اإلمام‬
‫لغت الركعة التي وقع فيها السبق))(‪.)1‬‬
‫وقال العالمة محمد بن صالح العثيمين ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬والصحيح أنه‬
‫متى سبق إمامه عالم ًا ذاكر ًا فصالته باطلة بكل أقسام السبق(‪ ،)2‬وإن كان‬
‫جاهالً أو ناسياً فصالته صحيحة إال أن يزول عذره(‪ )3‬قبل أن يدركه‬
‫اإلمام‪ ،‬فإنه يلزمه الرجوع ليأتي بما سبق فيه بعد إمامه‪ ،‬فإن لم يفعل‬
‫عالماً ذاكراً بطلت صالته وإال فال))(‪.)4‬‬
‫الحال الثاني‪ :‬الموافقة أو المقارنة‪ ،‬وهي أن يوافق المأموم اإلمام عند‬
‫االنتقال إلى ركن‪ ،‬كأن يركع أو يسجد معه سواء بسواء‪ ،‬وهي مكروهة‬
‫في غير تكبيرة اإلحرام؛ ألن تكبيرة اإلحرام يشترط أن يأتي بها بعد‬
‫إمامه فلو أتى بها معه لم يعتد بها‪.‬‬
‫والموافقة قسمان‪:‬الموافقة في األقوال والموافقة في األفعال‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬الموافقة في األقوال‪ ،‬ال تضر إال في تكبيرة اإلحرام‬
‫والسالم‪.‬‬
‫أما تكبيرة اإلحرام؛ فإن المأموم ال يكبر إال بعد أن يتم اإلمام تكبيرة‬
‫اإلحرام؛ فإن كبر قبل انتهاء إمامه نهائي ًا منها لم تنعقد صالته‪.‬‬
‫وأما الموافقة في السالم فيكره أن يسلم مع اإلمام‪ ،‬فاألولى أن يسلم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إرشاد أولي البصائر واأللباب‪ ،‬ص‪.28-27‬‬
‫(‪ )2‬أقسام السبق ‪ :‬السبق إلى ركن‪ ،‬والسبق بركن الركوع‪ ،‬والسبق بركن غير الركوع‪ ،‬والسبق بركنين‬
‫غير الركوع‪ .‬انظر‪ :‬الشرح الممتع البن عثيمين‪.232-231 /3 ،‬‬
‫(‪ )3‬والعذر‪ :‬كالجهل والنسيان‪.‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الممتع‪.234/3 ،‬‬
‫‪665‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫المأموم عقب فراغ اإلمام من التسليمتين(‪.)1‬‬


‫القسم الثاني‪ :‬الموافقة في األفعال‪ ،‬مكروهة على القول الصحيح من‬
‫قولي أهل العلم‪ ،‬مثل‪ :‬أن يركع المأموم مع اإلمام‪ ،‬أو يسجد‪ ،‬أو يرفع؛‬
‫لقول النبي ‪ ...(( :‬إذا ركع اإلمام فاركعوا‪ ،‬وال تركعوا حتى يركع‪ ،‬وإذا‬
‫سجد فاسجدوا وال تسجدوا حتى يسجد))(‪ .)2‬فإن قارن المأموم إمامه‬
‫في أفعاله كره له ذلك(‪.)3‬‬
‫الحال الثالث‪ :‬التأخر أو التخلف عن متابعة اإلمام‪ ،‬مثل‪ :‬أن يتخلف‬
‫عنه بركن‪ ،‬أو بركنين‪ ،‬أو ركعة أو ركعتين‪ ،‬أو أقل أو أكثر(‪.)4‬‬
‫والتخلف عن اإلمام قسمان‪ :‬تخلف بعذر‪،‬وتخلف بغير عذر‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬التخلف بعذر‪ ،‬مثل‪ :‬النوم والسهو‪ ،‬والزحام‪ ،‬والجهل‪،‬‬
‫والنسيان‪ ،‬أو لم يسمع اإلمام حتى سبقه‪ ،‬أو عجلة إمام؛ فإن المأموم في هذه‬
‫الحالة يأتي بما تخلف به عن اإلمام؛ سواء كان‪ :‬ركناً‪ ،‬أو ركنين‪ ،‬أو أقل‪ ،‬أو‬
‫أكثر‪ ،‬ويدرك إمامه فيتابعه وال شيء عليه‪ ،‬إال إذا وصل اإلمام إلى المكان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،208/2 ،‬ومنار السبيل‪ ،‬للضويان‪ ،133/1 ،‬واإلنصاف في معرفة‬
‫الراجح من الخالف‪ ،‬للمرداوي‪ ، 424/3 ،‬وقال في هذا الموضع‪ :‬قال ابن رجب في شرح‬
‫البخاري‪ (( :‬األولى أن يسلم المأموم عقيب فراغ اإلمام من التسليمتين‪ ،‬فإن سلم بعد األولى جاز‬
‫عند من يقول إن الثانية غير واجبة‪ ،‬ولم يجز عند من يرى أن الثانية واجبة ال يخرج من الصالة‬
‫بدونها)) وانظر‪ :‬حاشية ابن قاسم على الروض المربع‪ ،283/2 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين ‪،‬‬
‫‪ ،238-237/3‬وصالة الجماعة للسدالن‪ ،‬ص‪ ، 178‬والتمهيد لما في الموطأ من المعاني‬
‫واألسانيد البن عبد البر‪.138-137/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،304‬وأصله في البخاري برقم ‪ ،722‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،313‬وتقدم تخريجه في‬
‫أول االقتداء وشروطه قبل صفحات‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬اإلنصاف للمرداوي‪،424/3،‬وحاشية الروض المربع‪،‬البن قاسم‪.283/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬المغني البن قدامة‪ ،211/2 ،‬واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف‪ ،‬للمرداوي ‪،423/3‬‬
‫وحاشية الروض المربع البن قاسم‪ ،288/2 ،‬والشرح الممتع‪ ،‬البن عثيمين ‪ ،233/3،‬وصالة‬
‫الجماعة للسدالن‪ ،‬ص‪.178‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪665‬‬
‫الذي هو فيه‪ ،‬فإنه ال يأتي به ويبقى مع اإلمام وتصح له ركعة ملفقة من‬
‫ركعتي إمامه‪ :‬الركعة التي تخلف فيها‪ ،‬والركعة التي وصل إليها اإلمام وهو‬
‫في مكانه‪ ،‬فإذا سلم اإلمام قام المتخلف فأتى بركعة كاملة‪.‬‬
‫أما إذا تخلف عن إمامه بركعة أو ركعتين أو أكثر‪،‬فإنه يتابع إمامه‪،‬وبعد‬
‫سالم اإلمام يقضي ما تخلف به عن إمامه(‪.)1‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬تخلف أو تأخر بغير عذر‪ ،‬فإما أن يكون تخلف ًا في ركن‬
‫أو تخلفاً بركن‪ ،‬والتخلف في ركن‪ :‬هو أن يتأخر المأموم في المتابعة‬
‫لكن يدرك اإلمام في الركن الذي انتقل إليه‪ ،‬مثل‪ :‬أن يركع اإلمام وقد‬
‫بقي على المأموم آية أو آيتين فيكملها ثم يدرك اإلمام في ركوعه قبل‬
‫أن يرفع‪ ،‬فالركعة هنا صحيحة لكن الفعل مخالف للسنة‪.‬‬
‫أما التخلف بالركن‪ ،‬فهو‪ :‬أن يتأخر المأموم حتى يسبقه اإلمام بركن‪،‬‬
‫مثل‪ :‬أن يركع ويرفع من الركوع قبل أن يركع المأموم‪ ،‬فهذا كما قال‬
‫الفقهاء ‪ -‬رحمهم اهلل ‪(( :-‬التخلف عن اإلمام كسبقه))‪ ،‬فهذا تكون‬
‫صالته باطلة على الصحيح‪ ،‬سواء كان الركن ركوع ًا أو سجوداً أو‬
‫غيرهما؛ ألن المأموم تخلف بغير عذر(‪.)2‬‬
‫الحال الرابع‪ :‬المتابعة‪ ،‬وهي أن يشرع المأموم في أفعال الصالة‪ ،‬من‪:‬‬
‫الركوع‪ ،‬والرفع‪ ،‬والسجود بعد فراغ اإلمام‪ ،‬وكذلك يتابعه في التكبير فال يكبر‬
‫حتى يكبر‪ .‬وهذا هو السنة‪ ،‬وهو المطلوب من المأموم(‪)3‬؛ لحديث أبي هريرة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ، 212-211/2 ،‬واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف‪ ،‬للمرداوي‪،‬‬
‫‪ ، 422-423/3‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪ ،281-288/2 ،‬والشرح الممتع البن‬
‫عثيمين‪ ،232-233/3 ،‬وصالة الجماعة‪ ،‬للسدالن‪ ،‬ص‪.171-178‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الشرح الممتع‪ ،‬البن عثيمين‪ ،237-232/3 ،‬وصالة الجماعة للسدالن‪ ،‬ص‪،188-178‬‬
‫وينظر أيضاً‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،212-211/2 ،‬واإلنصاف للمرداوي‪ ،422-423/3 ،‬وحاشية‬
‫الروض المربع البن قاسم‪.281-288/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،201-208/2 ،131/2 ،‬واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف‬
‫للمرداوي‪ ،424/3 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪ ،270-231/3 ،‬وحاشية الروض المربع‪ ،‬البن‬
‫=‬
‫‪665‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إنما ُجعل اإلمام لي ْؤ َتم به‪ ،‬فال تختلفوا عليه‪ ،‬فإذا‬
‫ُ َّ‬
‫كبر فكبروا‪ ،‬وال تكبروا حتى يكبر‪ ،‬وإذا ركع فاركعوا وال تركعوا حتى يركع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وإذا قال‪ :‬سمع اهلل لمن حمده فقولوا‪ :‬اللهم ربنا لك الحمد‪ ،‬وإذا سجد‬
‫فاسجدوا وال تسجدوا حتى يسجد‪ ،‬وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً‪ ،‬وإذا صلى‬
‫قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون))(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬ارتفاع مكان اإلمام اليسير على المأمومين ال يضر؛ لحديث سهل بن‬
‫سعد ‪ ‬وفيه‪ :‬أن النبي ‪ ‬جلس على المنبر في أول يوم ُو ِض َع فكبر‬
‫وهو عليه‪ ،‬ثم ركع‪ ،‬ثم نزل القهقرى(‪ )2‬فسجد في أصل المنبر‪ ،‬ثم عاد‬
‫فلما فرغ أقبل على الناس فقال‪(( :‬أيها الناس‪ ،‬إنما صنعت هذا؛ لتأتموا‬
‫بي؛ ولتع َّلموا صالتي))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬وقام عليه رسول اهلل ‪ ‬حين عمل‬
‫وو ِضع فاستقبل القبلة‪ ،‬كبر وقام الناس خلفه فقرأ وركع‪ ،‬وركع الناس‬‫ُ‬
‫َّ‬
‫خلفه‪ ،‬ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى سجد باألرض‪ ،‬ثم عاد إلى‬
‫المنبر‪ ،‬ثم قرأ‪،‬ثم ركع‪،‬ثم رفع رأسه‪،‬ثم رجع القهقرى حتى سجد‬
‫باألرض‪،‬فهذا شأنه‪ ،‬قال أبو عبد اهلل(‪ :)3‬قال علي بن المديني‪ :‬سألني‬
‫أحمد بن حنبل ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬عن هذا الحديث‪ ،‬قال‪ :‬فإنما أردت أن‬
‫النبي ‪ ‬كان أعلى من الناس بهذا الحديث‪)4())...‬؛ ولحديث أنس ‪:‬‬
‫أن رسول اهلل ‪ ‬سقط عن فرسه فجحش(‪ )5‬ساقه أو كتفه‪ ،‬وآلى من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫قاسم‪.282/2 ،‬‬
‫(‪ )1‬أبو داود برقم ‪،304‬والبخاري‪،‬برقم ‪،722‬ومسلم‪،‬برقم ‪،313‬وتقدم تخريجه في االقتداء وشروطه‪.‬‬
‫(‪ )2‬القهقرى ‪ :‬المشي إلى الخلف‪ ،‬والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة‪ ،‬انظر‪ :‬نيل األوطار‬
‫للشوكاني‪.334/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬هو اإلمام البخاري رحمه اهلل‪.‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الصالة في السطوح‪ ،‬والمنبر‪ ،‬والخشب‪ ،‬برقم ‪،477‬‬
‫وكتاب الجمعة‪ ،‬باب الخطبة على المنبر‪ ،‬برقم ‪ ،117‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب جواز الخطوة‬
‫والخطوتين في الصالة‪ ،‬وأنه ال كراهة في ذلك إذا كان لحاجة‪ ،‬وجواز صالة اإلمام على موضع‬
‫أرفع من المأمومين للحاجة كتعليم الصالة أو غير ذلك‪ ،‬برقم ‪.233‬‬
‫(‪ )5‬الجحش‪ :‬الخدش‪ ،‬أو أشد منه قليالً‪ .‬فتح الباري البن حجر‪.387/1 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫نسائه(‪ )1‬شهراً‪ ،‬فجلس في َم ْشربة(‪ )2‬له درجتها من جذوع‪ ،‬فأتاه أصحابه‬
‫ُ‬
‫يعودونه فصلى بهم جالساً وهم قيام‪ ،‬فلما سلم قال‪(( :‬إنما جعل اإلمام‬
‫ليؤتم به‪ ،‬فإذا كبر فكبروا‪ ،‬وإذا ركع فاركعوا‪ ،‬وإذا سجد فاسجدوا‪ ،‬وإن‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫صلى قائماً فصلوا قياماً))(‪.)3‬‬
‫وهذان الحديثان فيهما جواز االرتفاع اليسير لمكان اإلمام على‬
‫المأموم عند الحاجة لذلك‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أما حديث أبي مسعود‪((:‬أن حذيفة ‪َّ ‬أم الناس بالمدائن(‪ )4‬على دكان‬
‫فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه‪ ،‬فلما فرغ من صالته قال‪ :‬ألم تعلم أنهم‬
‫مددتني))(‪ .)6‬وحديث‬ ‫كانوا ينهون عن ذلك؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قد ذكرت حين ْ‬
‫حذيفة في قصته مع عمار بن ياسر وأخذه على يديه وإنزاله من الصالة‬
‫فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ عمار من‬ ‫على الدكان المرتفع‪َّ ،‬‬
‫صالته قال له حذيفة‪ :‬ألم تسمع رسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬إذا َّأم الرجل القوم‪،‬‬
‫فال يقم في مكان أرفع من مقامهم)) أو نحو ذلك(‪ ،)7‬فهذان الحديثان وما‬
‫علواً أكثر مما فعل‬
‫علو اإلمام على المأموم ّ‬
‫في معناهما يدالن على كراهة ّ‬
‫النبي ‪ ،‬جمع ًا بين األخبار(‪ ،)8‬واهلل أعلم(‪.)1‬وسمعت شيخنا اإلمام‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬آلى من نسائه‪ :‬أي حلف ال يدخل عليهن شهراً‪ .‬فتح الباري البن حجر ‪.381/1،‬‬
‫(‪ )2‬مشربة‪ :‬الغرفة المرتفعة‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.388/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،478‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،311‬ويأتي تخريجه في اقتداء الجالس القادر‬
‫على القيام بالجالس المعذور‪.‬‬
‫(‪ )4‬المدائن‪ :‬مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد‪ .‬نيل األوطار للشوكاني ‪.331/2،‬‬
‫(‪ )5‬الدكان‪ :‬الدكة‪ ،‬وهو الموضع المرتفع يجلس عليه‪ ،‬جامع األصول البن األثير‪.344/2،‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب اإلمام يقوم مكاناً أرفع من مكان المأموم‪،‬برقم ‪ ،217‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.178/1 ،‬‬
‫(‪ )7‬أبو داود‪ ،‬الصالة‪ ،‬باب اإلمام يقوم مكاناً أرفع من مكان المأموم‪ ،‬برقم ‪ ،218‬قال عنه األلباني في‬
‫صحيح سنن أبي داود‪(( :171/1 ،‬حسن بما قبله إال ما خالفه))‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪:‬المغني‪،‬البن قدامة‪،38/4،‬واإلنصاف مع شرح الكبير والمقنع‪،322/3 ،‬وحاشية ابن قاسم على‬
‫=‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫عبدالعزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪(( :‬يكره العلو الكثير من‬
‫اإلمام على المأمومين‪ ،‬أما العلو اليسير فال بأس به عند أحمد وجماعة‪،‬‬
‫ولعل الحكمة في ذلك واهلل أعلم؛ ألنه قد يؤثر في نفس اإلمام شيئ ًا‪ ،‬فمن‬
‫التواضع أن يصلي مساوياً لهم‪ ،‬وهذا إذا لم يكن حاجة‪ ،‬أما إذا كان هناك‬
‫حاجة [مثل]‪ :‬الزحمة‪ ،‬زالت الكراهة‪ ،‬ثم إذا كان معه بعض الصفوف‬
‫زالت الكراهة‪ ،‬أما علو المأموم فال كراهة في ذلك‪ ،‬كما يفعل الناس أيام‬
‫الجمع من الصالة فوق السطوح‪ ،‬وإنما جاءت الكراهة لإلمام‪ ،‬وإذا كان‬
‫العلو للتعليم والتوجيه زالت الكراهة))(‪.)2‬‬
‫أما إذا كان مع اإلمام في المكان المرتفع بعض الصفوف من المأمومين زال‬
‫المنع فال حرج وال كراهة؛ ألن اإلمام في هذه الحالة لم ينفرد بمكانه(‪ ،)3‬فحينئذ‬
‫يُصلى معه وفوقه‪ ،‬وتحته(‪.)4‬‬
‫علو المأموم على اإلمام فال بأس به‪ ،‬مثل أن يصلي على السطوح‬‫أما ّ‬
‫أو في مكان أعلى من اإلمام بحيث ال يكون ف ّذاً وحده؛ ألن أبا هريرة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫الروض المربع‪،421-420/2،‬والكافي البن قدامة‪،347/1 ،‬وفتح الباري البن حجر ‪،388-383/2،‬‬
‫ومنتهى اإلرادات مع حاشية النجدي‪ ،417/1 ،‬والشرح الممتع‪ ،‬البن عثيمين ‪ ،323-324/3،‬ونيل األوطار‬
‫للشوكاني‪،332-330/2 ،‬ومنار السبيل للضويان‪،174/1،‬وفتاوى اإلمام ابن باز‪.13/12 ،‬‬
‫علو اإلمام على المأموم‪ ،‬فقيل‪ :‬يمنع ارتفاع اإلمام على‬‫(‪ )1‬اختلف العلماء ‪ -‬رحمهم اهلل ‪ -‬في مسألة ّ‬
‫المأموم مطلقاً‪ ،‬وأما صالته ‪ ‬على المنبر فقيل إنه إنما فعل ذلك لغرض التعليم‪ ،‬وقيل‪ :‬الصالة‬
‫على مكان مرتفع من خصائص النبي ‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه ال يكره مطلقاً؛ ألن الحديث ضعيف‪.‬‬
‫والصواب أن الذي يكره هو االرتفاع الكثير‪ ،‬أما اليسير فال بأس به‪ .‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ، 38-37/4‬واإلنصاف مع الشرح الكبير والمقنع‪ ،324/3 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪،‬‬
‫‪.323/3‬‬
‫(‪ ) 2‬سمعته أثناء تقريره على منتقى األخبار‪ ،‬ألبي البركات المجد ابن تيمية‪ ،‬األحاديث‪-1313 :‬‬
‫‪ ،1318‬وذلك يوم اإلثنين الموافق ‪1310/11/11‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪:‬اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف‪،327/3 ،‬وفتاوى اإلمام ابن باز‪ 13/12 ،‬و‪،12‬‬
‫والشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين‪ .420/3 ،‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪.420/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬سمعته من شيخنا عبد العزيز ابن باز‪،‬أثناء تقريره على صحيح البخاري‪،‬الحديث رقم ‪.477‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫‪‬صلى على سقف المسجد بصالة اإلمام(‪)1‬؛ ولما جاء من اآلثار عن‬
‫ابن عمر رضي اهلل عنهما والحسن البصري(‪ .)2‬أما إذا كان المؤتم فوق اإلمام‬
‫وكان ارتفاعه ارتفاع ًا مفرط ًا بحيث يكون فوق ثالثمائة ذراع على وجه‬
‫ال يمكن المؤتم العلم بأفعال اإلمام فهو ممنوع باإلجماع‪ ،‬وإن كان دون‬
‫ذلك فاألصل الجواز حتى يقوم الدليل على المنع‪ ،‬ويعتضد هذا األصل‬
‫بفعل أبي هريرة ‪ ‬ولم ينكر عليه(‪.)3‬‬
‫وقيل يكره دخول اإلمام في الطاق الذي يقال له‪ :‬المحراب؛ آلثار‬
‫وردت في ذلك عن علي بن أبي طالب ‪ ‬وغيره من السلف‬
‫الصالح(‪)4‬؛ وألنه إذا دخل في الطاق استتر عن بعض المأمومين فال‬
‫يرونه لو أخطأ في الركوع أو السجود‪ ،‬فإن لم يمنع المحراب رؤية‬
‫اإلمام لم يكره‪ ،‬وكذلك إذا احتاج إليه اإلمام لكثرة الزحام فال بأس أن‬
‫يتقدم فيدخل(‪ )5‬فيه(‪.)6‬‬
‫‪ -2‬االقتداء باإلمام داخل المسجد وخارجه‪ ،‬والحوائل بينه وبين‬
‫المأمومين على النحو اآلتي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬يصح اقتداء المأموم باإلمام في المسجد وإن لم يره وال من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري معلقاً مجزوماً به‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب الصالة في السطوح والمنبر والخشب‪،‬قبل الحديث رقم ‪.477‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪.477‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬نيل األوطار‪ ،‬للشوكاني ‪ ،332/2،‬والروض المربع مع حاشية ابن قاسم‪ ،421/2 ،‬والشرح‬
‫الكبير مع اإلنصاف‪ ،323/3 ،‬ومنار السبيل البن ضويان‪ ،173/1 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪،‬‬
‫‪.311/3 ،323/3‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪:‬مصنف ابن أبي شيبة‪،30-21/2،‬والروض المربع مع حاشية ابن قاسم‪.421/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬اختلف في صالة اإلمام في الطاق الذي يقال له‪ :‬المحراب‪ ،‬فقيل‪ :‬يكره لما تقدم‪ ،‬وقيل‪ :‬ال يكره‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬تستحب الصالة فيه‪ ،‬ومحل الخالف في الكراهة إذا لم تكن له حاجة‪ ،‬فإن كان ثَم حاجة‪،‬‬
‫ّ‬
‫ومحل الخالف إذا كان المحراب يمنع رؤية المأمومين لإلمام فإن‬
‫ّ‬ ‫كضيق المسجد زالت الكراهة‪،‬‬
‫كان ال يمنعه‪ ،‬كالخشب ونحوه لم يكره الوقوف فيه‪ .‬انظر‪ :‬اإلنصاف في معرفة الراجح من‬
‫الخالف‪ ،‬للمرداوي‪ ،‬مع الشرح الكبير‪.328-327/3 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الشرح الممتع‪ ،‬البن عثيمين‪.327/3 ،‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫وراءه إذا سمع التكبير؛ حتى لو لم تتصل الصفوف؛ألنهم في موضع‬


‫الجماعة ويمكنهم االقتداء به بسماع التكبير‪ ،‬أشبه المشاهدة‪ ،‬ولو كان‬
‫بينهما حائل إذا علم حال اإلمام بالتكبير أو غيره(‪)1‬؛ لحديث عائشة‬
‫رضي اهلل عنها قالت‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يصلي من الليل في حجرته(‪ )2‬وجدار‬
‫الحجرة قصير‪ ،‬فرأى الناس شخص النبي ‪‬فقام أناس يصلون‬
‫بصالته‪ ))...‬الحديث(‪.)3‬‬
‫صح االقتداء إن‬
‫ّ‬ ‫ثانياً‪ :‬إذا كان المأموم خارج المسجد واإلمام داخله‬
‫رأى المأموم اإلمام أو بعض المأمومين الذين وراء اإلمام ولو كانت‬
‫الرؤية في بعض الصالة‪ ،‬أو من شباك ونحوه(‪ ،)4‬واهلل ‪ ‬أعلم(‪.)5‬‬
‫ثالثاً‪ :‬إذا كان المأموم خارج المسجد واإلمام داخله وفصل بينهم نهر‬
‫أو طريق كبير لم تتصل فيه الصفوف مع رؤية المأمومين لإلمام أو بعض‬
‫تصح(‪،)6‬وقيل ال تصح(‪ .)7‬قال اإلمام عبد العزيز بن‬
‫ّ‬ ‫الصفوف خلفه فقيل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الروض المربع من حاشية ابن قاسم‪ ،437/2 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪ ،334/2 ،‬وفتاوى‬
‫ابن باز‪ ،214/12 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪ ،311/3 ،‬والشرح الكبير مع اإلنصاف‪،332/3 ،‬‬
‫والمغني البن قدامة‪.33/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬حجرته ‪ :‬قيل حجرة بيته وهو الظاهر‪ ،‬ويحتمل أن المراد الحجرة التي احتجرها في المسجد‪ .‬فتح‬
‫الباري البن حجر‪.213/2 ،‬‬
‫األذان‪،‬باب إذا كان بين اإلمام وبين القوم حائط أو سترة‪،‬برقم ‪.721‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )3‬البخاري‪،‬كتاب‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الروض المربع مع حاشية ابن قاسم‪ ،338/2 ،‬والشرح الكبير مع اإلنصاف‪،332/3 ،‬‬
‫والمغني البن قدامة‪.32/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬قال بعض أهل العلم‪ :‬البد أيضاً من اتصال الصفوف في هذه الحالة‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬ال يشترط‬
‫اتصال الصفوف وإنما رؤية المأموم لإلمام أو بعض المأمومين هي المشروطة‪ .‬انظر المغني البن‬
‫قدامة‪ ،33/4 ،‬واإلنصاف مع الشرح الكبير‪ ،337-332/3 ،‬والشرح الممتع‪ ،‬البن عثيمين‪،‬‬
‫‪ ، 322-311/3‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪ ،438/2 ،‬وفتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪،‬‬
‫‪ ،310-303/24‬وفتاوى ابن باز‪.217 ،212 ،212/12 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،32-33/4 ،‬واإلنصاف مع الشرح الكبير‪ ،333/3 ،‬وحاشية ابن قاسم‬
‫على الروض المربع‪ ،431/2 ،‬والمختارات الجلية للسعدي‪ ،‬ص‪ ،32‬وإرشاد أولي البصائر‬
‫له‪،‬ص‪،30‬والشرح الممتع البن عثيمين‪.322-312/3،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬المراجع السابقة في الصفحات المشار إليها نفسها‪.‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬إذا كان المأمومون خارج المسجد ويرون‬
‫بعض الصفوف أمامهم ولو فصل بينهم بعض الشوارع فال حرج في‬
‫ذلك؛لوجوب الصالة في الجماعة‪،‬وتمكنهم منها بالرؤية لإلمام أو بعض‬
‫المأمومين‪،‬لكن ليس ألحد أن يصلي أمام اإلمام؛ألن ذلك ليس موقف ًا‬
‫للمأموم))(‪.)1‬وقد جاء بعض اآلثار في ذلك عن بعض السلف الصالح‪ ،‬قال‬
‫ائط‬
‫باب‪:‬إذا كان بين اإلمام وبين القوم ح ٌ‬‫اإلمام البخاري ‪ -‬رحمه اهلل ‪ٌ ((:-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أو ُسترةٌ))‪ .‬وقال الحسن‪((:‬ال بأس أن ُتص ّلي وبينك وبينه نهر)) ‪.‬‬
‫وقال أبو مجلز‪(( :‬يأتم باإلمام ‪ -‬وإن كان بينهما طريق أو جدار ‪ -‬إذا‬
‫سمع تكبير اإلمام))(‪.)3‬‬
‫ورجح العالمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬أن‬
‫المأموم إذا أمكنه االقتداء بإمامه أوسماع الصوت‪ ،‬أنه يصح اقتداؤه به؛ سواء‬
‫كان في المسجد‪ ،‬أو خارج المسجد‪ ،‬وسواء حال بينهما نهر‪ ،‬أو طريق؛ ألنه‬
‫قدرنا أن الطريق ال تصح فيه‬ ‫ال دليل على المنع‪ ،‬وال على التفريق‪ ،‬وإن َّ‬
‫الصالة فال يضر حيلولته بينه وبين إمامه‪ ،‬إذا كان الموضع الذي يصلي فيه‬
‫اإلمام ال مانع فيه‪ ،‬والذي يصلي فيه المأموم كذلك))(‪.)4‬وسمعت شيخنا‬
‫اإلمام عبدالعزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪((:‬من أهل العلم من‬
‫يقول‪ :‬ال يجوز الحائل ولو في المسجد‪،‬ولو سمع الصوت؛ ألنه قد ينقطع‬
‫الصوت‪،‬وهناك من يقول‪:‬إذا كان في المسجد فال بأس؛ ألنه محل التعبد؛‬
‫وألنه قد ال ينقطع الصوت عنه‪ ،‬واختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية وجماعة‪.‬‬
‫ولعل األقرب أنه ال حرج إذا كانوا في المسجد‪ ،‬بخالف خارج المسجد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى‪.212/12 ،‬‬
‫(‪ ) 2‬البخاري مع الفتح‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب إذا كان بين اإلمام وبين المأموم حائط أو سترة‪ ،‬الباب رقم‬
‫‪ ،80‬قبل الحديث رقم ‪.214/2 ،721‬‬
‫(‪ )3‬البخاري مع الفتح في الكتاب والباب السابقين‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪.214/2 ،721‬‬
‫(‪ )4‬المختارات الجلية للسعدي‪ ،‬ص‪ ،34-32‬وقرر هذا القول أيضاً في كتاب‪ :‬إرشاد أولي البصائر‬
‫واأللباب‪ ،‬ص‪.31-30‬‬
‫‪650‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫فالبد من رؤية اإلمام أو المأموم‪ ،‬ولو سمع الصوت‪ ،‬وال بأس لو انقطعت‬
‫الصفوف‪ ،‬ألنه يرى المأمومين))(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬المسبوق إذا أدرك ركعة من الصالة فقد أدرك الصالة؛لحديث أبي‬
‫هريرة ‪ ‬وفيه‪((:‬من أدرك ركعة من الصالة فقد أدرك الصالة))(‪.)2‬وعنه‬
‫‪‬يرفعه‪(( :‬إذا جئتم إلى الصالة ونحن سجود فاسجدوا وال تعدوها شيئاً‪ ،‬ومن‬
‫أدرك الركعة فقد أدرك الصالة))(‪.)3‬وفي لفظ البن خزيمة والدارقطني والبيهقي‪:‬‬
‫((من أدرك ركعة من الصالة فقد أدركها قبل أن يقيم اإلمام صلبه))(‪.)4‬‬
‫والمسبوق يصلي ما أدرك مع اإلمام‪،‬فإذا سلم إمامه صلى ما بقي من صالته‬
‫من غير زيادة؛ألن النبي ‪ ‬حينما تأخر هو والمغيرة في غزوة تبوك‪ ،‬صلى عبد‬
‫الرحمن بن عوف ‪ ‬بالناس صالة الفجر‪،‬فأدرك النبي ‪ ‬والمغيرة الركعة‬
‫الثانية‪،‬فلما سلم عبد الرحمن قاما فقضى كل واحد منهما ركعة(‪.)5‬‬
‫وما يدركه المأموم مع اإلمام هو أول صالته؛ لقوله ‪ ‬في حديث أبي‬
‫هريرة ‪(( :‬فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا))(‪ .)6‬والمأموم إذا أتى‬
‫واإلمام على حال فليصنع كما يصنع اإلمام‪ ،‬ثم يتم ما فاته من صالته(‪.)7‬‬
‫‪ -7‬اقتداء الصف األول ومن بعده باإلمام‪ ،‬واقتداء الثاني باألول‪،‬‬
‫والصف الثالث بالثاني‪ ،‬ونحوه أو بمن يبلغ عن اإلمام؛ لحديث أبي‬
‫سعيد الخدري ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬رأى في أصحابه تأخراً فقال لهم‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على المنتقى ألبي البركات‪،‬الحديث رقم ‪،1311‬يوم األحد ‪1311/3/11‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪:‬البخاري‪ ،‬برقم ‪،280‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،307‬وتقدم تخريجه في صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،814‬وحسنه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ ،131/1 ،‬وتقدم تخريجه في‬
‫صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬الدارقطني ‪ ،433/1،‬وسنن البيهقي الكبرى‪ ،81/2 ،‬وصحيح ابن خزيمة‪ ،32/4 ،‬وتقدم تخريجه‬
‫في صالة الجماعة‪،‬وانظر‪:‬اإلرواء‪،‬الحديث رقم ‪.230/2 ،81‬‬
‫(‪ )5‬القصة متفق عليها‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،182‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،273‬وتقدم تخريجها في صالة‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،343‬ومسلم‪،‬برقم ‪،108‬وتقدم تخريجه صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )7‬تقدم البحث عن أحكام المسبوق في صالة الجماعة‪.‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪656‬‬
‫بعدكم‪ ،‬ال يزال قوم يتأخرون حتى‬ ‫وليأتم بكم َم ْن َ‬ ‫((تقدموا فأتموا بي‬
‫َّ‬
‫يتأخرون عن الصف‬ ‫ّ‬ ‫يؤخرهم اهلل))(‪ .)1‬ولفظ أبي داود‪(( :‬ال يزال قوم‬
‫َّ‬
‫األول حتى يؤخرهم اهلل في النار))(‪ .)2‬قال اإلمام النووي ‪ -‬رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫َّ‬
‫((معنى وليأتم بكم َم ْن بعدكم‪ :‬أي يقتدوا بي مستدلين على أفعالي‬
‫ّ‬
‫بأفعالكم‪ ،‬ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة اإلمام الذي ال يراه وال‬
‫يسمعه على ُمب ّلغ عنه‪ ،‬أو صف قدامه يراه متابعاً لإلمام))(‪.)3‬‬
‫‪ -8‬االقتداء بمن أخطأ بترك شرط أو غير ذلك ولم يعلم المأموم؛‬
‫لحديث أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬يصلون لكم فإن أصابوا‬
‫فلكم [ولهم] وإن أخطأوا فلكم وعليهم))(‪)4‬؛ ولحديث سهل بن سعد‬
‫‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬اإلمام ضامن فإن أحسن فله‬
‫ولهم‪ ،‬وإن أساء ‪ -‬يعني ‪ -‬فعليه وال عليهم))(‪)5‬؛ ولحديث عقبة بن عامر‬
‫‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬من َّأم الناس فأصاب الوقت فله‬
‫ولهم‪ ،‬ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه وال عليهم))(‪.)6‬‬
‫وقد ثبت عن عمر بن الخطاب ‪ ‬أنه صلى بالناس الصبح ثم غدا‬
‫إلى أرضه بالجرف(‪ )7‬فوجد في ثوبه احتالم ًا‪ ،‬فاغتسل وغسل االحتالم‬
‫من ثوبه‪ ،‬وأعاد صالته بعد أن طلعت الشمس ولم يعد الناس(‪.)8‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،348‬وتقدم تخريجه في وقوف الرجال والصبيان والنساء مع اإلمام‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،371‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ ،220/1 ،‬وتقدم تخريجه في‬
‫وقوف الرجال والصبيان والنساء مع اإلمام‪.‬‬
‫(‪ )3‬شرح النووي على صحيح مسلم‪،304/3،‬وانظر‪:‬سبل السالم للصنعاني‪.83/4،‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،313‬وأحمد‪ ،422/2 ،‬وتقدم تخريجه في عظم شأن اإلمامة‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،181‬وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه‪ ،212/1 ،‬وتقدم تخريجه في عظم‬
‫شأن اإلمامة‪.‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،280‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ، 184‬وصححه األلباني في صحيح سنن ابن ماجه‪،‬‬
‫‪ ،214/1‬وتقدم تخريجه في عظم شأن اإلمامة‪.‬‬
‫الجرف‪ :‬موضع على ثالثة أميال من المدينة نحو الشام‪ .‬معجم البلدان‪.128/1 ،‬‬ ‫(‪ُ )7‬‬
‫(‪ )8‬موطأ اإلمام مالك‪ ،31/1 ،‬برقم ‪ ،82 ،81‬وعبد الرزاق في المصنف‪ ،438/2 ،‬برقم ‪،4338‬‬
‫=‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫وكذلك عن عثمان بن عفان ‪،)1(‬وروي عن علي ‪‬من قوله(‪.)2‬‬


‫وقد دلّت هذه األحاديث واآلثار على أن صالة اإلمام إذا فسدت لم تفسد‬
‫صالة المأمومين إذا لم يعلموا فساد صالة إمامهم‪ ،‬وحتى لو علموا بعد انتهاء‬
‫الصالة ال يؤثر ذلك في صحة صالتهم‪ ،‬ويعيد اإلمام وال يعيد المأمومون(‪.)3‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬
‫يقول‪(( :‬واإلمام إذا أخل بشيء عن اجتهاد‪ ،‬أو تأويل‪ ،‬أو عن جهل‪ ،‬أو‬
‫نسيان‪ ،‬ولم يعلم به المأمومون فصالتهم صحيحة‪ ،‬وعليه اإلعادة هو‪،‬‬
‫إذا كان ما فعله يوجب اإلعادة‪ ،‬كمن صلى ناسي ًا حدثه‪ ،‬ولم يعلم إال‬
‫بعد الصالة‪ ،‬أو علم واستحى ولم يقل لهم شيئاً(‪ )4‬فإنه يعيد وال‬
‫يعيدون‪ ،‬وهكذا لو اعتقد أن ما خرج منه ال ينقض وضوءه‪ :‬كالحجامة‪،‬‬
‫فإن الجمهور يرون أنها ال تنقض الوضوء‪ ،‬فصالة المأمومين صحيحة‪،‬‬
‫وصلى عمر بالناس ثم ذكر أنه جنب فأعاد ولم يعيدوا‪ ،‬وهكذا فعل‬
‫عثمان وعلي‪ ،‬فمن صلى صالة يعتقد أنها مجزئة فصالة المأمومين‬
‫صحيحة‪ ،‬أو صالها يعتقد طهارته ثم بان أنه على غير وضوء‪ ،‬فإنه يعيد‬
‫وال يعيدون؛ فهم معذورون؛ ألنهم ما علموا‪ ،‬وإذا علم أثناء الصالة فال‬
‫يجوز له أن يمضي [في صالته]‪[ ،‬ولكن] لو جهل ومضى ولم ينبههم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫‪ ، 4331‬قال العالمة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في كتابه التكميل لما فات تخريجه من إرواء‬
‫الغليل‪،‬ص‪((:23‬بإسناد صحيح)) والدارقطني‪.433/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬ابن المنذر في األوسط‪،212/3،‬والدارقطني في سننه‪،433/1،‬ورواه األثرم كما ساقه ابن عبدالبر في‬
‫التمهيد‪،182/1،‬ولفظه‪(( :‬أن عثمان بن عفان صلى بالناس صالة الفجر فلما أصبح وارتفع النهار فإذا‬
‫هو بأثر الجنابة فقال‪:‬كبرت واهلل‪،‬كبرت واهلل‪،‬فأعاد الصالة ولم يأمرهم أن يعيدوا))‪.‬‬
‫(‪ )2‬مصنف ابن أبي شيبة‪،32/2،‬واألثرم في سننه كما في التمهيد البن عبد البر‪.182/1،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،431/24 ،‬وفتح الباري‪ ،‬البن حجر‪،188-187/2 ،‬‬
‫وفتاوى اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز‪ ،132-143/12 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪،‬‬
‫‪ ،313-314/2‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪ ،277-273/2 ،‬والشرح الممتع البن‬
‫عثيمين‪ ،418-412/2 ،‬و‪ ،432-447/3‬واالختيارات الفقهية البن تيمية‪ ،‬ص‪ ،102‬واالختيارات‬
‫الجلية للسعدي‪ ،‬ص‪ ،32‬والمغني البن قدامة‪.212-203/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬ولكن هذا حرام عليه أن يستمر في صالته‪.‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫فصالتهم صحيحة‪[ ،‬حتى] لو علموا بعد الصالة ال يعيدون‪[ ،‬و]‬
‫الواجب عليه إذا علم أنه ليس على طهارة أو سبقه الحدث(‪[ )1‬أن]‬
‫يستخلف‪ :‬يقدم واحد ًا يكمل بهم الصالة‪ ،‬كما فعل عمر لما طُ ِع َن َق ّدم‬
‫عبد الرحمن بن عوف وصلى بالناس‪ .‬وقال بعض أهل العلم‪ :‬إنه إن‬
‫دخل بغير وضوء ينتظرونه ويستأنف بهم الصالة‪ ،‬أو يقدم واحداً‬
‫يستأنف بهم الصالة‪ ،‬ولكن الصواب ال يستأنف‪[ ،‬بل] يقدم واحداً‬
‫يكمل بهم ما بقي؛ ألنهم معذورون‪ ،‬ما أخطأوا هم‪ ،‬لكن لو أعاد بهم‬
‫من جديد صحت إذا كان يرى هذا المذهب وهذا الرأي فال بأس‪ ،‬لكن‬
‫األفضل أن يكمل بهم))(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬االقتداء بمن ذكر أنه ُمحدث أو خرج لحدث سبقه وحكم‬
‫االستخالف‪:‬‬
‫عن أبي بكرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬استفتح الصالة فكبر ثم أومأ أن‬
‫ّ‬
‫مكانكم‪ ،‬ثم دخل فخرج ورأسه يقطر فصلى بهم‪ ،‬فلما قضى صالته‬
‫قال‪(( :‬إنما أنا بشر وإني كنت جنباً))(‪ .)3‬وفي لفظ أبي داود‪(( :‬دخل في‬
‫صالة الفجر [فكبر] فأومأ بيده أن مكانكم‪ ،‬ثم جاء ورأسه يقطر فصلى‬
‫بهم فلما قضى الصالة قال‪(( :‬إنما أنا بشر مثلكم‪ ،‬وإني كنت جنباً))(‪.)4‬‬
‫وع ّدلت الصفوف قياماً‬‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪(( :‬أقيمت الصالة ُ‬
‫فلما قام في مصاله ذكر أنه جنب‪ ،‬فقال لنا‪:‬‬
‫فخرج إلينا رسول اهلل ‪ّ ،‬‬
‫((مكانكم))‪ ،‬ثم رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سبقه الحدث ‪ :‬أي غلبه فأحدث أثناء الصالة‪ .‬انظر‪ :‬حاشية ابن قاسم على الروض المربع‪،‬‬
‫‪ ،273/2‬والشرح الممتع البن عثيمين‪.413/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى ‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،1320‬ورقم ‪.1321‬‬
‫(‪ )3‬أحمد في المسند‪.31/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬كتاب الطها رة‪ ،‬باب في الجنب يصلي بالقوم‪ ،‬برقم ‪ ،244‬ورقم ‪ ،243‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.70/1 ،‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬
‫(‪)1‬‬
‫وع ّد َلت‬
‫معه)) ‪ .‬وفي رواية‪(( :‬أن رسول اهلل ‪ ‬خرج وقد أقيمت الصالة ُ‬
‫الصفوف حتى إذا قام في مصاله انتظرنا أن يكبر انصرف‪ ،‬قال‪(( :‬على‬
‫مكانكم‪ .)2())...‬وفي لفظ لمسلم‪(( :‬حتى إذا قام في مصاله قبل أن يكبر‬
‫ذكر فانصرف‪ ،‬وقال لنا‪(( :‬مكانكم)) فلم نزل قيام ًا ننتظره حتى خرج إلينا‬
‫ماء فكبر فصلى بنا))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬فأومأ إليهم‬‫ينطف) رأسه ً‬ ‫وقد اغتسل‬
‫(‪3‬‬
‫بيده أن مكانكم)) ‪.‬‬
‫في حديث أبي بكرة داللة على أن اإلمام إذا صلى بالناس وهو جنب‬
‫وهم ال يعلمون بجنابته أن صالتهم صحيحة وال إعادة عليهم‪ ،‬وعلى‬
‫اإلمام اإلعادة‪ ،‬وذلك أن الظاهر أنهم قد دخلوا في الصالة مع النبي ‪‬‬
‫ثم استوقفهم إلى أن اغتسل وجاء فأتم الصالة بهم(‪.)4‬‬
‫وفي حديث أبي هريرة ‪ ‬داللة صريحة على أنه ‪ ‬انصرف بعدما قام‬
‫في مصاله وقبل أن يكبر‪ ،‬وحديث أبي هريرة هذا معارض لحديث أبي‬
‫بكرة(‪،)5‬وقد أشكل ذلك على كثير من العلماء فقال الحافظ ابن حجر ‪-‬‬
‫رحمه اهلل ‪(( :-‬ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله ((كبر)) على أراد أن يكبر‪،‬‬
‫ّ‬
‫أو بأنهما واقعتان‪ ،‬أبداه عياض والقرطبي احتماالً‪ ،‬وقال النووي إنه‬
‫األظهر‪ ،‬وجزم به ابن حبان كعادته‪ ،‬فإن ثبت وإال فما في الصحيح‬
‫أصح))(‪.)6‬وقال النووي‪-‬رحمه اهلل ‪ -‬عن حديث أبي بكرة‪(( :‬فتحمل هذه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الغسل‪ ،‬باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو برقم ‪،272‬‬
‫وباب‪ :‬إذا قال اإلمام مكانكم حتى نرجع انتظروه‪ ،‬برقم ‪ ،330‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب متى‬
‫يقوم الناس للصالة‪ ،‬برقم ‪.302‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬الطرف رقم ‪.341‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ 302‬و‪.)302(- 128‬‬
‫(‪ )4‬معالم السنن للخطابي المطبوع مع مختصر المنذري لسنن أبي داود‪.121/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪:‬عون المعبود شرح سنن أبي داود‪،‬لمحمد شمس الحق العظيم آبادي‪.418-413/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪.122/2 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫الرواية على أن المراد بقوله‪ :‬دخل في الصالة أنه قام في مقامه للصالة‬
‫وتهيأ لإلحرام بها‪ ،‬ويحتمل أنهما قضيتان وهو األظهر))(‪ .)1‬وقال القرطبي‬
‫‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وقد أشكل هذا الحديث على هذه الرواية على كثير من‬
‫العلماء؛ ولذلك سلكوا فيه مسالك‪ :‬فمنهم من ذهب إلى ترجيح الرواية‬
‫األولى(‪ )2‬ورأى أنها أصح وأشهر‪ ،‬ولم يعرج على هذه الرواية(‪ .)3‬ومنهم‬
‫من رأى أن كلتيهما صحيح‪ ،‬وأنه ال تعارض بينهما إذ يحتمل أنهما‬
‫نازلتان في وقتين فيقتبس من كل واحدة منهما ما تضمنته من‬
‫األحكام))(‪.)4‬‬
‫وعن عمرو بن ميمون قال‪(( :‬إني لقائم ما بيني وبين عمر ‪ -‬غداة‬
‫أصيب ‪ -‬إال عبد اهلل بن عباس‪ ،‬فما هو إال أن كبر فسمعته يقول‪ :‬قتلني‬
‫أو أكلني الكلب حين طعنه‪ ،‬وتناول عمر عبد الرحمن بن عوف فقدمه‬
‫فصلى بهم صالة خفيفة))(‪.)5‬‬
‫فرعف‪ ،‬فأخذ بيد رجل‬
‫علي ‪ ‬ذات يوم ُ‬ ‫وعن أبي رزين قال‪(( :‬صلى‬
‫ٌّ‬
‫فقدمه ثم انصرف))(‪.)6‬‬
‫وقال أحمد بن حنبل ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬إن استخلف اإلمام فقد‬
‫استخلف عمر وعلي‪ ،‬وإن صلوا وحدان ًا فقد طُعن معاوية وصلى الناس‬
‫ّ‬
‫وحداناً من حيث طعن أتموا صالتهم))(‪.)7‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.107/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬أي حديث أبي هريرة في الصحيحين‪.‬‬
‫(‪ )3‬أي حديث أبي بكرة في سنن أبي داود ومسند أحمد‪.‬‬
‫(‪ )4‬المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪ ،‬للقرطبي‪.221/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬رقم ‪ ،4700‬وتقدم تخريجه في انتقال المأموم إماماً‪.‬‬
‫(‪ )6‬ذكره أبو البركات ابن تيمية في منتقى األخبار‪،‬برقم ‪،1322‬وعزاه إلى سعيد بن منصور في سننه‪.‬‬
‫(‪ )7‬ذكره المجد أبو البركات ابن تيمية في منتقى األخبار‪ ،‬بعد الحديث رقم ‪.1322‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫يقول‪(( :‬هذه األحاديث فيما يتعلق بصالة اإلمام وهو محدث‪ ،‬أو سبقه‬
‫الحدث بعدما دخلها وهو على طهارة‪ :‬حديث أبي بكرة وما جاء في‬
‫معناه كلها تدل على أن اإلمام إذا دخل وهو على غير طهارة ثم ذكر أنه‬
‫على غير طهارة فإنه ينفتل ويتطهر ويأتيهم على حالهم ويكمل بهم؛ ألنه‬
‫‪ ‬قال‪(( :‬مكانكم)) وبقوا صفوفاً‪ .‬وقد اختلفت الروايات في هذا‪ ،‬ففي‬
‫روايات أبي بكرة وبعض روايات أبي هريرة أنه كبر ودخل في الصالة‪،‬‬
‫َّ‬
‫تكبيره ثم قال لهم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫وفي رواية في الصحيحين أنه وقف وانتظر الناس‬
‫((مكانكم)) قبل أن يكبر وذهب واغتسل‪.‬‬
‫اختلف العلماء في ذلك‪ :‬هل هما قصتان أو قصة واحدة؟ فذهب قوم‬
‫إلى أنهما قصة واحدة ورجحوا رواية الصحيحين وأنه لم يكبر وإنما‬
‫ذكر قبل أن يكبر ثم ذهب واغتسل وجاء عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬كالنووي‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬وجماعة‪ :‬إنهما قصتان‪ :‬قصة فيها‬
‫أنه كبر‪ ،‬وقصة فيها أنه لم يكبر‪ ،‬وكل واحدة لها حكمها‪ ،‬فالتي فيها أنه‬
‫َّ‬
‫كبر بنى على صالته بالنسبة إليهم‪ ،‬فإنهم بقوا على حالهم‪ ،‬فلما جاء كبر‬
‫وصلى بهم فدل ذلك على أن صالتهم ال تبطل بسبقه الحدث‪ ،‬أو َت َذ َّكر‬
‫أنه محدث وهذا هو الصواب‪ ،‬فإذا صلى بهم مثالً‪ :‬ركعة أو ركعتين ثم‬
‫بان له أنه ليس على طهارة فإن شاء قال‪ :‬مكانكم‪ ،‬ثم ذهب فتطهر‪ ،‬ثم‬
‫جاء وكمل بهم‪ ،‬ثم ينتظرونه حتى يكمل ما عليه‪.‬‬
‫قدم عبد الرحمن وصلى‬ ‫وإن شاء استخلف كما استخلف عمر لما طعن ّ‬
‫بالناس وهذا أرفق بالناس‪ ،‬وال سيما إذا كان مكانه بعيد ًا؛ألن الرسول ‪‬‬
‫مكانه قريب في المسجد؛ ولهذا ذهب بسرعة ورجع عليه الصالة والسالم‬
‫وصلى بهم‪.‬‬
‫وكمل لنفسه كما ُف ِعل في قصة‬
‫كل صلى لنفسه‪َّ ،‬‬ ‫وإن صلوا وحداناً ٌّ‬
‫يقدم من‬
‫معاوية فال حرج‪ ،‬لكن األفضل أن يفعل كما فعل عمر‪ ،‬وأن ّ‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫يص ّلي بهم‪ ،‬فيتم ما بقي على اإلمام؛ وال ينتظرون؛ ألن االنتظار قد‬
‫يكون فيه مشقة كبيرة في بعض األحيان‪.‬‬
‫أما إذا تذكر وهو واقف قبل أن يكبر فحينئذ إن أمرهم أن ينتظروه فال‬
‫ّ‬
‫بأس‪ ،‬وإن أمرهم أن يصلوا حتى ال يشق عليهم فعل‪ ،‬والناس يحتاجون‬
‫مثل هذا‪:‬منهم من يكون محله قريباً يستطيع أن يرجع عليهم بسرعة‪،‬‬
‫ومنهم من يكون محله بعيد ًا يشق عليهم االنتظار‪،‬فاإلمام ينظر ما هو‬
‫األصلح‪ ،‬وفعله ‪ ‬يدل على أن انتظارهم هو األولى إذا كان قريباً وال مشقة‬
‫في ذلك؛ألنه قال‪((:‬مكانكم)) ولم يستخلف‪،‬فيدل على أن هذا هو األفضل‬
‫إذا تيسر ولم يكن فيه مشقة‪ ،‬أما إذا كان هناك مشقة فاألدلة الشرعية تدل‬
‫على أنه يشرع الرفق بالجماعة‪،‬وعدم المشقة‪،‬واالستخالف يكون أصلح في‬
‫هذه الحالة وأرفق بالمأمومين‪ ،‬كما فعل عمر ‪ ،)1())‬واهلل أعلم(‪.)2‬‬
‫‪-10‬اقتداء الجالس القادر على القيام بالجالس المعذور؛ لحديث‬
‫عائشة أم المؤمنين رضي اهلل عنها أنها قالت‪ :‬صلى رسول اهلل ‪ ‬في بيته وهو‬
‫اك فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا‪ ،‬فلما‬ ‫َش ٍ‬
‫اإلمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا‪ ،‬وإذا رفع‬
‫ُ‬ ‫انصرف قال‪(( :‬إنما ُجعل‬
‫َّ‬
‫فارفعوا‪ ،‬وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً))(‪.)3‬‬
‫فج ِح َش ش ّقه األيمن‬
‫وعن أنس ‪‬قال‪ :‬سقط النبي ‪ ‬عن فرس ُ‬
‫فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصالة فصلى بنا قاعداً فصلينا وراءه‬
‫اإلمام ليؤتم به‪ ،‬فإذا كبر‬
‫ُ‬ ‫قعوداً‪ ،‬فلما قضى الصالة قال‪(( :‬إنما ُجعل‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى ‪ ،‬ألبي البركات ابن تيمية‪ ،‬األحاديث رقم‬
‫‪.1322-1322‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬التمهيد البن عبد البر‪،110-174/1،‬والمغني البن قدامة‪ ،212-203/2،‬وحاشية ابن قاسم‬
‫على الروض المربع‪ ،273/2 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪ ،418-412/2 ،‬و‪،432-447/3‬‬
‫وفتاوى ابن باز‪.132-142/12 ،‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب‪ :‬إنما جعل اإلمام ليؤتم به‪ ،‬برقم ‪ ،388‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الصالة‪ ،‬باب ائتمام المأموم باإلمام‪ ،‬برقم ‪.312‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫فكبروا‪[ ،‬فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً] وإذا سجد فاسجدوا‪ ،‬وإذا رفع‬
‫فارفعوا‪ ،‬وإذا قال‪ :‬سمع اهلل لمن حمده فقولوا‪ :‬ربنا ولك الحمد‪ ،‬وإذا‬
‫صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون))(‪.)1‬‬
‫وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما قال‪ :‬اشتكى رسول اهلل ‪ ‬فصلينا وراءه‬
‫وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره‪ ،‬فالتفت إلينا فرآنا قيام ًا فأشار إلينا‬
‫فقعدنا‪،‬فصلينا بصالته قعود ًا‪،‬فلما سلم قال‪(( :‬إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل‬
‫فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فال تفعلوا‪ ،‬ائتموا‬
‫بأئمتكم‪،‬إن صلى قائماً فصلوا قياماً‪،‬وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً))(‪.)2‬وفي‬
‫حديث أبي هريرة‪((:‬وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون))(‪.)3‬‬
‫وهذه األحاديث فيها حجة على أن اإلمام إذا عجز عن القيام صلى‬
‫جالساً ويصلي الناس قعوداً متابعة له‪ ،‬أما صالة النبي ‪ ‬جالساً في‬
‫مرضه والناس قياماً فهذا يدل على الجواز‪ ،‬ولكن األفضل إذا صلى‬
‫اإلمام قاعداً أن يصلي المأمومون خلفه قعوداً(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب‪ :‬إنما جعل اإلمام ليؤتم به‪ ،‬برقم ‪ ،381‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الصالة‪ ،‬باب ائتمام المأموم باإلمام‪ ،‬برقم ‪.311‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ائتمام المأموم باإلمام‪ ،‬برقم ‪.314‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب إقامة الصف من تمام الصالة‪ ،‬برقم ‪ ،722‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الصالة‪ ،‬باب ائتمام المأموم باإلمام‪ ،‬برقم ‪.313‬‬
‫(‪ )4‬اختلف العلماء في الجلوس خلف اإلمام المعتل الذي ال يقدر على القيام‪ .‬فقال قوم‪ :‬يجب أن‬
‫يصلي المأمومون خلفه قعوداً‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬ال تصح صالة القائم خلف القاعد ال قائماً وال قاعداً‪ .‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬تصح صالة القائم خلف القاعد‪ ،‬وال يتابعه في القعود؛ ألن الصحابة ‪ ‬صلوا خلف النبي ‪ ‬في‬
‫مرض موته قياماً فكان ذلك ناسخاً ألمر النبي ‪ ‬بالقعود؛ فإن ذلك كان في صالته حين جحش وانفكت‬
‫قدمه فكان هذا آخر األمرين‪ ،‬وقيل‪ :‬األمر بالجلوس لالستحباب‪ ،‬وقيل‪ :‬إذا ابتدأ اإلمام الصالة قاعداً‬
‫لمرض يرجى برؤه‪ ،‬فإنهم يصلون خلفه قعوداً‪ ،‬وإذا ابتدأ اإلمام الصالة قائماً لزم المأمومين أن يصلوا خلفه‬
‫قياماً‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪،173-172/2 ،‬والمغني البن قدامة‪،32-30/4،‬وسبل السالم للصنعاني‪،‬‬
‫‪ ،84-80/4‬ونيل األوطار للشوكاني‪.311-308/2 ،‬‬
‫وسمعت اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪(( :‬قوله وإذا صلى قاعداً فصلوا‬
‫قعوداً‪ ))..‬هذا فيه حجة على أن اإلمام إذا اعتل فال بأس أن يصلي قاعداً والناس قعوداً متابعة له‪،‬‬
‫وصرف هذا األمر عن الوجوب ما فعل آخر حياته ‪ ،‬فقد صلى بالناس قاعداً والناس قياماً‬
‫=‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫‪ -11‬اقتداء القائم بالجالس المعذور جائز؛ لحديث عائشة‬
‫رضي اهلل عنها‬
‫فليصل بالناس))‪،‬‬
‫ّ‬ ‫قالت‪(( :‬مرض رسول اهلل ‪ ،‬فقال‪ُ (( :‬مروا أبا بكر‬
‫فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي ‪ ‬في نفسه خفة فخرج يهادى(‪ )1‬بين‬
‫رجلين‪،‬فأراد أبو بكر أن يتأخر‪،‬فأومأ إليه النبي ‪ ‬أن مكانك‪،‬ثم أتيا به‬
‫حتى جلس إلى جنبه عن يسار أبي بكر‪،‬وكان أبو بكر يصلي قائم ًا‪،‬وكان‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يصلي قاعداً‪،‬يقتدي أبو بكر بصالة رسول اهلل ‪،‬والناس‬
‫بصالة أبي بكر))‪.‬وفي لفظ للبخاري‪((:‬فخرج يهادى بين رجلين في صالة‬
‫الظهر))‪.‬وفي لفظ لمسلم‪((:‬وكان النبي ‪‬يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم‬
‫التكبير))(‪.)2‬قال اإلمام الشوكاني‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وقد استدل بحديث الباب‬
‫القائلون بجواز ائتمام القائم بالقاعد))(‪.)3‬‬
‫وقرر الحافظ ابن حجر ‪ -‬رحمه اهلل ‪ :-‬أن الروايات تضافرت عن‬
‫عائشة رضي اهلل عنها بالجزم بما يدل على أن النبي ‪ ‬كان هو اإلمام في تلك‬
‫الصالة‪ ،‬ثم بين بعد أن ذكر الخالف أن من العلماء من سلك الترجيح‬
‫ّ‬
‫فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموماً للجزم بها‪ ،‬ومنهم من‬ ‫ّ‬
‫ورجح أ ّن أبا بكر كان إمام ًا‪ ،‬ومنهم من سلك الجمع‬
‫ّ‬ ‫سلك عكس ذلك‬
‫فحمل القصة على التعدد‪ ،‬وأنه ‪ ‬صلى تارة إماماً وتارة مأموماً في‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫يقتدون بأبي بكر مبلغاً‪ ،‬وهذا يدل على جواز قيام المأمومين‪ ،‬فالراجح أن الصالة مع اإلمام‬
‫القاعد قعود ًا أفضل‪ ،‬وإذا صلوا خلفه قيام ًا جاز‪ ،‬وقيل‪ :‬هذا ناسخ للجلوس‪ ،‬والصواب أنه ليس‬
‫بناسخ؛ ألن القاعدة أن الجمع مقدم إذا أمكن‪ ،‬والجمع ممكن‪ ،‬وهو أن الجلوس أفضل متابعة‬
‫لإلمام‪ ،‬وإن قاموا وصلوا قياماً كما فعل النبي ‪ ‬آخر حياته فال بأس‪ ،‬وقيل‪ :‬إن شرع اإلمام قائماً‬
‫ثم اعتل أتموا قياماً‪ ،‬وإن شرع جالساً صلوا جلوساً))‪ .‬سمعته منه ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬أثناء تقريره على‬
‫بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.321‬‬
‫(‪ )1‬يهادى‪ :‬أي يعتمد على رجلين متمايالً يميناً وشماالً في مشيته من شدة الضعف‪ .‬انظر‪ :‬المفهم‬
‫للقرطبي‪ ،21/2 ،‬ونيل األوطار‪.478/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،714‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،318‬وتقدم تخريجه في انتقال اإلمام مأموماً‪.‬‬
‫(‪ )3‬نيل األوطار‪.471/2 ،‬‬
‫‪650‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫مرض موته هذا(‪.)1‬‬


‫‪-12‬اقتداء الجالس المعذور بالقائم ال بأس به؛ لحديث أنس ‪‬قال‪:‬‬
‫((صلى رسول اهلل ‪‬في مرضه خلف أبي بكر قاعداً في ثوب متوشحاً‬
‫به))(‪)2‬؛ ولحديث عائشة رضي اهلل عنها قالت‪(( :‬صلى رسول اهلل ‪‬خلف أبي‬
‫بكر في مرضه الذي مات فيه قاعداً))(‪ .)3‬قال اإلمام الشوكاني ‪ -‬رحمه‬
‫اهلل ‪ -‬عن هذين الحديثين‪(( :‬فيهما دليل على جواز صالة القاعد لعذر‬
‫خلف القائم‪ ،‬وال أعلم فيه خالفاً))(‪.)4‬‬
‫وقد تقدم الجمع بين األحاديث التي تُبين هل كان النبي ‪ ‬في هذه‬
‫َّ‬
‫الصالة إماماً أو مأموماً(‪.)5‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬
‫يقول‪((:‬ال بأس أن يصلي القاعد خلف القائم‪،‬يكون اإلمام قائماً والمأموم‬
‫قاعداً إذا عجز عن ذلك وال حرج‪،‬كالعكس‪:‬كما يصلي المأموم قائم ًا‬
‫واإلمام قاعد ًا‪،‬ال حرج أن يكون اإلمام قاعد ًا والمأموم قائم ًا كما تركهم‬
‫النبي ‪ ‬في بعض األحيان لم يأمرهم بالجلوس‪ ،‬وفي بعض األحيان‬
‫أمرهم بالجلوس‪ ،‬فقال‪((:‬إذا صلى قائماً فصلوا قيام ًا‪،‬وإذا صلى قاعداً‬
‫فصلوا قعوداً أجمعون))(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،122/2 ،‬و‪ ،173‬وسبل السالم للصنعاني‪ ،81/4 ،‬ونيل األوطار‪،‬‬
‫للشوكاني‪ ، 471-478/2 ،‬والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪ ،‬للقرطبي‪،‬‬
‫‪ ،21/2‬وتحفة األحوذي شرح سنن الترمذي‪.427-424/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب منه‪ ،‬برقم ‪ ، 434‬والنسائي‪ ،‬كتاب اإلمامة‪ ،‬باب صالة اإلمام خلف‬
‫رجل من رعيته‪ ،‬برقم ‪ ،782‬وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي‪ ،211/1 ،‬وفي صحيح‬
‫النسائي‪.230/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب منه‪ ،‬برقم ‪ ،432‬والنسائي‪ ،‬كتاب اإلمامة‪ ،‬برقم ‪ ،783‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح سنن الترمذي‪ ،211/1 ،‬وفي صحيح سنن النسائي‪.230/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬نيل األوطار للشوكاني‪.303/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ما تقدم في الصفحات السابقة‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،314‬من حديث أنس ‪ ، ‬وتقدم تخريجه في اقتداء الجالس القادر على القيام‬
‫=‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪656‬‬
‫والمحفوظ في الصحيحين أن صالته ‪ ‬مع أبي بكر كان هو اإلمام‪،‬‬
‫وكان الصديق مأموماً مبلغاً عنه‪ ،‬أما رواية من روى أنه كان مأموماً ففيها‬
‫نظر‪ ،‬وإنما المحفوظ أنه كان مأموم ًا في قصة عبد الرحمن بن عوف في‬
‫تبوك‪ ،‬لما جاء وقد صلى بهم عبد الرحمن الركعة األولى من صالة‬
‫الفجر‪ ،‬فصلى النبي ‪ ‬هو والمغيرة معهم الركعة الثانية‪ ،‬فلما سلم عبد‬
‫الرحمن قاما فقضيا ما عليهما‪ ،‬ولما سلم ‪ ‬قال‪(( :‬أصبتم وأحسنتم))(‪.)1‬‬
‫ويحتمل أنه ‪‬صلى خلف أبي بكر في مرض موته في بعض‬
‫األحيان‪ ،‬حينما كان أبو بكر إماماً للناس))(‪.)2‬‬
‫‪ -14‬قراءة المأموم خلف اإلمام واجبة على القول الصحيح في‬
‫الصالة السرية والجهرية؛ لحديث عبادة بن الصامت ‪ ‬يرفعه‪ ،‬وفيه‪:‬‬
‫((لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟)) قلنا‪ :‬نعم ه ّذاً يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪(( :‬ال‬
‫تفعلوا إال بفاتحة الكتاب؛ فإنه ال صالة لمن لم يقرأ بها))(‪)3‬؛ ولحديث‬
‫محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي ‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل ‪(( :‬لعلكم تقرؤون واإلمام يقرأ؟)) قالوا‪ :‬إنا لنفعل‪ ،‬قال‪(( :‬ال‪ ،‬إال أن‬
‫يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب))(‪.)4‬‬
‫وقد اختلف العلماء ‪ -‬رحمهم اهلل تعالى ‪ -‬في حكم قراءة الفاتحة خلف‬
‫اإلمام في صالة الجماعة على أقوال ثالثة‪:‬فقيل‪:‬القراءة خلف اإلمام واجبة‬
‫فيما يجهر فيه وفيما ال يجهر فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬ال يقرأ المأموم في الصالة‬
‫الجهرية وال في السرية‪ ،‬وقيل‪ :‬يقرأ المأموم فيما أسر به اإلمام‪ ،‬وال يقرأ‬
‫ّ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫بالجالس المعذور‪.‬‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،473‬وتقدم تخريجه في صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أحاديث المصطفى ‪ ‬ألبي البركات‪،‬الحديث رقم ‪ 1331‬و‪.1332‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،824‬والترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،411‬وتقدم تخريجه في صفة الصالة‪.‬‬
‫(‪ )4‬أحمد في المسند‪ ،310/2 ،‬وحسن إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير‪.241/1 ،‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫فيما جهر به(‪.)1‬‬


‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬
‫يقول‪(( :‬هذه الروايات تدل على أن قراءة الفاتحة فرض‪ ،‬واختلف في‬
‫قراءتها للمأموم‪ :‬فقيل‪ :‬فرض مطلق ًا‪ ،‬وهذا أرجح األقوال وأظهرها في‬
‫الدليل‪ ،‬وقيل ال تجب مطلقاً‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها فرض في السرية ال في‬
‫الجهرية‪ ،‬والراجح القول األول‪ ،‬لكن إن تركها المأموم جهالً‪ ،‬أو نسيان ًا‪،‬‬
‫أو تقليداً صحت صالته‪ ،‬أما إذا تركها عمداً مع علمه باألدلة فهذا محل‬
‫الخطر))(‪.)2‬‬
‫عاش ارً‪ :‬آداب اإلمام في الصالة على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬تخفيف الصالة مع الكمال والتمام؛ لحديث أبي هريرة ‪ ‬أن‬
‫النبي ‪ ‬قال‪(( :‬إذا َّأم أحدكم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الصغير‪،‬‬
‫فليصل‬
‫ّ‬ ‫والكبير‪ ،‬والضعيف‪،‬والمريض [وذا الحاجة] فإذا صلى وحده‬
‫كيف شاء))(‪)3‬؛ولحديث جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما أن معاذ بن جبل‬
‫فيؤم قومه‪،‬فصلى‬‫ُّ‬ ‫‪‬كان يصلي مع النبي ‪ ‬صالة العشاء ثم يرجع‬
‫العشاء فقرأ بالبقرة‪،‬فبلغ ذلك النبي ‪ ‬فقال‪(( :‬يا معاذ أفتا ٌن أنت؟ أو‬
‫ح ْاسم َربّ َك األعلى‪،‬‬‫فاتن أنت؟)) ثالث مرات‪((.‬فلوال صليت بـ‪َ ‬س ّب ِ‬ ‫ٌ‬
‫َ‬
‫اها‪َ  ،‬وال َّلي ِل ِإ َذا َي ْغ َشى‪‬؛فإنه يصلي وراءك‪ :‬الكبير‪،‬‬ ‫ِ‬
‫(‪ْ )4‬‬ ‫الش ْمس َو ُض َح َ‬
‫و‪َ ‬و َّ‬
‫والضعيف‪ ،‬وذو الحاجة)) ؛ ولحديث أبي مسعود ‪ ‬قال‪:‬جاء رجل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر‪ ،108/2 ،‬وصالة الجماعة للسدالن‪،‬‬
‫ص‪ ،132‬وفتاوى ابن تيمية‪ ، 440-232/24 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪،222-232/3 ،‬‬
‫وحاشية ابن قاسم على الروض‪ ،278/2 ،‬والمغني البن قدامة‪.238-221/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام البن حجر‪ ،‬األحاديث رقم‪ ،213-213 :‬وانظر مجموع‬
‫فتاوى ابن باز للطيار‪.482/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء‪ ،‬برقم ‪ ،704‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الصالة‪ ،‬باب أمر األئمة بتخفيف الصالة في تمام‪ ،‬برقم ‪ ،337‬واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري واللفظ له‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب من شكا إمامه إذا طول‪ ،‬برقم ‪ ،702‬ومسلم‪،‬‬
‫=‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫إلى رسول اهلل ‪ ‬فقال‪:‬واهلل يا رسول اهلل إني ألتأخر عن صالة الصبح‬
‫قط‬
‫من أجل فالن‪،‬مما يطيل بنا‪،‬فما رأيت النبي ‪ ‬غضب في موعظة ّ‬
‫ٍ‬
‫يومئذ‪ ،‬ثم قال‪((:‬أيها الناس‪ ،‬إن منكم من ّفرين(‪ ،)1‬فأيكم‬ ‫أشد مما غضب‬ ‫َّ‬
‫َّأم الناس فليخفف؛ فإن فيهم [المريض]‪ ،‬والضعيف‪ ،‬والكبير‪ ،‬وذا‬
‫الحاجة))(‪)2‬؛ ولحديث أبي قتادة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪((:‬إني ألقوم في‬
‫تجوز(‪ )3‬في صالتي‬ ‫فيها‪ ،‬فأسمع بكاء الصبي فأ َّ‬ ‫أطول‬
‫الصالة أريد أن ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫كراهية أن أشق على ّأمه)) ؛ ولحديث عثمان بن أبي العاص‪ ،‬وفيه‪َّ (( :‬أم‬
‫قومك‪ ،‬فمن َّأم قوماً فليخفف؛ فإن فيهم الكبير‪ ،‬وإن فيهم المريض‪ ،‬وإن‬
‫فيهم الضعيف‪ ،‬وإن فيهم ذا الحاجة‪ ،‬وإذا صلى أحدكم وحده فليصل‬
‫كيف شاء))(‪)5‬؛ ولحديث أنس ‪ ‬قال‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يوجز في‬
‫ويكم ُلها))(‪.)6‬‬
‫ّ‬ ‫الصالة‬
‫والتخفيف أمر نسبي يُرجع فيه إلى ما فعله النبي ‪ ،‬وواظب عليه‪،‬‬
‫وهديه الذي واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه الناس‪ ،‬وقد‬
‫جاءت األحاديث الصحيحة تبين قراءة النبي ‪ ‬في الصلوات الخمس‪،‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫وسبق بيان ذلك في صفة الصالة‪َ ،‬ففعل النبي ‪ ‬هو التخفيف الذي أمر‬
‫به؛ ولهذا قال ابن عمر رضي اهلل عنهما‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يأمر بالتخفيف‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫كتاب الصالة‪ ،‬باب القراءة في العشاء برقم ‪.332‬‬
‫(‪ )1‬منفرين‪:‬المنفر الذي يذكر لإلنسان شيئاً يخافه ويكرهه فينفر منه‪.‬جامع األصول البن األثير‪.211/2،‬‬
‫(‪ ) 2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب تخفيف اإلمام في القيام‪ ،‬وإتمام الركوع والسجود‪ ،‬برقم‬
‫‪ ، 702‬ومسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب أمر األئمة بتخفيف الصالة في تمام‪ ،‬برقم ‪ ،333‬وما بين‬
‫المعقوفين من رواية للبخاري‪ ،‬برقم ‪.10‬‬
‫(‪ )3‬فأتجوز‪:‬التجوز في األمر‪:‬التخفيف والتسهيل‪.‬جامع األصول البن األثير‪.211/2،‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب من أخف الصالة عند بكاء الصبي‪ ،‬برقم ‪ ،707‬وثبت أيضاً من‬
‫حديث أنس عند البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،701‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪.374‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب أمر األئمة بتخفيف الصالة في تمام‪ ،‬برقم ‪.338‬‬
‫(‪ ) 6‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب اإليجاز في الصالة وإكمالها‪ ،‬برقم ‪ ،703‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الصالة‪ ،‬باب أمر األئمة بتخفيف الصالة في تمام‪ ،‬برقم ‪.331‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫ويؤمنا بالصافات))(‪ ،)1‬قال اإلمام ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬فالقراءة‬
‫ُّ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫بالصافات من التخفيف الذي أُمر به واهلل أعلم)) ‪.‬‬
‫َ‬
‫والتخفيف المطلوب من اإلمام ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬تخفيف الزم‪ ،‬وهو أال يتجاوز ما جاءت به السنة؛ فإن‬
‫تجاوز ما جاءت به السنة فهو مطول‪ ،‬والدليل على ذلك قوله ‪(( :‬إذا َّأم‬
‫أحدكم الناس فليخفف))(‪.)3‬‬
‫القسم الثاني‪:‬تخفيف عارض‪،‬وهو أن يكون هناك سبب يقتضي‬
‫اإليجاز عما جاءت به السنة فيخفف أكثر مما جاءت به السنة‪ ،‬والدليل‬
‫على ذلك تخفيف النبي ‪‬الصالة عند سماعه بكاء الصبي مخافة أن‬
‫يشق على أمه(‪ ،)4‬وهذان النوعان كالهما من السنة(‪.)5‬‬
‫َّ‬
‫‪ -2‬تطويل الركعة األولى أكثر من الثانية؛ لحديث أبي سعيد الخدري ‪‬‬
‫قال‪(( :‬لقد كانت صالة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته‪ ،‬ثم‬
‫يأتي أهله فيتوضأ‪ ،‬ثم يرجع إلى المسجد ورسول اهلل ‪ ‬في الركعة األولى مما‬
‫يطيلها))(‪.)6‬‬
‫واستثنى العلماء مسألتين‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬إذا كان الفرق يسيراً فال حرج‪ ،‬مثل‪ :‬سبح والغاشية‬
‫في يوم الجمعة وفي يوم العيد؛ فإن الغاشية أطول‪ ،‬ولكن الطول يسيراً‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬الوجه الثاني في صالة الخوف؛ فإن من األوجه أو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ ،‬كتاب اإلمامة‪ ،‬باب الرخصة لإلمام في التطويل‪ ،‬برقم ‪ ،823‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح سنن النسائي‪.272/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬زاد المعاد‪.213/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،704‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،337‬وتقدم تخريجه في أول آداب اإلمام‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬رقم ‪ ،707‬وتقدم تخريجه في أول آداب اإلمام‪.‬‬
‫(‪ )5‬الشرح الممتع البن عثيمين‪.271/3 ،‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب القراءة في الظهر والعصر‪ ،‬برقم ‪.323‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫األنواع التي وردت أن اإلمام يقسم الجيش إلى قسمين‪ ،‬قسم يبقون أمام‬
‫العدو‪ ،‬وقسم يدخل مع اإلمام يصلي‪ ،‬فإذا قام إلى الركعة الثانية انفرد‬
‫الذين يصلون معه وأتموا صالتهم‪ ،‬واإلمام واقف‪ ،‬ثم انصرفوا إلى‬
‫مكان الطائفة الثانية‪ ،‬وجاءت الطائفة الثانية ودخلوا مع اإلمام وصلوا‬
‫معه الركعة التي بقيت‪ ،‬فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا ألنفسهم ثم سلم‬
‫بهم‪ .‬فهذا جاءت به السنة مراعاة للطائفة الثانية(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬تطويل الركعتين األوليين وتقصير األخريين من كل صالة؛‬
‫لحديث جابر بن سمرة ‪ ‬وفيه أن سعداً ‪‬قال لعمر بن الخطاب‪:‬‬
‫فأمد في األوليين وأحذف في‬
‫ُّ‬ ‫((إني ألصلي بهم صالة رسول اهلل ‪،‬‬
‫األخريين‪ ،‬وال آلو ما اقتديت به من صالة رسول اهلل ‪.)2())‬‬
‫‪ -3‬مراعاة مصلحة المأمومين بشرط أال يخالف السنة؛لحديث جابر ‪‬‬
‫فقد راعى فيه النبي ‪ ‬مصلحة الناس فيؤخر العشاء إذا لم يجتمع‬
‫عجل‪ ،‬وإذا‬
‫أصحابه‪ ،‬قال جابر‪)3(((:‬والعشاء أحيان ًا وأحيان ًا‪:‬إذا رآهم اجتمعوا َّ‬
‫أخر)) ‪.‬فالصالة هنا يسن تأخيرها‪،‬ولكن النبي ‪ ‬يراعي‬ ‫رأهم أبطؤوا َّ‬
‫أحوالهم وال يشق عليهم فيقدمها إذا اجتمعوا‪،‬أما غير العشاء من الصلوات‬
‫األخرى فكان يصليها في أول وقتها ما عدا الظهر في شدة الحر(‪.)4‬‬
‫فظهر أن أحوال المأمومين يراعيها اإلمام إذا لم يخالف بمراعاته‬
‫السنة‪،‬ومما يدل على هذه المراعاة‪:‬إيجاز النبي ‪ ‬في الصالة عند سماعه‬
‫يشق على أمه‪،‬وتطويله الركعة األولى في‬ ‫َّ‬ ‫بكاء الصبي مخافة أن‬
‫الصالة؛ليدرك الناس الركعة األولى‪،‬وانتظاره الطائفة الثانية في صالة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الشرح الممتع البن عثيمين‪.273-272/3 ،‬‬
‫يطو ل في األوليين ويحذف في األخريين‪ ،‬برقم ‪،770‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب ّ‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب القراءة في الظهر والعصر‪ ،‬برقم ‪.324‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪:‬البخاري‪ ،‬برقم ‪،230‬ومسلم‪،‬برقم ‪،333‬وتقدم تخريجه في شروط الصالة‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الشرح الممتع البن عثيمين‪.277-273/3 ،‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫الخوف‪،‬ويؤخذ من هذا استحباب انتظار الداخل أثناء الركوع حتى يدرك‬


‫الركوع ما لم يشق على المأمومين‪،‬واهلل أعلم(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬ال يصلي في موضعه الذي صلى فيه المكتوبة؛ لما روي عن‬
‫المغيرة بن شعبة ‪‬يرفعه‪(( :‬ال يصلي اإلمام في الموضع الذي صلى‬
‫يتحول))(‪ .)2‬وقد جاءت آثار في كراهة تطوع اإلمام في مكانه‬
‫ّ‬ ‫فيه‪ ،‬حتى‬
‫يتحول من مكانه‪ ،‬فعن علي ‪ ‬قال‪(( :‬إذا سلم‬‫ّ‬ ‫الذي َّأم فيه الناس حتى‬
‫اإلمام لم يتطوع حتى يتحول من مكانه أو يفصل بينهما بكالم))(‪ .)3‬وعن‬
‫ابن عمر‪(( :‬أنه كره إذا صلى اإلمام أن يتطوع في مكانه ولم ير به لغير‬
‫اإلمام بأساً))(‪ .)4‬وعن عبد اهلل بن عمرو‪(( :‬أنه كره لإلمام أن يصلي في‬
‫مكانه الذي صلى فيه الفريضة))(‪ .)5‬وعن سعيد بن المسيب والحسن‬
‫أنهما كانا يعجبهما إذا سلم اإلمام أن يتقدم))(‪ .)6‬وعن علي ‪ ‬قال‪(( :‬ال‬
‫يتحول أو يفصل‬‫ّ‬ ‫يتطوع اإلمام في المكان الذي َّأم فيه القوم حتى‬
‫بكالم))(‪ .)7‬قال اإلمام البخاري ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪(( :-‬قال لنا آدم‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الروض المربع مع حاشية ابن قاسم‪ ،212-211/2 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪،‬‬
‫‪.284-273/3‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬في كتاب الصالة‪ ،‬باب اإلمام يتطوع في مكانه‪ ،‬برقم ‪ ،313‬وابن ماجه في كتاب‬
‫الصالة‪ ،‬باب ما جاء في الصالة النافلة حيث تصلى المكتوبة‪ ،‬برقم ‪ ،1328‬وصححه األلباني‬
‫فقال في مشكاة المصابيح‪ ،400/1 ،‬بعد أن ذكر انقطاعه وعلته‪(( :‬لكن الحديث صحيح‪ ،‬فإن له‬
‫شاهدين ذكرتهما في صحيح أبي داود‪ .))321 ،‬وصححه األلباني أيضاً لهذين الشاهدين في‬
‫صحيح سنن أبي داود‪ ،183/1 ،‬وفي صحيح سنن ابن ماجه‪ .321/1 ،‬وسمعت شيخنا اإلمام‬
‫عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز أثناء تقريره على المنتقى للمجد ابن تيمية‪ ،‬الحديث رقم ‪1204‬‬
‫يقول‪ (( :‬حديث ضعيف‪ ،‬لكن المعنى صحيح؛ لهذا ثبت عن علي ‪‬قال‪(( :‬من السنة أن ال يصلي‬
‫اإلمام في مكانه)) بل يقوم من مكانه‪ ،‬حتى ال يظن أنه في الفريضة‪ ،‬وهذا أولى [و] من السنة))‪.‬‬
‫(‪ )3‬المصنف البن أبي شيبة‪،‬كتاب الصلوات‪،‬باب من كره لإلمام أن يتطوع في مكانه‪.201/2،‬‬
‫(‪ )4‬المصنف البن أبي شيبة‪ ،‬كتاب الصلوات‪ ،‬باب من كره لإلمام أن يتطوع في مكانه ‪.201/2‬‬
‫(‪ )5‬المرجع السابق‪.201/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬المرجع السابق‪.201/2 ،‬‬
‫(‪ )7‬المرجع السابق‪.210/2 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫حدثنا شعبة عن أيوب عن نافع قال‪ :‬كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي‬
‫صلى فيه الفريضة‪ ،‬وفعله القاسم(‪ ،)1‬ويذكر عن أبي هريرة رفعه‪(( :‬ال‬
‫يتطوع اإلمام في مكانه‪ ،‬ولم يصح))(‪.)2‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وروى ابن أبي شيبة بإسناد‬
‫حسن عن علي قال‪(( :‬من السنة أن ال يتطوع اإلمام حتى يتحول من‬
‫مكانه))(‪ .)3‬وحكى اإلمام ابن قدامة في المغني عن اإلمام أحمد أنه كره‬
‫ذلك(‪ .)4‬قال الحافظ ابن حجر ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وكأن المعنى في كراهة‬
‫ذلك‪ :‬خشية التباس النافلة بالفريضة))(‪.)5‬‬
‫وعن السائب بن يزيد أن معاوية ‪‬قال له‪(( :‬إذا صليت الجمعة فال‬
‫َت ِص ْلها بصالة حتى تتكلم أو تخرج؛ فإن رسول اهلل ‪ ‬أمرنا بذلك‪ :‬أن ال‬
‫توصل صالة بصالة حتى نتكلم أو نخرج))(‪.)6‬قال اإلمام النووي‪-‬رحمه‬
‫اهلل‪(( :-‬هذا فيه دليل لما قاله أصحابنا أن النافلة الراتبة وغيرها يستحب‬
‫التحول إلى‬
‫ّ‬ ‫يتحول لها عن موضع الفريضة إلى موضع آخر‪ ،‬وأفضله‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫بيته‪ ،‬وإال فموضع آخر من المسجد‪ ،‬أو غيره؛ ليكثر مواضع سجوده؛‬
‫ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة‪ ،‬وقوله‪(( :‬حتى يتكلم)) دليل‬
‫إلى أن الفصل بينهما يحصل بالكالم أيضاً‪ ،‬ولكن باالنتقال أفضل‪ ،‬لما‬
‫ذكرناه واهلل أعلم))(‪.)7‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬ففي هذا إرشاد إلى طريق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق‪ .‬فتح الباري البن حجر‪.442/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب مكث اإلمام في مصاله بعد السالم‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪ ،838‬ورقم‬
‫الباب ‪.127‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري ‪ ،442/2،‬وانظر‪ :‬مصنف ابن أبي شيبة‪.210-201/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬المغني البن قدامة‪.228-227/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪.442/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪،‬برقم ‪،884‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع‪:‬الفصل بين النوافل والفرائض بخروج أو كالم‪.‬‬
‫(‪ )7‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.320/3 ،‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫األمن من االلتباس‪ ،‬وعليه تحمل األحاديث المذكورة ويؤخذ من‬


‫مجموع األدلة‪ :‬أن لإلمام أحواالً؛ ألن الصالة‪ :‬إما أن تكون مما يتطوع‬
‫بعدها أو ال يتطوع‪ ،‬األول‪ :‬اختلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر‬
‫المأثور ثم يتطوع؟ وهذا الذي عليه عمل األكثر‪ .‬وعند الحنفية يبدأ‬
‫بالتطوع‪ .‬وحجة الجمهور حديث معاوية‪ ،‬ويمكن أن يقال‪ :‬ال يتعين‬
‫تنحى من مكانه كفى‪ ،‬فإن‬ ‫الفصل بين الفريضة والنافلة بالذكر؛ بل إذا َّ‬
‫قيل لم يثبت الحديث في التنحي؟ قلنا‪ :‬قد ثبت في حديث معاوية‪(( :‬أو‬
‫تخرج))(‪ ،)1‬ويترجح تقديم الذكر المأثور بتقييده في األخبار الصحيحة‬
‫بدبر الصالة))‪ ،‬ثم قال ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وأما الصالة التي ال يُتطوع بعدها‬
‫فيتشاغل اإلمام ومن معه بالذكر المأثور‪ ،‬وال يتعين له مكان‪ ،‬بل إن‬
‫شاؤوا انصرفوا وذكروا‪ ،‬وإن شاؤوا مكثوا وذكروا‪.)2())..‬‬
‫وعن أبي هريرة مرفوعاً‪ (( :‬أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر‪ ،‬أو عن يمينه أو‬
‫عن شماله في الصالة)) يعني في السبحة(‪.)3‬‬
‫وقال اإلمام الشوكاني ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬بعد الكالم على حديث المغيرة‪،‬‬
‫وحديث أبي هريرة هذا‪(( :‬والحديثان يدالن على مشروعية انتقال المصلي‬
‫عن مصاله الذي صلى فيه لكل صالة يفتتحها من أفراد النوافل‪ ،‬أما اإلمام‬
‫بنص الحديث األول‪ ،‬وبعموم الثاني‪ ،‬وأما المؤتم والمنفرد فبعموم‬
‫الحديث الثاني‪ ،‬وبالقياس على اإلمام‪ ،‬والعلة في ذلك تكثير مواضع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪.442/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري‪.442/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،1003‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1327‬وأحمد‪ ،322/2 ،‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫سنن أبي داود‪ ،271/1 ،‬الطبعة الجديدة والطبعة القديمة‪ .188/1 ،‬وسمعت العالمة ابن باز يقول‬
‫أثناء تقريره على المنتقى ألبي البركات‪ ،‬الحديث رقم ‪(( :1203‬حديث ضعيف‪ ،‬لكن بعض‬
‫السلف كان يتحول من مكانه‪ ،‬من باب الحرص على تعدد البقاع‪ ،‬وكان ابن عمر يصلي في‬
‫مكانه‪ ،‬وجاء في أبي داود أنه كان يتحول يوم الجمعة‪ ،‬فمن تحول فال بأس‪ ،‬ومن بقي مكانه فال‬
‫بأس‪ ،‬واألمر في هذا واسع بعد الفريضة أو النافلة))‪.‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫العبادة‪ ،‬كما قال البخاري والبغوي؛ ألن مواضع السجود تشهد له‪ ...‬وهذه‬
‫العلة تقتضي أن ينتقل إلى الفرض من موضع نفله‪ ،‬وأن ينتقل لكل صالة‬
‫يفتتحها من أفراد النوافل‪ ،‬فإن لم ينتقل فينبغي أن يفصل بالكالم؛ لحديث‬
‫النهي عن أن توصل صالة بصالة حتى يتكلم المصلي أو يخرج‪ .‬أخرجه‬
‫مسلم وأبو داود))(‪ ،)1‬واهلل تعالى أعلم))(‪ )2‬وأحكم(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬يمكث في مكانه بعد السالم يسير ًا؛لحديث ّأم سلمة رضي اهلل عنها قالت‪:‬‬
‫((كان رسول اهلل ‪ ‬إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه‪ ،‬ومكث يسيراً‬
‫قبل أن يقوم))‪.‬وفي لفظ‪((:‬كان يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من‬
‫قبل أن ينصرف رسول اهلل ‪.))‬قال ابن شهاب‪ :‬فأرى واهلل أعلم أن مكثه‬
‫لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم(‪.)4‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وفي الحديث مراعاة اإلمام أحوال‬
‫المأمومين‪ ،‬واالحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحذور‪ ،‬وفيه اجتناب‬
‫مواضع التهم‪ ،‬وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضالً عن‬
‫(‪)5‬‬
‫كن إذا س ّل ْم َن‬
‫البيوت)) ‪ .‬ولفظ النسائي‪(( :‬أن النساء في عهد رسول اهلل ‪َّ ‬‬
‫قم َن وثبت رسول اهلل ‪‬ومن صلى من الرجال ما شاء اهلل‪ ،‬فإذا‬ ‫من الصالة ْ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،884‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع‪.‬‬
‫(‪ )2‬نيل األوطار‪.333/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬سبق الكالم مع األدلة في الفصل بين الرواتب والفرائض بخروج أو كالم‪ ،‬في صالة التطوع‪،‬‬
‫وانظر للفائدة‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،442/2 ،‬والمصنف البن أبي شيبة‪ ،210-208/2 ،‬ونيل‬
‫األوطار للشوكاني‪ ،333-332/2 ،‬وسبل السالم للصنعاني‪ ،184-182/4 ،‬والمغني البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ، 228-227/2‬والشرح الممتع البن عثيمين‪،340-321/3 ،‬وحاشية الروض المربع البن‬
‫قاسم‪.422/2،‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب التسليم‪ ،‬برقم ‪ ،847‬وباب مكث اإلمام في مصاله بعد السالم‪ ،‬برقم‬
‫‪.820 ،831‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.443/2 ،‬‬
‫‪650‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫قام رسول اهلل ‪ ‬قام الرجال))(‪.)1‬‬


‫‪-7‬يستقبل المأمومين بوجهه إذا سلم؛لحديث سمرة بن جندب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫((كان النبي ‪ ‬إذا صلى صالة أقبل علينا بوجهه))(‪،)2‬والمعنى‪:‬إذا صلى صالة‬
‫ففرغ منها وسلم استقبل المأمومين بوجهه؛ألن استدبار اإلمام المأمومين إنما‬
‫لحق اإلمامة‪،‬فإذا انقضت الصالة زال السبب‪،‬فاستقبالهم حينئذ يرفع‬ ‫هو ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الخيالء والترفع على المأمومين‪.‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫يخص نفسه بالدعاء الذي يؤمن عليه المأمومون دونهم؛ ِل َما روي‬ ‫ّ‬ ‫‪ -8‬ال‬
‫عن أبي هريرة ‪ ‬يرفعه‪،‬وفيه‪((:‬ال يحل لرجل يؤمن باهلل واليوم اآلخر أن‬
‫ختص نفسه بدعوة دونهم(‪)4‬؛فإن فعل فقد‬ ‫قوم‪5‬اً) إال بإذنهم‪،‬وال ي َّ‬ ‫يؤم‬
‫َّ‬
‫(‬
‫خانهم)) ‪.‬‬
‫جداً عن المأمومين إال أن يكون معه بعض‬‫‪ -1‬ال يصلي في مكان مرتفع ّ‬
‫(‪)6‬‬
‫الصفوف فال حرج‪،‬أما المأموم فال يكره إذا كان اإلمام هو الذي في األسفل ‪.‬‬
‫‪ -10‬ال يصلي في مكان يستتر فيه عن جميع المأمومين(‪.)7‬‬
‫‪-11‬ال يطيل القعود بعد السالم مستقبل القبلة؛ لحديث عائشة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ ،‬كتاب السهو‪ ،‬باب جلسة اإلمام بين التسليم واالنصراف‪ ،‬برقم ‪ ،1444‬وصححه األلباني‬
‫في صحيح النسائي‪.328/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب يستقبل اإلمام الناس إذا سلم‪ ،‬برقم ‪.832‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.443/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬وال يختص نفسه بدعوة دونهم‪ :‬أي الذي يؤمنون عليه‪ :‬كالدعاء في القنوت وغيره‪ ،‬واهلل أعلم‪،‬‬
‫هكذا سمعته من شيخنا ابن باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪.-‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،11‬وله شاهد عند الترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،427‬وأحمد‪ ،220/2 ،‬من حديث ثوبان‪ ،‬وقال‬
‫األلباني في صحيح سنن أبي داود‪(( :42/1 ،‬صحيح إال جملة الدعوة)) وتقدم تخريجه في إمامة الزائر‪.‬‬
‫(‪ ) 6‬تقدم الدليل على كراهة ارتفاع اإلمام على المأموم في ارتفاع مكان اإلمام اليسير على المأمومين‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،38/4 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪.323-324/3 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ، 30-21/2 ،‬واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف للمرداوي‪،‬‬
‫المطبوع مع الشرح الكبير‪ ،328-327/3 ،‬والشرح الممتع‪ ،328-327/3 ،‬وحاشية الروض‬
‫المربع البن قاسم‪.421/2 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪656‬‬
‫رضي اهلل عنها قالت‪ :‬كان النبي ‪ ‬ال يقعد إال مقدار ما يقول‪(( :‬اللهم أنت‬
‫السالم ومنك السالم‪ ،‬تباركت يا ذا الجالل واإلكرام))(‪ )1‬ثم يستقبل‬
‫الناس بوجهه كما تقدم في حديث سمرة ‪.)2(‬‬
‫‪ -12‬ينصرف إلى الناس بعد السالم تارة عن يمينه وتارة عن شماله‪ ،‬ال‬
‫حرج في شيء من ذلك؛ لحديث عبد اهلل بن مسعود ‪‬قال‪(( :‬ال يجعل‬
‫أحدكم للشيطان شيئاً من صالته يرى أن ح ّقاً عليه أن ال ينصرف إال عن‬
‫يمينه‪ ،‬لقد رأيت النبي ‪ ‬كثير ًا ينصرف عن يساره))‪ .‬ولفظ مسلم‪(( :‬أكثر ما‬
‫رأيت رسول اهلل ‪ ‬ينصرف عن شماله))(‪ .)3‬وعن أنس ‪ ‬قال‪(( :‬أما أنا‬
‫فأكثر ما رأيت رسول اهلل ‪ ‬ينصرف عن يمينه))‪ .‬وفي رواية لمسلم‪(( :‬كان‬
‫ينصرف عن يمينه))(‪.)4‬‬
‫قال اإلمام النووي ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وجه الجمع بينهما أن النبي ‪‬‬
‫كان يفعل تارة هذا‪ ،‬وتارة هذا‪ ،‬فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه األكثر فيما‬
‫فدل على جوازهما‪ ،‬وال كراهة في واحد منهما‪ ،‬وأما الكراهة‬ ‫يعلمه‪ّ ،‬‬
‫التي اقتضاها كالم ابن مسعود فليست بسبب أصل االنحراف عن اليمين‬
‫أو الشمال‪ ،‬وإنما هي في حق من يرى أن ذلك البد منه؛ فإن من اعتقد‬
‫وجوب واحد من األمرين مخطئ؛ ولهذا قال‪ :‬يرى أن ح ّقاً عليه؛ فإنما‬
‫ذم من رآه ح ّقاً عليه‪ ،‬ومذهبنا أنه ال كراهة في واحد من األمرين‪ ،‬لكن‬
‫يستحب أن ينصرف في جهة حاجته‪ ،‬سواء كانت عن يمينه أو شماله‪،‬‬
‫فإن استوت الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين أفضل لعموم‬
‫األحاديث المصرحة بفضل اليمين في باب المكارم ونحوها‪ .‬هذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،211‬وتقدم تخريجه في صفة الصالة‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،832‬وتقدم تخريجه في البند السابع‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب االنفتال واالنصراف عن اليمين وعن الشمال‪ ،‬برقم ‪،822‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب جواز االنصراف من الصالة عن اليمين والشمال‪ ،‬برقم ‪.707‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب جواز االنصراف من الصالة عن اليمين والشمال‪ ،‬برقم ‪.708‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫صواب الكالم في هذين الحديثين‪،‬وقد يقال فيهما خالف الصواب‪،‬واهلل‬


‫أعلم))(‪.)1‬‬
‫‪ -14‬يتخذ سترة؛ ألنها سترة له ولمن خلفه؛ لحديث أبي سعيد‬
‫فليصل إلى سترة وليد ُن منها))(‪)2‬؛‬
‫ّ‬ ‫الخدري ‪ ‬يرفعه‪(( :‬إذا صلى أحدكم‬
‫وألن ابن عباس رضي اهلل عنهما سار بحماره بين يدي بعض الصف األول ثم‬
‫نزل عنه ولم ينكر ذلك أحد(‪ ،)3‬فدل ذلك على أن سترة اإلمام سترة‬
‫لمن خلفه(‪.)4‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬آداب المأموم في الصالة على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -5‬إذا سمع اإلقامة فال يسرع وعليه السكينة والوقار؛ لحديث أبي هريرة‬
‫‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬إذا سمعتم اإلقامة فامشوا إلى الصالة وعليكم‬
‫السكينة والوقار‪ ،‬وال تسرعوا‪ ،‬فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا))‪ .‬وفي‬
‫لفظ‪(( :‬إذا أقيمت الصالة فال تأتوها تسعون‪ ،‬وأتوها تمشون وعليكم‬
‫السكينة‪ ،‬فما أدركتم فصلوا‪ ،‬وما فاتكم فأتموا))(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬ال يركع قبل الدخول في الصف؛لحديث أبي بكرة ‪ ‬أنه انتهى إلى النبي‬
‫‪ ‬وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف‪ ،‬فذكر ذلك للنبي ‪‬فقال‪((:‬زادك‬
‫اهلل حرصاً وال تعد))(‪.)6‬‬
‫‪ -4‬ال يقوم المأموم إذا أقيمت الصالة حتى يخرج اإلمام؛ لحديث‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،228-227/2 ،‬وانظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.448/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،318‬وقال األلباني في صحيح سنن أبي داود‪(( :142/1 ،‬حسن صحيح)) وتقدم‬
‫تخريجه في صفة الصالة في سترة المصلي‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪:‬البخاري‪ ،‬برقم ‪،314‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪،203‬وتقدم تخريجه في صفة الصالة‪.‬‬
‫(‪ )4‬وانظر‪ :‬األحاديث في سترة المصلي‪ :‬صفة الصالة فقد ذكرت هناك جملة منها‪.‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،343‬ورقم ‪ ،108‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،302‬وتقدم تخريجه في آداب‬
‫المشي إلى صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪،‬برقم ‪،784‬وتقدم تخريجه في صالة الجماعة‪ ،‬في إدراك الجماعة بإدراك ركعة‪.‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪655‬‬
‫أبي قتادة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إذا أقيمت الصالة فال تقوموا‬
‫حتى تروني [قد خرجت]))‪ .‬وفي لفظ للبخاري‪(( :‬وعليكم السكينة))(‪.)1‬‬
‫صوت اإلمام عند الحاجة؛ لحديث جابر بن عبد اهلل‬
‫رضي اهلل عنهما‬ ‫َ‬ ‫‪ -3‬يُب ّلغ‬
‫َ‬
‫قال‪(( :‬صلى بنا رسول اهلل ‪ ‬الظهر وأبو بكر خلفه‪ ،‬فإذا كبر رسول اهلل‬
‫‪‬كبر أبو بكر يُسمعنا))(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫وأصله في البخاري ومسلم عن عائشة رضي اهلل عنها وفيه‪(( :‬وكان أبو بكر‬
‫يصلي قائماً وكان رسول اهلل ‪ ‬يصلي قاعداً يقتدي أبو بكر بصالة‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬والناس بصالة أبي بكر))‪ .‬وفي لفظ لمسلم‪(( :‬وكان النبي‬
‫‪ ‬يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير))(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬يقول خلف اإلمام ((ربنا لك الحمد)) بعد قول اإلمام ((سمع اهلل لمن‬
‫حمده))؛ لحديث أبي هريرة ‪‬يرفعه وفيه‪(( :‬وإذا قال سمع اهلل لمن حمده‬
‫فقولوا‪ :‬ربنا لك الحمد‪)4())..‬؛ ولقول عامر الشعبي‪(( :‬ال يقول القوم خلف‬
‫اإلمام‪ :‬سمع اهلل لمن حمده‪ ،‬ولكن يقولون‪ :‬ربنا لك الحمد))(‪.)5‬‬
‫قدم المأمومون أفضلهم؛لحديث‬‫‪ -3‬إذا تأخر اإلمام تأخراً ظاهراً َّ‬
‫سهل بن سعد في تقديم الصحابة ‪ ‬ألبي بكر حينما ذهب النبي ‪‬‬
‫يصلح بين بني عمرو بن عوف فتأخر(‪)6‬؛ ولحديث المغيرة بن شعبة في‬
‫تقديم الصحابة لعبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك‪،‬فصلى بهم صالة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،347‬ومسلم برقم ‪،303‬وتقدم تخريجه في وقت قيام المأمومين للصالة‪.‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪ ،‬كتاب اإلمامة‪ ،‬باب االئتمام بمن يأتم باإلمام‪ ،‬برقم ‪ ،718‬ورقم ‪ ،1111‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح النسائي‪.233/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،714‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،318‬وتقدم تخريجه في انتقال اإلمام مأموماً‪.‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،722‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪،313‬وتقدم تخريجه في االقتداء وشروطه‪.‬‬
‫(‪ ) 5‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع‪ ،‬برقم ‪ ،831‬وقال األلباني في‬
‫صحيح سنن أبي داود‪(( :241/1 ،‬حسن مقطوع))‪.‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،383‬ومسلم‪،‬برقم ‪،321‬وتقدم تخريجه في انتقال المأموم إماماً‪.‬‬
‫‪655‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫الفجر‪،‬فقال النبي ‪(( :‬أحسنتم أو قد أصبتم))(‪.)1‬‬


‫‪ -7‬إذا أقيمت الصالة فال يصلي إال المكتوبة؛ لحديث أبي هريرة ‪‬‬
‫أن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬إذا أقيمت الصالة فال صالة إال المكتوبة))(‪.)2‬‬
‫‪ -8‬ال يتطوع مكان المكتوبة حتى يفصل بينهما بكالم أو يخرج؛‬
‫لحديث السائب بن يزيد عن معاوية أنه قال له‪ :‬إذا صليت الجمعة فال‬
‫َت ِص ْلها بصالة حتى تتكلم أو تخرج؛ فإن رسول اهلل ‪ ‬أمرنا بذلك‪(( :‬أن‬
‫ال نصل صالة بصالة حتى نتكلم أو نخرج))(‪.)3‬‬
‫‪ -1‬ال ينصرف قبل اإلمام‪ ،‬بل ينتظر حتى يستقبل اإلمام الناس؛‬
‫لحديث أنس ‪ ‬أن النبي ‪ ‬صلى بهم يوماً فلما قضى الصالة أقبل‬
‫عليهم بوجهه فقال‪(( :‬أيها الناس إني إمامكم فال تسبقوني بالركوع‪ ،‬وال‬
‫بالسجود‪ ،‬وال بالقيام‪ ،‬وال باالنصراف(‪ .)5() )4‬فيستحب أن ال ينصرف‬
‫)‬

‫المأموم قبل انصراف إمامه عن القبلة؛ لئال يذكر سهواً فيسجد‪ ،‬إال أن‬
‫يخالف إمامه السنة في إطالة الجلوس مستقبل القبلة‪ ،‬فال بأس بانصراف‬
‫المأموم حي ٍ‬
‫نئذ(‪.)6‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،182‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،283‬وتقدم تخريجه في مسألة المسبوق يصلي‬
‫ما بقي من صالته‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪،‬برقم ‪،710‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع في ترك الرواتب وغيرها إذا أقيمت الصالة‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪،‬برقم ‪،884‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع في الفصل بين الرواتب والفرائض بخروج أو كالم‪.‬‬
‫(‪ )4‬وال باالنصراف‪ :‬قال النووي‪ :‬المراد باالنصراف السالم‪ ،‬شرح النووي ‪ ،413/3،‬وقال القرطبي‬
‫في المفهم‪(( :‬وذهب الحسن والزهري إلى أن حق المأموم أال ينصرف حتى ينصرف اإلمام أخذاً‬
‫بظاهر هذا الحديث‪ ،‬والجمهور على خالفهما؛ ألن االقتداء باإلمام قد تم بالسالم من الصالة‪،‬‬
‫خاص ًا بالنبي ‪ ، ‬ويحتمل أن يريد باالنصراف المذكور‪ :‬التسليم؛ فإنه يقال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ورأوا أن ذلك‬
‫انصرف من الصالة‪ :‬أي سلم منها))‪ ،‬المفهم‪.2121/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب تحريم سبق اإلمام بركوع أو سجود ونحوهما‪ ،‬برقم ‪.323‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪:‬المغني‪،‬البن قدامة‪،‬وفتاوى ابن تيمية‪،227/20202/22،‬والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪،‬‬
‫‪،331/3‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪،422-423/2،‬والكافي البن قدامة‪.422/1 ،‬‬
‫اإلمامة في الصالة‬
‫‪555‬‬
‫صف بين السواري إال لحاجة؛ لحديث أنس ‪‬قال‪:‬‬ ‫يصف في ٍّ‬ ‫‪ -10‬ال ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫((قد كنا نتقي هذا على عهد رسول اهلل ‪ ))‬؛ ولحديث قرة ‪ُ (( :‬كنّا نُنهى‬
‫نصف بين السواري على عهد رسول اهلل ‪ ،‬ونُطرد عنها طرد ًا))(‪.)2‬‬ ‫أن َّ‬
‫‪ -11‬يدخل مع اإلمام إذا سبقه على أي حال يدركه؛ لحديث أبي‬
‫هريرة ‪ ‬يرفعه وفيه‪(( :‬فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا))(‪.)3‬‬
‫‪ -12‬ال يالزم بقعة بعينها في المسجد ال يصلي إال فيها؛ لحديث عبد‬
‫الرحمن بن شبل أن رسول اهلل ‪ ‬نهى عن ثالث‪(( :‬عن نقرة الغراب‪،‬‬
‫وافتراش السبع‪ ،‬وأن يوطن الرجل المقام للصالة كما يوطن البعير))(‪.)4‬‬
‫‪ -14‬الفتح على اإلمام إذا لُبس عليه في القراءة؛ لحديث المسور بن يزيد‬
‫ّ‬
‫المالكي ‪ :‬أن رسول اهلل ‪ ،‬وفي لفظ‪ :‬شهدت رسول اهلل ‪ ‬يقرأ في‬
‫الصالة‪ ،‬فترك شيئ ًا لم يقرأه‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬تركت آية كذا‬
‫وكذا‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪(( :‬هال أ ْذ َكر َت ِنيها))؟ [قال‪ :‬كنت أ ُ َراها نسخت]))(‪.)5‬‬
‫ْ‬
‫عن عبد اهلل بن عمر أن النبي ‪ ‬صلى صالة فقرأ فيها َف ُلب َِس عليه‪،‬‬
‫ألبي‪(( :‬أصليت معنا))؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪(( :‬فما‬ ‫ٍّ‬ ‫فلما انصرف قال‪:‬‬
‫منعك))؟(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ ،‬برقم ‪ ،820‬وأبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،221‬وصححه األلباني في صحيح النسائي‪،177/1 ،‬‬
‫وتقدم تخريجه في الصالة بين السواري‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1002‬وقال األلباني في صحيح ابن ماجه‪(( :218/1 ،‬حسن صحيح))‪ ،‬وتقدم‬
‫تخريجه في الصالة بين السواري‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،343‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،108‬وتقدم في صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬النسائي‪ ،‬كتاب التطبيق‪ ،‬باب النهي عن نقرة الغراب‪ ،‬برقم ‪ ،1111‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصالة‪،‬باب‬
‫ما جاء في توطين المكان في المسجد يصلي فيه‪،‬برقم ‪،1321‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪،‬باب صالة من‬
‫ال يقيم صلبه في الركوع والسجود‪،‬برقم ‪،832‬وأحمد في المسند‪ ،337 -333/2 ،‬والحاكم وصححه‬
‫ووافقه الذهبي‪،221/1،‬وحسنه األلباني في صحيح النسائي‪.430/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الفتح على اإلمام في الصالة‪ ،‬برقم ‪(( 107‬أ))‪ ،‬وحسنه األلباني‬
‫في صحيح سنن أبي داود‪.223/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود‪ ،‬الكتاب والباب المشار إليهما آنفاً برقم ‪(( 107‬ب))‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫سنن أبي داود‪.223/1 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫اإلمامة في الصالة‬

‫قدام اإلمام(‪)1‬؛ لحديث أبي هريرة ‪ ‬يرفعه‪ ،‬وفيه‪:‬‬ ‫‪ -13‬ال يصلي َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫((إنما ُجعل اإلمام ليؤتم به)) ‪ .‬وذكر المرداوي رحمه اهلل‪ :‬أن ذلك في‬
‫َّ‬
‫غير الكعبة؛ فإن المأمومين إذا استداروا حول الكعبة واإلمام منها على‬
‫صحت صالتهم‪ ،‬وذكر أن المجد قال‬ ‫َّ‬ ‫ذراعين والمقابلون له على ذراع‬
‫في شرحه‪ :‬ال أعلم فيه خالفاً‪ .‬وقال أبو المعالي‪ :‬صحت إجماعاً‪ .‬هذا‬
‫إذا كانوا في جهات‪ ،‬أما إذا كانوا في جهة فال يجوز تقدم المأمومين‬
‫عليه(‪.)3‬‬
‫واهلل ‪ ‬أعلم وأحكم‪.‬‬

‫‪‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫قدام اإلمام فصالته باطلة؛ لحديث أبي‬ ‫(‪ )1‬وهو مذهب الحنابلة‪ ،‬والشافعية والحنفية‪ :‬أن من صلى َّ‬
‫هريرة‪(( :‬إنما جعل اإلمام ليؤتم به))؛ وألنه يحتاج إلى االلتفات إلى ورائه‪ .‬أما مالك وإسحاق فقاال‪:‬‬
‫تصح ألن ذلك ال يمنع االقتداء‪ .‬واختار ابن تيمية قوالً ثالثاً وقال‪ :‬إنه رواية عن أحمد أنها تصح صالة‬
‫المأموم قدام اإلمام مع العذر‪ .‬انظر‪ :‬فتاوى ابن تيمية‪ ،303-303/24 ،‬واالختيارات الفقهية له‪،‬‬
‫ص‪ ،108‬ورجحه ابن عثيمين في الشرح الممتع‪ ،472/3 ،‬ورجحه ابن القيم في إعالم الموقعين‪،‬‬
‫‪ ،22/2‬أما صاحب المغني‪ ،22/4 ،‬والشرح الكبير‪ ،318/3 ،‬واإلنصاف في معرفة الراجح من‬
‫قدام اإلمام مطلقاً‪ ،‬وقال اإلمام ابن باز‪(( :‬ليس‬
‫الخالف‪ 318/3 ،‬فكلهم قال ببطالن صالة من صلى َّ‬
‫ألحد أن يصلي أمام اإلمام؛ ألن ذلك ليس موقفاً للمأموم‪ ،‬واهلل ولي التوفيق)) الفتاوى له‪.212/12 ،‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،722‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،313‬وتقدم تخريجه في االقتداء وشروطه‪.‬‬
‫(‪ )3‬اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف للمرداوي‪،311/3 ،‬المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪.311/3 ،‬‬
‫صالة المريض‬ ‫‪555‬‬
‫المبحث السابع والعشرون‪ :‬صالة المريض‬
‫السقم‪ ،‬نقيض الصحة‪ ،‬ويقال‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬مفهوم المرض‪ :‬المرض‪ُّ :‬‬
‫جميعا‪ ،‬كما يقال الصحة في البدن‬‫ً‬ ‫والسقم في البدن والدين‬
‫ُّ‬ ‫المرض‬
‫جميعا‪ ،‬والمرض في القلب يطلق على كل ما خرج به اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫والدين‬
‫عن الصحة في الدين‪ ،‬وأصل المرض‪ :‬النقصان‪ ،‬يقال‪ :‬بدن مريض‪:‬‬
‫ناقص القوة‪ ،‬ويقال‪ :‬قلب مريض‪ :‬ناقص الدين‪ ،‬والمرض في القلب‪:‬‬
‫فتور األعضاء(‪ ،)1‬والمرض‪ :‬جمع‬ ‫ُ‬ ‫فتور عن الحق‪ ،‬وفي األبدان‪،‬‬
‫ٌ‬
‫أمراض؛ فساد المزاج وسوء الصحة بعد اعتدالها‪ ،‬ومرض الموت‪ :‬العلة‬
‫التي يقرر األطباء أنها علة مميتة(‪ .)2‬وعلى هذا فالمريض‪ :‬هو الذي‬
‫اعتلت صحته‪ ،‬سواء كانت في جزء من بدنه أو في جميع بدنه(‪.)3‬‬
‫ثانيا‪ :‬صبر المريض واحتسابه‪ .‬المريض يجب عليه أن يصبر‬ ‫ً‬
‫ويحتسب على اهلل ‪ ‬الثواب الذي وعده سبحانه الصابرين‪ ،‬قال اهلل‬
‫اب‪.)4(‬وقال ‪َ  :‬و َل َنب ُل َونَّ ُكم‬ ‫ون أَ ْجر ُهم ب َِغيرِ ِح َس ٍ‬ ‫الصاب ُِر َ‬
‫َّ‬ ‫‪ِ :‬إنَّ َما يُ َو َّفى‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ار ُكم‪ .)5(‬وقال ‪:‬‬ ‫َ‬
‫ين َو َن ْب ُل َو أ ْخ َب َ‬ ‫الصابِرِ َ‬
‫َّ‬ ‫نكم َو‬ ‫ين ِم ُ‬ ‫ِِ‬
‫َح َّتى َن ْع َل َم ا ْلـ ُم َجاهد َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ون‪. )6(‬‬ ‫ِالش ّر َوا ْلـ َخ ْيرِ ِف ْت َن ًة َو ِإ َل ْي َنا تُ ْر َج ُع َ‬
‫وكم ب َّ‬ ‫‪ُ ‬ك ُّل َن ْف ٍس َذ ِائ َق ُة ا ْلـ َم ْو ِت َو َن ْب ُل ُ‬
‫اب ِمن ُّم ِصيب ٍة ِفي األَ ْر ِض َوال ِفي أَن ُف ِس ُكم إِال ِفي‬ ‫وقال ‪َ  :‬ما أَ َص َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫اب ّمن َقب ِل أَن نَّبرأَ َها ِإ َّن َذ ِل َك َع َلى اهلل َي ِسير * ِل َكيال َت ْأ َس ْوا َع َلى َما‬ ‫ِك َت ٍ‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬لسان العرب البن منظور‪ ،‬باب الضاد‪ ،‬فصل الميم‪ ،242-241/7 ،‬والقاموس المحيط‬
‫للفيروزآبادي‪ ،‬باب الضاد‪ ،‬فصل الميم‪ ،‬ص‪ ،834‬والمعجم الوسيط‪ ،834/2 ،‬ومختار الصحاح‪،‬‬
‫مادة ((مرض))‪ ،‬ص‪.221‬‬
‫رواس‪ ،‬ص‪.411‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬لألستاذ الدكتور محمد ّ‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الشرح الممتع البن عثيمين‪.321/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية‪.10 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة محمد‪ ،‬اآلية‪.41 :‬‬
‫(‪ )6‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية‪.42 :‬‬
‫صالة المريض‬
‫‪555‬‬
‫ال َف ُخورٍ ‪ .)1(‬وقال‬ ‫ب ُك َّل م ْخ َت ٍ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اك ْم َواهلل ال يُح ُّ‬ ‫َف َات ُك ْم َوال َت ْف َر ُحوا ب َِما َآت ُ‬
‫اب ِمن ُّم ِصيب ٍة إِال ِب ِإ ْذ ِن اهلل َو َمن يُ ْؤ ِمن بِاهلل َي ْه ِد َق ْلب ُه َواهلل‬ ‫تعالى‪َ  :‬ما أ َص َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يم‪ . ‬وقال تعالى‪َ  :‬و َل َن ْب ُل َونَّ ُك ْم ب َِشي ٍء ّم َن ا ْلـ َخ ْ‬ ‫ِك ّل َشي ٍء َع ِل‬
‫(‪)2‬‬
‫وف‬ ‫ب ُ‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ين*الَّذ َ‬ ‫الصابِرِ َ‬
‫َوا ْلـ ُجو ِع َو َن ْقص ّم َن األ َم َوال َواألن ُفس َوالثَّ َم َرات َو َب ّشرِ َّ‬
‫ِإ َذا أَصابتهم م ِصيب ٌة َقالُو ْا ِإنَّا ِ َّ ِ‬
‫هلل َو ِإنَّـا ِإ َلي ِه َر ِ‬
‫ات‬ ‫عون*أُو َل ِـئ َك َع َل ْيهِ ْم َص َل َو ٌ‬ ‫اج َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ ُ ُّ َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ّمن َّربّهِ م َو َر ْح َم ٌة َوأُو َل ِـئ َك ُهم ا ْل ُم ْه َت ُدو َن‪ . ‬وقال تعالى‪َ  :‬و َل َمن َصبر‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫آمنُو ْا‬ ‫ين‬ ‫و َغ َفر ِإ َّن َذ ِل َك لَ ِمن عز ِم األُمورِ ‪ .)4(‬وقال تعالى‪ :‬يا أَيها الَّ ِ‬
‫ذ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ َ‬
‫ين‪ . ‬وقال رسول اهلل ‪:‬‬ ‫( ‪)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصابِرِ َ‬ ‫الص‪)6‬الَة ِإ َّن اهلل َم َع َّ‬ ‫ِالص ْبرِ َو ( َّ‬
‫ْاس َتعينُو ْا ب َّ‬
‫((‪ ...‬والصبر ضياء)) ‪ .‬وعن صهيب ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬عجبا‬
‫ً‬
‫ألحد إال للمؤمن‪ ،‬إن‬ ‫ٍ‬ ‫ألمر المؤمن إن أمره كله خير‪ ،‬وليس ذلك‬
‫أصابته سراء شكر فكان خيرا له‪ ،‬وإن أصابته ّضراء صبر فكان خيرا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫له))(‪ .)7‬وعن أنس ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪((:‬إن اهلل ‪‬‬
‫عوضته منهما الجنة)) يريد عينيه(‪.)8‬‬ ‫قال‪:‬إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر َّ‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها أنها سألت رسول اهلل ‪ ‬عن الطاعون فأخبرها ((أنه‬
‫عذابا يبعثه اهلل على من شاء فجعله رحمة للمؤمنين(‪ ،)9‬فليس من عبد‬ ‫كان ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الحديد‪ ،‬اآليتان‪.24 -22 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة التغابن‪ ،‬اآلية‪.11 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة‪ ،‬اآليات‪.127-122 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية‪.34 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.124 :‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب فضل الوضوء‪ ،‬برقم ‪ ،224‬من حديث أبي مالك األشعري ‪.‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ ،‬كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬باب المؤمن أمره كله خير‪ ،‬برقم ‪.2111‬‬
‫(‪ )8‬البخاري‪ ،‬كتاب المرض‪ ،‬باب فضل من ذهب بصره‪ ،‬برقم ‪.2324‬‬
‫(‪ )9‬الطاعون ‪ :‬قيل هو الموت العام‪ ،‬وقيل‪ :‬المرض العام الذي يفسد له الهواء‪ ،‬وتفسد به األمزجة‬
‫واألبدان‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الوباء‪ ،‬وقيل‪ :‬هو المرض الذي يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬أصل الطاعون‪ :‬القروح الخارجة في الجسد‪ ،‬والوباء عموم األمراض‪ ،‬فسميت طاعو ًنا‬
‫=‬
‫صالة المريض‬ ‫‪555‬‬
‫يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه ال يصيبه إال ما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كتب اهلل له إال كان له مثل أجر الشهيد))(‪ .)1‬وقال ‪ ...(( :‬إنما الصبر عند‬
‫الصدمة األولى))(‪.)2‬‬
‫وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي اهلل عنهما عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ما يصيب‬
‫المسلم من نصب(‪ ،)3‬وال وصب(‪ ،)4‬وال هم‪ ،‬وال حزن‪ ،‬وال أذى‪ ،‬وال‬
‫غم‪ ،‬حتى الشوكة يُشاكها إال كفر اهلل بها من خطاياه))(‪.)5‬‬
‫ّ‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود ‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬ما من مسلم‬
‫تحط الشجرة‬
‫ّ‬ ‫حط اهلل سيئاته كما‬
‫يُصيبه أذى من مرض فما سواه إالّ َّ‬
‫ورقها))(‪.)6‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬ما من مسلم يشاك‬
‫ومحيت عنه بها خطيئة))(‪.)7‬‬
‫شوكة فما فوقها‪ ،‬إال ُكتب له بها درجة ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫لشبهها بها في الهالك‪ ،‬وإال فكل طاعون وباء‪ ،‬وليس كل وباء طاعو ًنا‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري البن‬
‫حجر‪ ، 180/10 ،‬وقال النووي في تهذيب األسماء واللغات‪(( :183/4 ،‬مرض معروف هو بثر‬
‫ويسود ما حواليه‪ ،‬أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة‬ ‫ّ‬ ‫جدا يخرج مع لهب‬ ‫وورم مؤلم ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يحصل معه خفقان القلب والقيء‪ ،‬ويخرج في المراق واآلباط غالبا واأليدي واألصابع وسائر‬
‫ً‬
‫الجسد)) ورجح ابن حجر في فتح الباري‪ (( 181/10 ،‬أن الطاعون يكون من طعن الجن‬
‫وقرعه)) ‪ ،‬واستشهد لذلك بأدلة وصحح بعضها‪.‬‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب أجر الصابر على الطاعون‪ ،‬برقم ‪.2743‬‬
‫(‪)2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجائز‪ ،‬باب زيارة القبور‪ ،‬برقم ‪ ،1284‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب‬
‫الصبر على المصيبة عند الصدمة األولى‪ ،‬برقم ‪.123‬‬
‫(‪ )3‬النصب‪ :‬التعب‪.‬‬
‫(‪ )4‬الوصب‪ :‬المرض‪.‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب المرضى‪ ،‬باب ما جاء في كفارة المرض‪ ،‬برقم ‪،2332 ،2331‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب ثواب المؤمن فيما يصيبه‪ ،‬برقم ‪.2274‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب المرضى‪ ،‬باب شدة المرض‪ ،‬برقم ‪ ،2338 ،2337‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫البر والصلة‪ ،‬باب ثواب المؤمن فيما يصيبه‪ ،‬برقم ‪.2271‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب ثواب المؤمن فيما يصيبه‪ ،‬برقم ‪.2272‬‬
‫صالة المريض‬
‫‪550‬‬
‫(‪)1‬‬
‫صب‬
‫خيرا يُ ْ‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪:‬قال رسول اهلل ‪((:‬من يُرد اهلل به‬
‫ً‬
‫منه))(‪.)2‬‬
‫وعن أنس ‪ ‬يرفعه‪(( :‬إن ِعظم الجزاء مع عظم البالء‪ ،‬وإن اهلل إذا‬
‫السخط))(‪.)3‬‬
‫قوما ابتالهم فمن رضي فله الرضى‪ ،‬ومن سخط فله ُّ‬
‫أحب ً‬
‫أشد‬
‫وعن مصعب بن سعد عن أبيه ‪ ‬قال‪:‬قلت‪:‬يا رسول اهلل‪،‬أي الناس ُّ‬
‫بالء؟ قال‪((:‬األنبياء ثم األمثل فاألمثل‪،‬فيبتلى الرجل على حسب دينه‪ ،‬فإن‬
‫ً‬
‫ا‪،‬اشتد بالؤه‪،‬وإن كان في دينه رق ٌة ابتلي على حسب‬
‫َّ‬ ‫كان في دينه ُصلب‬
‫ً‬
‫يبرح البالء بالعبد حتى يتركه يمشي على األرض ما عليه‬ ‫ُ‬ ‫دينه‪،‬فما‬
‫خطيئة))(‪.)4‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المسلم يسأل اهلل العفو والعافية في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وال يسأل‬
‫البالء؛ لحديث العباس بن عبد المطلب ‪ ‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل علمني‬
‫أياما ثم جئت فقلت‪ :‬يا‬ ‫شيئا أسأله اهلل؟ قال‪(( :‬سل اهلل العافية))‪ ،‬فمكثت ً‬
‫ً‬
‫عباس يا عم رسول اهلل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫شيئا أسأله اهلل‪ ،‬فقال لي‪(( :‬يا‬
‫رسول اهلل علمني ً‬
‫َّ‬
‫((سل اهلل العافية في الدنيا واآلخرة))(‪)5‬؛ ولحديث أبي بكر الصديق ‪ ‬أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬يصب منه‪ :‬معناه يبتليه بالم صائب‪ ،‬ليثيبه عليها‪ ،‬وقيل‪ :‬يوجه إليه البالء فيصيبه‪ .‬فتح الباري البن‬
‫حجر‪ ، 108/10 ،‬وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اهلل يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري‪،‬‬
‫الحديث رقم ‪(( :2332‬أي يصيبه بالمصائب بأنواعها‪ ،‬وحتى يتذكر فيتوب‪ ،‬ويرجع إلى ربه))‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬كتاب المرضى‪ ،‬باب ما جاء في كفارة المرض‪ ،‬برقم ‪.2332‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ ،‬كتاب الزهد‪ ،‬باب ما جاء في الصبر على البالء‪ ،‬برقم ‪ ،2413‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الفتن‪،‬‬
‫باب الصبر على البالء‪ ،‬برقم ‪ ،3041‬وحسنه األلباني في صحيح الترمذي‪ ،233/2 ،‬وفي صحيح‬
‫ابن ماجه‪ ،420/4 ،‬وفي الصحيحة‪ ،‬برقم ‪.133‬‬
‫(‪ )4‬التر مذي‪ ،‬كتاب الزهد‪ ،‬باب ما جاء في الصبر على البالء‪ ،‬برقم ‪ ،2418‬وابن ماجه في كتاب‬
‫الفتن‪ ،‬باب الصبر على البالء‪ ،‬برقم ‪ ،3024‬وقال األلباني في صحيح الترمذي‪ ،232/2 ،‬وفي‬
‫صحيح ابن ماجه‪ ،418/4 ،‬وفي الصحيحة‪ ،‬برقم ‪(( :2280 ،134‬حسن صحيح))‪.‬‬
‫الدعوات‪،‬باب‪ :‬حدثنا يوسف بن عيسى‪ ،‬برقم ‪ ،4213‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪)5‬الترمذي‪،‬كتاب‬
‫وصححه األلباني في صحيح الترمذي‪ ،333/4 ،‬وفي سلسلة األحاديث الصحيحة‪ ،‬برقم ‪.1224‬‬
‫صالة المريض‬ ‫‪556‬‬
‫ط‬
‫أحدا لم يُ ْع َ‬
‫النبي ‪ ‬قال على المنبر‪(( :‬سلوا اهلل العفو والعافية؛ فإن ً‬
‫بعد اليقين خيرا من العافية)) (‪)1‬؛ ولحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪:‬‬
‫ً‬
‫كان من دعاء رسول اهلل ‪(( :‬اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك‪،‬‬
‫وتحول عافيتك‪ ،‬وفجاءة نقمتك‪ ،‬وجميع سخطك))(‪)2‬؛ ولحديث أبي‬
‫هريرة ‪ ‬أن النبي ‪(( ‬كان يتعوذ من سوء القضاء‪ ،‬ومن درك الشقاء‪،‬‬
‫ومن شماتة األعداء‪ ،‬ومن جهد البالء))(‪.)3‬‬
‫ابعا‪:‬االجتهاد في حال الصحة في األعمال الصالحة؛ لتكتب له‬ ‫رً‬
‫كاملة في حال عجزه عن العمل؛ لحديث أبي موسى األشعري ‪ ‬قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫رسول‪)4‬اهلل ‪((:‬إذا مرض العبد أو سافر ُكت َب له مثل ما كان يعمل ً‬
‫مقيما‬
‫(‬
‫قال‬
‫صحيحا))‬
‫ً‬
‫ســـر الشـــريعة اإلســـالمية وســـهولتها‪ ،‬وكمالهـــا‪ ،‬قـــال اهلل ‪:‬‬ ‫خامســـا‪ُ :‬ي ْ‬
‫ً‬
‫ِكـم‬ ‫يـد اهلل ب‬ ‫(‪)5‬‬
‫ين م ْـن َح َـر ٍج‪ . ‬وقـال سـبحانه‪ :‬يُرِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ‬و َما َج َع َل َع َل ْي ُك ْم في ّ‬
‫( ُ‪ُ )7‬‬
‫ـات ُقوا اهلل َمــا ْاسـ َـت َط ْع ُتم‪. ‬‬ ‫ِكــم ا ْل ُع ْســر‪ .)6(‬وقــال تعــالى‪َ :‬فـ‬
‫اليســر وال يرِ يــد ب‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُْْ َ َ َ ُ ُ ُ ُ‬
‫وقال النبي ‪(( :‬دعوني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم‬
‫واخــــــتالفهم علــــــى أنبيــــــائهم‪ ،‬فــــــإذا أمــــــرتكم بشــــــيء فــــــأتوا منــــــه مــــــا‬
‫استطعتم‪ ،‬وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه))(‪.)8‬وقال‪(( :‬إن الدين يسر))(‪.)9‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫باب‪ :‬حدثنا محمد بن بشار‪ ،‬برقم ‪ ،4228‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الدعاء‪ ،‬باب الدعاء‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ٌ ،‬‬
‫بالعفو والعافية‪ ،‬برقم ‪ ،4831‬وقال األلباني في صحيح سنن الترمذي‪((:333/4 ،‬حسن صحيح))‪،‬وفي‬
‫صحيح ابن ماجه‪(( :221/4،‬صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب أكثر أهل الجنة الفقراء‪ ،‬برقم ‪.2741‬‬
‫باب‪ :‬في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء‪ ،‬وغيره‪ ،‬برقم ‪.2707‬‬‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء‪ٌ ،‬‬
‫والسير‪،‬باب‪:‬يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في اإلقامة‪ ،‬برقم ‪.2113‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )4‬البخاري‪،‬كتاب الجهاد‬
‫(‪ )5‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.78 :‬‬
‫(‪ )6‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.182 :‬‬
‫(‪ )7‬سورة التغابن‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬
‫(‪ )8‬متفق عليه من حديث أبي هريرة ‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب االقتداء بسنن‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬برقم ‪ ،7288‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فرض الحج مرة في العمر‪ ،‬برقم ‪.1447‬‬
‫باب‪ :‬الدين يسر‪ ،‬برقم ‪ 41‬من حديث أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )9‬البخاري‪ ،‬كتاب اإليمان‪ٌ ،‬‬
‫صالة المريض‬
‫‪555‬‬
‫سادسا‪ :‬كيفية طهارة المريض على النحو اآلتي‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬يجب على المريض أن يتوضأ من الحدث األصغر‪( :‬نواقض‬
‫الوضوء)‪ ،‬ويغتسل من الحدث األكبر‪( :‬موجبات الغسل)‪.‬‬
‫‪ -5‬يجب أن يزيل ما على السبيلين من النجاسة بالماء قبل الوضوء؛‬
‫ألن النبي ‪ ‬كان يستنجي بالماء(‪.)1‬‬
‫واالستجمار بالحجارة‪،‬أو ما يقوم مقامها يقوم مقام االستنجاء بالماء‪،‬‬
‫ويقوم مقام الحجارة ما في معناها من كل جامد طاهر ليس له حرمة‪:‬‬
‫كالخشب‪ ،‬والخرق‪ ،‬والمناديل‪ ،‬وكل ما أنقى به فهو كالحجارة على‬
‫الصحيح(‪)2‬؛ لقوله ‪(( :‬إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثالثة‬
‫أحجار يستطيب بهن؛ فإنها تجزئ عنه))(‪ .)3‬والبد في االستجمار من‬
‫ثالثة أحجار أو ما يقوم مقامها فأكثر؛ لحديث سلمان ‪ ‬يرفعه إلى‬
‫النبي ‪(( :‬لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول‪ ،‬أو نستنجي باليمين‪،‬‬
‫أو نستنجي بأقل من ثالثة أحجار‪،‬أو نستنجي برجيع(‪ )4‬أو بعظم))(‪ .)5‬فإن‬
‫وخامس ا حتى ينقي المحل‪،‬‬ ‫رابع ا‪،‬‬ ‫تكف ثالثة أحجار زاد‬ ‫ِ‬ ‫لم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واألفضل أن يقطع االستجمار على وتر؛ لحديث أبي هريرة ‪ ‬عن‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه من حديث أنس ‪ ، ‬البخاري‪ ،‬كتاب الوضوء‪ ،‬باب االستنجاء بالماء‪ ،‬برقم ‪،120‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب االستنجاء بالماء من التبرز‪ ،‬برقم ‪.271‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪.214/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬من حديث عائشة رضي اهلل عنها برقم ‪ ، 30‬وحسنه األلباني في صحيح أبي داود‪،10/1 ،‬‬
‫وتقدم تخريجه في الطهارة في آداب قضاء الحاجة‪.‬‬
‫(‪ )4‬الرجيع‪ :‬الروث والعذرة‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،232‬وتقدم تخريجه في الطهارة‪ ،‬في آداب قضاء الحاجة‪.‬‬
‫صالة المريض‬ ‫‪555‬‬
‫النبي ‪ ‬وفيه‪ ((:‬ومن استجمر فليوتر))(‪.)1‬‬
‫واألفضل أن يستجمر اإلنسان بالحجارة ثم يتبعها بالماء؛ ألن‬
‫الحجارة تزيل عين النجاسة والماء يطهر المحل‪ ،‬فيكون أبلغ في‬
‫الطهارة‪ ،‬وهو مخير بين االستجمار بالحجارة‪ ،‬أو االستنجاء بالماء أو‬
‫الجمع بينهما وهو األفضل‪ ،‬وإن أراد االقتصار على أحدهما فالماء‬
‫أفضل؛ ألنه يطهر المحل ويزيل العين واألثر‪.‬‬
‫واالستنجاء يكون من الخارج الرطب من السبيلين‪ :‬كالبول والغائط‪،‬‬
‫أما النوم‪ ،‬والريح‪ ،‬وأكل لحم اإلبل‪ ،‬ومس الفرج فال يُستنجى منها؛ ألن‬
‫االستنجاء إنما شرع إلزالة النجاسة من السبيلين(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬إذا كان المريض ال يستطيع الحركة؛ فإنه يوضئه شخص آخر‪،‬‬
‫وإذا كان عليه حدث أكبر ساعده في الغسل‪ ،‬وال ينظر إلى عورته‪.‬‬
‫‪ - 3‬فإن كان المريض ال يستطيع أن يتطهر بالماء؛ لخوفه تلف‬
‫النفس‪ ،‬أو تلف عضو‪ ،‬أو حدوث مرض‪ ،‬أو لعجزه‪ ،‬أو خوف زيادة‬
‫المرض أو تأخر برئه؛ فإنه يتيمم؛ لقول اهلل تعالى‪َ  :‬والَ َت ْق ُت ُلو ْا أَن ُف َس ُكم‬
‫ْ‬
‫يما‪.)3(‬‬ ‫ِ‬ ‫ِإ َّن اهلل َك َ‬
‫ِك ْم َرح ً‬ ‫ان ب ُ‬
‫وكيفية التيمم‪ :‬أن ينوي رفع الحدث‪ ،‬ثم يضرب بيديه على التراب‬
‫الطاهر ضربة واحدة فيمسح جميع وجهه‪ ،‬بباطن أصابعه‪ ،‬ثم يمسح‬
‫كفيه براحتيه؛ لقول اهلل تعالى‪َ  :‬وإِن ُك ُنتم َّمر َضى أَ ْو َع َلى َس َفرٍ أَ ْو َج َاء‬
‫ْ‬
‫يدا‬ ‫نكم ّمن ا ْل َغ ِآئ ِط أَ ْو الَ َم ْس ُت ُم النساء َف َل ْم َتج ُدو ْا َم ًاء َف َت َي َّم ُمو ْا َصع ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَ َح ٌد ّم ُ‬
‫ورا‪)4(‬؛ ولقوله‬ ‫ان َع ُف ًّوا َغ ُف ً‬ ‫وه ُك ْم َوأَ ْي ِد ُ‬
‫يك ْم ِإ َّن اهلل َك َ‬ ‫طيبا َفامسحو ْا بِوج ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ًَّ ْ َ ُ‬
‫نكم ّم َن ا ْل َغ ِائ ِط أَ ْو‬ ‫تعالى‪َ  :‬وإِن ُك ُنتم َّم ْر َضى أَ ْو َع َلى َس َفرٍ أَ ْو َج َاء أَ َح ٌد َّم ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،132‬ومسلم‪،‬برقم ‪،247‬وتقدم تخريجه في الطهارة‪ ،‬آداب قضاء الحاجة‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬فتاوى سماحة الشيخ ابن باز‪.243/12 ،‬‬
‫(‪ )3‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.21 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.34 :‬‬
‫صالة المريض‬
‫‪555‬‬
‫ْ‬
‫طيبا َفامسحو ْا بِوج ِ‬
‫وه ُكم‬ ‫ُ ُ‬ ‫يدا َ ّ ً ْ َ ُ‬ ‫الَ َم ْس ُت ُم النساء َف َل ْم َت ِج ُدو ْا َم ًاء َف َت َي َّم ُمو ْا َص ِع ً‬
‫يد ِلي َط َّهر ُكم‬ ‫ـكن يرِ‬‫يد اهلل ِليجع َل ع َلي ُكم من حر ٍج و َل ِ‬ ‫يكم ّم ْن ُه َما يُرِ ُ‬ ‫َوأَ ْي ِد ُ‬
‫ُ ُ ُ َ ْ‬ ‫َ ْ َ َ ْ (‪َ َ َ ْ ّ )1‬‬
‫ون‪. ‬‬ ‫َو ِل ُي ِت َّم ِن ْع َم َت ُه َع َل ْي ُك ْم َل َع َّل ُك ْم َت ْش ُك ُر َ‬
‫‪ -2‬فإن لم يستطع أن يتيمم بنفسه؛ فإنه ييممه من عنده من المرافقين‬
‫أو الحاضرين‪ ،‬يحضر التراب الطاهر ثم ييممه به‪.‬‬
‫‪ -3‬من به جروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء؛فإنه يتيمم سواء‬
‫كان محد ًثا حد ًثا أصغر أو أكبر‪،‬لكن لو أمكنه أن يغسل الصحيح من جسده‬
‫أو أعضائه وجب عليه ذلك وتيمم للباقي؛لقول اهلل تعالى‪َ  :‬ف َّات ُقوا اهلل َما‬
‫ْاس َت َط ْع ُتم‪)2(‬؛ ولقوله ‪ :‬الَ يُ َك ّل ُف اهلل َن ْف ًسا ِإال َّ ُو ْس َع َها‪.)3(‬‬
‫ْ‬
‫‪ -7‬إذا كان في بعض أعضاء الطهارة جرح يستطيع أن يغسله بالماء‬
‫مسحا‪ ،‬فإن كان‬ ‫ً‬ ‫غسله‪ ،‬فإن كان الغسل بالماء يؤثر عليه مسحه بالماء‬
‫أيضا فإنه يشد عليه جبيرة أو لزقة ويمسح عليها‪ ،‬فإن‬ ‫المسح يؤثر عليه ً‬
‫عجز فحينئذ يتيمم عنه بعد الطهارة‪.‬‬
‫مستورا بجبس أو لزقة أو جبيرة‪،‬أو ما أشبه ذلك ففي‬
‫ً‬ ‫أما إذا كان الجرح‬
‫هذا الحال يمسح على الساتر ويغنيه عن الغسل‪،‬وال يشترط لبس الجبيرة‬
‫على طهارة على القول الراجح‪،‬وليس للمسح على الجبيرة توقيت؛ ألن‬
‫مسحها لضرورة فيقدر بقدرها‪،‬ويمسح عليها في الحدث األكبر‬
‫واألصغر(‪.)4‬والصواب أنه إذا مسح على العضو يكفيه عن التيمم‪ ،‬فال‬
‫يجمع بين المسح والتيمم إال إذا كان هناك عضو آخر لم يستطع المسح‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬
‫(‪ )2‬سورة التغابن‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.283 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ما تقدم في الطهارة‪ :‬المسح على الجبائر‪.‬‬
‫صالة المريض‬ ‫‪555‬‬
‫عليه(‪.)1‬‬
‫‪ -8‬إذا تيمم لصالة وبقي على طهارته إلى وقت الصالة األخرى؛ فإنه‬
‫يصليها بالتيمم األول؛ وال يعيد التيمم للصالة الثانية؛ ألنه لم يزل على‬
‫طهارته ولم يحصل ما يبطلها من نواقض الطهارة؛ ألن التيمم ال يبطل‬
‫إال بما يبطل الوضوء‪.‬‬
‫‪ -1‬يجب على المريض أن يطهر بدنه وثيابه‪ ،‬وموضع صالته من‬
‫النجاسات‪ ،‬فإن عجز عن شيء من ذلك ولم يجد من يقوم بتطهير‬
‫النجاسة صلى على حسب حاله وصالته صحيحة وال إعادة عليه‪ ،‬ولكن‬
‫لو استطاع أن يبدل ثيابه النجسة بثياب أخرى طاهرة أو يفرش على‬
‫فراشا طاهرا وجب عليه ذلك‪.‬‬
‫الفراش النجس ً‬
‫ً‬
‫‪ -10‬ال يجوز للمريض أن يؤخر الصالة عن وقتها من أجل العجز‬
‫عن الطهارة‪ ،‬بل يتطهر بقدر ما يستطيع‪ ،‬ويطهر بدنه وثوبه والبقعة التي‬
‫يصلي عليها؛ فإن عجز عن استعمال الماء تيمم‪ ،‬فإن عجز عن استعمال‬
‫التيمم سقطت عنه الطهارة وصلى على حسب حاله(‪.)2‬‬
‫‪ -11‬المريض المصاب بسلس البول‪ ،‬أو استمرار خروج الدم‪ ،‬أو‬
‫الريح‪ ،‬ولم يبرأ بمعالجته‪ ،‬عليه أن يتوضأ لكل صالة بعد دخول وقتها‪،‬‬
‫ثوبا طاهرا إن تيسر له‬
‫ويغسل ما يصيب بدنه‪ ،‬وثوبه‪ ،‬أو يجعل للصالة ً‬
‫ً‬
‫ذلك‪ ،‬ويحتاط لنفسه احتيا ًطا يمنع انتشار البول أو الدم في ثوبه أو جسمه‪،‬‬
‫أو مكان صالته‪ ،‬وله أن يفعل في وقت الصالة ما تيسر من صالة‪،‬‬
‫وقراءة في المصحف حتى يخرج الوقت فإذا خرج الوقت فعليه أن يعيد‬
‫الوضوء أو التيمم إن عجز عن الوضوء؛ ألن النبي ‪ ‬أمر المستحاضة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪:‬فتاوى العالمة ابن باز‪،230/12،‬وفتاوى العالمة ابن عثيمين‪.172 ،122/11،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬ما تقدم في الطهارة‪:‬التيمم‪،‬ومن يجوز له التيمم‪،‬ونواقض التيمم ومبطالته‪،‬وفاقد الطهورين‪:‬الماء‬
‫والتراب‪.‬وانظر‪:‬فتاوى العالمة ابن باز‪،241/12،‬وفتاوى العالمة ابن عثيمين‪.123/11 ،‬‬
‫صالة المريض‬
‫‪555‬‬
‫أن تتوضأ لوقت كل صالة(‪)1‬؛ولقول اهلل تعالى‪َ :‬ف َّات ُقوا اهلل َما‬
‫ْاس َت َط ْع ُتم‪ ،)2(‬وهذا فيه الداللة على يسر الشريعة وسماحتها(‪.)3‬‬
‫ْ‬
‫سابعا‪ :‬كيفية صالة المريض على النحو اآلتي‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬يجب على المريض الذي ال يخاف زيادة مرضه أن يصلي الفريضة‬
‫ين‪.)4(‬‬ ‫ِِ‬
‫ومو ْا هلل َقانت َ‬
‫قائما؛ لقول اهلل تعالى‪َ  :‬و ُق ُ‬
‫ً‬
‫‪ -2‬إن قدر المريض على القيام بأن يتكئ على عصا أو يستند إلى حائط‬
‫أو يعتمد على أحد جانبيه لزمه القيام؛لحديث وابصة ‪ ‬عن أم قيس رضي اهلل‬
‫عمودا في مصاله يعتمد‬
‫ً‬ ‫أسن وحمل اللحم اتخذ‬ ‫أن رسول اهلل ‪ ‬لما َّ‬ ‫عنها‪:‬‬
‫عليه(‪)5‬؛ وألنه قادر على القيام من غير ضرر؛ لحديث عمران بن حصين‬
‫قائما‪.)6())...‬‬
‫صل ً‬ ‫‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال له‪ّ (( :‬‬
‫‪ -4‬إن قدر المريض على القيام إال أنه يكون منحنيا على هيئة الراكع؛‬
‫ً‬
‫كاألحدب‪ ،‬أو الكبير الذي انحنى ظهره وهو يستطيع القيام لزمه القيام؛‬
‫لحديث عمران ‪ ‬المتقدم‪.‬‬
‫‪ -3‬المريض الذي يقدر على القيام لكنه يعجز عن الركوع أو السجود‬
‫قائما إن عجز‬
‫قائما ويومئ بالركوع ً‬
‫ال يسقط عنه القيام‪ ،‬وعليه أن يصلي ً‬
‫تقوس ظهره فصار‬‫عنه‪ ،‬وإن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته‪ ،‬وإن ّ‬
‫جالسا إن عجز‬
‫ً‬ ‫كأنه راكع زاد في انحنائه قليالً‪ ،‬ثم يجلس فيومئ بالسجود‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تقدمت األدلة في الطهارة في أحكام السلس واالستحاضة‪ ،‬وانظر فتاوى العالمة ابن باز‪.230/12 ،‬‬
‫(‪ )2‬سورة التغابن‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى العالمة ابن باز‪ ،231-242/12 ،‬ومجموع فتاوى ورسائل العالمة ابن‬
‫عثيمين‪.123-123/11 ،‬‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.248 :‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الرجل يعتمد في الصالة على عصا‪ ،‬برقم ‪ ،138‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫سنن أبي داود‪ ،233/1 ،‬وفي األحاديث الصحيحة‪ ،‬برقم ‪.411‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1117‬وتقدم تخريجه في صفة الصالة‪.‬‬
‫صالة المريض‬ ‫‪555‬‬
‫عنه ويقرب وجهه إلى األرض في السجود أكثر ما يمكنه؛ لقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ين‪)1(‬؛ ولقول النبي ‪ ‬لعمران بن حصين رضي اهلل عنهما‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ومو ْا هلل َق ِان ِت‬
‫ُ‬ ‫‪َ ‬و ُق‬
‫قائما))(‪)2‬؛ وألن القيام ركن قدر عليه فلزمه اإلتيان به(‪.)3‬‬ ‫صل ً‬ ‫(( ّ‬
‫‪ -2‬المريض الذي يزيد القيام في مرضه‪ ،‬أو يشق عليه مشقة شديدة‪،‬‬
‫قاعدا؛ لقول اهلل تعالى‪َ  :‬ف َّات ُقوا‬ ‫ً‬ ‫أو يضره‪ ،‬أو يخاف زيادة مرضه يصلي‬
‫اهلل َما ْاس َت َط ْع ُتم‪)4( ‬؛ ولقوله ‪ :‬الَ يُ َك ّل ُف اهلل َن ْف ًسا ِإال َّ ُو ْس َع َها‪)5( ‬؛‬
‫(‪)6‬‬
‫ْ‬
‫ِكم ا ْل ُع ْسر‪ ، ‬ولقوله‬ ‫يد اهلل بِكم اليسر وال يرِ يد ب‬ ‫ولقوله ‪ :‬يُرِ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ُ ( ُ‪ُ)7‬‬
‫ين ِم ْن َحر ٍج‪ ‬؛ ولحديث عمران بن‬ ‫سبحانه‪َ  :‬و َما َج َع َل َع َل ْي ُك ْم ِفي ّ‬
‫الد ِ‬
‫َ‬
‫فقاعدا‪)8())...‬؛ ولحديث‬ ‫ً‬ ‫قائما‪ ،‬فإن لم تستطع‬ ‫صل ً‬
‫حصين رضي اهلل عنهما وفيه‪ّ (( :‬‬
‫فجحش شقه األيمن فدخلنا عليه‬ ‫أنس ‪ ‬قال‪ :‬سقط النبي ‪ ‬عن فرس ُ‬
‫قاعدا(‪.)9‬‬
‫نعوده فحضرت الصالة فصلى بنا ً‬
‫جالسا(‪.)10‬‬
‫ً‬ ‫وقد أجمع العلماء على أن من ال يطيق القيام له أن يصلي‬
‫متربعا في موضع‬
‫ً‬ ‫جالسا أن يكون‬
‫ً‬ ‫‪ -3‬األفضل للمريض إذا صلى‬
‫القيام‪ ،‬والصحيح أنه إذا ركع يركع وهو متربع؛ ألن الراكع قائم؛‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.248 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1117‬وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪:‬المغني البن قدامة‪ ،273 ،2720272/2،‬والشرح الكبير‪ ،‬لعبد الرحمن بن قدامة‪،14/2 ،‬‬
‫واإلنصاف للمرداوي مع الشرح الكبير‪.2/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬سورة التغابن‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.283 :‬‬
‫(‪ )6‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.182 :‬‬
‫(‪ )7‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.78 :‬‬
‫(‪ )8‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1117‬وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )9‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،381‬ومسلم‪،‬برقم ‪،311‬وتقدم تخريجه في اإلمامة في االقتداء‪.‬‬
‫(‪ )10‬المغني البن قدامة‪ ،270/2 ،‬والشرح الكبير‪ ،3/2 ،‬واإلنصاف‪.3/2 ،‬‬
‫صالة المريض‬
‫‪555‬‬
‫متربعا))(‪ ،)1‬والسنة‬
‫ً‬ ‫لحديث عائشة رضي اهلل عنها قالت‪(( :‬رأيت النبي ‪ ‬يصلي‬
‫له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع‪ ،‬أما في حال السجود‬
‫فالواجب أن يسجد على األرض‪ ،‬فإن لم يستطع وجب عليه أن يجعل‬
‫يديه على األرض وأومأ بالسجود؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‬
‫قال‪ :‬قال النبي ‪(( :‬أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‪ :‬على الجبهة ‪-‬‬
‫وأشار بيده على أنفه ‪ -‬واليدين‪ ،‬والركبتين‪ ،‬وأطراف القدمين))(‪)2‬؛ فإن‬
‫لم يستطع جعل يديه على ركبتيه وأومأ بالسجود وجعله أخفض من‬
‫الركوع؛ لقول اهلل تعالى‪َ  :‬ف َّات ُقوا اهلل َما ْاس َت َط ْع ُتم‪)3(‬؛ ولقوله ‪...(( :‬‬
‫(‪ْ )5( )4‬‬
‫وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم )) ‪.‬‬
‫قاعدا صلى على جنبه مستقبل‬‫ً‬ ‫‪ -7‬إن عجز المريض عن الصالة‬
‫القبلة بوجهه‪ ،‬واألفضل أن يصلي على جنبه األيمن؛ لحديث عمران ‪‬‬
‫فقاعدا‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنب))(‪)6‬؛‬
‫ً‬ ‫صل قائ ًما فإن لم تستطع‬ ‫وفيه‪ّ (( :‬‬
‫تنعله‪،‬‬
‫ولحديث عائشة رضي اهلل عنها قالت‪)7((( :‬كان النبي ‪ ‬يعجبه التيمن في ُّ‬
‫وترجله‪ ،‬وطهوره‪ ،‬وفي شأنه كله)) ‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫‪ -8‬فإن عجز المريض عن الصالة على جنبه صلى مستلقيا رجاله إلى‬
‫ً‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ ،‬كتاب قيام الليل‪ ،‬باب كيف صالة القاعد‪ ،‬برقم ‪ ،1332‬وابن خزيمة‪ ،‬برقم ‪،1248‬‬
‫والحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪ ،228/1 ،‬وصححه األلباني في صحيح النسائي‪.248/1 ،‬‬
‫(‪)2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب السجود على األنف في الطين‪،‬برقم ‪ ،812‬ومسلم‪ ،‬في‬
‫كتاب الصالة‪ ،‬باب أعضاء السجود برقم ‪.310‬‬
‫(‪ )3‬سورة التغابن‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،7288‬ومسلم‪،‬برقم ‪،1447‬وتقدم تخريجه في أول المبحث‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،272/2 ،‬ومجموع فتاوى العالمة عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز‪،‬‬
‫‪ ، 237-232/12‬ومجموع فتاوى العالمة محمد بن صالح العثيمين‪.421/11 ،‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1117‬وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الوضوء‪ ،‬باب التيمن في الوضوء والغسل‪ ،‬برقم ‪ ،138‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الطهارة‪ ،‬باب التيمن في الطهور وغيره‪ ،‬برقم ‪.138‬‬
‫صالة المريض‬ ‫‪555‬‬
‫صل‬
‫القبلة؛ لحديث عمران بن حصين رضي اهلل عنهما عن النبي ‪ ‬أنه قال له‪ّ (( :‬‬
‫فقاعدا‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنب))(‪ ،)1‬زاد النسائي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫قائما‪ ،‬فإن لم تستطع‬ ‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫نفسا إال وسعها)) ‪ .‬وسمعت‬ ‫((فإن لم تستطع فمستلقياً ال يكلف اهلل ً‬
‫شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‪(( :‬وزاد‬
‫قائما‪،‬‬
‫فمستلقيا))‪ ،‬ثم قال‪ :‬فكانت الصفات‪ً (( :‬‬ ‫النسائي‪(( :‬فإن لم تستطع‬
‫(‪ً )3‬‬
‫جالسا‪ ،‬على جنب‪ ،‬مستلقيا)) ‪.‬‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫‪ -1‬فإن عجز المريض عن الصالة إلى القبلة ولم يوجد من يوجهه‬
‫إليها صلى على حسب حاله؛ لقوله تعالى‪:‬الَ يُ َك ّل ُف اهلل َن ْف ًسا ِإال َّ‬
‫ُو ْس َع َها‪.)4(‬‬
‫‪ -10‬فإن عجز المريض عن الصالة مستلقيا صلى على حسب حاله‬
‫(‪)5‬‬ ‫ً‬
‫على أي حال كان؛ لقول اهلل تعالى‪َ  :‬فاتَّ ُقوا اهلل َما ْاس َت َط ْع ُتم‪. ‬‬
‫ْ‬
‫‪ -11‬فإن عجز المريض عن جميع األحوال السابقة صلى بقلبه‪ :‬فيكبر‪،‬‬
‫ّ‬
‫ويقرأ‪ ،‬وينوي الركوع والسجود‪ ،‬والقيام والقعود بقلبه‪ ،‬فإن الصالة ال تسقط‬
‫ثابتا بأي حال من األحوال؛ لألدلة السابقة(‪.)6‬‬ ‫عنه مادام عقله ً‬
‫عاجزا عنه‪ :‬من قيام‬
‫ً‬ ‫‪ -12‬إذا قدر المريض في أثناء صالته على ما كان‬
‫أو قعود‪،‬أو ركوع‪،‬أو سجود‪ ،‬أو إيماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬برقم ‪.1117‬‬
‫أيضا المجد ابن تيمية في منتقى‬ ‫(‪ )2‬عزاه إليه ابن حجر في التلخيص الحبير‪ 222/1 ،‬برقم ‪ ،443‬وعزاه إليه ً‬
‫األخبار‪ ،‬برقم ‪،1207‬وقال شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز‪((:‬وزاد النسائي)) ثم ذكر الزيادة‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫أيضا بعد أن ساق اللفظ كامالً‪(( :‬وهذا لفظ النسائي))‪،‬‬ ‫مجموع الفتاوى‪ ،232/12 ،‬وقال في الفتاوى ً‬
‫‪ ،237/12‬ولم يعزه المزي في تحفة األشراف إلى النسائي‪ ،182/8 ،‬برقم ‪.10844‬‬
‫(‪ )3‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.437‬‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.283 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة التغابن‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،273/2 ،‬ومجموع فتاوى ابن باز‪ ،234/12 ،‬ومجموع فتاوى ابن‬
‫عثيمين‪.242/11 ،‬‬
‫صالة المريض‬
‫‪550‬‬
‫قادرا فعجز أثناء الصالة أتم صالته على حسب‬
‫صالته‪ ،‬وهكذا لو كان ً‬
‫صحيحا فبنى عليه كما لو لم يتغير‬
‫ً‬ ‫حاله؛ألن ما مضى من الصالة كان‬
‫حاله(‪.)1‬‬
‫‪ -14‬إن عجز المريض عن السجود على األرض؛ فإنه يومئ بالسجود‬
‫شيئا يسجد عليه؛ لحديث جابر ‪ ‬يرفعه‪ :‬أن رسول‬ ‫في الهواء وال يتخذ ً‬
‫عودا‬
‫مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها‪ ،‬فأخذ ً‬‫ً‬ ‫اهلل ‪ ‬عاد‬
‫صل على األرض إن استطعت وإال‬ ‫ليصلي عليه فأخذه فرمى به‪ ،‬قال‪ّ (( :‬‬
‫إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك))(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫فأوم‬
‫ً‬
‫‪ -13‬يجب على المريض أن يصلي كل صالة في وقتها‪ ،‬ويفعل كل ما‬
‫يقدر عليه مما يجب فيها؛ فإن شق عليه فعل كل صالة في وقتها فله‬
‫الجمع بين الظهر والعصر‪ ،‬وبين المغرب والعشاء‪ ،‬إما جمع تقديم بحيث‬
‫يقدم العصر مع الظهر‪ ،‬والعشاء مع المغرب‪ ،‬وإما جمع تأخير بحيث‬
‫يؤخر الظهر مع العصر‪ ،‬والمغرب مع العشاء‪ ،‬حسبما يكون أيسر له‪ ،‬أما‬
‫صالة الفجر فال تجمع مع ما قبلها وال مع ما بعدها؛ ألن وقتها منفصل‬
‫عما قبلها وعما بعدها(‪ ،)3‬ومما يدل على جواز الجمع للمريض الذي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،277/2 ،‬والشرح الكبير‪ ،12/2 ،‬واإلنصاف‪ ،12/2 ،‬ومجموع فتاوى‬
‫ابن باز‪.234/12 ،‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي في السنن الكبرى‪ ،403/2 ،‬قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام‪(( :‬رواه البيهقي بسند‬
‫قوي‪ ،‬ولكن صحح أبو حاتم وقفه)) ‪ ،‬وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز يقول أثناء تقريره على‬
‫الحديث رقم ‪ 438‬من بلوغ المرام‪(( :‬إسناده قوي))‪ ،‬ومال إلى رفعه؛ ألنه يقدم قول من رفع على من‬
‫وقف إذا كان من رفع ثقة؛ للقاعدة‪ ،‬وانظر‪ :‬التلخيص الحبير البن حجر‪ ،227-223/1 ،‬والحديث‬
‫رواه الطبراني عن ابن عمر رضي اهلل عنهما في المعجم الكبير‪ ،231/12 ،‬برقم ‪ ،14082‬وذكره األلباني في‬
‫األحاديث الصحيحة‪ ،‬وذكر طرقه ثم قال في الحديث رقم ‪ 424‬في المجلد األول‪(( :‬والذي ال شك‬
‫فيه أن الحديث بمجموع طرقه صحيح واهلل تعالى هو الموفق))‪ ،‬ثم ذكر رواية أخرى عن ابن عمر‬
‫موقو ًفا‪ ،‬ثم قال‪(( :‬وسنده صحيح على شرط الشيخين))‪ .‬وانظر‪ :‬صفة صالة النبي ‪ ‬لأللباني‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،142/4 ،‬وفتاوى العالمة ابن باز‪ ،233/12 ،‬ومجموع فتاوى العالمة‬
‫ابن عثيمين‪.240/11 ،‬‬
‫صالة المريض‬ ‫‪556‬‬
‫رضي‬ ‫يشق عليه فعل الصالة في وقتها ويضعف عن ذلك حديث ابن عباس‬
‫جميعا‪ ،‬والمغرب والعشاء‬
‫ً‬ ‫اهلل عنهما قال‪(( :‬صلى رسول اهلل ‪ ‬الظهر والعصر‬
‫جميعا في غير خوف وال سفر))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬جمع رسول اهلل ‪ ‬بين‬ ‫ً‬
‫الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف وال مطر)) فسئل‬
‫أحدا من أمته))‪ ،‬وفي‬
‫ابن عباس لم فعل ذلك؟ فقال‪(( :‬أراد أن ال يحرج ً‬
‫لفظ‪(( :‬أراد أن ال يحرج أمته))(‪ .)1‬والصواب في تأويل هذا الحديث قول‬
‫من قال‪ :‬هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه‬
‫من األعذار(‪.)2‬‬
‫وقد ثبت أن النبي ‪ ‬أمر حمنة بنت جحش رضي اهلل عنها لما كانت‬
‫مستحاضة بتأخير الظهر وتعجيل العصر‪ ،‬وتأخير المغرب وتعجيل‬
‫العشاء(‪ ،)3‬وهذا هو الجمع الصوري‪.‬‬
‫‪ -12‬ال يجوز للمريض ترك الصالة بأي حال من األحوال مادام عقله‬
‫ثابتا‪ ،‬بل يجب على المكلف أن يحرص على الصالة أيام مرضه أكثر‬ ‫ً‬
‫من حرصه عليها أيام صحته ويصليها في وقتها المشروع حسب‬
‫متعمدا وهو عاقل عالم بالحكم الشرعي مكلف‬ ‫ً‬ ‫استطاعته‪ ،‬فإذا تركها‬
‫إيماء فهو آثم‪ ،‬وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى‬ ‫ً‬ ‫يقوى على أدائها ولو‬
‫كفره بذلك(‪)4‬؛ لقول النبي ‪(( :‬العهد الذي بيننا وبينهم الصالة‪ ،‬فمن تركها‬
‫فقد كفر))(‪)5‬؛ ولحديث جابر ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬بين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪)1‬مسلم‪ ،‬كتاب ص الة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب الجمع بين الصالتين في الحضر‪ ،‬برقم ‪،)702(-31‬‬
‫‪.)702(-23 ،)702(-20‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،223/2 ،‬والمغني البن قدامة‪ ،142/4 ،‬وسمعت شيخنا‬
‫اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول بهذا القول‪.‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،287‬والترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،128‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،327‬وحسنه األلباني في إرواء‬
‫الغليل‪ ،‬برقم ‪ ،188‬وتقدم تخريجه في الطهارة في أحكام المستحاضة‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى اإلمام ابن باز‪.233/12 ،‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي عن بريدة ‪ ،‬برقم ‪ ،2321‬والنسائي‪ ،‬برقم ‪ ،334‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1071‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح النسائي‪ ،123/1 ،‬وتقدم تخريجه في منزلة الصالة‪ ،‬حكم تارك الصالة‪.‬‬
‫صالة المريض‬
‫‪555‬‬
‫الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصالة))(‪)1‬؛ ولحديث معاذ ‪ ‬وفيه‪:‬‬
‫((رأس األمر اإلسالم‪ ،‬وعموده الصالة‪ ،‬وذروة سنامه الجهاد))(‪.)2‬‬
‫‪ -13‬إذا نام المريض عن صالته‪ ،‬أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال‬
‫استيقاظه‪ ،‬أو ذكره لها‪ ،‬وال يجوز له تركها إلى دخول وقت مثلها ليصليها‬
‫فيه؛ لحديث أنس ‪ ‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬من نسي صالته فليص ّلها إذا‬
‫ذكرها‪ ،‬ال كفارة لها إال ذلك))‪ ،‬وفي لفظ لمسلم‪(( :‬من نسي صالته أو نام‬
‫عنها‪ ))...‬الحديث(‪.)3‬‬
‫ويقضي الصالة المغمى عليه ثالثة أيام فأقل؛ ألنه يلحق بالنائم‪ ،‬أما إذا‬
‫كانت المدة أكثر من ذلك فال قضاء عليه؛ ألنه يلحق بالمجنون لجامع‬
‫زوال العقل(‪.)4‬‬
‫‪ -17‬إذا كان المريض مسافرا يعالج في غير بلده‪ ،‬فإنه يقصر الصالة‬
‫ً‬
‫الرباعية‪،‬فيصلي الظهر‪،‬والعصر‪،‬والعشاء‪،‬ركعتين ركعتين مادام مسافرا لم‬
‫ً‬
‫ي ِ‬
‫جم ْع على إقامة أكثر من أربعة أيام(‪،)5‬أما صالة المغرب فيصليها ثال ًثا‬ ‫ُ‬
‫سفرا وحضرا‪،‬وهكذا صالة الفجر يصليها اثنتين سفرا وحضرا‪،‬ويصلي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سنة الفجر قبلها‪ :‬ركعتين؛ألن النبي ‪ ‬كان يصليهما حضرا وسفرا‪،‬قالت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أبدا))(‪،)6‬ويصلي الوتر كذلك؛لحديث‬ ‫عائشة رضي اهلل عنها‪((:‬لم يكن يدعهما ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،73‬وتقدم تخريجه في منزلة الصالة‪ ،‬حكم تارك الصالة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،2313‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،4174‬وحسنه األلباني في إرواء الغليل‪.148/2 ،‬‬
‫(‪)3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،217‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،383‬وتقدم تخريجه في منزلة الصالة‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪:‬المغني البن قدامة‪،22-20/2 ،‬والشرح الكبير‪ ،8/4 ،‬ومجموع فتاوى ابن باز‪.327/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،143-103/4 ،‬والشرح الكبير‪ ،83-23/2 ،‬واإلنصاف في المطبوع مع‬
‫الشرح الكبير‪ 83-23/2،‬وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية‪ ،18 ،12 ،14-10/8،‬وفتاوى‬
‫ابن باز‪.280-233/12 ،‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1121‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،723‬وتقدم تخريجه في التطوع‪.‬‬
‫صالة المريض‬ ‫‪555‬‬
‫ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪((:‬كان النبي ‪ ‬يصلي في السفر على راحلته حيث‬
‫إيماء صالة الليل إال الفرائض‪ ،‬ويوتر على راحلته))‪.‬‬
‫ً‬ ‫توجهت به يومئ‬
‫وفي لفظ‪(( :‬كان يوتر على راحلته))(‪ .)1‬أما السنن الرواتب فالسنة أن ال‬
‫يصليها في السفر؛ لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬صحبت رسول اهلل‬
‫‪ ‬في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اهلل))(‪.)2‬‬
‫أما التطوع المطلق فمشروع في الحضر والسفر مطل ًقا‪،‬مثل‪:‬صالة‬
‫الضحى‪ ،‬وصالة الليل‪،‬وسنة الوضوء وغيرها من النوافل‪،‬قال النووي‬
‫رحمه اهلل‪((:‬وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في‬
‫السفر‪ .)3())...‬وهذا لمن لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام‪ ،‬أو ال‬
‫يدري متى يرتحل؛ فإ َّن له أحكام السفر حتى يعزم على إقامة أكثر من‬
‫أربعة أيام أو يرجع إلى وطنه‪ .‬واألحوط للمسلم أن ال يقصر في أقل من‬
‫مسافة يوم وليلة لإلبل والمشاة بالسير العادي‪ ،‬وذلك يقارب ثمانين‬
‫كيلو تقريبا؛ ألن هذه المسافة تعتبر سفرا ُعر ًفا عند الجمهور‪ ،‬فإن عزم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على اإلقامة أكثر من أربعة أيام‪ ،‬أو كانت المسافة أقل من مسيرة يوم‬
‫أربعا‬
‫بأحكام السفر‪)5( ،‬بل يتم الصالة ً‬ ‫وليلة فاألحوط للمؤمن أن ال يأخذ‬
‫كالمقيمين‪ :‬الظهر‪ ،‬والعصر‪ ،‬والعشاء(‪ )4‬واهلل الموفق ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،111‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،700‬وتقدم تخريجه في التطوع‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1011‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،381‬وتقدم تخريجه في التطوع‪.‬‬
‫(‪ )3‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.202/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل‪ ،280-233/12 ،‬وانظر‪:‬‬
‫المغني البن قدامة‪.143-103/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،143-103/4 ،‬والشرح الكبير‪ ،83-23/2 ،‬واإلنصاف للمرداوي‬
‫المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪ ،83-23/2 ،‬وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪،‬‬
‫‪ ،118-10/8 ،114 ،110 ،107 ،100 ،11 ،18 ،12 ،12 ،10/8‬وفتاوى اإلمام ابن باز رحمه‬
‫اهلل‪ ،280-233/12 ،‬وانظر للفائدة‪ :‬فتاوى ابن تيمية‪ ،132-7/23 ،‬ومجموع فتاوى ابن عثيمين‪،‬‬
‫‪ ،338-222/12‬والشرح الممتع له‪.237-310/3 ،‬‬
‫صالة المريض‬
‫‪555‬‬
‫ثام ًنا‪ :‬الصالة في السفينة والطائرة‪ ،‬والقطار‪ ،‬والسيارة‪ ،‬أو على‬
‫الراحلة على النحو اآلتي‪:‬‬
‫القطار‪،‬قائما عند القدرة؛‬
‫ً‬ ‫‪ -1‬تصح صالة الفرض في السفينة والباخرة و‬
‫لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‪،‬قال‪((:‬سئل النبي ‪ ‬عن الصالة في السفينة‪،‬‬
‫قائما إال أن تخاف الغرق))(‪.)1‬‬
‫صل فيها ً‬
‫فقال‪:‬كيف أصلي في السفينة؟قال‪ّ ((:‬‬
‫وعن عبد اهلل بن أبي عتبة قال‪((:‬صحبت جابر بن عبد اهلل‪،‬وأبا سعيد‬
‫‪،‬أمهم بعضهم‪ ،‬وهم‬ ‫قياما في جماعة ّ‬ ‫في‪)3‬سفينة فصلوا ً‬ ‫الخدري‪ ،‬وأبا هريرة‬
‫(‪( )2‬‬
‫الج َّد ) ‪،‬قال اإلمام الشوكاني رحمه اهلل‪((:‬والمراد أنهم‬ ‫يقدرون على ُ‬
‫)‬

‫يقدرون على الصالة في البر‪،‬وقد صحت صالتهم في السفينة مع‬


‫اضطرابها‪ ،‬وفيه جواز الصالة في السفينة وإن كان الخروج إلى البر‬
‫(‪)4‬‬
‫قاعدا لقادر على القيام‪ ،‬فإن‬ ‫ممكنا)) ‪ .‬وال تصح صالة الفرض في السفينة ً‬ ‫ً‬
‫(‪)5‬‬
‫جالسا؛لقول اهلل تعالى‪َ  :‬ف َّات ُقوا اهلل َما ْاس َت َط ْع ُتم‪، ‬‬
‫ً‬ ‫عجز عن القيام صلى‬
‫ْ‬
‫فيصلي على حسب حاله ويأتي بما يقدر عليه من القيام وغيره على‬
‫حسب ما تقدم في صفة صالة المريض(‪،)6‬ويصلون فيها جماعة على‬
‫حسب استطاعتهم‪ ،‬ويستقبلون القبلة في الفرض‪ ،‬وكلما انحرفت السفينة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الحاكم‪ ، 272/1 ،‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد على شرط مسلم‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،272/1 ،‬والدارقطني‬
‫في السنن‪ ،412/1 ،‬وذكره األلباني في صفة الصالة‪ ،‬ص‪ ،38‬ونقل تصحيح الحاكم وموافقة‬
‫الذهبي‪ ،‬وقال الشيخ محمد شمس الحق في التعليق المغني على الدارقطني‪(( :‬فيه بشر بن فأفأ‬
‫ضعفه الدارقطني‪ ،‬كذا في الميزان‪ ،‬لكن ما بين وجه الضعف فهو جرح مبهم))‪.412/1 ،‬‬
‫الجد‪ :‬شاطئ البحر‪ .‬انظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪.331/2 ،‬‬
‫َّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫( ‪ )3‬الحديث أخرجه سعيد بن منصور في سننه كما عزاه إليه المجد بن تيمية في منتقى األخبار‪ ،‬رقم‪.1210‬‬
‫(‪ )4‬نيل األوطار‪.331/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬سورة التغابن‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الشرح الكبير‪ ،‬لعبد الرحمن بن قدامة المقدسي‪ ،20/2 ،‬واإلنصاف للمرداوي المطبوع مع‬
‫المقنع والشرح الكبير‪.20/2 ،‬‬
‫صالة المريض‬ ‫‪555‬‬
‫عن القبلة اتجهوا إليها(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬الصالة المفروضة في الطائرة صحيحة؛ ألن الطائرة في الجو على‬
‫متن الهواء كالباخرة في البحر على متن الماء‪ ،‬ولكن يجب على المسلم‬
‫أن يفعل ما يجب عليه في الصالة‪ :‬من القيام باألركان‪ ،‬والواجبات‪،‬‬
‫والشروط مثل‪ :‬الطهارة‪ ،‬واستقبال القبلة‪ ،‬والقيام‪ ،‬والقعود‪ ،‬والركوع‪،‬‬
‫والسجود‪ ،‬وغير ذلك مما يجب‪ ،‬وإذا كان ال يستطيع القيام بذلك فال‬
‫يصلي في الطائرة بل ينتظر حتى تهبط إال إذا علم أن الهبوط بعد خروج‬
‫الوقت‪ ،‬وكانت الصالة التي أدركته في الجو ال يمكن جمعها مع ما بعدها‪،‬‬
‫مثل‪ :‬العصر والفجر ويعلم بأن هبوط الطائرة بعـد خروج وقتها لزمه أن‬
‫يصـليها في الطـائرة وال يؤخرها عن وقتها‪ ،‬فيصليها كالصالة في السفينة‬
‫قائما‪ ،‬فإن لم يستطع صلى‬ ‫قائما صلى ً‬‫كما تقدم‪ ،‬فإن استطاع أن يصلي ً‬
‫قاعدا ويكون مستقبل القبلة ويدور مع القبلة حيث دارت‪ ،‬ويومئ بالركوع‬ ‫ً‬
‫والسجود ويكون أخفض من الركوع‪ ،‬ويقوم بما يستطيع؛ لقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫‪َ ‬ف َّات ُقوا اهلل َما ْاس َت َط ْع ُتم‪ ،)2(‬أما إذا كانت الصالة مما يجمع جمع تقديم‬
‫ْ‬
‫أو تأخير‪ ،‬فإن األفضل للمسلم أن يصليها إذا أدركه وقت األولى قبل‬
‫اإلقالع‪ ،‬فيصلي التي أدركه وقتها كالظهر مثالً ثم يصلي العصر‪ ،‬وهكذا‬
‫المغرب والعشاء إذا كان مسافرا قد خرج من بلده‪ ،‬أما إذا لم يدخل وقت‬
‫ً‬
‫األولى وأقلعت الطائرة أو القطار أو السفينة قبل دخول الوقت فإنه‬
‫يؤخرها إلى وقت الثانية فيصلي جمع تأخير مع قصر الرباعية إذا كان‬
‫مسافرا‪.‬‬
‫ً‬
‫أما إذا دخل الوقت أثناء السير وهو يعلم أن وقت الصالة الثانية يخرج قبل‬
‫الهبوط وجب عليه أن يصليها قبل خروج وقت الثانية على حسب استطاعته‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪)1‬اإلنصاف مع الشرح الكبير‪ ،20/2 ،‬والروض المربع حاشية ابن قاسم‪.474/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬سورة التغابن‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬
‫صالة المريض‬
‫‪555‬‬
‫‪ -4‬الصالة في السيارة أو على الراحلة على النحو اآلتي‪:‬‬
‫أ‪ -‬إذا كانت السيارة كبيرة وفيها مكان واسع للصالة يستطيع اإلنسان‬
‫ساجدا‪،‬مستقبل القبلة‪،‬وقد تطهر‪،‬فال حرج‬
‫ً‬ ‫راكعا‬
‫ً‬ ‫قائما‬
‫أن يصلي الفرض ً‬
‫عليه أن يصلي فيها‪،‬كما يصلي في السفينة والطائرة والقطار كما تقدم‪.‬‬
‫ب‪ -‬إذا كان ال يستطيع أن يقوم بما يجب عليه في صالة الفريضة فإنه‬
‫ال يصلي في السيارة إال إذا لم يستطع النزول منها وخشي خروج وقت‬
‫الصالة‪ ،‬فإنه حينئذ يصلي على حسب حاله كما تقدم‪.‬‬
‫جـ‪ -‬أما الصالة على الرواحل‪ :‬كاإلبل‪ ،‬والخيل‪ ،‬والبغال‪ ،‬وغيرها‬
‫فال تصح إال عند خشية التأذي بمطر‪ ،‬أو وحل إذا نزل على األرض‬
‫وال يستقر في صالته فإنه حينئذ يصلي ولكن يستقبل القبلة‪ ،‬ويعمل‬
‫ما يستطيع في صالته‪ ،‬وكذا يصح الفرض على الراحلة إذا خاف‬
‫انقطاع ا عن رفقته بنزوله‪ ،‬أو خاف على نفسه من عدو أو عجز عن‬ ‫ً‬
‫ركوب إن نزل‪ ،‬وعليه أن يستقبل القبلة إن قدر على ذلك‪ ،‬وعليه أن‬
‫يركع ويسجد ويجعل سجوده أخفض من ركوعه؛ لقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫‪َ ‬ف اتَّ ُق وا اهلل َم ا ْاس َت َط ْع تُم ‪ ، )1(‬ولقوله سبحانه‪ :‬الَ يُ َك لّ ُف اهلل نَ ْف ًسا‬
‫ْ‬
‫ِإ ال َّ ُو ْس َع َه ا‪.)2(‬‬
‫‪ -3‬صالة النافلة في السفر تصح على جميع وسائل النقل‪ ،‬سواء‬
‫كانت‪ :‬من السفن‪ ،‬أو البواخر‪ ،‬أو الطائرات‪ ،‬أو السيارات‪ ،‬أو الراحلة؛‬
‫ألن النبي ‪ ‬كان يصلي النافلة وهو على راحلته حيث توجهت به‪ ،‬وقد‬
‫رآه ابن عمر رضي اهلل عنهما يصلي الوتر كذلك على الراحلة(‪)3‬؛ لكن األفضل‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة التغابن‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.283‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ ،‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،111‬ورقم ‪،1012 ،1000‬‬
‫و‪ ،1018 ،1013‬و‪ ،1102‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،700‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع‪.‬‬
‫صالة المريض‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أن يستقبل القبلة عند تكبيرة اإلحرام ثم يصلي كيفما توجهت به‬
‫السفينة‪ ،‬أو الطائرة‪ ،‬أو الراحلة أو غير ذلك(‪ ،)2‬ولو لم يستقبل القبلة في‬
‫النافلة عند تكبيرة اإلحرام فال حرج في ذلك‪ ،‬ولكن هذا من باب‬
‫االستحباب‪.‬‬
‫واهلل ‪ ‬أعلم وأحكم‪ ،‬وهو الموفق ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪،1222‬وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام‪،‬الحديث رقم ‪ ،228‬وتقدم‬
‫تخريجه في صالة التطوع‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الصالة في السفينة والطائرة‪ ،‬والقطار‪ ،‬والسيارة‪ ،‬وعلى الراحلة ما في المغني البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ،18-17/2 ،423 ،424/2‬والشرح الكبير‪ ،20/2 ،‬واإلنصاف مع المقنع والشرح الكبير‪،‬‬
‫‪ ،20/2‬والروض المربع‪ ،‬مع شرح ابن قاسم‪ ،474/2 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪-383/3 ،‬‬
‫‪ ،381‬والفتاوى له‪ ، 222-233/12 ،‬وفتاوى اإلمام ابن باز جمع عبد اهلل الطيار‪،333-331/3 ،‬‬
‫وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪.127-111/8 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫المبحث الثامن والعشرون‪ :‬صالة المسافر‬


‫الس ْفر‪ :‬جمع سافر‪ ،‬والمسافرون‪ :‬جمع‬ ‫أوالً‪:‬مفهوم السفر‪،‬والمسافر‪:‬‬
‫ُّ ُ‬
‫وس ّمي المسافر مسافرا؛ لكشفه قناع‬‫بمعنى‪ُ .‬‬ ‫مسافر‪ ،‬والسفر والمسافرون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحضرِ عن مكانه‪ ،‬ومنزل الخفض عن نفسه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الكن عن وجهه‪ ،‬ومنازل‬ ‫ّ‬
‫وبروزه إلى األرض الفضاء‪ ،‬وسمي السفر سفرا؛ ألنه يسفر عن وجوه‬
‫ً‬
‫المسافرين وأخالقهم‪ ،‬فيظهر ما كان خافيا منها(‪ ،)1‬فظهر أن السفر‪ :‬قطع‬
‫ً‬
‫المسافة؛ سمي بذلك؛ ألنه يسفر عن أخالق الرجال‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬سفرت‬
‫المرأة عن وجهها‪ :‬إذا أظهرته‪ ،‬والسفر هو الخروج عن عمارة موطن اإلقامة‬
‫يصح فيها قصر الصالة(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫قاصدا مكا ًنا يبعد مسافة‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬أنواع السفر على النحو اآلتي‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -5‬سفر حرام‪ ،‬وهو أن يسافر لفعل ما حرمه اهلل أو حرمه رسوله ‪،‬‬
‫ٌ‬
‫مثل‪ :‬من يسافر للتجارة في الخمر‪ ،‬والمحرمات‪ ،‬وقطع الطريق‪ ،‬أو سفر‬
‫المرأة بدون محرم(‪.)3‬‬
‫‪ -5‬سفر واجب‪ ،‬مثل‪ :‬السفر لفريضة الحج‪ ،‬أو السفر للعمرة الواجبة‪،‬‬
‫أو الجهاد الواجب‪.‬‬
‫‪ -5‬سفر مستحب‪ ،‬مثل‪ :‬السفر للعمرة غير الواجبة‪ ،‬أو السفر لحج‬
‫التطوع‪ ،‬أو جهاد التطوع‪.‬‬
‫‪ -5‬سفر مباح‪ ،‬مثل‪ :‬السفر للتجارة المباحة‪ ،‬وكل أمر مباح‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لسان العرب البن منظور‪ ،‬باب الراء‪ ،‬فصل السين ‪ .438/3،‬وقيل‪ :‬السفر لغة‪ :‬قطع المسافة‪،‬‬
‫وشرعا‪ :‬هو الخروج على قصد مسيرة ثالثة أيام ولياليها فما فوقها بسير اإلبل ومشي األقدام‪.‬‬
‫ً‬
‫التعريفات للجرجاني‪ ،‬ص‪ ،127‬وقال‪ :‬المسافر‪ :‬هو من قصد سيرا وس ًطا ثالثة أيام ولياليها‪،‬‬
‫ً‬
‫وفارق بيوت بلده‪ ،‬التعريفات للجرجاني‪،‬ص‪.233‬‬
‫(‪ )2‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬للدكتور محمد رواس‪ ،‬ص‪.211‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪:‬المغني البن قدامة‪،112/4 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين رحمه اهلل‪.312/3،‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪555‬‬
‫‪ -0‬سفر مكروه‪ ،‬مثل‪ :‬سفر اإلنسان وحده بدون رفقة إال في أمر البد‬
‫منه(‪)1‬؛ لقوله ‪(( :‬لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب‬
‫بليل وحده))(‪.)2‬‬
‫فهذه أنواع السفر التي ذكرها أهل العلم‪ ،‬فيجب على كل مسلم أن ال‬
‫يسافر إلى سفر محرم‪ ،‬وينبغي له أن ال يتعمد السفر المكروه‪ ،‬بل يقتصر‬
‫في جميع أسفاره على السفر الواجب‪ ،‬والمستحب‪ ،‬والمباح(‪.)3‬‬
‫ثالثًا‪ :‬آداب السفر والعمرة والحج‪:‬‬
‫اآلداب التي ينبغي للمسافر والمعتمر والحاج المسافر معرفتها‬
‫والعمل بها؛ ليحصل على عمرة مقبولة‪ ،‬ويُو َّفق لحج مبرور‪ ،‬وسفر‬
‫مبارك آداب كثيرة منها‪ :‬آداب واجبة وآداب مستحبة‪،‬وأذكر منها على‬
‫سبيل المثال ال الحصر اآلداب اآلتية‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪:‬المغني البن قدامة‪،117-113/4،‬والشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين‪.312-311/3،‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪،‬كتاب الجهاد والسير‪،‬باب السير وحده‪،‬برقم ‪،2118‬من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫(‪ )3‬اختلف العلماء في نوع السفر الذي تختص به رخص السفر‪:‬من القصر‪،‬والجمع‪ ،‬والفطر‪،‬والمسح‬
‫تطوعا على أقوال‪:‬‬
‫ً‬ ‫على الخفين والعمائم ثالثة أيام‪،‬والصالة على الراحلة‬
‫‪ -1‬فقيل‪ :‬رخص السفر‪ :‬من القصر‪ ،‬والجمع‪ ،‬والفطر في رمضان‪ ،‬والمسح ثال ًثا‪ ،‬والصالة على‬
‫تطوعا تكون في السفر الواجب‪ ،‬والمندوب‪ ،‬والمباح‪ ،‬أما السفر المحرم والمكروه فال‬ ‫ً‬ ‫الراحلة‬
‫تباح فيه هذه الرخص‪.‬‬
‫‪ -2‬وقيل‪ :‬ال يقصر إال في الحج والعمرة والجهاد؛ ألن الواجب ال يترك إال لواجب‪ ،‬أما السفر المباح‬
‫والمحرم والمكروه فال‪.‬‬
‫‪ -4‬وقيل ال يقصر إال في سفر الطاعة؛ ألن النبي ‪ ‬إنما قصر في سفر واجب أو مندوب‪.‬‬
‫‪ -3‬وذهب اإلمام أبو حنيفة وشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وجماعة كثيرة من العلماء إلى أنه يجوز القصر‬
‫حتى في السفر المحرم‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪(( :‬والحجة مع من جعل القصر والفطر‬
‫مشروعا في جنس السفر ولم يخص سفرا دون سفر‪ ،‬وهذا القول هو الصحيح‪ ،‬فإن الكتاب‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫والسنة قد أطلقا السفر))‪ .‬مجموع الفتاوى‪ ،101/23 ،‬وانظر‪ :‬المغني البن قدامة‪،117-112/4 ،‬‬
‫واألخبار العلمية‪ ،‬من االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪ ،110‬والكافي البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ،337/1‬والشرح الكبير المطبوع مع المقنع‪ ،40/2 ،‬واإلنصاف للمرداوي المطبوع مع الفتح‬
‫والشرح الكبير‪،43/2،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪،314/3،‬والفتاوى له‪.281-273 ،230/12 ،‬‬
‫‪550‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫‪ -1‬يستخير اهلل سبحانه في الوقت‪،‬والراحلة‪ ،‬والرفيق‪ ،‬وجهة الطريق‬


‫إن كثرت الطرق‪ ،‬ويستشير في ذلك أهل الخبرة والصالح‪ .‬أما الحج؛‬
‫فإنه خير ال شك فيه‪ .‬وصفة االستخارة أن يصلي ركعتين ثم يدعو‬
‫بالوارد(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬يجب على الحاج والمعتمر أن يقصد بحجه وعمرته وجه اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬والتقرب إليه‪ ،‬وأن يحذر أن يقصد حطام الدنيا أو المفاخرة‪،‬أو‬
‫حيازة األلقاب‪ ،‬أو الرياء والسمعة؛ فإن ذلك سبب في بطالن العمل‬
‫اي َو َم َم ِاتي هلل‬ ‫َ‬ ‫وعدم قبوله‪ .‬قال سبحانه‪ُ  :‬ق ْل ِإ َّن َصالَ ِتي َونُ ُس ِكي َو َم ْحي‬
‫(‪)2‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يك َل ُه َوب َِذ ِل َك أ ُ ِم ْر ُ‬ ‫ِ‬
‫ين‪ُ  . ‬ق ْل‬ ‫ت َوأَ َن ْا أَ َّو ُل ا ْلـ ُم ْسلم َ‬ ‫ين * الَ َشرِ َ‬ ‫َر ّب ا ْل َعا َلم َ‬
‫ان َير ُجو ِل َق َاء‬ ‫احد فمن ك‬ ‫ِإنما أَنا بشر مثلكم يوحى ِإلي أَنما ِإلهكم ِإله و ِ‬
‫َّ َ َ َ َ ٌ ّ ْ ُ ُ ْ ُ َ َ َّ َّ َ َ ُ ُ ْ َ ٌ َ ٌ َ ( َ‪ْ َ َ )3‬‬
‫اد ِة َربّ ِه أَ َح ًدا‪ . ‬والمسلم هكذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َربّه َف ْل َي ْع َم ْل َع َمالً َصال ًحا َوال يُ ْشرِ ْك بِع َب َ‬
‫يد‬
‫ان يُرِ ُ‬ ‫ال يريد إال وجه اهلل والدار اآلخرة؛ ولهذا قال اهلل ‪َّ  :‬من َك َ‬
‫الها‬‫يد ثُ َّم َج َع ْل َنا َل ُه َج َهنَّ َم َي ْص َ‬ ‫اء ِل َمن نُّرِ ُ‬ ‫يها َما َن َش ُ‬
‫ِ‬ ‫ا ْل َع ِ‬
‫اج َل َة َع َّج ْل َنا َل ُه ‪4‬ف َ‬
‫ورا‪ ،) (‬وفي الحديث القدسي‪(( :‬أنا أغنى الشركاء عن‬ ‫ً‬ ‫وما َّم ْد ُح‬ ‫ً‬ ‫َم ْذ ُم‬
‫الشرك‪ ،‬من عمل عمالً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه))(‪.)5‬‬
‫وقد خاف النبي ‪ ‬على أمته من الشرك األصغر فقال‪(( :‬إن أخوف ما‬
‫فسئل عنه فقال‪(( :‬الرياء))(‪ .)6‬وقال ‪(( :‬من‬ ‫ُ‬ ‫أخاف عليكم الشرك األصغر))‬

‫سمع اهلل به‪ ،‬ومن يُرائي يُرائي اهلل به))(‪ .)7‬قال اهلل تعالى‪َ  :‬و َما أ ُ ِمروا‬ ‫سمع َّ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر االستخارة في البخاري‪ ،132/7 ،‬وحصن المسلم‪ ،‬ص‪ ،32‬للمؤلف‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة األنعام‪ ،‬اآليتان‪.134 -132 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.110 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.18 :‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ ،‬كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬باب من أشرك في عمله غير اهلل‪ ،‬برقم ‪.2182‬‬
‫(‪ )6‬أحمد في المسند‪ 328/2،‬وحسنه األلباني في صحيح الجامع‪.32/2،‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه من حديث جندب ‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب الرياء والسمعة‪،‬برقم ‪،3311‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬باب من أشرك في عمله غير اهلل‪،‬برقم ‪.2187‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪556‬‬
‫الز َكا َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الصال َة َويُ ْؤتُوا َّ‬
‫يموا َّ‬
‫ين ُح َن َف َاء َويُق ُ‬‫الد َ‬
‫ين َل ُه ّ‬
‫إِال ل َي ْع ُب ُدوا اهلل ُم ْخل‪1‬صـ َ‬
‫ين ا ْل َقي َمة‪.) (‬‬‫َو َذ ِل َك ِد‬
‫ُ ّ‬
‫‪ -4‬على الحاج والمعتمر التفقه في أحكام العمرة والحج‪ ،‬وأحكام‬
‫السفر قبل أن يسافر‪ :‬من القصر‪ ،‬والجمع‪ ،‬وأحكام التيمم‪ ،‬والمسح على‬
‫الخفين‪ ،‬وغير ذلك مما يحتاجه في طريقه إلى أداء المناسك قال ‪:‬‬
‫((من يرد اهلل به خيرا يفقهه في الدين))(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫حاجا أو معتمرا‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫‪ -3‬التوبة من جميع الذنوب والمعاصي‪ ،‬سواء كان‬
‫ً‬
‫أو غير ذلك فتجب التوبة من جميع الذنوب والمعاصي‪ ،‬وحقيقة التوبة‪:‬‬
‫اإلقالع عن جميع الذنوب وتركها‪ ،‬والندم على فعل ما مضى منها‪،‬‬
‫ردها‬ ‫والعزيمة على عدم العودة إليها‪ ،‬وإن كان عنده للناس مظالم ّ‬
‫عرضا أو ماالً‪ ،‬أو غير ذلك من قبل أن‬ ‫ً‬ ‫وتحللهم منها‪ ،‬سواء كانت‪:‬‬
‫يُؤخذ ألخيه من حسناته‪ ،‬فإن لم يكن له حسنات أ ُ ِخ َذ من سيئات أخيه‬
‫فطرحت عليه(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬على الحاج أو المعتمر أن ينتخب المال الحالل لحجه وعمرته؛‬
‫ألن اهلل طيب ال يقبل إال طيبا؛ وألن المال الحرام يسبب عدم إجابة‬
‫ًّ‬
‫الدعاء(‪ ،)4‬وأيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫‪ -3‬يستحب للمسافر أن يكتب وصيته‪ ،‬وما له وما عليه فاآلجال بيد‬


‫ث َو َي ْع َلم َما ِفي األَ ْر َح ِام‬
‫اع ِة َويُ َن ّز ُل ا ْل َغ ْي َ‬
‫الس َ‬
‫اهلل تعالى‪ِ  :‬إ َّن اهلل ِع َ ِ‬
‫ند ُه ع ْل ُم َّ‬
‫ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة البينة‪ ،‬اآلية‪.2 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪،‬من حديث معاوية ‪،‬كتاب العلم‪،‬باب من يرد اهلل به خيرا يفقهه في الدين‪ ،‬برقم ‪.71‬‬
‫ً‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬سورة النور‪ ،‬اآلية‪ ،41 :‬والبخاري‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب القصاص يوم القيامة‪ ،‬برقم ‪.3242 ،3243‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬صحيح مسلم‪،‬كتاب الزكاة‪،‬باب قبول الصدقة من الكسب الطيب‪،‬برقم ‪.1012‬‬
‫(‪ )5‬أبو نعيم في الحلية بنحوه‪ ،41/1 ،‬وأحمد في الزهد بمعناه‪ ،‬ص‪ 133‬وفي المسند‪،421/4 ،‬‬
‫والدارمي‪ ،221/2 ،‬وغيرهم‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح الجامع‪ ،172/3 ،‬وانظر‪ :‬فتح الباري‪،‬‬
‫‪.114/4‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب َغ ًدا َو َما َت ْدرِ ي َن ْف ٌس ِبأَ ّي أَ ْرض َت ُم ُ‬
‫وت ِإ َّن‬ ‫َو َما َت ْدرِ ي َن ْف ٌس َّ‪1‬ما َذا َت ْكس ُ‬
‫اهلل َع ِليم َخبِير‪ ،) (‬وقال ‪(( :‬ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫يوصي فيه يبيت ليلتين إال ووصيته مكتوبة عنده))(‪ .)2‬ويشهد عليها‪،‬‬
‫ويقضي ما عليه من الديون‪ ،‬ويرد الودائع إلى أهلها أو يستأذنهم في‬
‫بقائها‪.‬‬
‫‪ - 7‬يستحب للمسافر أن يوصي أهله بتقوى اهلل تعالى‪ ،‬وهي وصية‬
‫اب ِمن‬ ‫ِ‬
‫ين أُوتُو ْا ا ْلك َت َ‬
‫ِ‬
‫اهلل تعالى لألولين واآلخرين‪َ  :‬و َل َق ْد َو َّص ْي َنا الَّذ َ‬
‫ات َو َما ِفي‬ ‫اكم أَ ِن َّات ُقو ْا اهلل وإِن َت ْك ُفرو ْا َف ِإ َّن هلل ما ِفي السمو ِ‬ ‫قب ِلكم وإِي‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ (‪ُ )3‬‬ ‫َ ْ ُ ْ َ َّ ُ ْ‬
‫ان اهلل َغ ِن ًّيا َح ِم ً‬
‫يدا‪. ‬‬ ‫األَ ْر ِض َو َك َ‬
‫‪ - 8‬يستحب للمسافر أن يجتهد في اختيار الرفيق الصالح‪،‬ويحرص‬
‫أن يكون من طلبة العلم الشرعي؛فإن هذا من أسباب توفيقه وعدم‬
‫وقوعه في األخطاء في سفره وفي حجه وعمرته؛لقول النبي ‪(( ‬الرجل‬
‫على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل))(‪)4‬؛ولقوله ‪(( ‬ال تصاحب إال‬
‫مؤمنا وال يأكل طعامك إال تقي))(‪ ،)5‬وقد مثل النبي ‪ ‬الجليس الصالح‬
‫ً‬
‫(‪)6‬‬
‫بحامل المسك‪ ،‬والجليس السوء بنافخ الكير ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة لقمان‪ ،‬اآلية‪.43 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الوصايا‪ ،‬باب الوصايا‪ ،‬برقم ‪،2748‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الوصية‪ ،‬برقم ‪.1327‬‬
‫(‪ )3‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.141 :‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب من يؤمر أن يجالس‪ ،‬برقم ‪ ،3844‬وحسنه األلباني في صحيح سنن‬
‫أبي داود‪.188/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب من يؤمر أن يجالس‪ ،‬برقم ‪ ،3842‬والترمذي‪ ،‬كتاب الزهد‪ ،‬باب ما‬
‫جاء في صحبة المؤمن‪ ،‬برقم ‪ ،2412‬وحسنه األلباني في صحيح أبي داود‪ ،‬برقم ‪،3842‬‬
‫وصحيح الترمذي‪ ،‬برقم ‪.2211‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه من حديث أبي موسى ‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الذبائح والصيد‪ ،‬باب المسك‪ ،‬برقم ‪،2243‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب استحباب مجالسة الصالحين‪ ،‬ومجانبة قرناء السوء‪ ،‬برقم ‪.2328‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪555‬‬
‫‪ -1‬يستحب للمسافر أن يودع أهله‪ ،‬وأقاربه‪ ،‬وأهل العلم‪:‬من جيرانه‪،‬‬
‫وأصحابه‪ ،‬قال ‪(( :‬من أراد سفرا فليقل لمن يخ ّلف‪ :‬أستودعكم اهلل‬
‫ً‬
‫الذي ال تضيع ودائعه))(‪ ،)1‬وكان النبي ‪ ‬يودع أصحابه إذا أراد أحدهم‬
‫سفرا فيقول‪(( :‬أستودع اهلل دينك وأمانتك وخواتيم عملك))(‪ ،)2‬وكان ‪‬‬
‫ً‬
‫زودك اهلل التقوى‪ ،‬وغفر‬
‫َّ‬ ‫يقول لمن طلب منه أن يوصيه من المسافرين‪(( :‬‬

‫كنت))(‪ .)3‬وجاء رجل إلى النبي ‪ ‬يريد‬‫حيث ما َ‬‫ُ‬ ‫ويسر لك الخير‬


‫ذنبك‪َّ ،‬‬
‫سفرا فقال‪ :‬يا رسول اهلل أوصني‪ ،‬فقال‪(( :‬أوصيك بتقوى اهلل والتكبير‬
‫ً‬
‫وهون عليه‬ ‫ِ‬
‫كل) شرف))‪ ،‬فلما مضى قال‪(( :‬اللهم ازو له األرض‪ّ ،‬‬ ‫(‪4‬‬
‫على‬
‫السفر)) ‪.‬‬
‫‪ -10‬ال يصطحب معه الجرس والمزامير والكلب في السفر؛ لحديث‬
‫أبي هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪((:‬ال تصحب المالئكة رفقة فيها كلب‬
‫وال جرس))(‪.)5‬وعنه ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪((:‬الجرس مزامير الشيطان))(‪.)6‬‬
‫‪ -11‬إذا أراد السفر بإحدى زوجاته إن كان له أكثر من واحدة أقرع‬
‫بينهن فأي زوجة وقعت عليها القرعة خرجت معه؛ لحديث عائشة رضي اهلل‬
‫عنها قالت‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج‬
‫ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أحمد‪ ،304/2 ،‬ابن ماجه‪ ،‬الجهاد‪ ،‬باب تشييع الغزاة ووداعهم‪ ،‬برقم ‪ ،2822‬وصححه األلباني‬
‫في سلسلة األحاديث الصحيحة‪ ،‬برقم ‪ ،2237 ،13‬وصحيح سنن ابن ماجه‪.144/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪،‬كتاب الجهاد‪،‬باب في الدعاء عند الوداع‪،‬برقم ‪،2300‬والترمذي‪،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب ما‬
‫جاء فيما يقول إذا ودع إنسا ًنا‪ ،‬برقم ‪ ،4332‬وصححه األلباني في صحيح الترمذي‪.122/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب ما يقول إذا ودع إنسا ًنا‪ ،‬برقم ‪ ،4333‬وقال األلباني في صحيح‬
‫سنن الترمذي‪(( :311/4 ،‬حسن صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب منه وصيته ‪ ‬المسافر بتقوى اهلل والتكبير على كل شرف‪ ،‬برقم‬
‫‪ 4332‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب فضل الحرس والتكبير في سبيل اهلل‪ ،‬برقم ‪ .2771‬وأحمد‪،‬‬
‫والحاكم‪ ،‬وحسنه األلباني في صحيح الترمذي‪ ،123/4 ،‬وصحيح ابن ماجه‪ ،123/2 ،‬وصحيح‬
‫ابن خزيمة‪.131/3 ،‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب اللباس والزينة‪ :‬باب كراهة الكلب والجرس في السفر‪( ،‬برقم ‪.)2114‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة‪ ،‬باب كراهة الكلب والجرس في السفر‪( ،‬رقم ‪،)2113‬‬
‫وأحمد في مسنده‪،)472/2(،‬وأبو داود في كتاب الجهاد‪،‬باب في تعليق األجراس‪( ،‬رقم ‪.)2223‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫سهمها خرج بها معه))(‪ .)1‬وهذا هو السنة‪ ،‬إذا أراد أن يسافر ببعض‬
‫نسائه‪ ،‬فالقرعة فيها راحة عظيمة(‪.)2‬‬
‫‪ -12‬يستحب له أن يخرج للسفر يوم الخميس من أول النهار؛لفعله ‪ ‬قال‬
‫كعب بن مالك ‪(( :‬لق َّلما كان رسول اهلل ‪ ‬يخرج إذا خرج في سفر إال يوم‬
‫الخميس))(‪ .)3‬ودعا ألمته ‪ ‬بالبركة في أول النهار فقال‪(( :‬اللهم بارك ألمتي في‬
‫بكورها))(‪.)4‬‬
‫يستحب له أن يدعو بدعاء الخروج من المنزل فيقول عند‬ ‫ُّ‬ ‫‪-14‬‬
‫خروجه‪(( :‬بسم اهلل‪ ،‬توكلت على اهلل‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل(‪ ،)5‬اللهم‬
‫أزل أو أ ُ َز َّل‪ ،‬أو ِ‬
‫أظلم أو أُظ َلم‪ ،‬أو‬ ‫َّ‬ ‫إني أعوذ بك أن ِ‬
‫أض َّل أو أ ُ َض َّل‪ ،‬أو‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جهل علي))(‪.)6‬‬ ‫أجهل أو يُ َ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫يستحب له أن يدعو بدعاء السفر‪ ،‬إذا ركب دابته‪ ،‬أو سيارته‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫‪-13‬‬
‫الطائرة‪ ،‬أو غيرها من المركوبات فيقول‪(( :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر))‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ ) 1‬متفق عليه‪ ،‬البخاري‪ ،‬كتاب الهبة‪ ،‬باب هبة المرأة لغير زوجها‪ ،‬برقم ‪ ،2214‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضائل عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬برقم ‪.2332‬‬
‫(‪ )2‬سمعته من شيخنا اإلمام ابن باز أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم ‪.2871‬‬
‫فورى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس‪،‬برقم ‪.2138‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب من أراد غزوة ّ‬
‫(‪ ) 4‬أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد‪ ،‬باب في االبتكار في السفر (رقم ‪ ،)2303‬والترمذي في كتاب‬
‫البيوع‪ ،‬باب ما جاء في التبكير بالتجارة‪( ،‬رقم ‪ ،)1212‬وابن ماجه في كتاب التجارات‪ ،‬باب ما يرجى‬
‫من البركة في البكور‪( ،‬رقم ‪ ،)2243‬وأحمد في مسنده‪ ،)313/4 ،123/1( ،‬قال أبو عيسى‪ :‬حديث‬
‫حسن‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح أبي داود‪ ،313/2 ،‬وصحيح الترمذي‪.8-7/2 ،‬‬
‫(‪ ) 5‬أخرجه أبو داود في كتاب األدب‪ ،‬باب ما يقول إذا خرج من بيته‪( ،‬رقم ‪ ،)2012‬والترمذي في‬
‫كتاب الدعوات‪ ،‬باب ما يقول إذا خرج من بيته‪( ،‬رقم ‪ ،)4323‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‬
‫غريب‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح الترمذي‪ ،310/4 ،‬وصحيح أبي داود‪.121/4 ،‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو د اود في كتاب األدب‪ ،‬باب ما يقول إذا خرج من بيته‪( ،‬رقم ‪ ،)2013‬والترمذي في‬
‫كتاب الدعوات‪ ،‬باب منه‪( ،‬رقم ‪ ،) 4327‬والنسائي في كتاب االستعاذة‪ ،‬باب االستعاذة من دعاء‬
‫ال يستجاب‪( ،‬رقم ‪ ،)2243‬وابن ماجه في كتاب الدعوات‪ ،‬باب ما يدعو الرجل إذا خرج من بيته‪،‬‬
‫(رقم ‪ ،)4883‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪،‬وصححه األلباني في صحيح أبي داود‪،‬‬
‫‪ ،121/4‬وصحيح الترمذي‪.311-310/4 ،‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪،‬‬ ‫ين* َو ِإ َّنا ِإ َلى َربّ َنا َل ُمن َق ِل ُب َ‬
‫ون‪‬‬ ‫ِ‬ ‫‪‬سب َ ِ‬
‫حان الَّذي َس َّخ َر َل َنا َه َذا َو َما ُك َّنا َل ُه ُم ْقرِ ن َ‬ ‫ُْ‬
‫((اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى‪ ،‬ومن العمل ما ترضى‪،‬‬
‫ّ‬
‫هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده‪ ،‬اللهم أنت الصاحب في‬ ‫اللهم ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السفر‪ ،‬والخليفة في األهل‪ ،‬اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر‪ ،‬وكآبة‬
‫ّ‬
‫المنظر‪ ،‬وسوء المنقلب‪ :‬في المال‪ ،‬واألهل‪ ))..‬وإذا رجع من سفره‬
‫قالهن وزاد فيهن‪(( :‬آيبون‪ ،‬تائبون‪ ،‬عابدون‪ ،‬لربنا حامدون))(‪.)2‬‬
‫يستحب له أن ال يسافر وحده بال رفقة؛لقوله ‪((:‬لو يعلم الناس ما في‬‫ّ‬ ‫‪-12‬‬
‫(‪)3‬‬
‫الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده)) ‪.‬وقال ‪((:‬الراكب شيطان‪،‬والراكبان‬
‫شيطانان‪ ،‬الثالثة ركب))(‪.)4‬‬
‫أجمع لشملهم‪،‬وأدعى‬ ‫أحدهم؛ليكون‬ ‫َ‬ ‫يؤمر المسافرون‬ ‫ِ‬ ‫‪-13‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫التفاقهم‪ ،‬وأقوى لتحصيل غرضهم‪ ،‬قال ‪(( :‬إذا خرج ثالثة في سفر‬
‫فليؤمروا أحدهم))(‪.)5‬‬
‫ّ‬
‫‪-17‬يستحب إذا نزل المسافرون منزالً أن ينضم بعضهم إلى بعض‪،‬‬
‫ّ‬
‫فقد كان بعض أصحاب النبي ‪ ‬إذا نزلوا منزالً تفرقوا في الشعاب‬
‫واألودية‪ ،‬فقال ‪(( :‬إنما تفرقكم في هذه الشعاب واألودية إنما ذلكم‬
‫(‪)6‬‬
‫بعضهم إلى بعض حتى لو بسط‬ ‫ينضم ُ‬
‫ُّ‬ ‫ذلك‬ ‫بعد‬ ‫فكانوا‬ ‫‪.‬‬ ‫من الشيطان))‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الزخرف‪ ،‬اآليتان‪.13-14 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في كتاب الحج‪،‬باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره‪( ،‬رقم ‪.)1432‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب السير وحده‪( ،‬رقم ‪.)2118‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد‪،‬باب في الرجل يسافر وحده‪(،‬رقم ‪،)2307‬والترمذي في كتاب‬
‫الجهاد‪،‬باب ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده‪(،‬رقم ‪،)1373‬وقال‪:‬حديث حسن‬
‫صحيح‪.‬وأحمد في مسنده‪،)213 ،183/2(،‬والحاكم في المستدرك‪ )102/2(،‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد‬
‫الذهبي‪،‬وحسنه األلباني في الصحيحة‪(،‬رقم ‪،)32‬وصحيح الترمذي‪.232/2 ،‬‬
‫ّ‬ ‫ولم يخرجاه‪،‬ووافقه‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد‪،‬باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم‪(،‬رقم ‪،)2301 ،2308‬‬
‫وحسنه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.312 ،313/2 ،‬‬ ‫ّ‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته‪ ،‬برقم ‪ ،2328‬وصححه األلباني‬
‫في صحيح سنن أبي داود‪.140/2 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫عليهم ثوب لوسعهم‪.‬‬


‫يستحب إذا نزل منزالً في السفر أو غيره من المنازل أن يدعو‬ ‫ّ‬ ‫‪-18‬‬
‫بما ثبت عنه ‪(( :‬أعوذ بكلمات اهلل التامات من شر ما خلق))؛ فإنه إذا‬
‫قال ذلك لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫يستحب له أن يكبر على المرتفعات ويسبح إذا هبط المنخفضات‬ ‫ّ‬ ‫‪-11‬‬
‫ّ‬
‫واألودية‪ ،‬قال جابر ‪(( :‬كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا))(‪ ،)2‬وال‬
‫يرفعوا أصواتهم بالتكبير‪ ،‬قال ‪(( :‬يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم؛‬
‫فإنكم ال تدعون أصم وال غائبا‪ ،‬إنه معكم‪ ،‬إنه سميع قريب))(‪.)3‬‬
‫ً‬
‫يدعو بدعاء دخول القرية أو البلدة فيقول إذا‬ ‫َ‬ ‫يستحب له أن‬ ‫ّ‬ ‫‪-20‬‬
‫رب السموات السبع وما أظللن‪،‬ورب األرضين السبع وما‬ ‫رآها‪(( :‬اللهم َّ‬
‫أقللن‪ ،‬ورب الشياطين وما أضللن‪ ،‬ورب الرياح وما ذرين‪ ،‬أسألك خير‬
‫هذه القرية وخير أهلها‪ ،‬وخير ما فيها‪ ،‬وأعوذ بك من شرها وشر أهلها‬
‫وشر ما فيها))(‪.)4‬‬
‫يستحب له السير أثناء السفر في الليل وخاصة أوله؛ لقوله ‪((:‬عليكم‬
‫ّ‬ ‫‪-21‬‬
‫(‪)5‬‬
‫طوى بالليل)) ‪.‬‬‫بالدلجة؛ فإن األرض تُ َ‬
‫ُّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك‬
‫الشقاء وغيره‪( ،‬رقم ‪.)2701‬‬
‫واديا‪( ،‬رقم ‪.)2114‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب التسبيح إذا هبط ً‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير‪،‬باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير‪(،‬رقم ‪ ،)2112‬ومسلم‬
‫في كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪،‬باب استحباب خفض الصوت بالذكر‪(،‬رقم ‪.)2703‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة‪( ،‬رقم ‪ ،)233‬وابن السني في عمل اليوم والليلة‪( ،‬رقم‬
‫‪،)223‬وابن حبان كما في موارد الظمآن‪(،‬رقم ‪،)2477‬وابن خزيمة في صحيحه‪( ،‬رقم ‪،)2232‬‬
‫وحسنه الحافظ ابن حجر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والحاكم في المستدرك‪ ،)100/2 ،333/1( ،‬وصححه ووافقه الذهبي‪،‬‬
‫وقال الهيثمي في مجمع الزوائد‪:)147/10(،‬رواه الطبراني في األوسط وإسناده حسن‪ .‬وقال ابن‬
‫باز رحمه اهلل في تحفة األخيار‪ ،‬ص‪ (( :47‬رواه النسائي بإسناد حسن ))‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد‪،‬باب في الدلجة‪(،‬رقم ‪،)2271‬والحاكم في مستدركه‪،)332/1(،‬‬
‫وقال‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬والبيهقي في سننه الكبرى‪،‬‬
‫(‪ ،)223/2‬وصححه األلباني في الصحيحة‪( ،‬رقم ‪ ،)381‬وفي صحيح سنن أبي داود‪.331/2 ،‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪555‬‬
‫سامع‬
‫ٌ‬ ‫سمع‬‫يستحب له أن يقول في السحر إذا بدا له الفجر‪ّ (( :‬‬
‫ّ‬ ‫‪-22‬‬
‫عائذا باهلل من‬
‫ً‬ ‫بحمد اهلل وحسن بالئه علينا‪ .‬ربنا صاحبنا‪،‬وأفضل علينا‬
‫النار))(‪.)1‬‬
‫حري بأن تجاب‬‫ٌّ‬ ‫يستحب له أن يكثر من الدعاء في السفر؛ فإنه‬
‫ّ‬ ‫‪-24‬‬
‫دعوته‪،‬ويُعطى مسألته؛لقوله ‪(( :‬ثالث دعوات مستجابات ال شك فيهن‪:‬‬
‫دعوة المظلوم‪ ،‬ودعوة المسافر‪ ،‬ودعوة الوالد على ولده))(‪ ،)2‬ويكثر الحاج‬
‫من الدعاء كذلك على الصفا والمروة‪ ،‬وفي عرفات‪ ،‬وفي المشعر الحرام‬
‫بعد الفجر‪ ،‬وبعد رمي الجمرة الصغرى‪ ،‬والوسطى أيام التشريق؛ ألن النبي‬
‫‪ ‬أكثر في هذه المواطن الستة من الدعاء ورفع يديه(‪.)3‬‬
‫‪ -23‬يأمر بالمعروف‪ ،‬وينهى عن المنكر على حسب طاقته وعلمه‪،‬‬
‫والبد من أن يكون على علم وبصيرة فيما يأمر وفيما ينهى عنه‪ ،‬ويلتزم‬
‫الرفق واللين‪ ،‬وال شك أنه يُخشى على من لم ينكر المنكر أن يعاقبه اهلل‬
‫‪ ‬بعدم قبول دعائه؛ لقوله ‪(( :‬والذي نفسي بيده لتأمر َّن بالمعروف‬
‫عقابا منه ثم تدعونه‬
‫ليوشكن اهلل أن يبعث عليكم ً‬
‫َّ‬ ‫ولتنهو َّن عن المنكر أو‬
‫فال يستجيب لكم))(‪.)4‬‬
‫‪ -22‬يبتعد عن جميع المعاصي‪ ،‬فال يؤذي أح ًدا بلسانه‪ ،‬وال بيده‪ ،‬وال‬
‫زحاما يؤذيهم‪ ،‬وال ينقل النميمة وال يقع في‬
‫ً‬ ‫يزاحم الحجاج والمعتمرين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر‬
‫ما لم يعمل‪( ،‬رقم ‪.)2718‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود في كتاب الوتر‪ ،‬باب الدعاء بظهر الغيب‪( ،‬رقم ‪ ،)1243‬والترمذي في كتاب البر‬
‫والصلة‪ ،‬باب ما جاء في دعوة الوالدين‪( ،‬رقم ‪ ،)1102‬وابن ماجه في كتاب الدعاء‪ ،‬باب دعوة‬
‫الوالد ودعوة المظلوم‪( ،‬رقم ‪ ،)4832‬وأحمد‪ ،228/4 ،‬وحسنه األلباني في صحيح الترمذي‪،‬‬
‫‪ ،433/3‬وغيره‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬زاد المعاد البن القيم‪ 227/2 ،‬و‪.283‬‬
‫(‪ )4‬أخر جه الترمذي‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب ما جاء في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬برقم ‪،2131‬‬
‫وابن ماجه‪،‬وأحمد‪ ،488/2،‬وحسنه الترمذي‪،‬وصححه األلباني في صحيح الترمذي‪.330/2 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫الغيبة‪ ،‬وال يجادل مع أصحابه وغيرهم إال بالتي هي أحسن‪ ،‬وال يكذب‪،‬‬
‫وال يقول على اهلل ما ال يعلم‪ ،‬وغير ذلك من أنواع المعاصي والسيئات‬
‫ث َوالَ‬ ‫ات َف َمن َف َر َض ِفيهِ َّن الحج َفالَ َر َف َ‬ ‫قال سبحانه‪:‬الحج أَ ْش ُه ٌر َّم ْع ُلو َم ٌ‬
‫ون الـم ْؤ ِم ِ‬ ‫(‪)1‬‬
‫ين‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫ُ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬
‫َ ُْ‬‫ين‬ ‫ِ‬
‫ذ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫‪،‬وقال‬ ‫وق َوالَ ِج َد َال ِفي الحج‪‬‬ ‫ُف ُس َ‬
‫‪2‬‬
‫اح َت َم ُلوا بُ ْه َتا ًنا َو ِإ ْث ًما ُّمب ًِينا‪ ،) (‬والمعاصي‬ ‫ِ‬ ‫والـم ْؤ ِم َن ِ‬
‫اك َت َس ُبوا َف َقد ْ‬‫ات ب َِغ ْيرِ َما ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ين َك َفروا‬ ‫في ْ الحرم ليست كالمعاصي في غيره‪ ،‬قال سبحانه‪ِ  :‬إ َّن الَّ ِ‬
‫ذ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اس َس َو ًاء‬ ‫ِيل اهلل والـمس ِج ِد الـحر ِام الَّ ِذي جع ْل َناه ِللن ِ‬ ‫ون َعن َسب ِ‬ ‫َو َي ُص ُّد َ‬
‫َ َ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َْ ْ‬
‫‪3‬‬
‫( )‬
‫يم‪. ‬‬ ‫اك ُف ِف ِيه وا ْلب ِاد ومن يرِ ْد ِف ِيه ِبإِلـح ٍاد ِبظُ ْل ٍم نُ ِذ ْقه ِمن َع َذا ٍب أَ ِل ٍ‬ ‫ا ْلع ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ََ ُ‬ ‫َ‬
‫‪ -23‬يحافظ على جميع الواجبات‪ ،‬ومن أعظمها الصالة في أوقاتها‬
‫مع الجماعة‪ ،‬ويكثر من الطاعات‪ :‬كقراءة القرآن‪ ،‬والذكر‪ ،‬والدعاء‪،‬‬
‫واإلحسان إلى الناس بالقول والفعل‪ ،‬والرفق بهم‪ ،‬وإعانتهم عند‬
‫الحاجة‪ .‬قال ‪(( :‬مثل المؤمنين في توادهم‪ ،‬وتراحمهم‪ ،‬وتعاطفهم مثل‬
‫الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))(‪.)4‬‬
‫‪ -27‬يتخلق بالخلق الحسن‪ ،‬ويخالق به الناس‪ ،‬والخلق الحسن يشمل‪:‬‬
‫الصبر‪ ،‬والعفو‪ ،‬والرفق‪ ،‬واللين‪ ،‬والحلم‪ ،‬واألناة وعدم العجلة في األمور‪،‬‬
‫والتواضع‪ ،‬والكرم والجود‪ ،‬والعدل‪ ،‬والثبات‪ ،‬والرحمة‪ ،‬واألمانة‪ ،‬والزهد‬
‫والورع‪ ،‬والسماحة‪ ،‬والوفاء‪ ،‬والحياء‪ ،‬والصدق‪ ،‬والبر واإلحسان‪،‬والعفة‪،‬‬
‫والنشاط‪ ،‬والمروءة؛ ولعظم فضل حسن الخلق قال النبي ‪(( :‬أكمل المؤمنين‬
‫إيما ًنا أحسنهم خل ًقا‪ ،)5())..‬وقال ‪(( :‬إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.118 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية‪.28 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.22 :‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب رحمة الناس والبهائم‪ ،‬برقم ‪ ،3011‬ومسلم في كتاب‬
‫البر والصلة واآلداب‪ ،‬باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم‪( ،‬رقم ‪.)2283‬‬
‫(‪ ) 5‬أخرجــه أبــو داود فــي كتــاب الســنة‪ ،‬بــاب الــدليل علــى زيــادة اإليمــان ونقصــانه‪( ،‬رقــم ‪،)3382‬‬
‫والترمذي في كتاب الرضاع‪ ،‬باب ما جاء في حق المرأة على زوجها‪( ،‬رقم‪ ،)1132‬وقال‪ :‬حديث‬
‫=‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الصائم القائم)) ‪.‬‬
‫‪ -28‬يعين الضعيف‪ ،‬والرفيق في السفر‪ :‬بالنفس‪ ،‬والمال‪ ،‬والجاه‪،‬‬
‫ويواسيهم بفضول المال وغيره مما يحتاجون إليه‪ ،‬فعن أبي سعيد ‪‬‬
‫فليع ْد‬
‫((أنهم كانوا مع رسول اهلل ‪ ‬في سفر فقال‪(( :‬من كان معه فضل ظهر ُ‬
‫فليع ْد به على من ال زاد‬
‫ُ‬ ‫به على من ال ظهر له‪ ،‬ومن كان معه فضل زاد‬
‫له))‪ ،‬فذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه ال حق ألحد منا في فضل))(‪.)2‬‬
‫وعن جابر ‪ ‬قال‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يتخلف في المسير فيزجي‬
‫الضعيف(‪ ،)3‬ويردف‪ ،‬ويدعو لهم))(‪ .)4‬وهذا يدل على رأفته ‪ ‬وحرصه‬
‫على مصالحهم؛ ليقتدي به المسلمون عامة‪ ،‬والمسؤولون خاصة‪.‬‬
‫يتعجل في العودة وال يطيل المكث في السفر لغير حاجة؛ لقوله‬ ‫ّ‬ ‫‪-21‬‬
‫‪ ((:‬السفر قطعة من العذاب‪،‬يمنع أحدكم طعامه وشرابه‪،‬ونومه‪،‬فإذا قضى‬
‫أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله))(‪.)5‬‬
‫يستحب له أن يقول أثناء رجوعه من سفره ما ثبت عن النبي ‪‬‬
‫ّ‬ ‫‪-40‬‬
‫أنه كان إذا قفل من غزو‪ ،‬أو حج‪ ،‬أو عمرة‪ ،‬يكبر على كل شرف من‬
‫ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫حسن صحيح‪ .‬وأحمد في مسنده‪ ،)372 ،220/2( ،‬والحاكم في مستدركه‪ ،)4/1( ،‬وقال‪ :‬صحيح‬
‫علــى شــرط مســلم‪ .‬ووافقــه الــذهبي‪ .‬وصــححه األلبــاني فــي الصــحيحة‪( ،‬رقــم ‪ ،)283‬وصــحيح‬
‫الترمذي‪.213/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود في كتاب األدب‪ ،‬با ب في حسـن الخلـق‪( ،‬رقـم ‪ ،) 3718‬وصـححه األلبـاني فـي‬
‫صحيح أبي داود‪ ،) 111/4( ،‬وفي صحيح الجامع‪( ،‬رقم ‪.)1142‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في كتاب اللقطة‪ ،‬باب استحباب المؤاساة بفضول المال‪( ،‬رقم ‪.)1728‬‬
‫(‪ )3‬ومعنى يزجي الضعيف‪ :‬أي يسوقه ويدفعه حتى يلحق بالرفاق‪ .‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث‬
‫البن األثير‪.217/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد‪ ،‬باب في لزوم الساقة‪( ،‬رقم ‪ ،)2341‬والحاكم في المستدرك‪،‬‬
‫(‪،) 112/2‬وقال‪:‬صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‪ .‬ووافقه الذهبي‪ .‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح أبي داود‪ ،)200/2( ،‬وفي الصحيحة‪( ،‬رقم ‪.)2120‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري في كتاب العمرة‪ ،‬باب السفر قطعة من العذاب‪( ،‬رقم ‪ ،)1803‬ومسلم في كتاب‬
‫اإلمارة‪ ،‬باب السفر قطعة من العذاب واستحباب تعجيل المسافر إلى أهله بعد قضاء شغله‪( ،‬رقم‬
‫‪ ،)1127‬والنهمة‪ :‬هي الحاجة‪.‬‬
‫‪550‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫األرض ثالث تكبيرات ثم يقول‪(( :‬ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له‬
‫الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‪،‬آيبون‪،‬تائبون‪،‬عابدون‪،‬‬
‫ساجدون‪ ،‬لربنا حامدون‪،‬صدق اهلل وعده‪،‬ونصر عبده‪ ،‬وهزم األحزاب‬
‫وحده))(‪.)1‬‬
‫يستحب له إذا رأى بلدته أن يقول‪(( :‬آيبون‪ ،‬تائبون‪ ،‬عابدون‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪-41‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ويردد ذلك حتى يدخل بلدته؛ لفعله ‪. ‬‬ ‫ّ‬ ‫لربنا حامدون))‪.‬‬
‫الغيبة لغير حاجة إال إذا ب َّلغهم‬ ‫‪ -42‬ال يقدم على أهله ليالً إذا أطال‬
‫َْ‬
‫بذلك‪،‬وأخبرهم بوقت قدومه ليالً؛لنهيه ‪ ‬عن ذلك‪،‬قال جابر بن عبد اهلل‬
‫رضي اهلل عنهما‪(( :‬نهى النبي ‪ ‬أن يطرق(‪ )3‬الرجل أهله ليالً))(‪ .)4‬ومن الحكمة‬
‫وتستحد‬
‫َّ‬ ‫في ذلك ما فسرته الرواية األخرى‪(( :‬حتى تمتشط الشعثة‪،‬‬
‫المغيبة))‪ ،‬وفي أخرى‪(( :‬نهى رسول اهلل ‪ ‬أن يطرق الرجل أهله ليالً‬ ‫َّ‬
‫يتخونهم‪ ،‬أو يلتمس عثراتهم))(‪.)5‬‬
‫ّ‬
‫يستحب للقادم من السفر أن يبتدئ بالمسجد الذي بجواره‬ ‫ّ‬ ‫‪-44‬‬
‫ويصلي فيه ركعتين؛ لفعله ‪‬؛ فإنه ((كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد‬
‫فركع فيه ركعتين))(‪.)6‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في كتاب العمرة‪،‬باب ما يقول إذا رجع من الحج‪( ،‬رقم ‪ ،)1717‬ومسلم في‬
‫كتاب الحج‪ ،‬باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره‪( ،‬رقم ‪.)1433‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في كتاب الحج‪ ،‬باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره‪( ،‬رقم ‪.)1432‬‬
‫(‪ )3‬ال يطرق أهله‪ :‬أي ال يدخل عليهم ليالً إذا قدم من سفر‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري في كتاب العمرة‪،‬باب ال يطرق أهله إذا بلغ المدينة‪(،‬رقم ‪ ،)1801‬ومسلم في‬
‫كتاب اإلمارة‪ ،‬باب كراهة الطروق وهو الدخول ليالً لمن ورد من سفر‪( ،‬رقم ‪.)183/1128‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم في كتاب اإلمارة‪ ،‬باب كراهة الطروق وهو الدخول ليالً لمن ورد من سفر‪( ،‬رقم‬
‫‪.)183/1128‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري في كتاب الصالة‪ ،‬باب الصالة إذا قدم من سفر بعد الحديث رقم ‪ ،334‬ومسلم‬
‫في كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول‬
‫قدومه‪( ،‬رقم ‪.)713‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪556‬‬
‫‪ -43‬يستحب للمسافر إذا قدم من سفر أن يتلطف بالوِ ْل َدان من أهل‬
‫بيته وجيرانه ويحسن إليهم إذا استقبلوه‪،‬فعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪:‬لما‬
‫واحدا بين يديه‬‫ً‬ ‫قدم النبي ‪ ‬مكة استقبله أُغيلمة بني عبد المطلب فحمل‬
‫واآلخر خلفه(‪.)1‬وقال عبد اهلل بن جعفر ‪((:‬كان ‪ ‬إذا قدم من سفر ُت ُل ّقي‬
‫بنا‪َ ،‬ف ُت ُل ّقي بي وبالحسن أو بالحسين فحمل أحدنا بين يديه واآلخر خلفه‬
‫َ‬
‫حتى دخلنا المدينة))(‪.)2‬‬
‫تستحب الهدية‪ ،‬لما فيها من تطييب القلوب وإزالة الشحناء‪،‬‬‫ّ‬ ‫‪-42‬‬
‫ردها لغير مانع شرعي؛ ولهذا قال‬
‫ويستحب قبولها‪ ،‬واإلثابة عليها‪ ،‬ويكره ّ‬
‫‪(( :‬تهادوا تحابّوا))(‪ ،)3‬والهدية سبب من أسباب المودة بين المسلمين؛‬
‫ولهذا قال بعضهم‪:‬‬
‫تولــــــد فــــــي قلــــــوبهم الوصــــــاال‬
‫هـــدايا النـــاس بعضـــهم لـــبعض‬
‫شـيئا فغضـب‬ ‫وقد ُذ ِك َر أن أحـد الحجـاج عـاد إلـى أهلـه فلـم ّ‬
‫يقـدم لهـم ً‬
‫واحد منهم وأنشد شعرا فقال‪:‬‬
‫ً‬
‫سواكا وال نعالً‬ ‫ً‬ ‫ولم يحملوا منها‬ ‫كـــأن الحجـــيج اآلن لـــم يقربـــوا‬
‫( ‪)4‬‬
‫وال وضعوا في كف طفل لنا نقال‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى‬
‫أتونـــا فمـــا جـــادوا بعـــود أراكـــة‬ ‫منـ‬

‫ومن أجمل الهدايا ماء زمزم؛ ألنها مباركة‪ ،‬قال ‪ ‬في ماء زمزم‪(( :‬إنها‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في كتاب العمرة‪،‬باب استقبال الحاج القادمين والثالثة على الدابة‪(،‬رقم ‪،)1718‬‬
‫وفي كتاب اللباس‪ ،‬باب الثالثة على الدابة‪( ،‬رقم ‪.)2132‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضائل عبد اهلل بن جعفر رضي اهلل عنهما‪( ،‬رقم‬
‫‪ ،)37/2328‬وأبو داود في كتاب الجهاد‪ ،‬باب في ركوب ثالثة على دابة‪( ،‬رقم ‪،)2233‬وابن ماجه‬
‫في كتاب األدب‪،‬باب ركوب ثالثة على دابة‪(،‬رقم ‪ ،)4774‬وانظر فتح الباري‪.)413/10( ،‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو يعلى في مسنده‪( ،‬رقم ‪ ،)3138‬والبيهقي في سننه الكبرى‪ ،)131/3( ،‬وفي شعب‬
‫اإليمان‪( ،‬رقم ‪ ،)8173‬والبخاري في األدب المفرد‪( ،‬رقم ‪ ،)213‬وقال الحافظ ابن حجر في‬
‫حسنه األلباني في إرواء الغليل‪( ،‬رقم ‪.)1301‬‬
‫التلخيص الحبير‪ :)70/4( ،‬إسناده حسن‪ .‬وكذا ّ‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬المنهاج للمعتمر والحاج لسعود بن إبراهيم الشريم‪ ،‬ص‪.123‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫مباركة‪ ،‬إنها طعام طعم [وشفاء سقم]))(‪.)1‬‬


‫وعن جابر ‪ ‬يرفعه‪(( :‬ماء زمزم لما ُشرِ َب له))(‪ .)2‬ويُذكر أن النبي ‪‬‬
‫((كان يحمل ماء زمزم في األداوي والقرب‪ ،‬فكان يصب على المرضى‬
‫ويسقيهم))(‪.)3‬‬
‫‪ -43‬إذا قدم المسافر إلى بلده استحبت المعانقة؛ لما ثبت عن‬
‫أصحاب النبي ‪ ‬كما قال أنس ‪(( :‬كانوا إذا تالقوا تصافحوا‪ ،‬وإذا‬
‫قدموا من سفر تعانقوا))(‪.)4‬‬
‫‪ -47‬يستحب جمع األصحاب وإطعامهم عند القدوم من السفر؛‬
‫لفعل النبي ‪ ،‬فعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما‪(( :‬أن رسول اهلل ‪ ‬لما‬
‫جزورا أو بقرة))‪ .‬زاد معاذ عن شعبة عن محارب سمع‬ ‫ً‬ ‫قدم المدينة نحر‬
‫جابر بن عبد اهلل يقول‪(( :‬اشترى مني النبي ‪ ‬بعيرا بأوقيتين ودرهم أو‬
‫ً‬ ‫(‪)5‬‬
‫أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها‪))...‬‬ ‫صرارا‬ ‫درهمين‪ ،‬فلما قدم‬
‫ً‬
‫الحديث(‪ .)6‬وهذا الطعام يقال له‪( :‬النقيعة)‪ ،‬وهي طعام يتخذه القادم من‬
‫السفر(‪ ،)7‬وهذا الحديث وما جاء في معناه يدل على إطعام اإلمام‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب من فضائل أبي ذر ‪( ،‬رقم ‪ ،)2374‬وما بين‬
‫المعقوفين عند البزار‪ ،‬والبيهقي والطبراني‪ ،‬وإسناده صحيح‪ ،‬انظر‪ :‬مجمع الزوائد‪.283/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه في كتاب المناسك‪،‬باب الشرب من زمزم‪(،‬رقم ‪،)4032‬والبيهقي في السنن الكبرى‪،‬‬
‫(‪ ،)202/2‬وأحمد في المسند‪ ،)472/4( ،‬وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه‪ ،21/4 ،‬وإرواء الغليل‪،‬‬
‫(رقم ‪ ،)1124‬والصحيحة‪( ،‬رقم ‪.)884‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الترمذي في كتاب الحج‪،‬باب رقم ‪(،112‬رقم ‪ )134‬مختصرا‪ ،‬والحاكم في المستدرك‪،)382/1( ،‬‬
‫ً‬
‫وصححه األلباني في الصحيحة‪( ،‬رقم ‪ ،)884‬وصحيح الجامع‪( ،‬رقم ‪.)3141‬‬
‫(‪ )4‬الطبراني في األوسط (مجمع البحرين في زوائد المعجمين)‪ ،232/2 ،‬وذكره الهيثمي في مجمع‬
‫الزوائد‪ ،43/8 ،‬وقال‪ :‬رجاله رجاله الصحيح‪.‬‬
‫(‪ )5‬صرار ‪ :‬موضع بظاهر المدينة على ثالثة أميال منها من جهة المشرق‪ .‬فتح الباري‪.113/3 ،‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب الطعام عند القدوم‪( ،‬رقم ‪ ،)4081‬واللفظ له‪،‬‬
‫ومسلم مختصرا في كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب استحباب الركعتين في المسجد لمن‬
‫ً‬
‫قدم من سفر أول قدومه‪( ،‬رقم ‪.)72/712‬‬
‫(‪ )7‬النهاية في غريب الحديث واألثر البن األثير‪ 101/2 ،‬والقاموس المحيط‪ ،‬ص‪ ،112‬وانظر‪:‬‬
‫=‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر‪ ،‬وهو مستحب عند السلف ‪.‬‬
‫ابعا‪:‬األصل في قصر الصالة في السفر‪:‬الكتاب والسنة واإلجماع‪:‬‬ ‫رً‬
‫‪-5‬أما الكتاب فقول اهلل تعالى‪َ :‬و ِإ َذا َضر ْب ُتم ِفي األَ ْر ِض َف َلي َس َع َلي ُكم‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ين‬ ‫رِ‬ ‫ج َناح أَن َت ْقصرو ْا ِمن الصالَ ِة إ ِْن ِخ ْفتم أَن ي ْف ِت َن ُكم الَّ ِذين َك َفرو ْا ِإ َّن ا ْل َك ِ‬
‫اف‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ ‪َّ 2‬‬
‫( )‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ ٌ‬
‫َكانُو ْا َل ُكم َع ُد ًّوا ُّمب ًِينا‪ . ‬وعن يعلى بن أمية قال‪:‬قلت لعمر بن الخطاب‪:‬‬
‫ْ‬
‫ين‬ ‫ذ‬‫‪َ ‬ف َليس ع َلي ُكم ج َناح أَن َت ْقصرو ْا ِمن الصالَ ِة إ ِْن ِخ ْفتم أَن ي ْف ِت َن ُكم الَّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َْ َ ْ ْ ُ ٌ‬
‫عجبت مما عجبت منه‪،‬فسألت رسول اهلل‬ ‫ُ‬ ‫َك َفرو ْا‪ ‬فقد أمن الناس‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ُ‬
‫تصدق اهلل بها عليكم فاقبلوا صدقته))(‪.)3‬‬ ‫َّ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫صدق‬ ‫((‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫ذلك‬ ‫عن‬ ‫‪‬‬
‫‪ -2‬وأما السنة فقد تواترت األخبار أن رسول اهلل ‪ ‬كان يقصر في‬
‫ا‪،‬وغازيا‪،‬قال عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‪(( :‬صحبت‬ ‫ً‬ ‫حاجا‪،‬ومعتمر‬ ‫ًّ‬ ‫أسفاره‪:‬‬
‫ً‬
‫رسول اهلل ‪ ‬فكان ال يزيد في السفر على ركعتين‪،‬وأبا بكر‪ ،‬وعمر‪،‬وعثمان‬
‫كذلك‪ .)4()) ،‬وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪(( :‬فرض اهلل الصالة حين فرضها‪:‬‬
‫ركعتين ركعتين في الحضر والسفر‪َ ،‬فأُقرت صالة السفر وزيد في صالة‬
‫َّ‬
‫الحضر))‪ .‬وفي لفظ للبخاري‪(( :‬فرضت الصالة ركعتين‪ ،‬ثم هاجر النبي‬
‫أربعا وتركت صالة السفر على األولى))(‪.)5‬‬ ‫‪ ‬ففرضت ً‬
‫زاد أحمد‪ :‬إال المغرب‪ ،‬فإنها وتر النهار‪ ،‬وإال الصبح‪ ،‬فإنها تطول فيها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫المغني البن قدامة‪.111/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬قاله ابن بطال كما في فتح الباري‪.113/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.101 :‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬برقم ‪.383‬‬
‫(‪ ) 4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب التقصير‪ ،‬باب من لم يتطوع في السفر دبر الصالة‪ ،‬برقم ‪،1102‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬برقم ‪.381‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب كيف فرضت الصالة في اإلسراء‪ ،‬برقم ‪ ،420‬وكتاب‬
‫التقصير‪ ،‬باب يقصر إذا خرج من موضعه‪ ،‬برقم ‪ ،1010‬وكتاب مناقب األنصار‪ ،‬باب التاريخ من‬
‫أرخوا التاريخ‪ ،‬برقم ‪ ،4142‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب صالة المسافرين وقصرها‪،‬‬ ‫أين َّ‬
‫برقم ‪.1270‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫القراءة))(‪.)1‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬فرض اهلل الصالة على لسان نبيكم ‪‬‬
‫أربعا‪ ،‬وفي السفر ركعتين‪ ،‬وفي الخوف ركعة))(‪ ،)2‬وعن عبد‬ ‫في الحضر ً‬
‫اهلل بن مسعود ‪(( :‬صليت مع رسول اهلل ‪ ‬بمنى ركعتين‪ ،‬وصليت مع‬
‫أبي بكر الصديق ‪ ‬بمنى ركعتين‪ ،‬وصليت مع عمر بن الخطاب ‪‬‬
‫ركعتين‪ ،‬فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان))‪ .‬وفي لفظ‪:‬‬
‫((صليت مع النبي ‪ ‬ركعتين‪ ،‬ومع أبي بكر ‪ ‬ركعتين‪ ،‬ومع عمر ‪‬‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم تفرقت بكم الطرق‪ ،‬يا ليت حظي من أربع‪ :‬ركعتان‬
‫متقبلتان))(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬وأما اإلجماع‪ ،‬فقد أجمع أهل العلم على أن من سافر سفرا تقصر‬
‫ً‬
‫في مثله الصالة‪ :‬في حج‪ ،‬أو عمرة‪ ،‬أو جهاد أن له أن يقصر الرباعية‬
‫فيصليها ركعتين(‪ ،)4‬وأجمعوا على أن ال يقصر في المغرب وال في صالة‬
‫الصبح(‪.)5‬‬
‫خامسا‪ :‬القصر في السفر أفضل من اإلتمام؛ لحديث عبد اهلل بن‬ ‫ً‬
‫خصه‬
‫رسول اهلل ‪(( :‬إن اهلل يحب أن تؤتى ُر ُ‬ ‫عمر رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫كما يكره أن تؤتى معصيته))(‪ ،)6‬وفي رواية‪(( :‬إن اهلل يحب أن تؤتى‬
‫عزائمه))(‪ .)7‬ولكن لو أتم المسافر الصالة‬
‫ُ‬ ‫رخصه كما يحب أن تؤتى‬ ‫ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسند أحمد‪ ،231/3 ،‬وابن خزيمة‪ ،‬برقم ‪ ،402‬وابن حبان‪ ،‬برقم ‪.2748‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬برقم ‪.387‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب التقصير‪ ،‬باب الصالة بمنى‪ ،‬برقم ‪ ،1083‬وكتاب الحج‪ ،‬باب الصالة‬
‫بمنى‪،‬برقم ‪،1323‬ومسلم‪،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب قصر الصالة بمنى‪ ،‬برقم ‪.312‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬اإلجماع البن المنذر‪ ،‬ص‪ ،33‬والمغني البن قدامة‪.102/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬اإلجماع البن المنذر‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه اإلمام أحمد في المسند‪ ،108/2 ،‬وصححه األلباني في إرواء الغليل‪ ،‬برقم ‪.233‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه ابن حبان من حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ ،31/2 ،‬برقم ‪ ،423‬والطبراني في المعجم الكبير‪ ،‬برقم‬
‫=‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪555‬‬
‫أربعا فصالته صحيحة ولكنه خالف األفضل؛ألن عائشة‬
‫رضي اهلل عنها‬
‫ً‬ ‫الرباعية‬
‫كانت تتم في السفر بعد موت النبي ‪ ،‬وأتم عثمان ‪ ‬بمنى(‪ ،)1‬ولكن‬
‫ما داوم عليه رسول اهلل ‪ ‬في أسفاره أفضل بال شك(‪ ،)2‬وسمعت‬
‫شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‪(( :‬أصل‬
‫الصالة ركعتان كما فرضها اهلل تعالى‪ ،‬ثم زاد فيها سبحانه في الحضر بعد‬
‫الهجرة ثنتين‪،‬في العشاء‪،‬والظهر‪ ،‬والعصر‪،‬وبقيت صالة السفر على حالها‪:‬‬
‫الظهر‪ ،‬والعصر‪،‬والعشاء ركعتان‪ ،‬وهذا يؤيد األصل‪ ،‬والمغرب والفجر‬
‫بقيت على أصلها‪ ،‬فالقصر سنة مؤكدة‪ ،‬ولكن ال مانع من اإلتمام في‬
‫أربعا فال حرج‪ ،‬وقد كانت‬‫السفر‪ ،‬والقصر صدقة من اهلل‪ ،‬فمن صلى ً‬
‫عائشة رضي اهلل عنها تتم في السفر‪ ،‬وتأولت أنه ال يشق عليها‪ ،‬ولم ينكر عليها‬
‫الصحابة‪ ،‬وهي من أعلم الناس))(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫‪ ،11880‬وصححه األلباني في إرواء الغليل‪ ،11/4 ،‬برقم ‪.233‬‬
‫(‪ )1‬إتمام عائشة رضي اهلل عنها في السفر رواه مسلم‪ ،‬في كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب صالة المسافرين وقصرها‪،‬‬
‫برقم ‪ ،)382(-4‬وإتمام عثمان ‪ ‬في منى رواه البخاري في كتاب التقصير‪ ،‬باب الصالة بمنى‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،1083‬وكتاب الحج‪ ،‬باب الصالة بمنى‪ ،‬برقم ‪ ،1323‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب‬
‫قصر الصالة بمنى‪ ،‬برقم ‪.312‬‬
‫(‪ )2‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪(( :‬وقد تنازع العلماء في التربيع [في السفر] هل هو محرم‬
‫أو مكروه أو ترك األولى؟ أو مستحب؟ أو هما سواء؟ على خمسة أقوال‪(( :‬أحدها‪ :‬قول من يقول‪:‬‬
‫كقول للشافعي‪ ،‬والثاني‪ :‬قول من يسوي بينهما كبعض أصحاب مالك‪ ،‬والثالث‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫اإلتمام أفضل‪،‬‬
‫قول من يقول القصر أفضل‪ ،‬كقول الشافعي الصحيح‪ ،‬وإحدى الروايتين عن أحمد‪ ،‬والرابع‪ :‬قول‬
‫من يقول‪ :‬ال قصر واجب‪ ،‬كقول أبي حنيفة ومالك في رواية‪ ،‬وأظهر األقوال‪ :‬قول من يقول‪ :‬إنه‬
‫سنة واإلتمام مكروه؛ ولهذا ال تجب نية القصر عند أكثر العلماء‪ :‬كأبي حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأحمد في‬
‫أحد القولين عنه في مذهبه))‪ .‬مجموع الفتاوى‪.22-21 ،10 ،1/23 ،‬‬
‫(‪ )3‬سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬على األحاديث ذات األرقام ‪،322 ،323 ،324 ،322‬‬
‫وقال على حديث عائشة رضي اهلل عنها‪(( :‬إن النبي ‪ ‬كان يقصر في السفر ويتم ويصوم ويفطر)) قال‬
‫أهل العلم ليس بمحفوظ‪ ،‬بل هو شاذ‪ ،‬والمحفوظ عن النبي ‪ ‬في السفر أنه كان يقصر‪ ،‬فقد‬
‫خالفت هذه الرواية رواية الثقات ك أنس وغيره‪ ،‬لكن فعل عائشة يدل على الجواز كما تقدم‪،‬‬
‫ولكن ما سار عليه النبي ‪ ‬هو أولى وأفضل‪ ،‬وقد كان عثمان يقصر ثم أتم بعد ذلك‪ ،‬وصلى معه‬
‫بعض أصحابه‪.‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫وإذا نسي صالة الحضر فذكرها في السفر فعليه أن يصليها صالة حضر‬
‫أربعا‪ ،‬فلم يجز له‬‫تعين عليه فعلها ً‬ ‫إجماعا؛ ألن الصالة‬
‫ً‬ ‫تامة من غير قصر‬
‫َّ‬
‫أربع‪،‬وأما إن نسي‬ ‫النقصان من عددها؛وألنه إنما يقضي ما فاته وقد فاته ٌ‬
‫صالة السفر فذكرها في الحضر‪،‬فقال اإلمام أحمد‪:‬عليه اإلتمام احتيا ًطا‪،‬‬
‫وبه قال األوزاعي‪،‬وداود‪،‬والشافعي في أحد قوليه‪،‬وقال مالك والثوري‬
‫وأصحاب الرأي‪ :‬يصليها صالة سفر؛ ألنه إنما يقضي ما فاته‪ ،‬ولم يفته‬
‫إال ركعتان(‪ ،)1‬واهلل ‪ ‬أعلم(‪ .)2‬وإن نسيها في سفر وذكرها فيه أو ذكرها‬
‫في سفر آخر قضاها مقصورة؛ ألنها وجبت في السفر و ُفعلت فيه(‪.)3‬‬
‫سادسا‪ :‬مسافة قصر الصالة في السفر‪ :‬قال البخاري رحمه اهلل‪:‬‬ ‫ً‬
‫وما وليلة سفرا‪ ،‬وكان ابن‬‫وسمى النبي ‪ ‬ي ً‬
‫َّ‬ ‫باب‪ :‬في كم يقصر الصالة‪،‬‬‫(( ٌ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫عمر وابن عباس ‪ ‬يقصران ويفطران في أربعة برد وهي ستة عشر‬
‫(‪)4‬‬
‫باب في كم‬‫ٌ‬ ‫قوله‪:‬‬‫فرسخا)) ‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل تعالى‪(( :‬‬
‫ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني البن قدامة‪ ، 132-131/4 ،‬واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف المطبوع مع المقنع والشرح‬
‫الكبير‪ ،23-24/2 ،‬وحاشية الروض المربع البن قاسم‪.487/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬اختار العالمة محمد بن صالح العثيمين أن الراجح فيمن نسي صالة سفر فذكرها في حضر‬
‫صالها قصرا ؛ ألنها صالة وجبت عليه في سفر وصالة السفر مقصورة فال يلزمه إتمامها‪ ،‬وعلى‬
‫ً‬
‫هذا فللمسألة أربع صور‪:‬‬
‫‪ -1‬ذكر صالة سفر في سفر‪ ،‬يقصر‪.‬‬
‫‪ -2‬ذكر صالة حضر في حضر‪ ،‬يتم‪.‬‬
‫‪ -4‬ذكر صالة سفر في حضر‪ ،‬يقصر على الصحيح‪.‬‬
‫‪ -3‬ذكر صالة حضر في سفر‪،‬يتم‪.‬انظر‪:‬الشرح الممتع البن عثيمين‪ 211-217/3،‬و‪.234-232/2‬‬
‫(‪ )3‬المغني البن قدامة‪.132/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب التقصير‪ ،‬باب‪ :‬في كم يقصر الصالة؟ قبل الحديث رقم ‪ ،1083‬قال الحافظ ابن‬
‫حجر عن أثر بن عمر وابن عباس‪(( :‬وصله ابن المنذر من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن‬
‫أبي رباح‪ :‬أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك)) فتح‬
‫الباري‪ ، 233/2 ،‬وقال األلباني عن أثر ابن عباس وابن عمر رضي اهلل عنهما ‪(( :‬صحيح‪ ...‬وصله‬
‫البيهقي في سننه‪ :147/4 ،‬إن عبد اهلل بن عمر وعبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما كانا يصليان ركعتين‬
‫ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك وإسناده صحيح))‪ .‬إرواء الغليل‪.17/4 ،‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪555‬‬
‫يقصر الصالة؟ يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ‬
‫له القصر‪،‬وال يسوغ له في أقل منها‪ ...‬وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ‬
‫االستفهام وأورد ما يدل على اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة))(‪.)1‬‬
‫يوما وليلة سفرا))‪ .‬قال الحافظ‬ ‫وقول البخاري رحمه اهلل‪(( :‬وسمى النبي ‪ً ‬‬
‫ً‬
‫ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬والمعنى سمى مدة اليوم والليلة سفرا‪ ،‬كأنه يشير إلى‬
‫ً‬
‫حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب))(‪ ،)2‬قلت‪ :‬وهو قوله ‪(( :‬ال‬
‫يحل المرأة تؤمن باهلل واليوم اآلخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها‬
‫حرمة))(‪ ،)3‬وفي لفظ لمسلم‪(( :‬ال يحل المرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إال‬
‫ومعها رجل ذو محرم منها))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬ال يحل المرأة تؤمن باهلل واليوم‬
‫اآلخر تسافر مسيرة يوم إال مع ذي محرم))‪ .‬وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن‬
‫النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ال تسافر المرأة ثالثة أيام إال مع ذي محرم))‪ ،‬وفي لفظ‪(( :‬ال‬
‫تسافر المرأة ثال ًثا إال مع ذي محرم))‪ .‬وفي لفظ لمسلم‪(( :‬ال يحل المرأة‬
‫تؤمن باهلل واليوم اآلخر تسافر مسيرة ثالث ليال إال ومعها ذو محرم))(‪.)4‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬ال يحل المرأة تؤمن‬
‫فصاعدا إال ومعها أبوها‪،‬‬‫ً‬ ‫باهلل واليوم اآلخر أن تسافر سفرا يكون ثالثة أيام‬
‫ً‬
‫أو ابنها‪ ،‬أو زوجها‪ ،‬أو أخوها‪ ،‬أو ذو محرم منها))(‪.)5‬‬
‫ومن حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما عن النبي ‪(( :‬ال يخلو َّن رجل بامرأة‬
‫إال ومعها ذو محرم‪ ،‬وال تسافر المرأة إال مع ذي محرم))(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪.233/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪.233/2 ،‬‬
‫باب‪ :‬في كم يقصر الصالة‪ ،‬برقم ‪ ،1088‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب التقصير‪ٌ ،‬‬
‫الحج‪ ،‬باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره‪ ،‬برقم ‪.1441‬‬
‫باب‪ :‬في كم يقصر الصالة‪ ،‬برقم ‪ ،1083‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬ ‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب التقصير‪ٌ ،‬‬
‫الحج‪ ،‬باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره برقم ‪.1448‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره‪ ،‬برقم ‪.1431‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ال يخلون رجل بامرأة إال ذو محرم‪ ،‬برقم ‪،2244‬‬
‫ومسلم‪،‬كتاب الحج‪،‬باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره‪،‬برقم ‪.1431‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل تعالى‪((:‬فإن ُحمل اليوم المطلق أو الليلة‬
‫المطلقة على الكامل‪:‬أي يوم بليلته‪،‬أو ليلة بيومها قل االختالف واندرج في‬
‫(‪)1‬‬
‫الثالث فيكون أقل المسافة يوما وليلة)) ‪،‬وقد ثبت عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‬
‫(‪)2‬‬
‫ً‬
‫من قوله‪((:‬ال تقصر إلى عرفة وبطن نخلة‪،‬واقصر إلى عسفان ‪ ،‬والطائف‪،‬‬
‫وجدة‪ ،‬فإذا قدمت على أهل أو ماشية فأتم))(‪.)3‬‬
‫َّ‬
‫والخالصة أن الجمهور من أهل العلم على أن مسافة السفر التي‬
‫تقصر فيها الصالة أربعة ُبرد‪ ،‬والبريد مسيرة نصف يوم‪ ،‬وهو أربعة‬
‫ُ‬
‫فراسخ‪ ،‬والفرسخ ثالثة أميال‪ ،‬فإذا كانت مسافة سفر اإلنسان ستة عشر‬
‫فرسخا أو ثمانية وأربعين ميالً فله أن يقصر عند الجمهور(‪ ،)4‬وهذا هو‬ ‫ً‬
‫األحوط للمسلم‪ ،‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز‬
‫رحمه اهلل يقول(‪(( :)5‬األولى في هذا أن ما يعد سفرا تلحقه أحكام السفر‪:‬‬
‫ً‬
‫من قصر وجمع‪ ،‬وفطر‪ ،‬وثالثة أيام للمسح على الخفين؛ ألنه يحتاج‬
‫إلى الزاد والمزاد‪ :‬أي ما يعد سفرا وما ال فال‪ ،‬ولكن إذا عمل المسلم‬
‫ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪.233/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬عسفان ‪ :‬منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة‪ .‬معجم البلدان‪.121/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي في السنن الكبرى‪،147/4 ،‬وابن أبي شيبة في مصنفه واللفظ له‪ ،332/2 ،‬قال األلباني في‬
‫إرواء الغليل‪(( :13/4 ،‬وإسناده صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر إذا خرج عن جميع بيوت قريته من‬
‫نحوا من عشرين قوالً‪ ،‬وذكر‬
‫األمور التي اختلف فيه العلماء حتى حكاه ابن المنذر وغيره فيها ً‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪ :‬أن العلماء تنازعوا هل يختص القصر بسفر دون سفر‪ ،‬أو يجوز‬
‫في كل سفر‪ ،‬واختار أن أظهر األقوال أنه يجوز في كل سفر قصيرا كان أو طويالً‪ ،‬كما قصر أهل‬
‫ً‬
‫مكة خلف النبي ‪ ‬بعرفة ومنى‪ ،‬وبين مكة وعرفة نحو بريد‪ :‬أربعة فراسخ‪ ،‬ولكن البد أن يكون‬
‫ذلك مما يعد سفرا مثل‪ :‬أن يتزود له‪ ،‬ويبرز للصحراء‪ ،‬وتنازع العلماء في قصر أهل مكة‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫ً‬
‫كان ذلك ألجل النسك‪ ،‬وقيل‪ :‬كان ذلك ألجل السفر‪ ،‬وكال القولين قال به بعض أصحاب أحمد‪،‬‬
‫والقول الثاني هو الصواب‪ ،‬وهو أنهم قصروا ألجل سفرهم؛ ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة‬
‫وعدما‪ .‬انظر مجموع فتاوى ابن تيمية‪-11-23 ،‬‬
‫ً‬ ‫وجودا‬
‫ً‬ ‫وكانوا محرمين‪ ،‬والقصر معلق بالسفر‬
‫‪ .31‬والمغني البن قدامة‪ ،101-102/4 ،‬وفتح الباري البن حجر‪.238-233/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.327‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫عد سفرا هو يومين قاصدين ‪ ،‬أما البريد‬ ‫بقول الجمهور وهو أ َّن ما يُ ُّ‬
‫ً‬
‫والفراسخ الثالثة فال تعد عندهم سفرا‪ ،‬فلو عمل اإلنسان بهذا القول‬
‫ً‬
‫فهذا حسن من باب االحتياط؛ لئال يتساهل الناس فيصلوا قصرا فيما ال‬
‫ً‬
‫ينبغي لهم ذلك؛ لكثرة الجهل‪ ،‬وقلة البصيرة‪ ،‬وال سيما عند وجود‬
‫السيارات؛ فإن هذا قد يفضي إلى التساهل حتى يفطر في ضواحي البلد‪،‬‬
‫واليومان هما سبعون كيلو أو ثمانون كيلو تقريبا))(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫وقال شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل تعالى‪(( :‬وقال بعض أهل العلم‬
‫عد سفرا‬‫بالعرف وال يحدد بالمسافة المقدرة بالكيلوات‪ ،‬فما يُ ُّ‬ ‫إنه يحدد ُ‬
‫ً‬ ‫(‪)3‬‬
‫العرف يسمى سفرا‪ ،‬وما ال فال ‪ ،‬والصواب ما قرره جمهور أهل‬ ‫ُ‬ ‫في‬
‫ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اليومان القاصدان هما أربعة برد‪ ،‬والبريد مسيرة نصف يوم‪ ،‬ومعنى القاصدين‪ :‬أي ال يسير فيها اإلنسان‬
‫بحتا‪ ،‬وال يكون كثير النزول واإلقامة‪ ،‬والبريد قدروه بأربعة فراسخ‪ ،‬فتكون أربعة برد‬
‫سيرا ً‬ ‫ونهارا‬
‫ً‬ ‫ليالً‬
‫ً‬
‫فرسخا‪ ،‬والفرسخ قدروه بثالثة أميال‪ ،‬فتكون ثمانية وأربعين ميالً‪ ،‬والميل المعروف ألف‬ ‫ً‬ ‫ستة عشر‬
‫وستمائة متر‪ ،‬فتكون األربعة برد =‪ 7368‬كيلو تقريبا‪ ،‬وقيل‪ 80633 :‬كيلو‪ ،‬وقيل‪ ،72 :‬قال العالمة‬
‫ً‬
‫محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل‪:‬والميل المعروف = كيلو وستين في المائة‪.‬انظر‪:‬الشرح‬
‫الممتع‪ ،313/3،‬تيسير العالم للبسام‪،274/1،‬والفتح الرباني للبنا‪.108/2 ،‬‬
‫حد للسفر بالمسافة بل كل ما يعد سفرا يتزود له ويبرز‬
‫(‪ )2‬واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل كما تقدم أنه ال ّ‬
‫ً‬
‫للصحراء فهو سفر‪ ،‬ورجحه العالمة ابن عثيمين‪ ،‬بل واختاره ابن قدامة في المغني‪ .‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ،101/4‬ومجموع فتاوى ابن تيمية‪،142-11/23،‬ومجموع فتاوى ابن عثيمين‪ ،321-222/12،‬واالختيارات‬
‫للسعدي‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫(‪ )3‬ذكر ابن تيمية رحمه اهلل‪ :‬أن حد السفر الذي علق عليه الشارع الفطر‪ ،‬والقصر اضطرب الناس فيه‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬ثالثة أيام‪ ،‬وقيل يومين‪ ،‬وقيل أقل من ذلك‪ ،‬حتى قيل‪ :‬ميل‪ ،‬والذين حددوا ذلك بالمسافة‪،‬‬
‫منهم من قال‪ :‬ثمانية وأربعون ميالً‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬ستة وأربعون‪ ،‬وقيل‪ :‬خمسة وأربعون‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫أربعون‪ ،‬فالذين قالوا ثالثة أيام‪ ،‬احتجوا بحديث يمسح المسافر ثالثة أيام‪ ،‬وحديث ال تسافر‬
‫المرأة مسيرة ثالثة أيام إال ومعها ذو محرم‪ ...‬والذين قالوا‪ :‬يومين اعتمدوا على قول ابن عمر‬
‫أحدا‬
‫أيضا أن ابن حزم قال‪(( :‬لم نجد ً‬
‫وابن عباس‪ .‬مجموع الفتاوى‪ .30-48/23 ،‬وذكر ابن تيمية ً‬
‫يقصر في أقل من ميل))‪ .‬فتاوى ابن تيمية‪.31/23 ،‬‬
‫ركعتين))‬ ‫وعن أنس ‪ ‬قال‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا خرج مسيرة ثالثة أميال أو فراسخ صلى‬
‫مسلم‪ ،‬في كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬برقم ‪ ،311‬وقوله‪:‬‬
‫((ثالثة أميال أو فراسخ)) شك من الراوي‪ ،‬وقال الظاهرية‪ :‬مسافة القصر ثالثة أميال‪ ،‬وأجيب‬
‫عليهم بأنه مشكو ك فيه فال يحتج به على الثالثة األميال‪ ،‬نعم يحتج به على التحديد بالثالثة‬
‫الفراسخ إذ يحتج به على الثالثة األميال‪ ،‬نعم يحتج به على التحديد بالثالثة الفراسخ إذ األميال‬
‫=‬
‫‪550‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫العلم وهو التحديد بالمسافة التي ذكرت‪ ،‬وهذا الذي عليه أكثر أهل‬
‫العلم فينبغي االلتزام بذلك))(‪.)1‬‬
‫سابعا‪ :‬يقصر المسافر إذا خرج عن جميع بيوت قريته أو مدينته إذا‬ ‫ً‬
‫كان سفره تقصر في مثله الصالة‪ ،‬قال ابن المنذر رحمه اهلل‪(( :‬وأجمعوا على أن‬
‫للذي يريد السفر أن يقصر الصالة إذا خرج عن جميع البيوت من القرية التي خرج‬
‫منها))(‪ ،)2‬وهذا مذهب جمهور أهل العلم أن المسافر إذا أراد سفرا تقصر في مثله‬
‫ً‬
‫الصالة ال يقصر حتى يفارق جميع البيوت(‪ ،)3‬قال أنس ‪(( :‬صليت الظهر مع النبي‬
‫أربعا‪ ،‬وبذي الحليفة ركعتين))‪ ،‬وفي لفظ‪(( :‬أن رسول اهلل ‪ ‬صلى الظهر‬
‫ً‬ ‫‪ ‬بالمدينة‬
‫أربعا‪ ،‬وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين))(‪ ،)4‬وهذا فيه داللة على أنه ليس‬
‫بالمدينة ً‬
‫لمن نوى السفر أن يقصر حتى يخرج من عامر بيوت قريته أو مدينته أو خيام قومه‬
‫ويجعلها وراء ظهره(‪.)5‬وخرج علي ‪ ‬فقصر وهو يرى البيوت‪،‬فلما رجع قيل له‪:‬هذه‬
‫الكوفة؟ قال‪:‬ال‪،‬حتى ندخلها(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫داخلة فيها فيؤخذ باألكثر احتياطًا‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،237/2 ،‬وسبل السالم‬
‫للصنعاني‪ ، 143/4 ،‬وسمعت هذا المعنى من شيخنا ابن باز أثناء تقريره على بلوغ المرام‪،‬‬
‫سفرا طويالً‬
‫ً‬
‫الحديث رقم ‪ .327‬وقال ابن قدامة في المغني‪(( :108/4 ،‬يحتمل أنه أراد إذا سافر‬
‫أربعا وبذي الحليفة‬
‫قصر إذا بلغ ثالثة أميال‪ ،‬كما قال في لفظه اآلخر ((إن النبي ‪ ‬صلى بالمدينة ً‬
‫ركعتين))وقال الصنعاني في سبل السالم‪(( :144/4،‬المراد من قوله إذا خرج‪ :‬إذا كان قصده مسافة‬
‫هذا القدر ال أن المراد أنه كان إذا أراد سفرا طويالً فال يقصر إال بعد هذه المسافة))‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )1‬مجموع فتاوى ابن باز‪.237/12 ،‬‬
‫(‪ )2‬اإلجماع البن المنذر‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.231/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب تقصير الصالة‪ ،‬باب يقصر إذا خرج من موضعه برقم ‪،1081‬وكتاب‬
‫الحج‪،‬باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح‪،‬برقم ‪ ،1233‬ومسلم‪،‬كتاب صالة المسافرين وقصرها‪،‬‬
‫باب صالة المسافرين وقصرها‪،‬برقم ‪.310‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،111/4 ،‬والشرح الكبير مع المقنع‪ ،33/2 ،‬واإلنصاف مع المقنع‬
‫والشرح الكبير‪ ،33/2 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪.212/3،‬‬
‫التقصير‪،‬باب‪ :‬يقصر إذا خرج من موضعه‪،‬قبل الحديث رقم ‪.1081‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )6‬البخاري‪،‬كتاب‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪556‬‬
‫وإذا سافر بعد دخول وقت الصالة فله قصرها؛ ألنه سافر قبل خروج‬
‫وقتها‪ ،‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن له‬
‫قصرها‪ ،‬وهذا قول مالك‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأصحاب الرأي‪،‬‬
‫وهو إحدى الروايتين في مذهب الحنابلة(‪ )1‬واهلل أعلم(‪.)2‬‬
‫ثام ًنا‪ :‬إقامة المسافر التي يقصر فيها الصالة‪،‬قال ابن المنذر رحمه اهلل‪:‬‬
‫((وأجمع أهل العلم ال اختالف بينهم على أن لمن سافر سفرا يقصر في مثله‬
‫(‪)3‬‬ ‫ً‬
‫الصالة وكان سفره في حج أو عمرة‪،‬أو غزو أن له أن يقصر مادام مسافرا)) ‪.‬‬
‫ً‬
‫فعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪((:‬خرجنا مع رسول اهلل ‪ ‬من المدينة إلى‬
‫مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين‪ ،‬قلت‪:‬كم أقام بمكة(‪)4‬؟قال‪:‬عشرا))(‪.)5‬‬
‫ً‬
‫قال ابن قدامة رحمه اهلل‪(( :‬وجملة ذلك أن من لم يُجمع إقامة مدة‬
‫تزيد على إحدى وعشرين صالة فله القصر ولو أقام سنين))(‪.)6‬‬
‫أما إذا نوى اإلقامة في بلد أكثر من أربعة أيام؛ فإنه يتم؛ألن النبي ‪‬‬
‫قدم مكة في حجة الوداع يوم األحد من ذي الحجة‪،‬وأقام فيها األحد‪،‬‬
‫واإلثنين‪ ،‬والثالثاء‪ ،‬واألربعاء‪ ،‬ثم خرج إلى منى يوم الخميس‪،‬فقد قدم‬
‫لصبح رابعة‪،‬فأقام اليوم الرابع‪،‬والخامس‪،‬والسادس‪،‬والسابع‪،‬وصلى الفجر‬
‫باألبطح يوم الثامن‪،‬فكان يقصر الصالة في هذه األيام‪،‬وقد أجمع على‬
‫إقامتها‪ ،‬فإذا أجمع المسافر أن يقيم كما أقام النبي ‪ ‬قصر‪،‬وإذا أجمع‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني البن قدامة‪ ، 134/4 ،‬وانظر‪ :‬اإلنصاف للمرداوي المطبوع مع المقنع‪ ،‬والشرح الكبير‪،‬‬
‫‪ ، 24/2‬والرواية الثانية عند الحنابلة وهي الرواية الصحيحة من مذهبهم أنه يتمها‪ .‬انظر‪ :‬اإلنصاف‬
‫المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪ ،24/2 ،‬المغني البن قدامة‪.134/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬واختار العالمة ابن عثيمين القصر فقال‪(( :‬لو دخل وقت وهو في بلده ثم سافر فإنه يقصر‪ ،‬ولو دخل‬
‫اعتبارا بحال فعل الصالة)) الشرح الممتع‪.224/3 ،‬‬
‫ً‬ ‫وقت الصالة وهو السفر ثم دخل بلده فإنه يتم‪،‬‬
‫(‪ )3‬اإلجماع البن المنذر‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫(‪ )4‬السائل هو الراوي عن أنس‪ :‬يحيى بن أبي إسحاق‪.‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب تقصير الصالة‪ ،‬باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،1081‬ومسلم كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬برقم ‪.314‬‬
‫(‪ )6‬المغني البن قدامة‪.124/4 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫على أكثر من ذلك أتم(‪،)1‬قال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪((:‬قدم النبي ‪ ‬وأصحابه‬
‫َّ‬
‫يلبون بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة إال من معه‬ ‫رابعة ُّ‬ ‫لصبح‬
‫الهدي))(‪.)2‬‬
‫قال شيخ اإلسالم بن تيمية رحمه اهلل‪(( :‬إذا نوى أن يقيم بالبلد أربعة‬
‫أيام فما دونها قصر الصالة كما فعل النبي ‪ ‬لما دخل مكة‪ ،‬فإنه أقام‬
‫بها أربعة أيام يقصر الصالة‪ ،‬وإن كان أكثر ففيه نزاع‪ ،‬واألحوط أن يتم‬
‫غدا أسافر‪ ،‬أو بعد غد أسافر‪ ،‬ولم ينوِ المقام فإنه‬ ‫الصالة‪ ،‬وأما إن قال ً‬
‫يوما‪ ،‬يقصر الصالة‪ ،‬وأقام بتبوك‬
‫عشر ً‬ ‫يقصر؛ فإن النبي ‪ ‬أقام بمكة بضعة‬
‫(‪)3‬‬
‫عشرين ليلة يقصر الصالة‪ .‬واهلل أعلم)) ‪.‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‬
‫يوما يقصر الصالة(‪:)4‬‬‫عن إقامة النبي ‪ ‬عام الفتح بمكة تسعة عشر ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،138-137/4 ،‬والشرح الكبير المطبوع مع المقنع‪ ،38/2 ،‬واإلنصاف‬
‫المطبوع مع الشرح الكبير‪،138/2 ،‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪.410/2،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬كتاب التقصير‪،‬باب كم أقام النبي ‪ ‬في حجته‪،‬برقم ‪.1082‬‬
‫(‪ )3‬مجموع الفتاوى البن تيمية‪ ،17/23 ،‬وسئل رحمه اهلل عن رجل يعلم أنه يقيم شهرين فهل يجوز‬
‫له القصر فأجاب‪ (( :‬الحمد هلل هذه مسألة فيها نزاع بين العلماء منهم من يوجب اإلتمام‪ ،‬ومنهم من‬
‫يوجب القصر‪ ،‬والصحيح أن كليهما سائغ فمن قصر فال ينكر عليه‪ ،‬ومن أتم ال ينكر عليه‪،‬‬
‫وكذلك تنازعوا في األفضل‪ ،‬فمن كان عنده شك في جواز القصر فأراد االحتياط فاإلتمام أفضل‪،‬‬
‫وأما من تبينت له السنة‪ ،‬وعلم أن النبي ‪ ‬لم يشرع للمسافر أن يصلي إال ركعتين‪ ،‬ولم يحد‬
‫أيضا بزمن محدود‪ ،‬ال ثالثة‪ ،‬وال أربعة‪ ،‬وال اثنا عشر‪ ،‬وال‬ ‫السفر بزمان أو بمكان‪ ،‬وال حد اإلقامة ً‬
‫خمسة عشر‪ ،‬فإنه يقصر كما كان غير واحد من السلف يفعل‪ ،‬حتى كان مسروق قد ولَّوه والية لم‬
‫يكن يختارها‪ ،‬فأقام سنين يقصر الصالة‪ ،‬وقد أقام المسلمون بنهاوند ستة أشهر يقصرون الصالة‪،‬‬
‫وكانوا يقصرون الصالة مع علمهم أن حاجتهم ال تنقضي في أربعة أيام وال أكثر كما أقام النبي ‪ ‬وأصحابه‬
‫يوما يقصرون الصالة‪ ،‬وأقاموا بمكة أكثر من عشرة أيام يفطرون في رمضان‪،‬‬ ‫قريبا من عشرين ً‬ ‫بعد فتح مكة‬
‫ً‬
‫وكان النبي ‪ ‬لما فتح مكة يعلم أنه يحتاج أن يقيم بها أكثر من أربعة أيام‪ ،‬وإذا كان التحديد ال أصل له‬
‫شهورا واهلل أعلم))‪.‬مجموع الفتاوى‪،18-17/23 ،‬‬‫ً‬ ‫فمادام المسافر مسافرا يقصر الصالة ولو أقام في مكان‬
‫ً‬
‫وانظر‪ :‬مواضع أخرى في الفتاوى‪،130/23 ،‬و‪ ،147/23‬وانظر‪ :‬االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية‪ ،‬ص‪ ،110‬والشرح الممتع البن عثيمين‪ ،241-221/3،‬واالختيارات الجلية للسعدي‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫(‪ ) 4‬البخاري‪ ،‬كتاب التقصير‪ ،‬باب ما جاء في التقصير ولم يقيم حتى يقصر‪ ،‬برقم ‪ ،1080‬وفي كتاب‬
‫المغازي‪ ،‬برقم ‪.3211 ،3218‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪555‬‬
‫((وقد أقام ‪ ‬في مصالح اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وهذه اإلقامة لم يكن‬
‫مجمعاً عليها؛ لهذه األغراض‪ ،‬فلما حصل المقصود ارتحل إلى المدينة‪،‬‬
‫ومن المعلوم أن المهاجر ال يقيم في بلده أكثر من ثالثة أيام‪ ،‬ولكنه أقام‬
‫لهذه المصالح‪ ،‬فإذا أقام المسافر إقامة لم يُجمعها قصر))(‪ .)1‬وسمعته‬
‫يوما يقصر الصالة(‪:)2‬‬‫يقول عن إقامة النبي ‪ ‬في غزوة تبوك عشرين ً‬
‫يوما في تبوك ينظر فيما يتعلق بحرب الروم‪ ،‬هل‬ ‫((وإقامته ‪ ‬عشرين ً‬
‫يتقدم أم يرجع ‪ ،‬ثم أذن اهلل له أن يرجع‪ ،‬واحتج بهذه القصة وقصة‬
‫الفتح على أنه ال بأس بالقصر مدة اإلقامة العارضة‪ ،‬ولو طالت‪ ،‬حتى‬
‫قال أهل العلم‪ :‬لو مكث سنين مادام لم يجمع إقامة؛ فإنه في سفر‪ ،‬وله‬
‫أحكام السفر‪ ،‬وهذا هو الصواب‪ ،‬أما إذا أجمع إقامة فاختلف العلماء‬
‫يوما‪ ،‬أو بثالثة أيام‪،‬‬
‫يوما‪ ،‬أو بتسعة عشر ً‬ ‫في مقدارها هل تقدر بعشرين ً‬
‫أو أربعة أيام على أقوال‪ :‬وأحسن ما قيل في ذلك‪ :‬أربعة أيام؛ ألنها‬
‫إقامة النبي ‪ ‬في حجة الوداع‪ ،‬فإذا أجمع اإلقامة أكثر من أربعة أيام‬
‫فأقل قصر؛ ألنها إقامة معزوم عليها‪ ،‬وعليه‬ ‫ّ‬ ‫أتم‪ ،‬وإن كانت أربعة‬
‫َّ‬
‫الشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬ومالك‪ ،‬وبقول الشافعي وأحمد ومالك‪ ،‬تنتظم‬
‫األدلة‪ ،‬ويكون ذلك صيانة من تالعب الناس‪ ،‬وهذا هو األحوط‪ ،‬كما‬
‫قال الجمهور‪ :‬أربعة أيام؛ ألن ما زاد عنها غير مجمع عليه‪ ،‬وما نقص‬
‫من هذا مجمع عليه‪ :‬أي داخل في المجمع عليه))(‪ .)3‬وبهذا يخرج‬
‫المسلم من الخالف ويترك ما يريبه إلى ما ال يريبه‪ ،‬واهلل ‪ ‬أعلم(‪.)4‬‬
‫تاسعا‪ :‬قصر الصالة بمنى ألهل مكة وغيرهم من الحجاج؛ لحديث‬ ‫ً‬
‫عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‪،‬قال‪((:‬صليت مع النبي ‪ ‬بمنى ركعتين‪ ،‬وأبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪،‬الحديث رقم ‪،321‬وانظر‪:‬فتح الباري البن حجر‪.232/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب إذا أقام بأرض العدو يقصر‪ ،‬برقم ‪ ،1242‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح أبي داود‪.443/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.331‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى اإلمام ابن باز‪ ،273/12 ،‬وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ‪.11/8‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫أربعا))(‪.)1‬وعن عبد‬‫صدرا من إمارته‪ ،‬ثم أتمها ً‬ ‫ً‬ ‫بكر‪،‬وعمر‪،‬ومع عثمان‬


‫الرحمن بن يزيد قال‪(( :‬صلى بنا عثمان بن عفان ‪ ‬بمنى أربع ركعات‪،‬‬
‫فقيل ذلك لعبد اهلل بن مسعود ‪ ‬فاسترجع‪،‬قال‪ :‬صليت مع رسول اهلل ‪‬‬
‫بمنى ركعتين‪ ،‬وصليت مع أبي بكر الصديق ‪ ‬بمنى ركعتين‪،‬وصليت مع‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ‬ركعتين‪،‬فليت حظي من أربع ركعات ركعتان‬
‫متقبلتان))(‪.)2‬‬
‫وعن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس ‪ ‬قال‪(( :‬خرجنا مع النبي ‪ ‬من‬
‫المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫شيئا؟ قال‪ :‬أقمنا بها عشرا))‪ ،‬وفي لفظ مسلم‪(( :‬كم أقام بمكة؟‬‫أقمت بمكة ً‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬عشرا))‪ .‬وفي لفظ لمسلم‪(( :‬خرجنا من المدينة إلى الحج‪.)3())...‬‬
‫ً‬
‫وحديث أنس هذا ال يعارض حديث ابن عباس‪(( :‬أقام رسول اهلل ‪‬‬
‫تسعة عشر يقصر فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا))(‪)4‬؛‬
‫ألن حديث ابن عباس كان في فتح مكة وحديث أنس في حجة الوداع‪،‬‬
‫وقد قدم النبي ‪ ‬وأصحابه لصبح رابعة من ذي الحجة‪ ،‬وال شك أنه ‪‬‬
‫خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة اإلقامة بمكة وضواحيها في‬
‫حجة الوداع عشرة أيام بلياليها كما قال أنس ‪.)5( ‬‬
‫وعن حارثة بن وهب الخزاعي ‪ ‬قال‪(( :‬صليت خلف رسول اهلل ‪‬‬
‫بمنى والناس أكثر ما كانوا فصلى ركعتين في حجة الوداع))(‪ .)6‬فهذه سنة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب التقصير‪ ،‬باب الصالة بمنى‪ ،‬برقم ‪ ،1082‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة‬
‫المسافرين‪ ،‬باب قصر الصالة بمنى‪ ،‬برقم ‪.313‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1083‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،312‬وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪،‬كتاب تقصير الصالة‪،‬باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر؟ برقم ‪.1280‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪،‬كتاب تقصير الصالة‪،‬باب ما جاء في التقصير‪ ،‬وكم يقيم حتى يقصر؟ برقم ‪.1080‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬البن حجر‪ ،234-232/2 ،‬وشرح النووي على‬
‫صحيح مسلم‪.210/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب تقصير الصالة‪ ،‬باب الصالة بمنى‪ ،‬برقم ‪ ،1084‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة‬
‫المسافرين‪ ،‬باب قصر الصالة بمنى‪ ،‬برقم ‪.313‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪505‬‬
‫(‪)1‬‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬فينبغي العمل بها واتباعها ‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬جواز التطوع على المركوب في السفر الطويل والقصير‪:‬‬ ‫ً‬
‫يصح التطوع على المركوب في السفر‪ :‬من راحلة‪ ،‬وطائرة‪ ،‬وسيارة‪،‬‬
‫وسفينة وغيرها من وسائل النقل‪ ،‬أما الفريضة فالبد من النزول لها إال‬
‫عند العجز؛ لحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬كان النبي ‪ ‬يصلي‬
‫في السفر على راحلته حيث توجهت به‪ ،‬يومئ [برأسه] إيماء صالة‬
‫الليل إال الفرائض ويوتر على راحلته))‪.‬‬
‫وفــي لفــظ‪(( :‬غيــر أنــه ال يصــلي عليهــا المكتوبــة))(‪)2‬؛ ولحــديث عــامر بــن‬
‫ربيعــة ‪ ‬قــال‪(( :‬رأيــت النبــي ‪ ‬يصــلي علــى راحلتــه حيــث توجهــت بــه))‪.‬‬
‫وفي لفظ‪(( :‬ولم يكن رسول اهلل ‪ ‬يصنع ذلك فـي المكتوبـة))‪ .‬وفـي لفـظ‪:‬‬
‫((أنه رأى النبي ‪ ‬يصلي السبحة بالليل في السفر على ظهر راحلتـه حيـث‬
‫توجهــت بــه))(‪)3‬؛ولحــديث جــابر ‪ ‬قــال‪((:‬كــان رســول اهلل ‪ ‬يصــلي علــى‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أما إتمام عثمان ‪ ‬فله تأويالت كثيرة ذكر اإلمام ابن القيم منها ستة تأويالت يعتذر له بها‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أن األعراب كثروا في ذلك العام‪ ،‬وقد قال له بعضهم‪ :‬إنه صلى ركعتين فقال‪(( :‬يا أمير المؤمنين‬
‫مازلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين)) فأحب عثمان ‪ ‬أن يعلم األعراب أن الصالة أربع‪،‬‬
‫وغير ذلك من التأويالت‪ .‬أما عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬فقد قيل إنها تأولت أن القصر رخصة وأن‬
‫أربعا فقلت لها‪:‬‬
‫اإلتمام لمن ال يشق عليه أفضل‪ ،‬فعن عروة عن أبيه أنها كانت تصلي في السفر ً‬
‫لو صليت ركعتين؟ فقالت‪ :‬يا ابن أخي إنه ال يشق علي)) رواه البيهقي في السنن الكبرى‪،134/4 ،‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري‪(( :271/2 ،‬إسناده صحيح))‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬للفائدة الستكمال االعتذار لعثمان ‪ ‬ولعائشة أم المؤمنين رضي اهلل عنها‪ :‬زاد المعاد البن‬
‫القيم‪ ،372-332/1 ،‬وفتح الباري البن حجر‪.271-270/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الوتر‪ ،‬باب الوتر في السفر‪ ،‬برقم ‪ ،1000 ،111‬ورقم ‪،1012‬‬
‫‪ ، 1102 ،1018 ،1013‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب جواز صالة النافلة على الدابة في‬
‫السفر حيث توجهت‪ ،‬برقم ‪.700‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1103 ،1014‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،701‬وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫‪505‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫راحلتــه حيــث توجهــت بــه‪،‬فإذا أراد الفريضــة نــزل فاســتقبل القبلــة))(‪.)1‬وفــي‬


‫لفظ‪(( :‬كان يصلي على راحلته نحو المشرق‪ ،‬فإذا أراد أن يصلي المكتوبـة‬
‫نزل فاستقبل القبلة))‪ .‬وفي هذا أحاديث أخرى كحديث أنس ‪.)2( ‬‬
‫ويستحب استقبال القبلة عند تكبيرة اإلحرام؛ لحديث أنس ‪(( ‬أن رسول اهلل‬
‫‪ ‬كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة‪ ،‬فكبر‪ ،‬ثم صلى حيث‬
‫وجهه ركابه))(‪ ،)3‬فإذا لم يفعل ذلك فالصالة صحيحة عمالً باألحاديث‬
‫الصحيحة كما رجحه شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل(‪.)4‬‬
‫وذكر اإلمام النووي رحمه اهلل ((أن التنفل على الراحلة في السفر الذي‬
‫ُتقصر فيه الصالة جائز بإجماع المسلمين ‪.)5())...‬‬
‫وأما السفر الذي ال تقصر فيه الصالة فالصواب جواز ذلك‪ ،‬وهو‬
‫مذهب الجمهور(‪)6‬؛ لقول اهلل تعالى‪َ  :‬وهلل الـ َم ْشرِ ُق َوالـ َم ْغرِ ُب َفأَ ْي َن َما‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫(‪)7‬‬
‫ُت َولُّو ْا َف َثم َو ْج ُه اهلل ِإ َّن اهلل َو ِاس ٌع َع ِليم‪ ، ‬وقد رجح اإلمام ابن جرير‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫رحمه اهلل أن هذه اآلية تدخل فيها صالة التطوع في السفر على الراحلة‬
‫حيثما توجهت بك راحلتك(‪ .)8‬وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه اهلل عن‬
‫اإلمام الطبري رحمه اهلل أنه احتج للجمهور‪ :‬أن اهلل جعل التيمم رخصة‬
‫للمريض والمسافر‪ ،‬وقد أجمعوا على أن من كان خارج المصر على‬
‫ماء أنه‬ ‫ميل أو أقل ونيته العود إلى منزله ال إلى سفر آخر ولم يجد ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،3130 ،1011 ،1013 ،300‬وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪،‬كتاب صالة المسافرين‪،‬باب جواز صالة النافلة على الدابة‪،‬برقم ‪.702‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود برقم ‪ ،1222‬وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،228‬وتقدم‬
‫تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )4‬سمعته يرجح ذلك أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.228‬‬
‫(‪ )5‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.213/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪:‬فتح الباري البن حجر‪ ،272/2،‬وشرح النووي‪ ،217/2 ،‬والمغني البن قدامة‪.13/2 ،‬‬
‫(‪ )7‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.112 :‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪:‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪،240/4،‬و‪،244‬وانظر‪:‬المغني البن قدامة‪.13-12/2،‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪505‬‬
‫يجوز له التيمم‪ ،‬فكما جاز له التيمم في هذا القدر جاز له التنفل على‬
‫الدابة الشتراكهما في الرخصة(‪.)1‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬السنة ترك الرواتب في السفر إال سنة الفجر‪،‬‬
‫والوتر؛ لحديث حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب‪ ،‬قال‪ :‬صحبت‬
‫ابن عمر في طريق مكة‪ ،‬قال‪ :‬فصلى لنا الظهر ركعتين‪ ،‬ثم أقبل وأقبلنا‬
‫(‪)2‬‬
‫نحو‬
‫معه حتى جاء رحله‪ ،‬وجلس وجلسنا معه‪ ،‬فحانت منه التفات ٌة َ‬
‫قياما‪ ،‬فقال‪ :‬ما يصنع هؤالء؟ قلت‪ :‬يسبحون‪،‬‬ ‫ناسا ً‬‫حيث صلى‪ ،‬فرأى ً‬ ‫ُ‬
‫مسبحا أتممت صالتي‪ ،‬يا ابن أخي إني صحبت رسول اهلل‬ ‫ً‬ ‫قال‪ :‬لو كنت‬
‫‪ ‬في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اهلل‪ ،‬وصحبت أبا بكر فلم‬
‫يزد على ركعتين حتى قبضه اهلل‪ ،‬وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين‬
‫حتى قبضه اهلل‪ ،‬ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اهلل‪،‬‬
‫ان َل ُكم ِفي رس ِ‬
‫ول اهلل أ ُ ْس َوةٌ َح َس َن ٌة‪ .)3(‬أما‬ ‫وقد قال اهلل تعالى‪ :‬لقد ك‬
‫َ ُ‬ ‫ََْ َ َ ْ‬
‫سنة الفجر‪ ،‬والوتر فال ُتترك ال في الحضر وال في السفر؛ لحديث‬
‫أبدا))(‪)4‬؛‬
‫عائشة رضي اهلل عنها في سنة الفجر أن النبي ‪(( ‬لم يكن يدعهما ً‬
‫ولحديث أبي قتادة ‪ ‬في نوم النبي ‪ ‬وأصحابه في السفر عن صالة‬
‫الفجر حتى طلعت الشمس‪ ،‬وفيه‪(( :‬ثم أذن بالل بالصالة فصلى رسول‬
‫اهلل ‪ ‬ركعتين‪ ،‬ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم))(‪.)5‬‬
‫وأما سنة الوتر؛ فلحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬كان النبي ‪‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،272/2 ،‬وقد ذكر صاحب المغني أن األحكام التي يستوي‬
‫فيها السفر الطويل والقصير ثالثة‪ :‬التيمم‪ ،‬وأكل الميتة في المخمصة‪ ،‬والتطوع على الراحلة‪ ،‬وبقية‬
‫الرخص تختص بالسفر الطويل‪ .‬المغني البن قدامة‪.31/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬المقصود‪:‬حصلت منه التفاتةٌ إلى جهة المكان الذي صلَّى فيه‪.‬انظر‪:‬شرح النووي‪.203 /2 ،‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪:‬البخاري بنحوه‪،‬كتاب التقصير‪،‬باب من لم يتطوع في السفر دبر الصالة‪،‬برقم ‪،1101‬‬
‫‪ ،1102‬ومسلم بلفظه‪،‬كتاب صالة المسافرين‪،‬باب صالة المسافرين وقصرها‪،‬برقم ‪.381‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1121‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،723‬وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،381‬وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫‪505‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به‪ ،‬يومئ إيماء صالة الليل إال‬
‫الفرائض‪ ،‬ويوتر على راحلته))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬كان يوتر على البعير))(‪.)1‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل‪(( :‬وكان تعاهده ‪ ‬ومحافظته على سنة‬
‫الفجر أشد من جميع النوافل ولم يكن يدعها هي والوتر سفرا وال‬
‫ً‬
‫حضرا‪ ...‬ولم ينقل عنه في السفر أنه ‪ ‬صلى سنة راتبة غيرهما))(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫وأما التطوع المطلق فمشروع في الحضر والسفر مطل ًقا‪ ،‬مثل‪:‬صالة‬
‫الضحى‪ ،‬والتهجد بالليل‪ ،‬وجميع النوافل المطلقة‪ ،‬والصلوات ذوات‬
‫األسباب‪ :‬كسنة الوضوء‪ ،‬وسنة الطواف‪ ،‬وصالة الكسوف‪ ،‬وتحية‬
‫المسجد وغير ذلك(‪.)3‬‬
‫قال اإلمام النووي رحمه اهلل‪(( :‬وقد اتفق العلماء على استحباب‬
‫النوافل المطلقة في السفر‪.)4())...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الوتر‪ ،‬باب الوتر على الدابة‪ ،‬برقم ‪ ،111‬وباب الوتر في السفر‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،1000‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب جواز صالة النافلة على الدابة في السفر حيث‬
‫توجهت به‪ ،‬برقم ‪.700‬‬
‫(‪ )2‬زاد المعاد في هدي خير العباد ‪.412/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى ومقاالت لإلمام ابن باز‪.411-410/11 ،‬‬
‫(‪ )4‬شرح النووي صحيح مسلم‪ ،202/2 ،‬وقال‪(( :‬واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة فكرهها ابن‬
‫عمر وآخرون‪ ،‬واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور‪ ،‬ودليله األحاديث المطلقة في ندب‬
‫الرواتب))‪ ،202/2 ،‬وانظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،277/2 ،‬وقال ابن قدامة‪ :‬فأما سائر السنن‬
‫والتطوعات قبل الفرائض وبعدها فقال أحمد‪ :‬أرجو أن ال يكون بالتطوع في السفر بأس‪ ،‬وروي‬
‫عن الحسن‪ ،‬قال‪ :‬كان أصحاب رسول اهلل ‪ ‬يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها‪ ،‬وروي‬
‫ذلك عن عمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وجابر‪ ،‬وأنس‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وأبي ذر‪ ،‬وجماعة من التابعين‬
‫كثير‪ ،‬وهو قول مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبي ثور‪ ،‬وابن المنذر‪ ،‬وكان ابن عمر ال يتطوع مع‬
‫الفريضة قبلها وال بعدها‪ ،‬إال من جوف الليل‪ ،‬ونقل ذلك عن سعيد بن المسيب‪ ،‬وسعيد بن جبير‪،‬‬
‫وعلي بن الحسين‪ ...‬ثم قال‪ :‬وحديث الحسن عن أصحاب رسول اهلل ‪ ‬قد ذكرناه [مصنف ابن‬
‫أبي شيبة‪ ،] 482/1 ،‬فهذا يدل على أنه ال بأس بفعلها‪ ،‬وحديث ابن عمر يدل على أنه ال بأس‬
‫بتركها‪ ،‬فيجمع بين األحاديث واهلل أعلم‪ .‬المغني‪.127-122/4 ،‬‬
‫قلت‪:‬والصواب ما رجحه شيخنا اإلمام ابن باز – رحمه اهلل ‪:-‬أن المشروع ترك الرواتب في السفر‪،‬‬
‫وهذا هو السنة أن يترك راتبة الظهر‪،‬والمغرب‪،‬والعشاء‪،‬ما عدا الوتر وسنة الفجر‪ ،‬فال يتركهما؛‬
‫=‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪505‬‬
‫ويتم المقيم بعد‬
‫الثاني عشر‪ :‬صالة المقيم خلف المسافر صحيحة ُّ‬
‫سالم المسافر؛ لآلثار في ذلك(‪،)1‬واإلجماع‪ ،‬قال ابن قدامة رحمه اهلل‪(( :‬أجمع‬
‫أهل العلم على أن المقيم إذا ائتم بالمسافر‪ ،‬وسلم المسافر من ركعتين أن‬
‫ّ‬ ‫‪2‬‬
‫على المقيم إتمام الصالة))( )‪ .‬وعن عمر ‪ ‬أنه كان إذا قدم مكة صلى بهم‬
‫قوم سفر))(‪.)3‬‬ ‫ركعتين ثم يقول‪(( :‬يا أهل مكة أتموا صالتكم فإنا‬
‫ٌ ٌ‬
‫فظهر من ذلك أن المقيم إذا صلى خلف المسافر صالة الفريضة‪:‬‬
‫أربعا‪ ،‬أما إذا‬
‫كالظهر‪ ،‬والعصر‪ ،‬والعشاء‪ ،‬فإنه يلزمه أن يكمل صالته ً‬
‫صلى المقيم خلف المسافر طلبا لفضل الجماعة‪ ،‬وقد صلى المقيم‬
‫ً‬
‫فريضته‪ ،‬فإنه يصلي مثل صالة المسافر‪ :‬ركعتين؛ ألنها في حقه نافلة(‪.)4‬‬
‫وإذا ّأم المسافر المقيمين فأتم بهم فصالتهم تامة صحيحة وخالف األفضل(‪.)5‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬صالة المسافر خلف المقيم صحيحة‪ ،‬ويتم المسافر‬
‫مثل صالة إمامه‪ ،‬سواء أدرك جميع الصالة‪ ،‬أو ركعة‪ ،‬أو أقل‪ ،‬وحتى لو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫لحديث ابن عمر وغيره أن النبي ‪ ‬كان يدع الرواتب في السفر‪ ،‬أما النوافل المطلقة فمشروعة في‬
‫السفر والحضر‪ ،‬وهكذا ذوات األسباب‪ .‬انظر‪ :‬فتاوى اإلمام ابن باز‪.411-410/11 ،‬‬
‫(‪ )1‬روي عن عمران ‪ ‬يرفعه‪(( :‬أنه ‪ ‬أقام بمكة زمان الفتح ثماني عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين‬
‫ركعتين إال المغرب ثم يقول‪ :‬يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا سفر)) أحمد بلفظه‪،‬‬
‫‪ ، 340/3‬وأبو داود‪ ،‬كتاب صالة السفر‪ ،‬باب متى يتم المسافر‪ ،‬برقم ‪ ،1221‬ولفظه‪(( :‬يا أهل البلد‬
‫أربعا فإنا قوم سفر)) وفي سنده علي بن زيد بن جدعان ضعيف‪ ،‬قال الشوكاني‪(( :‬وإنما‬ ‫صلوا ً‬
‫حسن الترمذي حديثه (‪ )232‬لشواهده))‪ ،‬نيل األوطار‪.302/2 ،‬‬ ‫ّ‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،133 /4 ،‬وانظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪.304 /2 ،‬‬
‫إماما أو كان‬
‫(‪ )3‬مالك في الموطأ موقو ًفا‪ ،‬كتاب قصر الصالة في السفر‪ ،‬باب صالة المسافر إذا كان ً‬
‫وراء اإلمام‪ ،‬برقم ‪ ،131/1 ،11‬قال اإلمام الشوكاني في نيل األوطار‪(( :302/2 ،‬وأثر عمر رجال‬
‫إسناده أئمة ثقات))‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى ومقاالت متنوعة‪ ،‬لإلمام ابن باز‪.231-221/12 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪،133/4 ،‬ومجموع فتاوى ابن باز‪،230/12 ،‬وقد كان عثمان ‪ ‬يتم بالناس‬
‫في الحج في السنوات األخيرة من خالفته‪،‬وثبت عن عائشة أنها كانت تتم الصالة في السفر‪،‬‬
‫وتقول‪:‬إنه ال يشق عليها‪،‬فال حرج في إتمام المسافر‪،‬ولكن األفضل ما فعله النبي ‪ ‬ألنه المشرع‬
‫المعلم ‪،‬انظر‪:‬مجموع فتاوى ابن باز‪،230/12،‬وحديث عثمان في مسلم‪،‬برقم ‪.312 ،313‬‬
‫‪500‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫دخل معه في التشهد األخير قبل السالم فإنه يتم‪ ،‬وهذا هو الصواب من‬
‫قولي أهل العلم؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي اهلل عنهما من حديث موسى بن‬
‫سلمة رحمه اهلل قال‪ :‬كنا مع ابن عباس بمكة فقلت‪ :‬إنا إذا كنا معكم‬
‫أربعا وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين‪ ،‬قال‪(( :‬تلك سنة أبي‬
‫صلينا ً‬
‫(‪)1‬‬
‫أربعا‬
‫رضي)اهلل عنهما إذا صلى مع اإلمام صلى ً‬ ‫القاسم ‪ . ))‬وكان ابن عمر‬
‫وإذا صالها وحده صلى ركعتين(‪. 2‬‬
‫وذكر اإلمام ابن عبد البر رحمه اهلل أن في إجماع الجمهور من الفقهاء‬
‫على أن المسافر إذا دخل في صالة المقيمين فأدرك منها ركعة أنه يلزمه‬
‫أربعا(‪ .)3‬وقال‪(( :‬قال أكثرهم إنه إذا أحرم المسافر خلف‬ ‫ً‬ ‫أن يصلي‬
‫المقيم قبل سالمه أنه تلزمه صالة المقيم‪ ،‬وعليه اإلتمام))(‪.)4‬‬
‫ومما يدل على أن المسافر إذا صلى خلف المقيم يلزمه اإلتمام عموم‬
‫قوله ‪(( :‬إنما ُجعل اإلمام ليؤتم به فال تختلفوا عليه‪ ،‬فإذا كبر‬
‫َّ‬
‫فكبروا‪.)6( )5( ))...‬‬
‫ّ‬
‫الرابع عشر‪ :‬نية القصر أو الجمع عند افتتاح الصالة والمواالة بين‬
‫الصالتين المجموعتين‪:‬‬
‫اختلف العلماء هل يشترط للقصر والجمع نية؟ قال شيخ اإلسالم ابن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أحمد في المسند‪ ،213/1 ،‬قال األلباني في إرواء الغليل‪(( :21/4 ،‬قلت وسنده صحيح رجاله‬
‫أصل مع‬
‫ّ‬ ‫رجال الصحيح))‪ ،‬والحديث أخرجه مسلم بلفظ‪(( :‬كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم‬
‫اإلمام))؟ فقال‪(( :‬ركعتين سنة أبي القاسم ‪ ،))‬مسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب صالة‬
‫المسافرين وقصرها‪ ،‬برقم ‪.388‬‬
‫آثارا في موطأ اإلمام مالك‪.120-131/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬الكتاب والباب السابق‪ ،‬برقم ‪ ،)388( 17‬وانظر ً‬
‫(‪ )3‬التمهيد‪.412-411/13 ،‬‬
‫(‪ )4‬المرجع السابق‪.412/13 ،‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه من حديث أبي هريرة ‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب إقامة الصف من تمام الصالة‪ ،‬برقم ‪،722‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ائتمام المأموم باإلمام‪ ،‬برقم ‪.313‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،433/4 ،‬ومجموع فتاوى اإلمام ابن باز‪ ،230 ،121/12 ،‬والشرح‬
‫الممتع‪ ،‬البن عثيمين‪.211/3،‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪506‬‬
‫تيمية رحمه اهلل‪(( :‬الجمهور ال يشترطون النية‪ :‬كمالك‪ ،‬وأبي حنيفة‪ ،‬وهو‬
‫أحد القولين في مذهب أحمد‪ ،‬وهو مقتضى نصوصه‪ ،‬والثاني تشترط‪:‬‬
‫كقول الشافعي‪ ،‬وكثير من أصحاب أحمد‪ :‬كالخرقي وغيره‪ ،‬واألول أظهر‪،‬‬
‫ومن علم بأحد القولين لم ينكر عليه))(‪ .)1‬وقال رحمه اهلل‪(( :‬واألول هو‬
‫الصحيح الذي تدل عليه سنة النبي ‪ ،‬فإنه كان يقصر بأصحابه وال يعلمهم‬
‫قبل الدخول في الصالة أنه يقصر‪ ،‬وال يأمرهم بنية القصر‪ ...‬وكذلك لما‬
‫جمع بهم لم يعلمهم أنه جمع قبل الدخول‪ ،‬بل لم يكونوا يعلمون أنه يجمع‬
‫أيضا أن الجمع ال يفتقر إلى أن ينوي‬ ‫حتى يقضي الصالة األولى‪ ،‬فعلم ً‬
‫حين الشروع في األولى))(‪ ،)2‬وقال رحمه اهلل‪(( :‬والنبي ‪ ‬لما كان يصلي‬
‫أحدا منهم بنية الجمع والقصر‪،‬بل خرج‬‫وقصرا لم يكن يأمر ً‬ ‫جمعا‬
‫ً‬ ‫بأصحابه‬
‫ً‬
‫من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين من غير جمع‪،‬ثم صلى بهم الظهر بعرفة‬
‫ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها ثم صلى بهم العصر‪،‬ولم‬
‫يكونوا نووا الجمع‪،‬وهذا جمع تقديم‪،‬وكذلك لما خرج من المدينة صلى‬
‫بهم بذي الحليفة ركعتين ولم يأمرهم بنية قصر))(‪.)3‬‬
‫وقال سماحة شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل‪...(( :‬‬
‫والراجح أن النية ليست بشرط عند افتتاح الصالة األولى‪ ،‬بل يجوز‬
‫الجمع بعد الفراغ من األولى إذا وجد شرطه‪ :‬من خوف‪ ،‬أو مطر‪ ،‬أو‬
‫مرض))(‪ .)4‬فظهر أن الصحيح من قولي أهل العلم أن النية ليست بشرط‬
‫عند افتتاح الصالة في القصر والجمع(‪.)5‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،13/23 ،‬وانظر‪ :‬المغني البن قدامة‪.111/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪،21/23،‬وانظر‪:‬اإلنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪.102/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪.20/23 ،‬‬
‫(‪ )4‬مجموع فتاوى ابن باز‪.213/12 ،‬‬
‫(‪ )5‬ورجح ذلك شيخ اإلسالم كما تقدم‪ ،‬واإلمام ابن باز‪ ،‬والسعدي في المختارات الجلية‪ ،‬ص‪،37‬‬
‫والمرداوي في اإلنصاف‪ ،‬المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪ ،32/2 ،‬وابن عثيمين في الشرح‬
‫الممتع‪ ،222-224/3 ،‬و‪ ،233‬وانظر‪ :‬االختيارات الفقهية البن تيمية‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫‪505‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫أما المواالة بين الصالتين المجموعتين فقد اشترطها بعضهم‪ ،‬واختار شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪ ،‬والعالمة السعدي‪ ،‬عدم اشتراط المواالة(‪.)1‬‬
‫وقال شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل‪(( :‬الواجب‬
‫في جمع التقديم المواالة بين الصالتين‪ ،‬وال بأس بالفصل اليسير ُعر ًفا؛‬
‫لما ثبت عن النبي ‪ ‬في ذلك وقد قال ‪(( :‬صلوا كما رأيتموني‬
‫أصلي))(‪ .)2‬أما جمع التأخير فاألمر فيه واسع؛ ألن الثانية تفعل في وقتها؛‬
‫ولكن األفضل هو المواالة بينهما تأسيا بالنبي ‪ ‬في ذلك‪ ،‬واهلل ولي‬
‫ً‬
‫التوفيق))(‪ )3‬واهلل أعلم(‪.)4‬‬
‫الخامس عشر‪ :‬رخص السفر‪:‬‬
‫من قواعد الشريعة‪(( :‬المشقة تجلب التيسير))(‪ ،)5‬ولما كان السفر قطعة‬
‫من العذاب؛ لقوله ‪(( :‬السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه‬
‫وشرابه‪ ،‬ونومه‪ ،‬فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله))(‪ ،)6‬رتّب الشارع ما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،21/23 ،‬و‪ ،23‬واالختيارات الفقهية له‪ ،‬ص‪،112‬‬
‫والمختارات الجلية للسعدي‪ ،‬ص‪ ،38‬واإلنصاف للمرداوي‪.103/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬برقم ‪.341‬‬
‫(‪ )3‬مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز‪.212/12 ،‬‬
‫(‪ )4‬قال العالمة ابن عثيمين‪(( :‬واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬أنه ال تشترط المواالة بين المجموعتين‪،‬‬
‫وقتا‬
‫وقال‪ :‬إن معنى الجمع هو الضم بالوقت‪ :‬أي ضم وقت الثانية لألولى بحيث يكون الوقتان ً‬
‫نصوصا عن اإلمام أحمد تدل على ما ذهب إليه من أنه ال‬
‫ً‬ ‫واحدا‪ ...‬وقد ذكر شيخ اإلسالم رحمه اهلل‬
‫ً‬
‫تقديما كما أن المواالة ال تشترط بالجمع بينهما تأخيرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫الصالتين‬ ‫بين‬ ‫الجمع‬ ‫في‬ ‫المواالة‬ ‫تشترط‬
‫ً‬
‫واألحوط أن ال يجمع إذا لم يتصل‪ ،‬ولكن رأي شيخ اإلسالم له قوة))الشرح الممتع‪.231-238/3،‬‬
‫واألقوال ثالثة‪ :‬األول‪ :‬المواالة ليست شرطًا في جمع التقديم وال في جمع التأخير‪ ،‬وهذا رأي‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬المواالة شرط في الجمعين؛ ألن الجمع هو الضم‪ ،‬وهو قول بعض العلماء‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬تشترط المواالة في جمع التقديم وال تشترط في جمع التأخير‪ ،‬وهذا هو المشهور من‬
‫مذهب الحنابلة‪ .‬الشرح الممتع البن عثيمين‪.278/3،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪:‬إرشاد أولي البصائر واأللباب للعالمة السعدي‪،‬ص‪،114‬ورسالة القواعد الفقهية له‪،‬ص‪.20-31‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ ،‬كتاب العمرة‪ ،‬باب السفر قطعة من العذاب‪ ،‬برقم ‪.1803‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪505‬‬
‫خلوه من المشاق؛ ألن األحكام‬
‫ُّ‬ ‫رتب من الرخص‪ ،‬حتى ولو ُفرِ ض‬ ‫ّ‬
‫تع َّلق بعللها العامة‪ ،‬وإن تخلفت في بعض الصور واألفراد‪ ،‬فالحكم‬
‫الفرد يُلحق باألعم‪ ،‬وال يفرد بالحكم‪ ،‬وهذا معنى قول الفقهاء رحمهم‬
‫اهلل‪(( :‬النادر ال حكم له))‪ ،‬يعني ال ينقض القاعدة وال يخالف حكمه‬
‫حكمها‪ ،‬فهذا أصل يجب اعتباره‪ ،‬فأعظم رخص السفر وأكثرها حاجة‬
‫ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬القصر؛ ولذلك ليس للقصر من األسباب غير السفر؛ ولهذا‬
‫أضيف السفر إلى القصر الختصاصه به‪ ،‬فتقصر الرباعية من أربع إلى‬
‫ركعتين‪.‬‬
‫‪ -2‬الجمع بين الظهر والعصر‪ ،‬والمغرب والعشاء في وقت إحداهما‪،‬‬
‫والجمع أوسع من القصر؛ ولهذا له أسباب أُخر غير السفر‪ :‬كالمرض‪،‬‬
‫واالستحاضة‪ ،‬والمطر‪ ،‬والوحل‪ ،‬والريح الشديدة الباردة‪ ،‬ونحوها من‬
‫الحاجات‪ ،‬والقصر أفضل من اإلتمام‪ ،‬بل يكره اإلتمام لغير سبب‪ ،‬وأما‬
‫الجمع في السفر فاألفضل تركه إال عند الحاجة إليه‪ ،‬أو إدراك الجماعة‪،‬‬
‫فإذا اقترن به مصلحة جاز‪.‬‬
‫‪ -4‬الفطر في رمضان من رخص السفر‪.‬‬
‫‪ -3‬الصالة النافلة على الراحلة أو وسيلة النقل إلى جهة سيره‪.‬‬
‫‪ -2‬وكذلك المتنفل الماشي‪.‬‬
‫‪ -3‬المسح على الخفين‪ ،‬والعمامة‪ ،‬والخمار‪ ،‬ونحوها‪ ،‬ثالثة أيام‬
‫بلياليها؛ لحديث علي بن أبي طالب ‪ ، ‬قال‪(( :‬جعل رسول اهلل ‪،‬‬
‫ويوما وليلة للمقيم))(‪ .)1‬وأما التيمم فليس‬
‫ً‬ ‫ثالثة أيام ولياليهن للمسافر‪،‬‬
‫سببه السفر‪ ،‬وإن كان الغالب أن الحاجة إليه في السفر أكثر منه في‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب التوقيت في المسح على الخفين‪ ،‬برقم ‪.273‬‬
‫‪505‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫الحضر‪ ،‬وكذلك أكل الميتة للمضطر عام في السفر والحضر‪ ،‬ولكن في‬
‫الغالب وجود الضرورة في السفر‪.‬‬
‫‪ -7‬ترك الرواتب في السفر‪ ،‬وال يكره له ذلك‪ ،‬مع أنه يكره تركها في‬
‫الحضر‪ ،‬أما راتبة الفجر وصالة الوتر‪،‬والصلوات المطلقة فتصلى حضرا‬
‫ً‬
‫وسفرا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ - 8‬من رخص السفر ما ثبت عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬إذا مرض العبد‬
‫صحيحا))(‪ .)1‬فاألعمال التي‬
‫ً‬ ‫مقيما‬
‫ً‬ ‫أو سافر ُكتب له مثل ما كان يعمل‬
‫يعملها في حضره‪ :‬من األعمال القاصرة على نفسه‪ ،‬والمتعدية يجري له‬
‫أجرها إذا سافر‪ ،‬وكذلك إذا مرض‪ ،‬فيا لها من نعمة ما أجلها وأعظمها‪.‬‬
‫وأما صالة الخوف فليس سببه السفر‪،‬ولكنه فيه أكثر(‪.)2‬‬
‫السادس عشر‪ :‬الجمع وأنواعه ودرجاته‪:‬‬
‫‪ -1‬الجمع بعرفة؛ لحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬إنهم كانوا‬
‫السنّة))(‪(( ،)3‬وكان ابن عمر رضي اهلل عنهما إذا‬
‫يجمعون بين الظهر والعصر في ُّ‬
‫(‪)4‬‬
‫فاتته الصالة مع اإلمام جمع بينهما)) ‪ .‬وعن جابر ‪ ‬في حديثه في‬
‫حجة الوداع‪ ،‬وفيه‪ :‬أن النبي ‪ ‬أتى بطن الوادي فخطب الناس‪ ،‬ثم أذن‪،‬‬
‫شيئا))(‪.)5‬‬
‫يصل بينهما ً‬ ‫ّ‬ ‫ثم أقام فصلى الظهر‪ ،‬ثم أقام فصلى العصر‪ ،‬ولم‬
‫ومما يدل على أنه ‪ ‬صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين حديث أنس‬
‫‪ ‬قال‪(( :‬خرجنا مع النبي ‪ ‬من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين‬
‫ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة))‪ .‬وفي لفظ لمسلم‪(( :‬خرجنا من المدينة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫والسير‪،‬باب‪:‬يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في اإلقامة‪ ،‬برقم ‪.2113‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬البخاري‪،‬كتاب الجهاد‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬إرشاد أولي البصائ ر واأللباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر األسباب‪ ،‬للعالمة السعدي‪،‬‬
‫ص‪ 113-114‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الجمع بين الصالتين بعرفة‪ ،‬برقم ‪.1332‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الجمع بين الصالتين بعرفة‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪.1332‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب حجة النبي ‪ ،‬برقم ‪.1218‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪565‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫إلى الحج‪..‬‬
‫‪ -2‬الجمع بمزدلفة؛ لحديث جابر ‪ ‬أن النبي ‪ ‬حينما أفاض من‬
‫عرفة‪(( :‬أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين‪،‬‬
‫شيئا))(‪)3‬؛ ولحديث أسامة بن زيد ‪ ، ‬وفيه‪(( :‬أن‬ ‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫ولم يسبح بينهما‬
‫النبي ‪ ‬لما جاء المزدلفة نزل فتوضأ‪ ،‬فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصالة‬
‫فصلى المغرب‪ ،‬ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله‪ ،‬ثم أقيمت العشاء‬
‫(‪)4‬‬
‫شيئا)) ؛ ولحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‬
‫يصل بينهما ً‬‫ّ‬ ‫فصالها‪ ،‬ولم‬
‫ِج ْم ٍع‪ ،‬ليس بينهما‬ ‫قال‪(( :‬جمع رسول اهلل ‪ ‬بين المغرب والعشاء ب َ‬
‫(‪)5‬‬
‫سجدة‪ ،‬وصلى المغرب ثالث ركعات وصلى العشاء ركعتين)) ‪.‬‬
‫‪ -4‬الجمع في األسفار األخرى أثناء السير في وقت األولى أو الثانية أو‬
‫بينهما؛ لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يجمع بين‬
‫صالة الظهر والعصر‪ ،‬إذا كان على ظهر سير(‪ ،)6‬ويجمع بين المغرب‬
‫والعشاء))(‪ ،)7‬وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬كان النبي ‪ ‬يجمع بين‬
‫جد به السير(‪ ،)9()))8‬وعن أنس ‪ ‬قال‪(( :‬كان النبي ‪‬‬ ‫المغرب والعشاء إذا َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1081‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،314‬وتقدم تخريجه في قصر الصالة بمنى‪.‬‬
‫يصل صالة النافلة‪ .‬جامع األصول البن األثير‪.721/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬ولم يسبح بينهما‪ :‬لم ّ‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب حجة النبي ‪ ،‬برقم ‪.1218‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الجمع بين الصالتين بمزدلفة‪ ،‬برقم ‪ ،1372‬ومسلم‪،‬‬
‫جميعا‬
‫ً‬ ‫كتاب الحج‪ ،‬باب اإلفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صالتي المغرب والعشاء‬
‫بالمزدلفة في هذه الليلة‪ ،‬برقم ‪.1280‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب اإلفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صالتي المغرب والعشاء‬
‫جميعا بالمزدلفة في هذه الليلة‪ ،‬برقم ‪.1288‬‬
‫ً‬
‫(‪ )6‬إذا كان على ظهر سير‪ :‬أي إذا كان سائرا‪ .‬فتح الباري البن حجر‪.280/2 ،‬‬
‫ً‬
‫(‪ )7‬البخاري‪،‬كتاب تقصر الصالة‪،‬باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء‪،‬برقم ‪.1107‬‬
‫(‪ )8‬إذا جد به السير‪ :‬أي إذا اهتم به وأسرع فيه‪ .‬النهاية في غريب الحديث‪ ،233/1 ،‬وقال الحافظ‪:‬‬
‫((إذا جد به السير‪ :‬أي اشتد))‪ .‬فتح الباري‪.280/2 ،‬‬
‫(‪ )9‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب التقصير‪ ،‬باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء برقم ‪،1103‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب جواز الجمع بين الصالتين في السفر‪ ،‬برقم ‪.704‬‬
‫‪565‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫يجمع بين صالة المغرب والعشاء في السفر))(‪.)1‬‬


‫قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬أورد فيه ثالثة أحاديث(‪ :)2‬حديث‬
‫ابن عمر وهو مقيد بما إذا جد السير‪ ،‬وحديث ابن عباس‪ ،‬وهو مقيد بما‬
‫إذا كان سائرا‪ ،‬وحديث أنس وهو مطلق‪ ،‬واستعمل المصنف الترجمة‬
‫ً‬
‫مطلقة إشارة إلى العمل بالمطلق؛ ألن القيد فرد من أفراده‪ ،‬وكأنه رأى‬
‫جدا أم‬
‫سائرا‪ ،‬أم ال‪ ،‬وسواء كان سيره ُم ًّ‬ ‫جواز الجمع بالسفر‪ :‬سواء كان‬
‫ً‬
‫ال))(‪ )3‬وعلى ذلك كثير من الصحابة ‪ ، ‬وهو الذي تدل عليه‬
‫(‪)4‬‬
‫‪5‬‬
‫األحاديث الصحيحة الصريحة( )‪ ،‬فعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬كان النبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪،‬كتاب تقصير الصالة‪،‬باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء‪،‬برقم ‪.1108‬‬
‫(‪ )2‬يعني البخاري رحمه اهلل في قوله‪(( :‬باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء))‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪.280/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬اختلف العلماء رحمهم اهلل تعالى في الجمع بين الصالتين في السفر على أقوال‪:‬‬
‫‪ -1‬جواز الجمع مطل ًقا في السفر في قول أكثر أهل العلم في وقت إحدى الصالتين‪ :‬الظهر والعصر‪،‬‬
‫أو المغرب والعشاء‪ ،‬وعليه كثير من أصحاب النبي ‪ ،‬وكثير من التابعين‪ ،‬ومن الفقهاء‪ :‬الثوري‪،‬‬
‫والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬ومالك‪.‬‬
‫‪ -2‬ومذهب أبي حنيفة ال يجوز الجمع إال في يوم عرفة بعرفة‪ ،‬وليلة مزدلفة بها‪.‬‬
‫‪ -4‬وقيل يجوز جمع التأخير فقط وهو رواية عن أحمد‪ ،‬ومالك‪ ،‬واختاره ابن حزم‪.‬‬
‫والصواب الذي تدل عليه األدلة الصحيحة الصريحة هو القول األول‪ .‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ،127/4‬والشرح الكبير المطبوع مع المقنع واإلنصاف‪ ،82/2 ،‬وفتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪،‬‬
‫‪ ،22/23‬وفتح الباري البن حجر‪ ،280/2 ،‬وشرح النووي على صحيح مسلم‪،‬‬
‫‪ ،220/2‬واإلعالم بفوائد عمدة األحكام البن الملقن‪.71/3 ،‬‬
‫(‪)5‬قرر شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪ :‬أن فعل كل صالة في وقتها قصرا أفضل في السفر إذا لم‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫يكن به حاجة إلى الجمع؛ فإن غالب صالة النبي ‪ ‬التي كان يصليها في السفر إنما يصليها في‬
‫أوقاتها‪ ،‬وإنما كان الجمع منه مرات قليلة‪ ،‬أما الجمع في عرفة ومزدلفة‪ ،‬فمتفق عليه ومنقول‬
‫بالتواتر‪ ،‬وهو السنة‪ ،‬والجمع ليس كالقصر؛ فإن القصر سنة راتبة‪ ،‬وأما الجمع فإنه رخصة عارضة‬
‫يختص بمحل الحاجة‪ .‬انظر‪ :‬فتاوى ابن تيمية‪ ،11/23 ،‬و‪ ،27 ،24/23‬وقال رحمه اهلل‪(( :‬ومن‬
‫سوى من العامة بين القصر والجمع فهو جاهل بسنة رسول اهلل ‪ ، ‬وبأقوال علماء المسلمين))‬
‫ّ‬
‫مجموع الفتاوى‪ ،27/23 ،‬وانظر‪ :‬حاشية الروض المربع‪ ،‬البن قاسم ‪ .413/2‬وذكر المرداوي في‬
‫اإلنصاف المطبوع مع الشرح الكبير‪ : 82/2 ،‬أن ترك الجمع أفضل على الصحيح من مذهب‬
‫الحنابلة‪ ،‬وقيل‪ :‬الجمع أفضل‪.‬‬
‫=‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪565‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أخر الظهر إلى وقت العصر‪ ،‬ثم‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس‬
‫نزل فجمع بينهما‪ ،‬وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم‬
‫ركب))(‪ ،)2‬وفي رواية للحاكم في األربعين‪(( :‬صلى الظهر والعصر‪ ،‬ثم‬
‫ركب))(‪)3‬؛ وألبي نعيم في مستخرج مسلم‪(( :‬كان إذا كان في سفر فزالت‬
‫جميعا ثم ارتحل))(‪.)4‬‬
‫ً‬ ‫الشمس صلى الظهر والعصر‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‪:‬‬
‫((هذا يدل على أن الجمع يراعى فيه الرحيل قبل الوقت وبعد الوقت‪،‬‬
‫فإن كان الرحيل قبل الوقت جمع جمع تأخير‪ ،‬وإن كان بعد الوقت‬
‫جمع جمع تقديم‪ ،‬هذا هو األفضل‪ ،‬وكيفما جمع جاز؛ ألن الوقتين‬
‫حدا‪ ،‬فلو صلى أول الوقت‪ ،‬أو آخره‪ ،‬فال بأس‪ ،‬ففي حالة‬ ‫وقتا وا ً‬
‫صارا ً‬
‫واحدا‪ ،‬والمغرب‬
‫ً‬ ‫وقتا‬
‫السفر والمرض يكون وقت الظهر والعصر ً‬
‫واحدا‪ ،‬ولكن األفضل ما تقدم))(‪.)5‬‬
‫ً‬ ‫وقتا‬
‫والعشاء ً‬
‫ومما يدل على مشروعية جمع التقديم حديث معاذ ‪ ‬قال‪(( :‬خرجنا‬
‫جميعا‪،‬‬
‫ً‬ ‫مع رسول اهلل ‪ ‬في غزوة تبوك‪ ،‬فكان يصلي الظهر والعصر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫وقال العالمة محمد بن صالح العثيمين‪(( :‬الصحيح أن الجمع سنة إذا وجد سببه؛ لوجهين‪ :‬الوجه‬
‫األول‪ :‬أنه من رخص اهلل ‪ ، ‬واهلل سبحانه يحب أن تؤتى رخصه‪ .‬الوجه الثاني‪ :‬أن فيه اقتداء‬
‫برسول اهلل ‪ ،‬فإنه كان يجمع عند وجود السبب المبيح للجمع)) الشرح الممتع‪.238/3 ،‬‬
‫(‪ )1‬تزيغ الشمس ‪ :‬زاغت الشمس‪ ،‬تزيغ‪ :‬إذا مالت عن وسط السماء إلى الغرب‪ .‬جامع األصول البن‬
‫األثير‪.710/2 ،‬‬
‫الصالة‪،‬باب‪:‬يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪،‬كتاب تقصير‬
‫‪،‬وباب‪:‬إذا ارتحل بعدما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب‪،‬برقم ‪.1112‬‬ ‫ٌ‬ ‫الشمس‪،‬برقم ‪1111‬‬
‫(‪ )3‬قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،332‬في رواية الحاكم في األربعين‪:‬‬
‫((بإسناد صحيح))‪ .‬وانظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،284/2 ،‬وزاد المعاد البن القيم‪.380-377/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬عزاه إليه ابن حجر في بلوغ المرام‪،‬وقال الصنعاني في سبل السالم‪ 133/4،‬في رواية المستخرج على‬
‫صحيح مسلم‪((:‬ال مقال فيها))‪.‬وقال األلباني في إرواء الغليل بعد ذكره للطرق‪((:‬فقد تبين مما سبق‬
‫ّ‬
‫ثبوت جمع التقديم في حديث أنس من طرق ثالثة عنه)) إرواء الغليل‪ ،43/4 ،‬و‪.44-42/4‬‬
‫(‪ )5‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.332‬‬
‫‪565‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫جميعا))(‪ .)1‬وقد فصل هذا اإلجمال رواية الترمذي‬


‫ً‬ ‫والمغرب والعشاء‬
‫وأبي داود عن معاذ ‪(( :‬أن النبي ‪ ‬كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل‬
‫جميعا‪،‬‬
‫ً‬ ‫أخر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما‬ ‫زيغ الشمس ّ‬
‫وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر‪ ،‬وصلى الظهر‬
‫أخر المغرب‬‫جميعا‪ ،‬ثم سار‪ ،‬وكان إذا ارتحل قبل المغرب ّ‬‫ً‬ ‫والعصر‬
‫عجل العشاء فصالها‬
‫مع العشاء‪ ،‬وإذا ارتحل بعد المغرب ّ‬ ‫حتى يصليها‬
‫(‪)2‬‬
‫مع المغرب)) ‪.‬‬
‫‪ -3‬درجات الجمع في السفر ثالث(‪:)3‬‬
‫الدرجة األولى‪:‬إذا كان المسافر سائرا في وقت الصالة األولى فإنه ينزل‬
‫ً‬
‫في وقت الثانية فيصلي جمع تأخير في وقت الثانية(‪،)4‬فهذا هو الجمع الذي‬
‫ثبت في الصحيحين من حديث أنس‪،‬وابن عمر‪،‬كما تقدم‪،‬وهو نظير جمع‬
‫مزدلفة‪.‬‬
‫الدرجة الثانية‪ :‬إذا كان المسافر نازالً في وقت الصالة األولى ويكون‬
‫سائرا في وقت الصالة الثانية؛ فإنه يصلي جمع تقديم في وقت األولى‪،‬‬
‫ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب الجمع بين الصالتين في الحضر‪ ،‬برقم ‪.103‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما جاء في الجمع بين الصالتين برقم ‪ ،224‬وأبو داود‪ ،‬كتاب‬
‫الصالة‪ ،‬باب الجمع بين الصالتين‪ ،‬برقم ‪ ،1208‬و‪ ،1120‬وصححه األلباني في إرواء الغليل‪،‬‬
‫‪ ،48/4‬برقم ‪ ،278‬وفي صحيح سنن الترمذي‪ ،407/1 ،‬وصحيح سنن أبي داود‪.440/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪.34/23،‬‬
‫(‪ )4‬وذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬أن الجمع جائز في الوقت المشترك‪ ،‬فتارة يجمع في أول الوقت‪،‬‬
‫كما جمع ‪ ‬بعرفة ‪ ،‬وتارة يجمع في وقت الثانية كما جمع ‪ ‬بمزدلفة‪ :‬وفي بعض أسفاره‪ ،‬وتارة‬
‫معا في أول‬
‫معا في آخر وقت األولى‪ ،‬وقد يقعان ً‬
‫يجمع فيما بينهما في وسط الوقتين‪ ،‬وقد يقعان ً‬
‫وقت الثانية‪ ،‬وقد تقع هذه في هذا وهذه في هذا‪ ،‬وكل هذا جائز؛ ألن أصل هذه المسألة أن‬
‫الوقت عند الحاجة مشترك‪ ،‬والتقديم‪ ،‬والتوسط‪ ،‬والتأخير بحسب الحاجة والمصلحة‪ ،‬ففي عرفة‬
‫ونحوها يكون التقديم هو السنة‪ ،‬وكذلك جمع المطر‪ :‬السنة أن يجمع للمطر في وقت المغرب‪،‬‬
‫حتى اختلف مذهب أحمد هل يجوز أن يجمع للمطر في وقت الثانية؟‪ ...‬انظر مجموع فتاوى‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية‪.23/23،‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪565‬‬
‫وهذا نظير الجمع بعرفة‪ ،‬وهذا الذي ثبت من حديث أنس ‪ ‬في رواية‬
‫الحاكم ومستخرج مسلم ألبي نعيم‪ ،‬وثبت من حديث معاذ ‪ ‬في سنن‬
‫تقدم‪.‬‬
‫الترمذي وأبي داود كما ّ‬
‫جميعا نزوالً‬‫ً‬ ‫الدرجة الثالثة‪ :‬إذا كان المسافر نازالً في وقت الصالتين‬
‫مستمرا‪ ،‬فالغالب من سنة النبي ‪ ‬أنه ال يجمع بينهما وإنما يصلي كل‬
‫ً‬
‫صالة في وقتها مقصورة كما فعل ‪ ‬في منى وفي أكثر أسفاره‪ ،‬ولكن‬
‫قد يجمع أحيا ًنا أثناء نزوله نزوالً مستمرا كما جاء عن معاذ ‪ ‬أنهم‬
‫ً‬
‫خرجوا مع رسول اهلل ‪ ‬في غزوة تبوك‪(( ،‬فكان رسول اهلل ‪ ‬يجمع بين‬
‫يوما ثم خرج فصلى‬ ‫فأخر الصالة ً‬ ‫الظهر والعصر‪ ،‬والمغرب والعشاء‪ّ ،‬‬
‫جميعا‪ ،‬ثم دخل‪ ،‬ثم خرج فصلى المغرب والعشاء‬ ‫ً‬ ‫الظهر والعصر‬
‫(‪)1‬‬
‫جميعا)) ‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪(( :‬ظاهره أ َّنه كان نازالً‬‫ً‬
‫أخر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر‬ ‫في خيمة في السفر‪ ،‬وأنه ّ‬
‫جميعا‪ ،‬فإن‬
‫ً‬ ‫جميعا‪ ،‬ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء‬ ‫ً‬
‫الدخول والخروج إنما يكون في المنزل‪ ،‬وأما السائر فال يقال‪ :‬دخل‬
‫وخرج بل نزل وركب‪ ...‬وهذا دليل على أنه ‪ ‬كان يجمع أحيا ًنا في‬
‫السفر وأحيا ًنا ال يجمع‪ ،‬وهو األغلب على أسفاره‪ ...‬وهذا يبين أن‬
‫ّ‬
‫الجمع ليس من سنة السفر كالقصر‪ ،‬بل يفعل للحاجة‪ ،‬سواء كان في‬
‫أيضا في الحضر؛ لئال يحرج أمته‪،‬‬ ‫السفر أو الحضر؛ فإنه قد جمع ً‬
‫فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع‪ ،‬سواء كان ذلك سيره وقت الثانية‪،‬‬
‫وشق النزول عليه‪ ،‬أو كان مع نزوله لحاجة أخرى‪ :‬مثل‬ ‫َّ‬ ‫أو وقت األولى‬
‫أن يحتاج إلى النوم واالستراحة وقت الظهر‪ ،‬ووقت العشاء‪ ،‬فينزل وقت‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ ،‬كتاب المواقيت‪ ،‬باب الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر‪،‬برقم ‪،287‬‬
‫وأبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الجمع بين الصالتين‪،‬برقم ‪ ،1203‬وموطأ اإلمام مالك‪ ،‬كتاب قصر‬
‫الصالة‪ ،‬باب الجمع بين الصالتين في الحضر والسفر‪ 133-134/1،‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح سنن أبي داود‪ ،440/1 ،‬وفي صحيح سنن النسائي‪.113/1،‬‬
‫‪560‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫الظهر وهو تعبان‪ ،‬سهران‪ ،‬جائع محتاج إلى راحة وأكل ونوم‪ ،‬فيؤخر‬
‫الظهر إلى وقت العصر‪ ،‬ثم يحتاج أن يقدم العشاء مع المغرب وينام بعد‬
‫ذلك؛ ليستيقظ نصف الليل لسفره‪ ،‬فهذا ونحوه يباح له الجمع‪ .‬وأما‬
‫أياما في قرية أو مصر وهو في ذلك كأهل المصر‪ :‬فهذا وإن كان‬ ‫النازل ً‬
‫(‪)1‬‬
‫يقصر؛ ألنه مسافر فال يجمع)) ‪.‬‬
‫واست ِد َّل على أن المسافر يجمع بين الصالتين عند الحاجة في نزوله في‬ ‫ُ‬
‫السفر بحديث أبي جحيفة ‪:‬أنه أتى النبي ‪ ‬وهو نازل بمكة باألبطح في‬
‫حجة الوداع في قبة له حمراء من أدم‪،‬قال‪ :‬فخرج النبي ‪ ‬بالهاجرة عليه‬
‫حلة حمراء‪،‬فتوضأ وأذن بالل‪،‬ثم ُر ِك َزت له عنزة فتقدم فصلى بهم بالبطحاء‬
‫الظهر ركعتين‪ ،‬والعصر ركعتين‪،)2())...‬قال النووي رحمه اهلل‪(( :‬فيه دليل على‬
‫القصر والجمع في السفر‪،‬وفيه أن األفضل لمن أراد الجمع وهو نازل في‬
‫وقت األولى أن يقدم الثانية إلى األولى‪،‬وأما من كان في وقت األولى سائرا‬
‫ً‬
‫فاألفضل تأخير األولى إلى وقت الثانية))(‪،)3‬واهلل تعالى أعلم(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ، 32-33/23 ،‬وأما تلميذه ابن القيم فال يرى الجمع وقت‬
‫النزول‪ ،‬انظر‪ :‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،381/1 ،‬وأما شيخنا عبد العزيز ابن باز‪ ،‬فيرى أن‬
‫الجمع للمسافر وقت النزول ال بأس به‪ ،‬ولكن تركه أفضل‪ .‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى ابن باز‪،‬‬
‫‪.217/12‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الوضوء‪ ،‬باب استعمال فضل وضوء الناس‪ ،‬برقم ‪ ،187‬ومسلم‪،‬‬
‫كتاب الصالة‪ ،‬باب سترة المصلي‪ ،‬برقم ‪.204‬‬
‫(‪ )3‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.338/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬ذكر العالمة محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل خالف العلماء في مسألة جمع المسافر أثناء‬
‫السير والنزول‪ :‬قال‪:‬‬
‫أ ‪ -‬فمنهم من يقول‪ :‬ال يجوز الجمع للمسافر إال إذا كان سائرا ال إذا كان نازالً‪ ،‬وذكر أدلتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫ب ‪ -‬والقول الثاني‪ :‬أنه يجوز الجمع للمسافر سواء كان نازالً‪ ،‬أم سائرا واستدلوا بما يلي‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬أن النبي ‪ ‬جمع بغزوة تبوك وهو نازل‪.‬‬
‫‪ -2‬ظاهر حديث أبي جحيفة ‪ ‬الثابت في الصحيحين أن النبي ‪ ‬كان نازالً باألبطح في حجة‬
‫الوداع فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين‪.‬‬
‫‪ -4‬عموم حديث ابن عباس‪ (( :‬جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير‬
‫=‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪566‬‬
‫‪ - 2‬الجمع للمريض الذي يلحقه بتركه مشقة وضعف جائز؛ لحديث‬
‫ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬جمع رسول اهلل ‪ ‬بين الظهر والعصر‪،‬‬
‫والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف وال مطر))‪ ،‬وفي لفظ‪(( :‬صلى‬
‫جميعا‪ ،‬في غير‬
‫ً‬ ‫جميعا‪ ،‬والمغرب والعشاء‬
‫ً‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬الظهر والعصر‬
‫خوف وال سفر))‪ ،‬وسئل ابن عباس ِلم فعل ذلك؟ قال‪(( :‬أراد أن ال يحرج‬
‫(‪)1‬‬ ‫َ‬
‫أحدا من أمته)) ‪.‬‬
‫أمته))‪ ،‬وفي لفظ‪(( :‬أراد أن ال يحرج ً‬
‫وسبعا‬
‫ً‬ ‫جميعا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وعنه ‪ ‬قال‪(( :‬صليت مع رسول اهلل ‪ ‬بالمدينة ثمانيا‬
‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬الظهر والعصر‪ ،‬والمغرب والعشاء))(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫قال الحافظ ابن حجـر رحمـه اهلل‪(( :‬فـانتفى أن يكـون الجمـع المـذكور‪:‬‬
‫للخــوف‪ ،‬أو الســفر‪ ،‬أو المطــر‪ ،‬وجــوز بعــض العلمــاء أن يكــون الجمــع‬
‫المــذكور للمــرض‪ ،)3())..‬قــال اإلمــام النــووي رحمــه اهلل‪ ...(( :‬ومــنهم مــن‬
‫قال‪ :‬هو محمول على الجمع بعـذر المـرض أو نحـوه ممـا هـو فـي معنـاه‬
‫مــن األعــذار‪ ...‬وهــو المختــار فــي تأويلــه لظــاهر الحــديث‪ ،‬ولفعــل ابــن‬
‫عباس وموافقة أبي هريرة؛ وألن المشقة فيه أشد من المطر‪ .)4())...‬وقـال‬
‫شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن بـاز رحمـه اهلل‪(( :‬الصـواب حمـل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫خوف وال سفر))‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه فجوازه في السفر من باب أولى‪.‬‬
‫‪ -2‬أن المسافر يشق عليه أن يفرد كل صالة في وقتها‪ :‬إما للعناء أو قلة الماء أو غير ذلك‪.‬‬
‫قال رحمه اهلل‪ (( :‬والصحيح أن الجمع للمسافر جائز لكنه في حق السائر مستحب وفي حق النازل‬
‫جائز غير مستحب‪ ،‬إن جمع فال بأس وإن ترك فهو أفضل)) الشرح الممتع‪.224-220/3 ،‬‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،)702(-31‬ورقم ‪ ،)702(-23‬وتقدم تخريجه في صالة المريض‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب مواقيت الصالة‪ ،‬باب تأخير الظهر إلى العصر‪ ،‬برقم ‪ ،234‬وكتاب التطوع‪ ،‬باب‬
‫من لم يتطوع بعد المكتوبة‪ ،‬برقم ‪ ،1173‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب الجمع بين الصالتين في‬
‫الحضر‪ ،‬برقم ‪ ،)702(-22‬ورقم ‪.)702(-32‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري البن حجر‪.23/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،223-222/2 ،‬وانظر اإلعالم بفوائد عمدة األحكام لإلمام‬
‫عمر بن علي المعروف بابن الملقن‪.80/3 ،‬‬
‫‪565‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫الحــديث المــذكور علــى أنــه ‪ ‬جمــع بــين الصــلوات المــذكورة لمشــقة‬


‫عارضــة ذلــك اليــوم‪ :‬مــن مــرض غالــب‪ ،‬أو بــرد شــديد‪ ،‬أو وحــل‪ ،‬ونحــو‬
‫ذلك‪ ،‬ويدل على ذلك قول ابن عباس لما سئل عن علة هذا الجمع قال‪:‬‬
‫شاف‪ .‬واهلل أعلم))(‪ .)1‬وقد‬ ‫((لئال يحرج أمته))‪ ،‬وهذا جواب عظيم‪ ،‬سديد‪ٍ ،‬‬
‫ثبــت أن النبــي ‪ ‬أمــر حمنــة بنــت جحــش لمــا كانــت مستحاضــة بتــأخير‬
‫الظهــر وتعجيــل العصــر‪ ،‬وتــأخير المغــرب وتعجيــل العشــاء(‪ ،)2‬وهــذا هــو‬
‫الجمع الصوري(‪ .)3‬والمرض المبيح للجمع هـو مـا يلحقـه بـه بتأديـة كـل‬
‫صــالة فـــي وقتهــا مشـــقة وضـــعف‪ ،‬والمــريض مخيـــر فــي جمـــع التقـــديم‬
‫والتــأخير علـــى حســب مـــا يكــون أيســـر لــه‪ ،‬فـــإن اســتوى عنـــده األمـــران‬
‫فالتأخير أولى(‪ .)4‬واهلل الموفق(‪.)5‬‬
‫‪ -3‬الجمع في المطر الذي تحصل به المشقة على الناس؛ لحديث ابن‬
‫عباس رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬جمع رسول اهلل ‪ ‬بين الظهر والعصر‪ ،‬والمغرب‬
‫والعشاء بالمدينة في غير خوف وال مطر))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬في غير خوف وال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تعليق اإلمام ابن باز على فتح الباري البن حجر‪.23/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،287‬والترمذي‪ ،‬برقم ‪ ، 128‬وحسنه األلباني في إرواء الغليل‪ ،‬برقم ‪ ،188‬وقد‬
‫تقدم تخريجه في صالة المريض‪ ،‬وفي الطهارة في أحكام المستحاضة‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقال ابن قدامة‪ ،‬رحمه اهلل‪(( :‬وقد روي عن أبي عبد اهلل أنه قال في حديث ابن عباس‪ :‬هذا عندي‬
‫أيضا‪(( :‬وكذلك يجوز الجمع للمستحاضة‪ ،‬ولمن به‬ ‫رخصة للمريض والمرضع)) وقال ابن قدامة ً‬
‫سلسل البول‪ ،‬ومن في معناهما)) المغني البن قدامة‪ ،143-142/4 ،‬وانظر‪ :‬الشرح الكبير المطبوع مع‬
‫المقنع واإلنصاف‪.10/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ 143-142/4 ،‬والشرح الكبير المطبوع مع المقنع‪ ،‬واإلنصاف المطبوع‬
‫مع المقنع والشرح الكبير‪ ،10/2 ،‬والكافي البن قدامة‪ ،332-330/1 ،‬وفتاوى ابن تيمية‪،‬‬
‫‪ ،212/22 ،244/1‬و‪.21 ،13/23‬‬
‫(‪ )5‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ...((:‬فلهذا كان مذهب اإلمام أحمد وغيره من العلماء كطائفة من أصحاب‬
‫مالك وغيره‪:‬أنه يجوز الجمع بين الصالتين إذا كان عليه حرج‪ ،‬فيجمع بينهما المريض‪،‬وهو مذهب مالك‬
‫وطائفة من أصحاب الشافعي‪ ))...‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم‪،344/1،‬وانظر‪ :‬حاشية ابن قاسم على‬
‫الروض المربع‪،300-418/2 ،‬وانظر‪:‬التمهيد البن عبد البر‪.213-211/12،‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪565‬‬
‫سفر))‪ ،‬فسئل ِلم فعل ذلك؟ قال‪(( :‬أراد أن ال يحرج أمته)) ‪ .‬قال المجد ابن‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬
‫تيمية رحمه اهلل‪(( :‬وهذا يدل بفحواه على الجمع للمطر‪ ،‬والخوف‪،‬‬
‫والمرض‪ ،‬وإنما خولف ظاهر منطوقه في الجمع لغير ؛ لإلجماع؛ وألخبار‬
‫المواقيت‪ ،‬فيبقى فحواه على مقتضاه‪ ،‬وقد صح الحديث في الجمع‬
‫للمستحاضة‪ ،‬واالستحاضة نوع مرض))(‪.)2‬‬
‫وقال العالمة األلباني رحمه اهلل عن قول ابن عباس رضي اهلل عنهما‪(( :‬في غير‬
‫خوف وال مطر)) ((‪ ...‬يشعر أن الجمع في المطر كان معرو ًفا في عهده ‪،‬‬
‫ولو لم يكن كذلك لما كان ثمة فائدة من نفي المطر كسبب مبرر للجمع‬
‫(‪)3‬‬
‫َف َتأمل)) ‪ .‬وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل عن قول ابن عباس رضي اهلل‬
‫َّ‬
‫أيضا‪(( :‬من غير خوف وال مطر))‪(( ،‬وال سفر))‪(( :‬والجمع الذي ذكره ابن‬ ‫عنهما ً‬
‫عباس لم يكن بهذا وال هذا‪ ،‬وبهذا استدل أحمد به على الجمع لهذه األمور‬
‫بطريق األولى؛ فإن هذا الكالم يدل على أن الجمع لهذه األمور أولى‪ ،‬وهذا‬
‫من باب التنبيه بالفعل؛ فإنه إذا جمع يرفع الحرج الحاصل بدون الخوف‪،‬‬
‫والمطر‪ ،‬والسفر‪ ،‬فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع‪ ،‬والجمع لها أولى من‬
‫الجمع لغيرها))(‪.)4‬‬
‫وقد جاء في الجمع بسبب المطر آثار(‪ )5‬عن الصحابة والتابعين‪ ،‬فعن‬
‫نافع أن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما كان إذا جمع األمراء بين المغرب‬
‫والعشاء في المطر جمع معهم))(‪.)6‬‬
‫وعن هشام بن عروة أن أباه عروة‪،‬وسعيد بن المسيب‪،‬وأبا بكر بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،702‬وتقدم تخريجه في صالة المريض‪.‬‬
‫(‪ )2‬المنتقى من أخبار المصطفى ‪ ،‬باب جمع المقيم لمطر أو غيره‪.3/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬إرواء الغليل‪.30/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪.73/23 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪.142/4 ،‬‬
‫(‪ )6‬موطأ اإلمام مالك‪ ،‬كتاب قصر الصالة في السفر‪ ،‬باب الجمع بين الصالتين في الحضر والسفر‪،‬‬
‫برقم ‪ ،132/1 ،2‬والبيهقي‪ ،138/4 ،‬وصححه األلباني في إرواء الغليل‪ ،31/4 ،‬برقم ‪.284‬‬
‫‪565‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫عبدالرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي‪،‬كانوا يجمعون‬


‫بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة إذا جمعوا بين الصالتين‪ ،‬وال‬
‫ينكرون ذلك))(‪.)1‬‬
‫وعن موسى بن عقبة أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب‬
‫والعشاء اآلخرة إذا كان المطر‪ ،‬وأن سعيد بن المسيب‪ ،‬وعروة بن الزبير‪،‬‬
‫وأبا بكر بن عبد الرحمن‪ ،‬ومشيخة ذلك الزمان كانوا يصلون معهم وال‬
‫ينكرون ذلك))(‪ ،)2‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪(( :‬فهذه اآلثار‬
‫تدل على أن الجمع للمطر من األمر القديم المعمول به بالمدينة زمن‬
‫أحدا من الصحابة والتابعين أنكر‬
‫الصحابة والتابعين‪ ،‬مع أنه لم ينقل أن ً‬
‫ذلك فعلم أنه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك‪ ،‬لكن ال يدل على أن‬
‫النبي ‪ ‬لم يجمع إال للمطر‪ ،‬بل إذا جمع لسبب هو دون المطر مع‬
‫أيضا للمطر‪ ،‬كان قد جمع من غير خوف وال مطر‪ ،‬كما أنه إذا‬ ‫جمعه ً‬
‫جمع في السفر‪ ،‬وجمع في المدينة كان قد جمع في المدينة من غير‬
‫خوف وال سفر‪ ،‬فقول ابن عباس‪:‬جمع من غير كذا وال كذا ليس نفيا منه‬
‫ً‬
‫للجمع بتلك األسباب‪،‬بل إثبات منه؛ألنه جمع بدونها‪،‬وإن كان قد جمع‬
‫أيضا))(‪ .)3‬واهلل أعلم(‪،)4‬قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪((:‬والمطر المبيح‬
‫بها ً‬
‫للجمع هو ما يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه‪،‬وأما الطل والمطر‬
‫الخفيف الذي ال يبل الثياب‪،‬فال يبيح‪ ،‬والثلج كالمطر في ذلك؛ألنه في‬
‫معناه‪ ،‬وكذلك البرد))(‪.)5‬‬
‫ََ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البيهقي في الكبرى‪ ،138/4 ،‬وصحح إسناده األلباني في إرواء الغليل‪.30/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي في السنن الكبرى‪،138/4،‬وصحح إسناده األلباني في إرواء الغليل‪.30/4،‬‬
‫(‪ )3‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪.84/23 ،‬‬
‫(‪ )4‬يذكر بعض الفقهاء عن ابن عمر أن النبي ‪ :‬جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة‪ .‬قالوا‪ :‬رواه‬
‫جدا‪ .‬رواه الضياء المقدسي‪ ،‬أما‬‫النجاد بإسناده‪ ،‬وذكر األلباني في إرواء الغليل‪ 41/4 ،‬أنه ضعيف ًّ‬
‫َّ‬
‫النجاد الذي ُعزي إليه الحديث فله مسند‪ ،‬وكتاب كبير في السنن‪ ،‬ولم يعثر األلباني إلى على أجزاء‬
‫يسيرة من أحاديث ولم يجد الحديث فيها فلعله في األجزاء المفقودة‪ .‬اإلرواء ‪.30/4‬‬
‫(‪ )5‬المغني البن قدامة‪.144/4 ،‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪555‬‬
‫والجمع للمطر‪ ،‬ونحوه األفضل أن يقدم في وقت األولى؛ ألن‬
‫السلف إنما كانوا يجمعون في وقت األولى؛ وألنه أرفق بالناس‪ ،‬وال‬
‫واحدا(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫وقتا‬
‫شك أنه إذا جاز الجمع صار الوقتان ً‬
‫‪ - 7‬الجمع ألجل الوحل الشديد(‪ ،)2‬والريح الشديدة الباردة؛ لحديث‬
‫عبد اهلل بن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير‪ :‬إذا قلت أشهد أن ال إله إال‬
‫محمدا رسول اهلل فال تقل حي على الصالة‪ ،‬قل‪ :‬صلوا في‬ ‫ً‬ ‫اهلل أشهد أن‬
‫بيوتكم‪ ،‬فكأن الناس استنكروا ذلك فقال‪ :‬أتعجبون من ذا؟ فقد فعل ذا من‬
‫هو خير مني إن الجمعة عزمة(‪ ،)3‬وإني كرهت أن أُحرجكم فتمشوا في‬
‫الطين والدحض))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬أذن مؤ ّذن ابن عباس في يوم الجمعة في‬
‫يوم مطير‪ ...‬وقال‪ :‬وكرهت أن تمشوا في الدحض والزلل(‪.)5()))4‬‬
‫ذكر النووي رحمه اهلل أن هذا الحديث دليل على تخفيف أمر الجماعة في‬
‫المطر ونحوه من األعذار‪ ،‬وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر‪ ،‬وأنها مشروعة لمن‬
‫ليصل من‬
‫تكلف اإلتيان إليها‪ ،‬وتحمل المشقة؛ لقوله في الرواية األخرى‪ّ (( :‬‬
‫شاء في رحله))(‪ ،)6‬وأنها مشروعة في السفر‪ .‬والحديث دليل على سقوط‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،143/4 ،‬وفتاوى شيخ اإلسالم‪ ،23/23 ،240/22 ،‬والشرح الممتع‬
‫البن عثيمين‪.234/3،‬‬
‫(‪ )2‬الوحل‪:‬الطين الرقيق الملوث بالرطوبة‪،‬وهو الزلق‪،‬والوحل‪،‬والدحض‪،‬والزلل‪ ،‬والزلق‪ ،‬الردغ كله بمعنى‬
‫واحد‪،‬وقيل‪:‬هو المطر الذي يبل وجه األرض‪.‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،212/2،‬وانظر‪:‬حاشية‬
‫الروض المربع البن قاسم‪.304/2،‬‬
‫(‪ )3‬الجمعة عزمة‪ :‬أي واجبة متحتمة‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.233/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،311‬وتقدم تخريجه في صالة الجماعة‪ :‬في أعذار ترك الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )5‬والخالصة أن الجمع بين الصالتين يجوز في حاالت‪:‬‬
‫‪ -1‬في سفر القصر‪ -2 .‬ولمريض يلحقه بترك الجمع مشقة‪ ،‬والمستحاضة‪ -4 .‬المرضع إذا كان‬
‫يشق عليها غسل الثوب في وقت كل صالة‪ -3 .‬في المطر‪ -2 .‬والدحض الشديد‪ -3 .‬والريح‬
‫الشديدة الباردة‪ -7 .‬ولكل عذر يب يح ترك الجمعة والجماعة‪ .‬انظر‪ :‬الشرح الممتع‪،228/3 ،‬‬
‫واالختيارات الفقهية‪ ،‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪ ،112‬واإلنصاف في معرفة الراجح من‬
‫الخالف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪.10/2 ،‬‬
‫والجمع بين الصالتين من غير عذر من الكبائر‪،‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪،83/23،‬و‪.23 ،41024/22‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،318‬وتقدم تخريجه في أعذار ترك الجماعة‪.‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫الجمعة بعذر المطر ونحوه(‪.)1‬‬


‫قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪(( :‬فأما الوحل فبمجرد فقال القاضي‪:‬‬
‫قال أصحابنا‪ :‬هو عذر؛ ألن المشقة تلحق بذلك في النعال‪ ،‬والثياب كما‬
‫تلحق بالمطر‪ ،‬وهو قول مالك‪ )2())...‬ثم إن هذا القول أصح؛ ألن الوحل‬
‫يلوث الثياب والنعال‪ ،‬ويتعرض اإلنسان للزلق‪ ،‬فيتأذى بنفسه وثيابه‪،‬‬
‫وذلك أعظم من البلل‪ ،‬وقد ساوى المطر في العذر في ترك الجمعة‬
‫والجماعة‪ ،‬فدل على تساويهما في المشقة المرعية في الحكم))(‪.)3‬‬
‫وكذلك الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة يجوز الجمع فيها؛‬
‫لحصول المشقة(‪.)4‬‬
‫وسئل شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل عن صالة الجمع في المطر‬ ‫ُ‬
‫بين العشائين‪ :‬هل يجوز من البرد الشديد‪ ،‬أو الريح الشديدة‪ ،‬أم ال‬
‫يجوز إال من المطر خاصة؟ فأجاب‪(( :‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬يجوز‬
‫الجمع بين العشائين للمطر‪ ،‬والريح الشديدة الباردة‪ ،‬والوحل الشديد‪،‬‬
‫وهذا أصح قولي العلماء‪ ،‬وهو ظاهر مذهب أحمد‪ ،‬ومالك‪ ،‬وغيرهما‪،‬‬
‫واهلل أعلم))(‪ ،)5‬ثم قال‪(( :‬وذلك أولى من أن يص ُّلوا في بيوتهم‪ ،‬بل ترك‬
‫الجمع مع الصالة في البيوت بدعة مخالف للسنة‪ ،‬إذ السنة أن تصلى‬
‫الصلوات الخمس في المساجد جماعة‪ ،‬وذلك أولى من الصالة في‬
‫البيوت باتفاق المسلمين))(‪.)6‬‬
‫وقد اختلف العلماء في جواز الجمع بين الظهر والعصر‪ ،‬في األعذار‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.213-214/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪.144/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪.143-144/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪.143/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم‪.21/23 ،‬‬
‫(‪ )6‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم‪.40/23 ،‬‬
‫صالة المسافر‬ ‫‪555‬‬
‫المبيحة للجمع في الحضر‪ ،‬فقال قوم‪ :‬ال يجوز الجمع إال للمغرب‬
‫والعشاء؛ ألن األلفاظ وردت بالجمع في الليلة المطيرة‪ ،‬والقول الثاني‪:‬‬
‫جواز الجمع بين الظهر والعصر؛ ألن األلفاظ ال تمنع أن يجمع في يوم‬
‫مطير؛ ألن العلة هي المشقة‪ ،‬فإذا وجدت المشقة في ليل أو نهار جاز‬
‫الجمع(‪ ،)1‬وقال العالمة محمد بن قاسم رحمه اهلل‪(( :‬الوجه اآلخر يجوز‬
‫[الجمع] بين الظهرين كالعشائين‪ ،‬اختاره القاضي‪ ،‬وأبو الخطاب‪ ،‬والشيخ‪،‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬ولم يذكر الوزير عن أحمد غيره‪ ،‬وقدمه‪ ،‬وجزم به‪ ،‬وصححه‬
‫غير واحد‪ ،‬وهو مذهب الشافعي))(‪ ،)2‬وقال العالمة السعدي رحمه اهلل‪:‬‬
‫((والصحيح جواز الجمع إذا وجد العذر‪ ،‬وال يشترط غير وجود العذر‪ ،‬ال‬
‫مواالة وال نية‪ )3())...‬وقال شيخنا عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل‪:‬‬
‫أيضا للمسلمين في‬‫((أما الجمع فأمره أوسع؛ فإنه يجوز للمريض‪ ،‬ويجوز ً‬
‫مساجدهم عند وجود المطر‪ ،‬أو الدحض‪ ،‬بين المغرب والعشاء‪ ،‬وبين‬
‫الظهر والعصر‪ ،‬وال يجوز لهم القصر؛ ألن القصر مختص بالسفر فقط‪،‬‬
‫وباهلل التوفيق))(‪.)4‬‬
‫وبين رحمه اهلل أن الضابط في الجمع بين الصالتين وجود العذر‪ ،‬فإذا‬
‫ّ‬
‫وجد العذر جاز أن يجمع بين الصالتين‪ :‬الظهر والعصر‪ ،‬والمغرب‬
‫والعشاء‪ ،‬لعذر المرض‪ ،‬والسفر‪ ،‬والمطر الشديد في أصح قولي العلماء‬
‫وبعض أهل العلم يمنع الجمع بين الظهر والعصر في البلد للمطر‬
‫ونحوه‪ :‬كالدحض الذي تحصل به مشقة‪ ،‬والصواب جواز ذلك كالجمع‬
‫شديدا تحصل به‬‫ً‬ ‫بين المغرب والعشاء‪ ،‬إذا كان الدحض أو المطر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الشرح الممتع‪ ،‬البن عثيمين‪.228/3،‬‬
‫(‪ )2‬حاشية الروض المربع‪ ،‬البن قاسم‪ ،302/2 ،‬وذكر القولين ابن قدامة في المغني‪ ،142/4 ،‬وفي‬
‫الكافي‪ ،321/1 ،‬والمرداوي في اإلنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪.13/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬المختارات الجلية‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫(‪ )4‬مجموع فتاوى ابن باز‪.210-281/2 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة المسافر‬

‫المشقة‪ ،‬فإذا جمع بين الظهر والعصر جميع تقديم فال بأس كالمغرب‬
‫والعشاء‪ ،‬سواء جمع في أول الوقت‪ ،‬أو في وسطه))(‪.)1‬‬
‫وأما صالة العصر في جميع األعذار فال يصح أن تجمع إلى صالة‬
‫الجمعة؛ ألن الجمعة صالة منفردة مستقلة في شروطها‪ ،‬وهيئاتها‪،‬‬
‫وأركانها‪ ،‬وثوابها‪ ،‬والسنة إنما وردت في الجمع بين الظهر والعصر‪ ،‬ولم‬
‫يرد عن النبي ‪ ‬أنه جمع العصر إلى الجمعة‪ ،‬فال يصح أن تقاس الجمعة‬
‫على الظهر‪ ،‬ولكن لو صلى المسافر ظهرا يوم الجمعة ولم يصل الجمعة‬
‫ً‬
‫مع المقيمين فال حرج أن يجمع إليها العصر؛ ألن المسافر ال جمعة عليه؛‬
‫وألن النبي ‪ ‬جمع بين الظهر والعصر في حجة الوداع‪ ،‬يوم الجمعة يوم‬
‫عرفة‪ ،‬بأذان واحد وإقامتين ولم يصل جمعة‪ ،‬ومن جمع من أهل األعذار‬
‫صالة العصر مع الجمعة فعليه أن يعيد صالة العصر؛ ألنه صلى قبل‬
‫الوقت على وجه ال يجوز فيه الجمع‪ ،‬فال يجوز الجمع بين صالة الجمعة‬
‫والعصر‪ :‬ال في سفر‪ ،‬وال مطر‪ ،‬وال وحل‪ ،‬وال غير ذلك‪ ،‬وإنما يجب على‬
‫من صلى الجمعة من أهل األعذار أن يصلي العصر في وقتها(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى ابن باز ‪.212/2‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ‪ ،400/12‬و‪ ،404-401/12‬والشرح‬
‫الممتع للعالمة محمد بن صالح العثيمين‪.272/3،‬‬
‫صالة الخوف‬ ‫‪555‬‬
‫المبحث التاسع والعشرون‪ :‬صالة الخوف‬
‫اصـطالحا‪ :‬عبـادة‬
‫ً‬ ‫أوالً‪ :‬مفهوم صالة الخـوف‪ :‬الصـالة‪ :‬لغـة الـدعاء‪ ،‬و‬
‫هلل ذات أقـــوال وأفعـــال معلومـــة‪ ،‬مخصوصـــة‪ ،‬مفتتحـــة بـــالتكبير مختتمـــة‬
‫(‪)1‬‬
‫بالتسليم‪ ،‬وسميت صالة الشتمالها على‪ :‬دعاء العبادة‪ ،‬ودعاء المسألة ‪.‬‬
‫والخوف لغة‪ :‬الفزع وال ُّذعر‪ ،‬قال ابن فارس رحمه اهلل‪(( :‬الخاء‪،‬‬
‫والواو‪ ،‬والفاء أصل واحد يدل على ال ُّذعر والفزع‪ ،‬يقال‪ :‬خفت الشيء‬
‫(‪)2‬‬
‫خو ًفا‪ ،‬وخيفة‪ ))..‬مصدر خاف‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬اضطراب في النفس؛ لتوقع نزول مكروه‪ ،‬أو فوات‬
‫ً‬
‫(‪)3‬‬
‫محبوب‪ ،‬ومنه إخافة السبيل ‪.‬‬
‫غم على‬
‫قال اإلمام الحافظ المعروف بابن الملقن رحمه اهلل‪(( :‬والخوف ٌّ‬
‫(‪)4‬‬
‫غم على ما مضى)) ‪.‬‬
‫ما سيكون‪ ،‬والحزن ٌّ‬
‫ثانيا‪:‬سماحة اإلسالم ويسر الشريعة ومحاسنها مع الكمال ورفع‬ ‫ً‬
‫الحرج‪ ،‬ال شك أن دين اإلسالم‪ :‬دين الرحمة‪ ،‬والبركة‪ ،‬واإلحسان‪،‬‬
‫والحكمة‪ ،‬ودين فطرة‪ ،‬ودين العقل‪ ،‬والصالح‪ ،‬والفالح‪ ،‬والشرع‬
‫اإلسالمي ال يأتي بما تحيله العقول‪ ،‬وال بما ينقضه العلم الصحيح‪،‬‬
‫وهذا من أكبر األدلة على أن ما عند اهلل ‪ ‬محكم ثابت‪ ،‬صالح لكل‬
‫(‪)5‬‬
‫زمان ومكان ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬باب الياء‪ ،‬فصل الصاد‪ ،332/13 ،‬والمغني البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ،2/4‬وتقدم التفصيل في مفهوم الصالة في منزلة الصالة في اإلسالم‪.‬‬
‫(‪ )2‬معجم المقاييس في اللغة؛البن فارس‪،‬كتاب الخاء‪،‬باب الخاء والواو‪،‬وما يثلثهما‪ ،‬ص‪.443‬‬
‫(‪ )3‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬لألستاذ الدكتور محمد رواس‪ ،‬ص‪.180‬‬
‫(‪ )4‬اإلعالم بفوائد عمدة األحكام‪.431 ،281/3 ،‬‬
‫(‪ ) 5‬انظر‪ :‬الدرة المختصرة في محاسن الدين اإلسالمي‪ ،‬للعالمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪،‬‬
‫ص‪.41 ،11 ،17‬‬
‫صالة الخوف‬
‫‪550‬‬
‫وقد دلت األدلة من القرآن العظيم‪ ،‬والسنة النبوية الشريفة على يسر‬
‫الشريعة اإلسالمية وسماحتها‪ ،‬وعلى رفع الحرج‪،‬ومن هذه األدلة ما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬من القرآن الكريم آيات كثيرة وهي على نوعين‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬اآليات الكريمة التي تنص على نفي الحرج‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ين ِم ْن َحر ٍج‪ ، ‬أي لم‬ ‫ِ‬ ‫الد‬
‫ّ‬ ‫‪ -5‬قال اهلل تعالى‪َ  :‬و َما َج َع َل َع َلي ُكم ِفي‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫وسهله‬
‫ّ‬ ‫التيسير‪،‬‬ ‫غاية‬ ‫يسره‬ ‫بل‬ ‫‪،‬‬‫ا‬
‫ً‬ ‫يجعل عليكم في الدين مشق ًة‪ ،‬وعسر‬
‫غاية السهولة‪ ،‬فلم يُلزم إال بما هو سهل على النفوس‪ :‬ال يُثقلها‪ ،‬ثم إذا‬
‫عرض بعض األسباب الموجبة للتخفيف خ َّفف ‪ ‬ما أمر به‪ :‬إما‬
‫بإسقاطه‪ ،‬أو إسقاط بعضه‪ ،‬ويؤخذ من هذه اآلية قاعدة شرعية‪ :‬وهي أن‬
‫المشقة تجلب التيسير‪ ،‬والضرورات تبيح المحظورات‪ ،‬فيدخل في ذلك‬
‫(‪)2‬‬
‫من األحكام الفرعية شيء كثير معروف في كتب األحكام ‪.‬‬
‫يد اهلل ِل َي ْج َع َل َع َل ْي ُكم ّم ْن َح َر ٍج َو َل ِكن يُرِ ُ‬
‫يد‬ ‫‪ -5‬قال اهلل ‪َ  : ‬ما يُرِ ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫ِلي َط َّهر ُكم َو ِلي ِتم ِن ْع َم َت ُه َع َلي ُكم َل َع َّل ُكم َت ْش ُكرو َن‪ ‬لم يجعل اهلل ‪ ‬علينا‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ َ ْ ُ َّ‬
‫فيما شرع لنا من حرج‪ ،‬وال مشقة‪ ،‬وال عسر‪ ،‬وإنما هو رحمة منه‬
‫(‪)4‬‬
‫بعباده ‪.‬‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الض َع َفاء َوالَ َع َلى الـْ َم ْر َضى َوالَ َع َلى الَّذ َ‬‫‪ -5‬قال تعالى‪ :‬لَّ ْي َس َع َلى ُّ‬
‫ين ِمن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ون َح َر ( ٌج‪ِ )5‬إ َذا َن َص ُحو ْا هلل َو َر ُسوله َما َع َلى الـْ ُم ْحسن َ‬‫الَ َي ِج ُدو َن َما يُ ِنف ُق َ‬
‫ور َّر ِحيم‪، ‬وهذه اآلية أصل في سقوط التكاليف عن‬ ‫ِيل َواهلل َغ ُف ٌ‬ ‫َسب ٍ‬
‫ٌ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.78 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬للسعدي‪ ،‬ص‪.237‬‬
‫(‪ )3‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية‪.3 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير المنان‪ ،‬للسعدي‪ ،‬ص‪.223‬‬
‫(‪ )5‬سورة التوبة‪،‬اآلية‪،11:‬وانظر‪:‬سورة النور‪،31:‬وسورة األحزاب‪،48-47 :‬وسورة الفتح‪.17 :‬‬
‫صالة الخوف‬ ‫‪556‬‬
‫العاجز‪ ،‬فكل من عجز عن شيء سقط عنه‪،‬فتارة إلى بدل هو فعل‪،‬وتارة‬
‫إلى عزم هو غرم‪،‬وال فرق بين العجز من جهة المال‪،‬والعجز من جهة‬
‫(‪)1‬‬
‫القوة ‪ ،‬ويستدل بهذه اآلية على قاعدة وهي‪:‬أن من أحسن إلى غيره في‬
‫نفسه أو في ماله‪ ،‬ونحو ذلك‪،‬ثم ترتب على إحسانه نقص أو تلف أنه غير‬
‫ضامن‪ ،‬وال سبيل على المحسنين‪،‬كما أنه يدل على أن غير المحسن وهو‬
‫(‪)2‬‬
‫السيئ‪ :‬كالمفرط والمتعدي أن عليه الضمان ‪.‬‬
‫‪ -5‬قال اهلل تعالى‪ :‬الَ يُ َك ّل ُف اهلل َن ْف ًسا ِإال َّ ُو ْس َع َها َل َها َما َك َسب ْت‬
‫َ‬ ‫(‪)3‬‬
‫اك َت َسب ْت‪ ، ‬فأصل األوامر والنواهي ليست األمور التي‬ ‫وعليها ما‬
‫َ َ َْ َ َ ْ َ‬
‫تشق على النفوس‪ ،‬بل هي غذاء لألرواح‪ ،‬ودواء لألبدان‪ ،‬وحمية عن‬
‫الضرر‪ ،‬فاهلل أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسا ًنا‪ ،‬ومع هذا إذا حصل‬
‫بعض األعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل‪ ،‬إما‬
‫بإسقاطه عن المكلف أو إسقاط بعضه‪ ،‬كما في التخفيف عن المريض‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫والمسافر‪ ،‬والخائف‪ ،‬وغيرهم وغير ذلك من اآليات‪.‬‬
‫النوع الثاني‪:‬اآليات التي تدل على التيسير والتخفيف‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ِكم ا ْل ُع ْسر‪ ‬أي‬ ‫يد اهلل بِكم اليسر وال يرِ يد ب‬
‫‪ -5‬قال اهلل ‪: ‬يُرِ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ ُْْ َ َ َ ُ ُ ُ ُ‬
‫ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير‪،‬‬ ‫يريد اهلل تعالى أن ّ‬
‫ويسهلها أبلغ تسهيل؛ولهذا كان جميع ما أمر به عباده في غاية السهولة في‬ ‫ّ‬
‫سهله تسهيالً آخر‪ :‬إما‬
‫أصله‪ ،‬وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬رفع الحرج في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬للدكتور صالح بن حميد‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تيسير الكريم الرحمن‪ ،‬للسعدي‪ ،‬ص‪.438‬‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪ ،283 :‬واألعراف‪ ،32 :‬والمؤمنون‪ ،32-27 :‬والبقرة‪ ،44 :‬والطالق‪،71 :‬‬
‫واألنعام‪.122 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تيسير الكريم الرحمن‪ ،‬للسعدي‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫(‪ )5‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.182 :‬‬
‫صالة الخوف‬
‫‪555‬‬
‫بإسقاطه‪،‬أو تخفيفه بأنواع التخفيفات‪ ،‬وهذه جملة ال يمكن تفصيلها؛ ألن‬
‫(‪)1‬‬
‫تفاصيلها جميع الشرعيات‪ ،‬ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات ‪.‬‬
‫نكم َو ُخ ِل َق اإلنسان‬‫يد اهلل أَن يخفف ع‬
‫‪ -5‬قال تبارك وتعالى‪ :‬يُرِ ُ‬
‫ُ َ َّ َ ُْ‬ ‫(‪)2‬‬
‫َض ِعي ًفا‪ ‬أي بسهولة ما أمركم به وما نهاكم عنه‪ ،‬ثم مع حصول المشقة‬
‫في بعض الشرائع أباح لكم ما تقتضيه حاجاتكم‪ ،‬وذلك لرحمته التامة‪،‬‬
‫وإحسانه الشامل‪ ،‬وعلمه‪ ،‬وحكمته بضعف اإلنسان من جميع الوجوه‪:‬‬
‫ضعف البنية‪ ،‬وضعف اإلرادة‪ ،‬وضعف العزيمة‪ ،‬وضعف اإليمان‪،‬‬
‫وضعف الصبر‪ ،‬فناسب ذلك أن يخفف اهلل عنه ما َي ْض ُعف عنه‪ ،‬وما ال‬
‫(‪)3‬‬
‫يطيقه إيمانه وصبره وقوته ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ -5‬قال تعالى‪َ  :‬ونُي ّسر َك ِل ْلي ْسرى‪ ‬وهذه بشارة كبيرة أن اهلل ‪‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ييسر رسوله ‪ ‬لليسرى في جميع أموره‪ ،‬ويجعل شرعه ودينه يسرا ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫(‪)6‬‬
‫‪ -5‬قال ‪َ : ‬ف ِإ َّن َم َع ا ْل ُع ْسرِ يُ ْسرا * ِإ َّن َم َع ا ْل ُع ْسرِ يُ ْسرا‪ ‬هذه بشارة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عظيمة أنه كل ما ُوجد عسر وصعوبة فإن اليسر يقارنه‪ ،‬حتى لو دخل‬
‫العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫(‪)7‬‬
‫‪َ ‬سي ْج َع ُل اهلل َب ْع َد ُع ْسرٍ يُ ْسرا‪ ‬وتعريف ((العسر)) في اآليتين يدل أنه‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫واحد‪ ،‬وتنكير ((اليسر)) يدل على تكراره‪ ،‬فلن يغلب عسر يسرين‪ ،‬وفي‬
‫ٌ‬
‫تعريف العسر باأللف والالم الدالة على استغراق العموم يدل على أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تيسير الكريم الرحمن‪ ،‬للسعدي‪ ،‬ص‪.87‬‬
‫(‪ )2‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.28 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تيسير الكريم الرحمن‪ ،‬للسعدي‪ ،‬ص‪.172‬‬
‫(‪ )4‬سورة األعلى‪ ،‬اآلية‪.8 :‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬تيسير الكريم الرحمن‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫(‪ )6‬سورة الشرح‪ ،‬اآليتان‪.3-2 :‬‬
‫(‪ )7‬سورة الطالق‪ ،‬اآلية‪.7 :‬‬
‫صالة الخوف‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫كل عسر وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ فإن في آخره التيسير مالزم له ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬األدلة من السنة على اليسر والسماحة والسهولة كثيرة منها‪:‬‬
‫يشاد‬
‫َّ‬ ‫‪ -5‬عن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬إن الدين يسر‪ ،‬ولن‬
‫(‪)2‬‬
‫أحد إال غلبه ‪ ،‬فسددوا‪ ،‬وقاربوا‪ ،‬وأبشروا‪ ،‬واستعينوا‪ :‬بالغدوة‪،‬‬
‫الدين ٌّ‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الدلجة [القصد القصد تبلغوا))] ‪.‬‬ ‫والروحة‪ ،‬وشيء من ُّ‬
‫باب‪ :‬الدين يسر‪ ،‬وقول النبي ‪:‬‬
‫‪ -5‬قال اإلمام البخاري رحمه اهلل‪ٌ)6( :‬‬
‫ٌ‬
‫((أحب الدين إلى اهلل الحنيفية السمحة)) ‪ ،‬والمقصود أن أحب خصال‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تيسير الكريم الرحمن‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫(‪ )2‬ولن يشاد الدين أحد إال غلبه‪ :‬المعنى ال يتعمق أحد في األعمال الدينية ويترك الرفق إال عجز‬
‫وانقطع فيغ َلب‪ ،‬وليس المراد منع طلب األكمل في العبادة؛ فإنه من األمور المحمودة‪ ،‬بل منع‬
‫ُ‬
‫اإلفراط المؤدي إلى المالل‪ ،‬أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك األفضل‪ ،‬أو إخراج الفرض‬
‫عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صالة‬
‫الصبح في الجماعة‪ ،‬أو إلى أن خرج الوقت المختار‪ ،‬أو إلى أن خرجت الشمس فخرج وقت‬
‫الفريضة‪ .‬فتح الباري للحافظ ابن حجر‪.13/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬الغدوة‪ :‬أول النهار‪ ،‬والروحة‪ :‬آخر النهار بعد الزوال‪ ،‬والدلجة السير آخر الليل‪ ،‬وقيل‪ :‬سير الليل كله‪،‬‬
‫وهذه األوقات أطيب أوقات المسافر‪ ،‬وكأنه ‪ ‬خاطب مسافرا إلى مقصد‪ ،‬فنبهه على أوقات نشاطه؛‬
‫ً‬
‫جميعا عجز وانقطع‪ ،‬وإذا تحرى السير في هذه األوقات المنشطة‬ ‫ً‬ ‫ألن المسافر إذا سافر الليل والنهار‬
‫أمكنه المداومة من غير مشقة‪ ،‬وحسن هذه االستعارة أن الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى اآلخرة‪ ،‬وأن‬
‫هذه األوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة‪ .‬فتح الباري البن حجر‪.12/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬القصد ‪ ،‬القصد‪ :‬بالنصب فيهما اإلغراء‪ ،‬والقصد‪ :‬األخذ باألمر األوسط‪ ،‬فاألولى للعبد أن ال‬
‫يجهد نفسه بحيث يعجز عن العمل وينقطع‪ ،‬بل يعمل بتلطف وتدرج ليدوم عمله وال ينقطع‪ .‬فتح‬
‫الباري للحافظ ابن حجر‪.12/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب الدين يسر‪ ،‬برقم ‪ ،41‬وما بين المعقوفين من كتاب الرقاق‪ ،‬باب‪:‬‬
‫كيف كان عيش النبي ‪ ‬وأصحابه وتخليهم عن الدنيا‪ ،‬برقم ‪.3334‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ ،‬كتاب اإليمان‪،‬باب‪:‬الدين يسر‪،‬قبل الحديث رقم ‪،41‬قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري‪،‬‬
‫‪(( :13/1‬وهذا الحديث المعلق لم يسنده المؤلف في هذا الكتاب (يعني صحيح البخاري) ألنه ليس‬
‫على شرطه‪ ،‬نعم وصله في كتاب األدب المفرد [رقم ‪ ،287‬وكذا وصله أحمد بن حنبل برقم ‪]2107‬‬
‫وغيره‪،‬بإسناد حسن‪،‬فتح الباري‪،13/1،‬وحسنه األلباني لغيره في صحيح األدب المفرد‪،‬ص‪ ،122‬وفي‬
‫‪،‬وانظر‪:‬أيضا سلسلة األحاديث الصحيحة‪،‬رقم ‪.1342‬‬
‫ً‬ ‫سلسلة األحاديث الصحيحة‪،‬برقم ‪881‬‬
‫صالة الخوف‬
‫‪555‬‬
‫سمحا ‪-‬‬
‫ً‬ ‫الدين الحنيفية‪،‬وخصال الدين كلها محبوبة‪،‬لكن ما كان منها‬
‫أي سهالً ‪ -‬فهو أحب إلى اهلل تعالى‪،‬والحنيفية‪ :‬ملة إبراهيم‪،‬والحنيف‬
‫في اللغة ما كان على ملة إبراهيم‪،‬وسمي إبراهيم حني ًفا؛لميله عن الباطل‬
‫إلى الحق؛ ألن أصل الحنف الميل‪،‬والسمحة‪:‬السهلة‪:‬أي إنها مبنية على‬
‫(‪)1‬‬
‫السهولة ‪.‬‬
‫قال‪:‬شهدت األعراب يسألون النبي ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -5‬وعن أسامة بن شريك ‪‬‬
‫أعلينا حرج في كذا؟ أعلينا حرج في كذا؟ فقال لهم‪(( :‬عباد اهلل وضع اهلل‬
‫(‪)2‬‬
‫شيئا فذلك الذي حرج)) ‪،‬‬ ‫الحرج إال من اقترض من عرض أخيه ً‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬هل علينا جناح أن نتداوى؟ قال‪(( :‬تداووا عباد اهلل‪،‬‬
‫فإن اهلل سبحانه لم يضع دا ًء إال وضع معه شفاء‪ ،‬إال الهرم)) قالوا‪ :‬يا‬
‫(‪)3‬‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ما خير ما أُعطي العبد؟ قال‪(( :‬خلق حسن)) ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫روا‪،‬وبشروا وال تن ّفروا)) ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تعس‬
‫يسروا وال ّ‬
‫‪-5‬وعن أنس ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪ّ ((:‬‬
‫‪ -0‬وعن أبي موسى األشعري ‪ ‬أن النبي ‪ ‬بعثه ومعاذ بن جبل إلى‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫وبشرا وال تُن ّفرا‪ ،‬وتطاوعا وال تختلفا‬
‫عسرا‪ّ ،‬‬
‫يسرا وال تُ ّ‬
‫اليمن فقال‪ّ (( :‬‬
‫قال اإلمام النووي رحمه اهلل‪((:‬إنما جمع هذه األلفاظ بين الشيء وضده؛‬
‫يسروا)) لصدق ذلك على من‬ ‫ألنه قد يفعلهما في وقتين‪،‬فلو اقتصر على (( ّ‬
‫عسروا)) انتفى‬
‫يسر مرة أو مرات وعسر في معظم الحاالت‪،‬فإذا قال ((وال ُت ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.13/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬فذلك الذي حرج‪ :‬أي الذي ُحرم‪.‬‬
‫داء إال أنزل له شفاء‪ ،‬برقم ‪ ،3443‬وأحمد‪،‬‬‫(‪ )3‬ابن ماجه بلفظه‪ ،‬في كتاب الطب‪ ،‬باب ما أنزل اهلل ً‬
‫‪ ،278/3‬والحاكم‪ ، 118/3 ،‬وصححه العالمة األلباني في صحيح سنن ابن ماجه‪،128/4 ،‬‬
‫وانظر‪ :‬سلسلة األحاديث الصحيحة‪ ،‬برقم ‪.344‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب ما كان النبي ‪ ‬يتخولهم بالموعظة والعلم كي ال ينفروا‪،‬‬
‫برقم ‪ ،31‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب في األمر بالتيسير وترك التنفير‪ ،‬برقم ‪.1743‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب األمر بالتيسير وترك التنفير‪ ،‬برقم ‪.1744‬‬
‫صالة الخوف‬ ‫‪555‬‬
‫التعسير في جميع األحوال من جميع وجوهه وهذا هو المطلوب‪ ،‬وكذلك‬
‫(‪)1‬‬
‫عسرا‪،‬وتطاوعا وال تختلفا)) ‪.‬وغير ذلك من السنة‬
‫يسرا وال ُت ّ‬
‫يقال(‪)2‬في (( ّ‬
‫كثير ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬منهج الصحابة ‪ ‬ومن تبعهم بإحسان‪ :‬اتباع اليـسر والسماحة‪،‬‬
‫ُ‬
‫والصحابة ‪ ‬هم الذين يطبقون الكتاب والسنة‪ ،‬وقد جاء عنهم أخبار‬
‫كثيرة طبقوا فيها اإلسالم كما جاء‪ ،‬وعملوا بالتيسير وتركوا التعسير؛‬
‫وذلك لفهم الكتاب والسنة‪ ،‬وعدم التنطع في الدين؛ ولهذا جاء عن ابن‬
‫فليستن بمن قد مات؛ فإن‬
‫َّ‬ ‫مستنا‬
‫ًّ‬ ‫مسعود ‪ ‬أنه قال‪(( :‬من كان منكم‬
‫الحي ال تؤمن عليه الفتنة‪ ،‬أولئك أصحاب محمد؛ فإنهم كانوا أبر هذه‬
‫َّ‬
‫هديا‪ ،‬اختارهم اهلل‬
‫وأقومها ً‬
‫َ‬ ‫علما‪ ،‬وأق َّلها تك ُّل ًفا‪،‬‬
‫قلوبا‪ ،‬وأعمقها ً‬
‫ً‬ ‫األمة‬
‫تعالى لصحبة نبيه‪[ ،‬وإلقامة دينه] فاعرفوا لهم فضلهم‪ ،‬واتبعوهم في‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم‬
‫وما تقدم من أدلة الكتاب والسنة‪ ،‬وهدي الصحابة يدل على رفع‬
‫(‪)4‬‬
‫الحرج عن األمة‪ ،‬وأن اإلسالم دين اليسر والسماحة ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬األصل في مشروعية صالة الخوف‪:‬الكتاب والسنة‪ ،‬واإلجماع‪:‬‬
‫الصالَ َة‬
‫ت َل ُه ُم َّ‬ ‫يهِم َفأَ َق ْم َ‬ ‫نت ِف‬
‫‪ -1‬أما الكتاب؛ فلقول اهلل تعالى‪َ  :‬و ِإ َذا كُ َ‬
‫ْ‬
‫ط ِآئ َف ٌة ّم ْن ُهم َّم َع َك َو ْليأْ ُخ ُذو ْا أَ ْس ِل َح َت ُهم َف ِإ َذا َس َج ُدو ْا َف ْلي ُكونُو ْا ِمن َو َر ِآئ ُكم‬
‫َف ْل َت ُق ْم َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.283/11 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬رفع ا لحرج في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬للدكتور صالح بن عبد اهلل بن حميد‪ ،‬ص‪ ،83-72‬فقد‬
‫ذكر ثالثين دليالً من السنة على رفع الحرج‪.‬‬
‫(‪ )3‬جاء هذا األثر في عدة روايات‪،‬أخرجها ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله‪ ،133/2،‬برقم‬
‫‪،1810 ،1807‬وانظر‪:‬إغاثة اللهفان البن القيم‪،121/1،‬ومجمع الزوائد للهيثمي‪.181/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬رفع الحرج‪ ،‬البن حميد‪ ،‬ص‪ ، 87‬ورفع الحرج في الشريعة اإلسالمية دراسة أصولية‬
‫تأصيلية للدكتور يعقوب عبد الوهاب‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫صالة الخوف‬
‫‪555‬‬
‫ط ِآئ َف ٌة أ ُ ْخرى َلم يُ َص ُّلو ْا َف ْلي َص ُّلو ْا َم َع َك َو ْليأْ ُخ ُذو ْا ِح ْذ َر ُهم َوأَ ْس ِل َح َت ُهم‬‫َو ْل َت ْأ ِت َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ون َع َلي ُكم َّمي َل ًة‬ ‫ود ال ِذين كفروا لو تغفلون عن أَس ِلح ِتكم وأَم ِتع ِتكم في ِميل‬
‫ْ‬ ‫َ َّ َّ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ‬
‫اح َع َلي ُكم إِن َكا َن ب ُِكم أَ ًذى ّمن َّم َطرٍ أَ ْو ُك ُنتم َّمر َضى أَن َت َض ُعو ْا‬ ‫اح َد ًة َوالَ ُج َن‬‫و ِ‬
‫( ْ‪)1‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هِينا‪. ‬‬ ‫أَ ْسل َح َت ُك ْم َو ُخ ُذو ْا ح ْذ َر ُك ْم ِإ َّن اهلل أَ َع َّد ل ْل َكافرِ َ‬
‫ين َع َذ ًابا ُّم ً‬
‫‪ -2‬وأما السنة‪ ،‬فقد ثبتت األحاديث الصحيحة أن النبي ‪ ‬صلى‬
‫(‪)2‬‬
‫بأصحابه صالة الخوف مرات متعددة على صفات متنوعة ‪.‬‬
‫‪ -4‬وأما اإلجماع‪ ،‬فأجمع الصحابة على فعلها‪ ،‬فكان الصحابة في‬
‫الخوف يصلون صالة الخوف‪ ،‬جاء ذلك عن علي ‪ ‬ليلة ِص ّفين‪ ،‬وجاء‬
‫عن أبي هريرة‪ ،‬وأبي موسى األشعري‪ ،‬وعن سعيد بن العاص‪ ،‬وحذيفة‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪ ‬وال ينظر إلى األقوال الشاذة التي تخالف ذلك ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أنواع صالة الخوف‪ :‬جاءت صالة الخوف في أحاديث كثيرة‪،‬‬
‫ً‬
‫(‪)5‬‬
‫وأشكال متباينة ‪ ،‬والصواب أن كل صفة ثبتت عن النبي ‪ ‬جائزة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.102 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬المغني البن قدامة‪،213/4،‬والشرح الكبير البن قدامة المطبوع مع المقنع واإلنصاف‪.113/2،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المغني‪ ،217/4 ،‬والشرح الكبير‪ ،113/2 ،‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪،‬‬
‫‪ ،311/2‬وتيسير العالم شرح عمدة األحكام‪ ،‬للبسام‪ ،438/1 ،‬واإلعالم بفوائد عمدة األحكام‪،‬‬
‫البن الملقن‪ ،420/3 ،‬والشرح الكبير المطبوع مع المقنع واإلنصاف‪.112/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬كقول من يقول‪ :‬إن صالة الخوف مختصة بالنبي ‪ ،‬وبمن صلى معه وذهبت بوفاته‪ ،‬وهذا يذكر‬
‫عن أبي يوسف‪ ،‬وقوله ال حجة فيه؛ ألن اهلل قد أمر باتباع النبي ‪ ‬والتأسي به ويلزمنا ذلك مطل ًقا‬
‫حتى يدل الدليل على الخصوص؛ وألن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬صلوا كما رأيتموني أصلي)) البخاري برقم‬
‫‪ ،3008‬ومسلم برقم ‪373‬؛ وألن الصحابة ‪ ‬لم يقولوا بالخصوص‪ ،‬وادعى المزني‪ :‬نسخ صالة‬
‫الخوف؛ ألنها لم تفعل يوم الخندق‪ ،‬والجواب‪ :‬أنها لم تشرع حينذاك وإنما شرعت بعد ذلك‪.‬‬
‫وانفرد مالك فقال‪ :‬ال يجوز فعلها في الحضر‪ ،‬وقد ذكر اإلمام القرطبي في المفهم أنه صالها ببطن‬
‫نخل على باب المدينة‪ ،‬ومن العلماء من رأى أن الصالة تؤخر إلى وقت األمن وال تصلى في حال‬
‫الخوف‪ ،‬كما فعل النبي ‪ ‬يوم الخندق‪ ،‬والجواب‪ :‬أن فعله ‪ ‬كان قبل نزول صالة الخوف‬
‫باإلجماع‪ .‬انظر‪ :‬اإلعالم بفوائد عمدة األحكام البن الملقن‪ ،421-420/3 ،‬والمفهم لما أشكل من‬
‫تلخيص كتاب مسلم‪ ،373-331/2 ،‬وشرح النووي على صحيح مسلم‪.478-472/3 ،‬‬
‫(‪ )5‬جاءت صالة الخوف عن النبي ‪ ‬على أنواع مختلفة ‪ ،‬ذكر اإلمام النووي في شرحه لصحيح‬
‫=‬
‫صالة الخوف‬ ‫‪555‬‬
‫حسب مواطنها‪ ،‬يتحرى المسلمون فيها ما هو أحوط للصالة وأبلغ في‬
‫َّ‬
‫الحراسة‪ ،‬فهي على اختالف صورها متفقة المعنى‪ ،‬ومن هذه األنواع‬
‫الثابتة في األحاديث الصفات اآلتية‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬ما يوافق ظاهر القرآن‪ :‬يقسم األمير أو القائد من معه‬
‫إلى طائفتين‪ :‬طائفة وجاه العدو؛ لئال يهجم‪ ،‬وطائفة تصلي معه‪ ،‬فيصلي‬
‫بهذه الطائفة ركعة‪ ،‬فإذا قام إلى الركعة الثانية نووا االنفراد وأتموا‬
‫ألنفسهم ركعة واإلمام واقف‪ ،‬وسلموا قبل ركوعه‪ ،‬ثم ذهبوا إلى الطائفة‬
‫التي وجاه العدو‪ ،‬ثم تأتي الطائفة التي كانت تحرس وجاه العدو إلى‬
‫اإلمام فتجده ينتظرها واق ًفا في الركعة الثانية فتدخل معه فيها وتصلي‬
‫معه هذه الركعة‪ ،‬فإذا جلس للتشهد قامت فقضت ركعة واإلمام ينتظرها‬
‫خوات عمن‬ ‫في التشهد‪ ،‬فإذا تشهدت سلم بهم؛ لحديث صالح بن َّ‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫صالة الخوف‪ ،‬أن طائفة‬ ‫يوم ذات الرقاع‬ ‫صلى مع رسول اهلل ‪‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫نوعا‪ ،‬وهي مفصلة في صحيح مسلم‪،‬‬ ‫مسلم أنها جاءت في أحاديث يبلغ مجموعها ستة عشر ً‬
‫وبعضها ف ي سنن أبي داود‪ ،‬واختار الشافعي منها ثالثة أنواع‪ :‬بطن نخل‪ ،‬وذات الرقاع‪ ،‬وعسفان‪.‬‬
‫شرح النووي‪ ،472/3 ،‬واإلعالم بفوائد عمدة األحكام‪ .421/3 ،‬وذكر الحاكم في مستدركه‪،‬‬
‫نوعا‬
‫‪ ،448 ،442/1‬ثمانية أنواع منها‪ .‬وصحح ابن حزم في صفتها عن رسول اهلل ‪ ‬أربعة عشر ً‬
‫[المحلى‪ ،32 ،44/2 ،‬وابن خزيمة‪ ،407 ،214/2 ،‬وذكر القرطبي في المفهم عشرة أحاديث‬
‫منها وتكلم عليها‪ .‬المفهم‪ ، 373-338/2 ،‬قال أبو داود‪ :‬جميع ما روي عن النبي ‪ ‬في صالة‬
‫الخوف جائز‪ ،‬ال نرجح بعضه على بعض‪ ،‬وقال اإلمام أحمد‪ :‬ما أعلم في هذا الباب إال حدي ًثا‬
‫صحيحا‪ ،‬واختار حديث سهل بن أبي حثمة‪ .‬اإلعالم بفوائد عمدة األحكام‪ ،‬البن الملقن‪،422/3 ،‬‬ ‫ً‬
‫وانظر‪ :‬المغني‪ ،‬البن قدامة‪ ،413-411/4 ،‬وقال اإلمام ابن القيم بعد أن ذكر ست صفات من أنواع‬
‫صالة الخوف‪ ،‬وقد روي عنه ‪ ‬صفات أخرى ترجع كلها إلى هذه‪ ،‬وهذه أصولها‪ ،‬وربما اختلف‬
‫بعض ألفاظها‪ ،‬وقد ذكر بعضهم عشر صفات‪ ،‬وذكرها أبو محمد بن حزم نحو خمس عشرة صفة‪،‬‬
‫وجوها من فعل‬‫ً‬ ‫والصحيح ما ذكرناه أوالً‪ ،‬وهؤالء كلما رأوا اختالف الرواة في قصة‪ ،‬جعلوا ذلك‬
‫النبي ‪ ،‬وإنما هو من اختالف الرواة‪ ،‬واهلل أعلم)) زاد المعاد‪.242/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬وفي رواية لمسلم برقم ‪ ،831‬عن صالح بن خوات بن جبير‪ ،‬عن سهل بن أبي حثمة‪ ،‬فصرح به‬
‫في هذه الرواية‪ ،‬وفي رواية أبهمه‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذات الرقاع‪ :‬غزوة معروفة‪ ،‬قال النووي‪(( :‬سميت ذات الرقاع؛ ألن أقدام المسلمين نقبت من‬
‫الحفاء فلفوا عليها الخرق هذا هو الصحيح في سبب تسميتها)) وقال‪(( :‬كانت سنة خمس)) شرح‬
‫النووي على صحيح مسلم‪ ، 473/3 ،‬وذكر ابن القيم رحمه اهلل أن أهل السير قالوا‪ :‬كانت في‬
‫=‬
‫صالة الخوف‬
‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫قائما‬
‫صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة‪ ،‬ثم ثبت ً‬
‫وأتموا ألنفسهم‪ ،‬ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو‪ ،‬وجاءت الطائفة‬
‫جالسا وأتموا‬
‫ً‬ ‫األخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صالته‪ ،‬ثم ثبت‬
‫(‪)2‬‬
‫ألنفسهم‪ ،‬ثم سلم بهم)) ‪ ،‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل‬
‫ابن باز رحمه اهلل يقول‪(( :‬وهذا أيسر األنواع‪ ،‬والصحابي المبهم في سند‬
‫(‪)3‬‬
‫الحديث هو سهل بن أبي حثمة)) وهذا النوع اختاره اإلمام أحمد بن‬
‫حنبل‪ ،‬لموافقته ظاهر القرآن‪ ،‬وأقر جميع األنواع األخرى‪ ،‬وأن كل‬
‫(‪)4‬‬
‫حديث صح في صالة الخوف يجوز العمل به ‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬إذا كان العدو في جهة القبلة وال يخفى بعضهم على‬
‫جميعا‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫المسلمين صف اإلمام المسلمين خلفه صفين‪ ،‬فيكبر ويكبروا‬
‫جميعا معه‪ ،‬ثم ينحدر‬
‫ً‬ ‫جميعا‪ ،‬ثم يرفع من الركوع ويرفعوا‬
‫ً‬ ‫يركع فيركعوا‬
‫قائما‬
‫فيسجد ويسجد معه الصف األول الذي يليه‪ ،‬ويبقى الصف الثاني ً‬
‫يحرس مواجهة العدو‪ ،‬فإذا صلى بالصف األول سجدتين وقام إلى‬
‫الركعة الثانية سجد الصف الثاني الذي كان يحرس سجدتين‪ ،‬ثم قاموا‬
‫فتقدموا إلى مكان الصف األول‪ ،‬وتأخر الصف األول مكانهم‪ ،‬ثم يركع‬
‫جميعا‪ ،‬ثم يسجد ويسجد‬
‫ً‬ ‫جميعا‪ ،‬ثم يرفع ويرفعوا‬
‫ً‬ ‫اإلمام ويركعوا معه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫السنة الرابعة جمادى األولى‪ ،‬وقيل محرم‪ ،‬ورجح أنها كانت بعد خيبر‪ ،‬وسمعت شيخنا ابن باز‬
‫يرد هذا القول ويرجح أنها قبل الخندق‪ .‬انظر‪ :‬زاد المعاد‪ ،224-220/4 ،‬وانظر للفائدة‪ :‬اإلعالم‬
‫بفوائد عمدة األحكام‪.333 ،317/7 ،422/3 ،‬‬
‫(‪ )1‬وجاه العدو‪:‬يقال‪:‬وجاه وتجاه‪:‬أي قبالته‪،‬والطائفة‪:‬الفرقة‪.‬شرح النووي‪.477/3،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬باب غزوة ذات الرقاع‪ ،‬برقم ‪ ،3121‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة‬
‫المسافرين‪ ،‬باب صالة الخوف‪ ،‬برقم ‪.832‬‬
‫(‪ )3‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.311‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ، 411 ،211/4 ،‬والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪،‬‬
‫‪ ،122/2‬والمقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف‪ ،117/2 ،‬والكافي‪.337/1 ،‬‬
‫صالة الخوف‬ ‫‪555‬‬
‫معه الصف األول الذي كان في الركعة األولى هو الثاني‪ ،‬فإذا سجد‬
‫سجدتين وجلس للتشهد سجد الصف الثاني ولحقوه في التشهد‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫جميعا ؛ لحديث جابر بن عبد اهلل ‪‬‬‫ً‬ ‫جميعا‪ ،‬ثم سلم بهم‬
‫ً‬ ‫وتشهدوا‬
‫قال‪ :‬شهدت مع رسول اهلل ‪ ‬صالة الخوف فصفنا صفين‪ :‬صف خلف‬
‫جميعا‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬والعدو بيننا وبين القبلة فكبر النبي ‪ ‬وكبرنا‬
‫جميعا‪ ،‬ثم انحدر‬
‫ً‬ ‫جميعا‪ ،‬ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا‬
‫ً‬ ‫ركع وركعنا‬
‫(‪)2‬‬
‫بالسجود والصف الذي يليه‪ ،‬وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما‬
‫قضى النبي ‪ ‬السجود وقام الصف الذي يليه‪ ،‬انحدر الصف المؤخر‬
‫بالسجود وقاموا‪ ،‬ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم‪ ،‬ثم ركع‬
‫جميعا‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫جميعا‪ ،‬ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا‬
‫ً‬ ‫النبي ‪ ‬وركعنا‬
‫انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة األولى‪،‬‬
‫ً‬
‫وقام الصف المؤخر في نحر العدو‪ ،‬فلما قضى النبي ‪ ‬السجود والصف‬
‫الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا‪ ،‬ثم سلم النبي ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫جميعا)) ‪.‬‬
‫ً‬ ‫وسلمنا‬
‫النوع الثالث‪ :‬يقسم اإلمام أصحابه إلى طائفتين‪ :‬فرقة تجاه العدو‬
‫وفرقة تصلي معه‪ ،‬فيصلي بإحدى الطائفتين ركعة ثم تنصرف قبل أن‬
‫تسلم وهي في صالتها إلى مكان الفرقة األخرى‪ ،‬ثم تأتي الفرقة‬
‫األخرى إلى مكان هذه خلف اإلمام فتصلي معه الركعة الثانية‪ ،‬ثم يسلم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،412/4 ،‬والشرح الكبير‪ ،118/2 ،‬وزاد المعاد‪ ،221/1 ،‬والشرح الممتع‪،284/3 ،‬‬
‫والكافي البن قدامة‪.371/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬في نحر العدو‪ :‬أي في مقابله‪ ،‬ونحر كل شيء أوله‪ .‬شرح النووي‪.473/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب صالة الخوف‪ ،‬برقم ‪ ،830‬وفي رواية أنها صالة العصر‪،‬‬
‫وألبي داود في س ننه عن أبي عياش الزرقي في كتاب الصالة‪ ،‬باب صالة الخوف‪ ،‬برقم ‪،1243‬‬
‫أن هذه الصالة كانت بعسفان‪ ،‬وعسفان موضع على مرحلتين من مكة‪ ،‬كما في القاموس المحيط‪،‬‬
‫ص‪ ،1082‬والمصباح المنير‪ ،‬ص‪ ،122‬قال اإلمام ابن القيم‪(( :‬وال خالف بينهم أن غزوة عسفان‬
‫كانت بعد الخندق)) زاد المعاد‪.222/4 ،‬‬
‫صالة الخوف‬
‫‪550‬‬
‫وحده‪ ،‬وتقضي كل طائفة ركعة؛ لحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫نجد فوازينا العدو‪ ،‬فصاففناهم‪ ،‬فقام رسول‬ ‫غزوت مع النبي ‪ِ ‬قبل ٍ‬
‫َ‬
‫اهلل ‪ ‬يصلي لنا‪ ،‬فقامت طائفة معه وأقبلت طائفة على العدو‪ ،‬فركع‬
‫(‪)2‬‬
‫رسول اهلل ‪ ‬بمن معه وسجد سجدتين‪ ،‬ثم انصرفوا مكان الطائفة‬
‫تصل‪ ،‬فجاؤوا فركع رسول اهلل ‪ ‬بهم ركعة وسجد سجدتين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫التي لم‬
‫(‪)3‬‬
‫ثم س َّلم‪ ،‬فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين‬
‫))‬

‫وفي لفظ لمسلم‪(( :‬ثم سلم النبي ‪،‬ثم قضى هؤالء ركعة وهؤالء‬
‫(‪)4‬‬
‫أيضا‪((:‬ثم قضت الطائفتان‪:‬ركعة ركعة)) ‪،‬‬
‫ركعة)) وفي لفظ لمسلم ً‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول‪((:‬صلى بهم ركعة ثم‬
‫انصرفوا‪ ،‬وجاءت الطائفة الثانية فركع بهم ركعة ثم سلم‪،‬فقام كل واحد‬
‫فركع لنفسه ركعة‪،‬قضوا الركعة كلهم بعد سالم النبي ‪،‬وسمح لهم في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلزاء‪ :‬المقابل‪ ،‬فوازينا العدو‪ :‬أي قابلناهم‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.340/2 ،‬‬
‫تصل‪ :‬أي فقاموا في مكانهم‪ .‬فتح الباري البن حجر‪.340/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم ّ‬
‫(‪(( )3‬فقام كل واحد فركع لنفسه ركعة)) قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬لم تختلف الطرق عن ابن‬
‫عمر في هذا‪،‬وظاهره أنهم أتموا ألنفسهم في حالة واحدة‪،‬ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو‬
‫الراجح من حيث المعنى‪ ،‬وإال فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة‪،‬وإفراد اإلمام وحده‪،‬ويرجحه ما‬
‫رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه‪(( :‬ثم سلم فقام هؤالء ‪ -‬أي الطائفة ‪ -‬فقضوا ألنفسهم‬
‫ركعة‪ ،‬ثم سلموا‪ ،‬ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا ألنفسهم ركعة ثم سلموا‪[ ،‬سنن أبي‬
‫داود برقم ‪،]1232 ،1233‬وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها‪،‬ثم أتمت الطائفة األولى‬
‫تبعا من كتب الفقه أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت‬ ‫بعدها ووقع في الرافعي ً‬
‫وجاءت الطائفة األولى فأتموا ركعة‪،‬ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا‪،‬ولم نقف على ذلك في‬
‫شيء من الطرق‪،‬وبهذه الكيفية أخذ الحنفية‪،‬واختار الكيفية التي في حديث ابن مسعود‪:‬أشهب‬
‫واألوزاعي‪،‬وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك عن يحيى بن سعيد‪،‬واستدل‬
‫بقوله طائفة على أنه ال يشترط استواء الفريقين في العدد‪،‬لكن البد أن تكون التي تحرس يحصل‬
‫الثقة بها في ذلك‪،‬والطائفة تطلق على القليل والكثير‪،‬فلو كانوا ثالثة ووقع لهم خوف جاز ألحدهم‬
‫أن يصلي بواحد ويحرس واحد‪،‬ثم يصلي باآلخر)) فتح الباري البن حجر‪.341/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه واللفظ للبخاري‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب صالة الخوف‪ ،‬باب صالة الخوف‪ ،‬برقم ‪،132‬ورقم‬
‫‪،3144‬ومسلم‪،‬كتاب صالة المسافرين‪،‬باب صالة الخوف‪ ،‬برقم ‪.841‬‬
‫صالة الخوف‬ ‫‪556‬‬
‫هذه الحركة؛ للحاجة‪ ،‬وانصراف الطائفة األولى قبل سالمهم‪،‬وهذا جائز‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫والنوع األول أسهل‬
‫النوع الرابع‪ :‬أن يصلي اإلمام بكل طائفة صالة منفردة‪ :‬فيصلي‬
‫بالطائفة األولى ركعتين ثم يسلم بها‪ ،‬ثم تأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم‬
‫ركعتين ثم يسلم بهم؛ لحديث جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما‪ :‬أن النبي ‪‬‬
‫أيضا‬
‫صلى بطائفة من أصحابه ركعتين‪،‬ثم سلم‪،‬ثم صلى بآخرين ً‬
‫(‪)2‬‬
‫ركعتين‪،‬ثم سلم)) ؛ ولحديث أبي بكرة ‪ ،‬قال‪ :‬صلى النبي ‪ ‬في‬
‫خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو‪ ،‬فصلى بهم‬ ‫ٍ‬
‫ركعتين ثم سلم‪ ،‬فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم‪ ،‬ثم‬
‫جاء أولئك فصلوا خلفه‪ ،‬فصلى بهم ركعتين‪ ،‬ثم سلم‪ ،‬فكانت لرسول‬
‫أربعا‪ ،‬وألصحابه ركعتين)) وبذلك كان يفتي الحسن‪ ،‬قال أبو داود‬ ‫اهلل ‪ً ‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫ست ركعات‪ ،‬وللقوم ثالث ثالث‬
‫في المغرب؛ يكون لإلمام ُّ‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول‪(( :‬يصلي بالطائفة‬
‫األولى ركعتين‪ ،‬ثم يسلم‪ ،‬ويصلي بالطائفة الثانية ركعتين‪ ،‬ثم يسلم‪،‬‬
‫مجزوما‬
‫ً‬ ‫وروى مسلم ما رواه النسائي وأبو داود‪ ،‬ورواه البخاري معل ًقا‬
‫(‪)4‬‬
‫به‪ ،‬وهذا دليل على جواز إمامة المتنفل)) ‪.‬‬
‫وعن جابر ‪ ، ‬قال‪ :‬كنا مع النبي ‪ ‬بذات الرقاع‪ ،‬فإذا أتينا على‬
‫شجرة ظليلة تركناها للنبي ‪ ،‬فجاء رجل من المشركين وسيف النبي ‪‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.200‬‬
‫(‪ )2‬سنن النسائي‪ ،‬كتاب صالة الخوف‪ ،‬برقم ‪ ،1221‬ورقم ‪ ،1224‬وصححه العالمة األلباني في‬
‫صحيح النسائي‪.203 ،204/1 ،‬‬
‫أربعا‪ ،‬برقم‬
‫ً‬ ‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب من قال يصلي بكل طائفة ركعتين‪ ،‬وتكون لإلمام‬
‫‪،1238‬والنسائي‪،‬كتاب صالة الخوف‪،‬برقم ‪ ،122301220‬وصححه األلباني في صحيح أبي‬
‫داود‪،432/1،‬وصحيح النسائي‪.203 ،204/1،‬‬
‫(‪ )4‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،204‬ورقم ‪.203‬‬
‫صالة الخوف‬
‫‪555‬‬
‫معلق بالشجرة فاخترطه فقال له‪ :‬تخافني؟ فقال له‪(( :‬ال)) قال‪ :‬فمن يمنعك‬
‫مني؟ قال‪(( :‬اهلل)) فتهدده أصحاب النبي ‪ ‬وأقيمت الصالة فصلى بطائفة‬
‫أربع‬
‫تأخروا وصلى بالطائفة األخرى ركعتين‪ ،‬وكان للنبي ‪ٌ ‬‬ ‫ركعتين‪ ،‬ثم‬
‫وللقوم ركعتان)) ‪ ،)1‬قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪((:‬وهذا مثل الوجه‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الذي قبله إال أنه ال يسلم في الركعتين األوليين)) ‪ .‬وقال اإلمام‬
‫النووي رحمه اهلل عن حديث جابر هذا ((صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا‬
‫وصلى بالطائفة األخرى ركعتين‪ ،‬فكانت لرسول اهلل ‪ ‬أربع ركعات‬
‫وللقوم ركعتان))‪ .‬قال [النووي] ((صلى بالطائفة األولى ركعتين وسلم‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫وسلموا‪ ،‬وبالثانية كذلك‪..‬‬
‫))‬

‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل يقول‪(( :‬هذه صفة من‬
‫أنواع صالة الخوف‪ :‬صلى ركعتين ثم سلم‪ ،‬ثم صلى بطائفة أخرى ركعتين‬
‫ثم سلم‪ ،‬وهذا هو الصواب‪ ،‬ومن قال‪ :‬إنه صلى بدون سالم فقد غلط‪ ،‬ومن‬
‫أهم شيء عند طالب العلم إذا أشكل عليه بعض األحاديث أن يجمع‬
‫(‪)5‬‬
‫الروايات وطرقها حتى يتضح له األمر)) ‪.‬‬
‫شيئا‪،‬‬
‫النوع الخامس‪ :‬يصلي اإلمام بإحدى الطائفتين ركعة ثم تذهب وال تقضي ً‬
‫شيئا؛‬
‫ثم تأتي الطائفة األخرى فتصف خلفه ويصلي بهم ركعة ثم يسلم وال تقضي ً‬
‫لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬صلى رسول اهلل ‪ ‬صالة الخوف بذي قرد‪ :‬أرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬باب غزوة ذات الرقاع‪ ،‬برقم ‪ ،3143‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة‬
‫المسافرين‪ ،‬باب صالة الخوف‪ ،‬برقم ‪.834‬‬
‫(‪ )2‬يعني بذلك رحمه اهلل نفس النوع الرابع الذي دل عليه حديث جابر عند النسائي‪ ،‬برقم ‪.1221‬‬
‫(‪ )3‬المغني البن قدامة‪ ،414/4 ،‬والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪ ،148/2 ،‬والكافي البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ،331/1‬وزاد المعاد البن القيم‪ ،221/1 ،‬وكل هذه المراجع ذكر أصحابها أن حديث جابر في‬
‫خامسا ال يدخل في النوع الرابع‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫نوعا‬
‫عدوه ً‬
‫الصحيحين بدون سالم للنبي ‪‬؛ ولهذا ُّ‬
‫(‪ )4‬شرح النووي على صحيح مسلم‪،478/3،‬وكذلك اختار المجد ابن تيمية أن حديث جابر في الصحيحين تكون كل‬
‫ركعتين بسالم [انظر‪:‬الحديث رقم ‪ 1413‬من منتقى األخبار المطبوع مع نيل األوطار]‪.‬‬
‫(‪ )5‬سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم ‪.3143‬‬
‫صالة الخوف‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫من أرض بني سليم ‪ ،‬فصلى الناس خلفه َص َّفين‪ :‬ص ًّفا يوازي العدو‪ ،‬وص ًّفا خلفه‪،‬‬
‫فصلى بالصف الذي يليه ركعة‪ ،‬ثم نهض هؤالء إلى مصاف هؤالء‪ ،‬وهؤالء إلى‬
‫مصاف هؤالء فصلى بهم ركعة أخرى))‪ .‬ولفظ النسائي‪((:‬أن رسول اهلل ‪ ‬صلى‬
‫فصف الناس خلفه َص َّفين‪ :‬ص ًّفا خلفه وص ًّفا موازي العدو‪ ،‬فصلى بالذين‬
‫بذي قرد ّ‬
‫خلفه ركعة ثم انصرف هؤالء إلى مكان هؤالء‪،‬وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم‬
‫‪2‬‬
‫يقضوا))( )؛لحديث حذيفة ‪((:‬أن النبي ‪ ‬صلى صالة الخوف بهؤالء ركعة‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وبهؤالء ركعة‪ ،‬ولم يقضوا)) ‪،‬وسمعت شيخنا اإلمام يقول‪((:‬صلى بطائفة ركعة‬
‫(‪)4‬‬
‫وبطائفة ركعة‪،‬ولم يقضوا فكان له ركعتان)) ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪((:‬فرض اهلل الصالة على لسان نبيكم ‪ :‬في‬
‫(‪)5‬‬
‫أربعا‪،‬وفي السفر ركعتين‪،‬وفي الخوف ركعة)) ‪،‬قال اإلمام الصنعاني‬ ‫ً‬ ‫الحضر‬
‫رحمه اهلل‪((:‬صالة الخوف ركعة واحدة في حق اإلمام والمأموم)) (‪ ،)6‬وسمعت‬
‫شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول عن هذا النوع‪(( :‬صالة الخوف ركعة‬
‫على أي حال كان‪ ،‬يعني لإلمام والمأمومين))(‪ ،)7‬وهذه األنواع الستة ثبتت‪،‬‬
‫(‪)8‬‬
‫وذكرها أهل العلم ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ذو قرد ‪ :‬ماء على ليلتين من المدينة‪ ،‬بينها وبين خيبر‪ ،‬وكان رسول اهلل ‪ ‬خرج إليه لما خرج في‬
‫طلب عيينة حين أغار على لقاحه‪ .‬معجم البلدان‪.22/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬أحمد‪ ، 482/2 ،‬والنسائي‪ ،‬كتاب صالة الخوف‪ ،‬برقم ‪ ،1242‬والبخاري بنحوه‪ ،‬في كتاب صالة‬
‫بعضا في صالة الخوف‪ ،‬برقم ‪ ،133‬وصححه األلباني في صحيح‬ ‫الخوف‪ ،‬باب‪ :‬يحرس بعضهم ً‬
‫سنن النسائي‪.313/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬أحمد‪ ،411/2 ،‬والنسائي‪ ،‬كتاب الخوف‪ ،‬برقم ‪ ،1228‬وأبو داود‪ ،‬كتاب صالة السفر‪ ،‬باب صالة‬
‫الخوف‪ ،‬برقم ‪ ،1233‬وصححه األلباني في صحيح أبي داود‪ ،432/1 ،‬وصحيح النسائي‪.312/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.202‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪،‬كتاب صالة المسافرين‪،‬وقصرها‪،‬باب صالة المسافرين وقصرها‪،‬برقم ‪.387‬‬
‫(‪ )6‬سبل السالم‪.214/4 ،‬‬
‫(‪ )7‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.207‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪:‬المغني البن قدامة‪،423-218/4،‬والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪،133-117/2 ،‬‬
‫والكافي البن قدامة‪ ،272-237/1 ،‬وزاد المعاد‪ ،‬البن القيم‪.241-221/1 ،‬‬
‫صالة الخوف‬
‫‪555‬‬
‫خامسا‪ :‬صالة الخوف في الحضر تؤدى بدون قصر‪ ،‬قال اإلمام ابن القيم‬
‫ً‬
‫رحمه اهلل‪(( :‬وكان من هديه ‪ ‬في صالة الخوف أن أباح اهلل ‪ ‬قصر أركان‬
‫الصالة وعددها إذا اجتمع الخوف والسفر‪ ،‬وقصر العدد وحده إذا كان سفر‬
‫ال خوف معه‪ ،‬وقصر األركان وحدها إذا كان خوف ال سفر معه‪ ،‬وهذا كان‬
‫من هديه ‪ ‬وبه ُتعلم الحكمة في تقييد القصر في اآلية بالضرب في‬
‫(‪)1‬‬
‫األرض والخوف)) ‪ .‬وهذا يبين أن صالة الخوف جائزة في الحضر إذا‬
‫(‪)2‬‬ ‫ّ‬
‫احتاج الناس إلى ذلك؛ لنزول العدو قريبا من البلد ‪ .‬فإن خاف الناس‬
‫ً‬
‫وقت اإلقامة ص َّلى اإلمام الصالة الرباعية بكل طائفة ركعتين وأتمت الطائفة‬
‫(‪)3‬‬
‫األولى بالحمد هلل في كل ركعة‪ ،‬والطائفة الثانية تتم بالحمد هلل وسورة ‪.‬‬
‫مغربا‪ ،‬صلى اإلمام بالط ـ ـ ـ ـ ـائفة األولـى‬
‫قال الخرقي رحمه اهلل‪(( :‬وإن كانت الصالة ً‬
‫ركعتين‪ ،‬وأتمت ألنفسها ركعة تقرأ فيها بالحمد هلل‪ ،‬ويصـلي بالطائفـة األخـرى ركعـة‬
‫(‪)4‬‬
‫وأتم ـ ـ ـ ـ ــت ألنفس ـ ـ ـ ـ ــها ركعت ـ ـ ـ ـ ــين‪ ،‬تق ـ ـ ـ ـ ــرأ فيهم ـ ـ ـ ـ ــا بالحم ـ ـ ـ ـ ــد هلل وس ـ ـ ـ ـ ــورة)) ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪.221/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬وذكر عن اإلمام مالك أن صالة الخوف ال تجوز في الحضر‪ ،‬ألن اآلية إنما دلّت على صالة‬
‫أربعا؛ وألن النبي ‪ ‬لم يفعلها في الحضر‪ ،‬وخالفه أصحابه فقالوا كقولنا‪،‬‬ ‫ركعتين‪ ،‬وصالة الحضر ً‬
‫الصالَ َة ‪ ‬وهذا عام في كل حال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نت فيهِ ْم َفأ َ َق ْم َ‬‫ولنا من األدلة أن اهلل تعالى قال‪َ  :‬و ِإ َذا ُك َ‬
‫ت لَ ُه ُم َّ‬
‫وترك النبي ‪ ‬فعلها في الحضر إنما كان لغناه عن فعلها في الحضر‪ .‬انظر‪ :‬المغني‪،402/4 ،‬‬
‫والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪ ،140/2 ،‬والكافي البن قدامة‪.274/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬وهل تفارقه الطائفة األولى في التشهد أو حين يقوم إلى الثالثة على وجهين‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬حين يقوم إلى الثالثة‪ ،‬وهو قول مالك األوزاعي‪.‬‬
‫جائزا‪ .‬انظر‪:‬المغني‬
‫والثاني‪:‬تفارقه في التشهد؛لتدرك الطائفة الثانية جميع الركعة الثالثة وعلى أي الصفتين فعل كان ً‬
‫البن قدامة‪،402/4،‬والمقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف‪،141-140/2،‬والكافي البن قدامة‪.374/1،‬‬
‫(‪ )4‬المغني‪ .401 /4 ،‬وبهذا قال مالك‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وسفيان والشافعي في أحد قوليه‪ ،‬وقال في القول‬
‫اآلخر‪ :‬يصلي باألولى ركعة‪ ،‬وبالثانية ركعتين‪ ،‬قال المرداوي في اإلنصاف‪(( :‬وإن كانت الصالة‬
‫مغربا صلى باألولى ركعتين وبالثانية ركعة بال نزاع‪ ،‬ونص عليه‪ .‬ولو صلى باألولى ركعة وبالثانية‬ ‫ً‬
‫ركعتين عكس الصفة األولى صحت على الصحيح من المذهب‪ ،‬وعليه األصحاب ونص عليه))‬
‫‪ .121/2‬قال الحافظ ابن حجر في الفتح‪(( :323/2 ،‬لم يقع في شيء من األحاديث المروية في‬
‫صالة الخوف تعرض لكيفية صالة المغرب‪ ،‬وقد أجمعوا على أنه ال يدخلها القصر‪ ،‬واختلفوا هل‬
‫األولى أن يصلي باألولى ثنتين والثانية واحدة أو العكس)) وقال الشوكاني‪(( :‬وحكي عن الشافعي‬
‫=‬
‫صالة الخوف‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬قال اإلمـام الحـافظ ابـن المنـذر رحمـه اهلل‪(( :‬ويصـلي صـالة الخـوف‬
‫في الحضر‪ ،‬يجعلهم طـائفتين‪ ،‬فيصـلي بالطائفـة األولـى ركعتـين‪ ،‬وينتظـرهم‬
‫جالسـا‪ ،‬ويتمـون ألنفسـهم‪ ،‬وينصـرفون‪ ،‬وتـأتي الطائفـة األخــرى‬ ‫ً‬ ‫فـي التشـهد‬
‫جالســـا ويصـــلون ألنفســـهم‪ ،‬فـــإذا جلســـوا‬
‫ً‬ ‫فيصـــلي بهـــم ركعتـــين‪ ،‬ويثبـــت‬
‫وتشـــهدوا ســـلم بهـــم‪ ،‬وإذا كانـــت صـــالة المغـــرب صـــلى بالطائفـــة األولـــى‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ركعتين‪ ،‬وبالطائفة الثانية ركعة على هذا المثال)) ‪ ،‬واهلل ‪ ‬أعلم ‪.‬‬
‫سادسا‪:‬صالة الخوف حال القتال والتحام الحرب‪،‬قال اهلل تعالى‪َ :‬ح ِافظُو ْا‬ ‫ً‬
‫إن ِخ ْف ُتم َفرِ َجاالً أوَ‬ ‫ين * َف ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ (‪ْ )4‬‬ ‫ومو ْا هلل َقانت َ‬
‫لصالَة ا ْل ُو ْس َطى َو ُق ُ‬ ‫الص َل َوات وا َّ‬ ‫َع َلى َّ‬
‫ون‪ . ‬قال‬ ‫ُر ْك َبا ًنا َف ِإ َذا أَ ِم ُنت ْم َفا ْذ ُك ُرو ْا اهلل َك َما َع َّل َم ُكم َّما َل ْم َت ُكونُو ْا َت ْع َل ُم َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫التخيير‪ ،‬قال وفي األفضل وجهان أصحهما ركعتان باألولى‪ ،‬واستدل له بفعل النبي ‪ ،‬وليس‬
‫للنبي فعل في صالة المغرب وال قول كما عرفت))‪ .‬نيل األوطار‪.340/2 ،‬‬
‫(‪ )1‬وهل تفارق اإلمام الطائفة األولى في التشهد األول أو في الركعة الثالثة على وجهين‪:‬أحدهما حين‬
‫قيامه إلى الثالثة‪،‬وهو قول مالك واألوزاعي‪.‬والوجه الثاني تفارقه في التشهد‪،‬قيل وكال األمرين‬
‫جائز‪.‬انظر‪:‬الشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪،142-141/2،‬والمغني‪،410/4،‬والكافي‪.374/1،‬‬
‫(‪ )2‬اإلقناع لإلمام ابن المنذر‪.124/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬وإذا صلى [اإلم ام] بالطائفة الثانية الركعة الثالثة وجلس للتشهد فإن الطائفة تقوم وال تتشهد معه‪،‬‬
‫تشهد لها بخالف الرباعية‪ ،‬ويحتمل أن تتشهد معه؛ ألنها تقضي‬ ‫ٍ‬ ‫ذكره القاضي؛ ألنه ليس بموضع‬
‫ركعتين متواليتين على إحدى الروايتين‪ ،‬فيفضي إلى أن تصلي ثالث ركعات بتشهد واحد‪ ،‬وال‬
‫نظير لهذ ا في الصلوات‪ ،‬فعلى هذا االحتمال تتشهد معه التشهد األول ثم تقوم كالصالة الرباعية‬
‫سواء)) المغني البن قدامة‪ ،410/4 ،‬والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪،140-121/2 ،‬‬
‫والكافي‪ ،374/1 ،‬وقال اإلمام المرداوي‪(( :‬فائدة‪ :‬ال تتشهد الطائفة الثانية بعد ثالثة المغرب على‬
‫الصحي ح من المذهب؛ ألنه ليس محل تشهدها‪ ،‬وقيل‪ :‬تتشهد معه‪ ،‬إن قلنا‪ :‬تقضي ركعتين‬
‫متواليتين؛ لئال تصلي المغرب بتشهد واحد‪ ،‬قلت‪ :‬فعلى األول إن قلنا‪ :‬تقضي ركعتين متواليتين‬
‫يعايى بها‪ ،‬لكن يظهر بعد هذا أن ُيقال‪ :‬ال تتشهد بعد الثالثة‪ ،‬وإذا قضت تقضي ركعتين متواليتين‪،‬‬
‫أيضا ست تشهدات بأن يدرك المأموم اإلمام في التشهد األول‪ ،‬فيتشهد معه‪،‬‬ ‫ويتصور في المغرب ً‬
‫ويكون على اإلمام سجود سهو محله بعد السالم‪ ،‬فيتشهد معه ثالث تشهدات‪ ،‬ثم يقضي فيتشهد‬
‫عقب ركعة‪ ،‬وفي آخر صالته‪ ،‬وسهو لما يجب سجوده بعد السالم‪ ،‬وبأن يسلم قبل إتمام صالته‪،‬‬
‫فيعايى بها)) اإلنصاف مع المقنع والشرح الكبير‪.144-142/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة‪ ،‬اآليتان‪.241 -248 :‬‬
‫صالة الخوف‬
‫‪555‬‬
‫اإلمام ابن كثير رحمه اهلل‪(( :‬لما أمر اهلل تعالى عباده بالمحافظة على‬
‫الصلوات والقيام بحدودها‪ ،‬وشدد األمر بتأكيدها ذكر الحال التي‬
‫يشتغل الشخص فيها عن أدائها على الوجه األكمل‪ ،‬وهي حال القتال‬
‫إن ِخ ْف ُتم َفرِ َجاالً أَ ْو ُر ْكبا ًنا‪ ‬أي فصلوا على‬
‫والتحام الحرب‪ ،‬فقال‪َ  :‬ف ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫أي حال كان‪ :‬رجاالً أو ركبا ًنا‪ ،‬يعني مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ‪،‬‬
‫كما قال مالك عن نافع‪ :‬إن ابن عمر كان إذا سئل عن صالة الخوف‬
‫قياما على‬
‫وصفها‪ ،‬ثم قال‪ :‬فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجاالً ً‬
‫أقدامهم‪ ،‬أو ركبا ًنا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها‪ ،‬قال مالك‪ :‬قال‬
‫نافع‪ :‬ال أرى عبد اهلل بن عمر ذكر ذلك إال عن رسول اهلل ‪ ،))‬ولفظ‬
‫قائما‪ ،‬تومئ‬
‫راكبا‪ ،‬أو ً‬ ‫فصل‬
‫ّ‬ ‫مسلم‪(( :‬فإذا كان خوف أكثر من ذلك‬
‫ً‬ ‫(‪)2‬‬
‫إيماء)) ‪ ،‬وفي حديث عبد اهلل بن أنيس ‪ ‬لما بعثه رسول اهلل ‪ ‬إلى‬ ‫ً‬
‫خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات فقال‪(( :‬اذهب فاقتله))‬

‫قال فرأيته وقد حضرت صالة العصر‪ ،‬فقلت‪ :‬إني ألخاف أن يكون بيني‬
‫إيماء‬
‫ً‬ ‫وبينه ما يؤخر الصالة فانطلقت أمشي وأنا أصلي‪ ،‬وأومئ‬
‫(‪)3‬‬
‫نحوه‪ ))...‬الحديث ‪.‬‬
‫وقال اإلمام البخاري رحمه اهلل تعالى‪(( :‬باب صالة الطالب والمطلوب‬
‫وإيماء‪ ،‬وقال الوليد‪ :‬ذكرت لألوزاعي صالة شرحبيل بن السمط‬ ‫ً‬ ‫راكبا‬
‫ً‬
‫وأصحابه على ظهر الدابة‪ ،‬فقال‪ :‬كذلك األمر عندنا إذا ُت ُخ ّو َف الفوت‪،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ص‪.117‬‬
‫إن ِخ ْف ُتم َفرِ َجاالً أ َ ْو ُر ْكبا ًنا َف ِإ َذا أ َ ِم ُنتم‪ ،‬برقم ‪3242‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب قوله‪َ  :‬ف ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫[و‪ ،]134 ،132‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب صالة الخوف‪ ،‬برقم ‪.)841(-403‬‬
‫(‪ )3‬أحمد‪ ،313/4 ،‬وأبو داود‪ ،‬كتاب صالة السفر‪ ،‬باب صالة الطالب‪ ،‬برقم ‪ ،1231‬قال اإلمام الحافظ‬
‫ابن كثير في تفسيره‪،‬ص‪(( :117‬رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد))‪ .‬وقال الحافظ ابن حجر في فتح‬
‫الباري‪(( :347/2 ،‬وإسناده حسن)) وضعفه األلباني في ضعيف سنن أبي داود‪ ،‬ص‪ ،17‬برقم ‪.1231‬‬
‫صالة الخوف‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫))‬‫واحتج الوليد بقول النبي ‪(( :‬ال يصلين أحد العصر إال في بني قريظة‬
‫قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪ :‬قال ابن المنذر‪ :‬كل من نحفظ عنه من‬
‫إيماء‪ ،‬وإن كان طالبا‬
‫ً‬ ‫أهل العلم يقول‪ :‬إن المطلوب يصلي على دابته يومئ‬
‫ً‬
‫نزل فصلى على األرض‪ ،‬قال الشافعي‪ :‬إال أن ينقطع عن أصحابه فيخاف‬
‫عود المطلوب عليه‪،‬فيجزئه ذلك‪ ،‬وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل‪،‬‬
‫بخالف المطلوب‪ ،‬ووجه الفرق أن شدة الخوف في المطلوب ظاهرة؛‬
‫لتحقق السبب المقتضي لها‪،‬وأما الطالب فال يخاف استيالء العدو عليه‪،‬‬
‫وإنما يخاف أن يفوته العدو‪،‬وما نقله ابن المنذر متعقب بكالم األوزاعي؛‬
‫(‪)2‬‬
‫يستثن طالبا من مطلوب)) ‪ ،‬ثم ذكر ابن حجر‬ ‫ِ‬ ‫فإنه قيده بخوف الفوت ولم‬
‫(‪)3‬‬
‫ً‬
‫وحسن إسناده ‪.‬‬‫رحمه اهلل حديث عبد اهلل بن أنيس المتقدم ّ‬
‫وقال البخاري رحمه اهلل تعالى‪(( :‬باب الصالة عند مناهضة الحصون‬
‫ولقاء العدو‪ .‬وقال األوزاعي‪ :‬إن كان تهيأ الفتح وعقدوا على الصالة صلوا‬
‫ّ‬
‫أخروا الصالة حتى‬ ‫ّ‬ ‫اإليماء‬ ‫على‬ ‫إيماء كل امرئ لنفسه‪ ،‬فإن لم يقدروا‬
‫ً‬
‫ينكشف القتال‪،‬أو ي ْأ َمنوا فيصلوا ركعتين‪،‬فإن لم يقدروا صلوا ركعة‬
‫وسجدتين‪،‬فإن لم يقدروا فال يجزيهم التكبير ويؤخرونها حتى ي ْأ َمنوا‪ ،‬وبه‬
‫(‪)4‬‬
‫قال مكحول‪.‬وقال أنس بن مالك‪ :‬حضرت عند مناهضة حصن ُتستر‬
‫عند إضاءة الفجر ‪ -‬واشتد اشتعال القتال ‪ -‬فلم يقدروا على الصالة‪،‬فلم‬
‫نصل إال بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى َف ُف ِت َح لنا‪،‬وقال‬
‫ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫أنس‪ :‬وما يسرني بتلك الصالة الدنيا وما فيها)) ‪،‬ثم ساق البخاري عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪،‬كتاب صالة الخوف‪،‬باب صالة الطالب والمطلوب‪،‬قبل الحديث رقم ‪ ،133‬والحديث‬
‫الذي احتج به الوليد‪ ،‬هو نفسه رقم ‪ ،133‬ورقم ‪.3111‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري‪.347-343/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪.347/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬تستر ‪ :‬بلد معروف من بالد األهواز‪ ،‬وذكر خليفة أن فتحها كان في سنة عشرين في خالفة عمر‬
‫‪ ،‬فتح الباري البن حجر‪.342/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪،‬كتاب صالة الخوف‪،‬باب الصالة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو‪،‬قبل الحديث رقم ‪.132‬‬
‫صالة الخوف‬
‫‪555‬‬
‫جابر بن عبد اهلل قال‪ :‬جاء عمر يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب‪.‬فقال‬
‫النبي ‪((:‬وأنا واهلل ما صليتها بعد)) قال‪:‬فنزل إلى بطحان فتوضأ وصلى‬
‫(‪)1‬‬
‫العصر بعدما غابت الشمس‪،‬ثم صلى المغرب بعدها)) ‪.‬‬
‫مما تقدم من األدلة على صالة الخوف عند اشتداد الحرب اختلف العلماء‬
‫على قولين‪:‬‬
‫‪ -5‬قال جمهور العلماء‪ :‬ال تؤخر الصالة عند اشتداد الحرب والتحام‬
‫القوم بعضهم ببعض‪ ،‬بل يصلون على حسب أحوالهم على أي صفة كانوا‬
‫إيماء سواء كانوا مستقبلين القبلة أو مستدبرين‪ ،‬وسواء‬
‫ً‬ ‫ولو ركعة واحدة‬
‫كانوا رجاالً على األقدام أو ركبا ًنا على الخيل واإلبل وغيرها‪ ،‬فقالوا تكون‬
‫الصالة على ما ورد به القرآن ووردت به األحاديث‪ ،‬وأن الصالة ال تؤخر‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أما تأخير الصالة يوم الخندق؛ فألن صالة الخوف لم تشرع بعد ‪.‬‬
‫‪ -5‬وذهب قوم من أهل العلم إلى أن صالة الخوف في اشتداد القتال يجوز‬
‫تأخيرها إلى الفراغ من التحام القتال إذا لم يستطع المجاهدون أن يعقلوا‬
‫صالتهم‪ ،‬وهذا أحد القولين في مذهب اإلمام أحمد رحمه اهلل وغيره‪ ،‬واختاره‬
‫البخاري‪،‬واألوزاعي‪ ،‬ومكحول‪،‬وهو الذي عمل به الصحابة ‪ ‬زمن عمر بن‬
‫الخطاب في فتح تستر‪ ،‬وقد اشتهر ولم ينكر عليهم تأخير صالة الفجر إلى أن‬
‫(‪)3‬‬
‫استتم الفتح ضحى فصلوها بعد ارتفاع الشمس ‪ ،‬ورجح شيخنا اإلمام عبد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب صالة الخوف‪ ،‬باب الصالة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو‪ ،‬برقم‬
‫‪ ، 132‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب الدليل لمن قال الصالة الوسطى هي‬
‫العصر‪ ،‬برقم ‪.341‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪،413/4 ،‬والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪ ،122/2 ،‬وزاد المعاد‪،‬‬
‫‪ ،224/4‬والكافي البن قدامة‪ ،322/1 ،‬ومنتهى اإلرادات‪ ،432/1 ،‬ونيل األوطار‪ ،341/2 ،‬ومنار‬
‫السبيل‪ ،182/1 ،‬واإلقناع البن المنذر‪ ،122/1 ،‬واإلقناع لطالب االنتفاع‪ ،‬للحجاوي‪،288/1 ،‬‬
‫والروض المربع مع حاشية ابن قاسم‪.312/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪ ،343-343/2 ،‬وتفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير‪ ،‬ص‪،118-117‬‬
‫واإلعالم بفوائد عمدة األحكام‪ ،‬البن الملقن‪ ،473/3 ،‬والشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين‪،‬‬
‫=‬
‫صالة الخوف‬ ‫‪555‬‬
‫العزيز ابن باز رحمه اهلل أنه يجوز تأخير الصالة في حال المسايفة إلى أن‬
‫يتمكن من فعلها‪ ،‬فسمعته يقول‪(( :‬والصواب أن غزوة ذات الرقاع قبل‬
‫أخروا‬
‫أخر الصالة كما فعل الصحابة يوم تستر َّ‬
‫األحزاب‪،‬وأنه إذا اشتد الخوف ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫أيضا العالمة محمد بن‬
‫صالة الفجر إلى الضحى لشدة الحرب)) ‪.‬ورجح ذلك ً‬
‫صالح العثيمين رحمه اهلل‪ ،‬وبين أنه يجوز تأخير الصالة إذا اشتد الخوف بحيث‬
‫ّ‬
‫ال يتدبر اإلنسان ما يقول‪ ،‬وذكر أن تأخير صالة النبي ‪ ‬يوم األحزاب ليس‬
‫منسوخا‪ ،‬بل هو محكم إذا دعت الضرورة القصوى إلى ذلك‪ ،‬بحيث ال يقر‬ ‫ً‬
‫للمقاتلين قرار‪ ،‬ثم قال‪(( :‬ونحن في هذا المكان ال ندركه وإنما يدركه من كان‬
‫(‪)2‬‬
‫في ميدان المعركة)) ‪ ،‬قال ابن رشيد رحمه اهلل‪(( :‬من باشر الحرب‪ ،‬واشتغال‬
‫(‪)3‬‬
‫القلب‪ ،‬والجوارح‪ ،‬إذا اشتغلت عرف كيف يتعذر اإليماء)) ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫‪ ،282/3‬وزاد المعاد‪ ،‬البن القيم‪ ،224/4 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪.341/2 ،‬‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد‪.224/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الممتع بتصرف يسير‪.283/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬نقالً عن فتح الباري البن حجر‪.343/2 ،‬‬
‫‪550‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫المبحث الثالثون‪ :‬صالة الجمعة‬


‫أوالً‪ :‬مفهومها‪ :‬الجمعة لغة‪ :‬قال ابن فارس رحمه اهلل‪(( :‬الجيم‪،‬‬
‫تضام الشيء‪ ،‬يقال جمعت الشيء‬‫ّ‬ ‫والميم‪ ،‬والعين أصل واحد يدل على‬
‫وج ْمع‪ :‬مكة ُس ّمي الجتماع‬
‫َ‬ ‫جمع ًا))‪(( .‬وتقول‪ :‬استجمع الفرس جري ًا‪.‬‬
‫سمي به الجتماع الناس فيه(‪،)2‬‬ ‫ّ‬ ‫‪.‬‬‫(‪)1‬‬
‫الناس فيه‪ ،‬وكذلك يوم الجمعة))‬

‫وج ُمعات‪ ،‬والذين قالوا‪ :‬الجمعة ذهبوا بها إلى‬ ‫ُ‬ ‫وجمعة جمعها‪ُ :‬ج َمع‪،‬‬
‫والج َمعة(‪.)4( )3‬‬
‫ُ‬ ‫صفة اليوم‪ ،‬ويقال‪ :‬الجمعة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬معجم المقاييس في اللغة‪ ،‬كتاب الجيم‪ ،‬باب الجيم والميم وما بينهما‪ ،‬ص‪. 223‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث البن األثير‪ ،‬باب الجيم مع الميم‪ ،287 ،‬وقال‪(( :‬وفي حديث‬
‫جمعت بعد المدينة بجواثى جمعت‪ :‬بالتشديد أي صليت‪ ،‬ويوم الجمعة‬ ‫الجمعة‪ :‬أول جمعة ّ‬
‫سمي به الجتماع الناس فيه)) النهاية‪. 217/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬لسان العرب البن منظور‪ ،‬باب العين‪ ،‬فصل الجيم‪ ،28/8 ،‬والقاموس المحيط‪ ،‬باب العين‪،‬‬
‫فصل الجيم‪ ،‬ص‪. 117‬‬
‫(‪ )4‬وسميت بالجمعة؛ الجتماع الناس لها‪ ،‬وقيل‪ِ :‬ل َما جمع فيها من الخير‪ ،‬وقيل‪ :‬لجمعها الخلق‬
‫الكثير‪ ،‬وقيل‪ :‬ألن آدم جمع مع حواء فيها‪ ،‬وقيل‪ :‬ألنه اليوم الذي اجتمعت فيه المخلوقات‬
‫وكمالها‪ ،‬وقيل‪ :‬سمي يوم الجمعة؛ ألن آدم جمع خلقه فيها‪ ،‬ونقل المرداوي عن مجمع البحرين‬
‫أن هذا القول أولى‪ ،‬وقال عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪ :‬قال الحافظ‪ :‬هو أصحها‪ ،‬ويليه‪:‬‬
‫الجتماع الناس لها‪ .‬قال اإلمام ابن خزيمة رحمه اهلل‪(( :‬باب ذكر العلة التي أحسب لها سميت‬
‫الجمعة جمعة)) ثم أورد حديث سلمان قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬يا سلمان ما يوم الجمعة))؟ قلت‪:‬‬
‫اهلل ورسوله أعلم‪ .‬قال‪(( :‬يا سلمان ما يوم الجمعة))؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪(( :‬يا سلمان‬
‫ما يوم الجمعة))؟ قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪(( :‬يا سلمان يوم الجمعة به جمع أبوك ‪ -‬أو أبوكم ‪-‬‬
‫أنا أحدثك عن يوم الجمعة‪ ،‬ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمرتم يخرج من بيته حتى يأتي‬
‫الجمعة‪ ،‬فيقعد‪ ،‬فينصت حتى يقضي صالته إال كان كفارة ِل َما قبله من الجمعة)) صححه ابن‬
‫خزيمة‪ ،118 -117/4 ،‬برقم ‪ ،1742‬وقال العالمة األلباني‪(( :‬إسناده حسن))‪ ،‬والحديث أخرجه‬
‫الطبراني في المعجم الكبير‪،247/3 ،‬برقم ‪،3081‬وأحمد في المسند‪،330-341/2،‬وفي الفتح‬
‫الرباني‪،32/3،‬قال الهيثمي في مجمع الزوائد ‪((:173/2‬روى النسائي بعضه [‪ ،]103/4‬ورواه‬
‫الطبراني في الكبير بإسناد حسن)) انتهى‪.‬‬
‫وفي لفظ أحمد‪ …(( :‬ال يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم يأتي يوم الجمعة فينصت حتى يقضي‬
‫اإلمام صالته إال كان كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة)) ‪ ،341/2‬وفي لفظ‬
‫ألحمد أيضاً‪ …(( :‬أال أحدثك عن يوم الجمعة؟ ال يتطهر رجل مسلم ثم يمشي إلى المسجد ثم‬
‫=‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪556‬‬
‫والجمعة اصطالحاً‪ :‬بضم الجيم والميم‪ ،‬ويجوز سكون الميم‬
‫وفتحها‪ ،‬يوم من أيام األسبوع‪ُ ،‬تص َّلى فيه صالة خاصة هي صالة‬
‫الجمعة(‪.)1‬‬
‫وصالة الجمعة‪ :‬صالة مستقلة بنفسها‪ ،‬تخالف الظهر‪ :‬في الجهر‪،‬‬
‫والعدد‪ ،‬والخطبة‪ ،‬والشروط المعتبرة لها‪ ،‬وتوافقها في الوقت(‪.)2‬‬
‫جمعة في مسجد رسول اهلل ‪ ‬في مسجد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جمعة ُج ّم َع ْت بعد‬ ‫وأول‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد القيس بجواثى من البحرين)) ‪.‬‬
‫ثانياً‪:‬األصل في وجوب صالة الجمعة‪:‬الكتاب والسنة واإلجماع‪:‬‬
‫ودي ِللص ِ‬
‫الة‬ ‫‪ - 1‬أما الكتاب فقول اهلل تعالى‪ :‬يا أَيها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َذا نُ ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫اس َع ْوا ِإ َلى ِذ ْكرِ اهلل َو َذ ُروا ا ْلبي َع َذل ُكم َخير لَّ ُكم إِن ُك ُنتم‬
‫ِ‬
‫الجمعة َف ْ‬ ‫ِمن َي ْو ِم‬
‫ْ‬ ‫ْ ٌْ ْ‬ ‫َْ‬
‫ون‪ )4(‬فأمر بالسعي‪ ،‬ومقتضى األمر الوجوب‪ ،‬وال يجب السعي إال‬ ‫َت ْع َل ُم َ‬
‫إلى واجب‪ ،‬ونهى عن البيع؛ لئال يشتغل به عنها‪ ،‬فلو لم تكن فرضاً َل َما نهى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫ينصت حتى يقضي اإلمام صالته إال كانت كفارة ِل َما بينها وبين الجمعة التي بعدها ما اجتنبت‬
‫المقتلة)) ‪. 330/2‬‬
‫يسمى في الجاهلية‪(( :‬العروبة))؛ ألن العرب كانت تعظمه‪ ،‬وقيل [ذكره‬ ‫َّ‬ ‫وقد كان يوم الجمعة‬
‫السهيلي في الروض األنف‪ : ]113/2 ،8/1 ،‬أول من سمى العروبة كعب بن لؤي‪ ،‬فكانت قريش‬
‫تجتمع إليه في هذا اليوم‪ ،‬فيخطبهم‪ ،‬ويذكرهم بمبعث رسول اهلل ‪ ‬ويعلمهم بأنه من ولده‪،‬‬
‫ويأمرهم باتباعه واإليمان به)) انظر‪ :‬الكشاف للزمخشري‪ ،17/3 ،‬والوسائل في مسامرة األوائل‪،‬‬
‫للسيوطي‪ ،11 ،‬واإلعالم بفوائد عمدة األحكام‪ ،‬البن الملقن‪ ،104-102/3 ،‬واإلنصاف في‬
‫معرفة الراجح من الخالف‪ ،‬للمرداوي‪،172/2،‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪،318/2،‬‬
‫وسبل السالم‪. 124/4 ،‬‬
‫رواس‪ ،‬ص‪ ، 132‬وانظر‪ :‬اإلعالم بفوائد عمدة األحكام البن‬ ‫(‪ )1‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬للدكتور محمد َّ‬
‫الملقن‪. 101/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬زاد المعاد‪ ،‬البن القيم‪ ،343-342/1 ،‬واإلنصاف للمرداوي المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪،‬‬
‫‪ ،130-121/2‬والشرح الكبير المطبوع مع المقنع واإلنصاف‪ ،178/2 ،‬وحاشية عبد الرحمن بن محمد‬
‫بن قاسم على الروض المربع‪. 320/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب الجمعة في القرى والمدن‪ ،‬برقم ‪. 3471 ،812‬‬
‫(‪ ) 4‬سورة الجمعة‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫عن البيع من أجلها‪ ،‬والمراد بالسعي هنا الذهاب إليها ال اإلسراع؛ فإن‬
‫الع ْد ُو(‪.)1‬‬
‫السعي في كتاب اهلل لم ُي َر ْد به َ‬
‫السنَّة؛ فلحديث ابن عمر وأبي هريرة ‪ ‬أنهما سمعا رسول اهلل ‪‬‬ ‫ُّ‬ ‫‪ - 2‬وأما‬
‫ليختمن اهلل على قلوبهم‪ ،‬ثم‬ ‫أو‬ ‫يقول‪(( :‬لينتهين أقوام عن ودعهم(‪ )2‬الجم ِ‬
‫عات‬
‫َّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ‬
‫ليكونُ َّن من الغافلين))(‪)3‬؛ ولحديث أبي الجعد الضمري ‪ :‬أن رسول اهلل ‪‬‬
‫اوناً بها طبع اهلل على قلبه))(‪ ،)4‬ولفظ الترمذي‬ ‫قال‪(( :‬من ترك ثالث ُج َمع َت َه ُ‬
‫(‪)5‬‬
‫وابن ماجه‪(( :‬من ترك الجمعة ثالث مرات تهاوناً بها طبع اهلل على قلبه)) ‪.‬‬
‫وعن حفصة رضي اهلل عنها ‪ ،‬أن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬رواح الجمعة واجب على كل‬
‫محتلم))(‪.)6‬‬
‫‪ - 4‬وأما اإلجماع‪ ،‬فأجمع المسلمون على وجوب الجمعة(‪ ،)7‬وقال ابن‬
‫المنذر رحمه اهلل‪(( :‬وأجمعوا على أن الجمعة واجبة على األحرار‪،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،128/4 ،،‬والشرح الكبير‪. 127/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬ودعهم‪ :‬الودع‪ :‬الترك‪ ،‬وهو مصدر‪ :‬ودع يدع ودعاً‪ ،‬وزعم بعض النحويين أن مصدر مثل هذا‬
‫الفعل‪ :‬متروك‪ ،‬وكذلك أفعالها الماضية‪ ،‬وأنهم يستغنون عن ((ودع)) بترك‪ ،‬وعن الودع بالترك‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪،‬ورسول اهلل ‪ ‬أفصح وأعرف بالعربية‪.‬جامع األصول البن األثير‪.337/2 ،332،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب التغليظ في ترك الجمعة‪ ،‬برقم ‪. 832‬‬
‫(‪ )4‬طبع اهلل على قلبه‪ :‬الطبع والختم واحد‪ ،‬والمراد أنه بتركه الجمعة قد أغلق قلبه وختم عليه فال‬
‫يصل إليه شيء من الخير‪ .‬جامع األصول البن األثير‪. 333/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب التشديد في ترك الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1022‬والنسائي‪ ،‬كتاب‬
‫الجمعة‪ ،‬باب التشديد في التخلف عن الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1470‬والترمذي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما‬
‫جاء في ترك الجمعة من غير عذر‪ ،‬برقم ‪ ، 200‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصلوات‪ ،‬باب فيمن ترك‬
‫الجمعة من غير عذر‪ ،‬برقم ‪،1122‬والحديث حسنه الترمذي‪،‬وقال األلباني في صحيح سنن‬
‫النسائي‪(( :332/1،‬حسن صحيح)) وقال عبد القادر األرناؤوط في تحقيقه لجامع األصول‪،‬‬
‫‪(( :333/2‬وصححه جماعة‪ ،‬وهو حديث صحيح بشواهده))‪ ،‬ورواه النسائي من حديث جابر ‪‬‬
‫برقم ‪ ،1438‬وابن ماجه برقم ‪ ،1123‬بلفظ‪(( :‬من ترك الجمعة ثالث ًا من غير ضرورة طبع اهلل على‬
‫قلبه))‪ ،‬وقال األلباني في صحيح النسائي‪(( :332/1 ،‬حسن صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )6‬النسائي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب التشديد في التخلف عن الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1470‬وصححه األلباني‬
‫في صحيح النسائي‪. 334/1 ،‬‬
‫(‪ )7‬المغني البن قدامة‪. 121/4 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫البالغين‪ ،‬المقيمين الذين ال عذر لهم‬
‫ثالثاً‪ :‬حكم صالة الجمعة‪:‬من تجب عليه‪ ،‬ومن ال تجب عليه‪:‬‬
‫صالة الجمعة فرض عين على كل مسلم‪ ،‬بالغ‪ ،‬عاقل‪ُ ،‬ح ٍر(‪،)2‬‬
‫ّ‬
‫مستوطن ببناء يشمله اسم واحد وال تفرق يسيراً‪ ،‬فإن كان في البلد الذي‬
‫تقام فيه الجمعة لزمته‪ ،‬ولو كان بينه وبين موضعها فراسخ‪ ،‬ولو لم‬
‫يسمع النداء؛ ألن البلد كالشيء الواحد مثل‪ :‬اسم‪ :‬مكة‪ ،‬والمدينة‪،‬‬
‫والرياض‪ ،‬فما دام البناء يشمله اسم واحد فهو بلد واحد‪ ،‬ولو فرض أن‬
‫هذا البلد اتسع وصار بين أطرافه أميال كثيرة‪ ،‬أو فراسخ فتلزم الجمعة‬
‫من بأقصاه الشرقي‪ ،‬كما تلزم من بأقصاه الغربي‪ ،‬وهكذا الشمال‬
‫والجنوب؛ ألنه بلد واحد ليس بينه وبين المسجد أكثر من ثالثة أميال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلجماع البن المنذر‪ ،‬ص‪. 33‬‬
‫الة ِمن‬
‫ودي ِللص ِ‬
‫َّ‬
‫(‪ )2‬وقيل‪ :‬تجب على المملوك؛ ألنه داخل في قوله تعالى‪ :‬يا أَيها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َذا نُ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫اس َع ْوا ِإ َلى ِذ ْكرِ اهلل َو َذ ُروا ا ْلبي َع َذ ِل ُكم َخير لَّ ُكم إِن ُك ُنتم َت ْع َل ُمو َن‪[ ‬الجمعة‪ .]1 :‬وهي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْوم الـ ْ ُج ُم َعة َف ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ ٌْ ْ‬ ‫َْ‬
‫رواية عن أحمد‪ ،‬وقيل‪ :‬إذا أذن له سيده لزمته وإذا لم يأذن له ال تلزمه‪ ،‬وهي رواية ثالثة عن‬
‫أحمد‪ ،‬انظر‪ :‬اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف للمرداوي‪ ،171/2 ،‬والمغني البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ،217/4‬والشرح الكبير‪ ،130/2 ،‬وقال السعدي رحمه اهلل‪(( :‬الصواب أن الجمعة والجماعة تجب‬
‫على العبيد األرقاء؛ ألن النصوص عامة في دخولهم‪ ،‬وال دليل يدل على إخراج العبيد‪ ،‬وأما‬
‫حديث طارق بن شهاب‪(( :‬الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إال أربعة))‪ ،‬فذكر منهم‬
‫العبد المملوك فهو حديث ضعيف اإلسناد… وأصح منه حديث حفصة في سنن النسائي مرفوعاً‪:‬‬
‫((رواح الجمعة واجب على كل محتلم)) [برقم ‪ ،1470‬وصححه األلباني في صحيح النسائي‪،‬‬
‫‪ ]334/1‬وهو عام في الحر والممل وك‪ ،‬واألصل أن المملوك حكمه حكم الحر في جميع‬
‫العبادات البدنية المحضة التي ال تعلق لها بالمال))‪ .‬االختيارات الجلية‪ ،‬ص‪ ،31‬واختار تلميذه‬
‫محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل القول الثالث‪ ،‬وهو أن الجمعة تلزم العبد إذا أذن له سيده‪،‬‬
‫وقال‪(( :‬وهذا القول قول وسط بين قول من يلزمه جمعة مطلقاً وقول من ال يلزمه مطلقاً)) الشرح‬
‫الممتع‪ ، 1/2 ،‬ولكن سماحة شيخنا اإلمام ابن باز ذكر أن حديث طارق بن شهاب صحيح؛ وأن‬
‫مرسل الصحابي ال يضر‪ ،‬وهو مقبول وقد ذكر غير واحد إجماع أهل العلم على قبول مرسل‬
‫الصحابي‪ ،‬وقد صرح بالسماع عن أبي موسى األشعري فزال ما يخشى منه معنى كالمه رحمه اهلل‪،‬‬
‫وسيأتي نصه إن شاء اهلل مع تخريج الحديث‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم في الفتاوى‪((:183/23،‬وجوبها على العبد قوي إما مطلق ًا وإما إذا أذن له سيده))‪.‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫تقريب ًا إذا لم يكن له عذر؛ ألن الموضع الذي يسمع منه النداء في‬
‫الغالب‪ ،‬إذا كانت األصوات هادئة‪ ،‬والموانع منتفية‪ ،‬والريح ساكنة‪،‬‬
‫والمؤذن صيت ًا على موضع عال‪ ،‬والمستمع غير ٍ‬
‫ساه ثالثة أميال أو ما‬
‫ّ‬
‫فح َّد بذلك تقريباً‪ ،‬واهلل أعلم(‪ .)1‬هذا إذا كان خارج البلد‪ ،‬أما إذا‬
‫يقاربها‪ُ ،‬‬
‫كان البلد واحد ًا‪ ،‬فإن الجمعة تلزمه ولو كان بينه وبين موضع الجمعة‬
‫فراسخ كما تقدم‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ :‬أن صالة الجمعة تلزم من توفرت فيه هذه الثمانية‬
‫شروط‪ ،‬وهي‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬والعقل‪ ،‬والذكورية‪ ،‬والحرية‪،‬‬
‫واالستيطان‪ ،‬وإمكان سماع النداء إذا كان ال يشمل المستمع اسم البلد‪،‬‬
‫وانتفاء األعذار(‪.)2‬‬
‫‪ - 1‬أما اإلسالم؛ فألن الكافر ال تصح منه الصالة‪ ،‬وال أي عبادة؛‬
‫ورا‪،)3(‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لقول اهلل ‪َ  : ‬و َقد ْم َنا ِإ َلى َما َعم ُلوا م ْن َع َم ٍل َف َج َع ْل َنا ُه َه َب ًاء َّمنثُ ً‬
‫اء ِم ْن ِعب ِاد ِه َو َل ْو أَ ْشر ُكو ْا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقوله تعالى‪َ  :‬ذل َك ُه َدى اهلل َي ْه(د‪)4‬ي بِه َمن َي َش ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ون‪ ، ‬والكافر مخاطب بفروع الشريعة‬ ‫ِط َع ْن ُهم َّما َكانُو ْا َي ْع َم ُل َ‬
‫َل َحب َ‬
‫اإلسالمية كما هو مخاطب بأصولها‪ ،‬ولكن لو عمل بفروع الشريعة ولم‬
‫يدخل في اإلسالم ال تقبل منه حتى يدخل في اإلسالم(‪.)5‬‬
‫‪ - 2‬وأما البلوغ؛ فلحديث علي بن أبي طالب ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪:‬‬
‫(( ُرفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصبي حتى يحتلم‪،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المغني‪ ،333-233/4 ،‬والشرح الكبير‪ ،‬البن قدامة‪ ،133-130/2 ،‬واإلنصاف للمرداوي‪،‬‬
‫‪ ،133-130/2‬والروض المربع مع حاشية ابن قاسم‪ ،323-318/2 ،‬والشرح الممتع للعالمة ابن‬
‫عثيمين‪.11-7/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الشرح الكبير‪ ،130/2 ،‬والكافي البن قدامة‪. 378-377/1 ،‬‬
‫(‪ ) 3‬سورة الفرقان‪ ،‬اآلية‪.24:‬‬
‫(‪ ) 4‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.88 :‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪:‬حاشية ابن قاسم على الروض المربع‪،321/2،‬والشرح الممتع‪،‬البن عثيمين‪.11-10/2 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وعن المجنون حتى يعقل)) ؛ ولحديث عائشة رضي اهلل عنها عن النبي ‪‬‬
‫قال‪(( :‬رفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصغير حتى‬
‫يكبر‪ ،‬وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق))(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬وأما العقل؛ فلحديث علي وعائشة رضي اهلل عنهما كما تقدم‪.‬‬
‫‪ - 3‬وأما الذكورية‪ ،‬فذكر ابن المنذر اإلجماع على أنه ليس على النساء‬
‫جمعة(‪.)3‬‬
‫‪ - 2‬وأما الحرية؛ فلحديث طارق بن شهاب ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪:‬‬
‫((الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إال أربعة‪ :‬عبد مملوك‪،‬‬
‫أو امرأة‪ ،‬أو صبي‪ ،‬أو مريض))(‪.)4‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل يقول‪(( :‬هذا يدل‬
‫على أن الجمعة حق واجب))(‪.)5‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الحدود‪،‬باب في المجنون يسرق أو يصيب حد ًا‪،‬برقم ‪ ،334‬واللفظ له‪ ،‬والترمذي‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود‪،‬كتاب‬
‫كتاب الحدود‪ ،‬باب من جاء فيمن ال يجب عليه الحد‪،‬رقم ‪ ،1324‬وابن ماجه‪،‬كتاب الطالق‪ ،‬باب طالق‬
‫المعتوه والصغير والنائم‪ ،‬برقم ‪ ،2032‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ ،23/4 ،‬وإرواء‬
‫الغليل ‪ ،3-2/2‬وغيرهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬باب من ال يقع طالقه من األزواج‪ ،‬برقم ‪ ،4342‬وأبو داود‪ ،‬كتاب‬
‫الحدود‪ ،‬باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً‪ ،‬برقم ‪ ،3418‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬باب‬
‫طالق المجنون والصغير والنائم‪ ،‬برقم ‪ ، 2032‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪،‬‬
‫‪ ،22/1‬وفي إرواء الغليل‪ ،‬برقم ‪. 217‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬اإلجماع البن المنذر‪ ،‬ص‪. 33‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الجمعة للمملوك والمرأة‪ ،‬برقم ‪ ،1037‬قال أبو داود‪ :‬طارق بن‬
‫شهاب قد رأى النبي ‪ ‬ولم يسمع منه شيئاً‪ .‬وصحح الحديث العالمة األلباني في صحيح أبي‬
‫داود‪ ،213/1 ،‬ورواه الحاكم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى األشعري رضي اهلل عنهما‪،288/1 ،‬‬
‫وقال‪(( :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين))‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ .‬وسمعت شيخنا ابن باز يقول‪:‬‬
‫((لمرسل مرسل صحابي وقد ذكر غير واحد إجماع أهل العلم على قبول مرسل الصحابي‪ ،‬وقد‬
‫صرح بالسماع عن أبي موسى األشعري فزال ما يخشى‪ ،‬وإن صلى هؤالء األربعة أجزأتهم))‬
‫سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.313‬‬
‫(‪ )5‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪. 313‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫‪ - 3‬االستيطان ببناء معتاد‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪:‬‬
‫شتاء وال صيفاً‪،‬‬
‫ً‬ ‫((كل قوم كانوا مستوطنين ببناء متقارب‪ ،‬ال يظعنون عنه‬
‫تقام فيه الجمعة إذا كان مبنياً بما جرت به عادتهم‪ :‬من مدر(‪ )1‬وخشب‪،‬‬
‫أو قصب‪ ،‬أو جريد‪ ،‬أو سعف‪ ،‬أو غير ذلك؛ فإن أجزأ البناء ومادته ال‬
‫تأثير لها في ذلك‪،‬إنما األصل أن يكونوا مستوطنين‪،‬ليسوا كأهل الخيام‪،‬‬
‫والحلل الذين يتتبعون في الغالب مواقع القطر‪،‬ويتنقلون في البقاع‪،‬‬
‫وينقلون بيوتهم معهم‪ ،‬إذا انتقلوا‪ ،‬وهذا مذهب جمهور العلماء ‪...‬وقال‬
‫اإلمام أحمد‪ :‬ليس على البادية جمعة؛ ألنهم ينتقلون‪ ،‬فع َّلل سقوطها‬
‫باالنتقال‪ ،‬فكل من كان مستوطن ًا ال ينتقل باختياره فهو من أهل‬
‫القرى))(‪.)2‬‬
‫والمسافر ال جمعة عليه؛ ألن رسول اهلل ‪ ‬كان يسافر أسفار ًا كثيرة‪:‬قد‬
‫اعتمر ثالث عمر سوى عمرة حجته‪ ،‬وحج حجة الوداع‪،‬ومعه ألوف‬
‫مؤلفة‪ ،‬وغزا أكثر من عشرين غزوة ولم ينقل عنه أحد قط أنه صلى في‬
‫السفر ال جمعة وال عيداً‪،‬بل كان يصلي ركعتين ركعتين في جميع أسفاره‪،‬‬
‫ويوم الجمعة يصلي ركعتين كسائر األيام‪،‬وكان يوم عرفة في حجة الوداع‬
‫يوم الجمعة‪،‬وصلى ظهراً‪،‬ففي صحيح مسلم من حديث جابر ‪((:‬أن‬
‫النبي ‪َ ‬ل ّما وصل بطن الوادي يوم عرفة نزل فخطب الناس‪،‬ثم بعد‬
‫الخطبة أ َّذن بالل‪،‬ثم أقام فصلى الظهر‪ ،‬ثم أقام فصلى العصر))(‪.)3‬‬
‫يصل الجمعة‪ ،‬وإنما صلى‬
‫ّ‬ ‫وهذا نص واضح صريح صحيح أنه ‪ ‬لم‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مدر‪ :‬الطين اليابس‪ .‬القاموس المحيط‪ ،‬فصل الميم‪ ،‬باب الراء‪ ،‬ص‪. 301‬‬
‫(‪ )2‬فتاوى ابن تيمية ‪ ،131 ،133/23‬وقال ابن تيمية رحمه اهلل‪(( :‬وتجب الجمعة على من أقام في غير بناء‪:‬‬
‫كالخيام وبيوت الشعر ونحوها‪ ،‬وهو أحد قولي الشافعي‪ ،‬وحكاه األزجي رواية عن أحمد…)) وقال أبو‬
‫العباس ابن تيمية في موضع آخر‪(( :‬يشترط مع إقامتهم في الخيام ونحوها أن يكونوا يزرعون كما يزرع أهل‬
‫القرية)) االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪،‬ص‪،111‬وانظر‪:‬المغني البن قدامة‪.204/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب حجة النبي ‪ ،‬برقم ‪. 1218‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫ظهراً(‪ )1‬هذا هو الحق الذي ال شك فيه ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ودي‬ ‫‪ - 7‬سماع النداء؛ لقول اهلل تعالى‪ :‬يا أَيها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َذا نُ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫اس َع ْوا ِإ َلى ِذ ْكرِ اهلل َو َذ ُروا ا ْلبي َع َذل ُكم َخير لَّ ُكم‬
‫ِ‬
‫الجمعة َف ْ‬ ‫الة ِمن َي ْو ِم‬
‫ِللص ِ‬
‫َّ‬
‫ْ ٌْ ْ‬ ‫َْ‬ ‫(‪)3‬‬
‫إِن ُك ُنتم َت ْع َل ُمو َن‪ ‬فالمعتبر في رواية عن اإلمام أحمد‪ :‬إمكان سماع‬
‫ْ‬
‫النداء‪ ،‬ويمكن سماعه في الغالب على بعد فرسخ‪ ،‬وهو‪ :‬ثالثة أميال‬
‫تقريباً إذا كانت األصوات هادئة‪ ،‬والموانع منتفية‪ ،‬والريح ساكنة‪،‬‬
‫ساه‪ ،‬وهذا إذا كان‬ ‫عال‪ ،‬والمستمع غير ٍ‬ ‫والمؤذن صيت ًا‪ ،‬على موضع ٍ‬
‫ّ‬
‫خارج البلد‪ ،‬أما إذا كان داخل البلد‪ ،‬ويشمل موضعه اسم البلد وجبت‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪ 171-178/23 ،‬بتصرف يسير‪ ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪،‬‬
‫‪ ،14/2‬والشرح الكبير‪. 131/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬وحكي عن الزهري‪ ،‬والنخعي‪ ،‬أن صالة الجمعة تجب على المسافر؛ ألن الجماعة تجب عليه‬
‫فالجمعة أولى‪ ،‬والصواب ما تقدم‪ .‬انظر‪ :‬الشرح الكبير‪ ،131/2 ،‬والمغني البن قدامة‪،213/4 ،‬‬
‫لكن إذا أجمع المسافر إقامة تمنع القصر ولم يرد استيطاناً لبلد‪ :‬كطالب العلم‪ ،‬أو التاجر الذي‬
‫يقيم ليبيع متاعه‪ ،‬أو مشتري شيء ال ينجز إال في مدة طويلة ففيه وجهان عند الحنابلة‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬تلزمه الجمعة لعموم اآلية‪،‬وداللة األخبار؛فإن األخبار جاءت بوجوب الجمعة إال‬
‫على خمسة‪ :‬المريض‪ ،‬والمسافر‪،‬والمرأة‪ ،‬والصبي‪،‬والمملوك‪ ،‬وليس المسافر المقيم إقامة تمنع‬
‫القصر من هؤالء الخمسة‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬ال تجب عليه؛ألنه ليس بمستوطن‪ ،‬واالستيطان من شروط الوجوب؛ وألنه لم ينوِ‬
‫اإلقامة في هذا البلد على الدوام‪ ،‬فأشبه أهل القرية الذين يسكنونها صيفاً ويظعنون عنها شتاء‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،218/4 ،‬والشرح الكبير‪ ،‬المطبوع مع المقنع واإلنصاف‪. 170/2 ،‬‬
‫والصواب أن المسافر الذي أقام إقامة تمنع القصر ولم ينو االستيطان أن وجوب صالة الجمعة‬
‫عليه فيه تفصيل‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إذا أقام المسافرون إقامة تمنع القصر في مكان ال تقام فيه صالة الجمعة فال تجب عليهم صالة‬
‫الجمعة؛ ألنهم أشبه بالمسافرين وسكان البادية‪ ،‬والجمعة إنما تجب على المستوطنين‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إذا أقاموا في مكان تقام فيه صالة الجمعة من المسلمين المستوطنين فالمشروع أن يصلوا‬
‫معهم؛ ألن الجمعة تلزمهم بغيرهم‪ ،‬ورجحه المرداوي في اإلنصاف قال‪(( :‬فالصحيح من المذهب‬
‫أن الصالة تلزمه بغيره)) اإلنصاف‪ ، 170/2 ،‬وهذا ما أفتى به شيخنا ابن باز أهل الغربة في مجموع‬
‫الفتاوى‪ ،477-473/12 ،‬وانظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،218/4 ،‬والشرح الكبير‪ ،170/2 ،‬والشرح‬
‫الممتع البن عثيمين‪ ،22/2 ،‬وحاشية ابن قاسم مع الروض المربع‪. 323/2 ،‬‬
‫(‪ ) 3‬سورة الجمعة‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫عليه الجمعة ولو كان بينه وبينها فراسخ(‪ ،)1‬ولو لم يسمع النداء؛ ألن‬
‫البلد كالشيء الواحد(‪.)2‬‬
‫‪ - 8‬انتفاء األعذار‪ ،‬فإذا كان من توفرت فيه شروط الجمعة غير‬
‫معذور وجبت عليه‪ ،‬أما إذا كان معذور ًا فال تجب عليه الجمعة‪ ،‬وقد‬
‫ذكرت هذه األعذار بأدلتها في آخر صالة الجماعة(‪ ،)3‬وهذه الشروط‬
‫تنقسم إلى أربعة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬شرط للصحة واالنعقاد‪،‬وهو‪ :‬اإلسالم والعقل‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬شروط للوجوب واالنعقاد‪ ،‬وهي‪ :‬الحرية على قول‪،‬‬
‫والذكورية‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬واالستيطان‪.‬‬
‫القسم الثالث‪:‬شرط لوجوب السعي فقط‪،‬وهو انتفاء األعذار‪.‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬شرط االنعقاد‪ :‬وهو اإلقامة بمكان الجمعة على قول(‪.)4‬‬
‫رابعاً‪:‬من حضر الجمعة ممن ال تجب عليه من المسلمين العقالء‪ ،‬أجزأته‬
‫عن الظهر‪ ،‬وانعق ـدت به‪ ،‬وص ـ ّح أن يؤم فيها على الصحيح؛ إال المرأة‪ ،‬فال‬
‫يصح أن تكون خطيباً وال إماماً‪ ،‬وال تنعقد بها الجمعة‪ :‬أي ال تحسب من‬
‫العدد الذي تصح به صالة الجمعة‪ ،‬ولكن لو حضرتها أجزأتها عن صالة‬
‫الظهر‪ ،‬قال ابن المنذر ‪ -‬رحمه اهلل ‪(( :-‬وأجمعوا على أنهن إذا حضرن اإلمام‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تقدم غير مرة‪ :‬أن الفرسخ ثالثة أميال‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬اإلنصاف للمرداوي‪ ،130/2 ،‬والمغني البن قدامة‪ ،233/4 ،‬والشرح الكبير البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ،130/2‬والروض المربع مع حاشية ابن قاسم‪ ،323-218/2 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪،‬‬
‫‪ ،11-7/2‬وصحيح البخاري‪ ،‬رقم ‪. 102‬‬
‫(‪ )3‬وقد سبق أن األعذار التي تسقط بها الجمعة والجماعة ثمانية أشياء‪ :‬المرض‪ ،‬والخوف على‬
‫النفس أو المال أو العرض‪ ،‬والمطر‪ ،‬والدحض‪ ،‬والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة‪،‬‬
‫وحضور الطعام والنفس تتوق إليه‪ ،‬ومدافعة أحد األخبثين‪ ،‬وأن يكون له قريب يخاف موته وال‬
‫يحضره‪ ،‬وتقدمت األدلة على ذلك في األعذار المسقطة لصالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الكافي البن قدامة‪. 371-378/1 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)2( )1‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬‫فصلين معه أن ذلك يجزئ عنهن‬
‫خامساً‪ :‬عقوبة تارك صالة الجمعة عظيمة؛ لحديث عبد اهلل بن‬
‫مسعود ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال لقوم يتخلفون عن الجمعة‪(( :‬لقد هممت أن‬
‫آمر رجالً يصلي بالناس ثم أُحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة‬
‫ّ‬
‫بيوتهم))(‪ ،)3‬ولحديث أبي هريرة وابن عمر ‪ ‬أنهما سمعا رسول اهلل ‪‬‬
‫ليختمن اهلل على قلوبهم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الجمعات أو‬ ‫عن‪)4‬ودعهم ُ‬ ‫لينتهين أقوام‬
‫َّ‬ ‫يقول‪(( :‬‬
‫(‬
‫ثم ليكونُ َّن من الغافلين)) ؛ ولحديث أبي الجعد الضمري ‪ ‬أن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬من ترك ثالث ُجمع تهاوناً بها طبع اهلل على قلبه))(‪.)5‬‬
‫سادساً‪ :‬حكم السفر في يوم الجمعة لمن تلزمه‪ :‬ال يجوز إذا أذن‬
‫ودي‬‫المؤذن بعد دخول وقتها؛ لقول اهلل تعالى‪ :‬يا أَيها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َذا نُ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫الة ِمن َي ْو ِم الجمعة َف ْاس َع ْوا ِإ َلى ِذ ْكرِ اهلل َو َذ ُروا ا ْلبي َع َذ ِل ُكم َخير لَّ ُكم إِن‬ ‫ِللص ِ‬
‫َّ‬
‫ْ ٌْ ْ‬ ‫َْ‬ ‫(‪)1()6‬‬
‫إال إذا خاف فوات رفقته‪ ،‬فإن خاف فواتهم فله أن‬ ‫ون‪‬‬
‫ُك ُنت ْم َت ْع َل ُم َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلجماع البن المنذر‪ ،‬ص‪. 33‬‬
‫(‪ )2‬اختلف أهل العلم في إمامة المسافر في صالة الجمعة‪ ،‬وكذلك إمامة المملوك‪ ،‬فقال قوم ال يؤم‬
‫المسافر وال المملوك في صالة الجمعة‪ ،‬وال يعتبر بهما في العدد المشروط‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬بل تصح إمامتهما‬
‫ويعتبر بهما في العدد المشروط‪ ،‬واختار شيخ اإلسالم أن العبد والمسافر تنعقد بهما الجمعة‪ ،‬وتصح إمامتهما؛ ألن‬
‫من صحت منه انعقدت به‪ ،‬وصحت إمامته‪ .‬نقله ابن قاسم في حاشية الروض‪ 327/2 ،‬وبين أن إمامة المرأة‬
‫والخنثى ال تصح بال نزاع‪ ،‬وأما إمامة العبد والمسافر فتجوز وفاقاً إال مالك ًا في العبد‪ ،‬وجمهور العلماء على‬
‫خالفه‪ ،‬ونقل أبو حامد إجماع المسلمين على صحتها خلف المسافر‪ ،‬حاشية ابن قاسم على الروض المربع‪،‬‬
‫‪ ،327/2‬وذكر المرداوي أن من حضرها منهم أجزأته عن الظهر بال نزاع‪ ،‬وذكر رواية عن اإلمام أحمد أن صالة‬
‫الجمعة تنعقد بالعبد ويؤم فيها‪ ،‬وقال في الصبي المميز إن قلنا تجب عليه انعقدت به وأم فيها‪ .‬انظر اإلنصاف‪،‬‬
‫‪ ،173-174/2‬والمغني‪ ،220/4 ،‬والشرح الكبير‪،174/2 ،‬ورجح العالمة ابن عثيمين أن الصحيح أن الجمعة‬
‫تنعقد بالمسافر والعبد ويصح أن يكونوا أئمة وخطباء؛ ألن القول بعدم صحة ذلك ال دليل عليه‪ .‬الشرح الممتع‪،‬‬
‫‪. 24/2‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪،‬كتاب المساجد‪،‬باب فضل صالة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها‪ ،‬برقم ‪. 322‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،832‬وتقدم تخريجه في األصل في وجوب صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،1022‬والنسائي‪ ،‬برقم ‪ ،1470‬والترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،200‬وتقدم تخريجه في األصل‬
‫في وجوب الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )6‬سورة الجمعة‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬
‫‪550‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫يسافر؛ ألن هذا عذر في ترك الجمعة نفسها‪ ،‬فكذلك يكون عذر ًا في السفر‬
‫بعد دخول وقت الجمعة بعد الزوال‪.‬‬
‫وكذلك يجوز له السفر إذا كان يمكنه أن يأتي بصالة الجمعة في‬
‫طريقه في مسجد آخر من غير كراهة(‪ ،)2‬واهلل ‪ ‬أعلم(‪.)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫(‪ )1‬يعبر الفقهاء بقولهم‪(( :‬ال يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد الزوال)) المغني البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ،237/4‬والشرح الكبير‪ ،182/2 ،‬والمقنع‪ ،182/2 ،‬ولكن قال العالمة ابن عثيمين‪(( :‬األولى أن يعلق‬
‫الحكم بما علقه اهلل به وهو النداء إلى الجمعة؛ ألنه من الجائز أن يتأخر اإلمام عن الزوال… فال ينادى‬
‫للجمعة إال عند حضور اإلمام‪ ،‬ولكن الغالب أن اإلمام يحضر إذا زالت الشمس)) الشرح الممتع‪،‬‬
‫‪. 40-21/2‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف‪،‬للمرداوي‪،1820182/2،‬والشرح الممتع‪. 40/2،‬‬
‫(‪ )3‬اختلف العلماء في جواز السفر يوم الجمعة على أقوال‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اختلفوا في جوازه من طلوع الفجر إلى الزوال على خمسة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪:‬الجواز‪،‬وهو قول أكثر العلماء‪،‬كعمر بن الخطاب‪،‬والزبير بن العوام‪،‬وأبي عبيدة‪ ،‬وابن‬
‫عمر‪،‬والحسن‪،‬وابن سيرين‪،‬والزهري‪،‬وأبي حنيفة‪،‬ومالك في المشهور عنه‪،‬واألوزاعي‪ ،‬وأحمد بن‬
‫حنبل في المشهور عنه‪،‬وهو القول القديم للشافعي‪،‬وحكاه ابن قدامة عن أكثر أهل العلم‪.‬‬
‫القول الثاني‪:‬المنع منه‪،‬وهو قول الشافعي في الجديد‪،‬ورواية عن أحمد‪،‬ورواية عن مالك‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬جواز السفر للجهاد دون غيره‪ ،‬وهو رواية عن أحمد‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬جواز السفر الواجب دون غيره‪ ،‬وهو اختيار أبي إسحاق المروزي من الشافعية‪،‬‬
‫ومال إليه إمام الحرمين‪.‬‬
‫القول الخامس‪:‬جواز سفر الطاعة واجباً كان أو مسنوناً‪،‬وهو قول كثير من الشافعية‪،‬وصححه الرافعي‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬اختلفوا في جواز السفر يوم الجمعة بعد الزوال‪ ،‬فذهب أبو حنيفة واألوزاعي إلى جوازه‬
‫كسائر الصلوات‪ ،‬وقال عامة العلماء بعدم جوازه وفرقوا بين الجمعة وغيرها‪ .‬والصواب في ذلك‬
‫إن شاء اهلل تعالى أن السفر يوم الجمعة ال يجوز بعد األذان الذي بعد دخول وقت الجمعة إال أن‬
‫يخشى حصول مضرة من تخلفه للجمعة‪ :‬كاالنقطاع عن الرفقة التي ال يتمكن من السفر إال معها‪،‬‬
‫وما شابه ذلك من األعذار‪ ،‬وقد جاز التخلف عن الجمعة لعذر المطر الشاق فجوازه لما كان‬
‫أدخل في المشقة منه أولى‪ .‬وكذلك يجوز السفر بعد الزوال إذا تيقن أن يأتي بصالة الجمعة في‬
‫طريقه في مسجد آخر‪ ،‬واهلل أعلم‪ .‬انظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪ ،314-312/2 ،‬وزاد المعاد البن‬
‫القيم‪ ،482-482/1 ،‬والمغني البن قدامة‪ ،238-237/4 ،‬والمقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف‪،‬‬
‫‪ ،182/2‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪. 340/2 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪556‬‬
‫سابعاً‪ :‬فضائل يوم الجمعة‪،‬له فضائل كثيرة‪،‬منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬هداية هذه األمة ليوم الجمعة فضل عظيم؛ لحديث أبي هريرة ‪‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬نحن اآلخرون السابقون يوم القيامة بيد(‪ )1‬أنهم‬
‫أُوتوا الكتاب من قبلنا‪ ،‬ثم هذا يومهم الذي فرض اهلل عليهم اختلفوا‬
‫فيه‪ ،‬فهدانا اهلل له‪ ،‬فالناس لنا فيه تبع‪ :‬اليهود غداً‪ ،‬والنصارى بعد ٍ‬
‫غد))‬

‫وفي لفظ للبخاري‪(( :‬نحن اآلخرون السابقون يوم القيامة بيد كل أمة‬
‫أ ُوتوا الكتاب من قبلنا وأ ُوتيناه من بعدهم ‪ ))...‬ولفظ مسلم‪(( :‬نحن‬
‫اآلخرون األولون يوم القيامة‪ ،‬ونحن أول من يدخل الجنة‪ ،‬بيد أنهم‬
‫أُوتوا الكتاب من قبلنا وأُوتيناه من بعدهم‪ ،‬فاختلفوا فهدانا اهلل ِل َما‬
‫اختلفوا فيه من الحق‪ ،‬فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا اهلل له ‪ -‬قال‬
‫يوم الجمعة(‪ -)2‬فاليوم لنا‪ ،‬وغداً لليهود‪ ،‬وبعد غد للنصارى))(‪ .)3‬وقد‬
‫أضل اهلل عن‬ ‫فسرته الرواية األخرى عند مسلم من حديث حذيفة ‪ّ (( ‬‬
‫الجمعة من كان قبلنا‪ ،‬فكان لليهود يوم السبت‪،‬وكان للنصارى يوم‬
‫األحد‪ ،‬فجاء اهلل بنا فهدانا اهلل ليوم الجمعة‪،‬فجعل الجمعة‪ ،‬والسبت‪،‬‬
‫واألحد‪ ،‬وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة‪ ،‬نحن اآلخرون من أهل الدنيا‪،‬‬
‫واألولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخالئق))‪.‬وفي رواية واصل‪:‬‬
‫ُّ‬
‫((المقضي بينهم))(‪.)4‬‬
‫‪ - 2‬يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس؛ لحديث أبي هريرة‬
‫‪‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة‪:‬‬
‫فيه ُخ ِل َق آدم‪ ،‬وفيه أ ُ ْد ِخ َل الجنة‪ ،‬وفيه أ ُ ْخرِ َج منها‪ ،‬وال تقوم الساعة إال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بيد أنهم ‪ :‬أي غير أنهم؛ فإن بيد تأتي‪ :‬بمعنى غير‪ ،‬وبمعنى على‪ ،‬وبمعنى من أجل‪ .‬وقيل‪ :‬ميد‬
‫بمعنى غير أيضاً‪ .‬انظر‪ :‬المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪ ،‬للقرطبي‪. 311/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬قال‪ :‬أي قال الراوي‪ ،‬ويفسره ما في النسائي‪(( :‬يعني يوم الجمعة))‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب فرض الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،873‬ورقم ‪،4383‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الجمعة‪،‬باب هداية اهلل هذه األمة ليوم الجمعة‪،‬برقم ‪. 822‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب هداية اهلل هذه األمة ليوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪. 823‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫في يوم الجمعة))(‪ ،)1‬ولفظ أبي داود‪(( :‬خير يوم طلعت فيه الشمس يوم‬
‫الجمعة‪ :‬فيه ُخ ِلق آدم‪ ،‬وفيه أُهبط‪ ،‬وفيه ِتيب عليه‪ ،‬وفيه مات‪ ،‬وفيه تقوم‬
‫الساعة‪ ،‬وما من دابة إال وهي مسيخة(‪ )2‬يوم الجمعة من حين تصبح حتى‬
‫تطلع الشمس شفقاً من الساعة‪ ،‬إال الجن واإلنس‪ ،‬وفي ساعة ال يصادفها‬
‫عبد مسلم وهو يصلي يسأل اهلل حاجة إال أعطاه إياها)) قال كعب‪ :‬ذلك‬
‫في كل سنة يوم؟ فقلت‪ :‬بل في كل جمعة‪ ،‬قال‪ :‬فقرأ كتب التوراة فقال‪:‬‬
‫صدق النبي ‪ ،‬قال أبو هريرة‪ :‬ثم لقيت عبد اهلل بن سالم فحدثته‬
‫بمجلسي مع كعب‪،‬فقال عبد اهلل بن سالم‪:‬قد علمت أي ساعة هي! قال‬
‫أبو هريرة‪:‬فقلت له‪:‬أخبرني بها؟ فقال عبد اهلل بن سالم‪:‬هي آخر ساعة من‬
‫يوم الجمعة‪،‬فقلت‪:‬كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول‬
‫اهلل ‪((:‬ال يصادفها عبد مسلم وهو يصلي)) وتلك الساعة ال يُص َّلى فيها؟‬
‫فقال عبد اهلل بن سالم‪:‬ألم يقل رسول اهلل ‪((:‬من جلس مجلساً ينتظر‬
‫الصالة فهو في صالة حتى يصلي)) قال‪:‬فقلت‪ :‬بلى‪،‬قال‪ :‬هو ذاك))(‪.)3‬‬
‫‪ - 4‬يوم الجمعة سيد األيام؛ لحديث أبي لبابة بن عبد المنذر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال النبي ‪(( :‬إن يوم الجمعة سيد األيام‪ ،‬وأعظمها عند اهلل‪ ،‬وهو أعظم‬
‫عند اهلل من يوم األضحى‪ ،‬ويوم الفطر‪ ،‬فيه خمس خالل‪ :‬خلق اهلل فيه‬
‫آدم‪ ،‬وأُهبط فيه آدم إلى األرض‪ ،‬وفيه َتو َّفى اهلل آدم‪ ،‬وفيه ساعة ال يسأل‬
‫العبد شيئاً إال أعطاه ما لم يسأل حراماً‪ ،‬وفيه تقوم الساعة‪ ،‬ما‬
‫ُ‬ ‫اهلل فيها‬
‫َ‬
‫من ملك مقرب وال سماء وال أرض‪ ،‬وال رياح‪ ،‬وال جبال‪ ،‬وال بحر إال‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب في الساعة التي يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪. 823‬‬
‫(‪ )2‬مسيخة‪ ،‬وروي مصيخة‪ ،‬والسين بدالً من الصاد‪ ،‬ومعناهما‪ :‬منتظرة لقيام الساعة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة‪ ،‬رقم ‪ ،1033‬واللفظ له‪،210/1 ،‬‬
‫والترمذي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما جاء في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪،311‬‬
‫والنسائي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ذكر الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪،1321‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح أبي داود‪ ،210/1 ،‬وصحيح الترمذي‪ 278/1 ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫وهن يشفقن من يوم الجمعة‬
‫‪ - 3‬يوم الجمعة أفضل األيام؛ لحديث أوس بن أوس ‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪(( :‬إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه ُخ ِلق آدم‪ ،‬وفيه‬
‫ِض‪ ،‬وفيه النفخة‪ ،‬وفيه الصعقة‪ ،‬فأكثروا علي من الصالة فيه؛ فإن‬ ‫ُقب َ‬
‫َّ‬
‫صالتكم معروضة علي))‪ .‬قال‪ :‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل! وكيف ُتعرض‬
‫َّ‬
‫صالتنا عليك وقد َأر ْم َت؟ ‪ -‬يقولون‪ :‬بليت ‪ -‬فقال‪(( :‬إن اهلل حرم على‬
‫َّ‬
‫األرض أن تأكل أجساد األنبياء))(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬يوم الجمعة عيد األسبوع‪ ،‬ويوم المزيد ألهل الجنة؛ لحديث أنس بن‬
‫مالك ‪ ‬قال‪ :‬عرضت الجمعة على رسول اهلل ‪ ،‬جاء جبريل في كفه‬
‫كالمرآة البيضاء‪ ،‬في وسطها كالنكتة السوداء‪ ،‬فقال‪(( :‬ما هذه يا جبريل))؟‬
‫قال‪ :‬هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولقومك من بعدك‪،‬‬
‫ولكم فيها خير‪ ،‬تكون أنت األول‪ ،‬ويكون اليهود والنصارى من بعدك‪،‬‬
‫وفيها ساعة ال يدعو أحد ربه بخير هو ِق ْسم إال أعطاه‪ ،‬أو يتعوذ من شر إال‬
‫ٌ‬
‫دفع عنه ما هو أعظم منه‪ ،‬ونحن ندعوه في اآلخرة يوم المزيد‪ ،‬وذلك أن‬
‫ربك اتخذ في الجنة وادي ًا أفيح من مسك أبيض‪ ،‬فإذا كان يوم الجمعة نزل‬
‫وح ّف الكرسي بمنابر من نور‪ ،‬فجلس‬ ‫من عليين فجلس على كرسيه‪ُ ،‬‬
‫وح َّف المنابر بكراسي من ذهب مكللة بالجواهر‪ ،‬وجاء‬ ‫عليها النبيون‪ُ ،‬‬
‫الصديقون والشهداء‪ ،‬فجلسوا عليها‪ ،‬وجاء أهل الغرف من غرفهم حتى‬
‫يجلسوا على الكثيب وهو كثيب أبيض من مسك أذفر‪ ،‬ثم يتج َّلى لهم ذو‬
‫الجالل واإلكرام‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا الذي صدقتكم وعدي‪ ،‬وأتممت عليكم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصالة والسنة فيها‪ ،‬باب فضل يوم الجمعة‪ ،1083 ،‬وأحمد‪،340/4 ،‬‬
‫وحسنه األلباني في صحيح ابن ماجه‪ ،421/1 ،‬ومشكاة المصابيح‪. 300/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1037‬والنسائي‪ ،‬كتاب‬
‫الجمعة‪ ،‬باب إكثار الصالة على النبي ‪ ‬يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1474‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة‬
‫الصالة‪ ،‬باب فضل الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ، 1082‬وصححه األلباني في صحيح أبي داود‪،210/1 ،‬‬
‫وصحيح ابن ماجه‪ ،422/1 ،‬وصحيح النسائي‪. 334/1 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫نعمتي‪ ،‬وهذا محل كرامتي فسلوني‪ ،‬فيسألونه الرضى‪[،‬فيقول‪:‬رضاي‬


‫أحلكم داري‪،‬وأنالكم كرامتي‪ ،‬فسلوني‪،‬فيسألونه الرضا] فيشهد عليهم على‬
‫عين‪،‬ولم يخطر [على] قلب بشر‪،‬إلى مقدار‬ ‫الرضا ثم يفتح لهم ما لم َتر ٌ‬
‫منصرفهم من الجمعة‪ ،‬وهي زبرجدة خضراء‪ ،‬أو ياقوتة حمراء‪ُ ،‬م َّطرِ دة فيها‬
‫أنهارها متدلية فيها ثمارها‪ ،‬فيها أزواجها وخدمها‪ ،‬فليس هم في الجنة‬
‫بأشوق منهم إلى يوم الجمعة‪ ،‬ليزدادوا نظراً إلى ربهم ‪ ‬وكرامته‪ ،‬ولذلك‬
‫دعي يوم المزيد))(‪.)1‬‬
‫وعن أنس ‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل‬
‫جمعة‪ ،‬فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم‪ ،‬فيزدادون حسناً‬
‫وجماالً‪ ،‬فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجماالً‪ ،‬فيقول لهم‬
‫أهلوهم‪ :‬واهلل لقد ازددتم بعدنا حسناً وجماالً‪ ،‬فيقولون‪ :‬وأنتم واهلل لقد‬
‫ازددتم بعدنا حسناً وجماالً))(‪ .)2‬قال اإلمام القرطبي رحمه اهلل تعالى‪:‬‬
‫((وسمي سوق ًا؛ لقيام الناس فيها على ساق‪ ،‬وقيل‪ :‬لسوق الناس‬
‫بضائعهم إليها‪ ،‬فيحتمل أن يكون سوق الجنة عبارة عن مجتمع أهل‬
‫وسمي سوق ًا بالمعنى األول‪ ،‬ويؤيد هذا أن أهل‬‫ّ‬ ‫الجنة‪ ،‬ومحل تزاورهم‪،‬‬
‫الجنة ال يفقدون شيئاً حتى يحتاجوا إلى شرائه من السوق‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون سوق ًا مشتمالً على محاسن ومشتهيات مستلذات تجتمع هنالك‬
‫محسنة‪ ،‬كما تجتمع في األسواق‪ ،‬حتى إذا جاء أهل الجنة فرأوها‬ ‫َّ‬ ‫مرتبة‪،‬‬
‫فمن اشتهى شيئاً وصل إليه من غير مبايعة وال معاوضة‪ ،‬ونعيم الجنة‬
‫وخص يوم الجمعة بذلك لفضيلته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وخيرها أعظم وأوسع من ذلك كله‪،‬‬
‫خصه اهلل تعالى به من األمور التي تقدم ذكرها؛ وألنه يوم المزيد‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ول َما ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في األوسط [مجمع البحرين في زوائد المعجمين‪ ،‬برقم ‪،3871‬‬
‫‪ ،123/8‬وبرقم ‪ 133‬مختصراً‪ ،]117/2 ،‬قال المنذري في الترغيب والترهيب‪(( :‬رواه الطبراني في‬
‫األوسط بإسناد جيد))‪ ،‬وقال األلباني في صحيح الترغيب والترهيب‪(( :342/1 ،‬حسن صحيح))‪،‬‬
‫وقال في موضع آخر في صحيح الترغيب والترهيب‪(( :222/4 ،‬حسن لغيره))‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪،‬كتاب الجنة ونعيمها‪،‬باب في سوق الجنة وما ينالون فيها من النعيم والجمال‪،‬برقم ‪.2844‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫أي الذي يُو َّفى لهم ما ُو ِعدوا من الزيادة‪ ،‬وأيام الجنة تقديرية إذ ال ليل‬
‫هناك وال نهار‪ ،‬وإنما هناك أنوار متوالية ال ظلمة معها))(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬يوم الجمعة فيه ساعة إجابة الدعوات؛ لحديث أبي هريرة ‪‬‬
‫قال‪ :‬قال أبو القاسم ‪(( :‬إن في الجمعة لساعة ال يوافقها [عبد] مسلم‬
‫زهدها‪.‬وفي‬
‫قائم يصلي يسأل اهلل خيراً إال أعطاه إياه)) وقال بيده يُ َق ّل ُلها يُ ّ‬
‫لفظ للبخاري‪ :‬وأشار بيده يقللها‪.‬وفي رواية لمسلم‪((:‬وهي ساعة‬
‫خفيفة))(‪.)2‬‬
‫وقد اختلف الناس في تعيين ساعة اإلجابة يوم الجمعة أي ساعة‬
‫هي(‪)3‬؟ قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى‪(( :‬وأرجح هذه األقوال‬
‫قوالن تضمنتهما األحاديث الثابتة وأحدهما أرجح من اآلخر))(‪ ،)4‬ثم‬
‫ذكر أنها من جلوس اإلمام إلى انقضاء الصالة‪ ،‬والقول اآلخر‪ :‬أنها آخر‬
‫ساعة بعد العصر(‪ ،)5‬والقوالن تفصيالً على النحو اآلتي‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬إنها من جلوس اإلمام على المنبر إلى انقضاء الصالة‪،‬‬
‫وحجة هذا القول؛ حديث أبي بردة بن أبي موسى األشعري‪ ،‬قال‪ :‬قال لي‬
‫عبد اهلل بن عمر‪ :‬أسمعت أباك يحدث عن رسول اهلل ‪ ‬في شأن ساعة‬
‫الجمعة؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬سمعته يقول‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬هي ما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المفهم ِل َما أشكل من تلخيص مسلم‪. 178/7 ،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب الساعة التي في يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،142‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫باب في الساعة التي في يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪. 822‬‬
‫الجمعة‪ٌ ،‬‬
‫(‪ )3‬ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري‪:321-313/2،‬ثالثة وأربعين قوالً في اختالف العلماء في‬
‫ساعة الجمعة‪ ،‬ثم قال‪(( :‬وال شك أن أرجح األقوال المذكورة حديث أبي موسى وحديث عبد اهلل بن‬
‫سالم… وقد اختلف السلف أيهما أرجح))‪ .‬ثم بين أن أكثر العلماء كأحمد وغيره رجحوا أنها‬
‫ّ‬
‫آخر ساعة من يوم الجمعة‪ ،‬ثم مال ابن حجر في آخر كالمه إلى قول ابن القيم أن اإلجابة ترجى‬
‫في ساعة الصالة أيضاً‪ ،‬فكالهما ساعة إجابة‪ ،‬وإن كان الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد‬
‫العصر‪ .‬انظر‪ :‬الفتح‪. 322-313/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬زاد المعاد البن القيم‪. 410-481/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،410/1 ،‬وشرح النووي على صحيح مسلم‪. 488/3 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫بين أن يجلس اإلمام إلى أن تقضى الصالة))(‪.)1‬‬


‫القول الثاني‪ :‬إن ساعة اإلجابة في يوم الجمعة آخر ساعة بعد العصر‪،‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم‪(( :‬وهذا أرجح القولين وهو قول‪ :‬عبد اهلل بن سالم‪،‬‬
‫وأبي هريرة‪ ،‬واإلمام أحمد‪ ،‬وخلق))(‪ ،)2‬وحجة هذا القول أحاديث كثير‪،‬‬
‫منها‪ ،‬حديث جابر ‪ ‬عن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬يوم الجمعة اثنتا عشرة‬
‫ساعة [فيها ساعة] ال يوجد فيها عبد مسلم يسأل اهلل شيئاً إال آتاه إياه‪،‬‬
‫فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر))(‪ ،)3‬وحديث عبد اهلل بن سالم قال‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب في الساعة التي في يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،824‬قال الحافظ ابن حجر في‬
‫بلوغ المرام (‪(( :)388‬ورجح الدارقطني أنه من قول أبي بردة))‪ ،‬قال النووي‪(( :‬هذا الحديث مما‬
‫استدركه الدارقطني على مسلم‪ ،‬وقال‪ :‬لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة‪ ،‬ورواه جماعة‬
‫عن أبي بردة من قوله‪ ،‬ومنهم من ب لغ به أبا موسى ولم يرفعه‪ ،‬قال‪[ :‬القائل الدارقطني]‪:‬‬
‫(( والصواب أنه من قول أبي بردة‪ ،‬كذلك رواه يحيى القطان عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي‬
‫بردة وتابعه واصل األحدب ومخالد روياه عن أبي بردة من قوله‪ ،‬وقال النعمان بن عبد السالم عن‬
‫الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه موقوف وال يثبت قوله عن أبيه‪ ،‬وقال أحمد بن‬
‫حنبل عن حماد بن خالد‪ :‬قلت لمخرمة سمعت من أبيك شيئاً؟ قال‪ :‬ال‪ .‬هذا كالم الدارقطني‪.‬‬
‫وهذا الذي استدركه [القائل النووي] بناه على القاعدة المعروفة له وألكثر المحدثين أنه إذا‬
‫تعارض في رواية الحديث‪ :‬وقف ورفع‪ ،‬أو إرسال واتصال حكموا بالوقف واإلرسال‪ ،‬وهي‬
‫قاعدة ضعيفة ممنوعة‪ ،‬والصحيح طريقة األصوليين‪ ،‬والفقهاء‪ ،‬والبخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬ومحققي‬
‫المحدثين أنه يحكم بالرفع واالتصال؛ ألنها زيادة ثقة‪ ،‬وقد سبق التنبيه على مثل هذا في الفصول‬
‫السابقة في مقدمة الكتاب‪ ،‬وسبق التنبيه على مثل هذا في مواضع أخرى بعدها‪ ،‬وقد روينا في‬
‫سنن البيهقي عن أحمد بن سلمة قال‪ :‬ذاكرت مسلم بن الحجاج حديث مخرمة هذا فقال مسلم‪:‬‬
‫هو أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة)) انتهى كالم النووي رحمه اهلل‪ .‬شرح النووي على‬
‫صحيح مسلم‪ ، 410/3 ،‬وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز يقول عن حديث أبي بردة عن أبي موسى‬
‫أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪(( :388‬القاعدة أن زيادة الثقة مقبولة‪ ،‬وهذا ما ال يقال‬
‫بالرأي فال يمنع أن يكون مرفوعاً))‪ ،‬وسمعته يقول أثناء تقريره على صحيح مسلم‪ ،‬الحديث رقم‬
‫‪(( :824‬والصواب مع مسلم‪ ،‬فإن زيادة الثقة مقبولة‪ ،‬وهو صحيح مرفوعاً))‪.‬‬
‫(‪ )2‬زاد المعاد البن القيم‪. 410/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه النسائي بلفظه‪،‬كتاب الجمعة‪،‬باب وقت الجمعة‪،‬برقم ‪،1487‬وما بين المعقوفين من السنن‬
‫الكبرى له‪،1317/223/1 ،‬وأبو داود‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب اإلجابة‪،‬أية ساعة هي في يوم الجمعة‪،‬برقم‬
‫‪،1038‬والحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪،271/1،‬وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري‪،‬‬
‫‪ ،320/2‬وصححه األلباني في صحيح النسائي‪،338/1،‬وفي صحيح أبي داود‪. 210/1 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫قلت ‪ -‬ورسول اهلل ‪ ‬جالس ‪ :-‬إننا لنجد في كتاب اهلل تعالى في يوم‬
‫الجمعة ساعة ال يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل اهلل فيها شيئاً إال قضى‬
‫له حاجته‪ .‬قال عبد اهلل‪ :‬فأشار إلي رسول اهلل ‪(( :‬أو بعض ساعة))‬
‫َّ‬
‫فقلت‪ :‬صدقت‪ ،‬أو بعض ساعة‪ .‬قلت‪ :‬أي ساعة هي؟ قال‪(( :‬هي آخر‬
‫ساعات النهار)) قلت‪:‬إنها ليست ساعة صالة؟ قال‪((:‬بلى‪،‬إن العبد المؤمن‬
‫إذا صلى ثم جلس ال يحبسه إال الصالة فهو في صالة))(‪)1‬؛ ولحديث‪:‬‬
‫((التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة‬
‫الشمس))(‪)2‬؛ ولحديث أبي سعيد‪ ،‬وأبي هريرة رضي اهلل عنهما (‪ ،)3‬وحديث أبي‬
‫هريرة عن عبد اهلل بن سالم من قوله‪ ،‬وفيه مناظرة أبي هريرة له في‬
‫ذلك‪ ،‬واحتجاج عبد اهلل بن سالم بأن منتظر الصالة في صالة(‪ ،)4‬قال‬
‫الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح‬
‫إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناساً من أصحاب رسول اهلل ‪‬‬
‫اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة‬
‫من يوم الجمعة))(‪ ،)5‬واهلل الموفق(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن ماجه‪،‬كتاب إقامة الصالة‪،‬باب ما جاء في الساعة التي ترجى في الجمعة‪،‬برقم ‪،1141‬وقال العالمة‬
‫األلباني في صحيح ابن ماجه‪((:447/1،‬حسن صحيح)) وكذلك في مشكاة المصابيح‪ ،‬برقم ‪. 1421‬‬
‫(‪ ) 2‬الترمذي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما جاء في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة‪ ،‬وحسنه األلباني في‬
‫صحيح الترمذي‪ ،277/1 ،‬وفي صحيح الترغيب‪. 248/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬أحمد في المسند‪ ،272/2 ،‬ويشهد له حديث جابر السابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪،1033‬والترمذي‪،‬برقم ‪ ،311‬والنسائي‪ ،‬برقم ‪ ،1321‬واإلمام مالك في الموطأ‪،‬‬
‫‪ ، 184 ،182/1‬وصححه األلباني‪ ،‬وتقدم تخريجه في يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس‪.‬‬
‫(‪ )5‬نقالً عن فتح الباري البن حجر‪ ،321/2 ،‬وزاد المعاد البن القيم‪. 411/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬وذكر الحافظ أن كثيراً من األئمة رجحوا هذا القول كأحمد وإسحاق‪ ،‬ومن المالكية الطرطوشي‪،‬‬
‫وحكى العالئي أن شيخه ابن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص‬
‫الشافعي‪ ،‬وأجابوا عن كونه ليس في أحد الصحيحين بأن الترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما‬
‫إنما هو حيث ال يكون مما انتقده الحفاظ‪ :‬كحديث أبي موسى هذا فإنه أُعل باالنقطاع‬
‫واالضطراب‪ .‬أما االنقطاع؛ فألن مخرمة لم يسمع من أبيه‪ ،‬قاله أحمد عن حماد بن خالد عن‬
‫مخرمة نفسه‪ ،‬وكذا قال سعيد بن أبي مريم عن موسى بن سلمة عن مخرمة‪ ،‬وزاد إنما هي كتب‬
‫=‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫وقال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى‪((:‬وروى سعيد بن جبير‪،‬عن ابن‬
‫عباس ‪ ، ‬قال‪:‬الساعة التي تذكر يوم الجمعة ما بين صالة العصر إلى‬
‫غروب الشمس‪ .‬وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلم أحداً‬
‫حتى تغرب الشمس‪ ،‬وهذا قول أكثر السلف وعليه أكثر األحاديث‪.‬‬
‫ويليه القول بأنها ساعة الصالة وبقية األقوال ال دليل عليها))(‪.)1‬‬
‫قال ابن القيم‪((:‬وعندي أن ساعة الصالة ساعة ُترجى فيها اإلجابة‬
‫أيضاً‪ ،‬فكالهما ساعة إجابة‪،‬وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر‬
‫ساعة بعد العصر فهي ساعة معينة من اليوم ال تتقدم وال تتأخر‪،‬وأما‬
‫ساعة الصالة فتابعة للصالة تقدمت أو تأخرت؛ ألن الجتماع‬
‫المسلمين‪ ،‬وصالتهم‪ ،‬وتضرعهم‪،‬وابتهالهم إلى اهلل تعالى تأثير ًا في‬
‫اإلجابة‪،‬فساعة اجتماعهم ساعة ترجى فيها اإلجابة‪ ،‬وعلى هذا تتفق‬
‫األحاديث كلها ‪.)2())...‬‬
‫وقال رحمه اهلل‪(( :‬وهذه الساعة هي آخر ساعة بعد العصر‪ ،‬يُ َعظّ ُمها‬
‫جميع أهل الملل‪ ،‬وعند أهل الكتاب هي ساعة اإلجابة‪ ،‬وهذا مما‬
‫عرض لهم في تبديله وتحريفه‪ ،‬وقد اعترف به مؤمنهم))(‪.)3‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول عند بيانه لفضل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫كانت عندنا‪ ،‬وقال علي بن المديني‪ :‬لم أسمع أحداً من أهل المدينة يقول عن مخرمة إنه قال في‬
‫شيء من حديثه سمعت أبي‪ ،‬وال يقال مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة‪ ،‬وهو‬
‫كذلك هنا؛ ألنا نقول وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه ٍ‬
‫كاف في دعوى االنقطاع‪.‬‬
‫وأما االضطراب فقد رواه أبو إسحاق وواصل األحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من‬
‫قوله‪ ،‬وهؤالء من أهل الكوفة‪ ،‬وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني‪ ،‬وهم عدد وهو‬
‫فت فيه برأيه بخالف المرفوع‪ ،‬ولهذا جزم‬ ‫واحد‪ ،‬وأيضاً فلو كان عن أبي بردة مرفوع ًا لم ي ِ‬
‫ُ‬
‫الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب)) فتح الباري‪. 322/2 ،‬‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪. 413/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪. 413/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق‪. 413/1 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫الجمعة‪(( :‬هذا يبين أنه ينبغي للمسلم أن يعتني بيوم الجمعة‪ ،‬ففيه ساعة‬
‫ال يوافقها عبد مسلم يدعو اهلل بشيء إال أعطاه إياه‪ ،‬وهي بعد العصر‪،‬‬
‫وربما تكون بعد جلوس اإلمام على المنبر‪ ،‬فإذا جاء اإلنسان وجلس‬
‫بعد العصر ينتظر المغرب ويدعو فهو حري باإلجابة‪ ،‬وكذلك بعد‬
‫صعود اإلمام على المنبر‪ ،‬فيدعو اإلنسان في سجوده‪ ،‬وجلوسه‪ ،‬فإنه‬
‫حري باإلجابة))(‪.)1‬‬
‫ٌّ‬
‫ثامناً‪ :‬فضائل صالة الجمعة كثيرة متعددة‪ ،‬منها ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬التبكير إليها من أعظم الصدقات والقربات العظيمة؛ لحديث أبي‬
‫هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم‬
‫راح فكأنما قرب بدنة‪ ،‬ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة‪،‬‬
‫ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن‪ ،‬ومن راح في الساعة‬
‫الرابعة فكأنما قرب دجاجة‪ ،‬ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب‬
‫بيضة‪ ،‬فإذا خرج اإلمام حضرت المالئكة يستمعون الذكر))(‪ .)2‬وعنه ‪‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من‬
‫أبواب المسجد مالئكة يكتبون األول فاألول‪ ،‬فإذا جلس اإلمام طووا‬
‫المهجر كمثل الذي يهدي‬ ‫ّ‬ ‫الصحف‪ ،‬وجاؤوا يستمعون الذكر‪ ،‬ومثل‬
‫البدنة‪ ،‬ثم كالذي يهدي بقرة‪ ،‬ثم كالذي يهدي الكبش‪ ،‬ثم كالذي يهدي‬
‫الدجاجة‪ ،‬ثم كالذي يهدي البيضة))‪ .‬ولفظ البخاري‪(( :‬إذا كان يوم الجمعة‬
‫المهجر‬
‫ّ‬ ‫وقفت المالئكة على باب المسجد يكتبون األول فاألول‪ ،‬ومثل‬
‫كمثل الذي يهدي بدنة‪ ،‬ثم كالذي يهدي بقرة‪ ،‬ثم كبشاً‪ ،‬ثم دجاجة‪ ،‬ثم‬
‫بيضة‪ ،‬ثم إذا خرج اإلمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر))(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على صحيح مسلم‪ ،‬الحديث رقم ‪. 824‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب فضل الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،881‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب‬
‫الطيب والسواك يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪. 820‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب االستماع إلى الخطبة يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،121‬ومسلم‪،‬‬
‫=‬
‫‪550‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫‪ - 2‬القائم بآداب صالة الجمعة يغفر له عشرة أيام؛ لحديث أبي‬


‫قدر‬
‫هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬من اغتسل‪ ،‬ثم أتى الجمعة‪ ،‬فصلى ما ّ‬
‫له‪ ،‬ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته‪ ،‬ثم يصلي معه‪ ،‬غفر له ما بينه وبين‬
‫الجمعة األخرى‪ ،‬وفضل ثالثة أيام))‪ .‬وفي رواية أخرى‪(( :‬من توضأ‬
‫فأحسن الوضوء‪ ،‬ثم أتى الجمعة‪ ،‬فاستمع وأنصت(‪ )1‬غفر له ما بين‬
‫مس الحصى فقد لغا))(‪ .)3( )2‬وعن‬ ‫الجمعة‪ ،‬وزيادة ثالثة أيام‪ ،‬ومن ّ‬
‫سلمان الفارسي ‪ ‬قال‪ :‬قال النبي ‪(( :‬ال يغتسل رجل يوم الجمعة‪،‬‬
‫ويتطهر ما استطاع من الطهر(‪ )4‬ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته‪،‬‬
‫ثم يخرج فال يفرق بين اثنين‪ ،‬ثم يصلي ما كتب لـه‪ ،‬ثم ينصت إذا تكلم‬
‫اإلمام إال غفر لـه ما بينه وبين الجمعة األخرى))(‪ .)5‬وعن أبي ذر ‪ ‬عن‬
‫النبي ‪ ‬قال‪(( :‬من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله‪ ،‬وتطهر فأحسن‬
‫طهوره‪ ،‬ولبس من أحسن ثيابه‪ ،‬ومس ما كتب اهلل لـه من طيب أهله‪ ،‬ثم‬
‫يلغ‪ ،‬ولم يفرق بين اثنين‪ُ ،‬غ ِفر لـه ما بينه وبين الجمعة‬
‫أتى الجمعة ولم ُ‬
‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫كتاب الجمعة‪ ،‬باب فضل التهجير يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ .)820(-23‬وسمعت شيخنا ابن باز يقول‬
‫أثناء تقريره على صحيح مسلم‪ ،‬الحديث رقم ‪(( :820‬والساعة األولى تبدأ من ارتفاع الشمس؛‬
‫ألن المصلي لـه أن يجلس بعد صالة الفجر إلى الشروق في المسجد))‪.‬‬
‫(‪ )1‬استمع وأنصت ‪ :‬هما شيئان متمايزان وقد يجتمعان‪ :‬فاالستماع اإلصغاء واإلنصات السكوت؛‬
‫نص ُتو ْا‪( ‬األعراف‪ ،)180 :‬شرح النووي‬ ‫ولهذا قال اهلل تعالى‪ :‬و ِإ َذا ُقرِ ىء ا ْل ُقرآ ُن َفاست ِمعو ْا لَه وأ َ ِ‬
‫ْ َ ُ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫على صحيح مسلم‪. 413/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬من مس الحصى فقد لغا ‪ :‬أي تكلم‪ ،‬واتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو‪ :‬ما ال يحسن من‬
‫الكالم‪ ،‬وقيل‪ :‬خبت من األجر‪ ،‬وقيل‪ :‬بطلت فضيلة جمعتك‪ ،‬وقيل‪ :‬صارت جمعتك ظهراً‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫فتح الباري البن حجر‪ ،313/2 ،‬والنهاية في غريب األثر البن األثير‪ ،228/3 ،‬وجامع األصول‬
‫لـه‪. 387/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة برقم ‪. 827‬‬
‫(‪ )4‬ويتطهر ما استطاع من الطهر‪ :‬المراد به المبالغة في التنظيف‪ ،‬أو المراد به التنظيف بأخذ الشارب‪ ،‬والظفر‪،‬‬
‫والعانة‪ ،‬أو المراد بالغسل غسل الجسد والتطهر غسل الرأس‪ ،‬وقوله‪((:‬ويدهن)) المراد به إزالة شعث‬
‫الرأس‪.‬فتح الباري البن حجر‪. 471/2،‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب الدهن للجمعة‪ ،‬برقم ‪. 884‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪556‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫األخرى‬
‫وعن أبي سعيد الخدري‪،‬وأبي هريرة رضي اهلل عنهما ‪،‬قاال‪:‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫ومس من طيب إن كان‬ ‫((من اغتسل يوم الجمعة‪ ،‬ولبس من أحسن ثيابه‪ّ ،‬‬
‫يتخط أعناق الناس‪ ،‬ثم صلى ما كتب اهلل لـه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫عنده‪ ،‬ثم أتى الجمعة فلم‬
‫ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صالته‪ ،‬كانت كفارة لما بينها‬
‫وبين جمعته التي قبلها)) قال‪ :‬ويقول أبو هريرة‪ :‬وزيادة ثالثة أيام‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬إن الحسنة بعشر أمثالها(‪)2‬؛ ولحديث عبد اهلل بن عمرو بن‬
‫ومس‬ ‫العاص رضي اهلل عنهما ‪ ،‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬من اغتسل يوم الجمعة‪ّ ،‬‬
‫من طيب امرأته ‪ -‬إن كان لها ‪ -‬ولبس من صالح ثيابه‪ ،‬ثم لم يتخط‬
‫يلغ عند الموعظة‪ ،‬كانت كفارة ِل َما بينهما‪ ،‬ومن لغا‬ ‫رقاب الناس‪ ،‬ولم ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫وتخطى رقاب الناس كانت لـه ظهراً)) ‪ ،‬وعن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل‬
‫عنهما عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬يحضر الجمعة ثالثة نفر‪ :‬رجل حضرها يلغو‬
‫وهو حظه منها‪ ،‬ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا اهلل ‪ ‬إن شاء‬
‫أعطاه وإن شاء منعه‪ ،‬ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة‬
‫مسلم‪ ،‬ولم يؤذ أحداً‪ ،‬فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها‪ ،‬وزيادة ثالثة‬
‫أيام‪ ،‬وذلك بأن اهلل تعالى ‪ ‬يقول‪َ  :‬من َج َاء بِالـ َح َس َن ِة َف َل ُه َع ْشر أَ ْم َث ِال َها‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِالسي َئ ِة َفالَ يُ ْج َزى ِإال َّ ِم ْث َل َها َو ُهم الَ يُ ْظ َل ُمو َن‪.)4())‬‬‫ومن جاء ب‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َّ ّ‬
‫‪ - 4‬المتأدب بآداب صالة الجمعة يكتب لـه بكل خطوة عمل سنة أجر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصالة والسنة فيها‪ ،‬باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1017‬وقال‬
‫األلباني في صحيح ابن ماجه‪(( :423/1 ،‬حسن صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب في الغسل يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،434‬وحسنه األلباني في صحيح أبي‬
‫داود‪. 104/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب في الغسل يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،437‬وحسنه األلباني في صحيح‬
‫سنن أبي داود‪. 103/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الكالم واإلمام يخطب‪ ،‬برقم ‪ ،1114‬وحسنه األلباني في صحيح‬
‫أبي داود‪. 402/1 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫صيامها وقيامها؛لحديث أوس بن أوس الثقفي ‪ ‬قال‪:‬سمعت رسول اهلل‬


‫بكر وابتكر‪،‬ومشى ولم‬ ‫غسل يوم الجمعة واغتسل‪،‬ثم َّ‬ ‫‪ ‬يقول‪((:‬من َّ‬
‫يلغ‪،‬كان لـه بكل خطوة عمل سنة‪ :‬أجر‬ ‫يركب‪،‬ودنا من اإلمام فاستمع ولم ُ‬
‫غسل رأسه يوم الجمعة‬ ‫صيامها‪ ،‬وقيامها)) وفي رواية ألبي داود‪((:‬من ّ‬
‫واغتسل))‪،‬وفي سنن الترمذي قال محمود‪[:‬هو ابن غيالن شيخ الترمذي]‪:‬‬
‫وغسل امرأته‪ ،‬قال‪ :‬ويروى عن عبد اهلل بن المبارك‬ ‫قال وكيع‪ :‬اغتسل هو َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫غسل واغتسل)) يعني غسل رأسه‬ ‫َّ‬ ‫أنه قال في هذا الحديث‪((:‬من‬
‫غسل واغتسل‪،‬وغدا وابتكر ‪.)2())...‬‬ ‫واغتسل‪.‬وفي لفظ النسائي‪((:‬من َّ‬
‫‪ - 3‬الجمعة إلى الجمعة كفارة ِل َما بينهما؛ لحديث أبي هريرة أن‬
‫رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬الصلوات الخمس‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة‪ ،‬ورمضان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وبكر وابتكر فقيل‪ :‬هو من الكالم المتظاهر‬ ‫غسل واغتسل‪َّ ،‬‬‫(‪ )1‬واختلف العلماء في معنى قوله ‪َّ (( :‬‬
‫الذي يراد به التوكيد‪ ،‬ولم تقع المخالفة بين المعنيين الختالف اللفظين‪ ،‬أال تراه يقول‪(( :‬ومشى‬
‫ولم يركب)) ومعناهما واحد‪ ،‬وإلى هذا ذهب األثرم صاحب أحمد‪ .‬وقيل‪ :‬قوله‪(( :‬غسل)) معناه‬
‫غسل الرأس خاصة؛ ألن العرب لهم شعور‪ ،‬فأفرد غسل الرأس من أجل ذلك‪ ،‬وإلى هذا ذهب‬
‫غسل)) معناه‪ :‬أصاب أهله قبل‬ ‫مكحول‪ ،‬وقيل‪(( :‬اغتسل)) معناه غسل سائر الجسد‪ ،‬وقال بعضهم‪َّ (( :‬‬
‫خروجه إلى الجمعة؛ ليكون أملك لنفسه‪ ،‬وأحفظ في طريقه لبصره‪ ،‬فأوجب على أهله الغسل‪،‬‬
‫غسل بالغ في النظافة‬ ‫غسل للجنابة واغتسل للجمعة‪ ،‬وقيل‪َّ :‬‬ ‫فكأنه غسل زوجته واغتسل‪ ،‬وقيل‪َّ :‬‬
‫والدلك‪ ،‬واغتسل‪ :‬صب الماء عليه‪ ،‬وقيل‪ :‬حمل غيره على الغسل بالحث والترغيب‪ ،‬والتذكير‪.‬‬
‫بكر)) أي راح في أول الوقت‪(( ،‬وابتكر)) أي أدرك أول الخطبة‪ ،‬وقيل‪ :‬كرره للتأكيد‪،‬‬ ‫وقوله‪َّ (( :‬‬
‫غسل)) إسباغ الوضوء وإكماله‪ ،‬ثم اغتسل بعد الوضوء للجمعة‪ ،‬وقيل‪ :‬غسل الرجل امرأته‬ ‫وقيل‪َّ (( :‬‬
‫غسل واغتسل (يعني‬ ‫إذا جامعها‪ ،‬وقال اإلمام ابن خزيمة في صحيحه‪(( :‬من قال في الخبر‪ّ :‬‬
‫بالتشديد) معناه‪ :‬جامع فأوجب الغسل على زوجته‪ ،‬أو أمته واغتسل‪ ،‬ومن قال‪َ (( :‬غ َس َل واغتسل‬
‫(بالتخفيف) أراد غسل رأسه‪ .‬واغتسل‪ :‬فضل سائر الجسد‪ ،‬لخبر طاوس عن ابن عباس‪ .‬انظر‪:‬‬
‫معالم السنن للخطابي‪ ،214/1 ،‬والمفهم للقرطبي‪ ،383/1 ،‬وجامع األصول البن األثير‪،‬‬
‫‪ ،340/4‬والترغيب للمنذري‪ ،343/1 ،‬وتحفة األحوذي‪.3-4/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪،‬كتاب الطهارة‪،‬باب في الغسل يوم الجمعة‪،‬برقم ‪،432‬والترمذي‪،‬كتاب الجمعة‪،‬باب ما‬
‫جاء في فضل الغسل يوم الجمعة‪،‬برقم ‪،313‬وابن ماجه‪،‬كتاب إقامة الصلوات‪،‬باب ما جاء في‬
‫الغسل يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1087‬والنسائي‪،‬كتاب الجمعة‪،‬باب فضل غسل يوم الجمعة‪،‬برقم‬
‫‪،1480‬وصححه األلباني في صحيح النسائي‪،332/1،‬وفي صحيح المراجع السابقة‪،‬وفي‬
‫غيرها‪،‬وفي صحيح الترغيب والترهيب‪. 344/1 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫إلى رمضان‪ ،‬مكفرات ما بينهن‪ ،‬إذا اجتنبت الكبائر‬
‫تاسعاً‪:‬آداب صالة الجمعة‪:‬الواجبة والمستحبة‪،‬كثيرة‪،‬منها ما يلي‪:‬‬
‫رضي اهلل‬‫‪ - 1‬الغسل يوم الجمعة سنَّة مؤكدة جداً؛لحديث عبد اهلل بن عمر‬
‫عنهما أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪((:‬إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل))(‪،)2‬وعن ابن‬
‫عمر رضي اهلل عنهما أن عمر بن الخطاب ‪ ‬بينما هو قائم في الخطبة يوم‬
‫الجمعة إذ جاء رجل من المهاجرين األولين من أصحاب النبي ‪ ‬فناداه‬
‫عمر‪:‬أية ساعة هذه؟ قال‪:‬إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت‬
‫التأذين فلم أزد على أن توضأت‪،‬فقال‪:‬والوضوء أيض ًا‪،‬وقد علمت أن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬كان يأمر بالغسل))‪.‬وفي لفظ البخاري‪((:‬ألم تسمعوا النبي ‪ ‬يقول‪((:‬إذا‬
‫راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل)) وفي لفظ لمسلم‪((:‬بينما عمر بن الخطاب‬
‫‪ ‬يخطب يوم الجمعة إذ دخل عثمان بن عفان ‪،‬فعرض به عمر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َّ‬
‫ما بال رجال يتأخرون بعد النداء؟ فقال عثمان‪:‬يا أمير المؤمنين ما زدت‬
‫حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت‪،‬فقال عمر‪:‬والوضوء أيضاً؟ ألم‬
‫تسمعوا أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪((:‬إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل))(‪.)3‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري ‪ ‬قال‪(( :‬أشهد على رسول اهلل ‪ ‬أنه قال‪:‬‬
‫يستن(‪ ،)4‬وأن يمس طيباً إن‬
‫َّ‬ ‫((غسل الجمعة واجب على كل محتلم‪ ،‬وأن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة‪ ،‬ورمضان إلى رمضان‬
‫مكفرات ِل َما بينهن‪ ،‬ما اجتنبت الكبائر‪ ،‬برقم ‪. 244‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب فضل الغسل يوم الجمعة وهل على الصبي شهود‬
‫وباب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء‬ ‫ٌ‬ ‫الجمعة أو على النساء‪ ،‬برقم ‪،877‬‬
‫والصبيان وغيرهم‪ ،‬برقم ‪ ،813‬وباب الخطبة على المنبر‪ ،‬برقم ‪ ،111‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪،‬‬
‫باب كتاب الجمعة‪ ،‬برقم ‪.833‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب فضل الغسل يوم الجمعة‪ ،‬وهل على الصبي شهود يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬أو على النساء؟ برقم ‪ ،878‬وباب‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ،‬برقم ‪ ،882‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪،‬‬
‫باب كتاب الجمعة‪ ،‬برقم ‪.832‬‬
‫(‪ )4‬وأن يستن ‪ :‬أي يدلك أسنانه بالسواك‪ .‬فتح الباري البن حجر‪.433/2 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫ُوجد)) قال عمرو‪ :‬أما الغسل فأشهد أنه واجب‪ ،‬وأما االستنان والطيب فاهلل‬
‫أعلم أواجب هو أم ال؟ ولكن هكذا في الحديث))‪ .‬وفي لفظ مسلم‪(( :‬غسل‬
‫ويمس من الطيب ما َق َد َر‬
‫ُّ‬ ‫وسواك‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الجمعة واجب على كل محتلم‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة‬ ‫عليه)) ‪ .‬وعن أبي هريرة ‪ٌّ (( :‬‬
‫أيام يوم ًا‪ ،‬يغتسل فيه رأسه وجسده))‪ .‬وفي رواية للبخاري‪(( :‬هلل تعالى على‬
‫حق أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً))(‪ .)2‬وفي لفظ النسائي عن‬ ‫كل مسلم ٌّ‬
‫جابر ‪ ‬يرفعه‪(( :‬على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم‪ ،‬وهو‬
‫يوم الجمعة))(‪.)3‬‬
‫وقال ابن عمر رضي اهلل عنهما ‪((:‬إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة))(‪.)4‬‬
‫وهذه األحاديث استدل بها جمع من أهل العلم على وجوب الغسل‬
‫يوم الجمعة على من يحضر صالة الجمعة؛ لهذه األخبار الصحيحة‪،‬‬
‫وقال جمع آخر من أهل العلم‪ :‬غسل يوم الجمعة لمن يشهد صالة‬
‫الجمعة سنة مؤكدة جداً‪ ،‬وال يجب؛ لحديث سمرة بن ُجندب قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪(( :‬من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت‪ ،‬ومن اغتسل فالغسل‬
‫أفضل))(‪)5‬؛ ولحديث أبي هريرة ‪‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬من توضأ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب الطيب‪ ،‬برقم ‪ ،880‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب الطيب‬
‫والسواك يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪.833‬‬
‫باب‪ :‬هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء‬ ‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ٌ ،‬‬
‫والصبيان وغيرهم‪ ،‬برقم ‪ ،818 ،817‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب الطيب والسواك يوم الجمعة‪،‬‬
‫برقم ‪.831‬‬
‫(‪ )3‬النسائي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب إيجاب الغسل يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1477‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح النسائي‪ ،33/1 ،‬وفي إرواء الغليل‪.174/1 ،‬‬
‫باب‪ :‬هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم‪.‬‬ ‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ٌ ،‬‬
‫قبل الحديث رقم ‪.813‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب الرخصة في ترك الغسل‪ ،‬برقم ‪ ،423‬والترمذي‪ ،‬كتاب الجمعة‪،‬‬
‫باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ، 317‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصلوات‪ ،‬باب ما جاء‬
‫في الرخصة في ذلك‪ ،‬برقم ‪ ، 1011‬والنسائي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب الرخصة في ترك الغسل يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1471‬وصححه األلباني في صحيح النسائي‪ ،332/1 ،‬وفي جميع المواضع‬
‫=‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫فأحسن الوضوء‪ ،‬ثم أتى يوم الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه‬
‫وبين الجمعة‪ ،‬وزيادة ثالثة أيام‪ ،‬ومن مس الحصا فقد لغا))(‪ .)1‬ورجح‬
‫شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل‪ :‬أن غسل الجمعة‬
‫سنة مؤكدة‪ ،‬ينبغي للمسلم أن يحافظ عليه خروجاً من خالف من قال‬
‫بالوجوب‪ ،‬وأقوال العلماء في غسل الجمعة ثالثة‪ :‬منهم من قال‬
‫بالوجوب مطلقاً‪ ،‬وهذا قول قوي‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬بأنه سنة مؤكدة‬
‫فصل فقال‪ :‬غسل يوم الجمعة يجب على أصحاب‬ ‫مطلق ًا‪ ،‬ومنهم من َّ‬
‫األعمال الشاقة؛ لما يحصل لهم من بعض التعب والعرق‪ ،‬ومستحب‬
‫في حق غيرهم‪ ،‬وهذا قول ضعيف‪ ،‬والصواب أن غسل الجمعة سنة‬
‫مؤكدة‪ ،‬أما قوله ‪(( :‬غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) [ف] معناه‬
‫عند أكثر أهل العلم‪ :‬متأكد كما تقول العرب‪(( :‬العدة دين وحق علي‬
‫َّ‬
‫واجب))‪،‬ويقول بعضهم‪(( :‬حقك علي واجب)) أي متأكد‪ ،‬ويدل على هذا‬
‫َّ‬
‫المعنى اكتفاؤه ‪ ‬باألمر بالوضوء في بعض األحاديث‪ ...‬وهكذا‬
‫الطيب‪ ،‬واالستياك‪ ،‬ولبس الحسن من الثياب‪ ،‬والتبكير إلى الجمعة كله‬
‫المرغب فيها‪ ،‬وليس شيء منها واجب(‪ ،)2‬والقول بأن غسل‬ ‫َّ‬ ‫من السنن‬
‫الجمعة سنة مؤكدة هو قول أكثر أهل العلم(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫السابقة في التخريج‪.‬‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،)827( - 27‬وتقدم تخريجه في فضائل صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬اقتبست هذا كله من فتاوى سماحة شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل‪ ،‬انظر‪ :‬مجموع‬
‫الفتاوى له‪ ،303/12 ،‬والفتاوى اإلسالمية‪ ،311/1 ،‬وسمعته في تقريراته الكثيرة أثناء تقريره على‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم ‪ 818‬وصحيح مسلم‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،833‬ومنتقى األخبار‪،‬‬
‫األحاديث ذات الرقم ‪ ،307-300‬وبلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،120‬ورقم ‪.124‬‬
‫(‪ )3‬وقد ذكر ذلك اإلمام الترمذي بعد أن ساق حديث سمرة بن جندب ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت‪،‬‬
‫ومن اغتسل فالغسل أفضل))‪ ،‬قال الترمذي‪(( :‬والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي ‪ ‬ومن‬
‫بعدهم اختاروا الغسل يوم الجمعة‪ .‬ورأوا أن يجزئ الوضوء من الغسل يوم الجمعة‪ .‬قال الشافعي‬
‫[القائل الترمذي] ومما يدل على أن أمر النبي ‪ ‬بالغسل يوم الجمعة أنه على االختيار ال على الوجوب‬
‫حديث عمر حيث قال لعثمان‪ :‬والوضوء أيض ًا‪ ،‬وقد علمت أن رسول اهلل ‪ ‬أمر بالغسل يوم الجمعة؟ فلو‬
‫=‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫علما أن أمره ‪ ‬على الوجوب ال على االختيار لم يترك عثمان حتى يرده‪ ،‬ويقول له‪ :‬ارجع فاغتسل‪،‬‬
‫ولما خفي على عثمان ذلك مع علمه‪ ،‬ولكن دل في هذا الحديث أن الغسل يوم الجمعة‪ ،‬فيه فضل من‬
‫غير وجوب يجب على المرء في ذلك)) [الترمذي بعد إخراجه لحديث سمرة بن جندب‪،‬برقم ‪.]317‬‬
‫وقال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل في الغسل يوم الجمعة‪((:‬ال خالف في استحباب ذلك وفيه آثار‬
‫صحيحة‪...‬وليس بواجب في قول أكثر أهل العلم‪...‬وهو قول األوزاعي‪،‬والثوري‪،‬ومالك‪،‬‬
‫والشافعي‪،‬وابن المنذر‪،‬وأصحاب الرأي‪،‬وقيل‪ :‬إن هذا إجماع)) [المغني البن قدامة‪...]222/4 ،‬‬
‫وقال اإلمام ابن عبد البر‪(( :‬وأجمع العلماء على أن غسل الجمعة ليس بواجب إال طائفة من أهل‬
‫الظاهر قالوا بوجوبه وشددوا في ذلك‪ ،‬وأما سائر العلماء والفقهاء‪ ،‬فإنما هم فيه على قولين‪:‬‬
‫أحدهما أنه سنة‪ ،‬واآلخر أنه مستحب‪ ،‬وأن األمر به كان لعلة فسقط‪ ،‬والطيب يجزئ عنه))‬
‫[التمهيد‪ ،]122-121/13 ،‬قال اإلمام ابن قدامة‪ (( :‬وحكي عن أحمد رواية أخرى أنه واجب))‬
‫[المغني‪.]222/4 ،‬‬
‫وقال اإلمام النووي رحمه اهلل‪(( :‬اختلف العلماء في غسل الجمعة فحكى وجوبه عن طائفة من‬
‫السلف حكوه عن بعض الصحابة‪ ،‬وبه قال أهل الظاهر‪ ،‬وحكاه ابن المنذر عن مالك‪ ،‬وحكاه‬
‫الخطابي عن الحسن البصري ومالك‪ ،‬وذهب جمهور من العلماء من السلف والخلف‪ ،‬وفقهاء‬
‫األمصار‪ ،‬إلى أنه سنة مستحبة ليس بواجب‪ ،‬قال القاضي‪ :‬وهو المعروف من مذهب مالك‪،‬‬
‫وأصحابه‪ ،‬واحتج من أوجبه بظواهر هذه األحاديث‪ ،‬واحتج الجمهور بأحاديث صحيحة‪ ،‬منها‬
‫حديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب‪ ،‬وقد ترك الغسل‪ ،‬وقد ذكره مسلم‪ ،‬وهذا الرجل هو‬
‫عثمان بن عفان جاء مبين ًا في الرواية األخرى‪ ،‬ووجه الداللة أن عثمان فعله وأقره عمر‪ ،‬وحاضروا‬
‫الجمعة‪ ،‬وهم أهل الحل والعقد‪ ،‬ولو كان واجباً لما تركه‪ ،‬وأللزموه‪ ،‬ومنها قوله ‪(( :‬من توضأ‬
‫فبها ونعمت‪ ،‬ومن اغتسل فالغسل أفضل)) حديث حسن في السنن مشهور‪ ،‬وفيه دليل على أنه‬
‫ليس بواجب‪ ،‬ومنها‪ ،‬قوله ‪(( :‬لو اغتسلتم يوم الجمعة)) [ولفظه عند مسلم‪ :‬عن عائشة أنها‬
‫قالت‪ :‬كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي‪ ،‬فيأتون في العباء‪ ،‬ويصيبهم الغبار‪،‬‬
‫فتخرج منهم الريح‪ ،‬فأتى رسول اهلل ‪ ‬إنسان منهم وهو عندي‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪(( :‬لو أنكم‬
‫تطهرتم ليومكم هذا)) وفي لفظ‪(( :‬لو اغتسلتم يوم الجمعة)) برقم ‪ .]837‬وهذا اللفظ يقتضي أنه‬
‫ليس بواجب؛ ألن تقديره لكان أفضل وأكمل‪ ،‬ونحو هذا‪ ...‬وأجابوا عن األحاديث الواردة في‬
‫األمر به أنها محمولة على الندب جمع ًا بين األحاديث‪ ،‬وقوله ‪(( :‬واجب على كل محتلم)) أي‬
‫متأكد في حقه‪ ،‬كما يقول الرجل لصاحبه‪ :‬حقك واجب علي‪ :‬أي متأكد‪ ،‬ال أن المراد الواجب‬
‫ّ‬
‫المتحتم المعاقب عليه)) [شرح النووي على صحيح مسلم‪.]482-481/3 ،‬‬
‫وذكر اإلمام القرطبي رحمه اهلل أن قوله ‪(( :‬غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم))‪ ،‬وقوله‬
‫‪(( :‬إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل)) ظاهر في وجوب غسل الجمعة‪ ،‬وبه قال أهل الظاهر‪،‬‬
‫وحكي عن بعض الصحابة‪ ،‬وعن الحسن‪ ،‬وحكاه الخطابي عن مالك‪ ،‬ومعروف مذهبه‬
‫وصحيحه‪ :‬أنه سنة‪ ،‬وهو مذهب عامة أئمة الفتوى‪ ،‬وحملوا تلك األحاديث على أنه واجب‬
‫وجوب السنن المؤكدة‪ ،‬ودلهم على ذلك أمور‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬قوله ‪ ‬في حديث أبي هريرة‪(( :‬من توضأ فأحسن الوضوء‪ ،‬ثم أتى الجمعة فاستمع‪،‬‬
‫=‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫وأنصت‪ ،‬غفر له‪[ ))...‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ .]827‬فذكر فيه الوضوء واقتصر عليه دون الغسل‪ ،‬ورتب‬
‫كاف من غير غسل‪ ،‬وأن الغسل ليس بواجب [بل‬ ‫الصحة والثواب عليه‪ ،‬فدل على أن الوضوء ٍ‬
‫سنة مؤكدة]‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬تقرير عمر والصحابة لعثمان ‪ ‬على صالة الجمعة بالوضوء من غير غسل‪ ،‬ولم يأمروه‬
‫بالخروج‪ ،‬ولم ينكروا عليه‪ ،‬فصار ذلك كاإلجماع منهم على أن الغسل ليس بشرط في صحة‬
‫الجمعة وال واجب‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬قوله لهم ‪ ‬حين وجد منهم الريح الكريهة‪(( :‬لو اغتسلتم ليومكم هذا)) وهذا عرض‪ ،‬وتحضيض‪،‬‬
‫وإرشاد للنظافة المستحسنة‪ ،‬وال يقال مثل ذلك اللفظ في الواجب‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬ما يقطع مادة النزاع ويحسم كل إشكال حديث الحسن عن سمرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬من‬
‫توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت‪ ،‬ومن اغتسل فالغسل أفضل)) [أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،423‬والترمذي‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،317‬والنسائي‪ ،‬برقم ‪ ،1471‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1011‬وتقدم تخريجه قبل صفحات]‪ ،‬وهذا نص في‬
‫موضع الخالف‪ ،‬غير أن سماع الحسن من سمرة مختلف فيه‪ ،‬وقد صح عنه أنه سمع منه حديث العقيقة‪،‬‬
‫فيحمل حديثه عنه على السماع إلى أن يدل دليل على غير ذلك‪ ،‬واهلل تعالى أعلم‪.‬‬
‫وخامسها‪ :‬أنه عليه الصالة والسالم قد قال‪(( :‬غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم‪ ،‬وسواك‪،‬‬
‫ويمسك من الطيب ما قدر عليه)) [متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،880‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،]833‬وظاهر‬
‫هذا وجوب السواك‪ ،‬والطيب‪ ،‬وليس كذلك باالتفاق‪ ،‬يدل على أن قوله‪(( :‬واجب ليس على‬
‫ظاهر ه‪ ،‬بل المراد به‪ :‬ندب المؤكد‪ ،‬إذ ال يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب في لفظ‬
‫((الواو)) واهلل تعالى أعلم))‪ [ .‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪[ ]380-371/2 ،‬وانظر‪:‬‬
‫فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪ ،433-423/2 ،‬وزاد المعاد‪.]477-473/1 ،‬‬
‫وقال اإلمام شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل تعالى على حديث أبي هريرة المتفق عليه‪(( :‬حق على‬
‫كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً‪ ،‬يغسل فيه رأسه وجسده)) [البخاري‪ ،‬برقم ‪،818 ،817‬‬
‫ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،]831‬وحديث جابر‪(( :‬على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم‪ ،‬وهو يوم‬
‫الجمعة)) [النسائي‪ ،‬برقم ‪ .]1477‬قال رحمه اهلل‪(( :‬وهذا في أحد قولي العلماء هو غسل راتب مسنون‬
‫للنظافة في كل أسبوع‪ ،‬وإن لم يشهد الجمعة‪ ،‬بحيث يفعله من ال جمعة عليه‪ ...‬وأما األحاديث في‬
‫غسل يوم الجمعة [فـ]متعددة‪ ،‬وذلك يعلل باجتماع الناس بدخول المسجد وشهود المالئكة‪ ،‬ومع‬
‫العبد مالئكة‪ ،‬وقد ثبت عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬إن المالئكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)) [مسلم‪ ،‬كتاب‬
‫المساجد‪ ،‬باب نهي من أكل ثوماً أو بصالً أو كراثاً أو نحوها مما له رائحة كريهة عن حضور المسجد‬
‫حتى يذهب ذلك الريح وإخراجه من المسجد‪ ،‬برقم ‪ .]233‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪.408-407/1 ،‬‬
‫واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية‪(( :‬أن غسل الجمعة يجب على من له عرق أو ريح يتأذى به غيره‪ ،‬وهو‬
‫بعض مذهب من يوجبه مطلق ًا بطريق األولى)) االختيارات العلمية من االختيارات الفقهية لشيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪ ،40‬والمستدرك على مجموع فتاوى شيخ اإلسالم أحمد ابن تيمية‪ ،‬جمع‬
‫محمد بن عبد الرحمن بن قاسم‪.31/4 ،‬‬
‫وقال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل عن غسل يوم الجمعة‪(( :‬وهو أمر مؤكد جداً‪ ،‬ووجوبه أقوى من‬
‫وجوب الوتر‪ ،‬وقراءة البسملة في الصالة‪ ،‬ووجوب الوضوء من مس النساء‪ ،‬ووجوب الوضوء من‬
‫=‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫‪ - 2‬الطيب لصالة الجمعة؛ لحديث أبي سعيد الخدري ‪ ،‬أن‬


‫رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم‪ ،‬وسواك‪،‬‬
‫ويمس من الطيب ما قدر عليه))(‪.)1‬‬
‫‪ - 4‬السواك لصالة الجمعة؛ لحديث أبي سعيد السابق؛ ولحديث أبي‬
‫هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬لوال أن أشق على الناس ألمرتهم‬
‫بالسواك مع كل صالة)) وفي لفظ‪(( :‬لوال أن أشق على أمتي ألمرتهم‬
‫بالسواك))(‪)2‬؛ ولحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما يرفعه‪(( :‬إن هذا يوم عيد‬
‫جعله اهلل للمسلمين فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل‪ ،‬وإن كان طيب‬
‫فليمس منه‪ ،‬وعليكم بالسواك))(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫مس الذكر‪ ،‬ووجوب الوضوء من القهقهة في الصالة‪ ،‬ووجوب الوضوء من الرعاف والحجامة‪،‬‬
‫والقيء‪ ،‬ووجوب الصالة على النبي ‪ ‬في التشهد األخير‪ ،‬ووجوب القراءة على المأموم‪ ،‬وللناس‬
‫في وجوبه ثالثة أقوال‪ :‬النفي‪ ،‬واإلثبات‪ ،‬والتفصيل بين من به رائحة يحتاج إلى إزالتها فيجب‬
‫عليه‪ ،‬ومن هو مستغن عنه فيستحب له‪ ،‬والثالثة ألصحاب أحمد)) زاد المعاد‪،‬‬
‫‪،477-473/1‬وممن أوجب غسل الجمعة من العلماء المتأخرين المعاصرين فضيلة العالمة محمد بن‬
‫صالح العثيمين رحمه اهلل‪ ،‬فقد رجح وجوب غسل الجمعة وانتصر له في كتابه [الشرح الممتع‪،‬‬
‫‪ ،] 110-108/2‬أما شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبداهلل ابن باز رحمه اهلل فقد سبق قوله أن القول‬
‫بالوجوب قول قوي‪ ،‬ولكن رجح أن غسل الجمعة سنة مؤكدة‪ .‬والذي أراه أنه ينبغي للمسلم أن‬
‫يعتني بغسل يوم الجمعة قبل الصالة؛ لعظم األمر؛ وللفضل العظيم في ذلك‪ ،‬وخروج ًا من خالف‬
‫من قال بوجوبه مطلقاً‪ ،‬واهلل الموفق‪.‬‬
‫وذكر الحافظ ابن رجب أن أكثر العلماء على أن غسل الجمعة يستحب وليس بواجب‪ ،‬وقد حكي‬
‫عن عمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وغيرهم من الصحابة ‪ ، ‬وبه قال جمهور فقهاء‬
‫األمصار‪ :‬الثوري‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد في ظاهر مذهبه‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬ورواه‬
‫ابن وهب عن مالك‪ ،‬وأما األمر بالغسل فمحمول على االستحباب‪[ .‬فتح الباري بشرح صحيح‬
‫البخاري البن رجب‪ 82-78/8 ،‬بتصرف]‪.‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،880‬ومسلم واللفظ له‪ ،‬برقم ‪ ،833‬وتقدم في األدب األول من‬
‫آداب الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب السواك يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،887‬وكتاب التمني‪ ،‬باب‬
‫ما يجوز من اللهو‪ ،‬برقم ‪ ،7230‬ومسلم‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب السواك‪ ،‬برقم ‪.222‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصالة‪ ،‬باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1018‬وحسنه األلباني‬
‫في صحيح ابن ماجه ‪.423/1‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫‪ - 3‬الدهن لصالة الجمعة؛ لحديث سلمان الفارسي ‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫النبي ‪(( :‬ال يغتسل رجل يوم الجمعة‪ ،‬ويتطهر ما استطاع من الطهر‪،‬‬
‫ويدهن من دهنه‪ ،‬أو يمس من طيب بيته‪ ،‬ثم يخرج فال يفرق بين اثنين‪،‬‬
‫ثم يصلي ما ُك ِت َب له‪ ،‬ثم ينصت إذا تكلم اإلمام إال غفر له ما بينه وبين‬
‫الجمعة األخرى))(‪ .)1‬وقوله ‪(( :‬ويتطهر ما استطاع من الطهر)) المراد به‬
‫المبالغة في التنظيف‪ ،‬ويؤخذ من عطفه على الغسل أن إفاضة الماء‬
‫تكفي في حصول الغسل‪ ،‬أو المراد بالتنظيف‪ :‬بأخذ الشارب‪ ،‬والظفر‪،‬‬
‫والعانة‪ ،‬أو المراد بالغسل غسل الجسد‪ ،‬وبالتطهر غسل الرأس‪ ،‬وأما‬
‫قوله‪(( :‬ويدهن)) فالمراد به إزالة شعث الرأس به‪ ،‬وفيه إشارة إلى التزين‬
‫يوم الجمعة(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬يلبس لصالة الجمعة أحسن ما يجد من الثياب؛ لحديث أبي ذر‬
‫‪ ‬يرفعه‪(( :‬من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله‪ ،‬وتطهر فأحسن‬
‫طهوره‪ ،‬ولبس من أحسن ثيابه‪ ،‬ومس ما كتب اهلل له من طيب أهله‪ ،‬ثم‬
‫يلغ‪ ،‬ولم يفرق بين اثنين‪ ،‬غفر له ما بينه وبين الجمعة‬
‫أتى الجمعة‪ ،‬ولم ُ‬
‫األخرى))(‪)3‬؛ ولحديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي اهلل عنهما ‪(( :‬من‬
‫اغتسل يوم الجمعة‪ ،‬ولبس من أحسن ثيابه‪ ،‬ومس من طيب إن كان‬
‫يتخط أعناق الناس‪ ،‬ثم صلى ما كتب له‪ ،‬ثم‬ ‫َّ‬ ‫عنده‪ ،‬ثم أتى الجمعة فلم‬
‫أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صالته‪ ،‬كانت كفارة لما بينها وبين‬
‫جمعته التي قبلها))‪ .‬ويقول أبو هريرة‪ :‬وزيادة ثالثة أيام‪ ،‬ويقول‪(( :‬إن‬
‫الحسنة بعشر أمثالها))(‪)4‬؛ ولحديث عبد اهلل بن عمر أن عمر بن الخطاب‬
‫‪ ‬رأى حلة سيراء(‪ )5‬عند باب المسجد فقال‪ :‬يا رسول اهلل! لو اشتريت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،110 ،884‬وتقدم تخريجه في فضائل صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.471/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1017‬وتقدم تخريجه في فضائل صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،434‬وتقدم تخريجه في فضائل صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )5‬حلة سيراء ‪ :‬أي حرير‪ ،‬وسميت سيراء؛ ألنها مأخوذة من السيور‪ ،‬هذا وجه التشبيه‪ .‬فتح الباري‬
‫البن حجر‪.473/2 ،‬‬
‫‪550‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫هذه فلبستها يوم الجمعة‪ ،‬وللوفد إذا قدموا عليك؟ فقال رسول اهلل ‪:‬‬
‫((إنما يلبس هذه من ال خالق له في اآلخرة))(‪.)1‬‬
‫ووجه االستدالل به من جهة تقريره ‪ ‬لعمر على أصل التجمل‬
‫للجمعة‪ ،‬وللوفد‪ ،‬وقصر اإلنكار على لبس مثل تلك الحلة؛ لكونها‬
‫كانت حريراً(‪ ،)2‬وعن محمد بن يحيى بن حبان أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫َّ‬
‫((ما على أحدكم إن وجد ‪ -‬أو‪ :‬ما على أحدكم إن وجدتم ‪ -‬أن يتخذ‬
‫ثوبين يوم الجمعة سوى ثوبي مهنته))‪ .‬وعن ابن سالم أنه سمع رسول‬
‫اهلل ‪ ‬يقول ذلك على المنبر(‪.)3‬‬
‫‪ - 3‬يستقبل اإلمام بوجهه أثناء الخطبة؛لحديث عبداهلل بن مسعود ‪ ‬قال‪:‬‬
‫((كان رسول اهلل ‪ ‬إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا))(‪.)4‬‬
‫وعن ثابت ‪ ‬قال‪(( :‬كان النبي ‪ ‬إذا قام على المنبر استقبله أصحابه‬
‫بوجوههم))(‪.)5‬‬
‫قال اإلمام الترمذي رحمه اهلل‪(( :‬والعمل على هذا عند أهل العلم من‬
‫أصحاب النبي ‪ ‬وغيرهم‪ :‬يستحبون استقبال اإلمام إذا خطب‪ ،‬وهو‬
‫قول‪ :‬سفيان الثوري‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق))(‪.)6‬‬
‫‪ - 7‬يُب ّكر إلى الجمعة؛ لحديث أبي هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب يلبس أحسن ما يجد‪ ،‬برقم ‪ ،883‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫اللباس والزينة‪ ،‬باب تحريم لبس الحرير‪ ،‬برقم ‪.2038‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪.473/2‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب اللبس للجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1078‬وصححه األلباني في صحيح أبي‬
‫داود‪.217/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما جاء في استقبال اإلمام إذا خطب‪ ،‬برقم ‪ ،201‬وصححه األلباني‬
‫في صحيح الترمذي‪ ،287/1 ،‬وفي الصحيحة‪ ،‬برقم ‪.2080‬‬
‫(‪ )5‬ابن ماجه‪،‬كتاب إقامة الصلوات‪،‬باب ما جاء في استقبال اإلمام وهو يخطب‪،‬برقم ‪،1143‬وصححه األلباني‬
‫في صحيح سنن ابن ماجه‪،443/1،‬وفي الصحيحة‪ ،‬برقم ‪.2080‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي‪ ،‬في آخر الحديث رقم ‪.201‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪556‬‬
‫((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة‪ ،‬ثم راح فكأنما قرب بدنة‪ ،‬ومن‬
‫راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة‪ ،‬ومن راح في الساعة الثالثة‪،‬‬
‫فكأنما قرب كبشاً أقرن‪ ،‬ومن راح في الساعة الرابعة‪ ،‬فكأنما قرب‬
‫دجاجة‪ ،‬ومن راح في الساعة الخامسة‪ ،‬فكأنما قرب بيضة‪ ،‬فإذا خرج‬
‫اإلمام حضرت المالئكة يستمعون الذكر))(‪.)1‬‬
‫وقوله ‪((:‬من اغتسل يوم الجمعة ثم راح)) يدل على أن الغسل‬
‫المستحب للجمعة أوله طلوع الفجر‪،‬وآخره الرواح إلى الجمعة‪،‬فإن‬
‫اغتسل قبل دخول يوم الجمعة لم يأت بسنة الغسل‪ ،‬كما لو اغتسل بعد‬
‫صالة الجمعة‪،‬وبهذا قال مالك‪،‬والشافعي‪،‬وأحمد‪،‬وأكثر العلماء(‪.)2‬‬
‫وقوله ‪(( :‬غسل الجنابة)) قيل‪ :‬المراد تعميم الجسد بالغسل كما يعمه‬
‫بغسل الجنابة‪ ،‬فيكون المعنى‪ :‬اغتساله للجمعة كاغتساله للجنابة في‬
‫المبالغة وتعميم البدن بالماء‪ ،‬وهذا قول أكثر الفقهاء من الشافعية‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المراد به غسل الجنابة حقيقة‪ ،‬وأنه يستحب لمن له زوجة أو‬
‫مملوكة أن يطأها يوم الجمعة ثم يغتسل؛ ألنه أغض لبصره(‪.)3‬‬
‫وقوله ‪(( :‬ثم راح فكأنما قرب بدنة)) المراد راح في الساعة األولى‪،‬‬
‫بدليل قوله ‪(( :‬ومن راح في الساعة الثانية)) وقد صرح اإلمام مالك في‬
‫روايته للحديث بذكر الساعة األولى‪ ،‬وقد اختلف العلماء في المراد بهذه‬
‫الساعة‪ ،‬فقيل‪ :‬المراد بها الساعة التي بعد زوال الشمس؛ ألن حقيقة الرواح‬
‫والغدو يكون قبله‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪َ  :‬و ِل ُس َلي َما َن‬
‫ّ‬ ‫إنما تكون بعد الزوال‪،‬‬
‫ْ‬
‫اح َها َش ْهر‪ ،)4(‬وهذا قول مالك وأكثر أصحابه‪،‬‬ ‫يح ُغ ُد ُّو َها َش ْه ٌر َو َر َو ُ‬
‫الر َ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،881‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،820‬وتقدم تخريجه في فضل صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬البن رجب‪.81/8 ،‬‬
‫(‪)3‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬البن رجب‪.10/8 ،‬‬
‫(‪ )4‬سورة سبأ‪ ،‬اآلية‪.12 :‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫ووافقهم طائفة من الشافعية على ذلك‪.‬وعلى هذا تكون الساعات أجزاء‬


‫من الساعة السادسة بعد الزوال‪.‬وقيل‪:‬المراد بالساعات من أول النهار‪،‬‬
‫وأولها من طلوع الفجر‪،‬وهو ظاهر مذهب الشافعي‪ ،‬وأحمد‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أول الساعات من طلوع الشمس‪ُ ،‬ذ ِكر عن الثوري‪ ،‬وأبي‬
‫َ‬
‫حنيفة‪ ،‬ورجحه الخطابي وغيره؛ ألن ما قبله وقت للسعي إلى صالة‬
‫الفجر‪ ،‬ورجح هذا القول عبد الملك بن حبيب المالكي‪ ،‬وهؤالء حملوا‬
‫الساعات على ساعات النهار المعهودة‪ ،‬وهو الظاهر المتبادر إلى الفهم؛‬
‫فإن ظاهر الحديث يدل على تقسيم نهار الجمعة إلى اثنتي عشرة ساعة‬
‫مع طول النهار وقصره‪ ،‬وال يكون المراد به الساعات المعروفة من‬
‫تقسيم الليل والنهار إلى أربع وعشرين ساعة؛ فإن ذلك يختلف‬
‫باختالف طول النهار وقصره‪ ،‬ويدل على هذا حديث جابر ‪ ‬عن النبي‬
‫‪ ‬أنه قال‪(( :‬يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة [فيها ساعة] ال يوجد فيها‬
‫عبد مسلم يسأل اهلل شيئاً إال آتاه اهلل إياه‪ ،‬فالتمسوها آخر ساعة بعد‬
‫العصر))(‪.)1‬‬
‫وأما ذكر الرواح فيجاب عنه بجوابين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه لما كان آخر الساعات بعد الزوال هو رواح حقيقي ُسميت‬
‫حاجاً وغازياً قبل تلبسه‬
‫ّ‬ ‫كلها رواحاً‪ ،‬كما يسمى الخارج للحج والجهاد‪:‬‬
‫بالحج والغزو؛ ألن أمره ينتهي إلى ذلك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الرواح أريد به هنا القصد والذهاب مع قطع النظر عن كونه‬
‫قبل الزوال أو بعده؛ فإن الرواح والغدو عند العرب يستعمالن في السير‬
‫أي وقت كان من ليل أو نهار‪ ،‬يقال‪ :‬راح في أول النهار وآخره‪ ،‬وغدا‬
‫(‪)2‬‬
‫الغدو يكون من أول النهار‪،‬‬
‫بمعناه ‪ ،‬قال الحافظ ابن رجب رحمه اهلل‪ّ (( :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ ،‬برقم ‪ ،1487‬والسنن الكبرى للنسائي‪ ،223/1 ،‬وأبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،1038‬وتقدم تخريجه‬
‫في ساعة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬اقتبسته من فتح الباري للحافظ ابن رجب‪.100-81/8 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫والرواح‪ :‬يكون من آخره بعد الزوال‪ ،‬وقد يعبر بأحدهما عن الخروج‬
‫َّ‬
‫والمشي‪ ،‬سواء كان قبل الزوال أو بعده))(‪.)1‬‬
‫وذكر ابن قاسم‪ :‬أن ذكر الساعات في قوله ‪(( :‬يوم الجمعة اثنتا‬
‫عشرة ساعة)) ذكر للحث على التبكير إلى الجمعة‪ ،‬والترغيب في فضيلة‬
‫السبق‪ ،‬وتحصيل فضيلة الصف األول‪ ،‬وانتظارها بالتنفل‪ ،‬والقراءة‬
‫والذكر(‪ .)2‬وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يرجح أن التبكير إلى‬
‫الجمعة أول ساعة بعد ارتفاع الشمس؛ ألن للمسلم أن يجلس بعد‬
‫الفجر إلى ارتفاع الشمس(‪.)4( )3‬‬
‫‪ - 8‬المشي على األقدام؛ لحديث أوس بن أوس ‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫بكر وابتكر‪،‬‬
‫غسل يوم الجمعة واغتسل‪ ،‬ثم ّ‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬من َّ‬
‫يلغ‪ ،‬كان له بكل خطوة‬
‫ومشى ولم يركب‪ ،‬ودنا من اإلمام واستمع ولم ُ‬
‫عمل سنة‪ :‬أجر صيامها‪ ،‬وقيامها))(‪ .)5‬فقال‪(( :‬ومشى ولم يركب))؛‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق‪.24/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬حاشية ابن قاسم على الروض المربع‪ ،372/2 ،‬وانظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪،‬‬
‫‪.482/3‬‬
‫(‪ )3‬سمعته أثناء تقريره على صحيح مسلم‪ ،‬الحديث رقم ‪.820‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬خالف العلماء في متى تكون ساعات التبكير‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،131/4 ،‬ورجح أن وقت‬
‫سعي الفضيلة يكون من أول النهار‪ .‬وشرح النووي على صحيح مسلم ‪ ،482/3‬ورجح عند أصحابه‬
‫أن تعيين الساعات من طلوع الفجر‪ .‬والمفهم للقرطبي ‪ ،382/2‬ورجح قول اإلمام مالك وأن تعيين‬
‫الساعات يكون بعد الزوال‪ .‬والمقنع والشرح الكبير‪ ،272/2 ،‬ورجح كما رجح صاحب المغني‪.‬‬
‫واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف‪ ،‬للمرداوي‪ ،272/2 ،‬ورجح أن التبكير األفضل بعد‬
‫طلوع الفجر‪ .‬ونيل األوطار‪ ،203/2 ،‬وقال‪(( :‬ومجموع الروايات يدل على أن المراد بالرواح‪:‬‬
‫الذهاب‪ ،‬وما ذكرته المالكية أقرب إلى الصواب‪ ،‬وذكر األقوال‪ .‬وانظر‪ :‬تفصيل جميع األقوال في‬
‫فتح الباري‪،‬البن حجر‪ ،470-433/2 ،‬ورجح ابن القيم في زاد المعاد‪ 307-418/1 ،‬أن الساعات‬
‫من أول النهار‪ ،‬وأن الذي يصلي الفجر يجلس في مكانه ينتظر صالة الجمعة أفضل من الذي يذهب‬
‫ثم يجيء في وقتها‪ ،‬وبين أن لفظ‪(( :‬التهجير إلى الجمعة)) هو التبكير والمبادرة إلى كل شيء وهي‬
‫لغة أهل الحجاز ومن جاورهم‪ .‬والرواح هو الذهاب والمضي‪.‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪،432‬والترمذي‪،‬برقم ‪،313‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1087‬والنسائي‪ ،‬برقم ‪،1480‬‬
‫وتقدم تخريجه في فضل صالة الجمعة‪.‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫ولحديث عباية بن رفاعة قال‪ :‬أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة‬
‫فقال‪ :‬سمعت النبي ‪ ‬يقول‪(( :‬من اغبر ْت قدماه في سبيل اهلل َحرمه اهلل‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫على النار))(‪ .)1‬وقد أورد البخاري هذا الحديث هنا؛ لعموم قوله ‪(( :‬في‬
‫سبيل اهلل)) فدخلت فيه الجمعة؛ ولكون راوي الحديث استدل به على‬
‫ذلك‪ ،‬وقد جعل أبو عبس حكم السعي إلى الجمعة حكم الجهاد وليس‬
‫العدو من مطالب الجهاد‪ ،‬فكذلك الجمعة(‪)2‬؛ وألن كل خطوة يخطوها‬
‫يكتب له بها درجة(‪ ،)3‬لكن لو كان منزله بعيد ًا يشق عليه المشي‪ ،‬أو كان‬
‫ضعيفاً أو مريضاً‪ ،‬فاألولى أال يشق على نفسه‪.‬‬
‫‪ - 1‬القراءة فجر يوم الجمعة بـ‪‬الم‪ ‬السجدة في الركعة األولى وفي‬
‫الركعة الثانية بسورة اإلنسان؛لحديث أبي هريرة ‪ ‬قال‪((:‬كان النبي ‪ ‬يقرأ‬
‫يل‪ ‬السجدة‪،‬و‪َ ‬ه ْل أَ َتى َع َلى اإلنسان‪.)4(‬‬
‫في فجر يوم الجمعة‪:‬الم‪َ ،‬تنزِ ُ‬
‫‪- 10‬القراءة في صالة الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقون؛ لحديث أبي‬
‫هريرة ‪(( ‬أنه صلى بها في صالة الجمعة‪ ،‬فسئل عن ذلك؟ فقال‪:‬‬
‫سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقرأ بهما في يوم الجمعة))(‪.)5‬‬
‫أو يقــرأ بســبح‪ ،‬والغاشــية؛ لحــديث النعمــان بــن بشــير ‪ ،‬قــال‪(( :‬كــان‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ‪َ ‬سب ِح ْاسم َر ّب َك األعلى‪،‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫يث الغاشية‪ ،‬قال‪ :‬وإذا اجتمع العيـد والجمعـة فـي يـوم‬ ‫اك َح ِد ُ‬
‫و‪َ ‬ه ْل أَ َت َ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب المشي إلى الجمعة‪ ...‬برقم ‪.107‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.412-411/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،212-211/2 ،‬والمغني البن قدامة‪.138/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ :‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما يقرأ في صالة الفجر يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪،811‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما يقرأ في يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪.871‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما يقرأ في صالة الجمعة‪ ،‬برقم ‪.877‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫يقرأ بهما أيض ًا في الصالتين‬
‫أو يقرأ بسورتي الجمعة والغاشية؛ لرواية مسلم عن النعمان ‪‬أنه‬
‫سئل‪ :‬أي شيء قرأ رسول اهلل ‪ ‬يوم الجمعة سوى سورة الجمعة؟‬
‫اك َح ِد ُ‬
‫يث الغاشية‪ ))‬ولفظ أبي داود‪ :‬ماذا كان‬ ‫فقال‪(( :‬كان يقرأ‪َ  :‬ه ْل أَ َت َ‬
‫يقرأ به رسول اهلل ‪ ‬يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة؟ فقال‪(( :‬كان‬
‫يث الغاشية‪.)2())‬‬ ‫اك َح ِد ُ‬‫يقرأ بـ‪َ ‬ه ْل أَ َت َ‬
‫‪ - 11‬يكثر الصالة على النبي ‪ ‬يوم الجمعة‪ ،‬وليلة الجمعة؛ لحديث‬
‫أنس ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬أكثروا الصالة علي يوم الجمعة وليلة‬
‫َّ‬
‫الجمعة‪ ،‬فمن صلى علي صالة صلى اهلل عليه عشر ًا))(‪)3‬؛ ولحديث أوس‬
‫َّ‬
‫بن أوس ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة‪:‬‬
‫ِض‪ ،‬وفيه النفخة‪ ،‬وفيه الصعقة‪ ،‬فأكثروا علي من‬ ‫َ‬ ‫فيه ُخ ِل َق آدم‪ ،‬وفيه ُقب‬
‫َّ‬
‫الصالة فيه؛ فإن صالتكم معروضة علي)) قال‪ :‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل!‬
‫َّ‬
‫وكيف تعرض صالتنا عليك وقد أرمت؟ ‪ -‬يقولون بليت ‪ -‬فقال‪(( :‬إن‬
‫اهلل حرم على األرض أن تأكل أجساد األنبياء))(‪.)4‬‬
‫َّ‬
‫‪ - 12‬يكثر الدعاء يوم الجمعة؛ لعله يوافق ساعة اإلجابة؛ لحديث أبي‬
‫هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال أبو القاسم ‪(( :‬إن في الجمعة لساع ًة ال يوافقها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما يقرأ في صالة الجمعة‪ ،‬برقم ‪.878‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما يقرأ في صالة الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،)878(-34‬وأبو داود‪ ،‬كتاب‬
‫الصالة‪ ،‬باب ما يقرأ به في الجمعة‪ ،‬برقم ‪.1123‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي في الكبرى‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها من كثرة الصالة على‬
‫رسول اهلل ‪.231/4، ‬وذكر العالمة األلباني طرقه في سلسلة األحاديث الصحيحة‪ ،417/4 ،‬برقم‬
‫‪،1307‬ثم قال‪((:‬وبالجملة فالحديث بهذه الطرق حسن على أقل الدرجات‪،‬وهو صحيح بدون ذكر‬
‫ليلة الجمعة؛لحديث أوس)) وانظر‪:‬تمام المنة في التعليق على فقه السنة لأللباني‪،‬ص‪.423‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪،‬برقم ‪،1037‬والنسائي‪،‬برقم ‪،1474‬وابن ماجه‪،‬برقم ‪،1082‬وصححه األلباني في هذه‬
‫المواضع‪،‬وفي سلسلة األحاديث الصحيحة‪،‬رقم ‪،1227‬وتقدم تخريجه في فضل يوم الجمعة‪،‬رقم‬
‫‪.4‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫عبد مسلم قائم يصلي يسأل اهلل خيراً إال أعطاه إياه))(‪ .)1‬وقد تقدمت‬
‫األقوال في تعيين هذه الساعة‪ ،‬ولكن ينبغي للعبد المسلم أن يكثر من‬
‫الدعاء في جميع ساعات الجمعة لعله أن يُو َّفق لها(‪.)2‬‬
‫‪ - 14‬ال يُفرق بين اثنين أثناء دخوله الجامع؛ لحديث سلمان‬
‫ّ‬
‫الفارسي ‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬من اغتسل يوم الجمعة‪ ،‬وتطهر‬
‫ما استطاع من طهر‪ ،‬ثم ادهن‪ ،‬أو مس من طيب‪ ،‬ثم راح فلم يفر ْق بين‬
‫ّ‬
‫اثنين‪ ،‬فصلى ما كتب له‪ ،‬ثم إذا خرج اإلمام أنصت‪ُ ،‬غفر له ما بينه وبين‬
‫الجمعة األخرى))(‪.)3‬‬
‫‪ - 13‬ال يتخطى رقاب الناس؛ لحديث أبي هريرة وأبي سعيد‬
‫رضي اهلل‬
‫عنهما ‪ ،‬قاال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬من اغتسل يوم الجمعة‪ ،‬ولبس أحسن‬
‫يتخط أعناق‬
‫َّ‬ ‫ثيابه‪ ،‬ومس من طيب إن كان عنده‪ ،‬ثم أتى الجمعة فلم‬
‫الناس‪ ،‬ثم صلى ما كتب اهلل له‪ ،‬ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من‬
‫صالته كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها)) قال‪ :‬ويقول أبو‬
‫هريرة‪ :‬وزيادة ثالثة أيام‪ ،‬ويقول‪ :‬إن الحسنة بعشر أمثالها))(‪)4‬؛ ولحديث‬
‫عبد اهلل بن عمرو بن العاص رضي اهلل عنهما عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬من اغتسل يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬ومس من طيب امرأته ‪ -‬إن كان لها ‪ -‬ولبس من صالح ثيابه‪،‬‬
‫يلغ عند الموعظة‪ ،‬كانت كفارة لما‬ ‫ثم لم يتخط رقاب الناس‪ ،‬ولم ُ‬
‫بينهما‪ ،‬ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً))(‪)5‬؛ولحديث أبي‬
‫الزاهرية قال‪:‬كنا مع عبد اهلل بن بسر ‪ -‬صاحب النبي ‪ - ‬يوم الجمعة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،142‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪،822‬وتقدم تخريجه في فضل يوم الجمعة برقم‪.3‬‬
‫(‪ )2‬تقدمت أقوال أهل العلم في هذه الساعة في فضل يوم الجمعة برقم ‪ .3‬وانظر‪ :‬المغني البن‬
‫قدامة‪.241-247/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،110‬ورقم ‪ ،884‬وتقدم تخريجه في فضائل صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،434‬وتقدم تخريجه في فضائل صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،437‬وتقدم تخريجه في فضائل صالة الجمعة‪.‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫فجاء رجل يتخطى رقاب الناس‪ ،‬فقال عبد اهلل بن ُبسر‪ :‬جاء رجل‬
‫يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي ‪ ‬يخطب فقال له النبي ‪:‬‬
‫((اجلس فقد آذيت))(‪.)1‬‬
‫‪ - 12‬ال يقيم أخاه ويقعد مكانه؛لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما ‪،‬قال‪:‬‬
‫الرجل من مقعده‪،‬ويجلس فيه)) فقيل لنافع‬
‫َ‬ ‫الرجل‬
‫ُ‬ ‫((نهى النبي ‪ ‬أن يقيم‬
‫(‪)2‬‬
‫وهو الراوي عن ابن عمر‪:‬الجمعة؟ قال‪:‬الجمعة وغيرها)) ‪.‬وفي رواية‬
‫الرجل من مقعده ثم يجلس فيه‪،‬ولكن تفسحوا‬ ‫َ‬ ‫الرجل‬
‫ُ‬ ‫لمسلم‪(( :‬ال يقيم‬
‫وتوسعوا))(‪)3‬؛ ولحديث جابر ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪((:‬ال يُقيمن أحدكم‬
‫أخاه يوم الجمعة ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه‪،‬ولكن يقول‪:‬‬
‫تفسحوا))(‪.)4‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 13‬إذا دخل المسجد واإلمام يخطب فال يجلس حتى يصلي‬
‫ركعتين؛ لحديث جابر ‪ ‬قال‪ :‬دخل رجل والنبي ‪ ‬يخطب الناس يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬فقال‪(( :‬أصليت يا فالن؟)) فقال‪ :‬ال‪ .‬قال‪(( :‬قم فاركع))‪ .‬وفي‬
‫فصل ركعتين ))‪ ،‬وفي لفظ للبخاري أيضاً‪(( :‬إذا جاء‬
‫رواية للبخاري‪ّ (( :‬‬
‫فليصل ركعتين))‪ .‬وفي لفظ لمسلم‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أحدكم واإلمام يخطب أو قد خرج‬
‫ليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول اهلل ‪ ‬يخطب فجلس فقال‬ ‫((جاء ُس ٌ‬
‫وتجوز فيهما))‪ ،‬ثم قال‪(( :‬إذا جاء‬
‫َّ‬ ‫سليك قم فاركع ركعتين‬
‫ٌ‬ ‫له‪(( :‬يا‬
‫وليتجوز فيهما))(‪.)5‬‬
‫َّ‬ ‫أحدكم يوم الجمعة واإلمام يخطب فليركع ركعتين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب النهي عن تخطي رقاب الناس واإلمام على المنبر يوم الجمعة‪ ،‬برقم‬
‫‪ ، 1418‬وأبو داود بلفظه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪،1118‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح النسائي‪ ،321/1 ،‬وصحيح أبي داود‪.407/1 ،‬‬
‫الجمعة‪،‬باب‪:‬ال يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد مكانه‪،‬برقم ‪،111‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )2‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬كتاب‬
‫ومسلم‪،‬كتاب السالم‪،‬باب تحريم إقامة اإلنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه برقم ‪.2177‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،)2177( -28‬وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬كتاب السالم‪ ،‬باب تحريم إقامة اإلنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه‪ ،‬برقم ‪.2178‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب إذا رأى اإلمام رجال ً جاء وهو يخطب أمره أن يصلي‬
‫ركعتين‪ ،‬برقم ‪ ،140‬وباب من جاء واإلمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين‪ ،‬برقم ‪ ،141‬وكتاب‬
‫=‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫‪ - 17‬ينصت للخطبة؛ لحديث أبي هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬إذا‬
‫قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت واإلمام يخطب فقد لغوت))(‪،)1‬وفي‬
‫حديث أبي هريرة اآلخر عند مسلم‪((:‬ومن مس الحصى فقد لغا))(‪،)2‬وفي‬
‫حديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما عن النبي ‪ ‬قال‪((:‬يحضر الجمعة ثالثة‬
‫نفر‪:‬رجل حضرها يلغو وهو حظه منها‪ ))...‬الحديث(‪)3‬؛ ولحديث ابن‬
‫عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬من تكلم واإلمام يخطب فهو‬
‫كمثل الحمار يحمل أسفاراً‪ ،‬والذي يقول‪ :‬له أنصت ليس له جمعة))(‪،)4‬‬
‫ومعنى ال جمعة له‪ :‬أي ال جمعة له كاملة‪ ،‬ولكنها تجزئه عن صالة‬
‫الظهر كما في حديث ابن عمر عند أبي داود كما تقدم‪ ،‬وهذا لإلجماع‬
‫على إسقاط فرض الوقت عنه(‪.)5‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول عن‬
‫حديث ابن عباس السابق وحديث أبي هريرة في الصحيحين‪(( :‬هذان‬
‫الحديثان يدالن على وجوب اإلنصات‪ ،‬ومعنى ليس له جمعة‪ :‬أي يفوته‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫التهجد‪ ،‬باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى‪ ،‬برقم ‪ ،1133‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب التحية‬
‫واإلمام يخطب‪ ،‬برقم ‪.872‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب اإلنصات يوم الجمعة واإلمام يخطب‪ ،‬برقم ‪ ،143‬ومسلم‪،‬‬
‫كتاب الجمعة‪ ،‬باب اإلنصات يوم الجمعة في الخطبة‪ ،‬برقم ‪.821‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،827‬وتقدم تخريجه في فضائل الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،1114‬وحسنه األلباني في صحيح أبي داود‪ ،402/1 ،‬وتقدم تخريجه بتمامه في‬
‫فضائل صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬أحمد في المسند‪ ،240/1 ،‬وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪(( :378‬رواه أحمد‬
‫بإسناد ال بأس به‪ ،‬وهو يفسر حديث أبي هريرة في الصحيح مرفوعاً‪(( :‬إذا قلت لصاحبك أنصت يوم‬
‫الجمعة واإلمام يخطب فقد لغوت)) ا‪.‬هـ‪ .‬وأورده الحافظ ابن حجر أيضاً في فتح الباري‪،313/2،‬وقال‬
‫عقبه‪((:‬وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر موقوفاً)) أهـ‪.‬وقال العالمة أحمد شاكر في‬
‫شرحه وترقيمه لمسند أحمد‪،‬برقم ‪(( :2044‬إسناده حسن))‪،‬وقال الهيثمي في مجمع الزوائد‪:183/2 ،‬‬
‫((رواه أحمد والبزار‪ ،‬والطبراني في الكبير‪،‬وفيه مجالد بن سعيد وقد ضعفه الناس‪،‬ووثقه النسائي في‬
‫رواية))‪.‬والحديث ضعفه األلباني في مشكاة المصابيح‪ ،‬وفي تمام المنة‪ ،‬ص‪.447‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪ ،313/2 ،‬وسبل السالم للصنعاني‪.172/4 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫فضلها‪ ،‬وإال فهي تجزئه‪ ،‬وفي مسلم‪(( :‬ومن مس الحصى فقد لغا))‪ ،‬ولكن‬
‫ال مانع [من] اإلشارة لألمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ألن اإلشارة ال‬
‫مانع منها في الصالة للحاجة))(‪.)1‬‬
‫‪ - 18‬ال تتخذ الحلقات في المسجد قبل صالة الجمعة؛لحديث عبد‬
‫اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما ‪(( :‬أن النبي ‪ ‬نهى عن التح ُّلق يوم الجمعة قبل‬
‫الصالة‪ ،‬وعن الشراء والبيع في المسجد))‪ .‬ولفظ الترمذي‪(( :‬نهى عن‬
‫تناشد األشعار في المسجد‪ ،‬وعن البيع والشراء فيه‪ ،‬وأن يتحلق الناس‬
‫فيه يوم الجمعة قبل الصالة))(‪.)2‬‬
‫‪- 11‬يتحول إذا نعس من مجلسه إلى مقعد آخر؛لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‬
‫فليتحو ْل‬
‫َّ‬ ‫قال‪:‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪((:‬إذا نعس أحدكم وهو في المسجد‬
‫من مجلسه ذلك إلى غيره))‪ ،‬ولفظ الترمذي‪((:‬إذا نعس أحدكم يوم الجمعة‬
‫فليتحول عن مجلسه))‪.‬ولفظ أحمد‪((:‬إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم الجمعة‬ ‫َّ‬
‫فليتحول إلى غيره))‪.‬وفي لفظ آخر ألحمد‪((:‬إذا نعس أحدكم في المسجد يوم‬
‫َّ‬
‫فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره))(‪.)3‬‬
‫َّ‬ ‫الجمعة‬
‫‪ - 20‬ال يحتبئ في المسجد قبل صالة الجمعة واإلمام يخطب؛‬
‫الحبوة يوم الجمعة‬
‫لحديث معاذ بن(‪)4‬أنس ‪ ‬أن رسول اهلل ‪(( :‬نهى عن ُ‬
‫واإلمام يخطب)) ‪.‬وعن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬نهى رسول اهلل ‪‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام البن حجر‪ ،‬الحديث رقم‪.378‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪،‬برقم ‪،713‬وأبو داود‪،‬برقم ‪ ،1071‬والترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،422‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪،1144‬‬
‫وحسنه األلباني في هذه المواضع كلها‪ ،‬وتقدم تخريجه في المساجد‪ :‬أحكام المساجد‪ ،‬برقم ‪.13‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،1111‬والترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،223‬وأحمد في المسند‪ ،142 ،42 ،22/2 ،‬وصححه‬
‫األلباني في سنن أبي داود‪ ،208/1 ،‬وقد صرح محمد بن إسحاق بالسماع في رواية أحمد‪،142/2 ،‬‬
‫وتقدم تخريجه في المساجد‪ ،‬أحكام المساجد‪ ،‬برقم ‪.17‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪،‬برقم ‪،1110‬والترمذي‪،‬برقم ‪،213‬وقال‪:‬هذا حديث حسن‪،‬وحسنه األلباني في صحيح أبي‬
‫داود‪،203/1،‬وتقدم تخريجه في المساجد‪ :‬أحكام المساجد‪ ،‬برقم ‪.21‬‬
‫‪550‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫عن االحتباء يوم الجمعة)) يعني واإلمام يخطب(‪.)1‬‬


‫الدنو من اإلمام عند الموعظة والخطبة؛لحديث سمرة بن جندب أن‬ ‫‪ُّ - 21‬‬
‫النبي ‪ ‬قال‪((:‬احضروا الذكر‪،‬وادنوا من اإلمام؛فإن الرجل ال يزال يتباعد حتى‬
‫يؤخر في الجنة وإن دخلها))(‪)2‬؛ولحديث أوس بن أوس ‪ ‬قال‪:‬سمعت‬
‫بكر وابتكر‪،‬ومشى ولم يركب‪ ،‬ودنا‬‫غسل واغتسل‪،‬ثم َّ‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬يقول‪((:‬من َّ‬
‫من اإلمام واستمع ولم يلغ‪،‬كان له بكل خطوة عمل سنة‪:‬أجر صيامها‬
‫وقيامها))(‪.)3‬‬
‫‪ - 22‬إذا وافق يوم عيد يوم الجمعة حضر اإلمام ومن شاء من الناس‪،‬‬
‫وصلى بهم؛ لحديث إياس بن أبي رملة الشامي‪ ،‬قال‪ :‬شهدت معاوية بن‬
‫أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم‪ ،‬قال‪ :‬أشهدت مع محمد رسول اهلل‬
‫‪ ‬عيدين اجتمعا في يوم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فكيف صنع؟ قال‪ :‬صلى‬
‫فليصل))(‪)4‬؛‬
‫ّ‬ ‫العيد ثم رخص في الجمعة‪ ،‬فقال‪(( :‬من شاء أن يصلي‬
‫ولحديث أبي هريرة ‪ ‬عن رسول اهلل ‪ ‬أنه قال‪(( :‬قد اجتمع في‬
‫مجمعون))(‪)5‬؛‬
‫ّ‬ ‫يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة‪ ،‬وإنا‬
‫ولحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما عن رسول اهلل ‪ ‬أنه قال‪(( :‬اجتمع عيدان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن ماجه‪،‬برقم ‪،1143‬وحسنه األلباني في صحيح سنن ابن ماجه‪،187/1،‬وتقدم تخريجه في المساجد‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الدنو من اإلمام عند الموعظة‪ ،‬برقم ‪ ،1108‬وحسنه األلباني في‬
‫صحيح أبي داود‪.403/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،432‬والترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،313‬وابن ماجه برقم ‪ ،1087‬والنسائي‪ ،‬برقم ‪ ،1480‬وصححه‬
‫األلباني في هذه المواضع كلها‪.‬وتقدم تخريجه في فضائل صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد‪ ،‬برقم ‪ ،1070‬النسائي‪ ،‬كتاب صالة‬
‫العيدين‪،‬باب الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد‪،‬برقم ‪،1210‬وابن ماجه‪،‬كتاب إقامة‬
‫الصلوات‪،‬باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم‪،‬برقم ‪،1410‬وأحمد‪ ،472/3،‬والحاكم‪،‬‬
‫‪ ،288/1‬وصححه ووافقه الذهبي‪ ،‬وصححه ابن خزيمة في صحيحه‪ ،421/2 ،‬برقم ‪ ،1333‬وصححه‬
‫ابن المديني كما في تلخيص الحبير‪ ،88/2 ،‬وصححه األلباني في صحيح أبي داود‪،212/1،‬‬
‫وصحيح النسائي‪ ،213/1 ،‬وصحيح ابن ماجه‪.412/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬با ب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد‪ ،‬برقم ‪ ،1074‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح أبي داود‪.213/1 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪556‬‬
‫(‪)1‬‬
‫في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون إن شاء‬
‫اهلل))(‪)2‬؛ ولحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬اجتمع عيدان على عهد رسول‬
‫اهلل ‪،‬فصلى بالناس ثم قال‪((:‬من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها‪،‬ومن شاء‬
‫أن يتخلف فليتخلف))(‪.)3‬‬
‫وهذه األحاديث تدل على أن صالة الجمعة بعد صالة العيد تصير‬
‫رخصة‪ :‬يجوز فعلها وتركها‪ ،‬وهو خاص بمن صلى العيد دون من لم‬
‫يص ّلها‪ ،‬ومن لم يحضر صالة الجمعة‪ ،‬فإنه يصلي ظهراً؛ ألن الظهر هي‬
‫الفرض األصلي المفروض ليلة اإلسراء‪ ،‬والجمعة متأخر فرضها‪ ،‬وهي‬
‫بدل عن الظهر‪ ،‬ثم إن الجمعة إذا فاتت في غير يوم العيد وجب صالة‬
‫الظهر إجماعاً فهي البدل عنها(‪ .)4‬أما اإلمام فال تسقط عنه على‬
‫الصحيح‪ ،‬لقوله ‪(( :‬وإنا مجمعون))؛ وألنه لو تركها المتنع فعل‬
‫الجمعة في حق من تجب عليه‪ ،‬ومن يريدها‪ ،‬بخالف غيره من الناس(‪.)5‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‬
‫عن حديث زيد بن أرقم‪[ :‬هذا] ((يدل على أنه ال بأس أن يترك الجمعة‬
‫من حضر صالة العيد‪ ،‬لكن يصلي ظهراً‪ ،‬ومن قال‪ :‬ال يصلي ظهراً فقد‬
‫غلط‪ ،‬وهو كاإلجماع من أهل العلم))(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وإنا مجمعون‪ :‬أي مصلون الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصلوات‪ ،‬باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم‪ ،‬برقم ‪،1411‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه‪.412/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصلوات‪ ،‬باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم‪ ،‬برقم ‪،1414‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه‪.412/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬سبل السالم للصنعاني‪ 180-171/4 ،‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫(‪ )5‬المغني‪ ،‬البن قدامة‪.234/4 ،‬‬
‫(‪ )6‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪ .384‬وسمعته يقول أثناء تقريره على الحديث‬
‫اكتفاء‬
‫ً‬ ‫للمجد ابن تيمية عن فعل ابن الزبير ‪ ‬حينما ترك الظهر‬
‫ّ‬ ‫رقم ‪ 1333‬من منتقى األخبار‬
‫بصالة العيد‪ (( :‬وهذا اجتهاد ابن الزبير‪ ،‬والصواب أنه البد من صالة الظهر‪ ،‬والنبي ‪ ‬صلى العيد‬
‫وصلى الجمعة في يوم واحد‪،‬وهذا الذي ينبغي لألمة أن يصلوا العيد ويصلوا‬
‫=‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫‪ - 24‬قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؛ لحديث أبي سعيد الخدري‬


‫‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له نور‬
‫ما بينه وبين الجمعتين))(‪.)1‬‬
‫‪ - 23‬النداء األول لصالة الجمعة؛لحديث السائب بن يزيد‪،‬قال‪:‬كان‬
‫النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس اإلمام على المنبر على عهد النبي‬
‫‪،‬وأبي بكر‪ ،‬وعمر رضي اهلل عنهما ‪،‬فلما كان عثمان ‪،‬وكثر الناس زاد النداء‬
‫الثالث على الزوراء(‪،)2‬وفي رواية‪:‬التأذين الثاني))‪.‬وفي لفظ‪((:‬إن األذان يوم‬
‫الجمعة كان أوله حين يجلس اإلمام يوم الجمعة على المنبر‪،‬في عهد‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬وأبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما ‪،‬فلما كان في خالفة عثمان ‪‬‬
‫وكثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة باألذان الثالث فأذن به على‬
‫الزوراء‪،‬فثبت األمر على ذلك))(‪.)3‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬قوله‪ :‬زاد النداء الثالث‪ :‬في رواية‬
‫وكيع عن ابن أبي ذئب‪ :‬فأمر عثمان باألذان األول‪ ،‬ونحوه للشافعي من‬
‫هذا الوجه‪ ،‬وال منافاة بينهما؛ ألنه باعتبار كونه مزيداً يسمى ثالثاً‪،‬‬
‫وباعتبار كونه مقدم ًا على األذان واإلقامة يسمى أوالً‪[ .‬أما رواية] أن‬
‫التأذين الثاني أمر به عثمان وتسميته ثانياً أيضاً متوجه بالنظر إلى األذان‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫الجمعة))‪.‬وانظر‪:‬المغني البن قدامة‪.234/4،‬‬
‫(‪ )1‬الحاكم‪ ،438/2 ،‬وصحح إسناده‪ ،‬وأخرجه البيهقي‪ ،231/4 ،‬وصححه األلباني في إرواء الغليل‪،‬‬
‫‪ ،14/4‬برقم ‪ ،323‬وفي صحيح الترغيب والترهيب‪ ،332/1 ،‬والحديث له عدة ألفاظ ذكرها‬
‫العالمة األلباني في اإلرواء‪ ،32-34/4 ،‬وانظر‪ :‬صحيح الترغيب والترهيب‪ ،201/1 ،‬برقم ‪،222‬‬
‫‪، 322/1‬برقم ‪ ،743‬وانظر‪ :‬زاد المعاد البن القيم‪ ،477/1 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪،‬‬
‫‪ ،122-120/2‬والمغني البن قدامة‪.243/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬الزوراء‪ :‬قال البخاري رحمه اهلل‪(( :‬موضع بالسوق بالمدينة)) البخاري‪ ،‬برقم ‪.112‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪،‬كتاب الجمعة‪،‬باب األذان يوم الجمعة‪،‬برقم ‪،112‬وباب المؤذن الواحد يوم الجمعة‪ ،‬برقم‬
‫‪،114‬وباب التأذين عند الخطبة‪،‬برقم ‪،113‬وباب الجلوس على المنبر عند التأذين‪،‬برقم ‪.112‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الحقيقي‪ ،‬ال اإلقامة)) ‪ .‬والنداء األول للجمعة الذي جعله عثمان ‪‬‬
‫ليس ببدعة؛ ألمر النبي ‪ ‬باتباع الخلفاء الراشدين‪ ،‬بقوله‪(( :‬عليكم‬
‫بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي‪ ،‬تمسكوا بها وعضوا‬
‫عليها بالنواجذ))(‪ .)2‬وقال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل بعد كالمه على‬
‫رويات األذان الذي جعله عثمان‪(( :‬وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه‬
‫إلعالم الناس بدخول وقت الصالة قياساً على بقية الصلوات‪ ،‬فألحق‬
‫الجمعة بها وأبقى خصوصيتها باألذان بين يدي الخطيب))(‪ .)3‬وعلق‬
‫القسطالني في شرحه للبخاري على حديث السائب بن يزيد‪ ،‬فذكر بأن‬
‫النداء الذي زاده عثمان هو عند دخول الوقت‪ ،‬وسماه ثالثاً باعتبار كونه‬
‫مزيداً على األذان بين يدي اإلمام واإلقامة للصالة‪ ،‬وأطلق على اإلقامة‬
‫أذاناً تغليباً بجامع اإلعالم فيهما‪ ،‬وكان هذا األذان لما كثر المسلمون‪،‬‬
‫فزاده اجتهاداً منه وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت‪ ،‬وعدم اإلنكار‬
‫فصار إجماعاً))(‪.)4‬‬
‫وقال اإلمام شيخنا ابن باز رحمه اهلل‪(( :‬إن الناس كثروا في عهد‬
‫الخليفة الراشد عثمان بن عفان ‪ ‬في المدينة‪ ،‬فرأى أن يزاد األذان‬
‫الثالث‪ ،‬ويقال له األذان األول؛ ألجل تنبيه الناس على أن اليوم يوم‬
‫الجمعة حتى يستعدوا ويبادروا إلى الصالة‪.)5( ))...‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري البن حجر‪.413/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب السنة‪ ،‬باب في لزوم السنة‪ ،‬برقم ‪ ،3307‬والترمذي‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب ما‬
‫جاء في األخذ بالسنة واجتناب البدع‪ ،‬برقم ‪ ، 2373‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬وابن ماجه‪،‬‬
‫المقدمة‪ ،‬باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين‪ ،‬برقم ‪ ،33-32‬وأحمد‪،37-33/3 ،‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ 111/4 ،‬وغيره‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.413/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬إرشاد الساري شرح صحيح البخاري‪ ،‬للقسطالني‪ ،282/2 ،‬وفتاوى اللجنة الدائمة‬
‫للبحوث العلمية واإلفتاء‪.118/8 ،‬‬
‫(‪ )5‬مجموع فتاوى ابن باز‪.438/12 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫‪ - 22‬السنة أن يصلي بعد الجمعة أربع ركعات‪ ،‬أما قبل صالة الجمعة‬
‫فيصلي صالة مطلقة‪ ،‬وليس لها قبلها سنة راتبة مقدرة‪،‬بل يشتغل بالتطوع‬
‫المطلق‪،‬والذكر حتى يخرج اإلمام(‪.)1‬‬
‫أما راتبة الجمعة التي بعدها؛ فلحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه حفظ من‬
‫رسول اهلل ‪ ‬السنن الرواتب وفيه‪ ...(( :‬وركعتين بعد الجمعة في بيته))(‪.)2‬‬
‫فليصل‬
‫ّ‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪:‬قال رسول اهلل ‪((:‬إذا صلى أحدكم الجمعة‬
‫بعدها أربعاً))‪.‬وفي لفظ‪((:‬إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعاً))‪،‬وفي لفظ‬
‫فليصل أربعاً))‪.‬قال سهيل أحد رواة‬
‫ّ‬ ‫ثالث‪((:‬من كان منكم مصلياً بعد الجمعة‬
‫فصل ركعتين في المسجد‪،‬وركعتين إذا‬ ‫ّ‬ ‫الحديث‪(( :‬فإن عجل بك شيء‬
‫رجعت))(‪.)3‬‬
‫وذكر ابن القيم أن ابن تيمية قال‪(( :‬إن صلى في المسجد صلى أربع ًا‪ ،‬وإن‬
‫صلى في بيته صلى ركعتين))(‪ .)4‬وكان ابن عمر رضي اهلل عنهما ‪(( :‬إن صلى في‬
‫المسجد صلى أربع ًا‪ ،‬وإن صلى في بيته صلى ركعتين))(‪ .)5‬وسمعت شيخنا‬
‫اإلمام ابن باز رحمه اهلل يذكر خالف العلماء في ذلك ثم قال‪(( :‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬أقلها اثنتان وأكثرها أربع‪ ،‬وال فرق بين كونها تصلى في البيت أو‬
‫في المسجد‪ ،‬وهذا القول أظهر؛ ألن القول مقدم على الفعل‪ ،‬واألربع‬
‫أفضل؛ ألنه يتعلق بها األمر))(‪.)6‬‬
‫عد ُد صالة الجمعة في القرية الواحدة أو البلد الواحد إال‬
‫‪ - 23‬ال تُ َّ‬
‫لحاجة البد منها‪ :‬كسعة البلد‪ ،‬وكثرة سكانه‪ ،‬أو ُبعد الجامع‪ ،‬أو ضيقه‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬زاد المعاد‪ ،‬البن القيم‪.478 ،343 ،277/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،182‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع‪ :‬السنن الرواتب‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،881‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع‪ :‬راتبة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬زاد المعاد‪.330/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،1140‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع‪ :‬راتبة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )6‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،383‬وانظر للفائدة ما تقدم في صالة التطوع‪:‬‬
‫راتبة الجمعة‪.‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫أو خوف فتنة‪ ،‬فيجوز إقامة أكثر من جمعة؛ لهذه األعذار؛ ولغيرها من‬
‫األعذار التي تشق على الناس‪ ،‬قال الخرقي رحمه اهلل تعالى‪(( :‬وإذا كان‬
‫البلد كبيراً يحتاج إلى جوامع فصالة الجمعة في جميعها جائزة))(‪.)1‬‬
‫وقال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل تعالى‪(( :‬وجملته أن البلد متى كان كبير ًا‪،‬‬
‫يشق على أهله االجتماع في مسجد واحد‪ ،‬ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره‪ ،‬أو‬
‫ضيق مسجده عن أهله‪ ...‬جازت إقامة الجمعة فيما يحتاج إليه من‬
‫جوامعها‪.)2( ))...‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪ ...(( :‬فإقامة الجمعة في المدينة‬
‫الكبيرة في موضعين للحاجة يجوز عند أكثر العلماء))(‪ .)3‬وقال رحمه اهلل‪:‬‬
‫((ويجوز إقامة جمعتين في بلد واحد؛ ألجل الشحناء‪ ،‬بأن حضروا كلهم‬
‫وقعت الفتنة‪ ،‬ويجوز ذلك للضرورة إلى أن تزول الفتنة))(‪ .)4‬أما إذا لم يكن‬
‫لذلك حاجة فال يجوز؛ ألن النبي ‪ ‬لم يكن يجمع إال في مسجد واحد‬
‫هو مسجده بالمدينة(‪ .)5‬وال يشترط على الصحيح إذن اإلمام إلقامة‬
‫الجمعة‪ ،‬ورجح العالمة محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل‪ :‬أن إذن اإلمام‬
‫يشترط في تعدد الجمعة‪ ،‬أما إلقامة الجمعة فال يشترط كما تقدم(‪.)6‬‬
‫رضي‬ ‫‪ - 27‬إذا أحدث في صالته أخذ بأنفه ثم انصرف؛ لحديث عائشة‬
‫اهلل عنها قالت‪ :‬قال النبي ‪(( :‬إذا أحدث أحدكم في صالته؛ فليأخذ بأنفه‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مختصر الخرقي المطبوع مع المغني البن قدامة‪.212/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬المغني البن قدامة‪.214-212/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪.208/23 ،‬‬
‫(‪ )4‬المستدرك على مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬لمحمد بن قاسم‪.127/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ، 212-212/4 ،‬والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪،222 -222/2 ،‬‬
‫والروض المربع مع حاشية ابن قاسم‪ ،333-332/2 ،‬والكافي البن قدامة‪،317-313/1 ،‬‬
‫ومجموع فتاوى العالمة ابن باز‪،428-421/12 ،‬وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية‬
‫واإلفتاء‪،233 ،233 ،234-223/8،‬والشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين‪.14 ،12/2،‬‬
‫(‪ )6‬الشرح الممتع‪ ،44/2 ،‬و‪.170‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫ثم ينصرف))(‪.)1‬‬
‫‪ - 28‬ال يصلي المأمومون بين السواري إال لحاجة؛ لحديث أنس(‪،)2‬‬
‫وحديث قرة(‪ )3‬رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫خاصاً ال يصلي إال فيه؛لحديث عبد الرحمن بن‬ ‫َّ‬ ‫‪ - 21‬ال يتخذ مكاناً‬
‫شبل ‪.)4(‬‬
‫يمر بين يدي المصلي وسترته؛لحديث أبي جهم ‪.)5(‬‬ ‫‪- 40‬ال ُّ‬
‫( ‪)6‬‬
‫‪ - 41‬ال يحجز مكاناَ بسجادة ونحوها‪ ،‬وإنما يتقدم بنفسه ‪.‬‬
‫‪ - 42‬ال يرفع صوته بالقراءة إذا كان ذلك يشوش على الناس؛‬
‫لحديث أبي سعيد ‪.)7(‬‬
‫‪ - 44‬يستحضر المشي إلى الصالة وما أعد اهلل لذلك(‪.)8‬‬
‫‪ - 43‬يلتزم بآداب المشي إلى المسجد(‪.)9‬‬
‫‪ - 42‬ال حرج في تكلم الخطيب وتكليمه للمصلحة؛لحديث جابر‬
‫‪ ،)10(‬وحديث أبي الزاهرية(‪ ،)11‬وحديث أنس ‪.)12(‬‬
‫‪ - 43‬السجود أثناء الزحام‪(( :‬من كبرتكبيرة اإلحرام مع اإلمام ثم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب استئذان المحدث لإلمام‪ ،‬برقم ‪ ،1113‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح أبي داود‪.403/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬الحاكم وصححه‪ ،218/1 ،‬وتقدم تخريجه في المساجد‪ ،‬أحكام المساجد‪ ،‬برقم ‪.12‬‬
‫(‪ )3‬الحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪ 218/1 ،‬وتقدم في أحكام المساجد‪ ،‬برقم ‪.12‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ 832‬وغيره‪ ،‬وتقدم تخريجه في أحكام المساجد‪ ،‬برقم ‪.28‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،210‬ومسلم‪،‬برقم ‪،207‬وتقدم تخريجه في أحكام المساجد‪،‬برقم ‪.27‬‬
‫(‪ )6‬تقدم في المساجد‪ :‬أحكام المساجد‪ ،‬برقم ‪.48‬‬
‫(‪ )7‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،1442‬وغيره‪ ،‬وتقدم في أحكام المساجد‪ ،‬برقم ‪.13‬‬
‫(‪ )8‬تقدم فضل المشي في المساجد من رقم ‪.13-1‬‬
‫(‪ )9‬تقدمت آداب المشي إلى المساجد في المساجد من رقم ‪.13-1‬‬
‫(‪ )10‬وتقدم تخريجه في األدب‪ ،‬رقم ‪ 17‬من هذه اآلداب‪.‬‬
‫(‪ )11‬وتقدم تخريجه في األدب‪ ،‬رقم ‪ 17‬من هذه اآلداب‪.‬‬
‫(‪ )12‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1021‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪.817‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫حصل له زحام شديد ال يستطيع السجود؛ فإنه يسجد على حسب‬
‫استطاعته‪ ،‬فقيل‪ :‬يسجد على ظهر إنسان أو رجله ويُ َم ّكن الجبهة‬
‫واألنف‪ ،‬لقول عمر بن الخطاب ‪(( :‬إذا اشتد الزحام فليسجد على‬
‫ظهر أخيه))(‪ .)1‬قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪(( :‬وهذا قاله بمحضر من‬
‫الصحابة وغيرهم في يوم جمعة‪ ،‬ولم يظهر له مخالف فكان إجماع ًا؛‬
‫وألنه أتى بما يمكنه حال العجز فصح كالمريض))(‪.)2‬‬
‫وقيل‪ :‬ال يسجد على ظهر أحد وال على رجله‪ ،‬ولكنه يومئ غاية اإلمكان(‪.)3‬‬
‫وقيل‪ :‬إن شاء سجد على ظهر إنسان أو رجله‪ ،‬وإن شاء انتظر الزحام‬
‫واألفضل السجود(‪.)4‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يرجح أن اإلنسان إذا حصل‬
‫له زحام شديد في الحرم فلم يستطع السجود فإنه ينتظر حتى يقوم‬
‫الناس ثم يسجد‪.‬‬

‫ورجح العالمة ابن عثيمين ((أنه يومئ بالسجود إيماء؛ ألن اإليماء في‬
‫السجود قد جاءت به السنة‪ ،‬ويليه القول بأنه ينتظر ثم يسجد‪.)5( ))...‬‬
‫‪ - 47‬ال يصلي في موضعه الذي صلى فيه الجمعة‪ ،‬حتى يتكلم أو‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في المسند‪ ،42/1 ،‬والبيهقي في السنن‪ ،184-182/4 ،‬والطيالسي في المسند‪،‬‬
‫برقم ‪ ، 70‬وعبد الرزاق في المصنف‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب من حضر الجمعة فزحم فلم يستطع‬
‫يركع مع اإلمام‪ ،244/4 ،‬برقم ‪ ،2332‬و‪ ،2331‬قال العالمة األلباني في تمام المنة في التعليق‬
‫على فقه السنة‪ ،‬ص‪(( :431‬وصله البيهقي‪ ،‬وإسناده صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني البن قدامة‪ ،183/4 ،‬فذكره عن أحمد وقال‪(( :‬وبهذا قال الثوري‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬والشافعي‪،‬‬
‫وأبو ثور‪ ،‬وابن المنذر‪ ،‬وقال عطاء والزهري ومالك ال يفعل‪ ،‬قال مالك‪ :‬وتبطل الصالة))‪ .‬وانظر‪:‬‬
‫الشرح الكبير‪.211-201/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬نقله المرداوي في اإلنصاف‪ 210/2 ،‬عن ابن عقيل‪.‬‬
‫(‪ )4‬نقله المرداوي في اإلنصاف‪.210/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬الشرح الممتع‪ ،33/2 ،‬وانظر‪ :‬حاشية ابن قاسم على الروض المربع‪.334-332/2 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫يخرج؛لحديث السائب بن يزيد عن معاوية ‪ .)1(‬واهلل ‪ ‬أعلم‪.‬‬


‫عاش ارً‪ :‬خصائص الجمعة كثيرة متعددة‪ ،‬منها ما يأتي‪:‬‬
‫يل‪(( ‬السجدة))‪ ،‬و‪َ ‬ه ْل أَ َتى‬
‫‪ - 5‬يقرأ في فجرها بسورتي‪ :‬الم‪َ ،‬تنزِ ُ‬
‫َع َلى اإلنسان‪.‬‬
‫‪ - 5‬استحباب كثرة الصالة على النبي ‪ ‬يوم الجمعة وليلة‬
‫الجمعة(‪.)2‬‬
‫‪ - 5‬صالة الجمعة من آكد فروض اإلسالم‪ ،‬ومن أعظم مجامع‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫‪ - 5‬األمر باالغتسال في يومها‪ ،‬وهو أمر مؤكد جد ًا‪.‬‬
‫‪ - 0‬التطيب فيه وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام األسبوع‪.‬‬
‫‪ - 6‬السواك فيه وله مزية على السواك في غيره‪.‬‬
‫‪ - 5‬التبكير للصالة‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يشتغل بالصالة‪،‬والذكر‪،‬والقراءة حتى يخرج اإلمام‪.‬‬
‫‪ - 5‬اإلنصات للخطبة إذا سمعها وجوباً في أصح القولين‪.‬‬
‫‪ - 55‬قراءة سورة الكهف في يومها‪.‬‬
‫‪ - 55‬ال يكره فعل الصالة في يومها وقت الزوال لمن ينتظر الصالة‪.‬‬
‫‪ - 55‬قراءة سورة الجمعة وسورة المنافقون‪ ،‬أو سبح والغاشية‪ ،‬أو‬
‫الجمعة والغاشية في صالة الجمعة‪.‬‬
‫‪ - 55‬يوم الجمعة يوم عيد متكرر في األسبوع‪.‬‬
‫‪ - 55‬يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها‪.‬‬
‫‪ - 50‬يستحب فيه تجمير المسجد‪،‬لما رواه سعيد بن منصور عن عمر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم برقم ‪ ،710‬وتقدم تخريجه في آداب اإلمام‪ ،‬وفي آداب المأموم في اإلمامة‪.‬‬
‫وحسن‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬لحديث أنس ‪ ‬يرفعه‪(( :‬أكثروا من الصالة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة)) رواه البيهقي‬
‫إسناده األرناؤوط في تخريج زاد المعاد البن القيم‪.473/1 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫أنه أمر بذلك‪.‬‬
‫‪ - 56‬ال يجوز السفر في يومها لمن تلزمه إذا دخل وقتها وأذن لها إال‬
‫لعذر‪.‬‬
‫‪ - 55‬للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها‪.‬‬
‫ؤت الكبائر‪.‬‬
‫‪ - 55‬يوم تكفير السيئات ما لم ُت َ‬
‫سجر كل يوم إال يوم الجمعة؛ لحديث أبي قتادة في‬ ‫‪ - )155‬جهنم ُت َّ‬
‫ذلك( ‪.‬‬
‫‪ - 55‬في يوم الجمعة ساعة اإلجابة ال يسأل اهلل عبد مسلم شيئاً فيها‬
‫إال أعطاه‪.‬‬
‫‪ - 55‬فيه صالة الجمعة التي خصت من بين سائر الصلوات‬
‫المفروضات بخصائص ال توجد في غيرها‪ ،‬من االجتماع‪ ،‬والعدد‬
‫المخصوص‪ ،‬واشتراط اإلقامة‪ ،‬واالستيطان‪ ،‬والجهر بالقراءة‪.‬‬
‫‪ - 55‬في يوم الجمعة الخطبة التي فيها الثناء على اهلل وتذكير العباد‪.‬‬
‫‪ - 55‬يوم الجمعة هو اليوم الذي يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة‪.‬‬
‫‪ - 55‬جعل اهلل سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدالً من القربان وقائم‬
‫مقامه‪ ،‬فيجتمع للرائح فيه الصالة والقربان‪.‬‬
‫‪ - 50‬للصدقة فيه مزية عليها في سائر األيام(‪.)2‬‬
‫‪ - 56‬أنه يوم يتجلى اهلل ‪ ‬فيه ألوليائه المؤمنين في الجنة‪.‬‬
‫‪ - 55‬أنه قد ُف ّسر الشاهد الذي أقسم اهلل به بيوم الجمعة‪.‬‬
‫‪ - 55‬أنه اليوم الذي تفزع منه السموات واألرض والجبال والبحار‬
‫والخالئق كلها إال اإلنس والجن‪ ،‬وذلك لخوفهم أن تقوم القيامة‪.‬‬
‫‪ - 55‬أنه اليوم الذي َّادخره اهلل لهذه األمة وأضل عنه أهل الكتاب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد البن القيم‪.487/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬ذكر ذلك اإلمام ابن القيم في زاد المعاد‪.307/1 ،‬‬
‫‪550‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫قبلهم‪.‬‬
‫‪ - 55‬أنه خيرة اهلل من أيام األسبوع‪ ،‬كما أن رمضان خيرته من شهور‬
‫العام‪ ،‬وليلة القدر خيرته من الليالي‪ ،‬ومكة خيرته من األرض‪ ،‬ومحمد‬
‫خيرته من خلقه‪.‬‬
‫‪ - 55‬ذكر ابن القيم أن الموتى تدنو أرواحهم من قبورهم وتوافيها في يوم‬
‫يمر بهم ويس ّلم عليهم‪ .‬وذكر في ذلك آثاراً‬
‫الجمعة فيعرفون زوارهم ومن ُّ‬
‫عن بعض السلف‪ .‬قلت‪:‬وهذا يحتاج إلى دليل صحيح عن المعصوم ‪.‬‬
‫‪ - 55‬أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إال أن يكون في صيام كان‬
‫يصومه كمن يصوم يوماً ويفطر يوماً‪ .‬ويكره أيضاً إفراد ليلتها بالقيام إال‬
‫ما كان يفعله المسلم في غير ليلة الجمعة فال حرج من ذلك‪.‬‬
‫‪ - 55‬أنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد‪ ،‬ويتذكر‬
‫المسلمون اجتماع اليوم األكبر(‪.)1‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬شروط صحة الجمعة على النحو اآلتي‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬الوقت‪ ،‬فال تصح صالة الجمعة إال في وقتها‬
‫المشروع‪ ،‬ومما يدل على وقت صالة الجمعة حديث أنس بن مالك‬
‫‪(( :‬أن النبي ‪ ‬كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس))(‪ .)2‬وحديث‬
‫نجمع مع رسول اهلل ‪ ‬إذا زالت‬ ‫ّ‬ ‫سلمة بن األكوع ‪ ،‬قال‪(( :‬كنا‬
‫الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء))(‪ .)3‬وفي لفظ‪(( :‬كنا نصلي مع رسول اهلل‬
‫‪ ‬الجمعة‪ ،‬فنرجع وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به))‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد البن القيم‪ 322-472/1 ،‬بتصرف يسير فكل هذه الخصائص لخصتها من هذا الكتاب‬
‫القيم البن القيم‪ ،‬فانظر أدلتها هناك‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس‪ ،‬برقم ‪.103‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬باب غزوة الحديبية‪ ،‬برقم ‪ ،3138‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪،‬‬
‫باب صالة الجمعة حين تزول الشمس‪ ،‬برقم ‪.830‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪556‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪(( :‬كنا نبكر بالجمعة‪ ،‬ونقيل بعد‬
‫الجمعة))(‪ .)1‬وفي لفظ‪(( :‬كنا نبكر إلى الجمعة ثم نقيل))‪ .‬وعن جعفر بن‬
‫محمد عن أبيه أنه سأل جابر بن عبد اهلل‪ :‬متى كان رسول اهلل ‪ ‬يصلي‬
‫الجمعة؟ قال‪(( :‬كان يصلي ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها))‪ .‬زاد عبد اهلل‬
‫في حديثه‪ :‬حين تزول الشمس‪ :‬يعني النواضح‪ .‬وفي رواية‪(( :‬كنا نصلي‬
‫مع رسول اهلل ‪،‬ثم نرجع فنريح نواضحنا(‪،)2‬قال حسن‪ :‬فقلت لجعفر‪:‬‬
‫في أي ساعة تلك؟ قال‪ :‬زوال الشمس(‪ .)3‬وعن سهل بن سعد ‪ ‬قال‪:‬‬
‫((ما كنا نقيل وال نتغدى إال بعد الجمعة))‪ .‬زاد ابن ُحجر‪(( :‬في عهد‬
‫رسول اهلل ‪.)4())‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪ :‬قوله‪(( :‬كان يصلي الجمعة حين تميل‬
‫الشمس)) فيه إشعار بمواظبته ‪ ‬على صالة الجمعة إذا زالت الشمس‪،‬‬
‫وأما رواية أبي حميد التي بعدها عن أنس‪(( :‬كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد‬
‫الجمعة‪ ،‬فظاهره أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار‪ ،‬لكن طريق‬
‫الجمع أولى من دعوى التعارض‪،‬وقد تقرر فيما تقدم أن التبكير يطلق‬
‫على فعل الشيء في أول وقته‪،‬أو تقديمه على غيره‪،‬وهو المراد هنا‪،‬‬
‫والمعنى‪ :‬أنهم كانوا يبدؤون بالصالة قبل القيلولة‪،‬بخالف ما جرت به‬
‫عادتهم في صالة الظهر في الحر؛فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون؛‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس‪ ،‬برقم ‪ ،102‬وباب القائلة بعد‬
‫الجمعة‪ ،‬برقم ‪.130‬‬
‫(‪ )2‬نريح نواضحنا‪ :‬هو جمع ناضح وهو البعير الذي يستقى به‪ ،‬سمي بذلك؛ ألنه ينضح الماء‪ :‬أي‬
‫يصبه‪ ،‬ومعنى نريح‪ :‬أن نريحها من العمل وتعب السقي ونخليها منه‪ ،‬شرح النووي على صحيح‬
‫مسلم‪.418/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب صالة الجمعة حين تزول الشمس‪ ،‬برقم ‪.828‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫انتشروا في‬ ‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب قول اهلل تعالى‪َ  :‬ف ِإ َذا ُق ِضي ِت الصالة ف‬
‫َّ ُ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫األَ ْر ِض َو ْاب َت ُغوا ِمن َف ْض ِل اهلل َوا ْذ ُكروا اهلل َك ِثيرا لَّ َع َّل ُكم تُ ْف ِل ُحو َن‪[ ‬الجمعة‪ ،]10 :‬برقم ‪،131‬‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب صالة الجمعة حين تزول الشمس‪ ،‬برقم ‪.821‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫لمشروعية اإلبراد))(‪.)1‬‬
‫قال اإلمام البخاري رحمه اهلل‪(( :‬باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس‪،‬‬
‫روى عن عمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬والنعمان بن بشير‪ ،‬وعمر بن حريث‬ ‫وكذلك يُ َ‬
‫‪ .)2())‬قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪ :‬قوله‪(( :‬باب وقت الجمعة)) أي‬
‫أوله‪(( ،‬إذا زالت الشمس)) جزم بهذه المسألة مع وقوع الخالف فيها‬
‫لضعف دليل المخالفة عنده))(‪ ،)3‬ثم وصل الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‬
‫اآلثار عن هؤالء الصحابة‪ ،‬فقال‪(( :‬فأما األثر عن عمر‪ ،‬فروى أبو نعيم‬
‫شيخ البخاري في كتاب الصالة له‪ ،‬وابن أبي شيبة من رواية عبد اهلل بن‬
‫سيدان‪ ،‬قال‪(( :‬شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صالته وخطبته إلى‬
‫نصف النهار‪ ،‬وشهدتها مع عمر فكانت صالته وخطبته إلى أن أقول‪:‬‬
‫انتصف النهار)) رجاله ثقات إال عبد اهلل بن سيدان‪ ...‬فإنه تابعي كبير‪ ،‬إال‬
‫أنه غير معروف العدالة‪ ،‬قال ابن عدي‪ :‬شبه المجهول‪ ،‬وقال البخاري‪:‬‬
‫((ال يتابع على حديثه‪ ،‬بل عارضه ما هو أقوى منه‪ ،‬فروى ابن أبي شيبة‬
‫من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين زالت‬
‫الشمس‪ ،‬وإسناده قوي))‪ .‬وفي الموطأ عن مالك بن أبي عامر قال‪:‬‬
‫((كنت أرى طنفسة(‪ )4‬لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار‬
‫المسجد الغربي فإذا غشيها ظل الجدار خرج عمر)) إسناده صحيح‪ .‬وهو‬
‫ظاهر في أن عمر كان يخرج بعد زوال الشمس‪ ...‬والذي يظهر [أن‬
‫الطنفسة] كانت تفرش داخل المسجد‪ ،‬وعلى هذا فكان عمر يتأخر بعد‬
‫الزوال قليالً‪ ،‬وفي حديث السقيفة عن ابن عباس قال‪(( :‬فلما كان يوم‬
‫الجمعة زالت الشمس خرج عمر فجلس على المنبر))‪ ،‬وأما علي فروى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري البن حجر‪.487/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪،‬كتاب الجمعة‪،‬باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس‪،‬قبل الحديث رقم ‪.104‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري البن حجر‪.487/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬الطنفسة‪ :‬كساء له خمل يجلس عليه‪ ،‬جامع األصول البن األثير‪.374/2 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق أنه‪(( :‬صلى خلف علي الجمعة بعدما‬
‫ّ‬
‫زالت الشمس))‪ .‬إسناده صحيح‪ .‬وروى أيضاً من طريق أبي رزين قال‪:‬‬
‫((كنا نصلي مع علي الجمعة‪ ،‬فأحيان ًا نجد فيئ ًا وأحيان ًا ال نجد))‪ .‬وهذا‬
‫محمول على المبادرة عند الزوال‪ ،‬أو التأخير قليالً‪ .‬وأما النعمان بن‬
‫بشير‪ ،‬فروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سماك بن حرب قال‪(( :‬كان‬
‫النعمان بن بشير يصلي بنا الجمعة بعدما تزول الشمس))‪ .‬قلت‪[ :‬القائل‬
‫ابن حجر] وكان النعمان أميراً على الكوفة في أول خالفة يزيد بن‬
‫معاوية‪ .‬وأما عمرو بن حريث فأخرجه ابن أبي شيبة أيضاً‪ ،‬من طريق‬
‫العزار قال‪(( :‬ما رأيت إمام ًا كان أحسن صالة للجمعة من‬ ‫الوليد بن ِ‬
‫عمرو بن حريث‪ ،‬فكان يصليها إذا زالت الشمس)) إسناده صحيح أيضاً‪،‬‬
‫وكان عمرو ينوب عن زياد وعن ولده في الكوفة أيضاً‪.)1())...‬‬
‫وقال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪(( :‬المستحب إقامة الجمعة بعد‬
‫الزوال؛ ألن النبي ‪ ‬كان يفعل ذلك‪...‬؛ وألن في ذلك خروجاً من‬
‫الخالف؛ فإن علماء األمة اتفقوا على أن ما بعد الزوال وقت للجمعة‪،‬‬
‫وإنما الخالف فيما قبله‪ ،‬وال فرق في استحباب إقامتها عقيب الزوال‬
‫بين شدة الحر وبين غيره؛ فإن الجمعة يجتمع لها الناس‪ ،‬فلو انتظروا‬
‫اإلبراد شق عليهم‪ ،‬وكذلك كان النبي ‪ ‬يفعلها إذا زالت الشمس في‬
‫الشتاء والصيف(‪ )2‬على ميقات واحد(‪،)1‬وهذا هو األفضل واألكمل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪ :487/2 ،‬نقل هذه اآلثار عن الصحابة وصححها كما ترى‪ .‬ثم ذكر ما‬
‫يعارض هذه اآلثار‪ ،‬ومنها أن عبد اهلل بن مسعود صلى الجمعة ضحى‪ ،‬وضعفه‪ ،‬ومنها ما نقل أن‬
‫معاوية صلى الجمعة ضحى‪ ،‬وضعفه أيضاً‪ .‬وقال في احتجاج بعض الحنابلة بقوله ‪(( :‬إن هذا‬
‫يوم جعله اهلل عيداً للمسلمين)) فلما سماه عيداً جازت الصالة فيه وقت العيد كالفطر واألضحى‪،‬‬
‫وتعقب بأنه ال يلزم من تسمية يوم الجمعة عيداً أن يشتمل على جميع أحكام العيد‪ ،‬بدليل أن يوم‬
‫العيد يحرم صومه مطلقاً سواء صام قبله أو بعده بخالف يوم الجمعة باتفاقهم)) فتح الباري البن‬
‫حجر‪.487/2 ،‬‬
‫بالصالة))‬‫(‪ )2‬وأما حديث أنس ‪(( :‬كان النبي ‪ ‬إذا اشتد البرد بكر بالصالة‪ ،‬وإذا اشتد الحر أبرد‬
‫باب إذا اشتد الحر‬
‫يعني الجمعة [البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،]103‬فقال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪ :‬قوله‪ٌ (( :‬‬
‫=‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫واألحوط(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫يوم الجمعة)) لما اختلف ظاهر النقل عن أنس وتقرر أن طريق الجمع أن يحمل األمر على‬
‫اختالف الحال بين الظهر والجمعة كما قدمناه جاء عن أنس حديث آخر يوهم خالف ذلك ترجم‬
‫المصنف هذه الترجمة ألجله‪ ...‬قوله‪(( :‬وإذا اشتد الحر أبرد بالصالة‪ ،‬يعني الجمعة)) لم يجزم‬
‫المصنف بحكم الترجمة الحتمال الواقع في قوله‪ :‬يعني الجمعة؛ الحتمال أن يكون من كالم‬
‫التابعي‪ ،‬أو من دونه‪ ،‬وهو ظن ممن قاله‪ ،‬والتصريح عن أنس في رواية حميد الماضية أنه كان‬
‫يبكر بها مطلقاً من غير تفصيل‪ ،‬ويؤيده الرواية المعلقة الثانية فإن فيها البيان‪ :‬بأن قوله‪(( :‬يعني‬
‫الجمعة)) ‪ ،‬إنما أخذه قائله مما فهمه من التسوية بين الجمعة والظهر عند أنس حيث استدل لما‬
‫سئل عن الجمعة‪(( :‬كان يصلي الظهر)) وأوضح من ذلك رواية اإلسماعيلي من طريق أخرى عن‬
‫حرمي ولفظه‪(( :‬سمعت أنساً ‪ -‬وناداه يزيد الضبي يوم الجمعة يا أبا حمزة قد شهدت الصالة مع‬
‫رسول اهلل ‪ ‬فكيف كان يصلي الجمعة ‪-‬؟ فذكره ولم يقل يعني الجمعة‪ ...‬وعرف بهذا أن اإلبراد‬
‫بالجمعة عند أنس إنما هو بالقياس على الظهر‪ ،‬ال بالنص‪ ،‬لكن أكثر األحاديث تدل على التفرقة‬
‫بينهما)) [فتح الباري البن حجر‪.]481/2 ،‬‬
‫(‪ )1‬المغني البن قدامة‪،130-121/4 ،‬والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪.110/2،‬‬
‫(‪ )2‬اختلف العلماء في أول وقت صالة الجمعة هل يجوز قبل الزوال‪ ،‬أو ال يجوز إال بعده‪ .‬قال اإلمام‬
‫القرطبي رحمه اهلل على قوله‪(( :‬كنا نجمع مع رسول اهلل ‪ ‬إذا زالت الشمس)) دليل للجمهور على‬
‫أحمد بن حنبل وإسحاق‪ ،‬إذ قاال‪ :‬إنه يجوز أن تصلى الجمعة قبل الزوال‪ ،‬وهذا الحديث مبين لألحاديث‬
‫التي بعده‪ ،‬وال متمسك ألحمد وإسحاق في شيء منها مع هذا النص‪ ،‬فإنها كلها محتملة‪ ،‬وهو القاضي‬
‫عليها المبين لها)) [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪.]312/2 ،‬‬
‫ّ‬
‫وقال اإلمام النووي رحمه اهلل‪ (( :‬وهذه األحاديث ظاهرة في تعجيل الجمعة‪ ،‬وقد قال مالك‪ ،‬وأبو‬
‫حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وجماهير العلماء‪ :‬من الصحابة‪ ،‬والتابعين‪ ،‬فمن بعدهم ال تجوز الجمعة إال‬
‫فجوزاها قبل الزوال‪ ،‬قال‬‫ّ‬ ‫بعد الزوال‪ ،‬ولم يخالف في هذا إال أحمد بن حنبل‪ ،‬وإسحاق‪،‬‬
‫القاضي‪ :‬وروي في هذا أشياء عن الصحابة ال يصح منها شيء إال ما عليه الجمهور‪ ،‬وحمل‬
‫الجمهور هذه األحاديث على المبالغة في تعجيلها‪ ،‬وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا‬
‫اليوم إلى ما بعد صالة الجمعة؛ ألنهم ندبوا إلى التبكير إليها‪ ،‬فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها‬
‫خافوا فواتها أو فوت التبكير إليها‪ ،‬وقوله‪(( :‬نتتبع الفيء)) إنما كان ذلك لشدة التبكير‪ ،‬وقصر‬
‫حيطانه‪ ،‬وفيه تصريح بأنه كان قد صار فيء يسير‪ ،‬وقوله‪(( :‬ما نجد فيئاً نستظل به)) موافق لهذا؛ فإنه‬
‫لم ينف الفيء من أصله‪ ،‬وإنما نفى ما يستظل به‪ ،‬وهذا مع قصر الحيطان ظاهر في أن الصالة‬
‫كانت بعد الزوال متصلة به)) [شرح النووي على صحيح مسلم ‪.]418-417/3،‬‬
‫وقال اإلمام ابن الملقن عن حديث سلمة بن األكوع ‪(( :‬فيه داللة على أن وقت الجمعة وقت‬
‫الظهر ال يجوز إال بعد الزوال‪،‬وبه قال مالك‪،‬وأبو حنيفة‪،‬والشافعي‪ ،‬وجماعة العلماء من الصحابة‬
‫والتابعين فمن بعدهم‪،‬ولم يخالف في ذلك إال أحمد وإسحاق‪ ،‬فقاال‪:‬بجوازها قبل الزوال‪ ،‬قال‬
‫الخرقي في السادسة تمسكاً بهذا الحديث)) [اإلعالم بفوائد عمدة األحكام‪.]171/ ،‬‬
‫=‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪505‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫وقال الخرقي‪(( :‬وإن صلوا الجمعة قبل الزوال في الساعة السادسة أجزأتهم)) قال اإلمام ابن قدامة‪:‬‬
‫((وظاهر كالم الخرقي أنه ال يجوز صالتها فيما قبل السادسة‪ ،‬وروي عن ابن مسعود‪ ،‬وجابر‪،‬‬
‫وسعيد‪ ،‬ومعاوية‪ ،‬أنهم صلوا قبل الزوال‪ .‬وقال القاضي وأصحابه‪ :‬يجوز فعلها في وقت صالة‬
‫العيد‪ ،‬وقال مجاهد‪ :‬ما كان للناس عيد إال في أول النهار‪ ،‬وروي عن ابن مسعود‪ ،‬ومعاوية أنهما‬
‫صليا الجمعة ضحى‪ ،‬وقاال‪ :‬إنما عجلنا خشية الحر عليكم‪ ،‬وألنها عيد فجاز في وقت العيد‪:‬‬
‫كالفطر واألضحى‪ ،‬والدليل على أنها عيد قول النبي ‪(( :‬إن هذا يوم عيد جعله اهلل للمسلمين‪))...‬‬
‫[ابن ماجه‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه‪ ]423/1 ،‬وقوله ‪(( :‬قد اجتمع لكم في‬
‫يومكم هذا عيدان)) [أبو داود وغيره‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح أبي داود‪ ]213/1 ،‬وقال أكثر‬
‫أهل العلم‪ :‬وقتها وقت الظهر إال أنه يستحب تعجيلها في أول وقتها؛ لقول سلمة بن األكوع‪(( :‬كنا‬
‫نجمع مع النبي ‪ ‬إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء)) متفق عليه‪ .‬وقال أنس‪ :‬كان رسول اهلل‬
‫‪ ‬يصلي الجمعة حين تميل الشمس‪ .‬رواه البخاري؛ وألنهما صالتا وقت فكان وقتهما واحداً‪،‬‬
‫كالمقصورة والتامة؛ وألن إحداهما بدل عن األخرى‪ ،‬وقائمة مقامها‪ ،‬فأشبها األصل المذكور؛‬
‫وألن آخر وقتهما واحد‪ ،‬فكان أوله واحداً‪ :‬كصالة الحضر والسفر‪ .‬ولنا على جوازها في‬
‫السادسة‪ :‬السنة واإلجماع‪ ،‬أما السنة فما روي عن جابر بن عبد اهلل قال‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يصلي‬
‫‪ -‬يعني الجمعة ‪ -‬ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس))‪ .‬أخرجه مسلم‪ .‬وعن‬
‫سهل بن سعد قال‪(( :‬ما كنا نقيل وال نتغدى إال بعد الجمعة في عهد رسول اهلل ‪ .))‬متفق عليه‪.‬‬
‫قال ابن قتيبة‪(( :‬ال يسمى غداء‪ ،‬وال قائلة بعد الزوال))‪ .‬وعن سلمة بن األكوع قال‪(( :‬كنا نصلي مع‬
‫رسول اهلل ‪ ‬الجمعة‪ ،‬ثم ننصرف وليس للحيطان فيء نستظل به))‪ .‬رواه أبو داود‪ .‬وأما اإلجماع‬
‫فروى اإلمام أحمد عن وكيع‪ ،‬عن جعفر بن برقان‪ ،‬عن ثابت بن الحجاج‪ ،‬عن عبد اهلل بن سيدان‬
‫قال‪ (( :‬شهدت يوم الجمعة مع أبي بكر‪ ،‬وكانت صالته وخطبته قبل نصف النهار‪ ،‬ثم شهدتها مع‬
‫عمر‪ ،‬وكانت صالته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار‪ ،‬ثم شهدتها مع عثمان فكانت خطبته‬
‫وصالته إلى أن أقول زال النهار‪ ،‬فما رأيت أحداً عاب ذلك وال أنكره)) [رواه الدارقطني‪،17/2 ،‬‬
‫وقال في التعليق المغني على الدارقطني‪ :‬رواته كلهم ثقات إال عبد اهلل بن سيدان متكلم فيه‪...‬‬
‫قال البخاري‪ :‬ال يتابع على حديثه‪ ،‬وقال أبو القاسم الاللكائي‪ :‬مجهول‪ ،‬وقال ابن عدي شبه‬
‫مجهول‪ ]...‬وكذلك روي عن ابن مسعود‪ ،‬وجابر‪ ،‬وسعيد‪ ،‬ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال‪،‬‬
‫وأحاديثهم تدل على أن النبي ‪ ‬فعلها بعد الزوال في كثير من أوقاته‪ ،‬وال خالف في جوازه‪ ،‬وأنه‬
‫األفضل‪ ،‬واألولى‪ ،‬وأحاديثنا تدل على جواز فعلها قبل الزوال‪ ،‬وال تنافي بينهما‪ ،‬وأما في أول‬
‫النهار‪ ،‬فالصحيح أنها ال تجوز؛ لما ذكره أهل العلم؛ وألن التوقيت ال يثبت إال بدليل‪ :‬من نص أو‬
‫ما يقوم مقامه‪ ،‬وما ثبت عن النبي ‪ ‬وال عن خلفائه أنهم صلوها في أول النهار؛ وألن مقتضى‬
‫الدليل كون وقتها وقت الظهر‪ ،‬وإنما جاز تقديمها عليه بما ذكرنا من الدليل‪ ،‬وهو مختص بالساعة‬
‫السادسة فلم يجز تقديمها عليها‪ ،‬واهلل أعلم؛ وألنها لو صليت في أول النهار لفاتت أكثر‬
‫المصلين؛ ألن العادة اجتماعهم لها عند الزوال‪ ،‬وإنما يأتيها ضحى آحاد من الناس وعدد يسير‪،‬‬
‫ً‬
‫كما روي عن ابن مسعود أنه أتى الجمعة فوجد أربعة قد سبقوه فقال‪ :‬رابع أربعة وما رابع أربعة‬
‫ببعيد‪ .‬إذا ثبت هذا فاألولى أن ال تصلى إال بعد الزوال؛ ليخرج من الخالف‪ ،‬ويفعلها في الوقت‬
‫الذي كان النبي ‪ ‬يفعلها فيه في أكثر أوقاته‪ ،‬ويجعلها في أول وقتها في الشتاء والصيف؛ ألن‬
‫=‬
‫‪505‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫وآخر وقت الجمعة هو آخر وقت صالة الظهر وهو أن يكون ظل‬
‫الشيء كطوله بعد في الزوال‪ ،‬فإذا خرج وقت صالة الظهر قبل إدراك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫النبي ‪ ‬كان يعجلها‪ ،‬بدليل األخبار التي رويناها؛ وألن الناس يجتمعون لها في أول وقتها‪،‬‬
‫ويبكرون إليها قبل وقتها‪ ،‬فلو انتظر اإلبراد بها لشق على الحاضرين‪ ،‬وإنما يجعل اإلبراد بالظهر‬
‫في شدة الحر رفعاً للمشقة التي يحصل أعظم منها باإلبراد بالجمعة)) انتهى كالم ابن قدامة‪.‬‬
‫[المغني‪ ،]232-241/4 ،‬وانظر‪:‬الشرح الكبير‪،110-183/2،‬واإلنصاف للمرداوي‪-182/2 ،‬‬
‫‪ .] 110‬ومما يستدل به على أن الجمعة تصح في الساعة السادسة قبل الزوال بساعة حديث أبي‬
‫هريرة ‪ ((:‬من راح في الساعة األولى فكأنما قرب بدنة‪،‬ثم ذكر‪:‬الثانية‪،‬والثالثة‪ ،‬والرابعة‪،‬ثم‬
‫الخامسة‪،‬فإذا خرج اإلمام حضرت المالئكة يستمعون الذكر‪ ،‬فيكون حضور اإلمام على مقتضى‬
‫حديث أبي هريرة في الساعة السادسة [انظر‪ :‬الشرح الممتع البن عثيمين‪.]31/2 ،‬‬
‫وذكر العالمة ابن عثيمين رحمه اهلل األقوال الثالثة‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أول وقت صالة الجمعة وقت صالة العيد بعد ارتفاع الشمس‪ ،‬ثم قال‪ :‬بأن أثر عبد‬
‫اهلل بن س يدان ضعيف كما تقدم‪ ،‬وإن صح فليس فيه دليل؛ ألن قوله‪ :‬كانت خطبته وصالته قبل‬
‫نصف النهار يدل على أنها قريبة من النصف‪ ،‬ولو كانت في أول النهار‪ ،‬لقال‪ :‬كانت صالته في‬
‫أول النهار‪ ،‬وهذا يدل على أن صالة أبي بكر ‪ ‬كانت قريبة من الزوال‪ ،‬والقول بأن صالة‬
‫الجمعة تصح قبل الزوال هو المذهب‪ ،‬بل هو من المفردات‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنها ال تصح إال بعد الزوال‪ ،‬وهذا مذهب األئمة الثالثة‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أنها تصح في الساعة السادسة قبل الزوال بساعة استناداً لحديث أبي هريرة‪(( :‬من‬
‫راح في الساعة األولى))‪ ...‬وهذا القول هو الراجح أنها ال تصح في أول النهار إنما تصح في‬
‫السادسة‪ ،‬واألفضل على القول بأنها تصح في السادسة أن تكون بعد الزوال وفاقاً ألكثر العلماء‪.‬‬
‫[الشرح الممتع‪.]32-31/2 ،‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول على حديث سلمة بن األكوع ‪(( :‬وهذا الحديث‬
‫يدل على أن وقتها وقت الظهر‪ ،‬لكن بمراعاة التبكير في أول وقت الظهر‪ ،‬وبهذا قال جمهور أهل‬
‫العلم‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬يجوز أن تقدم قبل الزوال‪ ،‬واختلفوا‪ :‬فبعضهم قال‪ :‬يكون وقتها بعد ارتفاع‬
‫الشمس‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬الساعة السادسة ُقبيل الزوال‪ ،‬وهذا أظهر؛ لما جاء في األحاديث‬
‫الصحيحة من فضل التبكير‪ ،‬وأن في الساعة السادسة يخرج اإلمام‪ ،‬والساعة السادسة ُقبيل الزوال‪،‬‬
‫والتبكير بالجمعة قبل الزوال ال حرج فيه [يعني في الساعة السادسة] واألحوط‪ ،‬واألولى‪،‬‬
‫واألفضل الخروج من الخالف‪ ،‬وأن تصلى بعد الزوال عمالً باألحاديث كلها‪ ،‬وخروجاً من‬
‫الخالف‪ ،‬واحتياطاً لهذه العبادة العظيمة)) [سمعته من سماحة اإلمام رحمه اهلل أثناء تقريره على‬
‫بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،370‬وأثناء تقريره على صحيح مسلم‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،828‬وسمعته‬
‫مرة يضعف القول بأن أول وقت الجمعة بعد ارتفاع الشمس كصالة العيد]‪.‬‬
‫وقال اإلمام الشوكاني عن قول الجمهور‪:‬ال تصح الصالة قبل الزوال حتى في الساعة السادسة‪(( :‬واستداللهم‬
‫باألحاديث القاضية بأنه ‪ ‬صلى الجمعة بعد الزوال ال ينفي الجواز قبله)) [نيل األوطار‪.]241/2 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪505‬‬
‫ركعة بعد أداء الواجب من الخطبتين صليت ظهر ًا؛ لقول النبي ‪(( :‬من‬
‫أدرك ركعة من الصالة فقد أدرك الصالة))(‪ ،)1‬وهذا هو الصواب أنها ال‬
‫تدرك إال بإدراك ركعة(‪ ،)2‬فإذا أدرك من الوقت ما يمكنه أن يخطب ثم‬
‫يصلي ركعة فله أن يفعل ذلك(‪ )3‬وإال صليت ظهراً(‪.)4‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬الجماعة‪ ،‬فال تنعقد صالة الجمعة إال بحضور جماعة‪،‬‬
‫والصواب أنها تنعقد بثالثة‪:‬واحد يخطب واثنان يستمعان؛ ألن اسم الجمع‬
‫ودي ِللص ِ‬
‫الة‬ ‫يتناول الثالثة؛ وألن اهلل تعالى قال‪ :‬يا أَيها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َذا نُ ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،280‬ومسلم‪،‬برقم ‪،307‬وتقدم تخريجه في صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقيل‪ :‬تدرك بإدراك تكبيرة اإلحرام في الوقت‪ ،‬قال العالمة ابن عثيمين‪(( :‬الصحيح أن جميع‬
‫اإلدراكات ال تكون إال بركعة؛ لقول النبي ‪(( :‬من أدرك ركعة من الصالة فقد أدرك الصالة)) هذا‬
‫منطوق الحديث‪ ،‬ومفهومه أن من لم يدرك ركعة لم يدرك الصالة‪ ،‬وهذا عام في جميع‬
‫اإلدراكات‪[ .‬الشرح الممتع‪ ] 34/2 ،‬وهو الذي اختاره الخرقي رحمه اهلل في مختصره قال‪(( :‬ومتى‬
‫دخل وقت العصر وقد صلوا ركعة أتموا بركعة أخرى‪ ،‬وأجزأتهم جمعة)) انظر‪ :‬مختصر الخرقي‬
‫مع المغني ‪ ،111/4‬والشرح الكبير‪ ،114-110/2 ،‬واإلنصاف‪.110/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬المغني البن قدامة‪.112/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬اختلف العلماء بما تدرك به صالة الجمعة في الوقت على النحو اآلتي‪:‬‬
‫ظاهر كالم الخرقي أن الجمعة ال تدرك إال بإدراك ركعة في وقتها‪ .‬واختاره ابن قدامة‪.‬‬
‫وقال القاضي‪ :‬متى دخل وقت العصر بعد إحرامه أتمها جمعة‪ ،‬ونحو هذا قال أبو الخطاب؛ ألنه‬
‫أحرم بها في وقتها أشبه ما لو أتمها فيه‪.‬‬
‫والمنصوص عن أحمد أنه إذا دخل وقت العصر بعد تشهده وقبل سالمه سلم وأجزأته‪ ،‬وهذا قول‬
‫أبي يوسف‪ ،‬ومحمد‪ ،‬وظاهر هذا أنه متى دخل الوقت قبل ذلك بطلت أو انقلبت ظهراً‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إذا خرج الوقت قبل فراغه منها بطلت وال يبني عليها ظهراً؛ ألنهما صالتان‬
‫مختلف تان فال يبني إحداهما على األخرى كالظهر والعصر‪ ،‬والظاهر أن مذهب أبي حنيفة في هذا‬
‫كما ذكرنا عن أحمد؛ ألن السالم عنده ليس من الصالة‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ال يتمها جمعة ويبني عليها ظهراً‪ ،‬ألنهما صالتا وقت واحد فجاز بناء إحداهما‬
‫على األخرى‪ ،‬كصالة الحضر والسفر‪ ،‬واحتجوا على أنه ال يتمها جمعة بأن ما كان شرطاً في‬
‫بعضها كان شرطاً في جميعها‪ :‬كالطهارة وسائر الشروط‪.‬‬
‫والصواب ما قاله الخرقي وابن قدامة؛ ولهذا قال ابن قدامة‪(( :‬ولنا قوله ‪(( :‬من أدرك من الجمعة‬
‫ركعة فقد أدرك الصالة)) [متفق عليه]؛ وألنه أدرك من الجمعة ركعة فكان مدرك ًا لها‪ ،‬كالمسبوق‬
‫بركعة؛ وألن الوقت شرط يختص بالجمعة فاكتفي به في ركعة كالجمعة‪ ،‬وما ذكروه ينتقض‬
‫بالجماعة فإنه يكتفى بإدراكها في ركعة)) المغني‪.112-111/4 ،‬‬
‫‪505‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫اس َع ْوا ِإ َلى ِذ ْكرِ اهلل َو َذ ُروا ا ْلبي َع َذ ِل ُكم َخير لَّ ُكم إِن ُك ُنتم‬
‫الجمعة َف ْ‬ ‫ِمن َي ْو ِم‬
‫ْ‬ ‫ْ ٌْ ْ‬ ‫(‪ْ َ)2‬‬
‫ون‪ )1(‬بصيغة الجمع فيدخل فيه الثالثة ؛ ولعموم حديث أبي سعيد‬ ‫َت ْع َل ُم َ‬
‫فليؤمهم أحدهم‪ ،‬وأح ّقهم‬ ‫ّ‬ ‫‪‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إذا كانوا ثالثة‬
‫باإلمامة أقرؤهم))(‪ ،)3‬واختار هذا القول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪َ ،‬فنُ ِق َل عنه‬
‫في االختيارات‪((:‬وتنعقد الجمعة بثالثة‪:‬واحد يخطب‪،‬واثنان يستمعان‪ ،‬وهو‬
‫إحدى الروايات عن أحمد(‪،)4‬وقول طائفة من العلماء))(‪،)5‬وسمعت شيخنا‬
‫اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‪((:‬واختلف الناس في‬
‫عدد الجمعة‪ ،‬فقيل‪:‬أربعون‪،‬وقيل‪:‬خمسون‪ ،‬وقيل‪:‬اثنا عشر‪ ،‬وقيل‪ :‬أربعة‪،‬‬
‫ومأمومين‪،‬‬ ‫وقيل‪ :‬ثالثة‪،‬وقيل‪:‬اثنان‪،‬وأحسن ما قيل‪:‬إنها تنعقد بثالثة‪:‬إمام‬
‫َْ‬
‫واختاره ابن تيمية‪ ،‬وهذا فيه احتياط وبرأة للذمة))(‪،)6‬وسمعته مرة أخرى‬
‫يقول‪(( :‬والصواب أن صالة الجمعة تصح بثالثة‪ :‬اإلمام‪،‬واثنان معه))(‪،)7‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا القول الذي ال تطمئن النفس إال إليه))(‪.)8‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الجمعة‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الشرح الكبير‪ ،‬البن قدامة مع المقنع واإلنصاف‪. 111/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب من أحق باإلمامة‪ ،‬برقم ‪. 372‬‬
‫(‪ )4‬االختيارات العلمية من االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪ ،120-111‬وانظر‪:‬‬
‫اإلنصاف لمعرفة الراجح من الخالف للمرداوي المطبوع مع المقنع والشرح الكبير‪،111/2 ،‬‬
‫واإلحكام شرح أصول األحكام للعالمة عبد الرحمن بن محمد القاسم‪.333-332/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬اختلف العلماء رحمهم اهلل تعالى في العدد الذي تقوم بهم الجمعة‪،‬وقد ذكر الحافظ ابن حجر‬
‫خمسة عشر قوالً‪:‬فقيل‪:‬تصح من الواحد‪ ،‬وقيل‪ :‬اثنان كالجماعة‪ ،‬وقيل‪ :‬اثنان مع اإلمام‪ ،‬وقيل‪ :‬ثالثة‬
‫مع اإلمام‪ ،‬وقيل‪ :‬سبعة‪ ،‬وقيل‪ :‬تسعة‪ ،‬وقيل‪ :‬اثنا عشر‪ ،‬وقيل‪ :‬اثنا عشر غير اإلمام‪ ،‬وقيل‪ :‬عشرون‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ثالثون‪ ،‬وقيل‪ :‬أربعون باإلمام‪ ،‬وقيل‪ :‬أربعون غير اإلمام‪ ،‬وقيل‪ :‬خمسون‪ ،‬وقيل‪ :‬ثمانون‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬جمع كثير بغير قيد‪ ،‬قال ابن حجر‪ :‬ولعل هذا األخير أرجحها من حيث الدليل‪ ،‬ويمكن أن‬
‫يزداد العدد باعتبار زيادة شرط‪ :‬كالذكورة‪ ،‬والحرية‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬واإلقامة‪ ،‬واالستيطان‪ ،‬فيكمل بذلك‬
‫عشرين قوالً‪ .‬انظر فتح الباري البن حجر‪ ،324/2 ،‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ )6‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام البن حجر‪ ،‬الحديث رقم ‪.311‬‬
‫(‪ )7‬سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم ‪.143‬‬
‫(‪ )8‬وقد استدل اإلمام الشافعي‪ ،‬واإلمام أحمد وعمر بن عبد العزيز وغيرهم في اشتراط األربعين لصالة‬
‫=‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪505‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكونوا بقرية مستوطنين بها مبنية بما جرت به العادة‬
‫ال يرحلون عنها صيفاً وال شتاء‪ ،‬قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪(( :‬فأما‬
‫القرية فيعتبر أن تكون مبنية بما جرت به العادة ببنائها به‪ :‬من حجر‪ ،‬أو‬
‫طين‪ ،‬أو َلبِن‪ ،‬أو قصب‪ ،‬أو شجر ونحوه‪ ،‬فأما أهل الخيام وبيوت الشعر‪...‬‬
‫فال جمعة عليهم وال تصح منهم؛ ألن ذلك لم ينصب لالستيطان غالب ًا‪،‬‬
‫وكذلك كانت قبائل العرب حول المدينة فلم يقيموا جمعة‪ ،‬وال أمرهم بها‬
‫يخف ولم يُترك نقله مع كثرته وعموم البلوى‬ ‫النبي ‪ ،‬ولو كان ذلك لم َ‬
‫به‪ ،‬لكن إن كانوا مقيمين بموضع يسمعون النداء لزمهم السعي إليها‪ ،‬كأهل‬
‫القرية الصغيرة إلى جانب المصر‪ ...‬ويشترط في القرية أن تكون مجتمعة‬
‫البناء بما جرت به العادة في القرية الواحدة‪ ،‬فإن كانت متفرقة المنازل‬
‫تفرقاً لم تجرِ العادة به لم تجب عليهم الجمعة))(‪ ،)1‬ولكن لو اجتمع في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫الجمعة‪ ،‬بما رواه أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،1031‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ 1082‬عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك‬
‫ترحم‬
‫وكان قائد أبيه بعدما عمي بصره‪ ،‬عن أبيه كعب بن مالك أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ّ‬
‫جمع بنا في‬
‫ألسعد بن زرارة‪ ،‬فقلت له‪ :‬إذا سمعت النداء ترحمت ألسعد بن زرارة؟ قال‪ :‬ألنه ّأول من ّ‬
‫هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخصمان‪ ،‬قلت‪ :‬كم كنتم يومئذ؟ قال‪ :‬أربعون))‬
‫[وحسنه األلباني في صحيح أبي داود‪ ،212/1 ،‬وصحيح ابن ماجه ‪ ،420/1‬والعالمة ابن باز في‬
‫مجموع الفتاوى‪ .431/12 ،‬وقال الشوكاني‪ :‬وصحح الحافظ إسناده]‪ .‬وذكر اإلمام الشوكاني أيضاً‪:‬‬
‫((بأنه ال داللة في الحديث على اشتراط األربعين؛ ألن هذه واقعة عين‪ ،‬وذلك أن الجمعة فرضت على‬
‫النبي ‪ ‬وهو بمكة قبل الهجرة كما أخرجه الطبراني عن ابن عباس‪ ،‬فلم يتمكن من إقامتها هنالك من‬
‫يجمعوا‪ ،‬واتفق أن‬
‫أجل الكفار‪ ،‬فلما هاجر من هاجر من أصحابه إلى المدينة كتب إليهم يأمرهم أن ّ‬
‫عدتهم إذن كانت أربعين‪ ،‬وليس فيه ما يدل على أن ما دون األربعين ال تنعقد بهم الجمعة‪ ،‬وقد تقرر‬
‫في األصول أن وقائع األعيان ال يحتج بها على العموم‪ ...‬وما أخرجه الطبراني عن أبي مسعود‬
‫األنصاري قال‪ :‬أول من قدم المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير وهو أول من جمع بها يوم‬
‫الجمعة قبل أن يقدم النبي ‪ ،‬وهم اثنا عشر رجالً‪ ،‬وفي إسناده صالح بن أبي األخضر وهو ضعيف‪.‬‬
‫قال الحافظ‪ :‬ويجمع بينه وبين حديث الباب بأن أسعد كان أميراً‪ ،‬ومصعب كان إماماً‪ ))...‬انتهى كالم‬
‫السنة أن‬
‫الشوكاني في نيل األوطار‪ .312-313/2 ،‬وأما ما أخرجه الدراقطني عن جابر ‪(( :‬مضت َّ‬
‫في كل أربعين فما فوق جمعة وأضحى وفطر))‪ .‬فقال العالمة األلباني في إرواء الغليل‪:31/4 ،‬‬
‫((ضعيف جداً))‪ .‬وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪:311‬‬
‫((ضعيف))؛ بل قد ضعفه ابن حجر في البلوغ أيضاً‪.‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،‬البن قدامة‪.204/4 ،‬‬
‫‪500‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫القرية الصغيرة ما تنعقد به الجمعة وجبت عليهم ويتبعهم الباقون‪ ،‬وال‬


‫يشترط اتصال البناء بعضه ببعض‪ ،‬ومتى كانت القرية ال تجب عليهم‬
‫الجمعة‪ ،‬ولكن كانوا يسمعون النداء من المدينة؛ فإنه يلزمهم السعي إليها‬
‫لعموم اآلية(‪ ،)1‬وقد تقدم شيء من التفصيل في ذلك‪ ،‬في حكم صالة‬
‫الجمعة‪ :‬من تجب عليه ومن ال تجب عليه(‪.)2‬‬
‫وقد أقيمت الجمعة في زمن النبي ‪ ‬في قرية بالبحرين‪ ،‬فعن ابن‬
‫عباس أنه قال‪(( :‬إن أول جمعة ُج ّمعت بعد جمعة في مسجد رسول اهلل‬
‫‪ ‬في مسجد عبد القيس بجوثى من البحرين)) يعني قرية من‬
‫البحرين(‪ ،)3‬قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬ووجه االستدالل منه أن‬
‫الظاهر أن عبد القيس لم يُ َج ّمعوا إال بأمر النبي ‪‬؛ لما ُعرِ َف من عادة‬
‫الصحابة من عدم االستبداد باألمور الشرعية في زمن نزول الوحي؛‬
‫وألنه لو كان ذلك ال يجوز لنزل فيه القرآن‪ ،‬كما استدل جابر وأبو سعيد‬
‫على جواز العزل بأنهم فعلوه والقرآن ينزل فلم يُ َنهوا عنه))(‪ ،)4‬وتقدم أن‬
‫أسعد بن زرارة أول من َج َّم َع في المدينة قبل مقدم النبي ‪ ‬في قرية‬
‫يقال لها‪ :‬هزم النبيت في حرة بني بياضة على ميل من المدينة(‪ ،)5‬وقد‬
‫َف َّصل شيخ اإلسالم تفصيالً واضح ًا عن االستيطان وقد ذكرته في‬
‫شروط فرضية الجمعة وأنها فرض عين بشروط ثمانية(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق‪.204/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الشرط السادس من شروط فرضية الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب الجمعة في القرى والمدن‪ ،‬برقم ‪ ،812‬وكتاب المغازي‪ ،‬باب وفد‬
‫عبد القيس‪ ،‬برقم ‪.3471‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪ ،480/2 ،‬وذكر آثاراً عن الصحابة في إقامة الجمع في القرى‪ .‬وانظر‪ :‬نيل‬
‫األوطار للشوكاني‪.318/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪،‬برقم ‪،1031‬وابن ماجه‪،‬برقم ‪،1082‬وتقدم في شرط الجماعة في صالة الجمعة في الهامش‪.‬‬
‫(‪ )6‬تقدم تحت حكم صالة الجمعة من تجب عليه ومن ال تجب عليه‪ ،‬رقم ‪ ،3‬وانظر‪ :‬فتاوى ابن‬
‫تيمية‪ ،110 ،130/23 ،‬واختيارات ابن تيمية‪ ،‬ص‪ ،111‬وانظر أيضاً‪ :‬اإلحكام في شرح أصول‬
‫األحكام البن قاسم‪ ،332/1 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪.22/2 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪506‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬تقدم خطبتين؛ ألن النبي ‪ ‬كان يخطب قبل صالة‬
‫الجمعة خطبتين يقعد بينهما‪ ،‬فعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬كان النبي ‪‬‬
‫يخطب خطبتين يقعد بينهما))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬كان النبي ‪ ‬يخطب قائم ًا ثم‬
‫يقعد‪ ،‬ثم يقوم كما يفعلون اليوم))(‪ .)1‬وعن جابر بن سمرة قال‪(( :‬كانت‬
‫للنبي ‪ ‬خطبتان يجلس بينهما‪ ،‬يقرأ القرآن ويذكر الناس))‪ .‬وفي لفظ‪:‬‬
‫((كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائم ًا‪ ،‬فمن نبأك أنه كان‬
‫يخطب جالس ًا فقد كذب‪ ،‬فقد واهلل صليت معه أكثر من ألفي صالة))(‪)2‬؛‬
‫وألن النبي ‪ ‬قال‪ ...(( :‬صلوا كما رأيتموني أصلي))(‪ .)3‬وقد قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫الة ِمن َي ْو ِم الجمعة َف ْاس َع ْوا ِإ َلى ِذ ْكرِ اهلل‬ ‫ودي ِللص ِ‬
‫َّ‬
‫‪‬يا أَيها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َذا نُ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫ون‪ ، ‬والذكر هو الخطبة؛ وألن‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫َو َذ ُروا ا ْل َب ْي َع َذل ُك ْم َخ ْي ٌر لَّ ُك ْم إِن ُك ُنت ْم َت ْع َل ُم َ‬
‫(‪)5‬‬
‫النبي ‪ ‬ما ترك الخطبة للجمعة في حال من األحوال ‪ ،‬وجاء عن عمر ‪‬‬
‫قال‪(( :‬إنما جعلت الخطبة مكان الركعتين))(‪ ،)6‬وجاء ذلك عن عطاء‪،‬‬
‫وطاوس‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬ومكحول(‪ ،)7‬وهذا مذهب عامة العلماء أن صالة‬
‫الجمعة ال تصح إال بخطبتين قبلها(‪ ،)8‬فظهر أن الخطبتين لصالة الجمعة‬
‫شرط من شروط صحتها‪ ،‬ويؤكد ذلك األمور التالية‪:‬‬
‫‪ - 5‬أن اهلل أمر بالسعي إلى ذكر اهلل من حين النداء‪ ،‬والتواتر القطعي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب الخطبة قائماً‪ ،‬برقم ‪ ،120‬وباب القعدة بين الخطبتين‬
‫يوم الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ، 128‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ذكر الخطبتين قبل الصالة وما فيهما من‬
‫الجلسة‪ ،‬برقم ‪.831‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ذكر الخطبتين وما فيهما من الجلسة‪ ،‬برقم ‪.832‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب األذان للمسافرين إذا كانوا جماعة‪ ،‬برقم ‪.341‬‬
‫(‪ )4‬سورة الجمعة‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬
‫(‪ )5‬المغني البن قدامة‪ ،171/4 ،‬والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪.211/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه ابن أبي شيبة في باب الرجل تفوته الخطبة‪،‬من كتاب الصالة في المصنف‪.128/2،‬‬
‫(‪ )7‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الرجل تفوته الخطبة‪.128/2 ،‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،418/3 ،‬والمغني البن قدامة‪ ،174 ،171/4 ،‬والشرح‬
‫الكبير مع المقنع واإلنصاف‪.211/2 ،‬‬
‫‪505‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫أن النبي ‪ ‬كان إذا أذن المؤذن يوم الجمعة خطب خطبتين‪ ،‬فالسعي‬
‫إلى الخطبة واجب‪ ،‬وما كان السعي إليه واجباً فهو واجب‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن النبي ‪ ‬حرم الكالم واإلمام يخطب وهذا يدل على وجوب‬
‫االستماع إلى الخطبة‪ ،‬ووجوب االستماع إليهما يدل على وجوبهما‪.‬‬
‫‪ - 5‬مواظبة النبي ‪ ‬موظبة دائمة وهذا الدوام المستمر صيفاً وشتاء‪،‬‬
‫شدة ورخاء يدل على جوبهما‪.‬‬
‫‪ - 5‬أنه لو لم تجب لها خطبتان لكانت كغيرها من الصلوات وال يستفيد‬
‫الناس من التجمع لها‪ ،‬ومن أهم األغراض لهذه الصالة‪ :‬الموعظة وتذكير‬
‫الناس(‪.)1‬‬
‫ويشرع أن تشتمل الخطبة على أربعة أمور(‪:)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الشرح الممتع‪ ،‬البن عثيمين‪.33/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬من أهل العلم من جعل هذه األربعة األمور من شروط صحة الخطبتين فال تصح إال بها‪ ،‬فقال‪(( :‬من‬
‫شرط صحة الخطبتين‪ :‬حمد اهلل‪ ،‬والصالة على رسوله محمد ‪ ،‬وقراءة آية‪ ،‬والوصية بتقوى اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬وقال اإلمام ابن قدامة‪ ،‬رحمه اهلل‪(( :‬ومن شرط صحتهما‪ :‬حمد اهلل تعالى‪ ،‬والصالة على رسوله‬
‫‪ ،‬وقراءة آية‪ ،‬والوصية بتقوى اهلل تعالى‪ ،‬وحضور العدد المشترط)) [المقنع مع الشرح الكبير‬
‫واإلنصاف‪ ،218/2 ،‬وانظر‪ :‬المغني له‪ .]173-174/4 ،‬وقال الشيخ العالمة الزركشي‪(( :‬واعلم أن‬
‫هذه األربع‪ :‬من الحمد‪ ،‬والصالة‪ ،‬والقراءة‪ ،‬والموعظة أركان للخطبتين‪ ،‬ال تصح واحدة من الخطبتين‬
‫إال بهن)) [شرح الزركشي على مختصر الخرقي‪ ]178/2 ،‬وذكر اإلمام النووي أنه يشترط عند الشافعي‬
‫في الخطبة‪ :‬الوعظ‪ ،‬والقرآن‪ ،‬وأن الخطبتين ال تصح إال بحمد اهلل تعالى‪ ،‬والصالة على رسول اهلل ‪،‬‬
‫والوعظ قال‪(( :‬وهذه الثالثة واجبات في الخطبتين‪ ،‬وتجب قراءة آية من القرآن في إحداهما على‬
‫األصح‪ ،‬ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على األصح‪ ،‬وقال مالك وأبو حنيفة والجمهور‪:‬يكفي من‬
‫الخطبة ما يقع عليه االسم)) [شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،]411/3،‬وذكر عن ابن تيمية أن ذم الدنيا‬
‫وذكر الموت ال يكفي في الخطبة‪ ،‬بل البد من مسمى الخطبة عرفاً‪ ،‬وال تحصل باختصار يفوت به‬
‫المقصود‪ ،‬ويجب في الخطبة أن يشهد أن محمداً عبد اهلل ورسوله‪ ،‬وأوجب في موضع آخر الشهادتين‪،‬‬
‫وتردد في وجوب الصالة على النبي ‪ ‬في الخطبة وقال في موضع آخر ويحتمل ‪ -‬وهو األشبه ‪ -‬أن‬
‫الصالة عليه ‪ ‬فيها واجبة مع الدعاء‪ ،‬وال تجب مفردة؛ لقول عمر وعلي رضي اهلل عنهما ‪ :‬الدعاء موقوف بين‬
‫السماء واألرض حتى تصلي على نبيك ‪ ،‬وتقديم الصالة عليه ‪ ‬على الدعاء؛ لوجوب تقديمه على‬
‫النفس‪ ،‬وبين أن األمر بتقوى اهلل واجب إما بالمعنى وهو أشبه من أن يقال الواجب لفظ التقوى‪ ،‬وصرح‬
‫بوجوب القراءة في الخطبة‪[ .‬انظر‪ :‬االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪ .]121-120‬وانظر‪:‬‬
‫=‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪505‬‬
‫حمد اهلل تعالى‪ ،‬والصالة على رسوله ‪ ‬وقراءة آية من كتاب اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬واألمر بتقوى اهلل تعالى؛لحديث جابر بن عبد اهلل ‪ ‬قال‪ :‬كان‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يخطب الناس‪ :‬يحمد اهلل‪ ،‬ويثني عليه بما هو أهله‪)1())...‬؛‬
‫وألن كل أمر ال يبدأ فيه بحمد اهلل تعالى‪ ،‬فهو أقطع‪ ،‬أبتر‪ ،‬أجذم‪ ،‬ناقص‬
‫البركة والخير(‪)2‬؛ ولقول عمر بن الخطاب ‪(( :‬إن الدعاء موقوف بين‬
‫السماء واألرض ال يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك ‪)3())‬؛‬
‫ولقول علي بن أبي طالب ‪(( :‬كل دعاء محجوب حتى تصلي على‬
‫محمد ‪ ‬وآل محمد))(‪)4‬؛ ولحديث جابر بن سمرة ‪ ‬قال‪(( :‬كانت‬
‫للنبي ‪ ‬خطبتان يجلس بينهما‪ ،‬يقرأ القرآن ويذكر الناس))(‪ .)5‬ولفظ أبي‬
‫داود‪(( :‬كانت صالة رسول اهلل ‪ ‬قصداً‪ ،‬وخطبته قصداً‪ ،‬يقرأ آيات من‬
‫(‪)6‬‬
‫القرآن ويذكر الناس)) ؛ ولحديث أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي اهلل‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫اإلنصاف لمعرفة الراجح من الخالف مع المقنع والشرح الكبير‪ ،221-220/2 ،‬وقال العالمة السعدي‬
‫رحمه اهلل‪(( :‬وأما اشتراط تلك الشروط في الخطبتين‪ :‬الحمد‪ ،‬والصالة على رسول اهلل‪ ،‬وقراءة آية من كتاب‬
‫اهلل فليس على اشتراط ذلك دليل‪ ،‬والصواب أنه إذا خطب خطبة يحصل بها المقصود والموعظة‪ ،‬أن ذلك‬
‫كاف وإن لم يلتزم بتلك المذكورات‪ ،‬نعم من كمال الخطبة الثناء فيها على اهلل وعلى رسوله‪ ،‬وأن تشتمل‬ ‫ٍ‬
‫على قراءة شيء من كتاب اهلل‪ ،‬أما كون هذه األمور شروطاً ال تصح إال بها سواء تركها عمداً أو خطأ أو‬
‫سهواً ففيه نظر ظاهر‪ ،‬وكذلك كون مجرد اإلتيان بهذه األركان األربعة من دون موعظة تحرك القلوب‬
‫يجزئ ويسقط الواجب وذلك ال يحصل به مقصود فغير صحيح)) [المختارات الجلية‪ ،‬ص‪.]70‬‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصالة والخطبة‪ ،‬برقم ‪.837‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬مسند اإلمام أحمد‪ ،421/2 ،‬وسنن أبي داود‪ ،‬برقم ‪ ،3830‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1813‬وابن‬
‫حبان‪ ،‬برقم ‪( 1114‬موارد)‪.‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ ،‬كتاب الوتر‪ ،‬باب ما جاء في فضل الصالة على النبي ‪ ،‬برقم ‪ ،383‬وحسنه األلباني‬
‫في صحيح الترمذي‪ ، 273/1 ،‬وفي سلسلة األحاديث الصحيحة تحت الحديث رقم ‪.2042‬‬
‫(‪ )4‬الطبراني في األوسط ‪ 338/3‬مصورة الجامعة اإلسالمية‪ ،‬وحسنه األلباني في سلسلة األحاديث‬
‫الصحيحة لكثرة طرقه‪ ،‬الحديث رقم ‪.2042‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،832‬وتقدم تخريجه في الشرط الرابع من شروط صحة صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الرجل يخطب على قوس‪،‬برقم ‪ ،1101‬وحسنه األلباني في‬
‫=‬
‫‪505‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫عنها قالت‪(( :‬لقد كانت تنورنا وتنور رسول اهلل ‪ ‬واحداً(‪ ،)1‬سنتين أو سنة‬
‫يد‪ ‬إال عن لسان رسول اهلل‬ ‫آن الـم ِج ِ‬
‫وبعض سنة‪ ،‬وما أخذت ‪‬ق*وا ْل ُقر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫‪ ،‬يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس))(‪ ،)2‬وعن صفوان بن‬
‫اد ْوا َيا َم ِال ُك ِلي ْق ِض‬
‫يعلى عن أبيه أنه سمع النبي ‪ ‬يقرأ على المنبر‪َ  :‬و َن َ‬
‫َ‬
‫ون‪ ،)4( )3(‬قال اإلمام النووي رحمه اهلل‪(( :‬فيه‬ ‫ع َلي َنا رب َك َق َال ِإنَّ ُكم م ِ‬
‫اكثُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َ ُّ‬
‫القراءة في الخطبة وهي مشروعة بال خالف‪ ،‬واختلفوا في وجوبها‪،‬‬
‫والصحيح عندنا وجوبها‪ ،‬وأقلها آية))‪ .‬قوله‪(( :‬ما حفظت (ق) إال من ِفي‬
‫ّ‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يخطب بها كل جمعة)) قال العلماء‪(( :‬سبب اختيار ق أنها‬
‫مشتملة على البعث‪ ،‬والموت‪ ،‬والمواعظ الشديدة‪ ،‬والزواجر األكدية‪،‬‬
‫وفيه دليل للقراءة في الخطبة كما سبق‪ ،‬وفيه استحباب قراءة (ق) أو‬
‫بعضها في كل خطبة))(‪ ،)5‬وعن جابر بن عبد اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬كان رسول اهلل‬
‫‪ ‬إذا خطب احمرت عيناه‪ ،‬وعال صوته‪ ،‬واشتد غضبه حتى كأنه منذر‬
‫جيش يقول‪ :‬صبحكم ومساكم(‪ ،)6‬ويقول‪ :‬بعثت أنا والساعة كهاتين‬
‫ويقرن بين إصبعين‪ :‬السبابة والوسطى‪ ،‬ويقول‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإن خير‬
‫الحديث كتاب اهلل وخير الهدي(‪ )7‬هدي محمد‪ ،‬وشر األمور محدثاتها‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫صحيح أبي داود‪،404/1،‬وأصله في صحيح مسلم‪،‬برقم ‪.833‬‬
‫(‪ )1‬التنور‪ :‬الكانون يخبز فيه‪ .‬القاموس المحيط‪ ،‬ص‪.323‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصالة‪ ،‬والخطبة‪ ،‬برقم ‪.874‬‬
‫(‪ )3‬سورة الزخرف‪ ،‬اآلية‪.77 :‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب بدء الخلق‪ ،‬باب إذا قال أحدكم‪ :‬آمين والمالئكة في السماء فوافقت‬
‫إحداهما األخرى غفر له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬برقم ‪ ،4240‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف‬
‫الصالة‪ ،‬والخطبة‪ ،‬برقم ‪.871‬‬
‫(‪ )5‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.310/3 ،‬‬
‫(‪ )6‬منذر جيش ‪ :‬المنذر‪ :‬المعلم المعروف للقوم بما يكون قد دهمهم من عدو أو غيره‪ ،‬وهو‬
‫المخوف‪ .‬جامع األصول البن األثير‪.380/2 ،‬‬
‫(‪ )7‬الهدي‪:‬السيرة والطريقة‪.‬جامع األصول‪،380/2 ،‬قال النووي‪((:‬لفظ الهدي له معنيان‪:‬أحدهما بمعنى الداللة‬
‫واإلرشاد‪،‬وهو الذي يضاف إلى الرسل والقرآن والعباد‪.‬‬
‫=‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪565‬‬
‫وكل بدعة ضاللة))‪ .‬ثم يقول‪(( :‬أنا أولى بكل مؤمن من نفسه‪ ،‬من ترك‬
‫ماالً فألهله‪ ،‬ومن ترك ديناً أو ضياعاً(‪ )1‬فإلي وعلي))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬كانت‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫خطبة النبي ‪ ‬يوم الجمعة‪ :‬يحمد اهلل‪ ،‬ويثني عليه‪ ،‬ثم يقول على إثر‬
‫ذلك وقد عال صوته‪ .))...‬وفي لفظ‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يخطب الناس‪:‬‬
‫يحمد اهلل‪ ،‬ويثني عليه بما هو أهله‪ ،‬ثم يقول‪ :‬من يهده اهلل فال مضل له‪،‬‬
‫ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وخير الحديث كتاب اهلل‪.)2())...‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن ضماداً(‪ )3‬قدم مكة‪ ،‬وكان من أزد شنوءة‬
‫وكان يرقي من هذه الريح(‪ )4‬فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون‪:‬إن‬
‫محمداً مجنون‪ ،‬فقال‪ :‬لو أني رأيت هذا الرجل لعل اهلل يشفيه على‬
‫يدي‪،‬قال‪ :‬فلقيه فقال‪ :‬يا محمد إني أرقي من هذه الريح‪،‬وإن اهلل يشفي‬
‫على يدي من شاء فهل لك؟ فقال رسول اهلل ‪(( :‬إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده‪،‬‬
‫ونستعينه‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪،‬وأن محمداً عبده ورسوله‪،‬أما بعد))‬

‫قال‪ :‬فقال أعد علي كلماتك هؤالء‪،‬فأعادهن عليه رسول اهلل ‪ ،‬ثالث‬
‫ّ‬
‫مرات‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪:‬لقد سمعت قول الكهنة‪ ،‬وقول السحرة‪،‬وقول الشعراء‪،‬‬
‫فما سمعت مثل كلماتك هؤالء‪ ،‬ولقد بلغن ناعوس البحر(‪ ،)5‬قال‪:‬‬
‫فقال‪ :‬هات يدك أبايعك على اإلسالم‪ ،‬قال‪ :‬فبايعه‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫والثاني‪ :‬بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة والتأييد وهو الذي تفرد اهلل به)) شرح النووي على‬
‫صحيح مسلم‪.304/3 ،‬‬
‫(‪ )1‬الضياع‪ :‬العيال‪ ،‬جامع األصول البن األثير‪ .380/2 ،‬والضياع‪ :‬األطفال والعيال‪ .‬شرح النووي‪،‬‬
‫‪.303/3‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصالة والخطبة‪ ،‬برقم ‪.837‬‬
‫(‪ )3‬ضماد‪:‬هو ضماد بن ثعلبة األزدي من أزد شنوءة‪،‬تمييز الصحابة البن حجر‪.210/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬الريح‪ :‬أي األرواح الخبيثة [الجن]‪.‬‬
‫(‪ )5‬ناعوس البحر ‪ :‬قيل‪ :‬لجته‪ ،‬وقيل‪ :‬وسطه‪ ،‬وقيل‪ :‬قعره األقصى‪ ،‬وقيل‪ :‬عمقه ولجته‪ .‬شرح النووي‬
‫على مسلم‪.307-303/3 ،‬‬
‫‪565‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫((وعلى قومك؟))قال‪((:‬وعلى قومي‪،‬قال‪:‬فبعث رسول اهلل ‪ ‬سرية فمروا‬


‫بقومه‪ ،‬فقال صاحب السرية للجيش‪ :‬هل أصبتم من هؤالء شيئاً؟ فقال‬
‫(‪)1‬‬
‫ردوها؛ فإن هؤالء قوم‬‫رجل من القوم‪ :‬أصبت منه مطهرة ‪ ،‬فقال‪ُّ :‬‬
‫ضماد))(‪.)2‬‬
‫قال النووي رحمه اهلل عن حديث جابر ‪ ،‬قوله‪(( :‬إذا خطب احمرت‬
‫ّ‬
‫عيناه‪ ،‬وعال صوته‪ ،‬واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش)) يستدل بهذا‬
‫على أنه يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة‪ ،‬ويرفع صوته‪ ،‬ويجزل‬
‫كالمه‪ ،‬ويكون مطابقاً للفصل الذي يتكلم فيه‪ :‬من ترغيب أو ترهيب‪،‬‬
‫ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمراً عظيماً‪ ،‬وتحديده َخ ْطباً‬
‫جسيم ًا‪ ...‬ثم قال [و] ((فيه استحباب قول أما بعد في خطب‪ :‬الوعظ‪،‬‬
‫والجمعة‪ ،‬والعيد‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وكذا في خطب الكتب المصنفة‪ ،‬وقد عقد‬
‫البخاري باب ًا في استحبابه وذكر فيه جملة من األحاديث‪ ...‬وقوله‪:‬‬
‫((كانت خطب النبي ‪ ‬يوم الجمعة‪ :‬يحمد اهلل ويثني عليه)) فيه دليل‬
‫للشافعي ‪ ‬أنه يجب حمد اهلل تعالى في الخطبة ويتعين لفظه‪ ،‬وال يقوم‬
‫غيره مقامه))(‪.)3‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬أُتي رسول اهلل ‪ ‬جوامع الخير‬
‫وخواتمه ‪ -‬أو قال‪:‬فواتح الخير ‪ -‬فع َّلمنا خطبة الصالة وخطبة الحاجة‪:‬‬
‫خطبة الصالة‪ :‬التحيات هلل‪ ،‬والصلوات‪ ،‬والطيبات‪ ،‬السالم عليك أيها‬
‫النبي ورحمة اهلل وبركاته‪،‬السالم علينا وعلى عباد اهلل الصالحين‪ ،‬أشهد أن‬
‫ال إله إال اهلل‪،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مطهرة ‪ :‬الميضأة والمطهرة‪ :‬ما يتوضأ به ويتطهر فيه من اآلنية‪ ،‬تفسير غريب ما في الصحيحين‬
‫للحميدي‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصالة والخطبة‪ ،‬برقم ‪.838‬‬
‫(‪ )3‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.303-302/3 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪565‬‬
‫وخطبة الحاجة‪ :‬إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ‬
‫باهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪،‬‬
‫ومن يُضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪،‬‬
‫آمنُو ْا َّات ُقو ْا اهلل َح َّق تُ َق ِات ِه‬ ‫ِ‬
‫ورسوله‪َ )1‬يا أَيُّ َها الَّذ َ‬
‫ين َ‬ ‫وأشهد أن محمداً عبده‬
‫َوالَ َت ُموتُ َّن ِإال َّ َوأَ ُنتم ُّم ْس ِل ُمو َن‪َ  . ‬يا أَ ُّي َها الناس َّات ُقو ْا َر َّب ُكم الَّ ِذي َخ َل َق ُكم‬
‫(‬
‫ُ‬
‫ث ِم ْن ُه َما رِ َجاالً َك ِثيرا َون َس ًاء َو َّات ُقو ْا اهلل‬
‫ِ‬ ‫اح َد ٍة َو َخ َل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َب َّ‬‫من نَّ ْف ٍس و ِ‬
‫(‪ً )2‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا‬ ‫ين َ‬ ‫ان َع َل ْي ُك ْم َرق ًيبا‪َ  . ‬يا أَ ُّي َها الَّذ َ‬ ‫ون بِه َواألَ ْر َح َام ِإ َّن اهلل َك َ‬ ‫الَّذي َت َس َاءلُ َ‬
‫وب ُكم َو َمن‬ ‫َّات ُقوا اهلل وقولوا قوال س ِديدا * يص ِلح لكم أَعمالكم ويغ ِفر لكم ذن‬
‫َ ُ ُ َ ْ ً َ ً ُ ْ ْ َ(‪ْ َ ُ ُ ْ ُ َ ْ)5(ْ َ َ ْ ُ َ َ ْ )4(ْ )ُ 3‬‬
‫‪[ .‬أما بعد] ‪.‬‬ ‫از َف ْو ًزا َع ِظيما‪‬‬
‫ً‬ ‫يُ ِط ِع اهلل َو َر ُسو َل ُه َف َق ْد َف َ‬
‫(‪)6‬‬
‫وكان أحياناً ال يذكر هذه اآليات الثالث ؛ لحديث ابن عباس رضي اهلل‬
‫عنهما ‪ :‬أن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬الحمد هلل‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونعوذ باهلل من‬
‫شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يُضلل‬
‫فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأن محمداً‬
‫عبده ورسوله‪ ،‬أما بعد))(‪.)7‬‬
‫وينبغي أن يقول أحياناً بعد قوله‪ :‬أما بعد(‪:)8‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.102 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة األحزاب‪ ،‬اآليتان‪.71-70 :‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب خطبة النكاح‪ ،‬برقم ‪ ،1812‬والترمذي‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ما جاء‬
‫في خطبة النكاح‪ ،‬برقم ‪ ، 1102‬وأبو داود‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب في خطبة النكاح‪ ،‬برقم ‪،2118‬‬
‫والنسائي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب كيفية الخطبة‪ ،‬برقم ‪ ،1304‬واللفظ البن ماجه‪ ،‬وصححه األلباني‬
‫في هذه المواضع كلها‪.‬‬
‫(‪ )5‬هذه من رواية ابن عباس اآلتية‪ ،‬وتقدمت أيضاً في قصة ضماد من حديث ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر تمام المنة في التعليق على فقه السنة لأللباني‪ ،‬ص‪.442‬‬
‫(‪ )7‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب خطبة النكاح‪ ،‬برقم ‪ ،1814‬وصححه األلباني في هذا الموضع‪،‬‬
‫وفي خطبة الحاجة (‪ ،)41‬وأصله في صحيح مسلم‪ ،‬برقم ‪ 838‬في قصة ضماد‪ ،‬وتقدمت‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬تمام المنة في التعليق على فقه السنة‪ ،‬لأللباني‪ ،‬ص‪.442‬‬
‫‪565‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫((فإن خير الحديث كتاب اهلل‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد‪ ،‬وشر األمور‬
‫محدثاتها‪ ،‬وكل بدعة ضاللة [وكل ضاللة في النار]))(‪ ،)1‬وفي لفظ النسائي‪:‬‬
‫((‪ ...‬إن أصدق الحديث كتاب اهلل‪ ،‬وأحسن الهدي هدي محمد‪ ،‬وشر األمور‬
‫محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة في النار))(‪.)2‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى في خصائص يوم الجمعة‪ ...(( :‬إن فيه‬
‫الخطبة التي يقصد بها الثناء على اهلل‪ ،‬وتمجيده‪ ،‬والشهادة له بالوحدانية‪،‬‬
‫ولرسوله ‪ ‬بالرسالة‪ ،‬وتذكير العباد بأيامه‪ ،‬وتحذيرهم من بأسه ونقمته‪،‬‬
‫ووصيتهم بما يقربهم إليه‪ ،‬وإلى جناته‪ ،‬ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره‪،‬‬
‫فهذا هو مقصود الخطبة‪ ،‬واالجتماع لها))(‪.)3‬‬
‫وقال رحمه اهلل في موضوع آخر‪((:‬وكان مدار خطبه على حمد اهلل‪،‬والثناء‬
‫عليه بآالئه‪،‬وأوصاف كماله‪،‬ومحامده‪ ،‬وتعليم قواعد اإلسالم‪،‬وذكر الجنة‬
‫والنار‪،‬والمعاد‪ ،‬واألمر بتقوى اهلل‪ ،‬وتبيين موارد غضبه‪ ،‬ومواقع رضاه‪ ،‬فعلى‬
‫هذا كان مدار خطبه‪ ،‬وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة‬
‫المخاطبين‪ ،‬ومصلحتهم‪ ،‬ولم يكن يخطب خطبة إال افتتحها بحمد اهلل‪،‬‬
‫ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة‪ ،‬ويذكر فيها نفسه باسمه العام‪،‬وثبت عنه أنه‬
‫قال‪(( :‬كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء))(‪.)5( )4‬‬
‫فظهر مما تقدم أهمية مشروعية اشتمال الخطبة على ما يأتي‪:‬‬
‫حمد اهلل تعالى والثناء عليه بما هو أهله‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪،‬من حديث جابر‪،‬برقم ‪،837‬وتقدم وما بين المعقوفين من سنن النسائي‪،‬برقم ‪.1277‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪ ،‬كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب كيف الخطبة‪ ،‬برقم ‪ ،1277‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫النسائي‪ ،212/1 ،‬وهو في مسلم كما تقدم إال ((وكل ضاللة في النار))‪.‬‬
‫(‪ )3‬زاد المعاد‪ ،418/1 ،‬وانظر هديه ‪ ‬في خطبته في زاد المعاد‪ 111-183/1،‬و‪.330-322/1‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪،‬كتاب األدب‪،‬باب في الخطبة‪،‬برقم ‪،3831‬والترمذي‪،‬في كتاب النكاح‪،‬باب ما جاء في‬
‫خطبة النكاح‪ ،‬برقم ‪ ،1103‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح غريب‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح أبي‬
‫داود‪ ،181/4 ،‬وصحيح سنن الترمذي‪ ،232/1 ،‬وهو في مسند أحمد‪.434-402/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬زاد المعاد‪ ،‬فصل في هديه ‪ ‬في خطبته‪.181-188/1 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪565‬‬
‫الشهادة هلل بالوحدانية ولنبيه بالرسالة‪.‬‬
‫الصالة على النبي ‪ ‬وخاصة مع الدعاء‪.‬‬
‫قراءة بعض اآليات من كتاب اهلل تعالى‪.‬‬
‫الوصية بتقوى اهلل ‪.‬‬
‫وسنن خطبة الجمعة كثيرة‪ ،‬منها ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬يسلم على المأمومين‪ .‬والسالم هنا نوعان‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬يسلم سالم ًا خاص ًا إذا دخل المسجد على من يالقيه‬
‫بناء على النصوص العامة التي يؤمر فيها بالسالم على‬
‫وهذا من السنة ً‬
‫من يقابل من المسلمين؛ لقوله عليه الصالة والسالم في حقوق المسلم‬
‫على المسلم‪(( :‬وإذا لقيته فسلم عليه))(‪ ،)1‬ولقوله ‪(( :‬أفشوا السالم‬
‫بينكم))(‪.)2‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬يسلم تسليماً عامـاً إذا صـعد المنبـر‪ ،‬قبـل أن يجلـس؛ ألن‬
‫ذلــــك روي عــــن النبــــي ‪ ،)3(‬وثبــــت مــــن فعــــل أبــــي بكــــر‪ ،‬وعمــــر(‪،)4‬‬
‫وعثمـــان(‪ ،)5‬وعمـــر بـــن عبـــد العزيـــز(‪ .  )1‬قـــال العالمـــة األلبـــاني رحمـــه اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه من حديث أبي هريرة ‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب األمر باتباع الجنائز‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،1230‬ومسلم‪ ،‬كتاب السالم‪ ،‬باب من حق المسلم على المسلم رد السالم‪ ،‬برقم ‪.2132‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب بيان أنه ال يدخل الجنة إال المؤمنون‪ ،‬برقم ‪.23‬‬
‫(‪ )3‬روي ذلك عن جابر يرفعه‪(( :‬كان إذا صعد المنبر سلم)) ابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1101‬وفيه ابن لهيعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬عن عطاء أن النبي ‪ ‬كان إذا صعد المنبر‪ ،‬أقبل بوجهه على الناس‪ ،‬فقال‪ :‬السالم عليكم‪ .‬مصنف عبد الرزاق‪،‬‬
‫‪ 112/4‬مرسالً‪ ،‬برقم ‪ .2281‬وعن الشعبي قال‪ :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا صعد المنبر [يوم الجمعة] أقبل على الناس‬
‫بوجهه وقال‪(( :‬السالم عليكم))‪ ،‬فكان أبو بكر وعمر يفعالن ذلك بعد النبي ‪ .‬مصنف عبد الرزاق‪،‬‬
‫‪ ،114/4‬برقم ‪ ،2282‬وابن أبي شيبة‪ ،113/2 ،‬واللفظ له‪ ،‬وصحح مرسل عطاء األرناؤوط في تحقيق زاد المعاد‪،‬‬
‫‪ ،187/1‬وقال األلباني في األحاديث الصحيحة تحت الحديث رقم ‪ 2073‬عن مرسل الشعبي‪(( :‬هو مرسل ال‬
‫بأس به في الشواهد))‪ ،‬وقال عن مرسل عطاء‪(( :‬ورجاله ثقات رجال الشيخين))‪ .‬وقال األلباني أيضاً في تمام المنة‪،‬‬
‫ص‪(( :444‬هذان المرسالن‪ ...‬يقويان حديث جابر وال سيما وقد جرى عمل الخلفاء عليه كما حققته في‬
‫الصحيحة (‪ )2073‬بما ال تراه في مكان آخر إن شاء اهلل تعالى))‪.‬‬
‫الكتاب))‬ ‫(‪ )5‬عن أبي نضرة قال‪ :‬كان عثمان قد كبر فإذا صعد المنبر سلم فأطال قدر ما يقرأ إنسان أم‬
‫=‬
‫‪560‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫تعــالى‪((:‬وممــا يشــهد للحــديث ويقويــه جريــان عمــل الخلفــاء عليــه))(‪،)2‬وقــال‬


‫العالمة محمد بن صالح العثيمين رحمـه اهلل‪ ...((:‬وإن كـان الحـديث المرفـوع‬
‫فيــه ضــعيف ًا لكــن األمــة عملــت به‪،‬واشــتهر بينهــا أن الخطيــب إذا جــاء وصــعد‬
‫المنبــر فإنــه يســلم علــى الناس‪،‬وهــذا التســليم العام‪.‬أمــا الخــاص فإنــه إذا دخــل‬
‫المسجد سلم على من يالقيه أوالً‪،‬وهذا من السنة بناء على النصوص العامة‪:‬‬
‫أن اإلنسان إذا أتى قوماً فإنه يسلم عليهم))(‪ ،)3‬واهلل الموفق(‪.)4‬‬
‫عال مرتفع‪ ،‬واألفضل أن يكون‬ ‫‪ - 2‬يخطب على منبر أو موضع ٍ‬
‫ثالث درجات‪ ،‬وأن يكون عن يمين القبلة؛ألن منبر النبي ‪ ‬كان‬
‫كذلك(‪،)5‬قال العالمة ابن القاسم‪((:‬وأجمع المسلمون على ذلك في كل‬
‫عصر ومصر))(‪.)6‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫ابن أبي شيبة‪ ،113/2 ،‬وقال األلباني في سلسلة األحاديث الصحيحة ‪ ،107/2‬تحت الحديث‬
‫رقم ‪(( :2073‬وإسناده صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )1‬عن عمر بن هاجر أن عمر بن عبد العزيز كان إذا استوى على المنبر سلم على الناس وردوا عليه‪.‬‬
‫ابن أبي شيبة‪ ،113/2 ،‬وقال األلباني في الصحيحة‪ ،107/2 ،‬برقم ‪(( :2073‬وسنده صحيح))‪.‬‬
‫وروى البيهقي عن ابن عمر قال‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده من‬
‫الجلوس‪ ،‬فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلم))‪ .‬البيهقي في الكبرى ‪ ،202/4،‬وقال‪(( :‬وروي في‬
‫ذلك عن ابن عباس‪ ،‬وابن الزبير‪ ،‬ثم عن عمر بن عبد العزيز‪ . 202/4 ،‬وقد أشار العالمة األلباني إلى هذا‬
‫الشاهد لما سبق بقوله‪(( :‬وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عمر مرفوعاً به وفيه زيادة أوردته من أجلها‬
‫في الضعيفة (‪ )3113‬من رواية البيهقي وابن عساكر)) األحاديث الصحيحة‪.107/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬األحاديث الصحيحة‪.107/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الممتع‪.80/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الشرح الكبير‪ ،‬البن قدامة‪ ،243/2 ،‬وزاد المعاد البن القيم ‪.183/1،‬‬
‫(‪ )5‬قال ابن قدامة في الشرح الكبير‪((:242/2 ،‬ويستحب أن يكون المنبر عن يمين القبلة؛ألن النبي ‪‬‬
‫هكذا صنع)) وقال المرداوي في اإلنصاف‪(( :‬لكن يكون المنبر عن يمين مستقبلي القبلة)) وعبر‬
‫عنه‪ ((:‬عن يمين مستقبل القبلة بالمحراب يلي جنبه من جهة يمين المصلي في المحراب)) حاشية‬
‫ابن قاسم على الروض المربع‪.322/20،‬‬
‫(‪ )6‬حاشية ابن قاسم على الروض المربع‪.322/2 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪566‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والمنبر‪ :‬مرقاة الخطيب سمي منبر ًا؛ الرتفاعه وعلوه ‪ ،‬وقد ثبت أن‬
‫النبي ‪ ‬اتخذ منبراً في مسجده‪ ،‬فعن أبي حازم قال‪ :‬سألوا سهل بن‬
‫سعد ‪ ‬من أي شيء المنبر؟ فقال‪(( :‬ما بقي بالناس أعلم مني‪ :‬هو من‬
‫أثل الغابة عمله فالن مولى فالنة لرسول اهلل ‪ .))‬وفي لفظ‪(( :‬بعث‬
‫رسول اهلل ‪ ‬إلى امرأة أن ُمري غالمك النجار يعمل لي أعواداً أجلس‬
‫عليهن))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬واهلل إني ألعرف مما هو‪ ،‬ولقد رأيته أول يوم‬
‫وضع‪ ،‬وأول يوم جلس عليه رسول اهلل ‪ ،‬أرسل رسول اهلل ‪ ‬إلى‬
‫فالنة امرأة من األنصار‪ُ (( :‬مري غالمك النجار أن يعمل لي أعواداً‬
‫ِ‬
‫طرفاء الغابة‪ ،‬ثم جاء‬ ‫أجلس عليهن إذا كلمت الناس)) فأمرته فعملها من‬
‫بها فأرسلت إلى رسول اهلل ‪ ،‬فأمر بها فوضعت هاهنا‪.)2())...‬‬
‫وعن جابر ‪ ‬أن امرأة قالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أال أجعل لك شيئاً تقعد‬
‫عليه؟ فإن لي غالماً نجاراً‪ ،‬قال‪(( :‬إن شئت))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬كان جذع يقوم‬
‫عليه النبي ‪ ‬فلما ُو ِض َع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات‬
‫العشارحتى نزل النبي ‪ ‬فوضع يده عليه))‪ ،‬وفي لفظ‪(( :‬فصاحت النخلة‬
‫التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق‪ ،‬فنزل النبي ‪ ‬حتى أخذها‬
‫يسكت حتى استقرت‪ ،‬قال‪:‬‬‫َّ‬ ‫فضمها إليه‪ ،‬فجعلت تئن أنين الصبي الذي‬
‫بكت على ما كانت تسمع من الذكر))(‪ ،)3‬وفي لفظ‪(( :‬كان المسجد‬
‫مسقوف ًا على جذوع من النخل‪ ،‬فكان النبي ‪ ‬يقوم إلى جذع منها‪ ،‬فلما‬
‫ُص ِن َع له المنبر فكان عليه‪ ))...‬الحديث‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫قال له تميم‬ ‫بدن‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬لما َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬باب الراء‪ ،‬فصل الميم‪.181/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب الصالة في السطوح والمنبر والخشب‪،‬برقم ‪،477‬وباب االستعانة بالنجار‬
‫والصناع في أعواد المنبر والمسجد‪،‬برقم ‪،338‬وكتاب الجمعة‪،‬باب الخطبة على المنبر‪ ،‬برقم ‪.117‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب االستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد‪ ،‬برقم ‪،331‬‬
‫وكتاب الجمعة‪،‬باب الخطبة على المنبر‪،‬برقم ‪،118‬وكتاب البيوع‪ ،‬باب النجار‪،‬برقم ‪،2012‬‬
‫وكتاب المناقب‪،‬باب عالمات النبوة في اإلسالم‪،‬برقم ‪.4282‬‬
‫‪:‬بدن الرجل بالتشديد‪:‬إذا كبر‪،‬وبالتخفيف‪َ ((:‬ب َد َن)) إذا سمن‪.‬جامع األصول البن األثير‪.188/11 ،‬‬
‫(‪َّ )4‬بدن َّ‬
‫‪565‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫الداري‪:‬أال أتخذ لك منبر ًا يجمع أو يحمل عظامك؟ قال‪((:‬بلى)) فاتخذ‬


‫له منبراً مرقاتين))(‪.)1‬وعن سهل بن سعد ‪ ‬قال‪:‬أرسل رسول اهلل ‪ ‬إلى‬
‫امرأة‪(( :‬انظري غالمك النجار يعمل لي أعواداً أكلم الناس عليها)) فعمل‬
‫هذه الثالث درجات‪،‬ثم أمر بها رسول اهلل ‪َ ‬ف ُو ِض َع ْت هذا الموضع(‪.)2‬‬
‫وعن سلمة بن األكوع ‪ ‬قال‪(( :‬وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر‬
‫الشاة))(‪ .)3‬وعن سهل ‪(( :‬أنه كان بين جدار المسجد مما يلي القبلة‬
‫وبين المنبر ممر الشاة))(‪.)4‬‬
‫‪ - 4‬يجلس إذا سلم على المأمومين حتى يفرغ المؤذن؛ لحديث ابن عمر‬
‫رضي اهلل عنهما قال‪((:‬كان النبي ‪ ‬يخطب خطبتين‪ :‬كان يجلس إذا صعد المنبر‪،‬حتى‬
‫يفرغ ‪ -‬أراه قال ‪ -‬المؤذن‪،‬ثم يقوم فيخطب‪،‬ثم يجلس فال يتكلم‪،‬ثم يقوم‬
‫فيخطب))(‪.)5‬‬
‫‪ - 3‬يخطب قائماً؛ لحديث جابر بن سمرة‪ ،‬قال‪(( :‬كانت للنبي ‪ ‬خطبتان‬
‫ويذكر الناس))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬كان يخطب قائم ًا ثم‬
‫ّ‬ ‫يجلس بينهما‪ ،‬يقرأ القرآن‬
‫يجلس‪ ،‬ثم يقوم فيخطب قائم ًا‪ ،‬فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫فقد واهلل صليت معه أكثر من ألفي صالة)) ‪ ،‬وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب اتخاذ المنبر‪ ،‬برقم ‪ ، 1081‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي‬
‫داود‪.202/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب جواز الخطوة والخطوتين في الصالة‪ ،‬برقم ‪.233‬‬
‫دنو المصلي من السترة‪ ،‬برقم ‪.201‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ّ‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب ما ذكر عن النبي ‪ ‬وحض على اتفاق أهل العلم‬
‫وما يجتمع عليه الحرمان‪ :‬مكة والمدينة‪ ،‬وما كان بهما من مشاهد النبي ‪ ‬والمهاجرين‬
‫واألنصار‪ ،‬ومصلى النبي ‪ ‬والمنبر‪ ،‬برقم ‪.7443‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب الجلوس إذا صعد المنبر‪،‬برقم ‪،1012‬وصححه األلباني في صحيح أبي‬
‫داود‪،401/1،‬وأصل الحديث متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪ ،120‬ومسلم‪،‬برقم ‪،832‬وتقدم تخريجه في‬
‫الشرط الرابع من شروط صحة صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ، 832‬وتقدم تخريجه في الشرط الرابع من شروط صحة الجمعة‪ ،‬وقوله‪(( :‬ألفي‬
‫صالة‪ :‬المراد الصلوات الخمس ال الجمعة؛ فإنها أقل من ذلك‪ .‬انظر‪ :‬شرح النووي‪.300/3 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪565‬‬
‫(‪)1‬‬
‫عنهما أن النبي ‪ ‬كان يخطب قائم ًا يوم الجمعة فجاء عير من الشام فانفتل‬
‫الناس إليها حتى لم يبق إال اثنا عشر رجالً‪ ،‬فأنزلت هذه اآلية التي في‬
‫وك َق ِائ ًما ُق ْل َما ِع َند اهلل‬ ‫الجمعة‪َ  :‬و ِإ َذا َرأَ ْوا ِت َج َار ًة أَ ْو لـ َ ْه ًوا ان َف ُّضوا ِإ َل ْي َها َو َت َر ُك َ‬
‫ين‪ ،)2(‬وفي لفظ لمسلم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الت َج َار ِة َواهلل خير‬ ‫ِ‬
‫الرازِق َ‬ ‫َ ْ ُ َّ‬ ‫َخ ْي ٌر ّم َن اللهوِ َوم َن ّ‬
‫((فابتدرها أصحاب رسول اهلل ‪ ‬حتى لم يبق معه إال اثنا عشر رجالً فيهم‬
‫أبو بكر وعمر‪ .)3())...‬وعن أبي عبيدة عن كعب بن عجرة قال‪ :‬دخل‬
‫المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعد ًا‪ ،‬فقال‪(( :‬انظروا إلى هذا‬
‫الخبيث يخطب قاعداً وقد قال اهلل تعالى‪َ  :‬و ِإ َذا َرأَ ْوا ِت َج َار ًة أَ ْو لـ ْه ًوا ان َف ُّضوا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ َليها و َتر ُك َ ِ‬
‫الت َج َار ِة َواهلل َخير‬ ‫وك َقائ ًما ُق ْل َما ع َند اهلل َخ ْي ٌر ّم َن اللهوِ َوم َن ّ‬ ‫َ َ‬
‫ُْ‬ ‫ْ ِ َ (‪)4‬‬
‫ين‪. ‬‬ ‫الرازِق َ‬
‫َّ‬
‫‪ - 2‬يجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة؛ لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‬
‫قال‪(( :‬كان النبي ‪ ‬يخطب قائماً ثم يقعد‪ ،‬ثم يقوم))(‪ ،)5‬وهذه الجلسة‬
‫سنة عند جمهور أهل العلم(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬العير‪ :‬اإلبل التي تحمل الطعام‪ .‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.300/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬سورة الجمعة‪ ،‬اآلية‪.11 :‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب إذا نفر الناس عن اإلمام في صالة الجمعة فصالة اإلمام‬
‫ومن بقي جائزة‪ ،‬برقم ‪ ،143‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب قوله تعالى‪َ  :‬و ِإ َذا َرأَ ْوا ِت َج َار ًة أَ ْو لـ ْه ًوا ان َف ُّضوا‬
‫َ‬
‫ين‪ ،‬برقم ‪.834‬‬ ‫ِ‬
‫الرازِق َ‬ ‫الت َج َار ِة َواهلل خير‬
‫َ ْ ُ َّ‬
‫ِ‬
‫ند اهلل َخ ْي ٌر ّم َن اللهوِ َوم َن ّ‬ ‫وك َق ِائ ًما ُق ْل َما ِع َ‬
‫ِإ َل ْي َها َوتَ َر ُك َ‬
‫ِ‬
‫وك َقائ ًما ُق ْل َما ِع َند اهلل‬ ‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪،‬باب قوله تعالى‪َ :‬و ِإ َذا َرأ َ ْوا ِت َج َار ًة أَ ْو لـ َ ْه ًوا ان َف ُّضوا ِإ َل ْي َها َو َت َر ُك َ‬
‫ين‪،‬برقم ‪.833‬‬ ‫ِ‬ ‫الت َج َار ِة َواهلل خير‬ ‫ِ‬
‫الرازِق َ‬ ‫َ ْ ُ َّ‬ ‫َخ ْي ٌر ّم َن اللهوِ َوم َن ّ‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،120‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ، 831‬وتقدم تخريجه في الشرط الرابع من‬
‫شروط صحة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )6‬ذهب اإلمام الشافعي إلى أن خطبة الجمعة ال تصح من القادر على القيام إال قائماً في الخطبتين‪،‬‬
‫وال يصح حتى يجلس بينهما‪ ،‬وأن الجمعة ال تصح إال بخطبتين‪ ...‬وقال أبو حنيفة ومالك‬
‫والجمهور‪ :‬الجلوس بين الخطبتين سنة ليس بواجب وال شرط‪ .‬شرح النووي على صحيح مسلم‪،‬‬
‫‪ ، 411-418/3‬وذكر ابن قدامة أن الجلسة بين الخطبتين ليست بواجبة في قول أكثر أهل العلم‪،‬‬
‫وذكر قول الشافعي بالوجوب‪ .‬ثم رجح أنها مستحبة؛ ألنه قد سرد الخطبة جماعة منهم‪ :‬المغيرة‬
‫بن شعبة‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬وعلي؛ وألن جلوس النبي ‪ ‬كان لالستراحة فلم تكن واجبة‪ .‬المغني‬
‫البن قدامة‪.177-173/4 ،‬‬
‫‪565‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫‪ - 3‬يعتمد على عصا أو قوس؛ لحديث الحكم بن َح ْزن الكلفي‪،‬‬


‫قال‪ :‬وفدت إلى رسول اهلل ‪ ‬سابع سبعة أو تاسع تسعة‪ ،‬فدخلنا عليه‪،‬‬
‫فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل! زرناك فادع اهلل لنا بخير‪ ،‬فأمر بنا أو أمر لنا بشيء من‬
‫التمر والشأن إذ ذاك دو ٌن‪،‬فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول‬
‫اهلل ‪ ،‬فقام متوكئ ًا على عص ًا أو قوس‪ ،‬فحمد اهلل وأثنى عليه‪ :‬كلمات‪،‬‬
‫خفيات‪ ،‬طيبات‪ ،‬مباركات‪ ،‬ثم قال‪(( :‬أيها الناس إنكم لن تطيقوا ‪ -‬أو لن‬
‫سددوا‪ ،‬وأبشروا))(‪.)1‬‬
‫تفعلوا ‪ -‬كلما أمرتم به‪ ،‬ولكن ّ‬
‫وو َل يوم العيد قوساً فخطب عليه(‪.)2‬‬ ‫وعن البراء ‪ ‬أن النبي ‪ ‬نُ ِ‬
‫والحديث فيه مشروعية االعتماد على عصا أو قوس‪ ،‬قيل‪ :‬والحكمة‬
‫في ذلك‪ :‬االشتغال عن العبث‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه أربط للجأش(‪ ،)3‬قال اإلمام‬
‫ابن القيم رحمه اهلل‪(( :‬ولم يكن يأخذ بيده سيف ًا وال غيره‪ ،‬وإنما كان‬
‫يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر‪ ،‬وكان في الحرب يعتمد‬
‫على قوس‪ ،‬وفي الجمعة يعتمد على عصا))(‪.)4‬‬
‫وسمعت شيخنا عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل يقول‪((:‬إن اعتمد على عصاً فال‬
‫بأس‪،‬وإن لم يعتمد على شيء فال بأس))(‪.)5‬‬
‫‪ - 7‬يقصر الخطبة ويطيل الصالة؛لحديث جابر بن سمرة ‪ ‬قال‪(( :‬كان‬
‫رسول اهلل ‪ ‬ال يطيل الموعظة يوم الجمعة؛إنما هي كلمات يسيرات))(‪.)6‬‬
‫وعن عمار بن ياسر ‪ ‬قال‪(( :‬أمرنا رسول اهلل ‪ ‬بإقصار الخطب))(‪)7‬؛‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الرجل يخطب على قوس‪ ،‬برقم ‪ ،1013‬وحسن إسناده في‬
‫التلخيص‪ ،32/2 ،‬وحسنه األلباني في صحيح أبي داود‪.402/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب يخطب على قوس‪ ،‬برقم ‪ ،1132‬وحسنه األلباني في صحيح سنن‬
‫أبي داود‪.413/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬نيل األوطار للشوكاني‪.221/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬زاد المعاد‪.321/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬أشكلت علي هذه المسألة في زاد المعاد‪ ،321/1 ،‬فسألته فأجاب رحمه اهلل‪.‬‬
‫( ‪ )6‬أبو داود‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب إقصار الخطب‪،‬برقم ‪،1107‬وحسنه األلباني في صحيح أبي داود‪.404/1 ،‬‬
‫( ‪ )7‬أبو داود‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب إقصار الخطب‪،‬برقم ‪،1103‬وصححه األلباني في صحيح أبي داود‪.404/1،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫لحديث عمار ‪ ‬قال أبو وائل‪(( :‬خطبنا عمار بن ياسر فأوجز وأبلغ‪،‬‬
‫فلما نزل قلنا‪ :‬يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت‪ ،‬فلو كنت تنفست‪،‬‬
‫فقال لي‪ :‬إني سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬إ َّن طول صالة الرجل وقصر‬
‫خطبته مئن ٌة من فقهه‪ ،‬فأطيلوا الصالة واقصروا الخطبة‪ ،‬وإن من البيان‬
‫سحرا))(‪.)1‬‬
‫وعن جابر بن سمرة ‪ ‬قال‪(( :‬كنت أصلي مع رسول اهلل ‪ ‬فكانت‬
‫صالته قصداً وخطبته قصداً))(‪.)2‬‬
‫وعن عبد اهلل بن أبي أوفى رضي اهلل عنهما ‪،‬قال‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يكثر‬
‫الذكر‪،‬ويقل اللغو‪،‬ويطيل الصالة‪،‬ويقصر الخطبة‪ ،‬وال يأنف أن يمشي مع‬
‫األرملة والمسكين فيقضي له الحاجة))(‪.)3‬‬
‫وهذه األحاديث تدل على مشروعية إقصار الخطبة وإكمال الصالة‪،‬‬
‫وقوله‪(( :‬فكانت صالته قصداً وخطبته قصداً)) أي بين الطول الظاهر‬
‫والتخفيف الماحق(‪.)4‬‬
‫وطول صالة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه‪ :‬أي عالمة ظاهرة على‬
‫فقهه‪ ،‬قوله ‪(( :‬فأطيلوا الصالة واقصروا الخطبة)) قال اإلمام النووي‬
‫رحمه اهلل‪(( :‬س‪ 0‬في واقصروا همزة وصل‪ ،‬وليس هذا الحديث مخالف ًاََ‬
‫لألحاديث المشهورة في األمر بتخفيف الصالة؛ لقوله في الرواية األخرى‪:‬‬
‫وكانت صالته قصد ًا وخطبته قصد ًا؛ ألن المراد بالحديث الذي نحن فيه‬
‫أن الصالة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة ال تطويالً يشق على المأمومين‪،‬‬
‫وهي حينئذ قصد‪ :‬أي معتدلة‪ ،‬والخطبة قصد بالنسبة إلى وضعها‪ ،‬وقوله‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصالة والخطبة‪ ،‬برقم ‪.831‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصالة والخطبة‪ ،‬برقم ‪.833‬‬
‫(‪ )3‬النسائي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما يستحب من تقصير الخطبة‪ ،‬برقم ‪ ،1313‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح النسائي‪.323/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.302/3 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫((وإن من البيان لسحر ًا)) قيل‪ :‬من الفهم وذكاء القلب‪ .‬وقيل فيه تأويالن‪:‬‬
‫األول‪:‬أنه ذم؛ألنه إمالة القلوب وصرفها بمقاطع الكالم إليه حتى يكسب‬
‫من اإلثم به كما يكسب بالسحر‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه مدح؛ ألن اهلل تعالى امتن على عباده بتعليمهم البيان‪،‬‬
‫وشبهه بالسحر‪ ،‬لميل القلوب إليه وأصل السحر‪ :‬الصرف‪ :‬فالبيان‬
‫يصرف القلوب ويميلها إلى ما تدعو إليه‪ ،‬واختار اإلمام النووي رحمه‬
‫اهلل أن هذا هو الصحيح(‪.)1‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يذكر أن قوله‪(( :‬إن من البيان‬
‫لسحر ًا)) على معنيين‪ :‬إن استخدم في الحق وبيانه وإيضاحه فهو محمود‬
‫وحالل‪ ،‬وإن استخدم في رد الحق وتزيين الباطل فهو مذموم ال يجوز‪.‬‬
‫وفي تقصير الخطبة ثالث فوائد‪:‬ال يحصل الملل للسامعين‪ ،‬وأوعى للسامع فيحفظ‬
‫ما سمع‪،‬وفي ذلك اتباع السنة(‪.)2‬‬
‫‪ - 8‬يرفع صوته حسب طاقته ويفخم أمر الخطبة ويظهر غاية غضبه‬
‫على حسب نوع الخطبة‪ ،‬ويجزل كالمه؛ لحديث جابر ‪ ‬قال‪(( :‬كان‬
‫ه‪،‬واشتد غضبه حتى‬
‫ّ‬ ‫صوت‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬إذا خطب احمرت عيناه‪،‬وعال‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫كأنه منذر جيش‪.)3())...‬قال اإلمام النووي رحمه اهلل تعالى‪((:‬يستدل بهذا‬
‫يفخم أمر الخطب‪،‬ويرفع صوته‪ ،‬ويجزل‬ ‫على أنه يستحب للخطيب أن ّ‬
‫كالمه‪،‬ويكون مطابقاً للفصل الذي يتكلم فيه‪:‬من ترغيب أو ترهيب))(‪.)4‬‬
‫‪ - 1‬يستحب أن يؤذن المؤذن إذا جلس اإلمام على المنبر‪ ،‬لحديث‬
‫السائب بن يزيد ‪ ‬قال‪ :‬كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس اإلمام‬
‫على المنبر على عهد النبي ‪ ،‬وأبي بكر‪ ،‬وعمر رضي اهلل عنهما ‪ ،‬فلما كان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.308-302/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الشرح الممتع البن عثيمين‪.83/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،837‬وتقدم تخريجه في الشرط الرابع من شروط صحة الخطبة‪.‬‬
‫(‪ )4‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.303-302/3 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫عثمان ‪ ‬وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء‬
‫‪ - 10‬ال يرفع يديه على المنبر في الدعاء بل يشير بإصبعه وال يحرك‬
‫يديه عند االنفعال؛ لحديث حصين عن عمارة بن رؤيبة قال‪((:‬رأى بشر‬
‫بن مروان على المنبر رافعاً يديه‪،‬فقال‪:‬قبح اهلل هاتين اليدين‪،‬لقد رأيت‬
‫رسول اهلل ‪ ‬ما يزيد على أن يقول بيده هكذا‪ ،‬وأشار بإصبعه‬
‫المسبحة))(‪.)2‬‬
‫ولفظ الترمذي‪(( :‬عن حصين قال‪ :‬سمعت عمارة بن رؤيبة الثقفي‬
‫وبشر بن مروان يخطب فرفع يديه في الدعاء‪ ،‬فقال عمارة‪ :‬قبح اهلل‬
‫هاتين اليدين القصيرتين‪ ،‬لقد رأيت رسول اهلل ‪ ‬وما يزيد على أن‬
‫يقول‪ :‬هكذا ‪ -‬وأشار هشيم بالسبابة))(‪.)3‬‬
‫بن مروان وهو يدعو‬
‫بشر َ‬
‫بن رؤيبة َ‬
‫داود‪(( :‬رأى عمار ُة ُ‬ ‫وفي لفظ أبي‬
‫في يوم الجمعة‪.)4())...‬‬
‫قال اإلمام النووي رحمه اهلل‪((:‬هذا فيه أن السنة أن ال يرفع اليد في‬
‫الخطبة وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم‪،‬وحكى القاضي عن بعض‬
‫السلف وبعض المالكية إباحته؛ألن النبي ‪ ‬رفع يديه في خطبة الجمعة‬
‫حين استسقى(‪.)5‬وأجاب األولون بأن هذا الرفع كان لعارض))(‪ .)6‬قلت‪:‬‬
‫وهو أنه دعا لالستسقاء‪ ،‬فعن أنس ‪ :‬أن رسول اهلل ‪ ‬كان ال يرفع‬
‫يديه في شيء من دعائه إال في االستسقاء‪ ،‬فإنه كان يرفع يديه حتى يُرى‬
‫بياض إبطيه))(‪ ،)7‬فال يرفع اإلمام وال المأموم اليدين في الدعاء أثناء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪،‬برقم ‪،113 ،112 ،114 ،112‬وتقدم تخريجه في آداب الجمعة‪،‬رقم ‪.24‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصالة والخطبة‪ ،‬برقم ‪.873‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب كراهية رفع األيدي على المنبر‪ ،‬برقم ‪.212‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪،‬باب رفع اليدين على المنبر‪،‬برقم ‪،1103‬وأحمد‪.143/3،‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1021‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،817‬وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )6‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.311/3 ،‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب االستسقاء‪ ،‬باب رفع اإلمام يده في االستسقاء‪ ،‬برقم ‪ ،1041‬وكتاب‬
‫=‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫الخطبة إال إذا كان الدعاء في الخطبة لالستسقاء‪ ،‬وكذلك في جميع‬


‫المواضع التي يخطب ويوعظ فيها‪ .‬أما غير ذلك فإن رفع اليدين حال‬
‫الدعاء سنة‪ ،‬ومن أسباب قبول الدعاء واستجابته؛ ولهذا قال اإلمام‬
‫النووي رحمه اهلل على قوله‪(( :‬كان ال يرفع يديه في شيء من دعائه إال‬
‫في االستسقاء))‪(( :‬هذا الحديث يوهم ظاهره أنه لم يرفع ‪ ‬إال في‬
‫االستسقاء‪ ،‬وليس األمر كذلك‪،‬بل قد ثبت رفع يديه في الدعاء في‬
‫مواطن غير االستسقاء‪،‬وهي أكثر من أن تحصر‪،‬وقد جمعت منها نحو ًا من‬
‫ثالثين حديثاً‪ ،‬من الصحيحين أو أحدهما‪،‬وذكرتها في أواخر باب صفة‬
‫الصالة من شرح المهذب‪،‬ويتأول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع‬
‫البليغ‪،‬بحيث يرى بياض إبطيه إال في االستسقاء‪ ،‬أو أن المراد‪ :‬لم أره رفع‬
‫وقد رآه غيره رفع فيقدم المثبتون في مواضع كثيرة ‪ -‬وهم جماعات ‪ -‬على‬
‫واحد لم يحضر ذلك‪،‬والبد من تأويله لما ذكرناه‪ ،‬واهلل أعلم))(‪.)1‬‬
‫وعلى كل حال‪ :‬فال يرفع يديه اإلمام والمأموم أثناء الدعاء في جميع‬
‫الخطب والمواعظ إال في خطبة االستسقاء‪ ،‬أو إذا استسقى اإلمام في‬
‫خطبة الجمعة أما غير ذلك فيكون رفع األيدي وعدمه في مواضع‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مواضع وأحوال رفع فيها النبي ‪ ،‬فنحن نرفع فيها‪ ،‬واألصل في‬
‫الدعاء رفع اليدين‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مواضع أو أحوال لم يرفع فيها النبي ‪ ‬وقد وجد سبب الرفع‬
‫فنحن ال نرفع فيها‪ ،‬مثل الدعاء في الخطبة‪ ،‬والذكر أدبار الصلوات‬
‫المفروضة‪ :‬قبل السالم‪ ،‬وبعد السالم‪ ،‬أما رفع األيدي بعد السالم من‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫المناقب‪ ،‬باب صفة النبي ‪ ،‬برقم ‪ ، 4232‬ومسلم‪ ،‬كتاب االستسقاء‪ ،‬باب رفع اليدين بالدعاء في‬
‫االستسقاء‪ ،‬برقم ‪.812‬‬
‫(‪ )1‬شرح النووي على صحيح مسلم‪،332/3،‬وانظر‪:‬فتح الباري البن حجر‪.217/2،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫النوافل فال حرج كالدعاء بعد صالة االستخارة وغيرها ‪.‬‬
‫‪ - 11‬يخطب مترسالً معرباً من غير عجلة وال تمطيط؛ألنه أبلغ وأحسن؛‬
‫العاد‬
‫ُّ‬ ‫عده‬
‫يحدث حديثاً لو ّ‬ ‫ّ‬ ‫حديث عائشة رضي اهلل عنها أن النبي ‪(( ‬كان‬
‫ألحصاه))‪.‬وفي لفظ للبخاري‪((:‬إن رسول اهلل ‪ ‬لم يكن يسرد الحديث‬
‫العاد كلماته‪،‬أو مفرداته‪،‬أو حروفه ألطاق ذلك‬
‫ّ‬ ‫كسردكم))(‪.)2‬والمعنى‪:‬لو عد‬
‫وبلغ آخرها‪،‬والمراد بذلك المبالغة في الترتيل‪،‬والتفهيم(‪ ،)3‬وقوله‪(( :‬لم يكن‬
‫يسرد الحديث كسردكم)) أي لم يكن يتابع الحديث استعجاالً بعضه إثر‬
‫بعض؛ لئال يلتبس على المستمع‪،‬إنما كان حديث رسول اهلل ‪:‬فصالً‪،‬‬
‫فهم ًا‪ ،‬تفهمه القلوب‪،‬واعتذر عن أبي هريرة ‪ ‬بأنه كان واسع الرواية‪ ،‬كثير‬
‫المحفوظ‪ ،‬فكان ال يتمكن من المهل عند إرادة التحديث‪ ،‬كما قال بعض‬
‫البلغاء‪ :‬أريد أن أقتصر فتتزاحم القوافي على ِفي(‪.)4‬‬
‫َّ‬
‫فالسنة للخطيب أن ال يُكثر الحديث؛ لئال يمل الناس‪ ،‬وال يستعجل‬
‫في المتابعة بل يتثبت ويتأنّى(‪.)5‬‬
‫‪ - 12‬يقصد تلقاء وجهه؛ألن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراض ًا عن‬
‫الجانب اآلخر‪ ،‬ويذكر أن النبي ‪ ‬كان يفعل ذلك يخطب مستقبل‬
‫المأمومين‪،‬ونقل عن ابن المنذر أنه قال‪:‬هذا كاإلجماع‪،‬وقال النووي‪:‬ال‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سمعت شيخنا ابن باز رحمه اهلل يذكر أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم ‪ 3431‬أن‬
‫األصل في الدعاء رفع اليدين إال المواطن التي لم يرفع فيها النبي ‪ ‬وقد وجدت أسباب الرفع‬
‫فلم يرفع فنحن ال نرفع‪.‬‬
‫وذكر العالمة ابن عثيمين أنه ال يحرك الخطيب يديه عند االنفعال‪.‬الشرح الممتع‪.82/2،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب صفة النبي ‪ ،‬برقم ‪ ،4238 ،4237‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫فضائل الصحابة‪ ،‬باب من فضائل أبي هريرة الدوسي ‪ ،‬برقم ‪ )2314(-130‬وكتاب الزهد‪،‬‬
‫باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم‪ ،‬برقم ‪.)2314(-71‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.271-278/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.271-278/3 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬شرح النووي‪ ،287/13 ،‬و‪ ،441/18‬والكافي البن قدامة‪.314/1 ،‬‬
‫‪550‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫يلتفت يمين ًا وال شماالً‪ ،‬قال ابن حجر‪ :‬ألن ذلك بدعة(‪ ،)1‬وأما‬
‫المأمومون فإنهم ينحرفون إلى اإلمام ويستقبلونه بوجوههم؛لحديث ابن‬
‫مسعود ‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا استوى على المنبر استقبلناه‬
‫بوجوهنا))(‪)2‬؛ ولحديث ثابت ‪(( :‬كان النبي ‪ ‬إذا قام على المنبر‬
‫استقبله أصحابه بوجوههم))(‪.)3‬‬
‫‪ - 14‬يدعو للمسلمين؛ألن الدعاء لهم مسنون في غير الخطبة‪،‬ففيها أولى‪،‬‬
‫وإن دعا للسلطان فحسن؛ألن صالحه نفع للمسلمين‪،‬فالدعاء له دعاء لهم(‪.)4‬‬
‫الثـــاني عشـــر‪ :‬صـــفة صـــالة الجمعـــة‪ :‬صـــالة الجمعـــة ركعتـــان بـــالنص‬
‫وبإجماع المسلمين‪،‬فعن عمر بن الخطـاب ‪ ‬قـال‪((:‬صـالة الجمعـة ركعتـان‪،‬‬
‫وصالة الفطر ركعتان‪ ،‬وصـالة األضـحى ركعتان‪،‬وصـالة السـفر ركعتان‪،‬تمـام‬
‫غير قصر علـى لسـان محمـد ‪.)5())‬وقـال اإلمـام ابـن المنـذر‪((:‬وأجمعـوا علـى‬
‫أن صـالة الجمعــة ركعتـان‪،‬وأجمعوا علــى أن مـن فاتتـه الجمعـة مــن المقيمــين‬
‫أن يصلوا أربعاً))(‪،)6‬إذا فـرغ اإلمـام مـن خطبـة الجمعـة نـزل وأخـذ المـؤذن فـي‬
‫اإلقامة‪،‬ثم أمر اإلمام بتسوية الصفوف‪،‬ثم صلى ركعتين يجهر فيهمـا بـالقراءة‪،‬‬
‫ويســتحب أن يقــرأ فــي الركعــة األولــى بســورة ((الجمعــة)) وفــي الركعــة الثانيــة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نقالً عن حاشية ابن قاسم على الروض المربع‪ ،323/2 ،‬وانظر‪ :‬الشرح الكبير‪ ،230/2 ،‬والمغني‬
‫البن قدامة‪ ،171/4 ،‬والكافي‪.312/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ ،‬برقم ‪ ،201‬وتقدم تخريجه في آداب الجمعة برقم ‪.3‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1143‬وتقدم تخريجه في آداب الجمعة برقم ‪.3‬‬
‫(‪ )4‬الكافي البن قدامة‪ ،313/1 ،‬والشرح الكبير‪ ، 234/2 ،‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪،‬‬
‫والشرح الممتع‪ ،‬وكأنه توقف عن السنية حتى يأتي الدليل‪ ،‬وبين بأنه إذا لم يكن دليل فهو جائز‪.‬‬
‫الشرح الممتع‪.87/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬النسائي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب عدد صالة الجمعة‪ ،‬برقم ‪ ،1311‬وكتاب تقصير الصالة في السفر‪،‬‬
‫برقم ‪ ، 1241‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصلوات‪ ،‬باب تقصير الصالة‪ ،‬برقم ‪،1033 ،1034‬‬
‫وأحمد‪ ، 47/1 ،‬وصححه األلباني في صحيح النسائي‪ ،333 ،327/1 ،‬وفي صحيح ابن ماجه‪،‬‬
‫‪ ،412/1‬وفي إرواء الغليل‪ ،102/4 ،‬برقم ‪.348‬‬
‫(‪ )6‬اإلجماع البن المنذر‪ ،‬ص‪ ،32‬برقم ‪ ، 74‬وانظر‪ :‬الشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪،238/2 ،‬‬
‫وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪ ،330/2 ،‬والشرح الممتع البن عثيمين‪.88/2 ،‬‬
‫صالة الجمعة‬ ‫‪556‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫كـل‬ ‫))‬ ‫أو ((بالجمعـة والغاشـية‬ ‫))‬ ‫بسورة ((المنـافقون)) ‪ ،‬أو ((بسـبح والغاشـية‬
‫ذلك ثبت عن النبي ‪.)4(‬‬
‫ومن أدرك مع اإلمام منها ركعة بركوعها وسجدتيها أضاف إليها ركعة‬
‫أخرى‪ ،‬وكانت له جمعة‪ ،‬ومن أدرك مع اإلمام أقل من ركعة دخل معه‬
‫بنية الظهر وأتمها ظهراً إذا كان قد دخل وقت الظهر؛ لحديث أبي هريرة‬
‫‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬من أدرك ركعة من الصالة فقد أدرك‬
‫الصالة))(‪)5‬؛ولحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪:‬قال رسول اهلل ‪(( :‬من‬
‫أدرك ركعة من صالة الجمعة أو غيرها فقد أدرك الصالة))‪.‬ولفظ‬
‫النسائي‪((:‬من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فلقد تمت صالته))‪.‬وفي‬
‫لفظ للنسائي أيض ًا‪((:‬من أدرك ركعة من صالة من الصلوات فقد أدركها‪،‬‬
‫يقضي ما فاته))‪.‬ولفظ الدارقطني‪((:‬من أدرك ركعة من صالة الجمعة وغيرها‬
‫فليضف إليها أخرى وقد تمت صالته))(‪ .)6‬وتدرك الركعة بإدراك ركوعها‬
‫مع اإلمام قبل أن يرفع‪،‬وهذا هو الصواب وباهلل التوفيق(‪.)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،877‬وتقدم تخريجه في آداب الجمعة برقم ‪.11‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،877‬وتقدم تخريجه في آداب الجمعة برقم ‪.11‬‬
‫(‪ )3‬رواية لمسلم‪ ،‬برقم ‪.)878( 34‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الشرح الكبير‪ ،‬البن قدامة‪،231/2،‬وحاشية ابن قاسم على الروض‪.330/2،‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،280‬ومسلم‪،‬برقم ‪،307‬وتقدم تخريجه في صالة الجماعة‪.‬‬
‫(‪ )6‬ابن ماجه‪،‬كتاب إقامة الصلوات‪،‬باب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة‪،‬برقم ‪ ،1124‬والنسائي‪،‬كتاب‬
‫المواقيت‪،‬باب من أدركه من الصالة‪،‬برقم ‪ ،227 ،223‬والدارقطني‪،12/2،‬برقم ‪،12‬وصححه األلباني‬
‫في إرواء الغليل‪،83/4،‬برقم ‪.322‬‬
‫(‪ )7‬قال اإلمام ابن قدامة‪(( :‬أكثر أهل العلم يرون أن من أدرك ركعة من الجمعة مع اإلمام فهو مدرك‬
‫لها ويضيف إليها أخرى‪ ،‬ويجزئه‪ ،‬وهذا قول اب ن مسعود‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وأنس‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪،‬‬
‫والحسن‪ ،‬وعلقمة‪ ،‬واألسود‪ ،‬وعروة‪ ،‬والزهري‪ ،‬والنخعي‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬والثوري‪،‬‬
‫وإسحاق‪ ،‬وأبي ثور‪ ،‬وأصحاب الرأي‪ ،‬وقال‪ :‬عطاء‪ ،‬وطاوس‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬ومكحول‪ :‬من لم يدرك‬
‫الخطبة صلى أربعاً؛ ألن الخطبة شرط للجمعة فال تكون جمعة في حق من لم يوجد في حقه‬
‫شرطها)) ثم رجح ابن قدامة رحمه اهلل‪ :‬أن من أدرك ركعة فقد أدرك الصالة‪ ،‬وألنه قول من سمينا‬
‫من الصحابة وال مخالف لهم في عصرهم [المغني البن قدامة‪ ]183-184/4 ،‬وانظر‪ :‬الشرح‬
‫الكبير البن قدامة‪ ،203-203/2 ،‬والشرح الممتع‪.32-31/2 ،‬‬
‫‪555‬‬ ‫صالة الجمعة‬

‫قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل تعالى‪(( :‬أما من أدرك أقل من ركعة‪،‬‬
‫فإنه ال يكون مدركاً للجمعة ويصلي ظهراً أربعاً))(‪.)1‬‬
‫والسنة أن يصلي بعد الجمعة أربع ركعات في بيته‪ ،‬وإن صالها في‬
‫المسجد فال بأس‪ ،‬وإن صلى ركعتين فال بأس؛ لحديث ابن عمر رضي اهلل‬
‫عنهما (‪ ،)2‬ولكن األفضل أن يصلي أربع ًا؛ لحديث أبي هريرة ‪ )3(‬واهلل‬
‫الموفق(‪.)4‬‬
‫وصلى اهلل وسلم‪،‬وبارك على عبده ورسوله‪،‬نبينا محمد بن عبد اهلل وعلى‬
‫آله وأصحابه‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني البن قدامة‪.183/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،182‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،881‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع‪.‬‬
‫(‪ )4‬تقدم الكالم عن سنة الجمعة بعدها في آداب الجمعة‪ ،‬برقم ‪.23‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫المبحث الحادي والثالثون‪ :‬صالة العيدين‬
‫العيد‪:‬كل يوم فيه جمع‪،‬والعيد‪:‬ما عاد عليك‪،‬‬ ‫أوالً‪ :‬مفهوم العيدين‪ُ :‬‬
‫ويقال‪ :‬عيدوا‪ :‬شهدوا العيد‪ .‬واشتقاقه من عاد يعود‪،‬كأنهم عادوا إليه‪،‬‬
‫َّ‬
‫وقيل اشتقاقه من العادة؛ ألنهم اعتادوه‪،‬والجمع‪:‬أعياد‪،‬ويقال‪ :‬عيد‬
‫َّ‬
‫المسلمون‪ :‬شهدوا عيدهم‪،‬قال األزهري‪((:‬العيد عند العرب‪:‬الوقت الذي‬
‫يعود فيه الفرح والحزن))‪.‬وقال ابن األعرابي‪((:‬سمي العيد عيداً؛ ألنه‬
‫مجدد))(‪.)1‬قال اإلمام النووي رحمه اهلل‪((:‬قالوا‪:‬‬
‫َّ‬ ‫يعود كل سنة بفرح‬
‫وسمي عيداً‪،‬لعوده‪،‬وتكرره‪،‬وقيل‪:‬لعود السرور فيه‪،‬وقيل‪:‬تفاؤالً بعوده‬
‫على من أدركه‪،‬كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤالً لقفولها سالمة‪،‬‬
‫وهو رجوعها وحقيقتها الراجعة))(‪.)2‬وقيل‪ :‬سمي عيداً؛لكثرة عوائد اهلل‬
‫تعالى على عباده في ذلك اليوم؛ألن له عوائد اإلحسان على عباده في‬
‫ذلك اليوم كل عام(‪.)3‬‬
‫سارة‪ ،‬أو إعادة االحتفال‬
‫َّ‬ ‫واصطالحاً‪ :‬العيد‪ :‬جمع أعياد‪ :‬يوم االحتفال بذكرى‬
‫بذكرى سارة وأحد العيدين‪ :‬يوم الفطر‪ ،‬واآلخر يوم األضحى(‪ ،)4‬والمسلمون لهم‬
‫ثالثة أعياد ال رابع لها‪ :‬عيد الفطر‪ ،‬وعيد األضحى‪ ،‬ويوم الجمعة(‪.)5‬‬
‫ثانياً‪ :‬األصل في صالة العيدين‪:‬الكتاب‪،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪:‬‬
‫‪ -1‬أما الكتاب فقول اهلل تعالى‪َ :‬ف َص ّل ِلربّ َك َوا ْن َحر‪ .)6(‬والمشهور في‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لسان العرب البن منظور‪ ،‬باب الدال‪ ،‬فصل العين‪ ،411-417/14 ،‬وانظر‪ :‬القاموس المحيط‬
‫للفيروزآبادي‪ ،‬ص‪. 483‬‬
‫(‪ )2‬شرح النووي على صحيح مسلم‪. 321/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬اإلعالم بفوائد عمدة األحكام‪ ،‬البن الملقن‪ ،112/3 ،،‬وحاشية الروض المربع‪ ،‬البن‬
‫قاسم‪. 312/2 ،‬‬
‫رواس‪ ،‬ص‪. 213‬‬ ‫(‪ )4‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬للدكتور محمد َّ‬
‫(‪ )5‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪. 417/8 ،‬‬
‫(‪ )6‬سورة الكوثر‪ ،‬اآلية‪. 2 :‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫التفسير أن المراد بذلك صالة العيد(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬وأما السنة‪ ،‬فثبت بالتواتر أن رسول اهلل ‪ ‬كان يُص ّلي صالة‬
‫العيدين(‪ ،)2‬فعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬شهدت العيد مع رسول اهلل‬
‫‪ ،‬وأبي بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان ‪ ،‬فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة))(‪.)3‬‬
‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬وعمر رضي اهلل‬
‫عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة))(‪.)4‬‬
‫‪ - 4‬وأما اإلجماع‪ ،‬فأجمع المسلمون على صالة العيدين(‪.)5‬‬
‫ثالثــــاً‪ :‬حكــــم صــــالة العيــــدين‪ :‬قيــــل‪ :‬صــــالة العيــــد فــــرض كفايــــة‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ـــل‬
‫والصـــواب أن صـــالة العيـــد فـــرض عـــين ؛ لقـــول اهلل تعـــالى‪َ  :‬ف َص ّ‬
‫ِلر ّبـــــــ َك َوا ْن َحـــــــر‪)7(‬؛ ولحـــــــديث أم عطيـــــــة قالـــــــت‪ :‬أمرنـــــــا ‪ -‬تعنـــــــي‬
‫(‪)8‬‬ ‫َ‬
‫النبـــــــــــي ‪ - ‬أن نُخـــــــــــرج فـــــــــــي العيـــــــــــدين‪ :‬العواتـــــــــــق ‪ ،‬وذوات‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني البن قدامة‪. 224/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪. 224/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب الخطبة بعد العيد‪ ،‬برقم ‪. 132‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب الخطبة بعد العيد‪ ،‬برقم‪. 134‬‬
‫(‪ )5‬المغني البن قدامة‪. 224/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬اختلف العلماء رحمهم اهلل في حكم صالة العيد على ثالثة أقوال‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ظاهر مذهب اإلمام أحمد أن صالة العيد فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين‪.‬‬
‫ب‪ -‬مذهب اإلمام أبي حنيفة و رواية عن اإلمام أحمد أن صالة العيد فرض عين‪.‬‬
‫ج‪ -‬وقال ابن أبي موسى‪ :‬قيل‪ :‬إنها سنة مؤكدة غير واجبة‪ ،‬وبه قال اإلمام مالك‪ ،‬وأكثر أصحاب‬
‫اإلمام الشافعي؛ لقول رسول اهلل ‪ ‬لألعرابي حين ذكر خمس صلوات‪ ،‬قال‪ :‬هل علي غيرهن؟‬
‫ّ‬
‫قال‪( :‬ال‪ ،‬إال أن تطوع) [البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،2378‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪.]11‬‬
‫انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،223-224/4 ،‬والشرح الكبير‪ ،413/2 ،‬وحاشية ابن قاسم على‬
‫الروض المربع‪ ،314/2 ،‬واإلعالم بفوائد عمدة األحكام‪ ،‬البن الملقن‪ ،113/3 ،‬وشرح النووي‬
‫على صحيح مسلم‪.328/3 ،‬‬
‫(‪ )7‬سورة الكوثر‪ ،‬اآلية‪. 2 :‬‬
‫(‪ )8‬العواتق‪ :‬جمع عاتق‪ ،‬وهي الجارية البالغة‪ ،‬وقيل‪ :‬التي قاربت البلوغ‪ ،‬وقيل‪ :‬هي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس‬
‫ما لم تتزوج‪ ،‬والتعنيس طول المقام في بيت أبيها بال زوج حتى تطعن في السن‪ ،‬وقالوا‪ :‬سميت عاتقاً؛ ألنها‬
‫عتقت من امتهانها في الخدمة والخروج في الحوائج‪ .‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.328/3 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الخــدور ‪ ،‬وأمــر الح ـيض أن يعتــزلن مصــلى المســلمين ‪ ،‬وممــا يؤكــد‬
‫َّ‬
‫فرضــيتها‪ ،‬وأنهــا واجبــة علــى األعيــان‪ :‬أن النبــي ‪ ‬واظــب عليهــا‪ ،‬وقــد‬
‫السير أن أول صـالة صـالها رسـول اهلل ‪ ‬يـوم عيـد الفطـر فـي‬ ‫اشتهر في ّ‬
‫السنة الثانية للهجرة‪ ،‬ولم يزل يواظب عليهـا حتـى فـارق الـدنيا‪ ،‬صـلوات‬
‫اهلل وسالمه عليه‪ ،‬وواظب عليها الخلفـاء بعـد النبـي ‪ ،‬وهـي مـن أعـالم‬
‫الدين وشعائره الظاهرة‪ ،‬وهذا كله يؤيد الوجوب(‪.)3‬‬
‫قال العالمة السعدي رحمه اهلل‪ (( :‬والصحيح أن صالة العيد فرض‬
‫عين‪ ،‬والدليل الذي استدلوا به على فرض الكفاية هو دليل على أنها‬
‫فرض عين؛ وألن النبي ‪ ‬كان يُحرض عليها حتى يأمر بإخراج العواتق‬
‫ّ‬
‫وذوات الخدور‪ ،‬وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى‪ ،‬ولوال رجحان‬
‫َّ‬
‫الحض عليها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يحض أمته هذا‬
‫َّ‬ ‫مصلحتها على كثير من الواجبات لم‬
‫(‪)4‬‬
‫فدل على أنها من آكد فروض األعيان)) ‪.‬‬
‫وقال شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل‪((:‬صالة‬
‫العيد فرض كفاية عند كثير من أهل العلم ويجوز التخلف من بعض‬
‫األفراد عنها‪،‬لكن حضوره لها ومشاركته إلخوانه المسلمين سنة مؤكدة ال‬
‫ينبغي تركها إال لعذر شرعي‪.‬وذهب بعض أهل العلم إلى أن صالة العيد‬
‫فرض عين‪:‬كصالة الجمعة‪،‬فال يجوز ألي مكلف من الرجال األحرار‬
‫المستوطنين أن يتخلف عنها‪،‬وهذا القول أظهر في األدلة وأقرب إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ذوات الخدور‪:‬وهن األبكار‪،‬والخدور‪:‬البيوت‪،‬وقيل‪ :‬الخدر‪:‬ستر يكون في ناحية البيت‪.‬شرح النووي على‬
‫صحيح مسلم‪،328/3،‬وانظر‪:‬اإلعالم البن الملقن‪.220/3،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد‪ ،‬برقم‪ ،180‬ومسلم‪،،‬‬
‫كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات‬
‫للرجال‪ ،‬برقم‪.810‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،223/4 ،‬وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪ ،314/2 ،‬والشرح‬
‫الممتع البن عثيمين‪.122-121/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬المختارات الجلية من المسائل الفقهية‪ ،‬ص‪. 72‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫الصواب‪،‬ويسن للنساء حضورها مع العناية بالحجاب والستر‪ ،‬وعدم‬
‫التطيب))(‪،)1‬وقال العالمة محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل في‬ ‫ُّ‬
‫القول‪:‬إن صالة العيد فرض عين‪((:‬وهذا عندي أقرب األقوال))(‪ ،)2‬واختار‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل تعالى القول بأن صالة العيد فرض‬
‫عين(‪ ،)3‬وقال رحمه اهلل‪ …(( :‬ولهذا رجحنا أن صالة العيد واجبة على‬
‫األعيان كقول أبي حنيفة وغيره‪ ،‬وهو أحد أقوال الشافعي وأحد القولين‬
‫في مذهب أحمد))(‪ ،)4‬واختاره تلميذه اإلمام ابن القيم رحمه اهلل(‪.)5‬‬
‫رابعاً‪ :‬آداب صالة العيد على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الغسل يوم العيد‪ ،‬ثبت من فعل الصحابة ‪ ،‬فعن نافع أن عبد‬
‫اهلل بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى(‪.)6‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‪:‬‬
‫((لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبي ‪ ،))‬وقال العالمة محمد‬
‫ناصر الدين األلباني رحمه اهلل‪(( :‬وأحسن ما يستدل به على استحباب‬
‫االغتسال للعيدين‪ ،‬ما روى البيهقي من طريق الشافعي عن زاذان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سأل رجل علياً عن الغسل؟ قال‪(( :‬اغتسل كل يوم إن شئت)) فقال‪ :‬ال‪،‬‬
‫َّ‬
‫الغسل الذي هو الغسل؟ قال‪(( :‬يوم الجمعة‪ ،‬ويوم عرفة(‪ ،)7‬ويوم النحر‪،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى‪،7/14 ،‬وقرره رحمه اهلل أثناء تقريره على بلوغ المرام‪،‬الحديث رقم ‪. 214‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الممتع‪. 122-121/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬االختيارات العلمية من االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪. 124‬‬
‫(‪ )4‬مجموع الفتاوى البن تيمية‪. 131/24 ،‬‬
‫(‪ )5‬كتاب الصالة لإلمام ابن القيم‪ ،‬ص‪ ،11‬وانظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪،‬‬
‫‪. 283/8‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مالك في الموطأ‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب العمل في غسل العيدين‪ ،‬والنداء فيهما واإلقامة‪،‬‬
‫برقم ‪ ،2‬وانظر‪ :‬آثار ًا نقلت في وقفات للصائمين‪ ،‬للشيخ سليمان بن فهد العودة‪ ،‬ص‪. 17‬‬
‫(‪ )7‬أي يوم عرفة للحاج‪.‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويوم الفطر)) ‪ .‬وعن سعيد بن المسيب أنه قال‪(( :‬سنة الفطر ثالث‪:‬‬
‫المشي إلى المصلى‪ ،‬واألكل قبل الخروج‪ ،‬واالغتسال))(‪.)2‬‬
‫قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪((:‬يستحب أن يتطهر بالغسل للعيد‪ ،‬وكان‬
‫ابن عمر يغتسل يوم الفطر‪،‬وروي ذلك عن علي ‪،‬وبه قال‪ :‬علقمة‪،‬‬
‫وعروة‪،‬وعطاء‪،‬والنخعي‪،‬والشعبي‪،‬وقتادة‪،‬وأبو الزناد‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪،‬‬
‫وابن المنذر…))(‪،)3‬وقال ابن قدامة أيض ًا‪(( :‬وروي أيض ًا أن النبي ‪ ‬قال‬
‫في جمعة من الجمع‪((:‬إن هذا يوم عيد جعله اهلل للمسلمين‪ ،‬فمن جاء إلى‬
‫فليمس منه‪،‬وعليكم بالسواك))(‪،)4‬فلعل‬ ‫َّ‬ ‫طيب‬
‫ٌ‬ ‫الجمعة فليغتسل‪،‬وإن كان‬
‫هذه األشياء بكون الجمعة عيداً؛وألنه يوم يجتمع الناس فيه للصالة‬
‫فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة‪،‬وإن اقتصر على الوضوء أجزأه؛ألنه إذا‬
‫لم يجب الغسل للجمعة مع األمر به فيها فغيرها أولى))(‪.)5‬‬
‫‪ - 2‬يستحب أن يتنظف‪ ،‬ويتطيب‪ ،‬ويتسوك‪ ،‬كما ذكر في الجمعة؛‬
‫فليمس منه‬
‫َّ‬ ‫لحديث ابن عباس المذكور آنفاً‪ ،‬وفيه‪(( :‬وإن كان طيب‬
‫وعليكم بالسواك))(‪.)6‬‬
‫‪ - 4‬يلبس أحسن ما يجد؛ لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬أخذ عمر‬
‫جبة(‪ )7‬من إستبرق(‪ )8‬تباع في السوق‪ ،‬فأخذها فأتى رسول اهلل ‪ ‬فقال‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال في إرواء الغليل‪(( :177/1 ،‬وسنده صحيح)) أي موقوف على علي ‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال األلباني في إرواء الغليل‪(( :103/4 ،‬رواه الفريابي وإسناده صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )3‬المغني البن قدامة‪. 223/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصالة‪ ،‬باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة‪،‬برقم ‪ ،1018‬من حديث ابن‬
‫عباس رضي اهلل عنهما‪،‬وحسنه األلباني في صحيح سنن ابن ماجه‪. 423/1،‬‬
‫(‪ )5‬المغني البن قدامة‪ ،227/4 ،‬وانظر‪ :‬زاد المعاد البن القيم‪. 332/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬الحديث تقدم تخريجه في الذي قبله‪ ،‬وانظر‪ :‬المغني البن قدامة‪. 227/4 ،‬‬
‫ب وجباب‪ .‬القاموس المحيط‪ ،‬ص‪. 84‬‬ ‫جب ٌ‬ ‫(‪ )7‬جبة‪ :‬ثوب جمعه‪:‬‬
‫َ‬
‫(‪ )8‬إستبرق ‪ :‬هو ما غلظ من الديباج‪ ،‬والديباج‪ :‬هي الثياب المتخذة من إبريسم‪ .‬هدي الساري مقدمة‬
‫فتح الباري البن حجر‪ ،‬ص‪ ،78‬وص‪. 113‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫فتجمل بها للعيد والوفود‪ ،‬فقال له رسول اهلل ‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫يا رسول اهلل ابتع هذه‬
‫الق(‪ )1‬له))(‪ ،)2‬قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‬
‫((إنما هذه لباس من ال َخ َ‬
‫التجمل عندهم في هذه المواضع كان‬ ‫ُّ‬ ‫تعالى‪(( :‬وهذا يدل على أن‬
‫مشهوراً… وقال مالك‪ :‬سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في‬
‫كل عيد‪ ،‬واإلمام بذلك أحق؛ ألنه المنظور إليه من بينهم))(‪ .)3‬وقال‬
‫الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد‬
‫صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين))(‪ ،)4‬وقال‬
‫اإلمام ابن القيم رحمه اهلل‪((:‬وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه‪،‬‬
‫فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة‪ ،‬ومرة كان يلبس ُبردين‬
‫أخضرين(‪ ،)5‬ومرة ُبرداً أحمر‪ ،‬وليس هو أحمر ُمصمتاً(‪ )6‬كما يظنه بعض‬
‫الناس‪ ،‬فإنه لو كان كذلك لم يكن برد ًا‪،‬وإنما فيه خطوط حمر كالبرود‬
‫اليمنية فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك…))(‪.)7‬‬
‫‪ - 3‬يستحب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى في عيد الفطر تمرات‪،‬‬
‫واألفضل أن تكون وتر ًا‪ ،‬أما عيد األضحى فاألفضل أن ال يأكل حتى يرجع‬
‫من المصلى‪ ،‬فيأكل من أضحيته(‪ ،)8‬فعن أنس ‪ ‬قال‪((:‬كان رسول اهلل ‪ ‬ال‬
‫يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات‪،‬ويأكلهن وتر ًا))(‪.)9‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬من ال خالق لـه‪،‬الخالق‪:‬النصيب‪.‬تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي‪،‬ص‪. 32‬‬
‫باب‪ :‬في العيدين والتجمل فيه‪ ،‬برقم ‪ ،138‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ٌ ،‬‬
‫اللباس‪ ،‬باب تحريم لبس الحرير وغير ذلك للرجال‪ ،‬برقم ‪. 2038‬‬
‫(‪ )3‬المغني البن قدامة‪. 228-227/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري‪. 341/2 ،‬‬
‫رد‪ :‬ثوب مخطط‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬ص‪. 431‬‬ ‫الب ُ‬ ‫(‪)5‬‬
‫ُ‬
‫(‪ )6‬مصمتاً‪ :‬الثوب المصمت‪:‬هو الذي ال يخالط لونه لون‪.‬القاموس المحيط‪ ،‬ص‪. 111‬‬
‫(‪ )7‬زاد المعاد‪. 331/1 ،‬‬
‫(‪ )8‬زاد المعاد‪. 331/1 ،‬‬
‫(‪ )9‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب األكل يوم الفطر قبل الخروج‪ ،‬برقم ‪. 124‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫وعن بريدة ‪ ‬قال‪(( :‬كان النبي ‪ ‬ال يخرج يوم الفطر حتى يطعم‪،‬‬
‫وال يطعم يوم األضحى حتى يصلي))(‪ ،)1‬وقد قيل‪ :‬الحكمة في األكل‬
‫قبل صالة الفطر‪ :‬أن ال يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد‪ ،‬فكأنه‬
‫أراد سد هذه الذريعة‪ ،‬وقيل‪ :‬لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب‬
‫الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر اهلل تعالى‪ ،‬ويشعر‬
‫بذلك اقتصاره على القليل من ذلك‪ ،‬ولو كان لغير االمتثال ألكل قدر‬
‫الشبع‪ ،‬وقيل‪ :‬ألن الشيطان الذي يُحبس في رمضان ال يطلق إال بعد‬
‫صالة العيد‪ ،‬فاستحب تعجيل الفطر ِبداراً إلى السالمة من وسوسته‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬وقع أكله ‪ ‬في كل من العيدين في الوقت المشروع إلخراج‬
‫الغدو إلى المصلى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫صدقتهما الخاصة بهما‪ ،‬فإخراج صدقة الفطر قبل‬
‫وإخراج صدقة األضحية بعد ذبحها‪ ،‬فاجتمعا من جهة وافترقا من جهة‬
‫أخرى(‪ ،)2‬وذكر ابن قدامة رحمه اهلل أن الحكمة من اإلفطار يوم الفطر؛‬
‫ألن يوم الفطر حرم فيه الصيام عقب وجوبه فاستحب تعجيل الفطر؛‬
‫إلظهار المبادرة إلى طاعة اهلل تعالى‪ ،‬وامتثال أمره في الفطر على خالف‬
‫العادة‪ ،‬واألضحى بخالفه؛ وألن في األضحى شرع األضحية‪ ،‬واألكل‬
‫منها‪ ،‬فاستحب أن يكون فطره على شيء منها(‪.)3‬‬
‫‪ - 2‬يخرج إلى العيد ماشياً وعليه السكينة والوقار‪ ،‬قال اإلمام ابن‬
‫قدامة رحمه اهلل‪(( :‬وممن استحب المشي‪ :‬عمر بن عبد العزيز‪،‬‬
‫والنخعي‪ ،‬والثوري‪ ،‬والشافعي وغيرهم))(‪ ،)4‬وقد جاء في ذلك أخبار‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما جاء في األكل يوم الفطر قبل الخروج‪ ،‬برقم‪ ،232‬وابن ماجه‪،‬‬
‫كتاب الصيام‪ ،‬باب في األكل يوم الفطر قبل أن يخرج‪ ،‬برقم‪ ،1723‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫الترمذي‪. 402/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر جميع هذه الحكم‪ :‬فتح الباري البن حجر‪. 338 ،337/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪. 221/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬المغني‪. 232/4 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪550‬‬
‫فعن سعد أن النبي ‪(( ‬كان يخرج إلى العيد ماشي ًا ويرجع ماشي ًا))(‪،)1‬‬
‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يخرج إلى العيد ماشياً‬
‫ويرجع ماشي ًا))(‪.)2‬‬
‫وعن علي ‪ ‬قال‪((:‬من السنة أن تخرج إلى العيد ماشي ًا…))(‪،)3‬قال اإلمام‬
‫الترمذي رحمه اهلل‪((:‬والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم‪:‬‬
‫يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشي ًا‪،‬وأن يأكل شيئ ًا قبل أن يخرج‬
‫لصالة الفطر‪ ،‬ويستحب أن ال يركب إال من عذر))(‪ ،)4‬وعن أبي رافع ‪‬‬
‫أن رسول اهلل ‪ ‬كان يأتي العيد ماشي ًا))(‪ ،)5‬وعن سعيد بن المسيب أنه‬
‫قال‪(( :‬سنة الفطر ثالث‪ :‬المشي إلى الصالة‪،‬واألكل قبل الخروج‪،‬‬
‫واالغتسال))(‪.)6‬‬
‫‪ - 3‬السنة أن تُص َّلى صالة العيدين في المصلى‪ ،‬وال يُصلى في‬
‫المسجد إال لحاجة؛ لحديث أبي سعيد الخدري ‪ ‬قال‪(( :‬كان النبي ‪‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصلوات‪ ،‬باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشياً‪ ،‬برقم‪ ،1213‬وحسنه‬
‫األلباني في صحيح ابن ماجه‪. 488/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصلوات‪ ،‬باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشياً‪ ،‬برقم ‪ ،1212‬وحسنه‬
‫األلباني في صحيح ابن ماجه‪. 488/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪،‬كتاب الجمعة‪،‬باب ما جاء في المشي يوم العيد‪،‬برقم ‪،240‬وابن ماجه‪،‬كتاب إقامة‬
‫الصلوات‪،‬باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشي ًا‪،‬برقم‪،1213‬وحسنه األلباني في صحيح الترمذي‪،‬‬
‫‪ ،213/1‬وفي صحيح ابن ماجه‪،488/1،‬وقد حسنه الترمذي‪،‬وذكر األلباني في اإلرواء‪ :104/4 ،‬أن له‬
‫شواهد كثيرة أخرجها ابن ماجه من حديث سعد القرظي‪،‬وابن عمر‪،‬وأبي رافع‪،‬وقد ذكرتها في المتن‪.‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما جاء في المشي يوم العيد‪ ،‬بعد الحديث رقم‪. 240‬‬
‫(‪ )5‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصالة‪ ،‬باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشياً‪ ،‬برقم‪ ،1217‬وحسنه‬
‫األلباني في صحيح ابن ماجه‪.481/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬ذكره األلباني في إرواء الغليل‪ ،103/4 ،‬وعزاه إلى الفريابي‪ ،‬وقال‪(( :‬وإسناده صحيح))‪ ،‬وذكر‬
‫األلباني أيضاً في اإلرواء ‪ 104/4‬عن الزهري مرسالً‪(( :‬أن رسول اهلل ‪ ‬لم يركب في جنازة‬
‫قط‪،‬وال في خروج أضحى وال فطر))‪،‬ثم قال األلباني رحمه اهلل‪(( :‬وهذا سند صحيح رجاله كلهم‬
‫ثقات ولكنه مرسل)) إرواء الغليل‪. 103/4،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪556‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يخرج يوم الفطر واألضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصالة)) ‪،‬‬
‫والمصلى بالمدينة قال عنه الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬هو موضع‬
‫بالمدينة معروف بينه وبين باب المسجد ألف ذراع‪ ،‬قاله عمر بن شبة‬
‫في أخبار المدينة‪ ،‬عن أبي غسان الكناني صاحب مالك))(‪.)2‬‬
‫وقال اإلمام النووي رحمه اهلل عن حديث أبي سعيد ‪(( :‬هذا دليل‬
‫لمن قال باستحباب الخروج لصالة العيد إلى المصلى وأنه أفضل من‬
‫فعلها في المسجد‪ ،‬وعلى هذا عمل الناس في معظم األمصار‪ ،‬وأما أهل‬
‫مكة فال يصلونها إال في المسجد من الزمن األول))(‪ .)3‬قال العالمة ابن‬
‫الحاج المالكي‪(( :‬والسنة الماضية في صالة العيدين أن تكون في‬
‫المصلى؛ ألن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬صالة في مسجدي هذا خير من ألف‬
‫صالة فيما سواه إال المسجد الحرام))(‪ ،)4‬ثم هو مع هذه الفضيلة‬
‫العظيمة خرج ‪ ‬وتركه(‪ ،)5‬وقال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل تعالى‪:‬‬
‫((السنة أن يُص َّلى العيد في المصلى‪ ،‬أمر بذلك علي ‪ ،‬واستحسنه‬
‫األوزاعي‪ ،‬وأصحاب الرأي‪ ،‬وهو قول ابن المنذر))(‪ ،)6‬وقال رحمه اهلل‬
‫بعد أن ذكر بعض األقوال المخالفة‪(( :‬ولنا أن النبي ‪ ‬كان يخرج إلى‬
‫المصلى ويدع مسجده‪،‬وكذلك الخلفاء بعده وال يترك النبي ‪ ‬األفضل‬
‫مع قربه‪،‬ويتكلف الناقص مع بعده‪ ،‬وال يشرع ألمته ترك الفضائل؛وألننا قد‬
‫أُمرنا باتباع النبي ‪ ،‬واالقتداء به‪،‬وال يجوز أن يكون المأمور به هو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب الخروج إلى المصلى بغير منبر‪ ،‬برقم ‪ ،123‬ومسلم‪،‬‬
‫كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب كتاب صالة العيدين‪ ،‬برقم ‪. 881‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري‪. 331/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.327/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬كتاب فضل الصالة في مسجد مكة والمدينة‪،‬باب فضل الصالة في مسجد مكة‬
‫والمدينة‪،‬برقم ‪،1110‬ومسلم‪،‬كتاب الحج‪،‬باب فضل الصالة بمسجدي مكة والمدينة‪ ،‬برقم ‪.1413‬‬
‫(‪ )5‬المدخل‪ 284/2 ،‬نقالً عن أحكام العيدين في السنة المطهرة‪ ،‬للشيخ علي بن حسن عبد الحميد‬
‫الحلبي األثري‪.‬‬
‫(‪ )6‬المغني‪.230/4 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫الناقص والمنهي عنه هو الكامل‪،‬ولم ينقل عن النبي ‪ ‬أنه ص ّلى العيد‬
‫بمسجده إال من عذر؛وألن هذا إجماع المسلمين))(‪.)1‬‬
‫وإن حصل عذر يمنع الخروج إلى المصلى‪ :‬من مطر‪ ،‬أو خوف‪،‬أو‬
‫ضعف‪،‬أو مرض‪ ،‬أو غير ذلك صلى في المسجد وال حرج عليه إن شاء‬
‫اهلل تعالى(‪.)2‬وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول‪((:‬فإذا أصاب‬
‫األرض دحض صلوا في المسجد‪،‬أما مكة فيصلى العيد في المسجد‬
‫مطلقاً‪،‬ومن صلى في المسجد صلى تحية المسجد))(‪.)3‬‬
‫‪ - 7‬السنة أن يذهب إلى المصلى من طريق ويرجع من طريق آخر؛‬
‫لحديث جابر ‪ ‬قال‪(( :‬كان النبي ‪ ‬إذا كان يوم عيد خالف الطريق))(‪.)4‬‬
‫وأعظم الحكم التي يعتمدها المسلم‪ :‬متابعة النبي ‪ ،‬وهذه الحكمة‬
‫أعلى حكمة يقنع بها المؤمن‪ :‬أن يقال‪ :‬هذا أمر اهلل ورسوله‪ ،‬ودليل‬
‫(‪)5‬‬
‫ان َل ُكم ِفي رس ِ‬
‫ول اهلل أ ُ ْس َوةٌ َح َس َن ٌة لّ َمن‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ذلك قول اهلل تعالى‬
‫َ(‪ُ)6‬‬ ‫َْ َ َ ْ‬
‫اآلخر َو َذ َكر اهلل َك ِثيرا‪ ، ‬وقول اهلل تعالى‪َ  :‬و َما‬ ‫ان يرجو اهلل وا ْليوم ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫َك َ َ ْ ُ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون َل ُهم الـ ِخير ُة‬ ‫ان ِل ُم ْؤ ِم ٍن َوال ُم ْؤ ِم َن ٍة ِإ َذا َق َضى اهلل َو َر ُسولُ ُه أَ ْمرا أَن يك‬
‫َك َ‬
‫َ ُ َ (‪َ َ ْ )ُ 7‬‬ ‫ً‬
‫ِم ْن أَ ْمرِ ِهم َو َمن َي ْع ِص اهلل َو َر ُسو َل ُه َف َق ْد َض َّل َضالال ُّمب ًِينا‪ ، ‬وقول‬
‫ْ‬
‫عائشة رضي اهلل عنها وقد ُسئلت‪ :‬لماذا تقضي الحائض الصوم وال تقضي‬
‫الصالة؟ قالت‪(( :‬كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم وال نؤمر بقضاء‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق‪.230/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪.231/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬سمعته أثناء تقريره على منتقى األخبار‪ ،‬الحديث رقم ‪.1330‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد‪ ،‬برقم ‪.183‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين رحمه اهلل‪.171 /2 ،‬‬
‫(‪ )6‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية‪.21 :‬‬
‫(‪ )7‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية‪.43 :‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الصالة)) ‪ ،‬ولم تذكر سوى ذلك من الحكم؛ ألن المؤمن لسانه وحاله‪:‬‬
‫سمعنا وأطعنا(‪.)2‬‬
‫وال مانع من وجود الحكم األخرى؛ فإن اهلل تعالى ال يشرع شيئاً إال‬
‫لحكمة‪ :‬علمناها أو لم نعلمها‪ .‬ومما قيل في حكمة مخالفة الطريق يوم‬
‫العيد‪ ،‬ما يأتي‪:‬‬
‫قيل‪ :‬يفعل ذلك؛ ليشهد له الطريقان‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ليشهد له سكانهما من الجن واإلنس‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إلظهار شعار اإلسالم في الطريقين‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إلظهار ذكر اهلل تعالى‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ليغيظ أعداء اإلسالم‪.‬‬
‫وقيل‪:‬ليدخل السرور على أهل الطريقين‪،‬أو لينتفع به أهل الطريقين في‬
‫االستفتاء أو التعلم واالقتداء واالسترشاد‪،‬أو الصدقة والسالم عليهم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لزيارة األقرباء وصلة األرحام‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ليتفاءل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لتخفيف الزحام‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ألن المالئكة تقف في الطرقات‪ ،‬فأراد أن يشهد له فريقان منهم(‪ ،)3‬قال‬
‫اإلمام ابن القيم رحمه اهلل بعد أن ذكر كثير ًا من هذه الحكم‪(( :‬وقيل وهو‬
‫األصح‪ :‬إنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي ال يخلو فعله [‪ ]‬عنها(‪.)4‬‬
‫‪ - 8‬يستحب للمأموم التبكير إلى مصلى العيد بعد صالة الصبح‪ ،‬أما‬
‫اإلمام فيستحب له أن يتأخر إلى وقت الصالة؛ ألن النبي ‪ ‬كان يفعل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،421‬ومسلم‪،‬برقم ‪،442‬وتقدم تخريجه في الطهارة‪ :‬أحكام الحيض‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الشرح الممتع‪ ،‬للعالمة ابن عثيمين‪.171/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،374/2 ،‬فقد ذكر هذه الحكم وغيرها وقال‪(( :‬وقد اختلف في ذلك‬
‫على أقوال كثيرة اجتمع لي منها أكثر من عشرين‪ ))...‬ثم ذكرها‪.‬‬
‫(‪ )4‬زاد المعاد في هدي خير العباد ‪ ،331/1،‬وانظر‪ :‬المغني البن قدامة‪. 284/4 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫ذلك‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري ‪ ‬قال‪(( :‬كان النبي ‪ ‬يخرج يوم الفطر‬
‫واألضحى إلى المصلى‪ ،‬فأول شيء يبدأ به الصالة…))(‪ ،)1‬وألن اإلمام‬
‫يُنتظر وال َينتظر‪ ،‬ولو جاء إلى المصلى وقعد في مكان مستتر عن الناس‬
‫فال بأس‪ .‬قال اإلمام مالك‪ :‬مضت السنّة أن يخرج اإلمام من منزله قدر‬
‫ما يبلغ مصالّه‪ ،‬وقد ح ّلت الصالة‪ ،‬فأما غيره فيستحب له التبكير‪،‬‬
‫والدنو من‬
‫ّ‬ ‫والدنو من اإلمام‪ ،‬ليحصل له‪ :‬أجر التبكير‪ ،‬وانتظار الصالة‪،‬‬
‫ُّ‬
‫اإلمام من غير تخطي رقاب الناس‪،‬وال أذى ألحد‪،‬قال عطاء بن‬
‫السائب‪:‬كان عبدالرحمن بن أبي ليلى‪ ،‬وعبد اهلل بن معقل‪ ،‬يصليان‬
‫الفجر يوم العيد وعليهما ثيابهما ثم يندفعان إلى الجبانة أحدهما يُكبر‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫واآلخر يُه ّلل))(‪.)2‬‬
‫قال العالمة محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل‪(( :‬والدليل على سنية‬
‫الخروج بعد صالة الصبح ما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬عمل الصحابة ‪‬؛ ألن النبي ‪ ‬كان يخرج إلى المصلى إذا‬
‫طلعت الشمس ويجد الناس قد حضروا‪ ،‬وهذا يستلزم أن يكونوا قد‬
‫تقدموا‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وألن ذلك أسبق إلى الخير‪.‬‬
‫ج ‪ -‬وألنه إذا وصل المسجد وانتظر الصالة؛ فإنه ال يزال في صالة‪.‬‬
‫الدنو من اإلمام‪ ،‬كل هذه العلل مقصودة‬
‫ّ‬ ‫د ‪ -‬وألنه إذا تقدم يحصل له‬
‫في الشرع))(‪.)3‬‬
‫‪ - 1‬يُكبر في طريقه إلى ُمص ّلى العيد ويرفع صوته بالتكبير؛ لقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،123‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،881‬وتقدم تخريجه في سنة الخروج إلى‬
‫المصلى‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني البن قدامة‪ ،231/4 ،‬وشرح السنة للبغوي‪. 404-402/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الممتع‪. 133-134/2 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫‪َ ‬و ِل ُت ْك ِم ُلو ْا ا ْل ِع َّد َة َو ِل ُت َك ّب ُرو ْا اهلل َع َلى َما َه َد ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ون‪، ‬وقد جاء‬ ‫اك ْم َو َل َع َّل ُك ْم َت ْش ُك ُر َ‬
‫أن النبي ‪ ‬كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى‪،‬وحتى يقضي‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫صح عن ابن عمر موقوف ًا أنه‬ ‫ّ‬ ‫‪.‬وقد‬ ‫صالته فإذا قضى الصالة قطع التكبير))‬

‫((كان يجهر بالتكبير يوم الفطر [ويوم األضحى] إذا غدا إلى المصلى حتى‬
‫يخرج اإلمام فيكبر بتكبيره))(‪ ،)3‬قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪(( :‬ويكبر في‬
‫طريق العيد ويرفع صوته بالتكبير‪ ،‬وهو معنى قول الخرقي‪(( :‬مظهرين‬
‫للتكبير)) قال أحمد‪ :‬يكبر جهراً إذا خرج من بيته حتى يأتي المصلى‪،‬روي‬
‫ذلك عن علي‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وأبي أمامة‪ ،‬وأبي رهم [كلثوم بن الحصين‬
‫الصحابي] وناس من أصحاب رسول اهلل ‪،‬وهو قول عمر بن عبد العزيز‪،‬‬
‫وأبان بن عثمان‪ ،‬وأبي بكر بن محمد‪ ،‬وفعله النخعي‪،‬وسعيد بن جبير‪،‬وعبد‬
‫الرحمن بن أبي ليلى‪،‬وبه قال الحكم‪ ،‬وحماد‪ ،‬ومالك‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبو‬
‫ثور‪،‬وابن المنذر وإذا ثبت هذا فإنه يكبر حتى يأتي المصلى… وقال‬
‫القاضي [في رواية عن اإلمام أحمد] حتى يخرج اإلمام))‪.‬وقال ابن أبي‬
‫موسى‪(( :‬يكبر الناس في خروجهم من منازلهم لصالتي العيدين جهر ًا‪،‬‬
‫حتى يأتي اإلمام المصلى‪ ،‬ويكبر الناس بتكبير اإلمام في خطبته‪،‬وينصتون‬
‫فيما سوى ذلك))(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪. 182 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف‪ ،2/1/2 ،‬والمحاملي في كتاب صالة العيدين‪ 2/132/2 ،‬عن‬
‫يتقوى بها ثم قال بعد ذكرها‪:‬‬
‫الزهري مرسالً بإسناد صحيح‪ ،‬وقد ذكر له العالمة األلباني شواهد ّ‬
‫((وبذلك يصير الحديث صحيح ًا كما تقتضيه قواعد هذا العلم الشريف)) سلسلة األحاديث‬
‫الصحيحة‪ ،‬برقم ‪. 120/1 ،170‬‬
‫(‪ )3‬قال العالمة األلباني في سلسلة األحاديث الصحيحة تحت الحديث رقم ‪(( :120/1 ،170‬أخرجه‬
‫الفريابي في كتاب أحكام العيدين‪،‬ق ‪((1/120‬بسند صحيح‪ ،‬ورواه الدارقطني (‪ )180‬وغيره‬
‫بزيادة‪(( :‬ويوم األضحى)) وسنده جيد))‪.‬‬
‫ثم قال األلباني عن حديث الزهري المرفوع‪ ،‬وحديث ابن عمر الموقوف‪(( :‬فالحديث صحيح‬
‫عندي مرفوعاً وموقوفاً))‪.‬‬
‫(‪ )4‬المغني البن قدامة‪ ،223 ،222/4 ،234-232/4 ،‬وانظر اإلنصاف‪ ،437/2 ،‬والشرح الممتع‬
‫البن عثيمين‪. 210/2 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫وقال العالمة األلباني عن حديث الزهري وابن عمر‪(( :‬وفي الحديث دليل‬
‫على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهراً في الطريق إلى‬
‫المصلى‪،‬وإن كان كثير منهم بدأوا يتساهلون بهذه السنة حتى كادت أن تصبح‬
‫في خبر كان‪،‬وذلك لضعف الوازع الديني منهم‪ ،‬وخجلهم من الصدع بالسنة‬
‫والجهر بها‪،‬ومن المؤسف أن فيهم من يتولى إرشاد الناس وتعليمهم‪ ،‬فكان‬
‫بأمس الحاجة‬
‫اإلرشاد عندهم محصور بتعليم الناس ما يعلمون‪ ،‬وأما ما هم ّ‬
‫إلى معرفته فذلك مما ال يلتفتون إليه… ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة‬
‫أن الجهر بالتكبير هنا ال يشرع فيه االجتماع بصوت واحد‪،‬كما يفعله البعض‪،‬‬
‫وكذلك كل ذكر يشرع فيه رفع الصوت أو ال يشرع‪ ،‬فال يشرع فيه االجتماع‬
‫المذكور… فلتكن على حذر من ذلك‪،‬ولتذكر دائماً قوله ‪((:‬وخير الهدي‬
‫هدي محمد ‪.)1())‬‬
‫‪ - 10‬السنة أن ال يُص َّلى قبل صالة العيد وال بعدها؛ لحديث ابن‬
‫يصل‬
‫ّ‬ ‫عباس رضي اهلل عنهما‪(( :‬أن النبي ‪ ‬خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم‬
‫قبلها وال بعدها‪ ،‬ومعه بالل))(‪ ،)2‬قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل‪(( :‬ولم‬
‫يكن هو [‪ ] ‬وال أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئ ًا قبل‬
‫الصالة وال بعدها))(‪ ،)3‬وقال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل تعالى‪:‬‬
‫((والحاصل أن صالة العيد لم يثبت لها سنة قبلها وال بعدها خالف ًا لمن‬
‫قاسها على الجمعة))(‪.)4‬‬
‫وأما حديث أبي سعيد الخدري ‪((:‬كان النبي ‪ ‬ال يصلي قبل العيد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سلسلة األحاديث الصحيحة بتصرف يسير‪،121/1 ،‬تحت الحديث رقم ‪،170‬وللشيخ حمود‬
‫التويجري رحمه اهلل رسالة مفردة في إنكار هذا التكبير الجماعي‪،‬وهي مطبوعة‪[.‬قاله الشيخ علي بن‬
‫حسن بن عبد الحميد في أحكام العيدين‪ ،‬ص‪.]28‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ،‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب الصالة قبل العيد وبعدها‪ ،‬برقم ‪ ،181‬ومسلم‪،‬كتاب صالة‬
‫العيدين‪،‬باب ترك الصالة قبل العيد وبعدها في المصلى‪،‬برقم ‪. 883‬‬
‫(‪ )3‬زاد المعاد‪. 334/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري‪. 373/2 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫شيئ ًا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين)) ‪،‬فقال عنه العالمة األلباني‬
‫رحمه اهلل‪(( :‬والتوفيق بين هذا الحديث واألحاديث المتقدمة النافية‬
‫للصالة بعد العيد بأن النفي إنما وقع على الصالة في المصلى‪ ،‬كما أفاد‬
‫الحافظ في التلخيص))(‪.)2‬‬
‫ولكن إذا احتاج الناس إلى الصالة في المسجد؛لخوف‪ ،‬أو مطر‪ ،‬أو برد‬
‫شديد‪،‬أو ريح شديدة‪،‬أو غير ذلك من األعذار فال يجلس المسلم حتى‬
‫يصلي ركعتين‪،‬لقول النبي ‪((:‬إذا دخل أحدكم المسجد فال يجلس حتى‬
‫يصلي ركعتين))(‪.)3‬‬
‫‪ - 11‬السنة‪ :‬أنه ال أذان وال إقامة لصالة العيدين؛ لحديث جابر بن‬
‫سمرة ‪ ،‬قال‪(( :‬صليت مع رسول اهلل ‪ ‬العيدين غير مرة وال مرتين‬
‫بغير أذان وال إقامة))(‪ ،)4‬ولحديث ابن عباس وجابر بن عبد اهلل ‪ ،‬قاال‪:‬‬
‫((لم يكن يؤذن يوم الفطر‪ ،‬وال يوم األضحى))(‪ ،)5‬ولمسلم عن عطاء‬
‫قال‪:‬أخبرني جابر بن عبد اهلل األنصاري‪،‬أن ال أذان للصالة يوم الفطر‬
‫حين يخرج اإلمام وال بعدما يخرج‪ ،‬وال إقامة‪،‬وال نداء‪،‬وال شيء‪،‬ال‬
‫ٍ‬
‫يومئذ وال إقامة))(‪.)6‬‬ ‫نداء‬
‫قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل‪(( :‬وكان ‪ ‬إذا انتهى إلى المصلى أخذ‬
‫في الصالة‪،‬من غير أذان‪،‬وال إقامة‪ ،‬وال قول‪ :‬الصالة جامعة‪ ،‬والسنة أن‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصالة‪ ،‬باب ما جاء في الصالة قبل صالة العيد وبعدها‪ ،‬برقم ‪،1214‬‬
‫وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام‪ ،‬والبوصيري في الزوائد‪ ،‬واأللباني في إرواء الغليل‪،‬‬
‫‪ ،100/4‬وفي صحيح ابن ماجه‪. 488/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬إرواء الغليل‪. 100/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،33‬ومسلم‪،‬برقم ‪،713‬وتقدم تخريجه في صالة التطوع‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب كتاب صالة العيدين‪ ،‬برقم ‪. 887‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب المشي والركوب إلى العيد والصالة قبل الخطبة‪ ،‬وبغير‬
‫أذان وإقامة‪ ،‬برقم ‪ ،130‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب كتاب صالة العيدين‪ ،‬برقم ‪. 883‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب كتاب صالة العيدين‪ ،‬برقم ‪. 883‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫ال يُفعل شيء من ذلك))(‪.)1‬‬
‫وقال اإلمام الصنعاني رحمه اهلل في تعليقه على أحاديث نفي األذان‬
‫واإلقامة لصالة العيد‪(( :‬وهو دليل على عدم شرعيتهما في صالة العيد‬
‫فإنهما بدعة))(‪.)2‬‬
‫‪ - 12‬ال يحمل السالح يوم العيد إال لحاجة البد منها؛لحديث سعيد‬
‫بن جبير ‪ ‬قال‪ :‬كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص‬
‫فنزلت فنزعتها ‪ -‬وذلك بمنى ‪ -‬فبلغ الحجاج‬
‫ُ‬ ‫قدمه فلزقت قدمه بالركاب‬
‫فجعل يعوده‪،‬فقال الحجاج‪:‬لو نعلم من أصابك؟ فقال ابن عمر‪:‬أنت‬
‫أصبتني‪ ،‬قال‪ :‬وكيف؟ قال‪ :‬حملت السالح في يوم لم يكن يحمل فيه‪،‬‬
‫وأدخلت السالح الحرم‪ ،‬ولم يكن السالح يدخل الحرم))(‪ .)3‬وفي رواية‬
‫إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه قال‪(( :‬دخل‬
‫الحجاج على ابن عمر وأنا عنده فقال‪ :‬كيف هو؟ فقال‪ :‬صالح‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫من أصابك؟ قال‪ :‬أصابني من أمر بحمل السالح في يوم ال يحل فيه‬
‫حمله)) يعني الحجاج(‪.)4‬‬
‫وقال الحسن‪((:‬نهوا أن يحملوا السالح يوم عيد إال أن يخافوا عدو ًا))(‪.)5‬‬
‫وقد جمع الحافظ ابن حجر بين هذا النهي وبين لعب الحبشة في‬
‫المسجد بالحراب‪ :‬بأن قصة الحبشة دائرة بين اإلباحة والندب على ما دل‬
‫عليه حديثها وهذا دائر بين الكراهة والتحريم؛ لقول ابن عمر‪(( :‬في يوم ال‬
‫يحل فيه حمل السالح))‪،‬ويجمع بينهما بحمل األولى على وقوعها ممن‬
‫حملها بالدربة وعهدت منه السالمة من إيذاء أحد من الناس بها‪،‬وحمل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد‪. 332/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬سبل السالم‪. 221/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪،‬كتاب العيدين‪،‬باب ما يكره من حمل السالم في العيد والحرم‪،‬برقم‪.133‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪،‬كتاب العيدين‪،‬باب ما يكره من حمل السالح في العيد والحرم‪،‬برقم ‪. 137‬‬
‫(‪ )5‬البخاري معلقاً‪،‬كتاب العيدين‪،‬باب ما يكره من حمل السالح في العيد والحرم‪،‬رقم الباب ‪. 1‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫الحالة الثانية على وقوعها ممن حملها‪ :‬بطر ًا‪،‬وأشر ًا‪،‬أو لم يتحفظ حال‬
‫حملها وتجريدها من إصابتها أحداً من الناس‪،‬وال سيما عند المزاحمة‬
‫وفي المسالك الضيقة(‪ ،)1‬وقد سبق أن ذكرت في مبحث المساجد األمر‬
‫بإمساك نصال السالح في المساجد واألسواق‪،‬وتحريم حمل السالح على‬
‫المسلمين‪ ،‬والمزح به‪.‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‬
‫عن حمل السالح في يوم العيد‪(( :‬ال ينبغي أن يحمل السالح فيه إال أن‬
‫يكون هناك خوف‪ ،‬وهكذا في الحرمين ال يحمل السالح إال إذا دعت‬
‫الحاجة كما دخل النبي ‪ )2())‬يعني يوم الفتح‪.‬‬
‫‪ - 14‬ال بأس باللعب بالدف للجواري‪ ،‬واللعب المباح في يوم العيد؛‬
‫لحديث عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬دخل علي رسول اهلل ‪ ‬وعندي‬
‫ّ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وحول‬
‫َّ‬ ‫الفراش‪،‬‬ ‫على‬ ‫فاضطجع‬ ‫عاث‬‫ب‬
‫ُ‬ ‫بغناء‬ ‫تغنيان‬ ‫جاريتان‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪ ،322/2 ،‬وقد ذكر في هذا الموضع آثاراً كثيرة عند عبد الرزاق‪،‬‬
‫‪ ،281/4‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ، 1413‬وغير ذلك تدل على النهي عن حمل السالح يوم العيد‪ ،‬وفي‬
‫بعضها إال بحضرة العدو‪.‬‬
‫(‪ )2‬سمعته أثناء تقريره على منتقى األخبار للمجد ابن تيمية‪ ،‬الحديث رقم ‪. 1337‬‬
‫(‪ )3‬جاريتان ‪ :‬الجارية في النساء كالغالم في الرجال‪ ،‬وهما يقاالن عن من دون البلوغ منهما‪[ .‬المفهم‬
‫ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪ ،‬للقرطبي‪.]244/2،‬‬
‫(‪ )4‬تغنيان‪:‬ترفعان أصواتهما بإنشاد شعر العرب‪،‬وهو إنشاد بصوت رقيق فيه تمطيط وهو يجري مجرى‬
‫الحداء‪.‬المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪،‬للقرطبي‪. 244/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬ومعنى يوم بعاث‪:‬أما بعاث‪،‬فقيل‪:‬هو موضع من المدينة على ليلتين‪،‬وقيل‪:‬هو اسم حصن‬
‫لألوس‪،‬وقيل‪:‬هو موضع في دار بني قريظة فيه أموال لهم‪،‬وكان موضع الوقعة في مزرعة لهم هناك‪،‬‬
‫وال تنافي بين القولين‪.‬ويوم بعاث هو آخر وقعة وقعت بين األوس والخزرج‪،‬وذلك قبل الهجرة‬
‫بثالث سنين‪.‬قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪((:‬وهو المعتمد وهو أصح من قول ابن عبد البر‪[...‬إن]‬
‫يوم بعاث كان قبل الهجرة بخمس سنين)) [فتح الباري‪ ]331/2 ،‬وقد كانت الحرب قائمة بين‬
‫األوس والخزرج دامت مائة وعشرين سنة إلى اإلسالم‪،‬وقع فيها وقائع كثيرة من أشهرها‪:‬يوم‬
‫السرارة‪،‬ويوم قارع‪،‬ويوم الفجار األول والثاني‪،‬وحرب حصين بن األسلت‪ ،‬وحرب حاطب بن‬
‫قيس‪،‬إلى أن كان آخر ذلك يوم بعاث‪[.‬فتح الباري البن حجر‪ ،331/2 ،‬وانظر شرح النووي على‬
‫صحيح مسلم‪ ،344/3 ،‬وشرح السنة للبغوي‪ 422/3 ،‬والمفهم للقرطبي‪.]247-244/2 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪550‬‬
‫وجهه‪ ،‬وجاء أبو بكر فانتهرني‪ ،‬وقال‪ :‬مزمارة الشيطان(‪ )1‬عند رسول اهلل‬
‫‪ ،‬فأقبل عليه رسول اهلل ‪ ‬فقال‪(( :‬دعهما)) فلما غفل غمزتهما‬
‫فخرجتا))‪ .‬وفي رواية قالت‪ :‬دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري‬
‫األنصار تغنيان مما تقاولت األنصار(‪ )2‬يوم ُبعاث‪ ،‬قالت‪ :‬وليستا‬
‫بمغنيتين(‪ ،)3‬فقال أبو بكر‪ :‬أبمزامير الشيطان في بيت رسول اهلل ‪‬؟‬
‫وذلك في يوم عيد‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪(( :‬يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً‬
‫وهذا عيدنا))‪ .‬وفي لفظ‪ :‬أن ذلك في منى وأنهما تدقان وتضربان‬
‫فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي ‪ ‬عن وجهه وقال‪(( :‬دعهما يا أبا بكر‬
‫فإنها أيام عيد)) وتلك األيام أيام منى‪ ،‬وفي رواية لمسلم‪(( :‬جاريتان‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ِ )1‬مزمارة الشيطان‪:‬يعني الغناء أو الدف؛ألن المزمارة أو المزمار مشتق من الزمير‪،‬وهو الصوت الذي له‬
‫صفير‪،‬ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء‪،‬وسميت به اآللة المعروفة التي يزمر بها‪ ،‬وإضافتها‬
‫إلى الشيطان من جهة أنها تلهي‪ ،‬فقد تشغل القلب عن الذكر‪،‬وقيل‪ :‬المزمور‪:‬الصوت‪ ،‬ونسبته إلى‬
‫الشيطان ذم على ما ظهر ألبي بكر‪،‬وهذا إنكار منه لما سمع مستصحباً لما كان مقرراً عنده من‬
‫تحريم اللهو والغناء جملة‪،‬حتى ظن أن هذا من قبيل ما ينكر فبادر إلى ذلك‪،‬قياماً عن النبي ‪ ‬على‬
‫ما ظهر له‪ ،‬وكأنه ما كان تبين له أن النبي ‪ ‬قررهن على ذلك بعد‪ ،‬وعند ذلك قال له النبي ‪:‬‬
‫((دعهما)) ثم علل اإلباحة بأنه يوم عيد‪،‬يعني أنه يوم سرور وفرح شرعي فال ينكر فيه مثل هذا‪ ،‬كما‬
‫ال ينكر في األعراس‪،‬ويؤخذ من إنكار أبي بكر‪:‬أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تتنزه عن الهوى‬
‫واللغو ونحوه وإن لم يكن فيه إثم‪[.‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪ ،242/2،‬وفتح‬
‫الباري البن حجر‪ ،332/2 ،‬وشرح النووي على صحيح مسلم‪.]323/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬مما تقاولت به األنصار ‪ :‬أي قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء‪ ،‬وهذا الغناء‪ :‬كان في الشجاعة‪،‬‬
‫والقتل‪ ،‬والحذق في القتال‪ ،‬ونحو ذلك مما ال مفسدة فيه‪ ،‬بخالف الغناء المشتمل على ما يهيج‬
‫النفوس على الشر‪ ،‬ويحملها على البطالة والقبح‪ ،‬قال القاضي عياض‪ :‬إنما كان غناؤهما بما هو‬
‫من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة‪ ،‬والظهور‪ ،‬والغلبة‪ ،‬وهذا ال يهيج الجواري على شر‪ ،‬وال‬
‫إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه وإنما هو رفع الصوت باإلنشاد [شرح النووي على‬
‫صحيح مسلم‪ ،344/3 ،‬وفتح الباري البن حجر‪.]331/2 ،‬‬
‫(‪(( )3‬وليستا بمغنيتين)) أي ليستا ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات بذلك‪ ،‬وهذا منها تحرز‬
‫من الغناء المعتاد عند المشهورين به‪ ،‬الذي يحرك النفوس‪ ،‬ويبعثها على الهوى‪ ،‬والغزل‪ ،‬والمجون‪،‬‬
‫الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن‪ ،‬وهذا النوع إذا كان في شعر فيه محاسن النساء‪ ،‬وذكر الخمور‬
‫والمحرمات ال يختلف في تحريمه؛ ألنه اللهو واللعب المذموم باالتفاق‪[ .‬المفهم للقرطبي‪،243/2 ،‬‬
‫وشرح النووي على صحيح مسلم‪ ،343-344/3 ،‬وفتح الباري البن حجر‪.]332/2 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪556‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تلعبان بدف)) ‪ ،‬ولفظ النسائي‪(( :‬أن رسول اهلل ‪ ‬دخل عليها وعندها‬
‫جاريتان تضربان بدفين‪ ،‬فانتهرهما أبو بكر‪ ،‬فقال النبي ‪(( :‬دعهن فإن‬
‫لكل قوم عيداً))(‪.)2‬‬
‫قال اإلمام البغوي رحمه اهلل‪(( :‬وكان الشعر الذي تغنيان في وصف‬
‫الحرب‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬وفي ذكره معونة في أمر الدين‪ ،‬فأما الغناء بذكر‬
‫الفواحش‪ ،‬واالبتهار بالحرام(‪ )3‬والمجاهرة بالمنكر من القول فهو‬
‫المحظور من الغناء‪ ،‬وحاشاه [‪ ]‬أن يجري شيء من ذلك بحضرته‬
‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬فيغفل النكير له‪ ،‬وكل من رفع صوته بشيء جاهر ًا‬
‫غنى‪ ،‬بدليل قولها‪:‬‬
‫به‪ ،‬ومصرحاً باسمه ال يستره وال يكني عنه فقد َّ‬
‫((وليستا بمغنيتين))(‪ ،)4‬وقال اإلمام القرطبي رحمه اهلل‪(( :‬وقولها‪ :‬وليستا‬
‫بمغنيتين)) أي ليستا ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات‬
‫بذلك‪ ،‬وهذا منها تحرز من الغناء المعتاد عند المشهورين به الذي‬
‫ّ‬
‫يحرك النفوس‪ ،‬ويبعثها على الهوى والغزل‪ ،‬والمجون‪ ،‬الذي يحرك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تلعبان بدف ‪ :‬الدف هو الذي يضرب به في األعراس‪ ،‬وهو الذي ال حلق فيه وال صنوج‪ ،‬وهو‬
‫بضم الدال على األشهر وقد تفتح‪ ،‬ويقال له أيضاً‪ِ :‬‬
‫الكربال‪ ،‬وهو الذي ال جالجل فيه‪ ،‬والدقدقة‪:‬‬
‫والدف‪ :‬آلة من آالت‬‫ُّ‬ ‫والدف‪ :‬الجنب من كل شيء أو صفحته‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫استعجال ضرب الدف‪.‬‬
‫الموسيقى مستديرة كالغربال‪ ،‬ليس لها جالجل‪ ،‬يشد الجلد من أحد طرفيها‪ .‬ويقال‪ :‬آلة طرب‬
‫ينقر عليها‪ .‬وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اهلل يقول‪(( :‬هو مفتوح من جهة والجهة األخرى مغطاة‬
‫بجلد))‪ .‬انظر‪ :‬المفهم للقرطبي‪ ،243/2 ،‬وفتح الباري‪ ،230/2 ،‬وهدي الساري (مقدمة فتح‬
‫الباري‪ ،‬ص‪ ،117‬ولسان العرب‪ ،103/1 ،‬والقاموس المحيط‪ ،‬ص‪ ،1037‬والمعجم الوسيط‪،‬‬
‫رواس‪ ،‬ص‪. 183‬‬ ‫‪ ،281/1‬ومعجم لغة الفقهاء‪ ،‬لمحمد ّ‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب الحراب والدرق يوم العيد‪ ،‬برقم ‪ ،131‬وباب سنة‬
‫العيدين ألهل اإلسالم‪ ،‬برقم ‪ ،122‬وباب إذا فاته العيد صلى ركعتين‪ ،‬برقم ‪ ،187‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫صالة العيدين‪ ،‬باب الرخصة في اللعب الذي ال معصية فيه في أيام العيد‪ ،‬برقم ‪ ،812‬والنسائي‪،‬‬
‫كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب ضرب الدف يوم العيد‪ ،‬برقم ‪ ،1212‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫سنن النسائي‪. 213/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬االبتهار‪ :‬االشتهار‪ .‬من قولك ابتهر بفالنة‪ :‬أي شهر بها‪.‬‬
‫(‪ )4‬شرح السنة لإلمام البغوي‪. 424-422/3 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫الساكن‪ ،‬ويبعث الكامن‪ ،‬وهذا النوع إذا كان في شعر يُ َشبب فيه بذكر‬
‫َّ‬
‫النساء ‪ ،‬ووصف محاسنهن‪ ،‬وذكر الخمور‪ ،‬والمحرمات ال يُختلف في‬
‫تحريمه؛ ألنه اللهو واللعب المذموم باالتفاق‪ ،‬أما ما يسلم من تلك‬
‫المحرمات فيجوز القليل منه‪ ،‬وفي أوقات الفرح‪ :‬كالعرس‪ ،‬والعيد‪،‬‬
‫وعند التنشيط على األعمال الشاقة‪ ،‬ويدل على جواز هذا النوع هذا‬
‫الحديث وما في معناه على ما يأتي في أبوابه‪ ،‬مثل‪ :‬ما جاء في الوليمة‪،‬‬
‫وفي حفر الخندق‪ ،‬وفي َح ْدو الحبشة‪ ،‬وسلمة بن األكوع‪ ،‬فأما ما أبدعه‬
‫الصوفية اليوم من اإلدمان على سماع المغاني باآلالت المطربة فمن‬
‫قبيل ما ال يختلف في تحريمه‪ ،‬لكن النفوس الشهوانية‪ ،‬واألغراض‬
‫الشيطانية قد غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير‪ ،‬وشهر بذكره حتى‬
‫عموا عن تحريم ذلك‪ ،‬وعن فحشه‪ ،‬حتى قد ظهرت من كثير منهم‬
‫وي ْز ِفنون بحركات‬
‫الم َّجان والمخانيث‪ ،‬والصبيان‪ ،‬فيرقصون‪َ ،‬‬‫عورات ُ‬
‫الس َفه والمجون‪ ،‬وقد انتهى‬
‫مطابقة وتقطيعات متالحقة‪ ،‬كما يفعل أهل َّ‬
‫التوقح بأقوام منهم إلى أن يقولوا‪ :‬إن تلك األمور من أبواب القرب‬
‫وصالحات األعمال‪ ،‬وأن ذلك يثمر صفاء األوقات‪ ،‬وسيئات األحوال‪،‬‬
‫وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل البطالة‪ ،‬والمخرقة‪ ،‬نعوذ‬
‫باهلل من البدع‪ ،‬والفتن‪ ،‬ونسأله التوبة والمشي على السنن))(‪.)1‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬وفي هذا الحديث من الفوائد‬
‫حصل لهم بسط‬‫مشروعية التوسعة على العيال في أيام األعياد بأنواع ما يُ ّ‬
‫النفس‪ ،‬وترويح البدن من كلف العبادة‪ ،‬وأن اإلعراض عن ذلك أولى‪،‬‬
‫وفيه أن إظهار السرور في األعياد من شعائر الدين))(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪ .243/2 ،‬وانظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪،332/2 ،‬‬
‫وشرح النووي‪. 344/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري البن حجر‪،344/2،‬وقد كتب الشيخ علي بن حسن عبد الحميد األثري رسالة نشرت‬
‫بعنوان‪((:‬الجواب السديد على من سأل عن حكم الدفوف واألناشيد))‪.‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫ومما يؤيد ذلك حديث أنس ‪ ‬قال‪ :‬قدم رسول اهلل ‪ ‬المدينة ولهم‬
‫يومان يلعبون فيهما فقال‪ :‬ما هذان اليومان؟ قالوا‪ :‬كنا نلعب فيهما في‬
‫الجاهلية‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪(( :‬إن اهلل أبدلكم بهما خيراً منهما‪ :‬يوم‬
‫األضحى ويوم الفطر)) ولفظ النسائي‪(( :‬كان ألهل الجاهلية يومان في‬
‫كل سنة يلعبون فيهما‪ ،‬فلما قدم النبي ‪ ‬المدينة قال‪(( :‬كان لكم يومان‬
‫تلعبون فيهما‪ ،‬وقد أبدلكم اهلل بهما خيراً منهما‪ :‬يوم الفطر‪ ،‬ويوم‬
‫الضحى))(‪.)1‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‪:‬‬
‫((هذا يدل على أن اهلل جعل يوم العيد يوم سرور‪،‬ويجوز فيه اللعب فيما‬
‫ال محذور فيه للنساء والجواري‪،‬وفيه التعلم على اآلالت كما فعل‬
‫الحبشة))(‪.)2‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬قالت‪ :‬دخل رسول اهلل ‪ ‬وعندي جاريتان‬
‫تغنيان بغنا ُبعاث‪ ،‬فاضطجع على الفراش‪ ،‬وحول وجهه‪ ،‬فدخل أبو بكر‬
‫فانتهرني‪ ،‬وقال‪ :‬مزمار الشيطان عند رسول اهلل ‪ ،‬فأقبل عليه رسول اهلل‬
‫‪ ‬فقال‪((:‬دعهما)) فلما غفل غمزتهما فخرجتا‪،‬وكان يوم عيد يلعب‬
‫بالدرق(‪ )3‬والحراب‪،‬فإما سألت رسول اهلل ‪ ‬وإما قال‪((:‬تشتهين‬
‫السودان َّ‬
‫تنظرين))؟ فقلت‪:‬نعم‪،‬فأقامني وراءه خدي على خده‪،‬وهو يقول‪(( :‬دونكم‬
‫يا بني أرفدة))(‪،)4‬حتى إذا مللت قال‪((:‬حسبك))؟ قلت‪:‬نعم‪ ،‬قال‪((:‬اذهبي))‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب صالة العيدين‪،‬برقم ‪،1143‬والنسائي‪،‬كتاب صالة العيدين‪،‬باب ‪ ،1‬برقم‬
‫‪ ،1222‬وصححه األلباني في صحيح أبو داود‪ ،411/1 ،‬وصحيح النسائي‪. 202/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪. 224‬‬
‫(‪ )3‬الدرق‪ :‬جمع درقة وهي الترس‪ .‬فتح الباري البن حجر‪. 330/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬يا بني أرفدة بفتح الفاء وكسرها والكسر أشهر‪:‬وهو لقب الحبشة‪،‬ولفظة ((دونكم)) من ألفاظ‬
‫اإلغراء‪،‬وحذف المغرى به تقديره عليكم بهذا اللعب الذي أنتم فيه‪.‬شرح النووي على صحيح‬
‫مسلم‪. 343/3 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫وفي لفظ لمسلم‪(( :‬جاء الحبشة يزفنون(‪ )1‬في يوم عيد في المسجد))(‪.)2‬‬
‫قال اإلمام القرطبي رحمه اهلل‪(( :‬وأما لعب الحبشة في المسجد فكان‬
‫لعباً بالحراب والدرق تواثباً‪ ،‬ورقصاً بهما‪ ،‬وهو من باب التدريب على‬
‫الحرب والتمرين والتنشيط عليه‪ ،‬وهو من قبيل المندوب‪ ،‬ولذلك أباحه‬
‫النبي ‪ ‬في المسجد))(‪.)3‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪(( :‬بينما الحبشة يلعبون بحرابهم عند رسول اهلل ‪‬‬
‫إذ دخل عمر بن الخطاب فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها‪،‬فقال رسول اهلل‬
‫‪(( :‬دعهم يا عمر))(‪.)4‬‬
‫تمسك منه بالصورة‬
‫ٌ‬ ‫قال القرطبي رحمه اهلل‪(( :‬وإنكار عمر عليهم‬
‫الظاهرة‪ ،‬كما قلنا في حق أبي بكر رضي اهلل عنهما))(‪.)5‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬واللعب بالحراب ليس لعباً مجرد ًا‪،‬‬
‫بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب واالستعداد للعدو))(‪.)6‬‬
‫وقال رحمه اهلل في موضع آخر‪(( :‬واستدل به على جواز اللعب بالسالح‬
‫على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه))(‪.)7‬‬
‫ويشرع لعب النساء بالدف في العرس دون الرجال؛ لحديث الربيع‬
‫بنت معوذ‪ ،‬وفيه‪ :‬أن النبي ‪ ‬وجد عندها غداة ُب ِني عليها جويريات‬
‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬يزفنون ‪ :‬معناه يرقصون‪ ،‬وحمله العلماء على التوثب بسالحهم ولعبهم بحرابهم على قريب من‬
‫هيئة الرقص؛ ألن معظم الروايات إنما فيه لعبهم بحرابهم فيؤول هذه اللفظة على موافقة سائر‬
‫الروايات‪ .‬شرح النووي على صحيح مسلم‪. 343/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ،‬واللفظ لمسلم هنا‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،120 ،131‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،)812(-11‬وتقدم‬
‫تخريجه في أول هذا المبحث‪.‬‬
‫(‪ )3‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪. 243/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،2101‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،814‬وتقدم تخريجه في المساجد‪.‬‬
‫(‪ )5‬المفهم‪. 243/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬فتح الباري‪. 231/1 ،‬‬
‫(‪ )7‬المرجع السابق‪. 332/2 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يندبن من قتل من آبائي يوم بدر‬ ‫يضربن بالدف‪ ،‬قالت أم الربيع‪ُ (( :‬‬
‫حتى قالت جارية‪ :‬وفينا نبي اهلل يعلم ما في غد‪ ،‬فقال النبي ‪(( :‬ال‬
‫تقولي هذا وقولي ما كنت تقولين))(‪ .)2‬وعن محمد بن حاطب الجمحي‪،‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬فصل ما بين الحالل والحرام الدف والصوت‬
‫في النكاح))(‪ .)3‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز‬
‫رحمه اهلل يقول‪(( :‬وهذا يدل على مشروعية الدف والصوت للنساء‪:‬‬
‫الغناء العادي‪ ،‬أما المزامير والغناء المحرم فال‪ ،‬والدف هو ذو الوجه‬
‫الواحد‪ ،‬ويقال له الطار))(‪.)4‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها أنها ز َّفت امرأة إلى رجل من األنصار‪ ،‬فقال نبي‬
‫اهلل ‪(( :‬يا عائشة ما كان معكم لهو‪ ،‬فإن األنصار يعجبهم اللهو))؟(‪،)5‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬وفي رواية شريك‪ ،‬فقال‪(( :‬بعثتم معها‬
‫جارية تضرب بالدف وتغني))؟ قلت تقول‪ :‬ماذا؟ قال تقول‪:‬‬
‫فحيانــــــــــــــــــــــــا وحيــــــــــــــــــــــــاكم‬ ‫أ تينــــــــــــــــــــــــاكم أتينــــــــــــــــــــــــاكم‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫مــــــــــــــا حلــــــــــــــت بــــــــــــــواديكم‬ ‫ولـــــــــوال الـــــــــذهب األحمـــــــــر‬
‫(‪)6‬‬
‫مـــــــــا ســـــــــمنت عـــــــــذاريكم‬ ‫ولـــــــــوال الحنطـــــــــة الســـــــــمراء‬
‫فظهر مما تقدم من األحاديث في اللعب ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 5‬جواز اللعب للنساء والجواري والضرب بالدف أيام العيد بشرط‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يندبن ‪ :‬الندب أن يذكر الميت بأحسن أوصافه وأفعاله‪ .‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث البن األثير‪. 43/2 ،‬‬
‫(‪ُ )1‬‬
‫باب‪ :‬حدثني خليفة‪ ،‬برقم ‪ ،3001‬وكتاب النكاح باب ضرب الدف في‬ ‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬كتاب المغازي‪ٌ ،‬‬
‫النكاح والوليمة‪ ،‬برقم ‪. 2137‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ما جاء في إعالن النكاح‪ ،‬برقم ‪ ،1088‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب‬
‫النكاح‪،‬باب إعالن النكاح‪،‬برقم ‪،1813‬والنسائي‪،‬كتاب النكاح‪،‬باب إعالن النكاح‪،‬برقم‬
‫‪،4431‬وحسنه األلباني في صحيح سنن الترمذي‪ 224/1،‬وغيره‪.‬‬
‫(‪ )4‬سمعته أثناء تقريره على سنن النسائي‪ ،‬الحديث رقم ‪. 4431‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪،‬كتاب النكاح‪،‬باب النسوة التي يهدين المرأة إلى زوجها ودعائهن بالبركة‪،‬برقم ‪. 2132‬‬
‫(‪ )6‬فتح الباري‪. 223/1 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫أن ال يكون شعر ًا محرم ًا أو شعر ًا بآالت الطرب المحرمة‪.‬‬
‫‪ - 5‬مشروعية الضرب بالدف في النكاح ويكون ذلك للنساء خاصة‬
‫بشرط أن ال يقلن األلفاظ المحرمة كما تقدم‪.‬‬
‫‪ - 5‬جواز اللعب للرجال الذي فيه تدريب على الحرب والقتال‪ ،‬وتعلم‬
‫الكر والفر في الجهاد في سبيل اهلل تعالى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ - 5‬ال يجوز لعب الرجال بالدف وال بغيره‪ ،‬أما اللعب الذي فيه‬
‫تدريب على الجهاد بدون دف فال بأس به كما تقدم‪.‬‬
‫قال المباركفوري رحمه اهلل‪(( :‬اإلذن في ذلك للنساء فال يلحق بهن‬
‫الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن‪ ،‬وكذلك الغناء المباح في العرس‬
‫مختص بالنساء‪،‬فال يجوز للرجال))(‪.)1‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول‪(( :‬أما ضرب الدف فهو‬
‫من باب إعالن النكاح للنساء خاصة))(‪ )2‬واهلل الموفق(‪.)3‬‬
‫‪ - 13‬خروج النساء إلى مصلى العيد متحجبات غير متطيبات؛‬
‫ّ‬
‫لحديث أم عطية رضي اهلل عنها قالت عن النبي ‪ ‬سمعته يقول‪(( :‬تخرج‬
‫العواتق وذوات الخدور‪ ،‬أو العواتق ذوات الخدور‪ ،‬والحيض‪،‬‬
‫ّ‬
‫وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى))‪.‬وفي‬
‫ّ‬
‫لفظ‪((:‬أمرنا رسول اهلل ‪ ‬أن نخرجهن في الفطر واألضحى‪ :‬العواتق‪،‬‬
‫والحيض‪،‬وذوات الخدور‪،‬فأما الحيض فيعتزلن الصالة‪،‬ويشهدن الخير‬
‫ودعوة المسلمين‪،‬قلت‪:‬يا رسول اهلل‪:‬إحدانا ال يكون لها جلباب؟‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تحفة األحوذي شرح سنن الترمذي‪. 210/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحدث رقم ‪. 2137‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬في اللعب وأنواعه‪:‬جامع األصول البن األثير‪،341/11 ،‬وتحفة األحوذي‪ ،214-210/3 ،‬وفتح‬
‫الباري‪ 330/2 ،‬و‪،202/1‬وشرح السنة للبغوي‪ ،31-33/ 1،‬ونيل األوطار للشوكاني‪،212-281/3،‬‬
‫ونيل المآرب شرح دليل الطالب‪. 211/2 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أختها من جلبابها)) ‪ .‬وصالة العيد ليست واجبة على المرأة‬‫لتلبسها ُ‬
‫قال‪ْ ((:‬‬
‫ولكنها سنة في حقها وتصليها في المصلى مع المسلمين؛ألمر النبي ‪‬‬
‫بذلك(‪،)2‬وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول‪((:‬وخروج النساء في‬
‫صالة العيد سنة وليس بواجب))(‪.)3‬‬
‫‪ - 12‬خروج الصبيان إلى المصلى؛ ليشهدوا دعوة المسلمين‪ ،‬قال‬
‫اإلمام البخاري رحمه اهلل تعالى‪(( :‬باب خروج الصبيان إلى المصلى)) ثم‬
‫ساق حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬خرجت مع النبي ‪ ‬يوم فطر أو‬
‫أضحى فصلى العيد ثم خطب‪ ،‬ثم أتى النساء فوعظهن‪ ،‬وذكرهن‪،‬‬
‫وأمرهن بالصدقة))(‪.)4‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬قوله باب خروج الصبيان إلى‬
‫المصلى)) أي في األعياد‪ ،‬وإن لم يصلوا‪ .‬قال الزين بن المنير‪ :‬آثر‬
‫المصنف في الترجمة قوله‪ :‬إلى المصلى على قوله‪ :‬صالة العيد؛ ليعم‬
‫(‪)5‬‬
‫من يتأتى منه الصالة ومن ال يتأتى)) ‪ .‬وفي لفظ لحديث ابن عباس رضي‬
‫اهلل عنهما حينما سئل‪ :‬أشهدت العيد مع النبي ‪‬؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ولوال مكاني‬
‫من الصغر ما شهدته…))(‪ .)6‬قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪ :‬قال ابن‬
‫بطال‪ :‬خروج الصبيان إلى المصلى إنما هو إذا كان الصبي ممن يضبط‬
‫نفسه عن اللعب ويعقل الصالة ويتحفظ مما يفسدها‪ ،‬أال ترى إلى ضبط‬
‫ابن عباس القصة‪ .‬اهـ [قال الحافظ]‪ :‬وفيه نظر؛ ألن مشروعية إخراج‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الحيض‪ ،‬باب شهود الحائض العيدين‪ ،‬ودعوة المسلمين ويعتزلن‬
‫المصلى‪ ،‬برقم ‪ ، 423‬ومسلم‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود‬
‫الخطبة مفارقات للرجال‪ ،‬برقم ‪.)810(-12‬‬
‫(‪ )2‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪. 283/8 ،‬‬
‫(‪ )3‬سمعته أثناء تقريره على منتقى األخبار للمجد‪ ،‬الحديث رقم ‪. 1331‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب خروج الصبيان إلى المصلى‪ ،‬برقم ‪. 172‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪. 333/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب العلم الذي بالمصلى‪ ،‬برقم ‪. 177‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك وإظهار شعار اإلسالم بكثرة من‬
‫يحضر منهم‪ ،‬ولذلك شرع للحيض كما سيأتي‪ ،‬فهو شامل لمن تقع‬
‫َّ‬
‫منهم الصالة أو ال‪ ،‬وعلى هذا إنما يحتاج أن يكون مع الصبيان من‬
‫يضبطهم عما ذكر من اللعب ونحوه سواء صلوا أم ال‪ ،‬وأما ضبط ابن‬
‫عباس القصة فلعله كان لفرط ذكائه‪ ،‬واهلل أعلم))(‪.)1‬‬
‫‪ - 13‬التهنئة بالعيد من فعل أصحاب النبي ‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر‬
‫ور ّوينا في ((المحامليات)) بإسناد حسن عن جبير بن نُفير قال‪:‬‬
‫رحمه اهلل‪ُ :‬‬
‫((كان أصحاب رسول اهلل ‪ ‬إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض‪:‬‬
‫منا ومنك))(‪.)2‬‬
‫تقبل اهلل َّ‬
‫ونقل ابن قدامة رحمه اهلل عن ابن عقيل في تهنئة العيد أن محمد بن‬
‫زياد قال‪ :‬كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي ‪ ‬فكانوا‬
‫إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض‪(( :‬تقبل اهلل منا ومنك))‪ .‬وقال‬
‫أحمد‪ :‬إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد‪ ،‬وقال علي بن ثابت‪(( :‬سألت‬
‫مالك بن أنس منذ خمس وثالثين سنة وقال‪ :‬لم نزل نعرف هذا‬
‫بالمدينة))(‪(( .)3‬وقال أحمد رحمه اهلل‪ :‬وال بأس أن يقول الرجل للرجل‬
‫يوم العيد‪ :‬تقبل اهلل منا ومنك‪ ،‬وقال حرب‪ :‬سئل أحمد عن قول الناس‬
‫في العيدين‪ :‬تقبل اهلل منا ومنكم‪ ،‬قال‪ :‬ال بأس به يرويه أهل الشام عن‬
‫َّ‬
‫أبي أمامة‪ ،‬قيل‪ :‬وواثلة بن األسقع؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قيل فال تكره أن يقال هذا‬
‫يوم العيد؟ قال‪ :‬ال))(‪(( ،)4‬وروي عن أحمد أنه قال‪ :‬ال أبتدي به أحداً‪،‬‬
‫وإن قاله أحد رددت عليه))(‪ ،)5‬وسئل شيخ اإلسالم ابن تيمية عن التهنئة‬
‫في العيد‪ ،‬فأجاب‪(( :‬أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪. 333/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪. 333/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬المغني البن قدامة‪. 213/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري البن حجر‪. 213/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬المرجع السابق‪. 212/4 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫بعد صالة العيد‪ :‬تقبل اهلل منا ومنكم‪ ،‬وأحاله اهلل عليك‪ ،‬ونحو ذلك فهذا‬
‫قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه‪ ،‬ورخص فيه األئمة‬
‫كأحمد وغيره‪ ،‬لكن قال أحمد‪ :‬أنا ال أبتدئ أحد ًا‪ ،‬فإن ابتدأني أحد‬
‫أجبته‪ ،‬وذلك ألن جواب التحية واجب‪ ،‬وأما االبتداء بالتهنئة فليس سنة‬
‫مأمور ًا بها‪ ،‬وال هو أيض ًا مما نهي عنه‪ ،‬فمن فعله فله قدوة‪ ،‬ومن تركه‬
‫فله قدوة‪ ،‬واهلل أعلم))(‪.)1‬‬
‫‪ - 17‬يقضي صالة العيد من فاتته مع اإلمام‪ ،‬قال اإلمام البخاري‬
‫باب إذا فاتته العيد يصلي ركعتين‪ .‬وكذلك النساء ومن كان‬ ‫رحمه اهلل‪ٌ (( :‬‬
‫في البيوت‪ ،‬والقرى‪ ،‬لقول النبي ‪(( :‬هذا عيدنا أهل اإلسالم))‪ ،‬وأمر‬
‫أنس بن مالك موالهم ابن أبي عتبة بالزاوية(‪ )2‬فجمع أهله وبنيه وصلى‬
‫صالة أهل المصر وتكبيرهم‪ ،‬وقال عكرمة‪ :‬أهل السواد(‪ )3‬يجتمعون في‬
‫العيد يصلون ركعتين كما يصنع اإلمام‪ ،‬وقال عطاء‪ :‬إذا فاته العيد صلى‬
‫ركعتين))(‪ ،)4‬قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬في هذه الترجمة حكمان‪:‬‬
‫مشروعية استدراك صالة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كانت‬
‫باالضطرار أو باالختيار‪ ،‬وكونها تقضى ركعتين كأصلها))(‪.)6( )5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى‪. 224/23 ،‬‬
‫(‪ )2‬الزاوية‪ :‬موضع على فرسخين من البصرة كان به ألنس قصر وأرض‪ ،‬وكان يقيم هناك كثيراً‪ ،‬فتح‬
‫الباري البن حجر‪. 372/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬أهل السواد ‪ :‬ما حول كل مدينة من القرى‪ :‬أي كأنها األشخاص والمواضع العامرة بالناس‬
‫والنبات بخالف ما ال عمارة فيه‪.‬مشارق األنوار للقاضي عياض‪. 221/2،‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب إذا فاتته العيد يصلي ركعتين‪ ،‬قبل الحديث ‪. 187‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري‪. 373/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬اختلف العلماء رحمهم اهلل تعالى هل يسن أن تقضى صالة العيد إذا فاتت مع اإلمام أم ال فقال‬
‫جماعة‪ :‬ال تقضى‪ ،‬منهم المزني‪ ،‬وقال أبو حنيفة يتخير بين القضاء والترك [فتح الباري البن‬
‫حجر‪ ،] 372/2 ،‬واختار هذا القول العالمة ابن عثيمين ونسبه لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وأن من‬
‫فاتته صالة العيد ال يسن له أن يقضيها؛ ألن ذلك لم يرد عن النبي ‪‬؛ وألنها صالة ذات اجتماع‬
‫معين فال تشرع إال على هذا الوجه [الشرح الممتع‪ ،208/2 ،‬وأسئلة وأجوبة صالة العيدين‪،‬‬
‫ص‪ ،3‬الجواب رقم ‪.]3‬‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬
‫‪550‬‬
‫قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪(( :‬وجملة القول أن من فاتته صالة‬
‫العيد فال قضاء عليه))(‪ ،)1‬ثم يبين رحمه اهلل أنه إن أحب قضاءها استحب‬
‫له أن يقضيها‪ ،‬ثم ذكر األقوال التي أشير إليها آنف ًا(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫وقال جماعة أخرى‪ :‬يسن أن تقضى فمن فاتته العيد مع اإلمام‪ ،‬فإنه يقضي‪ ،‬ثم اختلفوا كم يقضي‪:‬‬
‫ركعتين أم أربعاً‪.‬‬
‫‪ - 1‬فذهب اإلمام البخاري إلى أن من فاتته صالة العيد قضاها ركعتين كأصلها‪ :‬أي يصلي ركعتين‬
‫ست ًا بعد تكبيرة اإلحرام‪ ،‬وفي الثانية خمس ًا غير تكبيرة االنتقال‪ ،‬وهذه‬
‫بتكبيرها‪ :‬فيكبر في الركعة األولى ّ‬
‫رواية عن اإلمام أحمد‪ .‬نقل ذلك عن أحمد إسماعيل بن سعيد واختاره الجوزجاني وهذا قول‬
‫النخعي‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبي ثور‪ ،‬وابن المنذر؛ لما روي عن أنس أنه إذا لم يشهد العيد مع اإلمام‬
‫بالبصرة جمع أهله ومواليه ثم قام عبد اهلل بن أبي عتبة مواله فيصلي بهم ركعتين يكبر فيهما؛ وألنه‬
‫قضاء صالة فكان على صفتها‪ ،‬كسائر الصلوات‪ ،‬وهو مخير إن شاء صالها وحده‪ ،‬وإن شاء في‬
‫جماعة‪ ،‬قيل ألبي عبد اهلل‪ :‬أين يصلي؟ قال‪ :‬إن شاء مضى إلى المصلى وإن شاء حيث شاء‪.‬‬
‫‪ - 2‬وذهب اإلمام أحمد في رواية إلى أن من فاتته صالة العيد صالها أربعاً‪ ،‬وهو قول الثوري‪ ،‬قال‬
‫فليصل‬
‫ّ‬ ‫الحافظ ابن حجر‪(( :‬ولهما في ذلك سلف قال ابن مسعود [‪ :]‬من فاته العيد مع اإلمام‬
‫أربعاً‪ .‬أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح))‪[ .‬فتح الباري‪ ]372/2 ،‬وروي عن علي ‪ ‬أنه‬
‫قال‪ :‬إن أمرت رجالً أن يصلي بضعفة الناس أمرته أن يصلي أربعاً‪،‬رواه سعيد [مصنف ابن أبي‬
‫شيبة‪ ،]283/2 ،‬ويقوي ذلك حديث علي أنه أمر رجالً يصلي بضعفة الناس أربعاً [المغني البن‬
‫قدامة‪ 230/4 ،‬و‪ ،283/4‬والشرح الكبير‪ ،447/2 ،‬و‪ ]432/2‬ألنه قضاء صالة عيد فكانت أربعاً‬
‫قضاء الجمعة [المغني‪ ،483/4 ،‬والشرح الكبير‪ .]433-432/2 ،‬قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪:‬‬
‫(( ويستحب لإلمام إذا خرج أن يخلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد كما فعل علي ‪،‬‬
‫فروى هزيل بن شرحبيل قال‪ :‬قيل لعلي ‪ :‬لو أمرت رجالً يصلي بضعفة الناس هوناً في‬
‫المسجد األكبر قال‪ :‬إن أمرت رجالً يصلي أمرته أن يصلي بهم أربعاً‪ ،‬وروي أنه استخلف أبا‬
‫مسعود البدري فصلى بهم في المسجد [المغني‪ ،283 ،230/4 ،‬والشرح الكبير‪ ،‬واإلنصاف‪،‬‬
‫‪ ،432 ،447/2‬وانظر‪ :‬سنن البيهقي ‪ ،410/4،‬ومصنف ابن أبي شيبة‪.]283/2 ،‬‬
‫‪ - 4‬وفي رواية عن أحمد أنه مخير بين ركعتين وأربع‪ ،‬وهذا قول األوزاعي؛ ألنها صالة تطوع‬
‫أشبهت صالة الضحى [الشرح الكبير‪ ،433/2 ،‬والمغني‪ ،]282/4 ،‬وقال أبو حنيفة بهذا القول‪:‬‬
‫أي مخير بين الثنتين واألربع [فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪ ،]372/2 ،‬وانظر‪ :‬الكافي البن قدامة‪،‬‬
‫‪ ،212/1‬وحاشية الروض المربع البن قاسم‪. 213/2 ،‬‬
‫(‪ )1‬المغني البن قدامة‪ ،283/4 ،‬وانظر‪ :‬الشرح الكبير‪ ،433-433/2 ،‬واإلنصاف في معرفة الراجح‬
‫من الخالف المطبوع مع الشرح الكبير‪. 433-433/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪. 283/4 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪556‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪(( :‬وإن أدرك اإلمام في التشهد جلس معه فإذا سلم‬
‫اإلمام قام فصلى ركعتين يأتي فيهما بالتكبير؛ألنه أدرك بعض الصالة‬
‫التي ليست مبدلة من أربع فقضاها على صفتها كسائر الصلوات‪.‬وإن‬
‫أدركه في الخطبة‪:‬فإن كان في المسجد صلى تحية المسجد؛ألنها إذا‬
‫صليت في خطبة الجمعة التي يجب اإلنصات لها ففي خطبة العيد‬
‫أولى… فأما إن لم يكن في المسجد؛فإنه يجلس فيستمع ثم إن أحب‬
‫قضى صالة العيد على ما ذكرناه))(‪.)1‬‬
‫خامساً‪ :‬يشترط االستيطان لوجوب صالة العيد‪ ،‬والعدد المشترط‬
‫لصالة الجمعة؛ ألن النبي ‪ ‬لم يصلها في سفره وال خلفاؤه‪ ،‬وكذلك‬
‫العدد المشترط للجمعة وهو على الصحيح ثالثة‪ :‬إمام ورجالن معه؛‬
‫ألنها صالة عيد فأشبهت الجمعة‪ ،‬وال يشترط إذن اإلمام إلقامة صالة‬
‫العيد على الصحيح‪ ،‬وليس من شرط صحتها االستيطان وال عدد‬
‫الجمعة‪ ،‬وإنما هما شرط للوجوب؛ ألن صالة العيد تصح من الواحد(‪.)2‬‬
‫واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمـه اهلل أن ((مـن شـرطها االسـتيطان‪،‬‬
‫وعـــدد الجمعـــة‪ ،‬فيفعلهـــا المســـافر‪ ،‬والعبـــد‪ ،‬والمـــرأة تبعـــ ًا وال يســـتحب‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني‪. 282/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬المغني البن قدامة‪ ،287/4 ،‬ونص كالمه رحمه اهلل‪(( :‬ويشترط االستيطان لوجوبها؛ ألن النبي ‪‬‬
‫لم يصلها ف ي سفره‪ ،‬وال خلفاؤه‪ ،‬وكذلك العدد المشترط للجمعة؛ ألنها صالة عيد فأشبهت‬
‫الجمعة‪ ،‬وفي إذن اإلمام روايتان أصحهما ليس بشرط‪ ،‬وال يشترط شيء من ذلك لصحتها؛ ألنها‬
‫تصح من الواحد في الفضاء‪ ،‬وقال أبو الخطاب في ذلك كله روايتان‪ ،‬وقال الخطابي‪ :‬كالم أحمد‬
‫يقتضي روايتين إحدا هما ال يقام العيد إال حيث تقام الجمعة وهذا مذهب أبي حنيفة إال أنه ال‬
‫يرى ذلك إال في مصر؛ لقوله‪ :‬ال جمعة وال تشريق إال في مصر جامع‪ ،‬والثانية يصليها المنفرد‪،‬‬
‫والمسافر‪ ،‬والعبد‪ ،‬والنساء على كل حال‪ ،‬وهذا قول الحسن والشافعي؛ ألنه ليس من شرطها‬
‫االستيطان‪ ،‬فلم يكن من شرطها الجماعة كالنوافل إال أن اإلمام إذا خطب مرة ثم أرادوا أن يصلوا‬
‫لم يخطبوا وصلوا بغير خطبة‪ ،‬كيال يؤدي إلى تفريق الكلمة‪ ،‬والتفصيل الذي ذكرناه أولى ما قيل‬
‫به إن شاء اهلل تعالى))‪ ،‬المغني‪ ،287/4 ،‬وانظر‪ :‬الشرح الكبير مع اإلنصاف‪. 444/2 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫قضاؤها لمن فاتته منهم‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة))(‪ ،)1‬واهلل سبحانه أعلم(‪.)2‬‬
‫وقال شيخنا اإلمام عبـد العزيـز بـن عبـد اهلل ابـن بـاز رحمـه اهلل تعـالى‪:‬‬
‫((صالة العيد إنما تقام في المدن والقرى‪ ،‬وال تشـرع إقامتهـا فـي البـوادي‬
‫والسفر‪ ،‬هكذا جاءت السـنة عـن رسـول اهلل ‪ ،‬ولـم يحفـظ عنـه ‪ ،‬وال‬
‫عن أصحابه ‪ ‬أنهم صـلوا صـالة العيـد فـي السـفر وال فـي الباديـة‪ ،‬وقـد‬
‫حــج حجــة الــوداع عليــه الصــالة والســالم فلــم يصـ ّـل الجمعــة فــي عرفــة‪،‬‬
‫يصـل صـالة العيـد فـي منـى‪ ،‬وفـي‬ ‫ّ‬ ‫وكان ذلك اليوم هو يوم الجمعة‪ ،‬ولم‬
‫(‪)4()3‬‬
‫اتباعه ‪ ‬وأصحابه ‪ ‬كل الخير والسعادة‪ ،‬واهلل ولي التوفيق)) ‪.‬‬
‫وقـــال شـــيخنا أيضـــ ًا عـــن العـــدد المشـــترط لصـــالة الجمعـــة والعيـــد‪:‬‬
‫((واختلف العلماء في العدد المشترط لهما‪ ،‬وأصح األقـوال أن أقـل عـدد‬
‫تقــام بــه الجمعــة والعيــد ثالثــة فــأكثر‪ ،‬أمــا شــرط األربعــين فلــيس لــه دليــل‬
‫صــــحيح يعتمــــد عليــــه‪ ،‬ومــــن شــــرطهما االســــتيطان‪ ،‬أمــــا أهــــل الباديــــة‬
‫والمسافرون فليس عليهم جمعة وال صالة عيد))(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ص‪ ،124‬والمستدرك على مجموع فتاوى شيخ‬
‫اإلسالم لمحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪. 121/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬واختار العالمة ابن عثيمين اشتراط االستيطان والعدد الذي تنعقد به الجمعة‪ ،‬أما إذن اإلمام‬
‫فاختار أن ذلك ال يشترط‪ ،‬إال أنه اختار أنه ينبغي اشتراط إذن اإلمام لتعدد مصلى العيد في البلد‬
‫الواحد حتى ال يحصل فوضى بين الناس‪ ،‬ويصير كل واحد فيهم يقيم مصلى عيد‪ .‬الشرح‬
‫الممتع‪ ،171-170/2 ،‬واختار في تعدد الجمعة كذلك‪. 44/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬فتاوى ابن باز‪. 1/14 ،‬‬
‫(‪ )4‬ورجح العالمة ابن عثيمين أن من شرط صالة العيد االستيطان؛ ألن النبي ‪ ‬لم يقم صالة العيد‬
‫إال في المدينة‪ ،‬وسافر إلى مكة عام غزوة الفتح وبقي فيها إلى أول شوال وأتاه العيد ولم ينقل أنه‬
‫‪ ‬صلى صالة العيد‪ ،‬وفي حجة الوداع صادفه العيد وهو في منى ولم يقم صالة العيد؛ ألنه‬
‫مسافر‪ ،‬كما أنه لم يقم صالة الجمعة في عرفة؛ ألنه مسافر‪ ،‬قال رحمه اهلل‪ :‬ومن شرطها أيضاً عدد‬
‫الجمعة‪ ،‬وقد سبق لنا أن القول الراجح في عدد الجمعة ثالثة فهذا مبني على ذاك‪ ،‬فإن لم يوجد‬
‫في القرية إال رجل واحد مسلم فإنه ال يقيم صالة العيد‪ ،‬أو رجالن فال يقيمان صالة العيد‪.‬‬
‫الشرح الممتع‪. 170-131/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬مجموع فتاوى ابن باز‪. 12/14 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫سادساً‪ :‬وقت صالة العيد أوله بعد ارتفاع الشمس قيد رمح؛‬
‫لحديث يزيد بن ُحمير الرحبي قال‪:‬خرج عبد اهلل بن بسر صاحب رسول‬
‫اهلل ‪ ‬مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى‪ ،‬فأنكر إبطاء اإلمام فقال‪:‬‬
‫((إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه‪ ،‬وذلك حين التسبيح))(‪.)1‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬قوله‪ :‬وذلك حين التسبيح أي وقت‬
‫السبحة وهي النافلة‪ ،‬وذلك إذا مضى وقت الكراهة))‪ ،‬وفي رواية صحيحة‬
‫للطبراني‪(( :‬وذلك حين تسبيح الضحى))‪ ،‬قال ابن بطال‪(( :‬أجمع الفقهاء‬
‫على أن العيد ال تصلى قبل طلوع الشمس وال عند طلوعها‪ ،‬وإنما جوزوا‬
‫عند جواز النافلة))(‪ ،)2‬وآخر وقت صالة العيد زوال الشمس‪ ،‬قال اإلمام‬
‫ابن قدامة رحمه اهلل‪(( :‬ووقتها من حين ترتفع الشمس ويزول وقت النهي‬
‫إلى الزوال‪ ،‬فإن لم يعلم بها إال بعد الزوال خرج من الغد فصلى بهم))(‪)3‬؛‬
‫لحديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من األنصار من أصحاب رسول‬
‫اهلل ‪ ‬أنهم قالوا‪ :‬أغمي علينا هالل شوال فأصبحنا صيام ًا‪ ،‬فجاء ركب‬
‫من آخر النهار فشهدوا عند النبي ‪ ‬أنهم رأوا الهالل باألمس‪ ،‬فأمرهم‬
‫رسول اهلل ‪ ‬أن يفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد))(‪.)4‬وعن عائشة‬
‫رضي اهلل عنها قالت‪:‬قال رسول اهلل ‪(( :‬الفطر يوم يفطر الناس‪ ،‬واألضحى يوم‬
‫يضحي الناس))(‪.)5‬وعن أبي هريرة ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪((:‬الصوم يوم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب وقت الخروج إلى العيد‪ ،‬برقم ‪ ،1142‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصلوات‪ ،‬باب‬
‫في وقت صالة العيد‪ ،‬برقم ‪ ،1417‬وعلقه البخاري في كتاب العيدين‪ ،‬باب التبكير للعيد‪ ،‬قبل الحديث رقم‬
‫‪ .138‬والحديث صححه األلباني في صحيح أبي داود‪ ،411/1 ،‬وصحيح ابن ماجه‪. 412/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري البن حجر‪. 327/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬الكافي‪. 213/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب إذا لم يخرج اإلمام للعيد من يومه يخرج من الغد‪ ،‬برقم ‪،1127‬‬
‫والنسائي‪ ،‬كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب الخروج إلى العيدين من الغد‪ ،‬برقم ‪ ،1223‬وابن ماجه‬
‫بلفظه‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهالل‪ ،‬برقم ‪ ،1324‬وأحمد في المسند‪،‬‬
‫‪ ،28-27/2‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود ‪ ،417/1‬وصحيح النسائي‪. 202/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب ما جاء في الفطر واألضحى متى يكون‪ ،‬برقم ‪ ،802‬وصححه‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫تصومون‪ ،‬والفطر يوم تفطرون‪،‬واألضحى يوم تضحون))(‪.)1‬‬
‫واألفضل تعجيل صالة عيد األضحى إذا ارتفعت الشمس قيد رمح‪،‬‬
‫وتأخير صالة الفطر‪ ،‬فتصلى إذا ارتفعت الشمس قيد رمحين(‪.)2‬‬
‫قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل تعالى‪((:‬ويسن تقديم صالة األضحى؛‬
‫ليتسع وقت التضحية‪،‬وتأخير الفطر؛ ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر‪،‬‬
‫وهذا مذهب الشافعي وال أعلم فيه خالف ًا‪)3())...‬؛وألن لكل عيد وظيفة‪:‬‬
‫فوظيفة الفطر إخراج الفطرة ووقتها قبل الصالة‪ ،‬ووظيفة األضحى‬
‫التضحية‪ ،‬ووقتها بعد الصالة‪ ،‬وفي تأخير الفطر وتقديم األضحى توسيع‬
‫لوظيفة كل منهما))(‪.)4‬‬
‫وقال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل‪((:‬وكان [‪ ]‬يؤخر صالة عيد الفطر‬
‫ويعجل األضحى‪،‬وكان ابن عمر مع شدة ّاتباعه ال يخرج حتى تطلع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫األلباني في صحيح الترمذي‪. 320/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ ،‬برقم ‪ ، 317‬وقد فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال‪ :‬إنما معنى هذا أن الصوم‬
‫والفطر مع الجماعة‪ ،‬وعظم الناس‪ ،‬ورواه أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،2423‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪،1130‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح الترمذي‪ 472/1 ،‬وغيره‪.‬‬
‫(‪ )2‬جاء في ذلك حديث في األضاحي للحسن بن أحمد البنا من طريق وكيع عن المعلى بن هالل عن‬
‫األسود بن قيس عن جندب قال‪(( :‬كان النبي ‪ ‬يصلي بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين‪،‬‬
‫واألضحى على قيد رمح)) كما في التلخيص‪ ، 84/1 ،‬قال العالمة األلباني‪ :‬لكن المعلى هذا اتفق‬
‫النقاد على تكذيبه كما قال الحافظ في التقريب‪ .‬ثم بين األلباني في اإلرواء‪ 101/4 ،‬أن هذا أقرب‬
‫ّ‬
‫إلى عمل المسلمين‪ ،‬وروى الشافعي في مسنده‪ ،‬ص‪ ،73‬وفي األم‪ ،202/1 ،‬مرسالً‪(( :‬أن النبي ‪‬‬
‫وذكر الناس)) قال الحافظ‬
‫وأخر الفطر‪ّ ،‬‬
‫عجل األضحى ّ‬ ‫كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن ّ‬
‫في التلخيص‪(( :84/1 ،‬وهو مرسل وضعيف أيضاً))‪ .‬وقال األلباني في اإلرواء ‪ ،102/4‬برقم‬
‫‪(( :344‬ضعيف جداً))‪ ،‬وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على منتقى األخبار للمجد ابن‬
‫تيمية‪ ،‬الحديث رقم ‪(( :1332‬ضعيف لكن قد ذكر جمع من أهل العلم تعجيل صالة األضحى‬
‫وتأخير صالة الفطر))‪.‬‬
‫(‪ )3‬ثم ذكر مرسل الشافعي المذكور آنفاً‪.‬‬
‫(‪ )4‬المغني البن قدامة‪. 237/4 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الشمس‪،‬يُكبر من بيته إلى المصلى)) ‪،‬قال العالمة ابن عثيمين رحمه اهلل‬
‫ّ‬
‫في الحكمة من تعجيل األضحى وتأخير الفطر‪((:‬أما النظر؛ فألن الناس‬
‫في صالة عيد الفطر محتاجون إلى امتداد الوقت‪،‬ليتسع وقت إخراج‬
‫زكاة الفطر؛ ألن أفضل وقت تخرج فيه زكاة الفطر صباح يوم العيد قبل‬
‫ؤدى قبل خروج الناس إلى‬ ‫لحديث ابن عمر‪((:‬أمر أن ُت َّ‬ ‫الصالة؛‬
‫الصالة))(‪،)2‬ومعلوم أنه إذا امتدت الصالة وتأخرت صار هذا أوسع‬
‫للناس‪.‬وأما عيد األضحى فإن المشروع المبادرة بالتضحية؛ألن التضحية‬
‫من شعائر اإلسالم وقد قرنها اهلل ‪ ‬في كتابه بالصالة فقال‪َ :‬ف َص ّل ِلربّ َك‬
‫َِِ‬
‫هلل َر ّب‬‫اي َو َم َم ِاتي َّ‬‫ي‬‫ح‬ ‫م‬‫و‬
‫ََ َْ َ‬ ‫ي‬‫ك‬‫وا ْنحر‪،)3(‬وقال تعالى‪ُ :‬ق ْل ِإ َّن صالَ ِتي ونُس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬
‫ين‪، ‬ففعلها مبادراً بها في هذا اليوم أفضل‪،‬وهذا إنما يحصل إذا‬ ‫(‪)4‬‬
‫َ‬ ‫ا ْل َعا َل ِم‬
‫قدمت الصالة‪،‬؛ألنه ال يمكن أن يذبح األضحية قبل الصالة))(‪.)5‬‬
‫سابعاً‪ :‬صفة صالة العيد‪ :‬السنة أن يصلي اإلمام إلى سترة؛‬
‫لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ :‬أن رسول اهلل ‪ ‬كان إذا خرج يوم العيد أمر‬
‫بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه‪ ،‬وكان يفعل ذلك‬
‫في السفر‪ ،‬فمن ثم اتخذها األمراء))‪ .‬وفي رواية‪(( :‬أن النبي ‪ ‬كان ُتركز‬
‫له الحربة ُق َّدامه يوم الفطر‪ ،‬والنحر‪ ،‬ثم يصلي))‪ .‬وفي رواية‪((:‬كان النبي‬
‫بالم َص َّلى بين‬
‫المصلى‪ ،‬والعنزة بين يديه تُحمل‪ ،‬وتُنصب ُ‬ ‫‪ ‬يغدو إلى‬
‫(‪)6‬‬
‫يديه‪ ،‬فيصلي إليها)) ‪ .‬وال خالف بين أهل العلم في أن صالة العيد مع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪. 332/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب الصدقة قبل العيد‪ ،‬برقم ‪ ،1201‬ومسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪،‬‬
‫باب األمر بإخراج زكاة الفطر‪ ،‬برقم ‪. 183‬‬
‫(‪ )3‬سورة الكوثر‪ ،‬اآلية‪. 2 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪. 132 :‬‬
‫(‪ )5‬الشرح الممتع‪. 121-128/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب سترة اإلمام ستر من خلفه برقم ‪ ،313‬وكتاب العيدين‪ ،‬باب الصالة إلى‬
‫حربة يوم العيد‪ ،‬برقم ‪ ،172‬وباب حمل العنزة أو الحربة بين يدي اإلمام يوم العيد‪ ،‬برقم ‪.174‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫اإلمام ركعتان‪ ،‬وفيما تواتر عن النبي ‪ ‬أنه صلى العيد ركعتين وفعله‬
‫األئمة بعده إلى عصرنا‪ ،‬ولم يُعلم أن أحداً فعل غير ذلك‪،‬وال خالف‬
‫فيه(‪،)1‬وقد قال عمر بن الخطاب ‪(( :‬صالة الجمعة ركعتان‪ ،‬وصالة‬
‫الفطر ركعتان‪،‬وصالة األضحى ركعتان‪ ،‬وصالة السفر ركعتان تمام غير‬
‫قصر على لسان نبيكم محمد ‪ ،)2())‬ويصلي الصالة قبل الخطبة(‪،)3‬‬
‫يكبر في الركعة األولى تكبيرة اإلحرام ثم يقرأ دعاء االستفتاح‪ ،‬ثم يكبر‬
‫ست تكبيرات‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر؛‪،‬‬
‫لحديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص قال‪ :‬قال النبي ‪(( :‬التكبيرة في‬
‫الفطر‪ :‬سبع في األولى‪ ،‬وخمس في اآلخرة‪ ،‬والقراءة بعدهما‬
‫كلتيهما))(‪)4‬؛ ولحديث عائشة رضي اهلل عنها((أن رسول اهلل ‪ ‬كان يكبر في‬
‫الفطر واألضحى في األولى سبع تكبيرات‪ ،‬وفي الثانية خمس ًا سوى‬
‫تكبيرتي الركوع))(‪ .)5‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن‬
‫باز رحمه اهلل يقول‪(( :‬هذه السبع التكبيرات مع تكبيرة اإلحرام‪ ،‬وفي‬
‫الركعة الثانية يأتي بخمس غير تكبيرة النقل))(‪.)6‬‬
‫ح ْاسم َربّ َك‬
‫ثم يستعيذ ويقرأ الفاتحة وسورة ((ق)) أو سورة (( َس ّب ِ‬
‫َ‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني البن قدامة‪،232/4 ،‬وانظر‪:‬الشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪.441/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪ ،‬برقم ‪ ،1311‬وابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1034‬وأحمد ‪ ،47/1‬وصححه األلباني‪ ،‬وتقدم‬
‫تخريجه في صفة صالة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪،‬برقم ‪،123‬ومسلم‪،‬برقم ‪،881‬وتقدم تخريجه في أن السنة صالة العيد في المصلى‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب التكبير في العيدين‪ ،‬برقم ‪ ،1121‬والترمذي‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما‬
‫جاء في التكبير في العيدين‪ ،‬برقم ‪ ،243‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصالة‪ ،‬باب ما جاء في تكبير‬
‫اإلمام في صالة العيدين‪ ،‬برقم ‪ ، 1271‬وحسنه األلباني في صحيح أبي داود‪ ،412/1 ،‬وغيره‪،‬‬
‫وقال الترمذي في العلل‪ :‬سألت البخاري عنه فقال‪(( :‬هو صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب التكبير في العيدين‪ ،‬برقم ‪ ،1120 ،1131‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة‬
‫الصالة‪ ،‬باب ما جاء في كم يكبر اإلمام في صالة العيدين؟ برقم ‪،1280‬وأحمد‪،70/3 ،‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ 412/1،‬وغيره‪.‬‬
‫(‪ )6‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪.211‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫األعلى))‪ ،‬ثم يكمل الركعة ثم يقوم من الركعة األولى مكبر ًا‪ ،‬ثم يكبر‬
‫خمساً بعد أن يستتم قائماً‪ ،‬وقد ثبت عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪(( :‬أنه كان‬
‫يكبر في العيد في األولى سبع تكبيرات بتكبيرة االفتتاح وفي اآلخرة‬
‫ستاً بتكبيرة الركعة كلهن قبل القراءة))(‪ .)1‬ثم يقرأ الفاتحة وسورة اقتربت‬
‫أو سورة الغاشية(‪)2‬؛ لحديث أبي واقد الليثي ‪ ‬أن عمر بن الخطاب‬
‫‪ ‬سأله‪ :‬ما كان يقرأ به رسول اهلل ‪ ‬في األضحى والفطر‪ ،‬فقال‪((:‬يقرأ‬
‫انش َّق القمر‪)3(‬؛‬‫اع ُة َو َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َ‬
‫فيهما بـ‪‬ق َوا ْل ُق ْرآن الـْ َمجيد‪ ‬و‪‬ا ْق َت َر َبت َّ‬
‫ولحديث النعمان بن بشير ‪ ‬قال‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يقرأ في العيدين‬
‫يث الغاشية‪،‬‬ ‫اك َح ِد ُ‬ ‫ح ْاس َم َربّ َك األعلى‪،‬و‪َ ‬ه ْل أَ َت َ‬ ‫وفي الجمعة بـ‪َ ‬س ّب ِ‬
‫قال‪ :‬وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما في‬
‫الصالتين))(‪ .)4‬ويرفع يديه مع كل تكبيرة لعموم األحاديث(‪)5‬؛ ولفعل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن أبي شيبة‪،1/2/2 ،‬والفريابي‪ ،143/1،‬وصحح إسناده األلباني في إرواء الغليل‪.111/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬قال اإلمام ابن قدامة في المغني‪((:‬يدعو بدعاء االستفتاح عقيب التكبيرة األولى [اإلحرام] ثم يكبر‬
‫تكبيرات العيد‪،‬ثم يتعوذ ويقرأ‪،‬وهذا [المشهور من مذهب أحمد و] مذهب الشافعي‪،‬وعن أحمد رواية‬
‫أخرى‪،‬أن االستفتاح بعد التكبيرات‪،‬اختارها الخالل وصاحبه‪،‬وهو قول األوزاعي؛ألن االستفتاح تليه‬
‫االستعاذة‪،‬وهي قبل القراءة‪،‬وقال أبو يوسف‪:‬يتعوذ قبل التكبير؛لئال يفصل بين االستفتاح‬
‫واالستعاذة‪،‬ولنا أن االستفتاح شرع يستفتح به الصالة‪،‬فكان في أولها كسائر الصلوات‪،‬واالستعاذة‬
‫اس َت ِع ْذ بِاهلل‬ ‫شرعت للقراءة‪،‬فهي تابعة لها‪،‬فتكون عند االبتداء بها؛لقول اهلل تعالى‪َ  :‬ف ِإ َذا َق َرأْ َت ا ْل ُق ْر َ‬
‫آن َف ْ‬
‫يم‪[ ‬سورة النحل‪ .]18 :‬وقد روى أبو سعيد أن النبي ‪ ‬كان يتعوذ قبل القراءة [أبو‬ ‫الشي َط ِ‬
‫ان الر ِج ِ‬ ‫ِمن‬
‫َّ‬ ‫َ َّ ْ‬
‫داود‪،‬برقم ‪،]772‬وإنما جمع بينهما في سائر الصلوات؛ألن القراءة تلي االستفتاح من غير فاصل‪،‬فلزم‬
‫أن يليه ما يكون في أولها‪،‬بخالف مسألتنا‪،‬وأيا ما فعل كان جائزاً)) المغني‪-274/4 ،‬‬
‫‪ ،273‬وانظر الشرح الكبير البن قدامة المطبوع مع المقنع واإلنصاف‪. 432-431/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب ما يقرأ في صالة العيدين‪ ،‬برقم ‪. 811‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما يقرأ في صالة الجمعة‪ ،‬برقم ‪. 878‬‬
‫(‪ )5‬قال اإلمام ابن قدامة‪(( :‬وجملته أنه يستحب أن يرفع يديه في حال تكبيره حسب رفعهما مع تكبيرة‬
‫اإلحرام‪،‬وبه قال عطاء‪،‬واألوزاعي‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وقال مالك‪ ،‬والثوري‪:‬ال يرفعهما فيما عدا تكبيرة‬
‫اإلحرام؛ ألنها تكبيرات في أثناء الصالة فأشبهت تكبيرات السجود))‪[،‬ولكن قد روى الفريابي‪ 143/2،‬عن الوليد‬
‫بن مسلم قال‪ :‬سألت مالك بن أنس عن ذلك ‪ -‬يعني الرفع في التكبيرات الزوائد ‪ -‬فقال‪ :‬نعم ارفع يديك مع كل‬
‫تكبيرة‪ ،‬ولم أسمع فيه شيئاً] قال ابن قدامة‪(( :‬ولنا ما روي أن النبي ‪ ‬كان يرفع يديه مع التكبير [يعني حديث‬
‫يرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع‪ ،‬حتى تنقضي صالته‪ ،‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،722‬وصححه األلباني في‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫عمر ‪ ،)1(‬ويقول بين التكبيرات ما ثبت عن ابن مسعود ‪ ‬بحضرة‬
‫حذيفة وأبي موسى‪ ،‬أن الوليد بن عقبة قال‪ :‬إن العيد قد حضر فكيف‬
‫أصنع؟ فقال ابن مسعود‪ :‬تقول‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬وتحمد اهلل‪ ،‬وتثني عليه‪،‬‬
‫وتصلي على النبي ‪ ،‬وتدعو اهلل‪ ،‬ثم تكبر‪ ،‬وتحمد اهلل وتثني عليه‪،‬‬
‫وتصلي على النبي ‪ ،‬ثم تكبر‪ ،‬وتحمد اهلل‪ ،‬وتثني عليه وتصلي على‬
‫النبي ‪ ،‬وتدعو اهلل‪ ،‬ثم تكبر‪ ،‬وتحمد اهلل‪ ،‬وتثني عليه‪ ،‬وتصلي على‬
‫النبي ‪ ‬وتدعو اهلل ثم تكبر‪ ،‬فقال حذيفة وأبو موسى‪ :‬أصاب))(‪.)2‬‬
‫وقال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى‪(( :‬وكان [‪ ]‬يبدأ بالصالة قبل‬
‫الخطبة‪ ،‬فيصلي ركعتين‪ ،‬يكبر في األولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة‬
‫االفتتاح(‪ )3‬يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة‪ ،‬ولم يحفظ عنه ذكر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫صحيح أبي داود‪ ،201/1 ،‬وهو في استفتاح الصالة] قال أحمد‪ :‬أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله‪،‬‬
‫وروي عن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة‪ :‬في الجنازة‪،‬وفي العيد‪.‬رواه األثرم‪،‬وال يعرف له مخالف في‬
‫الصحابة‪،‬وال يشبه هذا تكبير السجود؛ألن هذه يقع طرفاها في حال القيام‪،‬فهي بمنزلة تكبيرة االفتتاح))‪[.‬المغني‪،‬‬
‫ضعف األلباني حديث عمر في إرواء الغليل‪،112/4 ،‬وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز يقول‬ ‫‪]274-272/4‬؛ لكن ّ‬
‫أثناء تقريره على منتقى األخبار للمجد ابن تيمية‪ ،‬الحديث رقم ‪((.1374‬وال بأس أن يكبر بين التكبيرات‪ :‬اهلل أكبر‬
‫كبيراً‪ ،‬والحمد هلل كثيراً‪ ،‬وسبحان اهلل بكرة وأصيالً‪ ،‬والسنة رفع اليدين في جميع التكبيرات كما فعل عمر ‪،‬‬
‫وغيره))‪.‬‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ 214/4 ،‬وضعفه األلباني في اإلرواء‪ ،‬برقم ‪ ،330‬ولكن قال‪(( :‬وفي التلخيص (‪،)132‬‬
‫(( واحتج ابن المنذر والبيهقي بحديث روياه من طريق بقية عن الزبيدي‪ ،‬عن الزهري عن سالم عن‬
‫أبيه في الرفع عند اإلحرام والركوع والرفع منه‪ ،‬وفي آخره‪(( :‬ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل‬
‫الركوع)) وصححه األلباني كما تقدم‪ .‬إرواء الغليل‪ ،112/4 ،‬واستدلوا بعموم حديث وائل أن‬
‫النبي ‪ ‬كان يرفع يديه مع التكبير‪ .‬أحمد‪ ،413/3 ،‬وحسنه األلباني في إرواء الغليل‪. 114/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬الطبراني في الكبير‪،404/1،‬برقم ‪،1212‬ورقم ‪،1224‬وصححه األلباني في إرواء الغليل‪. 112/4،‬‬
‫(‪ )3‬قال اإلمام ابن قدامة ((قال أبو عبد اهلل‪ :‬يكبر في األولى سبعاً مع تكبيرة اإلحرام‪ ،‬وال يعتد بتكبيرة‬
‫الركوع؛ ألن بينهما قراءة‪ ،‬ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات‪ ،‬وال يعتد بتكبيرة النهوض‪ ،‬ثم‬
‫يقرأ في الثانية‪ ،‬ثم يكبر ويركع‪ ،‬وروي ذلك عن فقهاء المدينة السبعة‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز‪،‬‬
‫والزهري‪ ،‬ومالك‪ ،‬والمزني‪ ،‬وروي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وابن عمر‪،‬‬
‫ويحيى األنصاري‪ ،‬قالوا‪ :‬يكبر في األولى سبعاً وفي الثانية خمساً‪ ،‬وبه قال األوزاعي‪ ،‬والشافعي‪،‬‬
‫إال أنهم قالوا‪ :‬يكبر سبعاً في األولى سوى تكبيرة االفتتاح‪ ،‬وروي عن ابن عباس‪ ،‬وأنس‪،‬‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫معين بين التكبيرات‪ ،‬ولكن ُذكر عن ابن مسعود أنه قال‪:‬يحمد اهلل‪،‬‬
‫ويثني عليه ويصلي على النبي ‪،‬ذكره الخالل‪،‬وكان ابن عمر مع تحريه‬
‫لالتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة…))(‪.)1‬‬
‫ثامناً‪ :‬خطبة صالة العيد بعد الصالة‪ :‬فإذا سلم اإلمام قام فاستقبل‬
‫الناس وخطبهم(‪ )2‬بما يناسب الحال‪ ،‬فإن كان في عيد الفطر‪ :‬أمرهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫والمغيرة بن شعبة‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ ،‬والنخعي‪ ،‬يكبر سبعاً سبعاً‪ ،‬وقال أبو حنيفة والثوري في‬
‫األولى والثانية‪ :‬ثالث ًا ثالثاً‪ ،‬ولنا أحاديث كثيرة‪ ،‬وعبد اهلل بن عمر‪ ،‬وعائشة التي قدمناها‪ ،‬قال ابن‬
‫كبر في العيد سبع ًا في األولى‪ ،‬وخمساً‬
‫َّ‬
‫عبد البر‪ :‬قد روي عن النبي ‪ ‬من طرق كثيرة حسان أنه‬
‫في الثانية‪ ،‬من حديث عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وجابر‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وأبي واقد‪ ،‬وعمرو بن عوف‬
‫المزني‪ ،‬ولم يرو عنه من وجه قوي وال ضعيف خالف هذا‪ ،‬وهو أولى ما عمل به‪ ))...‬المغني‪،‬‬
‫‪ ، 272-271/4‬وانظر‪ :‬الشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪. 432/2 ،‬‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد‪. 334/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬األحاديث الصحيحة لم تصرح بخطبتي العيد والذي اعتمد عليه الفقهاء رحمهم اهلل هو ما جاء‬
‫عن عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة أحد الفقهاء السبعة زمن التابعين أنه قال‪(( :‬السنة أن يخطب اإلمام‬
‫في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس)) [أخرجه الشافعي في مسنده‪ ،128/1 ،‬واألم‪،211/1 ،‬‬
‫وهو بهامش األم‪ ،‬ص‪ ،]110‬قال الشوكاني في هذا الحديث‪(( :‬يرجحه القياس على الجمعة‪،‬‬
‫وعبيد اهلل بن عبد اهلل تابعي كما عرفت فال يكون قوله‪(( :‬من السنة)) دليالً على أنها سنة النبي ‪‬‬
‫كما تقرر في األصول))‪ .‬نيل األوطار‪ ،303/2 ،‬وقد ورد في حديث جابر ‪ ‬قال‪ :‬خرج رسول اهلل‬
‫‪ ‬يوم فطر أو أضحى فخطب قائماً‪ ،‬ثم قعد قعدة ثم قام)) [ابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1281‬قال‬
‫الشوكاني‪(( :‬في إسناده إسماعيل بن مسلم‪ ،‬وهو ضعيف)) [نيل األوطار‪ ،303/2 ،‬وقال العالمة‬
‫األلباني‪(( :‬منكر سند ًا ومتناً‪ :‬والمحفوظ أن ذلك في خطبة الجمعة ومن حديث جابر بن سمرة كما‬
‫في (م)‪ .‬ضعيف ابن ماجه‪ ،‬ص‪ ،12‬والتعليق على ابن خزيمة‪ ،]431/2 ،‬وسمعت شيخنا اإلمام‬
‫عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز أثناء تقريره على حديث عبيد اهلل بن عبد اهلل في منتقى األخبار‪،‬‬
‫برقم ‪ ،1382‬يقول‪(( :‬هذا الحديث مرسل ولكن تقاس خطبة العيد على الجمعة مع هذا الحديث‬
‫المرسل‪ ،‬وعلى هذا العلماء واألخيار‪ ،‬ومن خطب خطبة واحدة للعيد‪ ،‬فيذكر باتباع العلماء‬
‫واألخيار‪ ،‬وأنهم لم يخطبوا خطبة واحدة وإنما خطبوا خطبتين))‪.‬‬
‫وقال العالمة محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل في الشرح الممتع على زاد المستقنع‪-111/2 ،‬‬
‫‪ :112‬قوله‪(( :‬فإذا سلم خطب خطبتين)) ((هذا ما مشى عليه الفقهاء رحمهم اهلل أن خطبة العيد‬
‫اثنتان؛ ألنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر‪ ...‬ومن نظر في السنة المتفق‬
‫عليها‪ ،‬تبين له بأن النبي ‪ ‬لم يخطب إال خطبة واحدة؛ لكنه بعد أن أنهى الخطبة األولى توجه‬
‫إلى النساء ووعظهن فإن جعلنا هذا أصالً في مشروعية الخطبتين فمحتمل مع أنه ال يصح؛ ألنه‬
‫إنما نزل إلى النساء وخطبهن لعدم وصول الخطبة إليهن‪ ،‬وهذا احتمال‪ ،‬ويحتمل أن يكون الكالم‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬
‫‪550‬‬
‫بصدقة الفطر‪ ،‬وبين لهم وجوبها‪ ،‬وثوابها‪ ،‬وقدر المخرج‪ ،‬وجنسه‪،‬‬
‫َّ‬
‫وعلى من تجب‪ ،‬وإلى من تدفع‪ ،‬وأن من أخرجها قبل الصالة فهي زكاة‬
‫ُمتقبلة‪ ،‬ومن أخرجها بعد الصالة فهي صدقة من الصدقات‪ .‬ويأمر‬
‫ّ‬
‫بالتقوى‪ ،‬ويعظ‪ ،‬ويوصي بطاعة اهلل‪ .‬وإن كان في عيد األضحى ذكر‬
‫األضحية‪ ،‬وفضلها‪ ،‬وأنها سنة مؤكدة جد ًا‪ ،‬وبين ما يجزئ فيها‪ ،‬ووقتها‪،‬‬
‫وذبحها‪ ،‬والعيوب التي تمنع منها‪ ،‬وكيفية تفرقتها‪ ،‬وما يقول المسلم‬
‫عند ذبحها‪ ،‬ويأمر بالتقوى‪ ،‬ويوصي بطاعة اهلل تعالى ويذكر الناس‪،‬‬
‫ويأمر بالصدقة لفعل النبي ‪.)1(‬‬
‫فقد ثبت في الحديث الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري ‪‬‬
‫قال‪(( :‬كان النبي ‪ ‬يخرج يوم الفطر واألضحى إلى المصلى‪ ،‬فأول‬
‫شيء يبدأ به الصالة‪ ،‬ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس‬
‫على صفوفهم‪ ،‬فيعظهم‪ ،‬ويوصيهم‪ ،‬ويأمرهم‪ ،‬فإن كان يريد أن يقطع‬
‫بعثاً قطعه‪ ،‬أو يأمر بشيء أمر به‪ ،‬ثم ينصرف))‪ .‬وفي لفظ مسلم‪ :‬وكان‬
‫يقول‪(( :‬تصدقوا‪ ،‬تصدقوا‪ ،‬تصدقوا))‪ .‬وكان أكثر من يتصدق النساء‪ ،‬ثم‬
‫ينصرف(‪.)2‬‬
‫وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬شهدت مع رسول اهلل ‪‬‬
‫الصالة يوم العيد فبدأ بالصالة قبل الخطبة بغير أذان وال إقامة‪ ،‬ثم قام‬
‫متوكئ ًا على بالل‪ ،‬فأمر بتقوى اهلل‪ ،‬وحث على طاعته‪ ،‬ووعظ الناس‪،‬‬
‫وذكرهم‪ ،‬ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن‪ ،‬وذكرهن‪ ،‬فقال‪(( :‬تصدقن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫وصلهن‪ ،‬ولكن أراد أن يخصهن بخصيصة؛ ولهذا ذكرهن‪ ،‬ووعظهن‪ ،‬بأشياء خاصة بهن))‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،278/4 ،‬واإلعالم بفوائد عمدة األحكام البن الملقن‪ ،222/3 ،‬وزاد المعاد‪،‬‬
‫‪،332/1‬والمقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف‪. 424-421/2،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب الخروج إلى المصلى بغير منبر‪ ،‬برقم ‪ ،123‬ومسلم‪،‬‬
‫كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب كتاب صالة العيدين‪ ،‬برقم ‪. 881‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪556‬‬
‫أكثركن حطب جهنم)) فقامت امرأة من ِسطة النساء سفعاء‬
‫(‪)1‬‬
‫ّ‬ ‫فإن‬
‫(‪)3‬‬
‫الشكاة‬
‫كثرن ّ‬ ‫ِ‬
‫فقالت‪:‬لم يا رسول اهلل؟ قال‪(( :‬ألنكن تُ ِ‬ ‫(‪)2‬‬
‫الخدين‬
‫(‪َ )4‬‬
‫وتكفرن العشير)) قال‪ :‬فجعلهن يتصدقن من حليهن‪ ،‬ويلقين في ثوب‬
‫ْ‬
‫بالل من أقرطهن(‪ )5‬وخواتيمهن))(‪ .)6‬ولفظ البخاري‪(( :‬قام النبي ‪ ‬يوم‬
‫الفطر فصلى فبدأ بالصالة‪ ،‬ثم خطب‪ ،‬فلما فرغ نزل فأتى النساء‪،‬‬
‫فذكرهن وهو يتوكأ على يد بالل‪ ،‬وبالل باسط ثوبه يلقي فيه النساء‬
‫الصدقة))(‪.)7‬‬
‫وعن طارق بن شهاب قال‪ :‬أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل‬
‫الصالة‪ :‬مروان‪ ،‬فقام إليه رجل فقال‪ :‬الصالة قبل الخطبة؟ فقال‪ :‬قد ترك‬
‫ما هنالك‪ ،‬فقال أبو سعيد‪ :‬أما هذا فقد قضى ما عليه‪ ،‬سمعت رسول اهلل‬
‫‪ ‬يقول‪(( :‬من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن‬
‫لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإليمان))(‪.)8‬‬
‫والخطبة بعد الصالة؛ لفعل النبي ‪‬؛ لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سطة النساء ‪ :‬من خيار النساء‪ ،‬وفي بعض نسخ مسلم‪ :‬وسطة النساء‪ :‬والوسط العدل والخيار‪.‬‬
‫شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،322/3 ،‬ورجح أن المعنى‪ :‬امرأة من وسط النساء جالسة في‬
‫وسطهن‪ .‬شرح النووي‪. 323/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬سفعاء الخدين‪ :‬فيها تغير وسواد‪ .‬شرح النووي‪. 323/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬الشكاة‪ :‬الشكوى‪ .‬شرح النووي‪. 323/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬العشير‪ :‬المخالط‪ ،‬وحمله األكثرون على الزوج‪ ،‬والمعنى أنهن يجحدن اإلحسان لضعف عقولهن‪ ،‬وقلة‬
‫معرفتهن‪ ،‬فيستدل به على ذم من يجحد إحسان ذي اإلحسان‪ .‬شرح النووي‪. 323/3 ،‬‬
‫(‪ )5‬من أقرطهن ‪ :‬جمع قرط‪ ،‬وهو كل ما علق من شحمة األذن فهو قرط سواء كان من ذهب أو خرز‪،‬‬
‫وأما الخرص فهو الحلقة الصغيرة من الحلي‪ .‬شرح النووي على صحيح مسلم‪. 323/3 ،‬‬
‫(‪ )6‬خواتيمهن‪ :‬جمع خاتم وفيه ست لغات‪ ،‬والفتخ ‪ :‬الخواتيم العظام‪ ،‬وقيل‪ :‬هي خواتيم ال فصوص‬
‫لها‪ ،‬اإلعالم بفوائد عمدة األحكام البن الملقن‪. 432/3 ،‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب موعظة اإلمام النساء يوم العيد‪ ،‬برقم ‪ ،178‬ومسلم‪،‬‬
‫كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب صالة العيدين‪ ،‬برقم ‪.)882(-3‬‬
‫(‪ )8‬مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب كون النهي عن المنكر من اإليمان‪ ،‬برقم ‪. 31‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫((شهدت(‪ )1‬العيد مع رسول اهلل ‪ ،‬وأبي بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان ‪ ،‬فكلهم‬
‫كانوا يصلون قبل الخطبة))(‪.)2‬‬
‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬وأبو بكر وعمر‬
‫رضي اهلل‬
‫عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة))(‪ .)3‬قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪:‬‬
‫((وجملته أن خطبتي العيدين بعد الصالة‪ ،‬ال نعلم فيه خالف ًا بين‬
‫المسلمين‪ ،‬إال عن بني أمية… وال يعتد بخالف بني أمية؛ ألنه مسبوق‬
‫باإلجماع الذي كان قبلهم‪ ،‬ومخالف لسنة رسول اهلل ‪ ‬الصحيحة‪ ،‬وقد‬
‫وع َّد بدعة‪ ،‬ومخالفاً للسنة))(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫أ ُنك َر عليهم فعلهم‪ُ ،‬‬
‫وخطبة العيد تبدأ بالحمد(‪ )5‬قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل‪((:‬وكان ‪ ‬يفتتح‬
‫خطبه كلها بالحمد هلل‪،‬ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي‬
‫العيدين بالتكبير ‪ .)6())...‬وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪(( :‬لم ينقل أحد‬
‫عن النبي ‪ ‬أنه افتتح خطبة بغير الحمد(‪ :)7‬ال خطبة عيد‪ ،‬وال خطبة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شهدت‪ :‬حضرت‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب الخطبة بعد العيد‪ ،‬برقم ‪ ،132‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة‬
‫العيدين‪ ،‬باب كتاب صالة العيدين‪ ،‬برقم ‪. 883‬‬
‫(‪ )3‬م تفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب الخطبة بعد العيد‪ ،‬برقم ‪ ،134‬ومسلم‪ ،‬كتاب صالة‬
‫العيدين‪ ،‬باب كتاب صالة العيدين‪ ،‬برقم ‪. 888‬‬
‫(‪ )4‬المغني‪. 273/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬وقيل يبدأ بالتكبير؛لحديث عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة قال‪(( :‬السنة التكبير على المنبر يوم العيد‪،‬يبتدئ خطبته‬
‫األولى بتسع تكبيرات قبل أن يخطب‪،‬ويبدأ اآلخرة بسبع))[أخرجه عبد الرزاق‪،‬برقم‪،2373-2372‬وابن أبي‬
‫شيبة‪ ،110/2،‬والبيهقي‪ ،211/4 ،‬وعبيد اهلل من التابعين‪.‬وعن عمار بن سعد مؤذن رسول اهلل ‪ ‬قال‪ :‬كان‬
‫النبي ‪ ‬يكبر بين أضعاف الخطبة‪ ،‬يكثر التكبير في خطبة العيدين)) [ابن ماجه‪ ،‬برقم ‪ ،1287‬والحاكم‪،‬‬
‫ّ‬
‫‪ ،307/4‬والبيهقي‪ ،211/4 ،‬وضعفه األلباني في إرواء الغليل‪ ،120/4 ،‬لضعف عبد الرحمن بن سعد‪،‬‬
‫وأبوه وجده ال يعرف حالهم‪ .‬وانظر‪ :‬ضعيف ابن ماجه‪ ،‬ص‪. 12‬‬
‫(‪ )6‬زاد المعاد‪. 337/1 ،‬‬
‫(‪ )7‬قال ابن القيم‪(( :‬وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين‪ ،‬واالستسقاء‪ ،‬فقيل‪ :‬يفتتحان بالتكبير‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬تفتتح خطبة االستسقاء باالستغفار‪،‬وقيل‪:‬يفتتحان بالحمد‪،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:‬وهو‬
‫الصواب؛ألن النبي ‪ ‬قال‪((:‬كل أمر ذي بال ال يبدأ فيه بحمد اهلل فهو أجذم))‪[.‬أحمد‪ ،‬برقم ‪،8317‬وأبو‬
‫داود‪،‬برقم ‪ ،3830‬وابن ماجه‪،‬برقم ‪ ،1813‬وضعفه األلباني في ضعيف أبي داود‪،‬ص‪،413‬برقم‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫استسقاء‪ ،‬وال غير ذلك‬
‫ودلت السنة أن النبي ‪ ‬كان يخطب يوم العيد على مكان مرتفع؛‬
‫لحديث جابر ‪ ‬وفيه‪(( :‬قام النبي ‪ ‬يوم الفطر‪ ،‬فصلى‪ ،‬فبدأ بالصالة‪،‬‬
‫ثم خطب‪ ،‬فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن…))(‪ .)2‬قال اإلمام ابن‬
‫القيم رحمه اهلل‪(( :‬وال ريب أن المنبر لم يكن يخرج من المسجد‪ ،‬وأول‬
‫من أخرجه مروان بن الحكم‪،‬فأُنكر عليه‪ ،‬وأما منبر اللبن والطين فأول‬
‫من بناه كثير بن الصلت في إمارة مروان على المدينة‪ ،‬فلعله ‪ ‬كان‬
‫يقوم في المصلى إلى مكان مرتفع‪ ،‬أو دكان‪ ،‬وهي التي تسمى مصطبة‪،‬‬
‫ثم ينحدر منه إلى النساء فيقف عليهن‪ ،‬فيخطبهن‪ ،‬فيعظهن‪ ،‬ويذكرهن‪،‬‬
‫واهلل أعلم(‪ .)3‬وعن أبي كامل األحمسي ‪ ‬قال‪(( :‬رأيت النبي ‪ ‬يخطب‬
‫على ناقة‪ ،‬وحبشي آخذ بخطام الناقة))(‪.)4‬‬
‫ٌّ‬
‫(‪)5‬‬
‫ورخص النبي ‪ ‬لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة‪ ،‬وأن يذهب ؛‬ ‫ّ‬
‫لحديث عبد اهلل بن السائب ‪ ‬قال‪(( :‬شهدت مع رسول اهلل ‪ ‬العيد‬
‫فلما قضى الصالة قال‪(( :‬إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة‬
‫فليجلس‪ ،‬ومن أحب أن يذهب فليذهب))(‪ .)6‬قال اإلمام ابن قدامة رحمه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫‪،]3830‬وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد))‪ .‬زاد المعاد‪. 338/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪. 414/22 ،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬البخاري برقم ‪ ،178‬ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،882‬وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )3‬زاد المعاد‪. 337/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬النسائي‪ ،‬كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب الخطبة على البعير‪ ،‬برقم ‪ ،1272‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة‬
‫الصلوات‪ ،‬باب ما جاء في الخطبة في العيدين‪ ،‬برقم ‪ ،1283‬وحسنه األلباني في صحيح النسائي‪،‬‬
‫برقم ‪. 1272‬‬
‫(‪ )5‬زاد المعاد‪. 338/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪،‬كتاب الصالة‪،‬باب الجلوس للخطبة‪،‬برقم ‪،1122‬والنسائي‪،‬كتاب صالة العيدين‪ ،‬باب‬
‫التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين‪ ،‬برقم ‪ ،1270‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصلوات‪ ،‬باب ما‬
‫جاء في انتظار الخطبة بعد الصالة‪ ،‬برقم ‪ ،1210‬وصححه األلباني في صحيح النسائي‪،‬‬
‫‪،210/1‬وفي المواضع السابقة كلها وغيرها‪.‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫اهلل‪(( :‬والخطبة سنة ال يجب حضورها‪ ،‬وال استماعها‪ ،‬وإنما أ ُ ّخرت عن‬
‫الصالة واهلل أعلم؛ ألنها لما كانت غير واجبة جعلت في وقت يتمكن‬
‫من أراد تركها ِم ْن َتر ِك َها‪ ،‬بخالف خطبة الجمعة‪ ،‬واالستماع لها‬
‫ْ‬
‫أفضل))(‪ ،)1‬وثبت أن النبي ‪ ‬خطب يوم األضحى بمنى في حجة الوداع‬
‫على ناقته العضباء(‪ ،)2‬وخطب ‪ ‬بين أوسط أيام التشريق بمنى(‪ ،)3‬وعن‬
‫أبي أمامة ‪ ‬قال‪ :‬سمعت خطبة رسول اهلل ‪ ‬بمنى يوم النحر(‪.)4‬‬
‫وعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي ‪ ‬قال‪ :‬خطبنا رسول اهلل ‪ ‬ونحن‬
‫بمنى ف ُفتحت أسماعنا‪ ،‬حتى ُك َّنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا‪،‬فطفق‬
‫يعلمهم مناسكهم…))(‪.)5‬‬
‫فظهر في هذه األحاديث أن النبي ‪ ‬خطب في منى في حجة الوداع‪:‬‬
‫يوم النحر‪،‬ثم خطب أوسط أيام التشريق‪ ،‬ومن أعظم خطبه ما ثبت من‬
‫حديث أبي بكر ‪ ‬قال‪ :‬خطبنا رسول اهلل ‪ ‬يوم النحر [قعد على بعيره‬
‫وأمسك إنسان بخطامه‪،‬أو بزمامه‪ ،‬ثم قال] ((أتدرون أي يوم هذا))؟ قلنا‪:‬‬
‫اهلل ورسوله أعلم‪،‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه‪ ،‬فقال‪((:‬أليس‬
‫أي شهر هذا))؟ قلنا‪:‬اهلل ورسوله أعلم‪،‬‬ ‫يوم النحر))؟ قلنا‪ :‬بلى‪،‬قال‪ّ (( :‬‬
‫َ‬
‫فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه‪،‬فقال‪(( :‬أليس بذي الحجة))؟‬
‫أي بلد هذا))؟ قلنا‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬فسكت حتى ظننا‬ ‫قلنا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ّ (( :‬‬
‫أنه سيسميه بغير اسمه‪،‬قال‪((:‬أليست بالبلدة الحرام))؟ قلنا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪((:‬فإن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،271/4 ،‬وانظر‪ :‬المقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف‪. 428-421/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب من قال خطب يوم النحر‪ ،‬برقم ‪ ،1123‬وحسنه األلباني في‬
‫صحيح أبي داود‪ ،231/1،‬وأخرجه أحمد أيضاً‪. 382/4،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب أي يوم خطب بمنى‪ ،‬برقم ‪ ،122‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫سنن أبي داود‪. 238/1،‬‬
‫(‪ )4‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب من قال خطب يوم النحر‪ ،‬برقم ‪ ،1122‬وصححه األلباني‬
‫في صحيح أبي داود‪. 231/1،‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب ما يذكر اإلمام بخطبته في منى‪ ،‬برقم ‪ ،1127‬وصححه األلباني‬
‫في صحيح أبي داود‪. 231/1،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫دماءكم‪ ،‬وأموالكم‪،‬وأعراضكم‪ ،‬وأبشاركم‪ ،‬عليكم حرام‪:‬كحرمة يومكم‬
‫هذا‪،‬في شهركم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا‪،‬إلى يوم تلقون ربكم‪،‬أال هل‬
‫الغائب‪،‬فر َّب مب َّلغ‬ ‫الشاهد‬
‫ُ‬ ‫ب ّلغت))؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪((:‬اللهم اشهد‪ ،‬فليب ّلغ‬
‫َ ُ‬
‫أوعى من سامع‪،‬فال ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب‬
‫بعض))‪.‬وفي لفظ‪((:‬وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم))(‪.)1‬‬
‫تاسعاً‪ :‬التكبير أيام العيد نوعان على النحو اآلتي‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬التكبير المطلق‪،‬وهو الذي ال يتقيد بأدبار الصلوات‪ ،‬بل‬
‫يشرع في كل وقت‪:‬وهو في عيد الفطر‪،‬وعيد األضحى‪،‬والذي ينبغي معرفته‬
‫عن التكبير المطلق في العيدين‪:‬وقته‪،‬وصفته‪،‬وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ - 5‬وقت التكبير المطلق في عيد الفطر‪،‬وعيد األضحى على النحو اآلتي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬يبتدئ التكبير المطلق في عيد الفطر من غروب الشمس آخر يوم‬
‫من رمضان‪ :‬إما بإكمال ثالثين يوم ًا‪ ،‬وإما برؤية هالل شوال‪ ،‬فإذا غربت‬
‫شمس آخر يوم من رمضان شرع التكبير المطلق‪ ،‬لقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ون‪ )2(‬ويستمر‬ ‫‪َ ‬و ِل ُت ْك ِم ُلو ْا ا ْل ِع َّد َة َو ِل ُت َك ّب ُرو ْا اهلل َع َلى َما َه َد ُ‬
‫اك ْم َو َل َع َّل ُك ْم َت ْش ُك ُر َ‬
‫في التكبير من غروب الشمس إلى أن يفرغ اإلمام من الخطبة(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫( ‪ )1‬البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب قول النبي ‪(( :‬رب مبلغ أوعى من سامع))‪ ،‬برقم ‪ ،37‬وكتاب الحج‪،‬باب‬
‫الخطبة أيام منى‪،‬برقم ‪،1731‬وكتاب الفتن‪،‬باب قول النبي ‪(( :‬ال ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم‬
‫رقاب بعض))‪،‬برقم ‪،7078‬وكتاب التوحيد‪،‬باب قول اهلل تعالى‪ :‬وجوه يوم ِئ ٍذ ن ِ‬
‫اضرة* ِإلى ربها ن ِ‬
‫اظرةٌ‪،‬‬
‫ُ ُ ٌ َ ْ َ َّ َ ٌ َ َ ّ َ َ َ‬
‫برقم ‪. 7337‬‬
‫( ‪ )2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪. 182 :‬‬
‫( ‪ )3‬فقد جاء عن النبي ‪ ‬أنه كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي صالته‪ ،‬فإذا‬
‫قضى الصالة قطع التكبير‪[ ،‬ابن أبي شيبة في المصنف‪ ،‬والمحامي في كتاب صالة العيدين‪ ،‬وتقدم‬
‫تخريجه في التكبير في الطريق إلى مصلى العيد]‪ .‬قال المرداوي في اإلنصاف لمعرفة الراجح من‬
‫الخالف‪(( :437-433/2 ،‬ويستحب التكبير في ليلتي العيدين‪ ،‬أما ليلة عيد الفطر فيسن التكبير فيها بال‬
‫نزاع أعلمه‪ ،‬ونص عليه‪ ،‬ويستحب أيضاً أن يكبر من الخروج إليها إلى فراغ الخطبة على الصحيح من‬
‫المذهب وعليه أكثر األصحاب‪،‬منهم القاضي وأصحابه‪،‬وهو من المفردات‪،‬وعنه إلى خروج اإلمام إلى‬
‫صالة العيد‪ ،‬وقيل إلى سالمه‪ ،‬وعنه إلى وصول المص ّلي إلى المص َّلى‪،‬وإن لم يخرج اإلمام))‪.‬قال العالمة‬
‫ابن عثيمين رحمه اهلل‪((:‬ويسن التكبير المطلق في عشر ذي الحجة‪،‬وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة إلى‬
‫آخر اليوم التاسع‪،‬وسميت عشراً وهي تسع من باب التغليب‪،‬فالمطلق في ليلتي العيدين من غروب‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫ب ‪ -‬يبتدئ التكبير المطلق في عيد األضحى من أول عشر ذي الحجة‬
‫إلى آخر يوم من أيام التشريق‪ :‬في جميع األوقات‪ ،‬في الليل‪ ،‬والنهار‪،‬‬
‫والطريق‪ ،‬واألسواق‪ ،‬والمساجد‪ ،‬والمنازل‪ ،‬وفي كل موضع يجوز فيه ذكر‬
‫اهلل تعالى؛ لقول اهلل تعالى‪ِ  :‬لي ْش َه ُدوا َم َن ِاف َع َل ُهم َو َي ْذ ُكروا ْاسم اهلل ِفي أَ َّي ٍام‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫هِيم ِة األنعام َف ُك ُلوا ِم ْن َها َوأَ ْط ِع ُموا ا ْلبائِ َس ا ْل َف ِقير‪،)1(‬‬
‫َ‬
‫مع ُلوم ٍ‬
‫ات َع َلى َما َر َز َق ُهم ّمن َب‬ ‫َّ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ودات‪ ، ‬قال ابن عباس رضي اهلل‬
‫ٍ (‪)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫وقول اهلل ‪َ :‬وا ْذ ُك ُرو ْا اهلل في أ َّيام َّم ْع ُد َ‬
‫ات‪ :‬أيام العشر‪،‬واأليام المعدودات‪:‬‬ ‫عنهما‪:‬وي ْذ ُكروا اسم اهلل ِفي أَي ٍام مع ُلوم ٍ‬
‫َّ َّ ْ َ‬ ‫َ َ ُ (‪َ ْ )3‬‬
‫أيام التشريق)) ‪.‬‬
‫وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬األيام المعلومات‬
‫التي قبل يوم التروية‪،‬ويوم التروية‪ ،‬ويوم عرفة‪،‬والمعدودات أيام‬
‫التشريق))(‪)4‬؛ ولحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‪ ،‬عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ما من‬
‫أيام أعظم عند اهلل وال أحب إليه من العمل فيهن‪ ،‬من هذه األيام العشر‪،‬‬
‫فأكثروا فيهن‪ :‬من التهليل‪ ،‬والتكبير‪ ،‬والتحميد))(‪)5‬؛ ولحديث ابن عباس‬
‫رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪((:‬ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب‬
‫إلى اهلل من هذه األيام العشر)) فقالوا‪:‬يا رسول اهلل‪،‬وال الجهاد في سبيل‬
‫اهلل؟فقال رسول اهلل ‪((:‬وال الجهاد في سبيل اهلل إال رجل خرج بنفسه‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫الشمس إلى أن ينتهي اإلمام من خطبته على مذهب الحنابلة‪،‬أو إلى خروج اإلمام من البلد‪،‬فإذا رأوه‬
‫سكتوا‪،‬أو إلى أن تبتدئ الصالة أو إلى أن تنتهي الصالة‪،‬والخالف في هذا أمره سهل‪،‬ومعلوم أن اإلمام‬
‫إذا حضر سيشرع في الصالة وينقطع كل شيء‪،‬وإذا انتهى من الصالة سيشرع في الخطبة))‪،‬الشرح الممتع‪،‬‬
‫‪. 212/2‬‬
‫(‪ )1‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪. 28 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪. 204 :‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪،‬كتاب العيدين‪،‬باب فضل العمل في أيام التشريق‪،‬قبل الحديث رقم ‪ 131‬بصيغة الجزم‪،‬وقال‬
‫النووي في شرح المذهب‪(( :482/8،‬رواه البيهقي بإسناد صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري‪،328/2،‬وعزاه إلى ابن مردويه‪،‬وقال‪((:‬إسناده صحيح))‪.‬‬
‫( ‪ )5‬أخرجه أحمد‪،‬برقم ‪،2333‬ورقم ‪،3123‬وقال أحمد شاكر في شرحه للمسند‪((:223/7،‬إسناده صحيح))‪.‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) ‪.‬‬
‫رضي‬ ‫وقال اإلمام البخاري رحمه اهلل تعالى‪((:‬وكان ابن عمر‪،‬وأبو هريرة‬
‫اهلل عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس‬
‫بتكبيرهما‪ ،‬ويكبر محمد بن علي خلف النافلة))(‪،)2‬وقال اإلمام البخاري‬
‫رحمه اهلل تعالى‪(( :‬وكان عمر ‪ ‬يكبر في قبته بمنى‪،‬فيسمعه أهل‬
‫ترتج منى تكبير ًا‪،‬وكان ابن‬ ‫ّ‬ ‫المسجد فيكبرون ويكبر أهل األسواق حتى‬
‫عمر يكبر بمنى تلك األيام‪،‬وخلف الصلوات‪،‬وعلى فراشه‪،‬وفي‬
‫ُفسطاطه‪ ،‬ومجلسه‪ ،‬وممشاه تلك األيام جميع ًا‪ ،‬وكانت ميمونة تكبر يوم‬
‫النحر‪،‬وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز‬ ‫َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ليالي التشريق مع الرجال في المسجد)) ‪.‬وعن أم عطية رضي اهلل عنها‬
‫قالت‪:‬كنا نؤمر أن َنخرج يوم العيد حتى نُخرج البكر من خدرها‪،‬حتى‬
‫ض‪،‬فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم‪ ،‬ويدعون بدعائهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نُخرج الحي‬
‫(‪ُ)4‬‬ ‫ّ‬
‫يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته)) ؛ ولحديث نبيشة الهذلي قال‪:‬قال‬
‫رسول اهلل ‪(( :‬أيام التشريق أيام أكل وشرب [وذكر هلل]))(‪.)5‬‬
‫قال اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل‪(( :‬أما التكبير في األضحى‬
‫فمشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث من شهر ذي الحجة)) ثم‬
‫ذكر آية البقرة والحج واألحاديث واآلثار السابقة(‪.)6‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪،‬كتاب العيدين‪،‬باب فضل العمل في أيام التشريق‪،‬برقم ‪،131‬واللفظ للترمذي‪،‬برقم ‪. 727‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب فضل العمل في أيام التشريق‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪ .131‬وقال‬
‫الحافظ في الفتح‪ 328/2 ،‬في أثر محمد بن علي‪(( :‬وقد وصله الدارقطني‪ ...‬قال حدثنا أبو هنة‬
‫رزيق المدني‪ ،‬قال‪ :‬رأيت أبا جعفر محمد بن علي يكبر بمنى في أيام التشريق خلف النوافل))‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪،‬كتاب العيدين‪،‬باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة‪،‬قبل الحديث رقم ‪. 170‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪،‬كتاب العيدين‪،‬باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة‪،‬الحديث رقم ‪. 171‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪،‬كتاب الصوم‪،‬باب تحريم صوم أيام التشريق‪،‬وبيان أنها أيام أكل وشرب وذكر هلل ‪ ،‬برقم ‪1131‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )6‬مجموع فتاوى ابن باز‪. 18/14 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫‪ - 2‬صفة التكبير جاء في آثا ٍر عن أصحاب النبي ‪ ‬على أنواع متعددة منها ما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كان عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬يقول‪(( :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إله إال‬
‫اهلل‪ ،‬واهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد))(‪ .)1‬قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪:‬‬
‫((وهذا قول‪ :‬عمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وبه قال الثوري‪ ،‬وأبو حنيفة‪،‬‬
‫وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وابن المبارك إال أنه زاد‪ :‬على ما هدانا‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫‪َ ‬و ِل ُت ْك ِم ُلو ْا ا ْل ِع َّد َة َو ِل ُت َك ّب ُرو ْا اهلل َع َلى َما َه َد ُْ‬
‫اكم‪.)2(‬‬
‫ب ‪ -‬وكان ابن عباس رضي اهلل عنهما يقول‪((:‬اهلل أكبر‪،‬اهلل أكبر‪،‬اهلل أكبر‪،‬وهلل الحمد‪،‬‬
‫اهلل أكبر وأجل‪ ،‬اهلل أكبر على ما هدانا))(‪.)3‬‬
‫ج ‪ -‬وكان سلمان ‪ ‬يقول‪(( :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر كبيراً))(‪.)4‬‬
‫د ‪ -‬وكان عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬يقول‪(( :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪،‬‬
‫ال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكبر وهلل الحمد))(‪.)5‬‬
‫قال اإلمام الصنعاني رحمه اهلل‪(( :‬وفي الشرح صفات كثيرة عن عدة‬
‫من األئمة وهو يدل على التوسعة في األمر؛ وإطالق اآلية يقتضي‬
‫ذلك))(‪ )6‬واهلل ‪ ‬أعلم(‪.)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن أبي شيبة‪ ،138/2 ،‬قال العالمة األلباني في إرواء الغليل‪(( :122/4 ،‬وإسناده صحيح))‪ .‬وقال‪:‬‬
‫((ولكنه ذكره في مكان آخر بالسند نفسه بتثليث التكبير))‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،210/4 ،‬قال‪ :‬وقال مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬يقول‪(( :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر؛ ألن جابراً‬
‫صلى في أيام التشريق‪ ،‬فلما فرغ من صالته قال‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ...،‬ولنا خبر جابر‪،‬‬
‫عن النبي ‪ ، ‬وهو نص في كيفية التكبير‪ ،‬وأنه قول الخليفتين الراشدين‪ ،‬وقول ابن مسعود))‬
‫المغني البن قدامة‪.210/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي في السنن الكبرى‪ ،412/4،‬قال العالمة األلباني في إرواء الغليل‪(( :122/4 ،‬وسنده‬
‫صحيح أيضاً))‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره ابن حجر في فتح الباري‪ 332/2 ،‬فقال‪(( :‬وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه‪ :‬ما أخرجه‬
‫عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان‪ ،‬قال‪ :‬كبروا اهلل‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر كبيراً))‪ ،‬وأخرجه‬
‫البيهقي في السنن الكبرى‪ ،413/4 ،‬ولكنه بلفظ‪(( :‬كبروا‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر كبيراً))‪.‬‬
‫(‪ )5‬مصنف ابن أبي شيبة‪. 132/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬سبل السالم‪. 237/4 ،‬‬
‫(‪ )7‬قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪(( :‬وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫النوع الثاني التكبير المقيد‪ :‬وهو الذي يُقيد بأدبار الصلوات في عيد األضحى‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫خاصة‪،‬ووقته‪،‬وصفته على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬يبتدئ التكبير المقيد من عقب صالة الفجر يوم عرفة‪ ،‬وينتهي‬
‫َّ‬
‫بعد صالة العصر في اليوم الثالث من أيام التشريق؛ لما ورد عن علي بن‬
‫أبي طالب الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين ‪(( :‬أنه كان يكبر من‬
‫صالة الفجر يوم عرفة إلى صالة العصر من آخر أيام التشريق‪ ،‬ويكبر‬
‫بعد العصر))(‪ ،)1‬ولما ورد عن عمر الخليفة الراشد ‪(( :‬أنه كان يكبر‬
‫من صالة الغداة يوم عرفة إلى صالة الظهر من آخر أيام التشريق))(‪،)2‬‬
‫ولما ورد عن ابن عباس رضي اهلل عنهما ((أنه كان يكبر من صالة الفجر يوم‬
‫عرفة إلى آخر أيام التشريق‪ ،‬ال يكبر في المغرب))(‪ .)3‬ولما ورد عن ابن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫بسند صحيح عن سلمان قال‪(( :‬كبروا اهلل‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر كبيراً)) ونقل عن سعيد بن‬
‫جبير‪ ،‬ومجاهد‪،‬وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه جعفر الفريابي في كتاب العيدين‪،‬من طريق يزيد‬
‫ابن أبي زياد عنهم‪ ،‬وهو قول الشافعي‪ ،‬وزاد ((وهلل الحمد))‪.‬‬
‫وقيل يكبر ثالثاً‪ ،‬ويزيد‪ :‬ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬إلخ)) وقيل‪ :‬يكبر ثنتين بعدهما‪ :‬ال إله‬
‫إال اهلل‪ ،‬واهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‪ ،‬جاء ذلك عن عمر‪ ،‬وعن ابن مسعود نحوه‪ ،‬وبه قال‬
‫أحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك ال أصل لها)) [فتح الباري‪،]332/2 ،‬‬
‫وذكر العالمة ابن عثيمين رحمه اهلل أن صفة التكبير فيها ثالثة أقوال ألهل العلم‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه شفع‪(( :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكبر اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد))‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه وتر‪(( :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر وهلل الحمد))‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه وتر في األولى شفع في الثانية‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكبر‪ ،‬اهلل‬
‫أكبر‪ ،‬وهلل الحمد))‪ .‬الشرح الممتع‪ ،222/2 ،‬وانظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،210/4 ،‬واإلعالم بفوائد‬
‫عمدة األحكام‪ ،‬البن الملقن‪.232/3 ،‬‬
‫(‪ )1‬مصنف ابن أبي شيبة‪،132/2،‬والحاكم وصححه‪،211،‬والبيهقي‪،413/4،‬وصححه النووي في المجموع‬
‫‪ ،42/2‬وقال األلباني في إرواء الغليل‪((:122/4،‬وقد صح عن علي ‪.))‬‬
‫(‪ )2‬ابن أبي شيبة‪ ،133/2 ،‬والبيهقي في السنن الكبرى‪ ،413/4 ،‬وفيه الحجاج بن أرطأة‪ ،‬وقد‬
‫صححه الحاكم‪ ،211/1 ،‬وصححه النووي في المجموع‪ ،42/4 ،‬وقال األلباني في إرواء الغليل‪،‬‬
‫‪(( :122/4‬وسنده صحيح))‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن أبي شيبة‪ ،137/2 ،‬والبيهقي‪ ،413/4 ،‬والحاكم وصححه‪ ،211/1 ،‬وصححه النووي في‬
‫المجموع‪ ،42/4 ،‬وقال األلباني في إرواء الغليل‪(( :122/4 ،‬وسنده صحيح))‪.‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪550‬‬
‫مسعود ‪ ‬أنه كان‪(( :‬يكبر من صالة الصبح يوم عرفة إلى صالة العصر‬
‫من آخر أيام التشريق))(‪ .)1‬وفي الباب آثار كثيرة عن بعض أصحاب‬
‫النبي ‪ )2(‬واهلل أعلم(‪ .)3‬قال الحاكم رحمه اهلل‪(( :‬فأما من ِف ْع ِل عمر‪،‬‬
‫فصح عنهم التكبير‪ ،‬من غداة‬‫َّ‬ ‫وعلي‪ ،‬وعبد اهلل بن عباس‪،‬وعبد اهلل بن مسعود‪،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الحاكم وصححه‪،400-211/1،‬واللفظ له‪،‬وصححه النووي في المجموع‪ ،42/2،‬وابن أبي شيبة‪،‬‬
‫‪ ،133/2‬ولكن بلفظ‪ ...(( :‬إلى صالة العصر من يوم النحر))‪.‬‬
‫(‪ )2‬فقد جاء عن جابر مرفوعاً‪ :‬في الدارقطني‪ ،31/2 ،‬والبيهقي‪ ،412/4 ،‬ولكن فيه كالم‪ ،‬انظر‪ :‬إرواء‬
‫الغليل لأللباني ‪ ،123/4‬وجاء عن زيد بن ثابت‪ ،‬عند ابن أبي شيبة‪ ،133/2 ،‬وعن عمار عند‬
‫الحاكم‪ ،211/1 ،‬وصححه‪ ،‬وضعفه النووي في المجموع‪. 42/4 ،‬‬
‫( ‪ )3‬قال اإلمام النووي رحمه اهلل‪(( :‬أما التكبير بعد الصالة في عيد األضحى فاختلف علماء السلف ومن‬
‫بعدهم فيه على نحو عشرة مذاهب‪ ،‬هل ابتداؤه‪ :‬من صبح يوم عرفة‪ ،‬أو ظهره‪ ،‬أو صبح يوم النحر‪ ،‬أو‬
‫ظهره‪ ،‬وهل انتهاؤه‪ :‬في ظهر يوم النحر [وقيل إلى عصره] أو ظهر أول أيام النفر‪ ،‬أو في صبح آخر‬
‫أيام التشريق‪ ،‬أو ظهره‪ ،‬أو عصره‪ ،‬واختار مالك والشافعي وجماعة‪ :‬ابتداؤه من يوم النحر‪ ،‬وانتهاؤه‬
‫صبح آخر أيام ال تشريق‪ ،‬وللشافعي قول إلى العصر من آخر أيام التشريق‪ ،‬وقول إنه من صبح يوم‬
‫عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق‪ ،‬وهو الراجح عند جماعة من أصحابنا وعليه العمل في األمصار))‪.‬‬
‫شرح النووي على صحيح مسلم‪ ، 340/3 ،‬وما بين المعقوفين من فتح الباري البن حجر‪،332/2 ،‬‬
‫نقال ً عن غير ا لنووي‪ .‬وقال اإلمام ابن الملقن في اإلعالم بفوائد عمدة األحكام‪(( :221/3 ،‬وأما‬
‫التكبير بعد الصلوات وغيرها‪ :‬ففي عيد الفطر ال يسن عقب صلوات ليلته على األصح‪ ،‬وفي عيد‬
‫األضحى اختلف علماء السلف))‪ .‬ثم ساق كالم النووي‪ .‬ثم قال‪(( :‬فرع‪ :‬مذهب مالك‪ ،‬والشافعي‪،‬‬
‫وجماعة من أه ل العلم استحباب هذا التكبير‪ :‬للمنفرد‪ ،‬والجماعة‪ ،‬والرجال‪ ،‬والنساء‪ ،‬والمقيم‪،‬‬
‫والمسافر‪ ،‬وقال أبو حنيفة والثوري‪ ،‬وأحمد‪ :‬إنما يلزم جماعات الرجال‪ ،‬ثم قال‪(( :‬فرع‪ :‬اختلفوا في‬
‫التكبير عقب النوافل‪ :‬فاألصح عند الشافعي أنه يكبر‪ ،‬وقال مالك في المشهور عنه‪ :‬ال يكبر‪ ،‬وهو‬
‫قول الثوري‪ ،‬وأحمد وإسحاق)) ا‪ .‬هـ‪ .‬وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكره لآلثار عن الصحابة وغيرهم‬
‫في التكبير المقيد بأدبار الصلوات‪ (( :‬وقد اشتملت هذه اآلثار على وجود التكبير في تلك األيام عقب‬
‫الصلوات‪ ،‬ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل‪ ،‬ومنهم من خصه بالرجال دون النساء‪،‬‬
‫وبالجماعة دون المنفرد‪ ،‬وبالمؤداة دون المقضية‪ ،‬وبالمقيم دون المسافر‪ ،‬وبساكن المصر دون القرية‪،‬‬
‫وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع‪ ،‬واآلثار التي ذكرها تساعده)) فتح الباري شرح صحيح‬
‫البخاري‪ ، 332/2 ،‬وقال العالمة محمد بن صالح العثيمين‪(( :‬وإذا رأيت اختالف العلماء بدون أن‬
‫نصاً فاصال ً فإن األمر في هذه المسألة واسع‪ ،‬فإن كبر بعد صالته منفرداً فال حرج عليه‪ ،‬وإن‬
‫يذكروا ّ‬
‫ّ‬
‫ترك التكبير ولو في الجماعة فال حرج عليه؛ ألن األمر واسع))‪ .‬الشرح الممتع البن عثيمين‪. 218/2 ،‬‬
‫وانظر‪:‬المغني البن قدامة‪،211/4،‬والمقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف‪،480-433/2،‬وشرح‬
‫السنة لإلمام البغوي‪ ،400/3 ،‬وزاد المعاد البن القيم‪ ،331/1 ،‬والكافي البن قدامة‪. 223/1 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪556‬‬
‫(‪)1‬‬
‫عرفة‪ ،‬إلى آخر أيام التشريق)) ‪.‬وقال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل‪((:‬وأصح‬
‫ما ورد فيه عن الصحابة‪:‬قول علي‪،‬وابن مسعود‪،‬إنه من صبح يوم عرفة‬
‫إلى آخر أيام منى‪ .‬أخرجه ابن المنذر وغيره‪ ،‬واهلل أعلم))(‪.)2‬وقال شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪(( :‬أصح األقوال في التكبير الذي عليه‬
‫جمهور السلف والفقهاء من الصحابة واألئمة‪:‬أن يكبر من فجر يوم‬
‫عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صالة‪.‬ويشرع لكل أحد أن يكبر‬
‫عند الخروج إلى العيد وهذا باتفاق األئمة األربعة))(‪.)3‬‬
‫وقال شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل‪(( :‬وروي‬
‫عن النبي ‪ ‬وعن جماعة من الصحابة ‪ :‬التكبير في أدبار الصلوات‬
‫الخمس من صالة الفجر يوم عرفة إلى صالة العصر من يوم الثالث‬
‫عشر من ذي الحجة‪ ،‬وهذا في حق غير الحاج‪ ،‬أما الحاج فيشتغل في‬
‫حال إحرامه بالتلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫يشتغل بالتكبير عند أول حصاة من الجمرة المذكورة‪ ،‬وإن كبر مع التلبية‬
‫فال بأس‪ ،‬لقول أنس ‪(( :‬كان يلبي الملبي فال ينكر عليه‪ ،‬ويكبر المكبر‬
‫فال ينكر عليه))(‪ ،)4‬ولكن األفضل في حق المحرم هو التلبية وفي حق‬
‫الحالل هو التكبير في األيام المذكورة‪ ،‬وبهذا تعلم أن التكبير المطلق‬
‫والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام‪ ،‬وهي‪ :‬يوم‬
‫عرفة‪ ،‬ويوم النحر‪ ،‬وأيام التشريق الثالثة‪ ،‬وأما اليوم الثامن وما قبله إلى‬
‫أول الشهر فالتكبير فيه مطلق ال مقيد‪ ،‬لما تقدم من اآلية واآلثار))(‪.)5‬‬
‫وقال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪(( :‬وأما المحرمون فإنهم يكبرون من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مستدرك الحاكم‪. 211/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري‪. 332/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪. 220/23 ،‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة‪ ،‬برقم ‪. 170‬‬
‫(‪ )5‬مجموع فتاوى ابن باز‪. 11-18/14 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫صالة الظهر يوم النحر‪ ...‬ألنهم كانوا مشغولين قبل ذلك بالتلبية‬
‫وغيرهم يبتدئ من يوم عرفة لعدم المانع))(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬صفة التكبير المقيد‪ :‬هو مثل التكبير المطلق كما تقدم(‪((:)2‬اهلل أكبر‪،‬‬
‫اهلل أكبر‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد))(‪ ،)3‬وهو قول‬
‫الخليفتين الراشدين‪ :‬عمر بن الخطاب‪ ،‬وعلي‪ ،‬وقول ابن مسعود ‪ ،‬وبه‬
‫قال الثوري‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق رحمهم اهلل تعالى(‪.)4‬‬
‫عاش ارً‪:‬اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد‪:‬إذا وافق يوم عيد يوم‬
‫الجمعة حضر اإلمام ومن شاء من الناس‪ ،‬وصلى بهم؛ لحديث إياس بن‬
‫أبي رملة الشامي‪ ،‬قال‪ :‬شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن‬
‫أرقم‪ ،‬قال‪ :‬أشهدت مع رسول اهلل ‪ ‬عيدين اجتمعا في يوم؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قال‪ :‬فكيف صنع؟ قال‪ :‬صلى العيد ثم رخص في الجمعة‪ ،‬فقال‪(( :‬من‬
‫فليصل))(‪)5‬؛ ولحديث أبي هريرة ‪ ‬عن رسول اهلل ‪ ‬أنه‬ ‫ّ‬ ‫شاء أن يصلي‬
‫قال‪(( :‬قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة‪ ،‬وإنا‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني البن قدامة‪. 281/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬تقدم في صفة التكبير المطلق أنه جاء عن الصحابة ‪ ‬أنواع من التكبير‪.‬فانظرها قبل صفحات‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪(( :‬وصفة التكبير المنقول عن أكثر الصحابة‪ :‬قد روي مرفوع ًا إلى النبي‬
‫‪ (( :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد)) وإن قال اهلل أكبر ثالثاً جاز‪،‬‬
‫ومن الفقهاء من يكبر ثالثاً فقط‪ ،‬ومنهم من يكبر ثالثاً ويقول‪ :‬ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له‬
‫الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))‪ ،‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪. 220/23 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪،210/4،‬والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪ ،480/2 ،‬وتقدمت أقوال‬
‫األئمة في أنواع التكبير في التكبير المطلق‪.‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد‪ ،‬برقم ‪ ،170‬النسائي‪ ،‬كتاب صالة‬
‫العيدين‪ ،‬باب الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد‪ ،‬برقم ‪ ،1210‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب‬
‫إقامة الصلوات‪ ،‬باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم‪ ،‬برقم ‪،1410‬وأحمد‪،472/3،‬‬
‫والحاكم‪ ،288/1 ،‬وصححه ووافقه الذهبي‪ ،‬وصححه ابن خزيمة في صحيحه‪ ،421/2 ،‬برقم‬
‫‪ ،1333‬وصححه ابن المديني كما في تلخيص الحبير‪ ،88/2 ،‬وصححه األلباني في صحيح أبي‬
‫داود‪ ،212/1 ،‬وصحيح النسائي‪ ،213/1 ،‬وصحيح ابن ماجه‪. 412/1 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مجمعون)) ؛ ولحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما عن رسول اهلل ‪ ‬أنه قال‪:‬‬ ‫ّ‬
‫((اجتمع عيدان في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا‬
‫مجمعون(‪ )2‬إن شاء اهلل))(‪)3‬؛ ولحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬اجتمع‬ ‫ّ‬
‫عيدان على عهد رسول اهلل ‪ ،‬فصلى بالناس ثم قال‪(( :‬من شاء أن يأتي‬
‫الجمعة فليأتها‪ ،‬ومن شاء أن يتخ ّلف فليتخ ّلف))(‪.)4‬‬
‫وهذه األحاديث تدل على أن صالة الجمعة بعد صالة العيد تصير‬
‫رخصة‪ :‬يجوز فعلها وتركها‪ ،‬وهو خاص بمن صلى العيد دون من لم‬
‫يصلها‪ ،‬ومن لم يحضر صالة الجمعة‪ ،‬فإنه يصلي ظهراً؛ ألن الظهر هي‬
‫الفرض األصلي المفروض ليلة اإلسراء‪ ،‬والجمعة متأخر فرضها‪ ،‬ثم إن‬
‫الجمعة إذا فاتت في غير يوم العيد وجبت صالة الظهر إجماعاً فهي‬
‫البدل عنها(‪ .)5‬أما اإلمام فال تسقط عنه على الصحيح؛لقوله ‪(( :‬وإنا‬
‫مجمعون))؛ وألنه لو تركها المتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ومن يريدها‪ ،‬بخالف غيره من الناس))(‪.)6‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‬
‫عن حديث زيد بن أرقم‪ :‬إنه ((يدل على أنه ال بأس أن يترك الجمعة من‬
‫حضر صالة العيد‪ ،‬لكن يصلي ظهر ًا‪ ،‬ومن قال‪ :‬ال يصلي ظهر ًا‪ ،‬فقد‬
‫غلط‪ ،‬وهو كاإلجماع من أهل العلم))(‪.)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد‪ ،‬برقم ‪ ،1074‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح أبي داود‪. 213/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬وإنا مجمعون‪ :‬أي مصلون الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصلوات‪ ،‬باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم برقم ‪،1411‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه‪. 412/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصلوات‪ ،‬باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم‪ ،‬برقم ‪،1414‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه‪. 412/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬سبل السالم للصنعاني‪ 180-171/4 ،‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫(‪ )6‬المغني البن قدامة‪. 234/4 ،‬‬
‫(‪ )7‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام‪،‬الحديث رقم ‪.384‬وانظر‪:‬المغني البن قدامة‪. 234/4،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬زكاة الفطر لها أحكام وآداب على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬زكاة الفطر فرض على كل مسلم فضل عنده يوم العيد وليلته‬
‫صاع من طعام عن قوته وقوت أهل بيته الذين تجب نفقتهم عليه؛‬
‫لحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬فرض رسول اهلل ‪ ‬زكاة الفطر‬
‫نفس من المسلمين‪ُ :‬ح ٍر أو عبد‪ ،‬أو رجل‪ ،‬أو‬ ‫من رمضان على كل ٍ‬
‫ّ‬
‫امرأة‪ ،‬صغيرٍ ‪ ،‬أو كبيرٍ ‪ ،‬صاع ًا من تمر‪ ،‬أو صاع ًا من شعير)) وهذا لفظ‬
‫مسلم في رواية‪ ،‬ولفظ البخاري‪(( :‬فرض رسول اهلل ‪ ‬زكاة الفطر صاع ًا‬
‫من تمر‪ ،‬أو صاع ًا من شعير‪ ،‬على العبد‪ ،‬والحر‪ ،‬والذكر واألنثى‪،‬‬
‫ؤدى قبل خروج الناس‬ ‫والصغير والكبير من المسلمين‪ ،‬وأمر بها أن ُت َّ‬
‫إلى الصالة))‪ .‬وفي لفظ للبخاري عن نافع عن ابن عمر‪(( :‬فرض النبي ‪‬‬
‫صدقة الفطر ‪ -‬أو قال‪ :‬رمضان ‪ -‬على الذكر واألنثى والحر والمملوك‪:‬‬
‫صاع ًا من تمر‪ ،‬أو صاع ًا من شعير‪ ،‬فعدل الناس به نصف صاع من ٍبر‪،‬‬
‫ّ‬
‫فكان ابن عمر يعطي التمر فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيراً‪،‬‬
‫فكان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير‪،‬حتى إن كان يعطي بني‪ ،‬وكان ابن‬
‫َّ‬
‫عمر رضي اهلل عنهما يعطيها للذين يقبلونها‪،‬وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو‬
‫يومين))(‪ .)1‬ويستحب إخراج زكاة الفطر عن الحمل؛لفعل عثمان ‪.)2())‬‬
‫‪ - 2‬وقت إخراج زكاة الفطر‪ ،‬و َّقت النبي ‪ ‬وقت إخراج زكاة الفطر في‬
‫حديث ابن عمر السابق بقول ابن عمر عن النبي ‪(( :‬وأمر بها أن تؤدى‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب فرض صدقة الفطر‪ ،‬برقم ‪ ،1204‬وباب صدقة الفطر على الحر‬
‫والمملوك‪ ،‬برقم ‪ ،1211‬ومسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب زكاة الفطر على المسلمين‪ ،‬برقم ‪.)183(-13‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي شيبة ‪ ، 211/4‬وأخرجه عبد اهلل بن أحمد في مسألة ‪ ،333‬عن حميد وقتادة‪(( :‬أن‬
‫عثمان كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل))‪ .‬وأخرج ابن أبي شيبة ‪،311/4‬وعبد‬
‫الرزاق ‪ 788‬عن أبي قالبة قال‪(( :‬كانوا يعطون صدقة الفطر‪ ،‬حتى يعطوا عن الحبل))‪،‬وفي رواية‬
‫ألحمد أن زكاة الفطر عن الحمل تجب‪ .‬الشرح الكبير‪،13/7 ،‬وانظر‪:‬فتاوى اللجنة الدائمة‬
‫للبحوث العلمية واإلفتاء‪. 433/1،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫قبل خروج الناس إلى الصالة)) ‪ .‬أي صالة العيد‪ .‬وفي رواية عن ابن عمر‬
‫رضي اهلل عنهما‪(( :‬وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين))(‪)2‬؛ ولكن األفضل أن‬
‫لسد حاجة الفقراء يوم العيد‪ ،‬وإغنائهم يوم‬
‫تخرج يوم العيد قبل الصالة؛ ّ‬
‫العيد عن المسألة‪.‬‬
‫وال يجوز تأخيرها بعد الصالة؛ لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪:‬‬
‫((فرض رسول اهلل ‪ ‬زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث‪،‬‬
‫وطعمة للمساكين‪ ،‬فمن أداها قبل الصالة فهي صدقة مقبولة‪ ،‬ومن أداها‬
‫بعد الصالة فهي صدقة من الصدقات))(‪.)3‬‬
‫ولكن زكاة الفطر ال تجب إال بغروب شمس آخر يوم من رمضان‪:‬‬
‫فمن أسلم بعد الغروب‪ ،‬أو تزوج‪ ،‬أو ولد له ولد‪ ،‬أو مات قبل الغروب‬
‫لم تلزم فطرتهم(‪.)4‬‬
‫‪ - 4‬مقدار زكاة الفطر وأنواعها‪ :‬هو صاع من قوت البلد الذي يأكله الناس‪،‬‬
‫وقد ثبت في حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما الذي ذكرته آنفاً أنه قال‪(( :‬فرض‬
‫رسول اهلل ‪ ‬زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر‪ ،‬أو صاعاً من شعير…))‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري ‪ ‬أنه كان يقول‪(( :‬كنا نُخرج زكاة الفطر‪ :‬صاعاً من‬
‫طعام‪ ،‬أو صاعاً من شعير‪ ،‬أو صاعاً من تمر‪ ،‬أو صاعاً من أقط‪ ،‬أو صاعاً من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬وتقدم تخريجه في الذي قبله‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،1211‬وتقدم تخريجه في الهامش الذي قبل السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب زكاة الفطر‪ ،‬برقم ‪ ،1301‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب صدقة‬
‫الفطر‪ ،‬برقم ‪ ،1827‬وحسنه األلباني في صحيح أبي داود‪ ،‬برقم ‪ ،1301‬وصحيح ابن ماجه‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،1823‬وإرواء الغليل‪ ،‬برقم ‪.834‬‬
‫رمضان))‬ ‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الكافي البن قدامة‪ ، 170/1 ،‬والروض المربع‪ ،‬وقال اإلمام النووي‪(( :‬قوله‪ :‬من‬
‫إشارة إلى وقت وجوبها وفيه خالف للعلماء‪ :‬فالصحيح من قول الشافعي أنها تجب بغروب‬
‫الشمس ودخول أول جزء من ليلة عيد الفطر‪ .‬والثاني تجب لطلوع الفجر ليلة العيد‪ ،‬وقال‬
‫أصحابنا‪ :‬تجب بالغروب والطلوع معاً‪ ،‬فإن ولد بعد الغروب أو مات قبل الطلوع لم تجب‪ ،‬وعن‬
‫مالك روايتان‪ :‬كالقولين‪ ،‬وعند أبي حنيفة تجب بطلوع الفجر)) شرح النووي على صحيح مسلم‪،‬‬
‫‪ ،34/7‬وانظر‪ :‬المقنع والشرح الكبير مع اإلنصاف‪. 114/7 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫زبيب))‪ .‬وفي لفظ للبخاري‪(( :‬كنا نُعطيها في زمان النبي ‪ .))…‬وفي لفظ‬
‫لمسلم‪(( :‬كنا نُخرج إذ كان فينا رسول اهلل ‪ ‬زكاة الفطر عن كل صغير‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وكبير‪،‬حر أو مملوك‪:‬صاعاً من طعام‪،‬أو صاعاً من أقط‪،‬أو صاعاً من شعير‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫صاعاً من تمر‪،‬أو صاعاً من زبيب‪،‬فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن‬
‫حاجاً أو معتمر ًا فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس‬
‫أبي سفيان ّ‬
‫أن قال‪:‬إني أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر‪،‬فأخذ الناس‬
‫بذلك‪ ،‬قال أبو سعيد‪:‬فأما أنا فال أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبداً ما‬
‫عشت))(‪.)1‬‬
‫وفي لفظ ابن ماجه قال أبو سعيد‪(( :‬ال أزال أخرجه كما كنت أخرجه‬
‫على عهد رسول اهلل ‪ ‬أبد ًا ما عشت))(‪ .)2‬وفي حديث أبي سعيد‬
‫زيادات لم أذكرها؛ ألن فيها نظراً(‪ ،)3‬أما رأي معاوية ‪‬في أن البر يعدل‬
‫المدين من غيره فيجزئ نصف صاع‪ ،‬فقال عنه الحافظ ابن‬ ‫َّ‬ ‫المد منه‬
‫ّ‬
‫حجر رحمه اهلل‪(( :‬حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك‪،‬‬
‫وكذلك ابن عمر‪ ،‬فال إجماع في المسألة خالف ًا للطحاوي‪ ،‬وكأن‬
‫األشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في‬
‫مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج‬
‫جنس كان وال فرق بين الحنطة وغيرها‪ ،‬وهذه حجة‬ ‫هذا المقدار من أي ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه ‪:‬البخاري‪،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب صدقة الفطر صاع من طعام‪ ،‬برقم ‪ ،1203‬وباب صاع من‬
‫زبيب‪ ،‬برقم ‪ ،1208‬ومسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب زكاة الفطر على المسلمين‪ ،‬برقم ‪. 182‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب صدقة الفطر‪ ،‬برقم ‪. 1821‬‬
‫(‪ )3‬من ذلك الحنطة‪ ،‬قال الحافظ بعد ذكره لزيادة الحنطة عند الحاكم وابن خزيمة‪(( :‬قال ابن خزيمة‪:‬‬
‫((ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ وال أدري ممن الوهم‪ ))...‬ثم نقل الحافظ أن أبا داود‬
‫أشار إلى أن ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ‪ ،‬وذكر أن معاوية بن هشام روى في هذا‬
‫الحديث‪ :‬نصف صاع من بر‪ ،‬وهو وهم وأن ابن عيينة حدث به عن ابن عجالن عن عياض فزاد‬
‫فيه‪(( :‬أو صاع ًا من دقيق)) وأنهم أنكروا عليه فتركه‪ ،‬قال أبو داود [القائل ابن حجر] وذكر الدقيق‬
‫وهم من ابن عيينة)) فتح الباري‪. 474/4 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫الشافعي ومن تبعه‪ .‬وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير‬
‫فقد فعل ذلك باالجتهاد))(‪.)1‬‬
‫وقد قال اإلمام النووي رحمه اهلل‪(( :‬قوله‪ :‬عن معاوية أنه كلم الناس‬
‫على المنبر فقال‪ :‬إني أرى أن مدين من سمراء الشام يعدل صاع ًا من‬
‫تمر فأخذ الناس بذلك‪ ،‬قال أبو سعيد‪ :‬فأما أنا فال أزال أخرجها كما‬
‫كنت أخرجها أبداً ما عشت‪ ،‬فقوله سمراء الشام‪ :‬هي الحنطة وهذا‬
‫الحديث هو الذي يعتمده أبو حنيفة وموافقوه في جواز نصف صاع‬
‫حنطة‪ ،‬والجمهور يجيبون عنه بأنه قول صحابي وقد خالفه أبو سعيد‬
‫وغيره ممن هو أطول صحبة‪ ،‬وأعلم بأحوال النبي ‪ ،‬وإذا اختلف‬
‫الصحابة لم يكن قول بعضهم بأولى من بعض‪ ،‬فنرجع إلى دليل آخر‪.‬‬
‫وجدنا ظاهر األحاديث‪ ،‬والقياس متفقاً على اشتراط الصاع من الحنطة‬
‫رأي رآه ال أنه سمعه‬‫كغيرها‪ ،‬فوجب اعتماده‪ ،‬وقد صرح معاوية بأنه ٌ‬
‫من النبي ‪ ،‬ولو كان عند أحد من حاضري مجلسه مع كثرتهم في‬
‫تلك اللحظة علم في موافقة معاوية عن النبي ‪ ‬لذكره))(‪.)2‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول‬
‫فيمن جعل ُم َّدين من الحنطة تقوم مقام الصاع من غيرها‪(( :‬اجتهد‬
‫معاوية فجعل عدله مدين‪ ،‬والصواب أنه البد من صاع أخذاً بالنص؛‬
‫ولهذا قال أبو سعيد‪ :‬أما أنا فال أخرج إال صاعاً وهو الصواب كما‬
‫تقدم(‪ ،)3‬واهلل تعالى أعلم(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪ ،‬شرح صحيح البخاري‪. 473/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬شرح النووي على صحيح مسلم‪. 37/7 ،‬‬
‫(‪ )3‬سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم ‪. 1208 ،1207‬‬
‫(‪ )4‬وفي سنن أبي داود‪ ،‬برقم ‪ 1320‬عن ثعلبة بن صعير قال‪ :‬قام رسول اهلل ‪ ‬خطيباً‪ ،‬فأمر بصدقة‬
‫الفطر صاع تمر‪ ،‬أو صاع شعير‪ ،‬عن كل رأس‪ .‬وفي زيادة‪(( :‬أو صاع بر أو قمح بين اثنين‪ ،‬عن‬
‫الكبير والصغير‪،‬والحر والعبد))‪.‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪،331/1،‬وذكر‬
‫الشوكاني الروايات في نيل األوطار‪ ،102/4،‬التي جاءت في أن نصف الصاع يجزئ‪،‬ثم‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫ومقدار الصاع الذي تؤدى به زكاة الفطر هو صاع النبي ‪،‬وهو‬
‫خمسة أرطال وثلث بالعراقي(‪،)1‬وهو أربعة أمداد‪،‬والمد ملء كفي‬
‫مد ًا‪ ،‬قال‬ ‫ومد يديه بهما‪،‬وبه سمي ّ‬ ‫َّ‬ ‫اإلنسان المعتدل إذا مألهما‬
‫الفيروزآبادي‪(( :‬وقد جربت ذلك فوجدته صحيحاً))(‪،)2‬والصاع أربع‬
‫حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين وال صغيرهما‪ ،‬إذ ليس‬
‫كل مكان يوجد فيه صاع النبي ‪،‬قاله الداوودي(‪ .)3‬قال الفيروزآبادي‪:‬‬
‫((وجربت ذلك فوجدته صحيح ًا))(‪.)4‬‬
‫‪ - 3‬أهل زكاة الفطر الذين تدفع لهم‪:‬قيل‪:‬تعطى صدقة الفطر لمن يجوز‬
‫أن يُع َطى صدقة األموال؛ألن صدقة الفطر زكاة فكان مصرفها مصرف سائر‬
‫ات ِل ْل ُف َقر ِاء‬ ‫الزكوات؛وألنها صدقة فتدخل في عموم قوله تعالى‪ِ :‬إ َّن َما َّ‬
‫الص َد َق ُ‬
‫َ‬
‫ين َو ِفي‬ ‫ِ‬
‫اب) َوا ْل َغارِم َ‬‫وب ُهم َو ِفي الر َق ِ‬ ‫ُ‬ ‫ين َع َلي َها َوالـ ُم َؤ َّل َف ِة ُق ُل‬
‫َ‬ ‫ين َوا ْل َع ِام ِل‬
‫ِ‬ ‫والـمس ِ‬
‫اك‬ ‫َ َْ َ‬
‫ّ(‪6( )5‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يض ًة ّم َن اهلل َواهلل َعليم َحكيم‪. ‬‬ ‫ِيل َفرِ َ‬‫السب ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ِيل اهلل َو ْاب ِن َّ‬
‫َسب ِ‬
‫وقيل‪ :‬ال يجوز دفع زكاة الفطر إال لمن يستحق الكفارة‪ ،‬فتجري مجرى‬
‫كفارة اليمين‪ ،‬والظهار‪ ،‬والقتل‪ ،‬والجماع في نهار رمضان‪ ،‬ومجرى كفارة‬
‫الحج‪ ،‬فتدفع لهؤالء اآلخذين لحاجة أنفسهم‪ ،‬وهم الفقراء والمساكين‪ ،‬وال‬
‫يعطى المؤلفة قلوبهم‪ ،‬وال الرقاب وال غير ذلك‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫قال‪((:‬وهذه تنهض بمجموعها للتخصيص)) ‪ ،‬ولكن سماحة شيخنا ابن باز رحمه اهلل يرى أن جميع‬
‫الكفارات اإلطعام فيها يكون نصف صاع‪ ،‬أما زكاة الفطر فقد حددها النبي ‪ ‬بصاع‪.‬‬
‫(‪ )1‬الدارقطني‪ ،121/2 ،‬والبيهقي‪ ،278/10 ،‬قال الشوكاني في رواية البيهقي‪(( :‬بإنساد جيد))‪ .‬نيل‬
‫األوطار‪. 103/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬القاموس المحيط‪ ،‬ص‪. 307‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 122‬‬
‫(‪ )4‬القاموس المحيط‪ ،‬ص‪ ،122‬وانظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪ ،217/11 ،‬وفتاوى اللجنة الدائمة‪،‬‬
‫‪. 432/1‬‬
‫(‪ )5‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪. 30 :‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،413/3 ،‬قال‪(( :‬وبهذا قال مالك‪ ،‬والليث‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبو ثور)) وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫يجوز دفعها إلى من ال يجوز دفع زكاة المال إليه‪ ،‬وإلى الذمي))‪.‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫رحمه اهلل‪(( :‬وهذا القول أقوى في الدليل)) ‪.‬‬
‫وقال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل‪(( :‬وكان من هديه ‪ ‬تخصيص‬
‫المساكين بهذه الصدقة ولم يكن يقسمها على األصناف الثمانية قبضة‬
‫قبضة‪ ،‬وال أمر بذلك‪ ،‬وال فعله أحد من أصحابه‪ ،‬وال من بعدهم‪ ،‬بل‬
‫أحد القولين عندنا‪ :‬أنه ال يجوز إخراجها إال على المساكين خاصة‬
‫وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على األصناف‬
‫الثمانية))(‪.)2‬‬
‫وقال الشوكاني رحمه اهلل عن حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما وفيه‪(( :‬وطعمة‬
‫المساكين‪(( .)3())...‬وفيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم‬
‫من مصارف الزكاة))(‪ .)4‬وقال العالمة ابن عثيمين رحمه اهلل في ذكر القولين‪:‬‬
‫((هناك قوالن ألهل العلم‪:‬األول أنها تصرف مصرف بقية الزكوات‪،‬حتى‬
‫المؤلفة قلوبهم والغارمين‪ ...‬والثاني أن زكاة الفطر مصرفها للفقراء فقط‪،‬وهو‬
‫الصحيح))(‪.)5‬‬
‫‪ِ - 2‬ح َكم زكاة الفطر وفوائدها عظيمة من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫ُ‬
‫أ ‪ -‬طهرة للصائم من اللغو والرفث‪ ،‬فترفع خلل الصوم‪ ،‬فيكون بذلك‬
‫تمام السرور‪.‬‬
‫ب – طعمة للمساكين‪.‬‬
‫ج ‪ -‬زكاة للبدن حيث أبقاه اهلل عاماً من األعوام وأنعم عليه ‪‬‬
‫بالبقاء؛ وألجله استوى فيه الكبير والصغير‪ ،‬والذكر واألنثى‪ ،‬والغني‬
‫والفقير‪ ،‬والكامل والناقص في مقدار الواجب وهو الصاع‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪. 74/22 ،‬‬
‫(‪ )2‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪. 22/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬برقم ‪ ،1301‬وابن ماجه‪ ،1827 ،‬وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )4‬نيل األوطار للشوكاني‪. 104/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬الشرح الممتع‪ ،183/3 ،‬وانظر‪ :‬اإلنصاف مع الشرح الكبير‪. 147/7 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪550‬‬
‫د ‪ -‬مواساة للمسلمين أغنيائهم وفقرائهم ذلك اليوم فيتفرغ الجميع‬
‫لعبادة اهلل تعالى‪ ،‬والسرور بنعمه‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬شكر نعم اهلل تعالى على الصائمين بالصيام وهلل حكم وأسرار ال‬
‫تصل إليها عقول العالمين(‪.)1‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬األضحية مشروعة ولها أحكام على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ – 1‬مفهومها‪ :‬هي اسم لما يذبح أو ينحر بسبب العيد‪ :‬من اإلبل‪،‬‬
‫والبقر‪ ،‬والغنم‪ :‬يوم النحر‪ ،‬وأيام التشريق الثالثة‪ ،‬تقرب ًا إلى اهلل تعالى‪،‬‬
‫وسميت بذلك واهلل أعلم؛ ألن أفضل زمن لذبحها ضحى يوم العيد(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬حكمها‪ :‬األضحية مشروعة بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وإجماع األمة‪.‬‬
‫فأما الكتاب؛ فلقول اهلل تعالى‪َ :‬ف َص ّل ِلر ّب َك َوا ْن َحر‪.)3(‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫وأما السنة؛ فلحديث أنس ‪ ‬قال‪((:‬ضحى النبي ‪ ‬بكبشين‪،‬‬
‫أملحين(‪ )4‬أقرنين‪ ،‬ذبحهما بيده‪ ،‬وسمى وكبر‪،‬ووضع رجله على‬
‫صفاحهما))‪ .‬وفي لفظ لمسلم‪ :‬ويقول‪(( :‬باسم اهلل واهلل أكبر))‪ .‬وفي لفظ‬
‫للبخاري‪(( :‬كان النبي ‪ ‬يضحي بكبشين‪ ،‬وأنا أضحي بكبشين))(‪.)5‬‬
‫وأما اإلجماع‪ :‬فأجمع المسلمون على مشروعية األضحية(‪،)6‬واألضحية‬
‫سنة مؤكدة جداً ال ينبغي تركها لمن يقدر عليها‪ ،‬وعلى هذا أكثر أهل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إرشاد أولي البصائر واأللباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر األسباب‪،‬للشيخ العالمة السعدي‪،‬ص‪. 143‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬أحكام األضاحي‪ ،‬للعالمة محمد بن صالح بن عثيمين‪ ،‬ص‪ ،2‬ومجالس عشر ذي الحجة‪،‬‬
‫للشيخ عبد اهلل بن صالح الفوزان‪ ،‬ص‪. 31‬‬
‫(‪ )3‬سورة الكوثر‪ ،‬اآلية‪. 2 :‬‬
‫(‪ )4‬األملح ‪ :‬يقال‪ :‬كبش أملح‪ :‬إذا كان بياضه أكث ر من سواده‪ ،‬وقيل‪ :‬هو النقي البياض‪.‬جامع األصول‬
‫البن األثير‪،422/4،‬وانظر‪:‬المغني البن قدامة‪. 430/14،‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب أضحية النبي ‪ ‬بكبشين أقرنين‪ ،‬ويذكر سمينين‪،‬‬
‫برقم ‪ ، 2224‬ومسلم‪ ،‬كتاب األضاحي باب استحباب استحسان األضحية وذبحها مباشرة بال‬
‫توكيل‪ ،‬والتسمية والتكبير‪ ،‬برقم ‪. 1133‬‬
‫(‪ )6‬المغني البن قدامة‪. 430/14 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪556‬‬
‫العلم(‪ .)1‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل يقول‪:‬‬
‫((والضحية سنة‪،‬وقال بعض أهل العلم بوجوبها‪ ،‬والذي عليه جمهور أهل‬
‫العلم أنها سنة مؤكدة لمن قدر لمن كان له سعة‪،‬والحجة في ذلك فعله‬
‫‪‬؛ فإنه كان يضحي كل سنة‪،‬فهي سنة من قوله وفعله عليه الصالة‬
‫والسالم))(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اختلف العلماء رحمهم اهلل في حكم األضحية ‪ ،‬فقال قوم‪ :‬بأنها سنة‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬بالوجوب‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن قدامة‪ (( :‬أكثر أهل العلم يرون األضحية سنة مؤكدة غير واجبة‪ ،‬روي ذلك عن أبي‬
‫بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وأبي مسعود البدري ‪ ،‬وبه قال سويد بن عقبة‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ ،‬وعلقمة‪،‬‬
‫واألسود‪ ،‬وعطاء‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وابن المنذر‪ .‬وقال ربيعة‪ ،‬ومالك‪ ،‬والثوري‪،‬‬
‫واألوزاعي‪ ،‬والليث‪ ،‬وأبو حنيفة‪ :‬هي واجبة؛ لما روى أبو هريرة أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬من كان‬
‫له سعة ولم يضح فال يقربن مصالنا)) [أحمد‪،421/2 ،‬وابن ماجه‪،‬برقم ‪،4124‬وحسنه األلباني في‬
‫صحيح ابن ماجه‪،]82/4،‬وعن مخنف بن سليم قال‪:‬كنا وقوف ًا عند النبي ‪ ‬بعرفة فقال‪((:‬يا أيها‬
‫الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية‪[ ))...‬أحمد‪ ،212/3 ،‬وأبو داود برقم ‪،2788‬‬
‫والنسائي‪،‬برقم ‪،3242‬وابن ماجه‪،‬برقم ‪ ،4122‬والترمذي‪ ،‬وحسنه برقم ‪،1218‬وحسنه األلباني في‬
‫صحيح ابن ماجه‪ ،]82/4 ،‬المغني البن قدامة‪ ،431-430/14 ،‬ومن قال‪ :‬بأن األضحية سنة احتجوا‬
‫بحديث ابن عباس يرفعه‪(( :‬ثالث هن علي فرائض وهن لكم تطوع‪ :‬الوتر‪ ،‬والنحر‪ ،‬وصالة الضحى)) وفي‬
‫ّ‬
‫لفظ الدارقطني‪(( :‬وركعتا الفجر)) بدل ((وصالة الضحى)) رواه أحمد‪ ،‬برقم ‪ ،2020‬والدارقطني‪،21/2 ،‬‬
‫ونقل أحمد شاكر تضعيف هذا الحديث باللفظين]‪ .‬واستدل الجمهور أيضاً بحديث أم سلمة‪ :‬أن النبي ‪‬‬
‫قال‪(( :‬إذا دخلت العشر‪ ،‬وأراد أحدكم أن يضحي فال يمس من شعره وبشره شيئاً))‪ ،‬وفي لفظ‪(( :‬إذا رأيتم‬
‫هالل ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره))‪ ،‬وفي لفظ‪ ...(( :‬فال يأخذن من‬
‫شعره وال من أظفاره شيئاً حتى يضحي)) [مسلم‪ ،‬برقم ‪ ]1177‬فقالوا‪ :‬علقه على اإلرادة‪ ،‬والواجب ال‬
‫يعلق على اإلرادة؛ وألنها ذبيحة لم يجب تفريق لحمها فلم تكن واجبة كالعقيقة‪ ،‬وردوا على أهل‬
‫الوجوب بأن حديثهم قد ُض ّعف‪ ،‬وقالوا‪(( :‬ثم نحمله على تأكيد االستحباب كما قال ‪(( :‬غسل الجمعة‬
‫واجب على كل محتلم)) [تقدم تخريجه] المغني البن قدامة‪ .231/14 ،‬ولكن من قال بالوجوب استدلوا‬
‫أيضاً بحديث في الصحيحين عن جندب بن سفيان البجلي قال‪ :‬شهدت النبي ‪ ‬يوم النحر قال‪(( :‬من‬
‫ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى‪ ،‬ومن لم يذبح فليذبح [على اسم اهلل])) [البخاري‪ ،‬برقم ‪،2232‬‬
‫ومسلم‪ ،‬برقم ‪ ،1130‬وما بين المعقوفين له]‪ ،‬وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على هذا‬
‫الحديث‪(( :‬من ذبح قبل الصالة فالسنة أن يضحي بأخرى‪ ،‬وإذا صلى اإلنسان دخل وقت ضحيته))‪.‬‬
‫(‪ )2‬سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام البن حجر‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،1472‬وانظر‪ :‬فتاوى اللجنة‬
‫الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ، 413/11 ،‬وروي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا ال يضحيان عن‬
‫أهلهما مخافة أن يُرى ذلك واجباً))‪ .‬أخرجه البيهقي‪ ،212/1 ،‬وصححه األلباني في إرواء الغليل‪،‬‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫واألحوط للمسلم أن ال يترك الضحية إذا كان موسراً له قدرة عليها؛‬
‫اتباعاً لسنة نبيه ‪ :‬القولية‪ ،‬والفعلية‪ ،‬والتقريرية‪ ،‬وبراءة للذمة‪ ،‬وخروجاً‬
‫من الخالف عند من قال بالوجوب(‪.)1‬‬
‫‪ - 4‬ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها لما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ألن الذبح وإراقة الدم تقرب ًا هلل تعالى عبادة مشتملة على تعظيم اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬وإظهار شعائر دينه‪ ،‬وإخراج القيمة تعطيل لذلك ‪ُ ‬ق ْل ِإ َّن َصالَ ِتي‬
‫ِ ِِ‬
‫ت‬ ‫يك َل ُه َوب َِذ ِل َك أ ُ ِم ْر ُ‬
‫ين * الَ َشرِ َ‬ ‫ِ‬
‫اي َو َم (َم‪)2‬اتي َّهلل َر ّب ا ْل َعا َلم َ‬
‫ِ‬
‫َونُ ُسكي َو َم ْح َي َ‬
‫ِِ‬
‫ين‪. ‬‬ ‫َوأَ َن ْا أَ َّو ُل الـْ ُم ْسلم َ‬
‫ب ‪ -‬ذبح األضحية وعدم التصدق بثمنها هو هدي النبي ‪ ‬وعمل‬
‫المسلمين‪،‬ولم ينقل أحد أن رسول اهلل ‪ ‬تصدق بثمنها‪،‬وال أحد من أصحابه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ومما يؤكد أن ذبح األضحية أفضل من التصدق بثمنها ولو زاد‬
‫جمع‬
‫ٌ‬ ‫الثمن أن العلماء اختلفوا في وجوبها‪ ،‬وأن القائلين بأنها سنة َصرح‬
‫َّ‬
‫منهم بأنه يكره تركها للقادر(‪ ،)3‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫برقم ‪.1141‬‬
‫(‪ )1‬رجح وجوبها على القادر شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وقال‪(( :‬وأما األضحية فاألظهر وجوبها فإنها‬
‫من أعظم شعائر اإلسالم‪ ،‬وهي النسك العام في جميع األمصار‪ ،‬وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا‬
‫باتباع ملته))‪[.‬فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،132/24،‬وقال‪(( :‬تجوز األضحية عن الميت كما‬
‫يجوز الحج عنه‪ ،‬أو الصدقة عنه‪ ،‬ويضحى عنه في البيت وال يذبح عند القبر أضحية وال غيرها))‬
‫ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫مجموع الفتاوى‪ ،]403/23 ،‬وذكر العالمة ابن عثيمين أن األضحية عن األموات ثالثة أٌقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪:‬أن تكون تبعاً لألحياء كأن يضحي عن نفسه وأهله وفيهم أموات كما فعل النبي‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬أن يضحي عن الميت استقالالً‪ ،‬فقد نص عليه فقهاء الحنابلة‪ ،‬وبعض العلماء ال‬
‫يرى ذلك إال أن يوصي الميت بذلك‪.‬‬
‫القسم الثالث‪:‬أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه فتنفذ الوصية‪:‬أحكام األضاحي‪،‬ص‪،17‬‬
‫واختار شيخ اإلسالم أن األضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها‪ .‬االختيارات‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫(‪ )2‬سورة األنعام‪ ،‬اآليتان‪. 134 - 132 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬أحكام األضحية‪ ،‬للعالمة ابن عثيمين‪ ،‬ص‪. 13-13‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫((واألضحية‪ ،‬والعقيقة‪ ،‬والهدي ‪ ،‬أفضل من الصدقة بثمن ذلك‬
‫‪ - 3‬إذا دخل شهر ذي الحجة فال يأخذ من أراد أن يضحي من شعره‬
‫وال بشرته شيئاً؛لحديث أم سلمة رضي اهلل عنها عن النبي ‪ ‬أنه قال‪((:‬إذا‬
‫رأيتم هالل ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره‬
‫وأظفاره)) وفي لفظ‪((:‬فال يأخذن من شعره وال من أظفاره شيئاً حتى‬
‫يضحي))(‪.)3‬‬
‫‪ - 2‬يبدأ وقت ذبح األضحية من بعد صالة عيد األضحى؛لحديث‬
‫البراء ‪،‬قال‪ :‬قال النبي ‪((:‬إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي‬
‫قبل فإنما هو لحم‬
‫ثم نرجع فننحر‪،‬من فعله فقد أصاب سنتنا‪،‬ومن ذبح ُ‬
‫قدمه ألهله ليس من النسك في شيء)) فقام أبو بردة بن دينار ‪ -‬وقد ذبح‬
‫‪ -‬فقال‪ :‬إن عندي جذعة‪،‬فقال‪(( :‬اذبحها ولن تجزي عن أحد بعدك))‬

‫ضح بها‬
‫وفي لفظ لمسلم‪:‬يا رسول اهلل إن عندي جذعة من المعز‪،‬فقال‪ّ (( :‬‬
‫وال تصلح لغيرك))‪ .‬قال مطرف عن عامر‪ ،‬عن البراء‪،‬قال النبي ‪(( :‬من ذبح‬
‫ّ‬
‫نسكه وأصاب سنة المسلمين))(‪.)4‬ولحديث جندب بن سفيان‬ ‫تم ُ‬ ‫بعد الصالة‬
‫َّ‬
‫البجلي ‪ ‬قال‪(( :‬شهدت النبي ‪ ‬يوم النحر‪ ،‬قال‪(( :‬من ذبح قبل أن يصلي‬
‫فلي ِعد مكانها أخرى‪ ،‬ومن لم يذبح فليذبح [على اسم اهلل]))(‪)5‬؛ ولحديث أنس‬
‫ُ‬
‫‪ ‬قال‪ :‬قال النبي ‪(( :‬من ذبح قبل الصالة فإنما ذبح لنفسه‪ ،‬ومن ذبح بعد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الهدي‪ :‬أي هدي التطوع‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪. 403/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو يريد التضحية أن يأخذ من‬
‫شعره وأظفاره شيئاً‪ ،‬مسلم‪ ،‬برقم ‪.1177‬‬
‫(‪ )4‬م تفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب سنة األضحية‪ ،‬وقال ابن عمر‪ :‬هي سنة ومعروف‪،‬‬
‫برقم ‪ ،2232‬ومسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب وقتها‪ ،‬برقم ‪. 1131‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب من ذبح قبل الصالة‪ ،‬برقم ‪ ،2232‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫األضاحي‪ ،‬باب وقتها‪ ،‬برقم ‪. 1130‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫نسكه‪ ،‬وأصاب سنة المسلمين))(‪.)1‬‬
‫تم ُ‬ ‫الصالة فقد‬
‫َّ‬
‫وآخر وقت ذبح األضاحي هو غروب شمس اليوم الثالث من أيام‬
‫التشريق على القول الراجح من أقوال أهل العلم ‪ ،‬فيكون ذبح‬
‫األضاحي أربعة أيام‪ :‬يوم النحر‪ ،‬وأيام التشريق الثالثة))(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬شروط األضحية‪ :‬األضحية عبادة هلل تعالى ال تقبل إال إذا كانت‬
‫خالصة هلل تعالى‪ ،‬وأن تكون على سنة رسول اهلل ‪ ،‬فإذا لم تكن‬
‫خالصة وعلى هدي رسول اهلل عليه الصالة والسالم فهي غير مقبولة بل‬
‫مردودة‪ ،‬وال تكون األضحية على هدي رسول اهلل ‪ ‬إال باجتماع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب سنة األضحية‪ ،‬برقم ‪ ،2233‬ومسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‬
‫باب وقتها‪ ،‬برقم ‪. 1132‬‬
‫(‪ )2‬اختلف العلماء في آخر وقت ذبح األضاحي‪ :‬فقيل‪ :‬آخر الوقت‪ :‬آخر اليوم الثاني من أيام‬
‫التشريق‪ ،‬فتكون أيام النحر ثالثة‪ :‬يوم النحر‪ ،‬ويومان بعده‪ ،‬وهذا قول عمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬وابن عمر‪،‬‬
‫وابن عباس‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وأنس‪ ،‬قال أحمد‪:‬أيام النحر ثالثة عن غير واحد من أصحاب رسول اهلل‬
‫‪،‬وهو قول مالك‪،‬والثوري‪،‬وأبي حنيفة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬آخره آخر أيام التشريق‪ ،‬وهو مذهب الشافعي‪ ،‬وقول عطاء‪ ،‬والحسن‪ ،‬لما روي ((كل أيام‬
‫التشريق ذبح)) [أحمد‪ ،82/3 ،‬والبيهقي‪ ،212/1 ،‬وذكر اإلمام ابن القيم أن األقوال أربعة‪:‬‬
‫‪ - 1‬الذبح أربعة أيام‪ :‬يوم النحر وأيام التشريق الثالثة‪ ،‬وأنه قول علي ‪ ،‬قال‪ :‬وهو مذهب إمام أهل‬
‫البصرة الحسن‪ ،‬وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح‪ ،‬وإمام أهل الشام األوزاعي‪ ،‬وإمام فقهاء أهل‬
‫الحديث الشافعي‪ ،‬واختاره ابن المنذر‪.‬‬
‫‪ - 2‬الذبح يوم النحر ويومان بعده‪ ،‬وهذا مذهب أحمد‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأبي حنيفة رحمهم اهلل‪ ،‬قال أحمد‪:‬‬
‫وهو قول غير واحد من أصحاب النبي ‪ ‬وذكره األثرم عن ابن عمر وابن عباس ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وقت النحر يوم واحد وهو قول ابن سيرين‪.‬‬
‫‪ - 3‬يوم واحد في األمصار‪،‬وثالثة أيام في منى‪.‬زاد المعاد‪ ،420-411/2،‬وسمعت سماحة شيخنا‬
‫اإلمام ابن باز يقول أثناء تقريره على زاد المعاد‪(( :420/2 ،‬أصح هذه األقوال األربعة أن الذبح‬
‫أربعة أيام‪ :‬يوم النحر‪ ،‬وثالثة أيام بعده))‪ .‬وانظر المغني البن قدامة‪ ،483/14 ،‬وفتاوى اللجنة‬
‫الدائمة للبحوث العلمية‪. 303/8 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫شروطها‪ ،‬وانتفاء موانعها‪.‬‬
‫وشروطها أنواع‪:‬منها ما يعود للوقت‪،‬وتقدم‪،‬ومنها ما يعود لعدد المضحين‬
‫ضحى به وهي أربعة شروط‪:‬‬ ‫للم َّ‬‫بها‪،‬وسيأتي إن شاء اهلل تعالى‪،‬ومنها ما يعود ُ‬
‫الشرط األول‪ :‬أن تكون الضحية ملكاً للمضحي ملكها بطريق شرعي‪،‬‬
‫فال تصح األضحية بمغصوب‪ ،‬أو مسروق‪ ،‬أو مملوك بعقد فاسد‪ ،‬أو ما‬
‫كان ثمنه خبيثاً محرماً‪ :‬كالربا وغيره؛ لقول النبي ‪(( :‬إن اهلل طيب ال‬
‫يقبل إال طيباً))(‪ .)1‬وينبغي للمسلم أن يختار األضحية التي تجتمع فيها‬
‫الصفات المستحبة؛ ألن ذلك من تعظيم شعائر اهلل؛ لقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫وب‪ ،)2(‬وتعظيم البدن‬ ‫‪َ ‬ذ ِل َك َو َمن يُ َعظّم َش َع ِائر اهلل َف ِإنَّ َها ِمن َت ْق َوى ا ْل ُق ُل ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫من تعظيم شعائر اهلل‪،‬وعن مجاهد في قوله‪َ :‬و َمن يُ َعظّم َش َعائر اهلل‪ ‬قال‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫استعظام البدن‪ :‬استحسانها‪ ،‬واستسمانها))(‪.)3‬‬
‫سمن‬‫كنا نُ ّ‬‫سمعت أبا أمامة بن سهل قال‪َّ (( :‬‬ ‫ُ‬ ‫قال يحيى بن سعيد‬
‫(‪)4‬‬
‫سمنون)) ‪.‬‬ ‫األضحية بالمدينة‪،‬وكان المسلمون يُ ّ‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن تكون األضحية من الجنس الذي عينه الشارع وهو‪:‬‬
‫اإلبل‪ ،‬والبقر‪ ،‬والغنم‪ :‬ضأنها ومعزها‪ ،‬وهي بهيمة األنعام فقط‪ ،‬قال اهلل‬
‫نس ًكا ِلي ْذ ُكروا ْاسم اهلل َع َلى َما َر َز َق ُهم ّمن‬ ‫َ‬ ‫تعالى‪َ  :‬و ِل ُك ّل أ ُ َّم ٍة َج َع ْل َنا َم‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫يم ِة األنعام‪ ،)5(‬وذكر اإلمام النووي اإلجماع على أنه ال يجزئ في‬ ‫َبهِ َ‬
‫(‪)6‬‬
‫األضحية إال‪ :‬اإلبل‪ ،‬والبقر‪ ،‬والغنم ‪.‬‬
‫السن المعتبرة شرعاً‪ ،‬فال يجزئ إال‬
‫ّ‬ ‫الشرط الثالث‪ :‬أن تبلغ األضحية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪،‬كتاب الزكاة‪،‬باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها‪،‬برقم ‪. 1012‬‬
‫(‪ )2‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪. 42 :‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪ ،243/4 ،‬والمغني البن قدامة‪. 437/14 ،‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب أضحية النبي ‪ ‬بكبشين أقرنين‪ ،‬ويذكر سمينين‪ ،‬رقم الباب ‪،7‬‬
‫قبل الحديث رقم ‪. 2224‬‬
‫(‪ )5‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪. 43 :‬‬
‫(‪ )6‬شرح النووي على صحيح مسلم‪. 122/14 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫الجذع من الضأن والثني من غيره‪ :‬والجذع من الضأن‪ :‬ما له ستة أشهر‬
‫ودخل في السابع‪ ،‬ويُعرف إذا مالت الصوفة على ظهره ُع ِلم أنه قد‬
‫َ‬
‫أجذع‪ .‬وثني المعز إذا تمت له سنة ودخل في الثانية‪ ،‬والبقر إذا صار لها‬
‫سنتان ودخلت في الثالثة‪ ،‬واإلبل إذا صار لها خمس سنين ودخلت في‬
‫السادسة‪ ،‬قال األصمعي وغيره‪(( :‬إذا مضت السنة الخامسة على البعير‬
‫ودخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني‪ ،‬ونرى أنه إنما سمي ثنياً؛‬
‫ألنه ألقى ثنيته‪ ،‬وأما البقرة فهي التي لها سنتان؛ ألن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ال‬
‫تذبحوا إال ُم ِسنَّة))(‪ ،)1‬ومسنة البقرة التي لها سنتان‪ .‬وقال وكيع‪(( :‬الجذع‬
‫من الضأن يكون ابن سبعة أو ستة أشهر))(‪ ،)2‬فالضحية عبادة ال يشرع‬
‫فيها إال ما حدده النبي ‪ ،‬وقد قال عليه الصالة والسالم‪(( :‬ال تذبحوا‬
‫تعسر عليكم‪ ،‬فتذبحوا جذعة من الضأن))(‪ .)3‬قال اإلمام‬ ‫ِ‬
‫إال ُمسنّة‪ ،‬إال أن ّ‬
‫النووي رحمه اهلل‪(( :‬قال العلماء‪ :‬المسنة هي الثنية من كل شيء‪ :‬من‬
‫اإلبل والبقر‪ ،‬والغنم‪ ،‬فما فوقها‪ ،‬وهذا تصريح بأنه ال يجوز الجذع من‬
‫غير الضأن في حال من األحوال‪ ،‬وهذا ُم ْج َمع عليه على ما نقله القاضي‬
‫عياض‪ .‬وأما الجذع من الضأن فمذهبنا ومذهب العلماء كافة يجزئ‬
‫سواء وجد غيره أم ال‪ ،‬قال الجمهور‪ :‬هذا الحديث محمول على‬
‫االستحباب واألفضل‪ ،‬وتقديره‪ :‬يستحب لكم أن ال تذبحوا إال مسنة‪،‬‬
‫فإن عجزتم فجذعة ضأن‪ ،‬وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها ال‬
‫تجزئ بحال‪ ،‬وقد أجمعت األمة أنه ليس على ظاهره؛ ألن الجمهور‬
‫يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه))(‪.)4‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أن تكون سالمة من العيوب المانعة مـن اإلجـزاء‪ ،‬ومـن‬
‫هذه العيوب ما ثبت في حديث البراء بن عازب ‪‬أنه قال‪ :‬قـام فينـا رسـول‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني البن قدامة‪. 431/14 ،‬‬
‫(‪ )2‬المغني البن قدامة‪ ،431/14 ،‬وانظر‪ :‬أحكام األضحية البن عثيمين‪ ،‬ص‪. 23‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب سن الضحية‪ ،‬برقم ‪. 1134‬‬
‫(‪ )4‬شرح النووي على صحيح مسلم‪. 122/14 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫اهلل ‪ ،‬وأصابعي أقصر من أصابعه وأنـاملي أقصـر مـن أناملـه‪ ،‬فقـال‪(( :‬أربـع‬
‫عورهــــا(‪ ،)1‬والمريضــــة البــــين‬
‫ـــين ُ‬‫ال تجــــوز فــــي األضــــاحي‪ :‬العــــوراء البـ‬
‫(‪ّ )4‬‬ ‫ُ(‪ّ )3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ظلعهـــا ‪ ،‬والكســـيرة التـــي ال تنقـــى)) ‪ .‬قـــال‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ــي‬
‫ـ‬ ‫الب‬ ‫ــاء‬
‫ـ‬ ‫والعرج‬ ‫‪،‬‬ ‫مر ُضـــها‬
‫ّ‬
‫[الــراوي عــن البــراء] قلت‪:‬فــإني أكــره أن يكــون فــي الســن نقــص؟ فقــال‪((:‬مــا‬
‫كرهت فدعه وال تحرمه على أحد))‪.‬وهذا لفظ أبي داود‪ ،‬أما لفـظ الترمـذي‪:‬‬
‫((ال يُ َض َّحى بالعرجـاء بـين ظلعهـا‪،‬وال بـالعوراء بـين عورهـا‪ ،‬وال بالمريضـة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بين مرضها‪،‬وال بالعجفاء التي ال تنقى))‪ .‬ولفظ النسائي‪(( :‬أربع ال تجوز فـي‬
‫ّ‬
‫األضــاحي‪:‬العوراء البــين عورها‪،‬والمريضــة البــين مرضــها‪ ،‬والعرجــاء البــين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ظلعها‪،‬والكسيرة التي ال تنقى))‪[ .‬قال الراوي عـن البـراء] قلـت‪:‬إني أكـره أن‬
‫يكـــون فـــي القـــرن نقـــص‪،‬وأن يكـــون فـــي الســـن نقـــص‪ ،‬قـــال‪(( :‬مـــا كرهتـــه‬
‫فدعــه‪،‬وال تحرمــه علــى أحــد))‪.‬ولفــظ ابــن ماجــه مثــل لفــظ النســائي إال أنــه‬
‫قــال‪:‬إني أكــره أن يكــون نقــص فــي األذن‪،‬قــال‪((:‬فمــا كرهــت منــه فدعــه‪،‬وال‬
‫تحرمه على أحد))‪.‬وفي روايـة الموطـأ نحـو روايـة أبـي داود‪ ،‬والنسـائي‪ ،‬إلـى‬
‫قوله‪(( :‬ال تنقى)) وجعل بدل الكسيرة ((العجفاء))(‪.)6( )5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬العوراء البين عورها ‪ :‬وهي التي انخسفت عينها أو برزت‪ ،‬فإن كانت عوراء ال تبصر بعينها ولكن‬
‫ّ‬
‫عورها غير بين أجزأت والسليمة من ذلك أولى‪.‬‬
‫(‪ )2‬المريضة البين مرضها‪ :‬وهي التي ظهر عليه ا آثار المرض‪ ،‬مثل‪ :‬الحمى التي تقعدها عن الرعي‪،‬‬
‫ّ‬
‫ومثل‪ :‬الجرب الظاهر المفسد للحمها‪ ،‬أو المؤثر في صحتها‪ ،‬ونحو ذلك مما يعده الناس مرضاً‬
‫بيناً‪ ،‬فإن كان فيها كسل أو فتور يمنعها من المرعى‪ ،‬واألكل‪ ،‬أجزأت لكن السالمة منه أولى‪.‬‬
‫(‪ )3‬العرجاء‪ :‬هي التي ال تستطيع مرافقة السليمة في المشي‪ ،‬فإن كان فيها عرج يسير ال يتبين أجزأت‬
‫والسالمة منه أولى‪ ،‬والظلع ‪ :‬العرج‪ ،‬والظالع‪ :‬الغامز في مشيته‪ .‬انظر‪ :‬جامع األصول البن األثير‪،‬‬
‫‪ ،443/4‬وأحكام األضاحي البن عثيمين‪ ،‬ص‪. 43‬‬
‫(‪ )4‬الكسيرة‪ :‬الهزيلة‪ ،‬والتي ال تنقى ‪ :‬أي التي ليس فيها مخ‪ ،‬أي مخ العظم‪ ،‬انظر‪ :‬جامع األصول‬
‫البن األثير‪ ،443/4 ،‬وأحكام األضاحي‪ ،‬البن عثيمين‪ ،‬ص‪. 43‬‬
‫(‪ )5‬العجفاء ‪ :‬هي الكسيرة التي ال تنقى أي الهزيلة الضعيفة‪ ،‬انظر جامع األصول البن األثير‪،‬‬
‫‪. 442/4‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب ما يكره من الضحايا‪ ،‬برقم ‪ ،280‬والترمذي‪ ،‬كتاب األضاحي‪،‬‬
‫باب ما ال يجزئ من األضاحي‪ ،‬برقم ‪ ،1317‬والنسائي‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب ما نهي عنه من‬
‫األضاحي‪،‬برقم ‪، 3431‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يكره أن يضحي به‪ ،‬برقم ‪،3133‬‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫قال اإلمام الترمذي رحمه اهلل‪(( :‬والعمل على هذا عند أهل العلم))(‪.)1‬‬
‫قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل عن هذه األربع المذكورة‪(( :‬ال نعلم‬
‫بين أهل العلم خالفاً في أنها تمنع اإلجزاء))(‪ .)2‬ويُلحق بهذه األربع ما‬
‫كان به عيب أعظم من هذه العيوب؛ فإن عدم إجزائها أولى‪ ،‬كالعمياء‬
‫التي ال تبصر بعينها؛ ألنها أولى بعدم اإلجزاء من العوراء البين عورها‪،‬‬
‫ومقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين؛ ألنها أولى بعدم اإلجزاء من‬
‫العرجاء البين ظلعها‪ ،‬وما أصابه سبب الموت‪ :‬كالمنخنقة‪ ،‬والموقوذة‪،‬‬
‫ّ‬
‫والمتردية‪ ،‬والنطيحة‪ ،‬وما أكل السبع؛ ألن هذه أولى بعدم اإلجزاء من‬
‫المريضة البين مرضها‪ ،‬والعاجزة عن المشي لعاهة‪ -‬وتسمى‪ :‬الزمنى ‪-‬‬
‫أولى بعدم اإلجزاء من العرجاء البين ظلعها‪ ،‬وغير ذلك من العيوب‬
‫(‪)3‬‬ ‫ّ‬
‫التي هي أشد من العيوب األربع المذكورة ‪ ،‬وسمعت شيخنا اإلمام‬
‫عبد العزيز بن عبداهلل ابن باز يقول‪(( :‬العمياء أشد من العوراء‪ ،‬فما كان‬
‫أشد من هذه األربع في العيب‪ ،‬كان عدم إجزائه أولى))(‪.)4‬‬
‫‪ - 7‬العيوب المكروهة في األضحية على النحو اآلتي‪:‬‬
‫األولى‪ :‬العضباء‪:‬وهي مقطوعة األذن‪:‬النصف فما فوقه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬المقابلة‪ :‬وهي التي ُش ّقت أذنها من األمام عرضاً‪ .‬وقال ابن‬
‫األثير‪(( :‬شاة مقابلة إذا قطع من مقدم أذنها وتركت معلقة فيها كأنها‬
‫زنمة))(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫وصححه األلباني في صحيح النسائي‪.373/4 ،‬‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي‪ ،‬ص‪. 433‬‬
‫(‪ )2‬المغني البن قدامة‪. 431/14 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬أحكام األضاحي البن عثيمين‪ ،‬ص‪. 43-42‬‬
‫(‪ )4‬سمعته أثناء تقريره على سنن النسائي‪،‬الحديث رقم ‪،3431‬وذلك بتاريخ ‪1317/3/21‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )5‬جامع األصول‪ ،443/4 ،‬وانظر‪ :‬أحكام األضاحي‪ ،‬البن عثيمين‪ ،‬ص‪. 47‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫الثالثة‪ :‬المدابرة‪ :‬وهي التي ُش ّقت أذنها من الخلف عرض ًا‪ ،‬وقال ابن‬
‫األثير‪(( :‬المدابرة التي فعل بها ذلك من مؤخرة أذنها‪ ،‬واسم الجلدة فيها‪:‬‬
‫اإلقبالة واإلدبارة))(‪.)1‬‬
‫الرابعة‪:‬الشرقاء‪:‬وهي التي ُش ّقت أذنها طوالً‪،‬وقال ابن األثير‪(( :‬الشرقاء‬
‫التي ُش ّقت أذنها‪،‬وقد شرقت الشاة – بالكسر ‪ -‬فهي شاة شرقاء(‪.)2‬‬
‫الخامسة‪ :‬الخرقاء‪ :‬وهي التي ُخرقت أذنها‪ ،‬قال ابن األثير‪(( :‬الخرقاء‬
‫من الغنم التي في أذنها خرق‪ ،‬وهو ثقب مستدير))(‪.)3‬‬
‫السادسة‪ :‬المصفرة‪ :‬وهي التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها(‪.)4‬‬
‫السابعة‪ :‬المستأصلة‪ :‬وهي التي ذهب قرنها من أصله‪ ،‬قال ابن األثير‪:‬‬
‫است ْؤصل قرنها من أصله))(‪.)5‬‬
‫((والمستأصلة‪ :‬التي ُ‬
‫الثامنة‪:‬البخقاء‪:‬وهي التي بخقت عينها‪،‬قال ابن األثير‪((:‬والبخقاء‪ :‬التي‬
‫تبخق عينها))(‪.)6‬وقال في النهاية‪((:‬والبخق أن يذهب البصر وتبقى العين‬
‫قائمة))‪.‬وقال في القاموس‪((:‬البخق أقبح العور وأكثره غمص ًا))‪ .‬وعلى هذا‬
‫فإذا كان البخق عوراً بيناً لم تجز كما يدل عليه حديث البراء السابق(‪.)7‬‬
‫ّ‬
‫التاسعة‪ :‬المشيعة‪:‬وهي التي ال تتبع الغنم عجفاً‪ ،‬وضعفاً‪،‬تكون وراء‬
‫الغنم‪:‬كالمشيع للمسافر‪،‬وقيل بفتح الياء؛لحاجتها إلى من يشيعها؛لتلحق‬
‫بالغنم‪،‬فإن لم يكن فيها مخ فال تجزئ‪،‬وإن كان فيها مخ وال تستطيع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جامع األصول‪ ،443/4 ،‬وانظر‪ :‬أحكام األضاحي‪ ،‬البن عثيمين‪ ،‬ص‪. 47‬‬
‫(‪ )2‬جامع األصول‪ ،443/4 ،‬وانظر‪ :‬أحكام األضاحي‪ ،‬البن عثيمين‪ ،‬ص‪. 47‬‬
‫(‪ )3‬جامع األصول‪ ،443/4 ،‬وانظر‪ :‬أحكام األضاحي‪ ،‬البن عثيمين‪ ،‬ص‪. 47‬‬
‫(‪ )4‬جامع األصول البن األثير‪ ،447/4 ،‬وقال في التلخيص إنها المهزولة‪ ،‬وذكرها في النهاية بقيل‪:‬‬
‫كذا وقيل‪ :‬كذا‪ .‬أحكام األضاحي‪ ،‬ص‪. 48‬‬
‫(‪ )5‬جامع األصول‪. 447/4 ،‬‬
‫(‪ )6‬جامع األصول‪. 447/4 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬أحكام األضاحي البن عثيمين‪ ،‬ص‪. 48‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪550‬‬
‫معانقة الغنم لم تجز أيض ًا؛ألنها كالعرجاء البين ظلعها‪،‬وإن كانت‬
‫تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة(‪.)2( )1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬جامع األصول البن األثير‪،447/4،‬وأحكام األضاحي البن عثيمين‪،‬ص‪. 48‬‬
‫(‪ )2‬وجاء في هذه العيوب التسعة حديث علي ‪ ‬قال‪((:‬أمرنا رسول اهلل ‪ ‬أن نستشرف العين واألذن‪ ،‬وأن‬
‫ال نضحي بمقابلة‪ ،‬وال مدابرة‪ ،‬وال شرقاء‪ ،‬وال خرقاء)) وفي رواية‪(( :‬المقابلة ما قطع طرف أذنها‪،‬‬
‫والمدابرة‪ :‬ما قطع من جانب األذن‪ ،‬والشرقاء‪ :‬المشقوقة‪ ،‬والخرقاء‪ :‬المثقوبة)) هذا لفظ الترمذي في‬
‫كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يكره من األضاحي‪ ،‬برقم ‪ ،1318‬وقال‪(( :‬حديث حسن صحيح))‪ ،‬ولفظ‬
‫النسائي‪(( :‬أمرنا رسول اهلل ‪ ‬أن نستشرف العين‪ ،‬واألذن‪ ،‬وأن ال نضحي بمقابلة‪ ،‬وال مدابرة‪ ،‬وال‬
‫بتراء‪ ،‬وال خرقاء))‪ ،‬وفي لفظ‪(( :‬وأن ال نضحي بعوراء)) وفي لفظ‪ ...(( :‬أو جدعاء))‪ ،‬وهذا لفظ‬
‫النسائي في كتاب األضاحي‪ ،‬باب المقابلة‪ ،‬برقم ‪ ،3472‬وباب المدابرة‪ ،‬برقم ‪ ،3474‬وباب‬
‫الخرقاء‪ ،‬برقم ‪ ،3473‬وباب الشرقاء‪ ،‬برقم ‪ .3472‬ولفظ أبي داود‪(( :‬أمرنا رسول اهلل ‪ ‬أن‬
‫نستشرف العين واألذن‪ ،‬وال نضحي بعوراء‪ ،‬وال مقابلة‪ ،‬وال مدابرة‪ ،‬وال خرقاء‪ ،‬وال شرقاء))‪ ،‬قال‬
‫زهير‪ :‬قلت ألبي إسحاق‪ :‬أذكر عضباء؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قلت‪ :‬فما المقابلة؟ قال‪ :‬يقطع طرف األذن‪،‬‬
‫قلت‪ :‬فما المدابرة‪ ،‬قال‪ :‬يقطع من مؤخر األذن‪ ،‬قلت‪ :‬فما الشرقاء؟ قال‪ :‬تشق األذن‪ ،‬قلت‪ :‬فما‬
‫الخرقاء؟ قال‪ :‬تخرق أذنها للسمة)) أبو داود‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يكره من األضاحي‪ ،‬برقم‬
‫‪ .2803‬ولفظ ابن ماجه‪(( :‬نهى رسول اهلل ‪ ‬أن نضحي بمقابلة‪ ،‬أو مدابرة‪ ،‬أو شرقاء‪ ،‬أو خرقاء‪،‬‬
‫أو جدعاء)) ‪ .‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يكره أن يضحي به‪ ،‬برقم ‪ ،4132‬ولفظ اإلمام‬
‫أحمد‪(( :‬نهى رسول اهلل ‪ ‬أن يضحى بالمقابلة‪ ،‬أو بمدابرة‪ ،‬أو شرقاء‪ ،‬أو خرقاء‪ ،‬أو جدعاء))‪،‬‬
‫وفي لفظ عن ُح ّجية بن عدي رجل من كندة قال‪ :‬سمعت رجالً سأل علياً قال‪ :‬إني اشتريت هذه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البقرة لألضحى‪ ،‬قال عن سبعة‪ ،‬قال‪ :‬القرن؟ قال‪ :‬ال يضرك‪ ،‬قال العرج؟ قال‪ :‬إذا بلغت المنسك‬
‫فانحر‪ ،‬ثم قال‪(( :‬أمرنا رسول اهلل ‪ ‬أن نستشرف العين واألذن)) أحمد برقم ‪ ،842‬ورقم ‪،743‬‬
‫ورقم ‪ ، 823‬وصحح إسناده أحمد شاكر في هذه المواضع كلها‪ ،‬ورواه بهذا اللفظ الترمذي عن‬
‫حجية بن عدي عن علي قال‪ (( :‬البقرة عن سبعة‪ ،‬قلت‪ :‬فإن ولدت؟ قال‪ :‬اذبح ولدها معها‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫فالعرجاء؟ قال‪ :‬إذا بلغت المنسك‪ ،‬قلت فمكسورة القرن؟ قال‪ :‬ال بأس‪ ،‬أُمرنا ‪ -‬أو أمرنا رسول‬
‫اهلل ‪ - ‬أن نستشرف العينين‪ ،‬واألذنين))‪ .‬الترمذي‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب في الضحية بعضباء‬
‫القرن واألذن‪ ،‬برقم ‪ ، 1204‬ولفظ ابن ماجه في كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يكره أن يضحى به‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،4134‬عن حجية بن عدي عن علي قال‪(( :‬أمرنا رسول اهلل ‪ ‬أن نستشرف العين واألذن))‪،‬‬
‫وصحح إسناد حديث حجية أحمد شاكر كما تقدم آنفاً‪ ،‬وحسنه األلباني في إرواء الغليل‪،‬‬
‫‪ ،432/3‬وفي صحيح سنن ابن ماجه‪ ،83/4 ،‬وقبل ذلك صحح إسناده الحاكم ووافقه الذهبي‪،‬‬
‫‪ ،222/3‬وروى أحمد لفظ أبي داود في المقابلة والمدابرة والشرقاء‪ ،‬والخرقاء‪ ،‬برقم ‪ ،821‬وقال‬
‫أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وقال الشوكاني بعد أن ذكر حديث علي هذا الذي رواه الخمسة‪:‬‬
‫((وحديث علي ‪ ‬أخرجه أيضاً البزار [كشف األستار‪ ،‬برقم ‪ ،]1204‬وابن حبان [برقم ‪،]2120‬‬
‫والحاكم [‪ ،]338/1‬والبيهقي [‪ ،]272/1‬وأعله الدارقطني [نيل األوطار‪ ]382/4 ،‬وضعفه‬
‫األلباني في ضعيف الترمذي‪ ،‬ص‪ 133‬في ضعيف أبي داود ص‪ ،217‬وضعيف سنن النسائي‪،‬‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪556‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫ص‪ ،133‬وضعيف ابن ماجه‪ ،‬ص‪ ،224‬والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي‪ ،‬وصحح‬
‫إسناده أحمد شاكر كما تقدم‪ ،‬وقد ذكر األلباني طرقه في إرواء الغليل‪ ،433/3 ،‬ثم قال‪(( :‬وجملة‬
‫القول‪ :‬إن الحديث بمجموع طرقه هذه صحيح وذكر القرن فيه منكر عندي تفرد جري به))‪.‬‬
‫وأما ما جاء في المستأصلة‪ ،‬والبخقاء‪ ،‬والمشيعة‪ ،‬والكسراء‪ ،‬والمصفرة؛ لما روي عن يزيد ذي‬
‫مصر قال‪ :‬أتيت عتبة بن عبد السلمي‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا الوليد إني خرجت ألتمس الضحايا‪ ،‬فلم أجد‬
‫شيئاً يعجبني‪ ،‬غير ثرماء‪ ،‬فكرهتها‪ ،‬فما تقول؟ قال‪ :‬أفال جئتني بها؟ قلت‪ :‬سبحان اهلل تجوز عنك‬
‫وال تجوز عني؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬إنك تشك وال أشك‪ ،‬إنما نهى رسول اهلل ‪ ‬عن المصفرة‪ ،‬والمستأصلة‪،‬‬
‫والبخقاء‪ ،‬والمشيعة‪ ،‬والكسراء‪ ،‬فالمصفرة‪ :‬التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها‪ ،‬والمستأصلة‬
‫التي استوصل قرنها من أصله‪ ،‬والبخقاء‪ :‬التي تبخق عينها‪ ،‬والمشيعة‪ :‬التي ال تتبع الغنم عجفاً‬
‫وضعفاً‪ ،‬والكسراء‪ :‬الكسيرة))‪ .‬أبو داود‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب ما يكره من الضحايا‪ ،‬برقم‬
‫‪،2804‬وضعفه األلباني في ضعيف أبي داود‪،‬ص‪،217‬وقال األرنؤوط في تحقيقه لجامع األصول‪،‬‬
‫‪(( :447/4‬وفي إسناده أبو حميد الرعيني‪ ،‬وهو مجهول‪ ،‬ويزيد ذو مصر لم يوثقه غير ابن حبان))‪.‬‬
‫ضحى بعضباء األذن والقرن‪ .‬قال قتادة‬ ‫وأما عضباء األذن والقرن‪ ،‬فعن علي أن النبي ‪ ‬نهى أن ُي َّ‬
‫لسعيد بن المسيب‪ :‬ما األعضب؟ قال‪ :‬النصف فما فوقه‪ .‬هذا لفظ أبي داود‪،‬برقم ‪،2802‬في كتاب‬
‫الضحايا‪ ،‬باب ما يكره من الضحايا‪ .‬ولفظ النسائي في كتاب الضحايا‪ ،‬باب العضباء‪ ،‬برقم‬
‫‪(( :3481‬نهى رسول اهلل ‪ ‬أن يُضحى بأعضب القرن)) فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب؟‬
‫قال‪((:‬نعم األعضب النصف وأكثر من ذلك))‪.‬ولفظ الترمذي في كتاب األضاحي‪،‬باب في الضحية‬
‫بعضباء القرن واألذن برقم ‪ 1203‬عن قتادة عن جري بن كليب الهندي عن علي قال‪(( :‬نهى رسول‬
‫اهلل ‪ ‬أن نضحي بأعضب القرن واألذن))‪،‬قال قتادة‪:‬فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال‪ :‬العضب ما‬
‫ضحى به‪ ،‬برقم‬‫بلغ النصف فما فوق ذلك‪ .‬ولفظ ابن ماجه في كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يكره أن يُ َّ‬
‫‪ ،4132‬عن علي قال‪(( :‬إن رسول اهلل ‪ ‬نهى أن يضحى بأعضب القرن واألذن))‪ .‬ولفظ اإلمام‬
‫ضحى بعضباء القرن واألذن))‪ ،‬وحديث علي‬ ‫أحمد في المسند ‪(( :121/1‬نهى رسول اهلل ‪ ‬أن يُ َّ‬
‫‪‬في النهي عن التضحية بعضباء القرن واألذن قال الترمذي‪(( :‬هذا حديث حسن صحيح))‪ .‬وقال‬
‫الشوكاني في نيل األوطار‪(( :371/4 ،‬حديث علي ‪ ‬صححه الترمذي‪ ...‬وسكت عنه أبو داود))‪،‬‬
‫وتكلم على إسناده أحمد شاكر في المسند‪ ،‬برقم ‪ ،344‬وقال‪(( :‬إسناده صحيح))‪ ،‬ولكن األلباني‬
‫ضعفه في ضعيف ابن ماجه‪ ،‬وضعيف النسائي‪ ،‬وضعيف أبي داود‪ ،‬وضعيف الترمذي‪ ،‬وفي إرواء‬
‫الغليل‪ ،‬برقم ‪ 1131‬قال‪(( :‬منكر))‪ .‬وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز يقول أثناء تقريره على منتقى‬
‫األخبار البن تيمية‪ ،‬الحديث رقم ‪(( :2721‬حديث علي صحيح))‪ ،‬واهلل ‪ ‬أعلم‪.‬‬
‫قال الشوكاني‪ (( :‬فيه دليل على أنها ال تجزئ التضحية بأعضب القرن واألذن وهو ما ذهب نصف‬
‫قرنه أو أذنه‪ ،‬وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أنها تجزئ التضحية بمكسور القرن‬
‫مطلقاً‪ ...‬فالظاهر أن مكسورة القرن ال تجوز التضحية بها إال أن يكون الذاهب من القرن مقداراً‬
‫يسيراً‪ ،‬بحيث ال يقال لها عضباء؛ ألجله‪ ،‬أو يكون دون النصف‪ ...‬وكذلك ال تجزئ التضحية‬
‫بأعضب األذن وهو ما صدق عليه اسم العضب‪[ ))...‬نيل األوطار للشوكاني‪.]371/4 ،‬‬
‫وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول أثناء تقريره على سنن‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫وذكر بعض أهل العلم أنه يلحق بالعيوب المكروهة العيوب اآلتية‪:‬‬
‫األولى‪ :‬البتراء‪ ،‬وهي التي قطع ذنبها‪ :‬من اإلبل‪ ،‬والبقر‪ ،‬والمعز‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فتكره التضحية بها؛ لما جاء في رواية النسائي من حديث علي ‪‬‬
‫وبالقياس على العضباء‪ ،‬قال ابن األثير رحمه اهلل في معنى البتراء‪(( :‬هي‬
‫التي قطع ذنبها))(‪)2‬؛ ألن في الذنب مصلحة للحيوان‪ ،‬ودفاع ًا لما يؤذيه‪،‬‬
‫وجماالً لمؤخره‪ ،‬وفي قطعه فوات هذه األمور‪ .‬وأما البتراء بأصل‬
‫الخلقة فال تكره ولكن غيرها أولى‪.‬‬
‫وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فال تجزئ‪،‬‬
‫ألن ذلك نقص بين في جزء مقصود منها‪ ،‬أما إذا كانت من نوع ال ألية‬
‫ّ‬
‫له بأصل الخلقة أجزأت بدون كراهة(‪.)3‬‬
‫الثانية‪ :‬ما قطع أنفها أو شفتها؛ لما جاء في رواية النسائي من حديث‬
‫علي ‪ ،)4(‬قال ابن األثير رحمه اهلل في الجدعاء‪(( :‬الجدع قطع األنف‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫النسائي‪ ،‬الحديث رقم ‪ 3472‬بتاريخ ‪1317/7/2‬هـ‪(( :‬النقص كالشرق أو الخرق مكروه وكذلك‬
‫المقابلة والمدابرة إال إذا كان ذلك أكثر من نصف األذن أو القرن فهذا ال يجزئ‪ ،‬فيكون غير‬
‫المجزئ خمس‪ :‬العوراء البين عورها‪ ،‬والعرجاء البين ظلعها‪ ،‬والهزيلة التي ال تنقى‪ ،‬والمريضة‬
‫البين مرضها‪ ،‬والعضباء‪ :‬وهي ما ذهب نصف قرنها أو أذنها))‪ ،‬وسمعته يصحح حديث علي في‬
‫عضباء األذن والقرن أثناء تقريره على منتقى األخبار للمجد ابن تيمية‪ ،‬الحديث رقم ‪.2721‬‬
‫واختار اإلمام الخرقي في مختص ره أن عضباء األذن والقرن ال تجزئ‪ ،‬وقال ابن قدامة في المغني‬
‫شارح ًا ذلك‪(( :‬أما العيوب األربعة األولى فال نعلم بين أهل العلم خالفاً بأنها تمنع اإلجزاء‪...‬‬
‫وأما العضب وهو ذهاب نصف األذن والقرن‪ ،‬وذلك يمنع اإلجزاء أيضاً‪ ،‬وبه قال النخعي‪ ،‬وأبو‬
‫يوسف‪ ،‬ومحمد‪ .‬وقال أبو حنيفة والشافعي تجزئ مكسورة القرن‪ ))...‬ثم رجح أن عضباء األذن‬
‫والقرن ال تجزئ‪ .‬المغني البن قدامة‪. 470-431/14 ،‬‬
‫ضحي بمقابلة‪ ،‬وال‬
‫(‪ )1‬ولفظه عند النسائي‪(( :‬أمرنا رسول اهلل ‪ ‬أن نستشرف العين واألذن‪ ،‬وأن ال نُ ّ‬
‫مدابرة‪ ،‬وال بتراء‪ ،‬وال خرقاء‪ ))...‬الحديث أخرجه الخمسة وهذا لفظ النسائي‪ ،‬برقم ‪،3472‬‬
‫وتقدم الكالم عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬النهاية في غريب الحديث‪. 14/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬أحكام األضحية البن عثيمين‪ ،‬ص‪. 30‬‬
‫(‪ )4‬ولفظه عند النسائي‪(( :‬نهى رسول اهلل ‪ : ‬أن نضحي بمقابلة‪ ،‬أو مدابرة‪ ،‬أو شرقاء‪ ،‬أو خرقاء‪ ،‬أو‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫واألذن‪ ،‬والشفة‪ ،‬وهو باألنف أخص‪ ،‬فإذا أطلق غلب عليه‬
‫الثالثة‪ :‬ما قطع ذكره فتكره التضحية به‪ ،‬قياساً على العضباء‪ ،‬فأما ما‬
‫قطعت خصيتاه فال تكره التضحية به؛ ألن الخصاء يزيد سمنه‪ ،‬وطيب‬
‫لحمه(‪ .)2‬وغير ذلك من العيوب التي ذكرها أهل العلم التي تكره‬
‫التضحية بها(‪ ،)3‬واهلل تعالى أعلم‪.‬‬
‫‪ - 8‬تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته‪ ،‬والبدنة‪ ،‬والبقرة عن سبعة؛‬
‫لحديث أبي أيوب األنصاري ‪ ،‬حينما سئل‪ :‬كيف كانت الضحايا على‬
‫عهد رسول اهلل ‪ ،‬فقال‪(( :‬كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته‪،‬‬
‫فيأكلون‪ ،‬ويطعمون‪ ،‬حتى تباهى الناس فصارت كما ترى))(‪ .)4‬قال اإلمام‬
‫الترمذي رحمه اهلل‪(( :‬والعمل على هذا عند بعض أهل العلم‪،‬وهو قول‬
‫أحمد‪ ،‬وإسحاق))(‪.)5‬‬
‫وأما البدنة فتجزئ عن سبعة‪ ،‬والبقرة عن سبعة؛ لحديث جابر بن‬
‫عبد اهلل رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪(( :‬نحرنا مع رسول اهلل ‪ ‬عام الحديبية البدنة عن‬
‫سبعة‪ ،‬والبقرة عن سبعة))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬خرجنا مع رسول اهلل ‪ ‬مهلين‬
‫بالحج فأمرنا رسول اهلل ‪ ‬أن نشترك في اإلبل والبقر كل سبعة منا في‬
‫بدنة))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬حججنا مع رسول اهلل ‪ ‬فنحرنا البعير عن سبعة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫جدعاء))‪ ،‬برقم ‪ ،3473‬وتقدم تخريجه والكالم عليه‪.‬‬
‫(‪ )1‬النهاية في غريب الحديث‪. 233/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬أحكام األضاحي للعالمة ابن عثيمين‪ ،‬ص‪. 31‬‬
‫(‪ )3‬ذكر من ذلك الهتماء التي سقطت بعض أسنانها‪،‬وكذلك ما قطع شيء من حلمات ضرعها‪،‬قياساً على‬
‫العضباء‪،‬واهلل ‪ ‬أعلم‪.‬انظر‪:‬أحكام األضحية البن عثيمين‪ ،‬ص‪. 31‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت‪ ،‬برقم ‪ ،1202‬وقال‪:‬‬
‫حديث حسن صحيح‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب من ضحى بشاة عن أهله‪ ،‬برقم ‪،4137‬‬
‫وصححه األلباني في إرواء الغليل‪ ،‬برقم ‪. 1132‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي‪ ،‬الحديث رقم ‪. 1202‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪555‬‬
‫والبقرة عن سبعة))(‪.)1‬‬
‫قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل‪(( :‬وهذا قول أكثر أهل العلم‪ ،‬روي‬
‫ذلك عن علي‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬وبه‬
‫قال‪ :‬عطاء‪ ،‬وطاوس‪ ،‬وسالم‪،‬والحسن‪،‬وعمرو بن دينار‪،‬والثوري‪،‬‬
‫واألوزاعي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وأصحاب الرأي))(‪ .)2‬ولكن هل يجزئ‬
‫ُسبع البدنة أو ُسبع البقرة عن الرجل وأهل بيته أم ال يجزئ السبع إال‬
‫عن واحد‪:‬قوالن ألهل العلم‪ ،‬والذي مالت إليه اللجنة الدائمة للبحوث‬
‫العلمية واإلفتاء أن ُسبع البدنة وسبع البقرة ال يجزئ إال عن واحد واهلل‬
‫‪ ‬أعلم‪ ،‬أما الشاة فتجزئ عن الرجل وأهل بيته(‪.)3‬‬
‫‪ - 1‬تتعين األضحية بقول المسلم هذه أضحية‪ ،‬فتصير واجبة‪ ،‬أو‬
‫بذبحها يوم العيد بنية األضحية‪ ،‬فإذا تعينت األضحية تعلقت بها‬
‫األحكام اآلتية‪:‬‬
‫الحكم األول‪ :‬زوال ملكه عنها‪ ،‬فال يجوز له بيعها‪ ،‬وال هبتها‪ ،‬وال‬
‫إبدالها إال بخير منها؛ ألنه جعلها هلل تعالى‪.‬‬
‫الحكم الثاني‪ :‬ال يتصرف فيها تصرفاً مطلقاً فال يستعملها في حرث‪،‬وال‬
‫يجز شيئ ًا‬
‫يحلب من لبنها ما فيه نقص عليها‪،‬أو يحتاجه ولدها المتعين معها‪،‬وال ّ‬
‫جزه فليتصدق به أو ينتفع به‬
‫من صوفها ونحوه إال أن يكون أنفع لها‪،‬وإذا َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب جواز االشتراك في الهدي‪ ،‬وإجزاء البدنة والبقرة كل واحدة منهما عن‬
‫سبعة‪ ،‬برقم ‪.1418‬‬
‫(‪ )2‬المغني البن قدامة‪. 434/14 ،‬‬
‫(‪ )3‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ،413/11 ،‬وانظر‪ :‬حاشية ابن قاسم على الروض‬
‫المربع‪ ،220/3 ،‬فقد قال‪(( :‬وأما التشريك في سبع منها فمفهوم هذا الحديث وحديث تجزئ‬
‫الشاة عن الرجل وأهل بيته أنه ال يجزئ شرك في سبع من بدنة أو بقرة وجزم به شيخنا وغيره))‪.‬‬
‫وقال شيخنا عبد العزيز ابن باز‪ (( :‬في إجزاء السبع من البدنة والبقرة عن الرجل وأهل بيته توقف‬
‫من بعض أهل العلم‪ ،‬والراجح أنه يجزئ عن الرجل وأهل بيته؛ ألنهم في معنى الشخص الواحد))‬
‫مجموع فتاوى ابن باز‪. 32-33/18 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪505‬‬
‫والصدقة به أفضل‪،‬وإن ولدت ذبح ولدها معها‪.‬‬
‫الحكم الثالث‪ :‬إذا حصل لها عيب يمنع اإلجزاء‪ :‬كالعرج البين‪ ،‬فإن‬
‫ّ‬
‫كان هذا العيب بتفريط منه لزمه إبدالها بسليمة‪ ،‬وإن كان بدون فعل منه‬
‫وال تفريط فإنه يذبحها وتجزئه ما لم تكن واجبة في ذمته قبل التعيين‪،‬‬
‫ضحي ثم عين نذره فتعيبت بدون فعل منه وال تفريط‬ ‫كما لو نذر أن يُ ّ‬
‫َّ‬
‫لزمه إبدالها بسليمة؛ ألن ذمته مشغولة بأضحية سليمة قبل أن يعينها فال‬
‫يخرج من عهدة الواجب إال بأضحية سليمة‪.‬‬
‫الحكم الرابع‪ :‬إذا ضاعت أو سرقت بغير تفريط منه فال ضمان عليه‬
‫إال أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين؛ ألنها أمانة عنده واألمين ال‬
‫ضمان عليه إذا لم يفرط‪ ،‬لكن متى وجدها أو استنقذها من السارق لزمه‬
‫ذبحها‪ ،‬ولو فات وقت الذبح‪ ،‬أما إذا كان ضياعها أو سرقتها بتفريط منه‬
‫لزمه إبدالها بمثلها أو أفضل‪ .‬واهلل أعلم(‪.)1‬‬
‫الحكم الخامس‪ :‬ال يجوز بيع شيء من األضحية‪ ،‬ال جلدها‪ ،‬وال‬
‫لحمها‪ ،‬وال يعطي الجزار أجرته منها؛ لحديث علي ‪ ‬قال‪(( :‬أمرني‬
‫رسول اهلل ‪ ‬أن أقوم على بدنه‪ ،‬وأن أتصدق بلحمها‪ ،‬وجلودها‪،‬‬
‫وأج َّلتها‪ ،‬وأن ال أعطي الجزار منها‪ ،‬وقال‪ :‬نحن نعطيه من عندنا))‪ ،‬وفي‬
‫لفظ لمسلم‪(( :‬أن النبي ‪ ‬أمره أن يقوم على بدنه‪ ،‬وأمره أن يقسم بدنه‬
‫كلها‪ :‬لحومها‪ ،‬وجلودها‪ ،‬وجاللها‪ ،‬في المساكين‪ ،‬وال يعطي في‬
‫جزارتها منها شيئاً))(‪.)2‬‬
‫لكن إذا دفع إلى جازرها شيئ ًا‪ ،‬لفقره‪ ،‬أو على سبيل الهدية فال بأس‪،‬‬
‫واألفضل أن يعطيه أجرته كاملة أوالً‪ ،‬ثم يعطيه منها؛ لئال تقع مسامحة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪:‬المغني البن قدامة‪ ،478-474/14 ،‬والمقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف‪،303-472/1 ،‬‬
‫وحاشية ابن قاسم على الروض المربع‪ ،248-242/3 ،‬وأحكام األضحية للعثيمين‪ ،‬ص‪. 38-32‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬كتاب الحج‪،‬باب يتصدق بجلود الهدي‪،‬برقم ‪،1717‬ومسلم‪،‬كتاب الحج‪،‬‬
‫باب الصدقة بلحوم الهدايا وجلودها‪ ،‬وجاللها‪ ،‬وأن ال يعطى الجزار منها شيئاً‪ ،‬برقم ‪.1417‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪505‬‬
‫في األجرة؛ ألجل ما يأخذه‪ ،‬فيكون من باب المعاوضة(‪.)1‬‬
‫‪ - 10‬يأكل من أضحيته ويتصدق؛لقول اهلل ‪َ :‬ف ُك ُلوا ِم ْن َها َوأَ ْط ِع ُموا‬
‫ا ْلب ِائ َس ا ْل َف ِقير‪ ،)2(‬وعن عبد اهلل بن واقد ‪ ‬في بيان األكل من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وتصدقوا))‪ .‬وفي لفظ‪((:‬كلوا‬ ‫َّ‬ ‫روا‪،‬‬ ‫خ‬‫ِ‬ ‫واد‬ ‫لوا‪،‬‬ ‫فك‬ ‫وفيه‪:‬‬ ‫األضاحي‬
‫َّ‬ ‫((‬

‫وتزودوا))(‪ ،)3‬وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬كنا نتزود لحوم‬ ‫َّ‬
‫األضاحي على عهد النبي ‪ ‬إلى المدينة))‪ .‬وقال غير مرة‪(( :‬لحوم‬
‫الهدي))(‪ ،)4‬وعن سلمة بن األكوع ‪ ‬في حديثه عن األكل من لحوم‬
‫األضاحي‪ ،‬وفيه‪(( :‬كلوا وأطعموا‪ ،‬وادخروا))(‪ .)5‬وعن أبي سعيد الخدري‬
‫‪ ‬يرفعه إلى النبي ‪ ‬فيه‪(( :‬كلوا‪ ،‬وأطعموا‪ ،‬واحبسوا‪ ،‬أو َّادخروا))(‪.)6‬‬
‫لالدخار‪ ،‬وثلث ًا‬‫ضحي أن يقسم أضحيته أثالث ًا‪ :‬ثلثاً ّ‬ ‫لم ّ‬
‫واستحب كثير من العلماء ل ُ‬
‫(‪)8()7‬‬
‫وادخروا وتصدقوا)) ‪.‬‬ ‫للصدقة‪ ،‬وثلث ًا لألكل؛ لقوله ‪(( :‬فكلوا َّ‬
‫واستحب بعضهم أن يقسمها أثالثاً‪ :‬يأكل ثلثاً‪ ،‬ويُهدي ثلثاً‪ ،‬ويتصدق‬
‫بثلث؛ لآلثار في ذلك(‪.)9‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر‪.223/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪. 28 :‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب بيان ما كان من النهي عن لحوم األضاحي بعد ثالث في أول‬
‫اإلسالم وبيان نسخه وإباحته‪ ،‬برقم ‪.1171‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يؤكل من لحوم األضاحي‪ ،‬برقم‪ ،2237‬ومسلم‪،‬‬
‫كتاب األضاحي‪ ،‬باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم األضاحي بعد ثالث في أول اإلسالم‬
‫وبيان نسخه وإباحته‪ ،‬برقم ‪.1172‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يؤكل من لحوم األضاحي‪ ،‬وما يتزود منها‪ ،‬برقم‬
‫‪،2231‬ومسلم‪،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم األضاحي بعد ثالث‬
‫في أول اإلسالم وبيان نسخه وإباحته برقم ‪.1173‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم األضاحي‪ ،‬برقم ‪.1174‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ ،‬برقم‪ ،1171‬وتقدم تخريجه في الصفحات السابقة‪.‬‬
‫(‪ )8‬سبل السالم للصنعاني‪.270/7 ،‬‬
‫(‪ )9‬انظر‪ :‬المغني‪ ،‬البن قدامة‪ ، 471/14 ،‬قال ابن قدامة‪( :‬ولنا ما روي عن ابن عباس في صفة ضحية‬
‫السوال‬
‫َّ‬ ‫النبي ‪،‬قال‪((:‬ويطعم أهل بيته الثلث‪ ،‬ويطعم فقراء جيرانه الثلث‪ ،‬ويتصدق على‬
‫بالثلث))‪،‬رواه الحافظ أبو موسى األصبهاني في الوظائف‪ ،‬وقال‪(( :‬حديث حسن))؛ وألنه قول ابن‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪505‬‬
‫ذكى على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ - 11‬صفة ذبح األضاحي وغيرها مما يُ َّ‬
‫ال يذبح إال المسلم المميز العاقل‪ ،‬أو الكتابي‪ ،‬ويقصد المذكي‬
‫التذكية‪ ،‬وال يذبح لغير اهلل‪ ،‬وال يهل لغير اهلل‪ ،‬ويسمي عند الذبح أو‬
‫سن وال ظُفرٍ ‪ ،‬وينهر الدم في موضعه‪ ،‬وال‬
‫ّ‬ ‫النحر‪ ،‬ويذكي بآلة حادة غير ٍ‬
‫بد أن يكون المذكي مأذوناً في ذكاته شرعاً(‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬يراعي المضحي األمور اآلتية‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬يختار األضحية‪ ،‬فيحرص على أكمل األضاحي؛ ألن‬
‫النبي ‪ ‬كان يفعل ذلك‪ ،‬فعن عائشة رضي اهلل عنها أن رسول اهلل ‪ ‬أمر‬
‫بكبش أقرن‪،‬يطأ في سواد‪ ،‬ويبرك في سواد(‪،)2‬وينظر في سواد‪،‬فأ ُتي‬
‫به‪،‬ليضحي به‪ ،‬قال لعائشة‪(( :‬ه ُل ّمي(‪ )3‬المدية))(‪،)4‬ثم قال‪((:‬اشحذيها‬
‫بحجر))(‪.)5‬ففعلت‪ ،‬ثم أخذها‪،‬وأخذ الكبش‪ ،‬ثم ذبحه‪ ،‬ثم قال‪((:‬بسم اهلل‪،‬‬
‫اللهم تقبل من محمد وآل محمد‪،‬ومن أمة محمد ثم ضحى به))(‪.)6‬‬
‫ضحى رسول اهلل ‪ ‬بكبشين أملحين‪،‬أقرنين‪،‬ذبحهما‬ ‫وعن أنس قال‪َّ ((:‬‬
‫بيده‪،‬وسمى‪،‬وكبر‪،‬ووضع رجله على صفاحهما))‪ .‬وفي لفظ لمسلم‪:‬‬
‫((ويقول باسم اهلل واهلل أكبر))‪.‬وفي لفظ للبخاري‪((:‬كان رسول اهلل ‪‬‬
‫ضحي بكبشين‪ ،‬وأنا أضحي بكبشين))(‪.)7‬‬‫يُ ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫مسعود‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة‪ ،‬فكان إجماعاً‪ .‬ا‪ .‬هـ‪ .‬المغني‪،480/14 ،‬‬
‫وانظر‪ :‬الشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف‪.318-313/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬أحكام األضحية للعالمة محمد بن عثيمين‪،‬ص‪،87-23‬وذكر هذه الشروط التسعة باألدلة‪ ،‬فراجعها‪.‬‬
‫(‪ )2‬يطأ في سواد‪،‬ويبرك في سواد‪،‬وينظر في سواد‪:‬أي قوائمه سود‪،‬وبطنه أسود‪،‬وما حول عينيه أسود‪.‬‬
‫(‪ )3‬هلمي‪ :‬أي هاتيها‪ .‬شرح النووي على مسلم‪.120/14 ،‬‬
‫(‪ )4‬المدية‪ :‬السكين‪ .‬المرجع السابق‪.120/14 ،‬‬
‫(‪ )5‬اشحذيها‪ :‬حدديها‪ ،‬شرح النووي على مسلم‪.120/14 ،‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب استحباب استحسان الضحية‪ ،‬وذبحها مباشرة بال توكيل‪ ،‬والتسمية‬
‫والتكبير‪ ،‬برقم‪.1137‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،2224‬ومسلم‪،‬برقم ‪،1133‬وتقدم تخريجه في أول األضحية‪.‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪505‬‬
‫سمن‬‫كنا نُ ّ‬
‫ويختار السمين العظيم؛ لقول أبي أمامة بن سهل‪ ،‬قال‪َّ (( :‬‬
‫سمنون))(‪ .)1‬وهذا من تعظيم شعائر‬ ‫األضحية بالمدينة‪ ،‬وكان المسلمون يُ ّ‬
‫اهلل(‪ ،)2‬وغير ذلك من الصفات الحسنة‪ ،‬التي تزيد األضحية كماالً‪،‬‬
‫وجماالً؛ ألن اهلل طيب ال يقبل إال طيباً(‪ ،)3‬وإن ضحى بكبشين فال بأس‪،‬‬
‫فعن أنس ‪ ‬قال‪(( :‬كان النبي ‪ ‬يضحي بكبشين‪ ،‬وأنا أضحي‬
‫بكبشين))(‪ .)4‬وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه‬
‫اهلل يقول‪(( :‬إذا ضحى بكبشين تأسي ًا به ‪ ‬فال حرج))(‪ .)5‬وعن عائشة‬
‫وأبي هريرة رضي اهلل عنهما‪(( :‬أن رسول اهلل ‪ ‬كان إذا أراد أن يضحي اشترى‬
‫كبشين‪ ،‬عظيمين‪ ،‬سمينين‪ ،‬أقرنين‪ ،‬أملحين‪ ،‬موجوءين‪ ،‬فذبح أحدهما‬
‫عن أمته‪ ،‬لمن شهد هلل بالتوحيد وشهد له بالبالغ‪ ،‬وذبح اآلخر عن‬
‫محمد وعن آل محمد ‪.)6())‬‬
‫وعن أبي سعيد ‪ ‬قال‪(( :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يضحي بكبش أقرن‪،‬‬
‫فحيل‪ ،‬ينظر في سواد‪ ،‬ويأكل في سواد‪ ،‬ويمشي في سواد))(‪.)7‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬اإلحسان إلى الذبيحة‪ ،‬فيعمل كل ما يريحها عند ال َّذكاة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬األضاحي‪ ،‬باب أضحية النبي ‪ ‬بكبشين أقرنين‪ ،‬ويذكر سمينين‪ ،‬رقم الباالنحل‪ ،‬قبل‬
‫الحديث رقم‪.2224‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.243/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬ومن الصفات التي ثبتت في األحاديث في أضحية النبي ‪ ‬الصفات اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬الكبش‪ -2.‬األقرن‪ -4.‬األملح‪ -3.‬قوائمه سوداء‪ -2.‬بطنه أسود‪ -3.‬ما حول عينيه أسود‪.‬‬
‫‪ -7‬يأكل في سواد‪ -8 .‬عظيم‪ -1 .‬موجوء‪ -10.‬سمين‪ -11.‬فحيل‪ ،‬وجاء في صحيح أبي عوانة‬
‫كما قال ابن حجر في البلوغ ‪ -12‬ثمين‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر‪.10/10 ،‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،2224‬ومسلم‪،‬برقم ‪،133‬وتقدم تخريجه في أول األضحية‪.‬‬
‫(‪ )5‬سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري‪ ،‬الحديث رقم‪.2224‬‬
‫(‪ )6‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب أضاحي رسول اهلل ‪ ،‬برقم‪ ،4122‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح ابن ماجه‪. 81/4 ،‬‬
‫(‪ )7‬أبو داود‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب ما يستحسن من الضحايا‪ ،‬برقم‪ ،2713‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح أبي داود‪ ،183/2 ،‬ورواه الترمذي‪ ،‬كتاب األضاحي عن رسول اهلل ‪ ،‬باب ما جاء ما‬
‫يستحب من األضاحي‪ ،‬برقم ‪ ،1313‬والنسائي‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب الكبش‪ ،‬برقم ‪.3302‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪505‬‬
‫حادة‪ ،‬وأن يمرها على محل الذبح بقوة‬ ‫ومن ذلك‪ :‬أن يكون الذبح بآلة َّ‬
‫وسرعة؛ ألن المطلوب اإلسراع في إزهاق النفس على أكمل الوجوه من‬
‫غير تعذيب؛ لحديث شداد بن أوس ‪ ‬قال‪(( :‬ثنتان حفظتهما عن‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬قال‪(( :‬إن اهلل كتب اإلحسان على كل شيء‪ ،‬فإذا قتلتم‬
‫أحدكم شفرته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫القتلة‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح‪ ،‬ولي ِح َّد‬ ‫فأحسنوا ِ‬
‫ُ‬ ‫(‪)1‬‬
‫يحد السكين والبهيمة تنظر إليه؛ لما جاء‬ ‫فليرِ ْح ذبيحته)) ‪ .‬ويكره أن َّ‬ ‫ُ‬
‫وارى عن‬ ‫ُ َ‬ ‫ت‬ ‫وأن‬ ‫الشفار‪،‬‬ ‫بحد‬ ‫‪‬‬ ‫النبي‬ ‫أمر‬ ‫((‬ ‫قال‪:‬‬ ‫عنهما‬ ‫اهلل‬ ‫رضي‬ ‫عمر‬ ‫ابن‬ ‫عن‬
‫(‪)2‬‬
‫البهائم‪ ،‬وقال‪(( :‬إذا ذبح أحدكم فليجهِ ْز)) ‪ .‬وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما‬
‫ُ ْ‬
‫قال‪ :‬مر رسول اهلل ‪ ‬على رجل واضع رجله على صفحة شاة‪ ،‬وهو‬
‫يحد شفرته‪ ،‬وهي تلحظ إليه ببصرها‪ ،‬قال‪(( :‬أفال قبل هذا؟ أو تريد أن‬
‫تميتها موتات))؟ ولفظ الحاكم‪(( :‬أتريد أن تميتها موتان؟ هال أحددت‬
‫شفرتك قبل أن تضجعها))(‪ .)3‬قال اإلمام النووي رحمه اهلل‪(( :‬ويستحب‬
‫أن ال يحد السكين بحضرة الذبيحة‪ ،‬وأن ال يذبح واحدة بحضرة‬
‫األخرى‪ ،‬وال يجرها إلى مذبحها))(‪.)4‬‬
‫األمر الثالث‪:‬إذا كانت الضحية من اإلبل نحرها قائمة معقولة يدها‬
‫يها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اها َل ُكم ّمن َش َعائرِ اهلل َل ُك ْم ف َ‬ ‫اليسرى‪،‬لقول اهلل تعالى‪َ :‬وا ْل ُب ْد َن َج َع ْل َن َ‬
‫َخير َفا ْذ ُكروا ْاسم اهلل َع َلي َها َص َو َّاف َف ِإ َذا َو َجب ْت ُجنُوبُ َها َف ُك ُلوا ِم ْن َها‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌْ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب العيد والذبائح‪ ،‬باب األمر بإحسان الذبح والقتل‪ ،‬وتحديد الشفرة‪ ،‬برقم‪.1122‬‬
‫(‪ )2‬أحمد في المسند‪ ،108/2 ،‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الذبائح ‪ ،‬باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،4172‬وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب‪ ،341/1 ،‬وضعفه في ضعيف ابن ماجه‪،‬‬
‫ص‪ ،222‬وذكر أنه صححه من طريق أحمد‪ ،‬وقال وانظر‪(( :‬الصحيحة‪.))4140‬‬
‫(‪ )3‬الطبراني في الكبير‪ ،442/11 ،‬برقم ‪ ،11113‬واألوسط‪ ،‬برقم‪[ ،131‬مجمع البحرين]‪ ،‬والحاكم‪،‬‬
‫قال المنذري في الترغيب‪(( :‬ورجاله رجال الصحيح))‪ ،‬وقال الحاكم‪(( :‬صحيح على شرط‬
‫البخاري))‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب‪ ،340/1 ،‬وقال في مجمع‬
‫الزوائد‪(( :44/3،‬رجاله رجال الصحيح))‪.‬‬
‫(‪ )4‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،114/14 ،‬وانظر‪ :‬أحكام األضاحي البن عثيمين‪ ،‬ص‪.12-13‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪500‬‬
‫ون‪.)1(‬قال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوأَ ْطع ُموا ا ْل َقان َع َوالـْ ُم ْع َت َّر َك َذل َك َس َّخ ْر َن َ‬
‫اها َل ُك ْم َل َع َّل ُك ْم َت ْش ُك ُر َ‬
‫ابن عباس رضي اهلل عنهما‪(( :‬قياماً على ثالث معقولة يدها اليسرى))(‪.)2‬وعن‬
‫جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬وأصحابه كانوا ينحرون البدن‬
‫معقولة اليسرى‪،‬قائمة على ما بقي من قوائمها))(‪.)3‬وعن عبد اهلل بن عمر‬
‫رضي اهلل عنهما أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها فقال‪ :‬ابعثها قيام ًا‬
‫مقيدة سنة محمد ‪ .)4())‬فإن لم يتيسر له نحرها قائمة جاز له نحرها‬
‫باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة؛ لحصول المقصود بذلك‪.‬‬
‫األمر الرابع‪ :‬إذا كانت الضحية من غير اإلبل ذبحها مضجعة على جنبها‬
‫األيسر‪ ،‬ويضع رجله على صفحة عنقها‪ ،‬ليتمكن منها؛ لحديث أنس‬
‫‪‬قال‪(( :‬ضحى رسول اهلل ‪ ‬بكبشين‪ ،‬أملحين‪ ،‬أقرنين‪ ،‬ذبحهما بيده‪،‬‬
‫وسمى‪ ،‬وكبر‪ ،‬ووضع رجله على صفاحهما))(‪ ،)5‬فإن كان الذابح ال يستطيع‬
‫أن يذبح بيمينه ويعمل بيده اليسرى عمل اليمنى وكان األيسر له أن‬
‫يضجعها على الجنب األيمن فال بأس أن يضجعها عليه؛ ألن المهم راحة‬
‫الذبيحة(‪.)6‬‬
‫األمر الخامس‪ :‬أن يستقبل القبلة عند الذبح؛ لما ُروي عن النبي ‪‬‬
‫من حديث جابر قال‪(( :‬ضحى رسول اهلل ‪ ‬يوم عيد بكبشين فقال حين‬
‫وجههما‪(( :‬إني وجهت وجهي للذي فطر السموات واألرض))(‪.)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪. 43 :‬‬
‫(‪ )2‬تفسير ابن كثير‪. 222/14 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب كيف تنحر البدن؟ برقم‪ ، 1737‬وصححه األلباني في صحيح سنن‬
‫أبي داود‪.313/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب نحر اإلبل مقيدة‪ ،‬برقم‪ ،1714‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب‬
‫نحر اإلبل قياماً مقيدة‪ ،‬برقم‪.1420‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬برقم ‪،2224‬ومسلم‪،‬برقم ‪.1133‬وتقدم تخريجه في أول األضحية‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬أحكام األضاحي‪ ،‬البن عثيمين‪ ،‬ص‪.81-88‬‬
‫(‪ )7‬ابن ماجه‪،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب أضاحي رسول اهلل ‪ ،‬برقم ‪ ،4121‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الضحايا‪،‬‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪506‬‬
‫األمر السادس‪ :‬التسمية عند الذبح والنحر‪ ،‬وهي واجبة‪ ،‬لقول اهلل‬
‫ين‪ ،)1(‬وقوله‬ ‫ِِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعالى‪َ  :‬ف ُك ُلو ْا م َّما ُذك َر ْاس ُم اهلل َع َل ْيه إِن ُك ُنت ْم ب َِآياته ُم ْؤمن َ‬
‫ين‬ ‫تعالى‪ :‬والَ َت ْأ ُك ُلو ْا ِمما َلم ي ْذ َكرِ اسم اهلل ع َلي ِه و ِإنَّه َل ِفس ٌق و ِإ َّن َّ ِ‬
‫الش َياط َ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َّ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫وهم ِإنَّ ُكم لـ ُم ْشرِ ُكو َن‪ ‬؛ ولقول‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ليوحون ِإلى أوليآئهِم ليجادلوكم وإِن أطعتم‬‫َ‬
‫ْ َ‬ ‫َُ ُ َ َ ْ َ ْ ُ َ ُ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ ُ ُ ْ‬
‫النبي ‪(( :‬ما أنهر الدم وذكر اسم اهلل عليه فكلوه ما لم يكن سن وال‬
‫ظفر))(‪ .)3‬وذكر اسم اهلل تعالى على الذبح أو النحر شرط من شروط ذكاة‬
‫الحيوان(‪ ،)4‬ويستحب التكبير‪(( :‬اهلل أكبر)) مع التسمية(‪.)5‬‬
‫األمر السابع‪ :‬من اآلداب المستحبة أن يسمي عند ذبح األضحية من‬
‫هي له؛ لحديث جابر ‪ ‬قال‪ :‬شهدت مع رسول اهلل ‪ ‬األضحى في‬
‫المصلى‪ ،‬فلما قضى خطبته نزل من منبره وأ ُتي بكبش فذبحه رسول اهلل‬
‫يضح من‬‫ّ‬ ‫‪ ‬بيده‪ ،‬وقال‪(( :‬بسم اهلل واهلل أكبر‪ ،‬هذا عني وعن من لم‬
‫أمتي))(‪)6‬؛ ولحديث أبي رافع ‪ ‬قال‪(( :‬ضحى رسول اهلل ‪ ‬بكبشين‪،‬‬
‫أملحين‪ ،‬موجبين(‪ ،)7‬خصيين‪ ،‬فقال‪ :‬أحدهما لمن شهد بالتوحيد‪ ،‬وله‬
‫بالبالغ‪ ،‬واآلخر عنه وعن أهل بيته‪ ،‬قال‪ :‬فكان رسول اهلل ‪ ‬قد كفانا))‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫باب ما يستحب من الضحايا‪ ،‬برقم ‪ ،2712‬والبيهقي‪ ،282/1 ،‬وضعفه األلباني في ضعيف ابن‬
‫ماجه‪ ،‬ص‪ ،220‬وانظر‪ :‬إرواء الغليل‪. 420/3 ،‬‬
‫(‪ )1‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪. 118 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪. 121 :‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه من حديث رافع بن خديج‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الذبائح والعيد‪ ،‬باب إذا أصاب قوم غنيمة‬
‫فذبح بعضهم غنم ًا أو إبالً بغير أمر أصحابه‪ ،‬لم تؤكل‪ ،‬برقم‪،2234‬ومسلم‪،‬كتاب األضاحي‪،‬باب‬
‫جواز الذبح بكل ما أنهر الدم‪ ،‬برقم‪. 1138‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬أحكام األضاحي البن عثيمين‪ ،‬ص‪.87-23‬‬
‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب في الشاة يضحى بها عن جماعة‪ ،‬برقم ‪ ،2810‬والترمذي‪ ،‬كتاب‬
‫األضاحي‪ ،‬باب ما يقول إذا ذبح‪ ،‬برقم‪ ،1221‬وصححه األلباني في صحيح أبي داود‪،188/2 ،‬‬
‫وصحيح الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )7‬موجبين‪ :‬وفي مجمع الزوائد‪(( :22/3‬موجوءين))‪.‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪505‬‬
‫وفي رواية ألحمد‪(( :‬أن رسول اهلل ‪ ‬كان إذا ضحى اشترى كبشين‪،‬‬
‫سمينين‪ ،‬أقرنين‪ ،‬أملحين‪ ،‬فإذا صلى وخطب الناس أ ُتي بأحدهما وهو‬
‫َ‬
‫قائم في مصاله فذبحه بنفسه بالمدية‪ ،‬ثم يقول‪(( :‬اللهم إن هذا عن أمتي‬
‫جميعاً ممن شهد لك بالوحدانية‪ ،‬وشهد لي بالبالغ))‪ .‬ثم يُؤتى باآلخر‬
‫فيذبحه بنفسه ويقول‪(( :‬هذا عن محمد وآل محمد)) فيطعمهما جميع ًا‬
‫المساكين‪ ،‬ويأكل هو وأهله منهما‪ ،‬فمكثنا سنين ليس رجل من بني‬
‫والغر َم))(‪.)1‬‬ ‫هاشم يضحي قد كفاه اهلل المؤنة برسول اهلل ‪‬‬
‫ُْ‬
‫األمر الثامن‪ :‬قطع‪ :‬الحلقوم‪ ،‬والمريء‪ ،‬والودجين‪ ،‬وإنهار الدم‪ :‬أي‬
‫إجراؤه من شروط صحة الذكاة‪ ،‬ولكن استكمال هذه األربعة يكون نهاية‬
‫الكمال‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الحلقوم‪ :‬وهو مجرى النفس [القصبة الهوائية]‪.‬‬
‫ب‪ -‬المريء‪ :‬وهو مجرى الطعام والشراب‪.‬‬
‫ج – د ‪ -‬الودجان‪ :‬وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء‬
‫فمتى قطعت هذه األشياء األربعة ح َّلت المذكاة بإجماع أهل العلم(‪ .)2‬وال‬
‫يتجاوز ذلك إلى النخاع فإنه ال يشرع(‪ .)3‬وذكر شيخنا اإلمام ابن باز رحمه‬
‫اهلل‪ :‬أن التذكية الشرعية لإلبل والبقر والغنم‪:‬على ثالث حاالت‪:‬‬
‫الحالة األولى‪:‬أن يقطع الذابح‪:‬الحلقوم‪،‬والمريء‪،‬والودجين‪،‬وهو‬
‫أكمل الذبح وأحسنه‪،‬فإذا قطعت هذه األربعة فالذبح حالل عند جميع‬
‫العلماء‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أحمد في المسند‪ ،8/3 ،‬و‪ ،411/3‬وصححه األلباني في إرواء الغليل‪ ،‬برقم‪.1137‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬بداية المجتهد‪ ،‬البن رشد‪ ، 442-422/1 ،‬أحكام األضاحي للعالمة ابن عثيمين‪ ،‬ص‪-72‬‬
‫‪ ،81‬ومجموع فتاوى اإلمام ابن باز‪.23/18 ،‬‬
‫(‪ )3‬بداية المجتهد‪ ،427/،1‬وذكر أن اإلمام مالك كرهه إذا تمادى في القطع ولم ينوِ قطع النخاع من‬
‫أول األمر؛ ألنه إن نوى ذلك فكأنه نوى التذكية على غير الصفة الجائزة‪ ،‬وقال مطرف‬
‫والماجشون‪ :‬ال تؤكل إن قطعها متعمداً دون جهل‪ ،‬وتؤكل إن قطعها ساهياً أو جاهالً‪.427/1 ،‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪505‬‬
‫الحالة الثانية‪:‬أن يقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين وهذا حالل‬
‫صحيح وطيب وإن كان دون األول‪.‬‬
‫والحالة الثالثة‪ :‬أن يقطع الحلقوم والمريء فقط دون الودجين وهو أيضاً‬
‫صحيح‪ ،‬وقال به جمع من أهل العلم‪ ،‬ودليلهم قوله ‪(( :‬ما أنهر الدم وذكر‬
‫اسم اهلل عليه فكلوا‪ ،‬ليس السن والظفر))(‪ ،)1‬وهذا هو المختار في هذه‬
‫المسألة(‪.)2‬‬
‫األمر التاسع‪ :‬يدعو عند ذبح األضحية بالقبول؛ لحديث عائشة‬
‫رضي اهلل‬
‫عنها وفيه‪(( :‬اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد))(‪ .)3‬وفي‬
‫حديث جابر‪((:‬اللهم منك ولك))(‪.)4‬‬
‫الثالث عشر‪:‬المنكرات في العيد التي يفعلها كثير من الناس كثيرة ال‬
‫يمكن حصرها‪ ،‬ولكن منها ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الشرك باهلل تعالى بالتقرب ألصحاب القبور ودعائهم من دون اهلل‬
‫ون اهلل َما‬ ‫في بعض األمصار والبلدان‪ ،‬وقد قال اهلل ‪ :‬وال َت ْد ُع ِمن ُد ِ‬
‫َ‬
‫ظ ِال ِ‬
‫ين * َوإِن َي ْم َس ْس َك اهلل‬ ‫ت َف ِإ َّن َك ِإ ًذا ّم َن ال َّ َ‬
‫م‬ ‫الَ َين َف ُع َك َوالَ َي ُض ُّر َك َفإِن َف َع ْل َ‬
‫يب ب ِِه َمن‬ ‫اش َف َله ِإال َّ هو وإِن يرِ د َك ب َِخيرٍ َفالَ ر ِ ِ ِ‬
‫آد ل َف ْضله يُ َص ُ‬
‫ب ُِض ٍر َفالَ َك ِ‬
‫َ َّ‬ ‫ُ َ َ ُ ْ (‪ْ )5‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ور الر ِحيم‪ . ‬وقال سبحانه‪ُ  :‬ق ْل ِإ َّن َصالَ ِتي‬ ‫ف‬‫غ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬‫و‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ِ‬
‫اد‬ ‫ب‬‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ‬ ‫اء‬ ‫يش‬
‫َ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ َ ُ ُ َّ ُ‬
‫ِ ِِ‬
‫ت‬‫يك َل ُه َوب َِذ ِل َك أ ُ ِم ْر ُ‬
‫ين‪ ،‬الَ َشرِ َ‬ ‫ِ‬
‫ب ا ْل َعا َلم َ‬ ‫اي َو َم ( َم‪)6‬اتي َّهلل َر ّ‬
‫ِ‬
‫َونُ ُسكي َو َم ْح َي َ‬
‫ِِ‬
‫ين‪ . ‬وحد الشرك األكبر الذي يجمع أنواعه وأفراده‪:‬‬ ‫َوأَ َن ْا أَ َّو ُل الـْ ُم ْسلم َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم‪ ،2234‬ومسلم‪ ،‬برقم‪ ،1138‬وتقدم تخريجه في التسمية عند الذبح‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى ابن باز‪.23/18 ،‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬برقم‪ ،1137‬وتقدم تخريجه في صفة ذبح األضحية‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬برقم‪ ،2712‬وابن ماجه‪ ،‬برقم‪ ،4121‬وتقدم تخريجه في التوجيه إلى القبلة‪ ،‬وقد قال‬
‫العالمة األلباني‪ :‬هذه الجملة لها شاهد من حديث أبي سعيد عند أبي يعلى‪ ،‬فانظر‪:‬مجمع الزوائد‪،‬‬
‫‪ ،22/3‬وصححه األلباني في إرواء الغليل‪،‬برقم‪.1122‬‬
‫(‪ )5‬سورة يونس‪ ،‬اآليتان‪.107-103 :‬‬
‫(‪ )6‬سورة األنعام‪ ،‬اآليتان‪.134-132 :‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪505‬‬
‫أن يصرف العبد نوع ًا أو فرد ًا من أفراد العبادة لغير اهلل‪ ،‬فكل اعتقاد أو‬
‫قول‪،‬أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع فصرفه هلل وحده‪:‬توحيد‪،‬‬
‫وإيمان‪،‬وإخالص‪ ،‬وصرفه لغير اهلل‪:‬شرك وكفر‪،‬وهذا ضابط للشرك‬
‫األكبر ال يشذ عنه شيء‪،‬وأما حد الشرك األصغر فهو‪:‬كل وسيلة وذريعة‬
‫يتطرق منها إلى الشرك األكبر‪:‬من اإلرادات‪،‬واألقوال‪،‬واألفعال التي لم‬
‫تبلغ رتبة العبادة(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬إسبال الثياب‪ ،‬والمشالح‪ ،‬والسراويل‪ ،‬وغير ذلك من أنواع ألبسة‬
‫الرجال التي تنزل تحت الكعبين‪ ،‬فكثير من الناس يوم العيد يلبس‬
‫المالبس وقد خطت على األرض تكنس الشوارع واألرصفة‪ ،‬وقد قال‬
‫النبي ‪(( :‬ثالثة ال يكلمهم اهلل يوم القيامة‪ ،‬وال ينظر إليهم‪ ،‬وال يزكيهم‪،‬‬
‫ولهم عذاب أليم))‪ .‬فقرأها رسول اهلل ‪ ‬ثالث مرات ‪ -‬قال أبو ذر‪:‬‬
‫((خابوا وخسروا‪َ ،‬من هم يا رسول اهلل؟ قال‪(( :‬المسبل إزاره‪ ،‬والمنان‪،‬‬
‫والمنفق سلعته بالحلف الكاذب))(‪.)2‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪((:‬ما أسفل من الكعبين من اإلزار في النار))(‪.)3‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر عن أبيه رضي اهلل عنهما‪ ،‬عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬من جر‬
‫َّ‬
‫ثوبه خيالء لم ينظر اهلل إليه يوم القيامة))(‪.)4‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬ال ينظر اهلل يوم القيامة إلى‬
‫َمن جر إزاره بطراً))(‪.)5‬‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬القول السديد في مقاصد التوحيد‪،‬لعبد الرحمن بن ناصر السعدي‪،‬ص‪.23 ،42 ،41‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب المن بالعطية‪ ،‬وتنفيق السلعة بالحلف‪ ،‬وبيان الثالثة الذين ال يكلمهم اهلل تعالى يوم‬
‫القيامة وال يزكيهم‪ ،‬ولهم عذاب أليم‪ ،‬برقم‪.103‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار‪ ،‬برقم ‪.2787‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب من جر إزاره من غير خيالء‪ ،‬برقم ‪ ،2783‬ومسلم‪،‬كتاب‬
‫اللباس والزينة‪،‬باب تحريم جر الثوب خيالء‪ ،‬برقم ‪. 2082‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب من جر ثوبه من الخيالء‪ ،‬برقم ‪ ،2788‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫اللباس والزينة‪ ،‬باب تحريم جر الثوب خيالء‪ ،‬برقم ‪.2087‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪565‬‬
‫وعن سالم بن عبد اهلل أن أباه حدثه أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬بينما رجل‬
‫يجر إزاره خسف اهلل به فهو يتجلجل في األرض إلى يوم القيامة))(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪((:‬مررت على رسول اهلل ‪ ‬وفي إزاري‬
‫استرخاء‪،‬فقال‪((:‬يا عبد اهلل‪،‬ارفع إزارك)) فرفعته‪،‬ثم قال‪((:‬زد)) فزدت‪ ،‬فما زلت‬
‫أتحراها بعد‪،‬فقال بعض القوم‪:‬إلى أين؟ فقال‪((:‬إلى أنصاف الساقين))(‪.)2‬‬
‫جري جابر بن ُسليم يرفعه وفيه‪(( :‬وارفع إزارك إلى نصف‬ ‫ٍّ‬ ‫وعن أبي‬
‫الساق فإن أبيت فإلى الكعبين‪ ،‬وإياك وإسبال اإلزار فإنها من المخيلة‪،‬وإن‬
‫اهلل ال يحب المخيلة))(‪.)3‬‬
‫وعن عبد الرحمن بن الحالج‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا سعيد الخدري عن‬
‫اإلزار؟ فقال‪ :‬على الخبير سقطت‪ ،‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إزرة المسلم إلى‬
‫نصف الساق وال حرج ‪ -‬أو ال ُجناح ‪ -‬فيما بينه وبين الكعبين‪ ،‬ما كان‬
‫أسفل من الكعبين فهو في النار‪ ،‬من جر إزاره لم ينظر اهلل إليه))(‪.)4‬‬
‫َّ‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما عن النبي ‪ ‬قال‪((:‬اإلسبال في اإلزار‪،‬‬
‫والقميص‪،‬والعمامة‪،‬من جر منها شيئاً خيالء لم ينظر اهلل إليه يوم‬
‫َّ‬
‫القيامة))(‪.)5‬‬
‫وعن أم سلمة رضي اهلل عنها زوج النبي ‪ ‬أنها قالت لرسول اهلل ‪ ‬حين‬
‫ذكر اإلزار‪ :‬فالمرأة يا رسول اهلل؟ قال‪(( :‬ترخي شبراً)) قالت أم سلمة‪ :‬إذ ًا‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب من جر ثوبه من الخيالء‪ ،‬برقم‪.2710‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب اللباس والزينة‪ ،‬باب تحريم الثوب خيالء‪ ،‬برقم‪.2083‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب ما جاء في إسبال اإلزار‪ ،‬برقم‪ ،3083‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫سنن أبي داود‪ ،‬برقم ‪.3083‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب في قدر موضع اإلزار‪ ،‬برقم‪.3014‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب موضع اإلزار‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،3014‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ ،‬برقم‪.1113‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪565‬‬
‫ينكشف عنها! قال‪(( :‬فذراعاً ال تزيد عليه))(‪.)1‬‬
‫رخص رسول اهلل ‪ ‬ألمهات المؤمنين في الذيل‬ ‫وعن ابن عمر ‪ ‬قال‪َّ :‬‬
‫لهن ذراعاً(‪.)2‬‬
‫شبراً ثم استأذننه فزادهن شبر ًا‪ ،‬فكن يرسلن إلينا فنذرع َّ‬
‫وهذه األحاديث تدل على أن إسبال الثياب والعمائم‪ ،‬والمشالح‪،‬‬
‫والسراويل من كبائر الذنوب‪ .‬وأن المسبل من الرجال إن كان متكبراً‬
‫فقد ارتكب كبيرتين‪ :‬الكبر‪ ،‬واإلسبال‪ ،‬وإن لم يكن متكبراً فقد ارتكب‬
‫كبيرة اإلسبال‪.‬‬
‫وعن المغيرة بن شعبة ‪ ‬قال‪ :‬رأيت النبي ‪ ‬آخذ ًا بحجزة سفيان‬
‫بن أبي سهل وهو يقول‪(( :‬يا سفيان بن أبي سهل ال تسبل إزارك فإن اهلل‬
‫ال يحب المسبلين))(‪.)3‬‬
‫‪ – 4‬الكبر‪ :‬بعض الناس أيام العيد يحتقر الناس ويتكبر عليهم‪،‬‬
‫ويعجب بنفسه‪ ،‬ويختال في مشيته‪ ،‬وهذا محرم في جميع األوقات‪ ،‬قال‬
‫اهلل ‪َ  :‬والَ َت ْم ِش ِفي األَ ْر ِض َمر ًحا ِإنَّ َك َلن َت ْخرِ َق األَ ْر َض َو َلن َتبلُ َغ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫اس َوال َت ْم ِش ِفي‬ ‫ا ْل ِجب َال طُوالً‪ .)4(‬وقال تعالى‪ :‬وال تُصعر َخ َّد َك ِللن ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ ّْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ُك َّل ُم ْخ َتال َف ُخورٍ ‪. ‬وقال تعالى‪َ  :‬سأ ْصرِ ُف‬ ‫األَ ْرض َم َر ًحا ِإ َّن اهلل ال يُح ُّ‬
‫ين َي َت َكبرو َن ِفي األَ ْر ِض ب َِغيرِ الـ َح ّق‪ .)6(‬وقال سبحانه‪َ  :‬ث ِاني‬ ‫َ‬ ‫َع ْن َآياتِي ا َّل ِذ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫اب‬
‫َ‬
‫ذ‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫القيامة‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ه‬‫ق‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫الد ْنيا ِ ْخزي ونُ ِ‬
‫ذ‬ ‫ُّ‬ ‫ي‬ ‫ِيل اهلل َله ِ‬
‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫َّ‬ ‫ض‬‫ِع ْط ِف ِه ِل َي ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َْ َ‬ ‫َ ْ ٌ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب في قدر الذيل‪ ،‬برقم‪ ،3117‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي‬
‫داود‪ ،‬برقم ‪.3117‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب في قدر الذيل‪ ،‬برقم ‪ ،3111‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي‬
‫داود‪ ،‬برقم ‪.3111‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد‪،220/3 ،233/3،‬وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اهلل يقول‪((:‬إسناده جيد))‪.‬‬
‫(‪ )4‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية‪. 47 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة لقمان‪ ،‬اآلية‪. 18 :‬‬
‫(‪ )6‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪. 133 :‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪565‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الـ َحرِ ِيق‪. ‬‬
‫ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬ ‫وقال ‪ِ  :‬إ َّن الَّذ َ‬
‫ين َك َّذبُو ْا ب َِآيات َنا َو ْاس َت ْك َب ُرو ْا َع ْن َها الَ ُت َف َّت ُح لـ َ ُه ْم أ ْب َو ُ‬
‫اط َو َك َذ ِل َك َن ْجزِ ي‬ ‫ون الـجن َة حتى ي ِلج الـجم ُل ِفي سم الـ ِخي ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ّ ( ْ‪َ )3‬‬ ‫الس َماء َوالَ َي( ْ‪2‬د) ُخ ُل َ ْ َ َّ َ َّ َ َ ْ َ َ‬ ‫َّ‬
‫ستكبرين‪ . ‬وقال ‪ِ :‬إ َّن اهلل‬ ‫حب ا ْلـ ُم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫إنه ال يُ ُّ‬ ‫ين‪. ‬وقال ‪ُ :‬‬ ‫الـْ ُم ْجرِ م َ‬
‫ال َف ُخورٍ ‪. ‬وقال اهلل تعالى‪ِ  :‬تلك الدار ِ‬
‫اآلخر ُة َن ْج َع ُل َها‬ ‫)‬‫‪4‬‬ ‫(‬ ‫ال ي ِح ُّب ُك َّل م ْخ َت ٍ‬
‫ْ َ َّ ُ (‪َ )5‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ين‪. ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ادا َوا ْل َعاق َب ُة ل ْل ُم َّتق َ‬
‫ون ُع ُل ًّوا في األ ْرض َوال َف َس ً‬ ‫يد َ‬‫ين ال يُرِ ُ‬ ‫ل َّلذ َ‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬بينما رجل يمشي في ُح َّل ٍة‬
‫نفسه‪،‬مرج ٌل ُج َّمته‪،‬إذ خسف اهلل به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة))(‪.)6‬‬ ‫ّ‬ ‫تعجبه‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود ‪،‬عن النبي ‪ ‬قال‪((:‬ال يدخل الجنة من كان في‬
‫قلبه مثقال ذرة من كبر)) قال رجل‪:‬إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً‪،‬ونعله‬
‫حسنة‪ ،‬قال‪((:‬إن اهلل جميل يحب الجمال‪،‬الكبر‪:‬بطر الحق‪ ،‬وغمط الناس))(‪.)7‬‬
‫وعن سلمة بن األكوع ‪(( ‬أن رجالً أكل عند رسول اهلل ‪ ‬بشماله‪،‬‬
‫فقال‪(( :‬كل بيمينك))‪،‬قال‪:‬ال أستطيع‪،‬قال‪(( :‬ال استطعت ما منعه إال الكبر‪،‬‬
‫قال‪ :‬فما رفعها إلى فيه))(‪.)8‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ ،‬قال اهلل ‪(( :‬الكبرياء‬
‫ردائي‪ ،‬والعظمة إزاري‪ ،‬فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار))(‪.)9‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪. 1 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪. 30 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪. 24 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪. 23 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة القصص‪ ،‬اآلية‪. 84 :‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬في كتاب اللباس‪ ،‬باب من جر ثوبه من الخيالء‪ ،‬برقم ‪ ،2781‬ومسلم‪،‬كتاب‬
‫اللباس‪ ،‬باب تحريم التبختر في المشي‪ ،‬مع إعجابه بثيابه‪ ،‬برقم‪.2088‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب تحريم الكبر وبيانه‪ ،‬برقم‪.11‬‬
‫(‪ )8‬مسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما‪ ،‬برقم ‪.2021‬‬
‫(‪ )9‬أبو داود‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب ما جاء في الكبر‪ ،‬برقم ‪ ،3010‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪.‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪565‬‬
‫العز إزاره‪ ،‬والكبرياء رداؤه‪ ،‬فمن ينازعني عذبته))(‪.)1‬‬
‫ولفظ مسلم‪ّ (( :‬‬
‫وعن عياض بن حمار ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إن اهلل تعالى‬
‫أوحى إلي أن تواضعوا حتى ال يبغي أحد على أحد‪ ،‬وال يفخر أحد‬
‫َّ‬
‫على أحد))(‪.)2‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬ما نقصت صدقة من مال‪،‬‬
‫وما زاد اهلل عبداً بعفوٍ إال ّ‬
‫عزاً‪ ،‬وما تواضع أحد هلل إال رفعه اهلل‬
‫تعالى))(‪.)3‬‬
‫وعن أنس ‪‬قال‪ :‬كانت ناقة النبي ‪ ‬تسمى العضباء‪ ،‬وكانت ال‬
‫ُت ْسبق‪ ،‬فجاء أعرابي على قعود له فسبقها‪ ،‬فاشتد ذلك على المسلمين‪،‬‬
‫َ‬
‫وقالوا‪ُ :‬سبقت العضباء‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪(( :‬إن ح ّقاً على اهلل أن ال‬
‫يرفع شيئاً من الدنيا إال وضعه))(‪.)4‬‬
‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬ثالث مهلكات‪،‬‬
‫وثالث منجيات‪ ،‬وثالث كفارات‪ ،‬وثالث درجات‪ :‬فأما المهلكات‪:‬‬
‫فشح مطاع‪ ،‬وهوى متبع‪ ،‬وإعجاب المرء بنفسه‪ ،‬وأما المنجيات‪:‬‬
‫فالعدل في الغضب والرضى‪ ،‬والقصد في الفقر والغنى‪ ،‬وخشية اهلل في‬
‫السر والعالنية‪ ،‬وأما الكفارات‪ :‬فانتظار الصالة بعد الصالة‪ ،‬وإسباغ‬
‫الوضوء في السبرات‪ ،‬ونقل األقدام إلى الجماعات‪ ،‬وأما الدرجات‪:‬‬
‫فإطعام الطعام‪ ،‬وإفشاء السالم‪ ،‬والصالة بالليل والناس نيام))(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب تحريم الكبر‪ ،‬برقم‪.2320‬‬
‫( ‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب الجنة ونعيمها‪ ،‬باب الصفات التي يُعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار‪،‬برقم ‪.)2832(-33‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬كتاب البر الصلة‪ ،‬باب استحباب العفو والتواضع‪ ،‬برقم‪.2288‬‬
‫(‪ )4‬البخاري كتاب الرقائق‪ ،‬باب التواضع‪ ،‬برقم ‪.3201‬‬
‫(‪ )5‬المعجم األوسط للطبراني‪[ ،‬مجمع البحرين في زوائد المعجمين‪ ،123/1 ،‬برقم‪ ،]132‬وله‬
‫شاهد من حديث أنس في المرجع نفسه‪ ،‬برقم ‪ .122/1 ،131‬وذكر األلباني أنه روي عن أنس‬
‫بن مالك‪ ،‬وعبد اهلل بن عباس‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وعبد اهلل بن أبي أوفى‪ ،‬وعبد اهلل بن عمر‪ ،‬وذكرها ثم‬
‫قال‪(( :‬وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن على أقل الدرجات إنشاء اهلل تعالى))‪.‬‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪565‬‬
‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬من َتعظَّم في نفسه‪،‬أو اختال‬
‫في مشيته لقي اهلل ‪ ‬وهو عليه غضبان))(‪.)1‬‬
‫وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪،‬عن النبي ‪(( :‬يحشر‬
‫المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال‪ ،‬يغشاهم الذل من‬
‫كل مكان‪ ،‬يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بُو َلس‪ ،‬تعلوهم نار‬
‫األنيار‪ ،‬ويسقون من عصارة أهل النار‪ ،‬طينة الخبال))(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬الغناء‪،‬والمزامير‪،‬والمعازف‪:‬بعض الناس يُضيعون أوقات العيد‬
‫ّ‬
‫المبارك في االجتماع على مزامير الشيطان‪،‬وآالت اللهو المحرمة‪،‬قال اهلل‬
‫ورا‬
‫آؤ ُك ْم َج َز ًاء َّم ْو ُف ً‬ ‫‪ ‬للشيطان‪:‬ا ْذ َه ْب َف َمن َتب َِع َك ِم ْن ُه ْم َف ِإ َّن َج َهنَّ َم َج َز ُ‬
‫ت ِم ْن ُهم ب َِص ْو ِت َك َوأَ ْج ِل ْب َع َليهِ م ب َِخي ِل َك َو َر ِج ِل َك‬ ‫* َو ْاس َت ْفزِ ْز َم ِن ْاس َت َط ْع َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الد َو ِع ْد ُه ْم َو َما َي ِع ُد ُه ُم َّ‬
‫ارِكهم ِفي األَمو ِال واألَو ِ‬
‫(‪)3‬‬
‫ورا‪. ‬‬ ‫الش ْي َطا ُن ِإال َّ ُغ ُر (‪ً)4‬‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ َ ُْْ‬
‫وش‬
‫قال مجاهد في تفسير الصوت هنا‪:‬باللهو‪،‬والغناء‪:‬أي استشغفهم بذلك ‪.‬‬
‫ِيل اهلل‬‫يث ِل ُي ِض َّل َعن َسب ِ‬ ‫وقال ‪ :‬و ِمن الناس من ي ْش َترِ ي لـهو الـح ِد ِ‬
‫َْ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫اب ُّمهِ ي ٌن * َو ِإ َذا تُ ْت َلى َع َلي ِه َآياتُ َنا َولَّى‬‫ٌ‬ ‫ذ‬‫ب َِغ ْيرِ ِع ْل ٍم َو َي َّت ِخ َذ َها ُ ُ ً َ َ َ ُ ْ َ َ‬
‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ِ‬
‫ئ‬ ‫ل‬‫و‬‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫و‬‫ز‬ ‫ه‬
‫ْ‬
‫يم‪.)5(‬ال ابن‬ ‫اب أَ ِل ٍ‬
‫ُم ْس َت ْكبِرا َكأَن لَّم َي ْس َم ْع َها َكأَ َّن ِفي أ ُ ُذ َني ِه َو ْقرا َفب ّشر ُه ب َِع َذ ٍ‬
‫ً َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫مسعود ‪ ‬في تفسير ذلك‪((:‬الغناء واهلل الذي ال إله إال هو)) يرددها ثالث‬
‫مرات‪،‬وتبع ابن مسعود عبد اهلل بن عباس‪،‬وجابر‪،‬ومجاهد ‪ ‬ورحمهم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫األحاديث الصحيحة‪ ،‬برقم ‪ ،313/3 ،1802‬وحسنه في صحيح الجامع‪.37/4 ،‬‬
‫(‪ )1‬البخاري في األدب المفرد‪،‬برقم ‪،231‬وصححه األلباني في األحاديث الصحيحة‪ ،‬برقم ‪،234‬وفي‬
‫صحيح األدب المفرد‪،‬ص‪،207‬ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪ 30/1 ،‬بلفظ‪((:‬من تعاظم في‬
‫نفسه واختال في مشيته‪،‬لقي اهلل وهو عليه غضبان))‪.‬‬
‫(‪ )2‬أحمد‪ ،118/2 ،‬والترمذي‪ ،‬كتاب صفة القيامة‪ ،‬باب حدثنا هناد‪ ،‬برقم ‪ ،2312‬وقال‪(( :‬هذا حديث‬
‫حسن صحيح))‪ ،‬والبخاري في األدب المفرد‪ ،‬برقم ‪ ،227‬وحسنه األلباني في صحيح الترمذي‪،‬‬
‫‪،302/2‬وفي صحيح األدب المفرد‪،‬ص‪.210‬‬
‫(‪ )3‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآليات‪.33-32 :‬‬
‫(‪ )4‬تفسير ابن كثير‪.20/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬سورة لقمان‪ ،‬اآليتان ‪. 7-3 :‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪560‬‬
‫ون َوالَ َتب ُكو َن *‬ ‫ون * َو َت ْض َح ُك َ‬
‫يث َت ْع َج ُب َ‬‫وقال اهلل ‪ :‬أَ َف ِمن ه َذا الح ِد ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫َوأَ ُنتم َس ِام ُدو َن‪ .)1(‬قال ابن عباس في السمود‪ :‬هو الغناء‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫ْ‬
‫اسمدي لنا‪ :‬أي غني لنا‪ ،‬والسمد أيض ًا‪ :‬الغفلة واللهو عن الشيء‪ .‬وقال‬
‫الد ْنيا َفا ْلي ْو َم‬ ‫‪ :‬ال ِذين اتخذوا ِدينهم لـهوا ول ِعبا وغرتهم الـحياة‬
‫َ‬ ‫َّ َ َّ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ ً َ َ ً َ َ َّ ْ ُ ُ ْ َ َ ُ ُّ(‪َ)2‬‬
‫اهم َك َما َن ُسو ْا ِل َق َاء َي ْو ِمهِ م َه َـذا َو َما َكانُو ْا ب َِآي ِات َنا َي ْج َح ُدو َن‪ . ‬واللهو‬ ‫ننس‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُْ‬
‫كل ما ألهى عن طاعة اهلل‪ ،‬واللعب كل ما ال فائدة فيه‪.‬‬
‫ند ا ْلبي ِت ِإال َّ ُم َك ًاء َو َت ْص ِد َي ًة‪. ‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ان َصالَتُ ُهم ِع‬ ‫وقال ‪َ  :‬و َما َك َ‬
‫َ َْ‬ ‫ْ‬
‫والمكاء‪ :‬التصفير‪ ،‬والتصدية‪ :‬التصفيق‪.‬‬
‫وعن أبي مالك األشعري ‪ ‬يرفعه‪(( :‬ليشربن أناس من أمتي الخمر‬
‫ويسمونها بغير اسمها‪ ،‬يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات‪،‬‬
‫يخسف اهلل بهم األرض ويجعل منهم القردة والخنازير))(‪ .)4‬وعنه ‪‬‬
‫الحر والحرير‪ ،‬والخمر‪،‬‬ ‫يرفعه‪(( :‬ليكونن من أمتي أقوام يستحلون ِ‬
‫َ‬
‫والمعازف))(‪ .)5‬وعن أنس مرفوع ًا‪(( :‬صوتان ملعونان في الدنيا واآلخرة‪:‬‬
‫مزمار عند نعمة‪ ،‬ورنة عند مصيبة))(‪.)6‬‬
‫وعـــن ابـــن عبـــاس رضيييي اهلل عنيييهما قـــال‪ :‬قـــال رســـول اهلل ‪(( :‬إن اهلل حـــرم‬
‫َّ‬
‫عليكم‪ :‬الخمر‪ ،‬والميسر‪ ،‬والكوبة(‪ ،)7‬وقال‪ :‬كل مسكر حرام))(‪.)8‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة النجم‪ ،‬اآليات‪. 31-21 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪. 21 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪. 42 :‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجه‪ ،‬كتاب الفتن‪،‬باب العقوبات‪،‬برقم‪،3020‬وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه‪.417/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب ما جاء فيمن يستحل الخمر‪ ،‬ويسميه بغير اسمه‪ ،‬برقم ‪ ،2210‬قال‬
‫شيخنا ابن باز أثناء تقريره على صحيح البخاري على هذا الحديث‪(( :‬وكالم ابن حزم فاسد حيث‬
‫يرى أن هذا الحديث ليس متصالً))‪.‬‬
‫(‪ )6‬ذكره السيوطي في الجامع الصغير‪ ،‬وعزاه إلى البزار‪ ،‬والضياء المقدسي في المختارة‪ ،‬وعزاه‬
‫األلباني إلى أبي بكر الشافعي في الرباعيات‪ ،‬وذكر له شاهداً عند الحاكم‪ ،30/3 ،‬وحسنه األلباني‬
‫في صحيح الجامع‪ ،‬برقم ‪ ،4312‬وانظر‪ :‬األحاديث الصحيحة‪ ،‬رقم‪.328‬‬
‫(‪ )7‬الكوبة‪ :‬الطبل كما في رواية أبي داود‪ ،‬برقم ‪.4313‬‬
‫(‪ )8‬أحمد بلفظه‪ ،420/1 ،‬و‪ ،281 ،278 ،273‬وأبو داود‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب في األوعية‪ ،‬برقم‪،4313‬‬
‫=‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪566‬‬
‫وجاء عن ابن مسعود ‪(( :‬الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت‬
‫الماء البقل))‪ .‬وفي رواية‪(( :‬الزرع))‪.‬‬
‫وقال اإلمام مالك رحمه اهلل‪((:‬إنما يفعله عندنا الفساق))‪.‬‬
‫وقال عمر بن عبد العزيز رحمه اهلل‪(( :‬بدؤها من الشيطان وعاقبتها‬
‫سخط الرحمن))‪.‬‬
‫وقال الضحاك رحمه اهلل‪(( :‬الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب))‪.‬‬
‫وقال الفضيل بن عياض رحمه اهلل‪((:‬الغناء رائد الفجور))‪.‬‬
‫وقال الوليد بن عبد الملك رحمه اهلل‪(( :‬الغناء داعية الزنا))(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬حلق اللحى يكثر عند أمة من البشر يوم العيد‪ ،‬وهو محرم؛ لقول‬
‫النبي ‪(( :‬خالفوا المشركين و ّفروا اللحى وأح ّفوا الشوارب))‪ .‬وفي‬
‫لفظ‪(( :‬أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى))(‪.)2‬‬
‫جزوا الشوارب وأرخوا اللحى‪ ،‬خالفوا‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ‬يرفعه‪ُّ ((:‬‬
‫المجوس))(‪.)3‬وفي حديث زيد بن أرقم‪((:‬من لم يأخذ من شاربه فليس منا)) ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫فال يجوز لمسلم يشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن محمداً رسول اهلل ‪‬‬
‫حقاً بعد سماعه لهذه األحاديث أن يأخذ من لحيته شيئاً‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫‪ - 3‬مصافحة النساء من غير المحارم محرمة في كل وقت‪ ،‬وقد وقع‬
‫المحرم‪ ،‬وخاصة أيام األعياد واألفراح‪،‬‬ ‫بعض ضعفاء اإليمان في هذا‬
‫ُ َّ‬
‫ومما يؤكد تحريم مصافحة النساء األجنبيات حديث معقل بن يسار ‪‬‬
‫عن النبي ‪ ‬أنه قال‪َ (( :‬ألن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ ،702/2 ،‬وفي األحاديث الصحيحة ‪.1803‬‬
‫(‪ )1‬انظر هذه األقوال‪ :‬إغاثة اللهفان البن القيم‪.411-437/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ ،‬البخاري برقم ‪ ،2812‬ورقم ‪ ،2814‬ومسلم‪،‬‬
‫برقم ‪ ،221‬وتقدم تخريجه في الطهارة‪ :‬سنن الفطرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،230‬وتقدم تخريجه في الطهارة‪ ،‬سنن الفطرة‪.‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪،‬برقم ‪،2731‬والنسائي‪،‬برقم ‪،14‬وصححه األلباني‪،‬وتقدم تخريجه في الطهارة‪،‬سنن الفطرة‪.‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪565‬‬
‫تحل له))(‪ .)1‬وقد ذكرت عائشة‬
‫رضي اهلل عنها‬ ‫خير له من أن يمس امرأة ال ُّ‬
‫كيفية بيعة النبي ‪ ‬للنساء‪ ،‬ثم قالت‪(( :‬وكان رسول اهلل ‪ ‬إذا أقررن‬
‫بذلك من قولهن قال لهن رسول اهلل ‪(( :‬انطلقن فقد بايعتكن)) وال واهلل‬
‫ما مست يد رسول اهلل ‪ ‬يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكالم))(‪.)2‬‬
‫‪ - 7‬التشبه بالكفار والمشركين‪ ،‬في المالبس وغيرها‪ ،‬سواء كان‬
‫التشبه من الرجال أو النساء‪ ،‬فال يجوز لمسلم أن يتشبه بأعداء اهلل‬
‫ورسوله؛ لحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫((بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد اهلل وحده ال شريك له‪،‬‬
‫الذل والصغار على من خالف‬ ‫وجعل ّ‬ ‫وجعل رزقي تحت ظل رمحي‪ُ )3( ،‬‬ ‫ُ‬
‫أمري‪ ،‬ومن تشبه بقوم فهو منهم)) ‪.‬‬
‫‪ - 8‬تشبه الرجال بالنساء في المالبس أو الحركات‪،‬أو الزينة أو مما هو من‬
‫خصائص النساء‪،‬وتشبه النساء بالرجال كذلك‪،‬وهذا يحصل في األعياد وفي‬
‫غيرها‪،‬وهو محرم ال يجوز؛لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬لعن رسول اهلل‬
‫‪ ‬المتشبهين من الرجال بالنساء‪،‬والمتشبهات من النساء بالرجال)) وفي لفظ‪:‬‬
‫((لعن النبي ‪ ‬المخنثين(‪ )4‬من الرجال‪،‬والمترجالت من النساء‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫أخرجوهم من بيوتكم))فأخرج النبي ‪ ‬فالناً‪،‬وأخرج عمر فالناً))(‪.)5‬‬
‫‪ - 1‬الخلوة بالنساء أيام األعياد‪ ،‬أو األفراح أو غير ذلك محرمة‪ ،‬ومن خال بامرأة‬
‫فالشيطان ثالثهما؛ لحديث عقبة بن عامر ‪ :‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬إياكم والدخول‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبراني في الكبير‪،212-211/20،‬برقم ‪،387 ،383‬وقال المنذري في الترغيب والترهيب‪،‬‬
‫‪(( :327/2‬رواه الطبراني والبيهقي‪،‬ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح))‪ ،‬حسنه األلباني في‬
‫غاية المرام‪،‬برقم ‪،113‬واألحاديث الصحيحة‪،‬برقم ‪.223‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬كتاب اإلمارة‪ ،‬باب كيف بيعة النساء‪ ،‬برقم ‪.1833‬‬
‫(‪ )3‬أحمد‪،12 ،20/2،‬وابن أبي شيبة في المصنف‪،414/2،‬وصححه األلباني في إرواء الغليل‪.101/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬المخنثين‪:‬المتشبهين بالنساء‪،‬والمترجالت‪:‬المتشبهات بالرجال‪،‬انظر فتح الباري البن حجر‪.442/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال‪ ،‬وباب إخراج المتشبهين‬
‫بالنساء من البيوت‪ ،‬برقم ‪ ،2882‬ورقم ‪.2883‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪565‬‬
‫الحمو‬
‫الحمو؟ قال‪ُ (( :‬‬ ‫َ‬ ‫على النساء)) فقال رجل من األنصار‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أفرأيت‬
‫الموت))(‪ .)2()1‬ولحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ال يخلو َّن رجل‬
‫بامرأة إال مع ذي محرم))(‪ .)3‬وعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص رضي اهلل عنهما وفيه أن‬
‫النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ال يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إال ومعه رجل أو‬
‫اثنان))(‪ .)4‬قال الترمذي رحمه اهلل‪(( :‬وإنما معنى كراهية الدخول على النساء‪ :‬على‬
‫نحو ما روي عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ال يخلو َّن رجل بامرأة إال كان ثالثهما الشيطان))‪.‬‬
‫ومعنى قوله‪((:‬الحمو)) يقال‪:‬هو أخو الزوج‪،‬كأنه كره له أن يخلو بها))(‪.)5‬‬
‫‪ - 10‬تبرج النساء وخروجهن من البيوت إلى األسواق‪،‬يكثر أيام العيد‬
‫خروج النساء متبرجات إال من عصم اهلل ‪،‬وهذا حرام؛لقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬ ‫ِِ ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصال َة َوآت َ‬ ‫‪َ ‬و َق ْر َن في بُ ُيوت ُك َّن َوال َت َب َّر ْج َن َت َب ُّر َج الـْ َجاهل َّية األو َلى َوأق ْم َن َّ‬
‫نكم الر ْج َس أَ ْه َل ا ْلبي ِت‬ ‫يد اهلل ِليذ ِهب ع‬ ‫الز َكا َة َوأَ ِط ْع َن اهلل َو َر ُسو َل ُه ِإنَّ َما يُرِ ُ‬
‫َْ‬ ‫ُْ َ َ ُُ ّ‬ ‫(‪)6‬‬
‫َّ‬
‫َويُ َط ّهر ُكم َت ْطهِ يرا‪. ‬وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪:‬قال رسول اهلل ‪((:‬صنفان‬
‫ً‬ ‫َ ْ‬
‫من أهل النار لم أرهما‪:‬قوم معهم سياط كأذناب البقر‪ ،‬يضربون بها الناس‪،‬‬
‫(‪)9‬‬
‫ونساء كاسيات عاريات(‪ )7‬مميالت(‪ )8‬مائالت‪ ،‬رؤوسهن كأسنمة البخت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬كتاب النكاح‪،‬باب ال يخلون رجل بامرأة إال مع ذي محرم‪ ،‬والدخول على‬
‫المغيبة‪،‬برقم‪،2242‬ومسلم‪،‬كتاب السالم‪،‬باب تحريم الخلوة باألجنبية‪،‬برقم ‪.2172‬‬
‫(‪ )2‬الحمو‪:‬قريب الزوج‪،‬والمعنى‪:‬فليمت وال يفعلن ذلك‪ .‬الترغيب والترهيب للمنذري‪.327/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ال يخلون رجل بامرأة‪ ،‬برقم ‪.2244‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬كتاب السالم‪ ،‬باب تحريم الخلوة باألجنبية‪ ،‬برقم ‪.2174‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪،‬كتاب الرضاع‪،‬باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات‪،‬برقم‪ 1171‬من كالم الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )6‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية‪. 44 :‬‬
‫(‪ )7‬كاسيات عاريات ‪ :‬قيل‪ :‬كاسيات من نعمة اهلل عاريات من شكرها‪ ،‬وقيل‪ :‬تستر بعض بدنها‬
‫وتكشف بعضه‪ ،‬وقيل‪ :‬تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها‪ .‬شرح النووي على صحيح مسلم‪،‬‬
‫‪ .423/13‬ويدخل في ذلك واهلل أعلم‪ :‬من تلبس ثوب ًا ضيقاً يبين صورة عورتها‪.‬‬
‫(‪ )8‬مميالت مائالت ‪ :‬قيل‪ :‬مائالت عن طاعة اهلل مميالت‪ :‬يعلمن غيرهن فعلهن المذموم‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫مائالت‪ :‬يتثنين متبخترات مميالت ألكتافهن‪ ،‬وقيل‪ :‬مائالت‪ :‬يمشطن المشطة المائلة مشطة‬
‫البغايا‪ ،‬مميالت بمشطهن غيرهن تلك المشطة‪ .‬شرح النووي ‪. 427/13،‬‬
‫(‪ )9‬رؤوسهن كأسنمة البخت‪ :‬يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها‪ .‬شرح النووي‪.427/13 ،‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪565‬‬
‫المائلة‪،‬ال يدخلن الجنة وال يجدن ريحها‪،‬وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا‬
‫وكذا))‪.‬وفي لفظ‪((:‬وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫ب‬ ‫التبذير واإلسراف‪ ،‬يقول اهلل ‪َ  :‬والَ تُ ْسرِ ُفو ْا ِإنَّ ُه الَ يُح ُّ‬ ‫‪- 11‬‬
‫ِ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫ين‪ . ‬وقال اهلل تعالى‪َ  :‬والَ تُ َب ّذ ْر َت ْب(‪3‬ذ) ًيرا * ِإ َّن الـْ ُم َب ّذرِ َ‬
‫ين َكانُو ْا‬ ‫الـْ ُم ْسرِ ف َ‬
‫ورا‪ . ‬وقال النبي ‪(( :‬كلوا‬ ‫ً‬ ‫الشي َطا ُن ِلربّ ِه َك ُف‬
‫ان َّ‬
‫ين َو َك َ‬ ‫الشي ِ‬
‫اط ِ‬ ‫ان َّ‬ ‫إ ِْخ َو َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫واشربوا والبسوا‪،‬وتصدقوا‪،‬في غير إسراف وال مخيلة))(‪.)4‬وعن ابن‬
‫مسعود عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ال تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه‬
‫حتى يسأل عن خمس‪ :‬عن عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن شبابه فيما أباله‪ ،‬وماله‬
‫من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم))(‪.)5‬‬
‫َ‬
‫وعن أبي برزة األسلمي‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬ال تزول قدما عبد‬
‫يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن علمه فيم فعل‪ ،‬وعن‬
‫ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أباله))(‪.)6‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ - 12‬عدم العناية بالفقراء والمساكين‪ ،‬وكثير ًا ما يُظهر أبناء األغنياء‬
‫السرور والفرح‪ ،‬ويأكلون المأكوالت المتنوعة‪ ،‬يفعلون ذلك أمام الفقراء‬
‫وأبنائهم‪ ،‬دون رحمة أو شفقة‪ ،‬وال تعاون‪ ،‬وقد قال النبي ‪(( :‬ال يؤمن‬
‫أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه))(‪.)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬كتاب اللباس والزينة‪ ،‬باب النساء الكاسيات‪ ،‬برقم ‪ ،2128‬وكتاب الجنة والنار‪ ،‬باب النار‬
‫يدخلها الجبارون‪ ،‬برقم ‪.2128‬‬
‫(‪ )2‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪. 131 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآليتان‪. 27-23 :‬‬
‫أخرج‬
‫َ‬ ‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬معلقاً‪ ،‬مجزوم ًا به‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب قول اهلل تعالى‪ُ  :‬قل َمن حر َم زين َة اهلل التي‬
‫َّ‬
‫لعباد ِه‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪.2783‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪ ،‬كتاب صفة القيامة‪ ،‬باب في القيامة‪ ،‬برقم ‪ ،2313‬وصححه األلباني في صحيح سنن‬
‫الترمذي‪ ،272/2 ،‬واألحاديث الصحيحة‪ ،‬برقم ‪.133‬‬
‫(‪ )6‬الترمذي‪ ،‬كتاب صفة القيامة‪ ،‬باب في القيامة‪ ،‬برقم ‪ ،2317‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫الترمذي‪. 272/2 ،‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب من اإليمان أن يحب ألخيه ما يحب لنفسه‪ ،‬برقم ‪ ،14‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫اإليمان‪ ،‬باب الدليل على أن من خصال اإليمان أن يحب ألخيه ما يحب لنفسه من الخير‪ ،‬برقم ‪.32‬‬
‫صالة العيدين‬ ‫‪555‬‬
‫‪ - 14‬عدم صلة األرحام بما يحتاجونه من مساعدات‪ ،‬أو زيارات‪ ،‬أو‬
‫إحسان‪ ،‬أو إدخال سرور‪ ،‬أو غير ذلك من أنواع اإلحسان؛ لحديث أبي‬
‫هريرة ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ :‬يقول‪(( :‬من سره أن يُبسط له في‬
‫رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه))‪ .‬وفي لفظ‪(( :‬من أحب أن يُبسط‬
‫له في رزقه‪ ،‬ويُنسأ له في أثره‪ ،‬فليصل رحمه))(‪)1‬؛ ولحديث جبير بن‬
‫مطعم أنه سمع النبي ‪ ‬يقول‪(( :‬ال يدخل الجنة قاطع))(‪)2‬؛ ولحديث أبي‬
‫هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬إن اهلل خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه‬
‫قالت الرحم‪ :‬هذا مقام العائذ بك من القطيعة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما ترضين أن‬
‫أصل من وصلك‪ ،‬وأقطع من قطعك؟ قالت‪ :‬بلى يا رب‪ ،‬قال‪ :‬فهو‬
‫لك))‪ .‬قال رسول اهلل ‪(( :‬فاقرأوا إن شئتم‪َ  :‬ف َه ْل َع َسي ُتم إِن َت َولَّي ُتم أَن‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َل َع َن ُهم اهلل‬
‫ُ‬ ‫ُت ْفس ُدوا في األَ ْرض َو ُت َقطّ ُعوا أَ ْر َح َام ُك ْم * أ ُ ْو َلئ َك الَّذ َ‬
‫وب‬‫آن أَ ْم َع َلى ُق ُل ٍ‬ ‫ار ُه ْم * أَ َفال َي َت َد َّب ُرو َن ا ْل ُق ْر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َفأ َص َّم ُه ْم (‪َ3‬و)أ ْع َمى أ ْب َص َ‬
‫أَ ْق َفالـ َها‪ . ))‬وعن أبي هريرة ‪‬أن رجالً قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن لي قرابة‬
‫ُ‬
‫أصلهم ويقطعوني‪ ،‬وأحسن إليهم ويسيئون إلي‪ ،‬وأحلم عنهم ويجهلون‬
‫َّ‬
‫المل‪ ،‬وال يزال معك‬ ‫ّ‬ ‫علي‪ ،‬فقال‪(( :‬لئن كنت كما قلت فكأنما تس ّفهم‬
‫َّ‬
‫من اهلل ظهير عليهم ما دمت على ذلك))(‪.)4‬‬
‫واهلل ‪ ‬ولي التوفيق‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى‬
‫آله وأصحابه أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬كتاب البيوع‪،‬باب من أحب أن يبسط له في الرزق‪،‬برقم ‪،2037‬وكتاب األدب‪،‬باب‬
‫من بسط له في الرزق‪،‬لصلة الرحم‪،‬برقم ‪ ،2182‬ورقم ‪،2183‬ومسلم‪،‬كتاب البر والصلة‪،‬باب صلة‬
‫الرحم وتحريم قطيعتها‪،‬برقم ‪.2227‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪:‬البخاري‪،‬كتاب األدب‪،‬باب إثم القاطع‪ ،‬برقم ‪ ،2183‬ومسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة ‪ ،‬باب‬
‫صلة الرحم‪ ،‬برقم ‪.2223‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه ‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب من وصل وصله اهلل‪ ،‬برقم ‪ ،2187‬ومسلم‪ ،‬كتاب البر‬
‫والصلة‪ ،‬باب صلة الرحم‪ ،‬برقم ‪ ،2223‬واآليات من سورة محمد ‪.23-22‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها‪ ،‬برقم ‪.2228‬‬
‫صالة الجنائز‬
‫‪555‬‬

You might also like