Professional Documents
Culture Documents
8
الجزء الثاني
065
065 مكان صالة الجماعة :المساجد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدال،فصل الميم،202-203/4،وسبل السالم ،للصنعاني.171/2 ،
( )1انظر:لسان العرب البن منظور،باب ّ
( )2إعالم الساجد بأحكام المساجد ،ص ، 28-27وانظر :مشارق األنوار للقاضي عياض ،207/2
ومفردات ألفاظ القرآن ،لألصفهاني ،ص ، 417ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ،للمال
علي القاري ،12/10 ،وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح.4342/11 ،
( )3معجم لغة الفقهاء ،لألستاذ الدكتور /محمد رواس ،ص.417
( )4انظر :إعالم الساجد بأحكام المساجد ،للزركشي ،ص.27
باب :حدثنا عبد اهلل بن يوسف ،برقم ،442ومسلم ،كتاب( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب التيممٌ ،
المساجد ،باب المساجد ومواضع الصالة ،برقم .221
( )6انظر :المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ،للقرطبي.117/2 ،
مكان صالة الجماعة :المساجد 065
()1
فصل ،فهو مسجد)) ،قال اإلمام النووي رحمه اهلل: ّ أدركتك الصالة
((فيه جواز الصالة في جميع المواضع إال ما استثناه الشرع من الصالة:
في المقابر ،وغيرها من المواضع التي فيها النجاسة :كالمزبلة،
والمجزرة ،وكذا ما نُهِ ي عنه لمعنى آخر :فمن ذلك أعطان اإلبل... ،
َ
ومنه قارعة الطريق ،والحمام ،وغيرها؛ لحديث ورد فيها))(.)2
سمي بذلك؛ ألنه يجمع أهله؛ وألنهأما الجامع :فهو نعت للمسجدّ ،
عالمة لالجتماع ،فيقال :المسجد الجامع ،ويجوز(( :مسجد الجامع))
باإلضافة ،بمعنى :مسجد اليوم الجامع( ،)3ويقال للمسجد الذي ُتص َّلى
فيه الجمعة ،وإن كان صغيراً؛ ألنه يجمع الناس في وقت معلوم.
-2فضل المساجد وشرفها :ألهمية المساجد ،ومكانتها وفضلها،
ّ
ذكرها اهلل في كتابه في ثمانية عشر موضعاً(.)4
ولمكانتها العالية وعظم منزلتها عند اهلل تعالى أضافها إلى نفسه إضافة
تشريف وتكريم؛ فإن المضاف إلى اهلل نوعان :صفات ال تقوم
بأنفسها :كالعلم ،والقدرة ،والكالم ،والسمع ،والبصر ،فهذه إضافة صفة
إلى الموصوف بها ،فعلمه ،وكالمه ،وقدرته ،وحياته ،ووجهه ،ويده،
صفات له ال يشبهه فيها أحد من خلقه ،وهي تليق به .والنوع الثاني:ٌ
إضافة أعيان منفصلة عنه ،كالبيت ،والناقة ،والعبد ،والرسول ،والروح،
فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه ،لكنها إضافة تقتضي تخصيصاً وتشريف ًا
يتميز بها المضاف عن غيره(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اب برقم َ ( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب األنبياء ،باب :ووهب َنا ِل َداوود س َليم َ ِ
ان ن ْع َم ا ْل َع ْب ُد إِنَّ ُه أ َّو ٌ ُ َ ُ َْ َ َ َْ ٌ
، 322ومسلم ،كتاب المساجد ومواضع الصالة ،باب المساجد ومواضع الصالة ،برقم .220
( )2شرح النووي على صحيح مسلم.2/2 ،
( )3انظر :لسان العرب ،البن منظور ،فصل الجيم ،باب العين .22/8،
( )4انظر :المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم ،لمحمد فؤاد عبد الباقي ،ص.432
( )5انظر:شرح العقيدة الطحاوية،ص ،332والكواشف الجلية عن معاني الواسطية للسلمان.232 ،
065 مكان صالة الجماعة :المساجد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1جامع البيان عن تأويل آي القرآن.337/18 ،
( )2تفسير القرآن العظيم ،ص.101
( )3تفسير البغوي.210/4 ،
( )4جامع البيان عن تأويل آي القرآن ،320/18 ،وانظر :تفسير ابن كثير ،ص.101
( )5سورة الحج ،اآلية.30 :
( )6تفسير البغوي.281/4 ،
060 مكان صالة الجماعة :المساجد
نكرِ َوهلل َع ِاقب ُة األ ُ ُمورِ .)1( الز َكا َة وأَمروا بِالـمعر ِ
وف َو َن َه ْوا َع ِن الـْ ُم َ َّ
َ َْ ُْ َ َُ
ولعظم فضل المساجد جعل اهلل من أقبح القبائح،وأعظم الظلم
اج َد اهلل أَن يُ ْذ َكر ِف َيهاالمنع من عمارتها،فقال َ :و َم ْن أَ ْظ َلم ِممن م َن َع َمس ِ
َ ُ َّ َّ
َ
ْاس ُم ُه َو َس َعى ِفي َخراب َِها .)2(وال شك أن اهلل نسخ جميع الشرائع
َ
السابقة كلها باإلسالم،فبعد هذا النسخ يتعين منع عمارة الكنائس،
والصوامع ،والبيع،وجميع المعابد،ويجب إظهار هذه المساجد ورفعها،
()4 والعناية بها،لقوله ِ :)3(في بي ٍ
وت أَ ِذ َن اهلل أَن تُر َف َع َويُ ْذ َكر ِف َيها ْاس ُم ُه
َ ْ ُُ
واهلل المستعان(.)5
وفضل المساجد ثبت فيه حديث أبي هريرة عن النبي قال:
ب البالد إلى اهلل مساجدها ،وأبغض البالد إلى اهلل أسواقها))(.)6
((أَ َح ُّ
أحب البالد إلى اهلل مساجدها))؛ ألنها
قال اإلمام النووي -رحمه اهلل ّ (( :-
بيوت الطاعات ،وأساسها على التقوى(( ،وأبغض البالد إلى اهلل أسواقها))؛
ألنها محل الغش ،والخداع ،والربا ،واأليمان الكاذبة ،وإخالف الوعد،
واإلعراض عن ذكر اهلل ،وغير ذلك مما في معناه))(.)7
أحب البالد إلى اهلل مساجدها
))
وقال اإلمام القرطبي -رحمه اهلل ّ (( :-
أي أحب بيوت البالد ،أو بقاعها ،وإنما كان ذلك لما ُخ َّصت به من
العبادات ،واألذكار ،واجتماع المؤمنين ،وظهور شعائر الدين ،وحضور
المالئكة ،وإنما كانت األسواق أبغض البالد إلى اهلل؛ ألنها مخصوصة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة الحج ،اآلية.31 :
( )2سورة البقرة ،اآلية.113 :
( )3انظر:فصول ومسائل تتعلق بالمساجد،للعالمة عبد اهلل بن عبد الرحمن الجبرين ،ص.3
( )4سورة النور ،اآلية.43 :
( )5انظر تفسير ابن كثير ،ص.101
( )6مسلم ،كتاب المساجد ومواضع الصالة ،باب فضل الجلوس في المصلى بعد الصبح وفضل
المساجد ،برقم .371
( )7شرح النووي على صحيح مسلم.177/2 ،
مكان صالة الجماعة :المساجد 066
بطلب الدنيا ،ومطالب العباد ،واإلعراض عن ذكر اهلل؛ وألنها مكان
األيمان الفاجرة ،وهي معركة الشيطان ،وبها يركز رايته))(.)1
-4أفضل المساجد :المساجد الثالثة :المسجد الحرام،ومسجد النبي
،والمسجد األقصى؛ لحديث أبي ذر قال :قلت :يا رسول اهلل ،أي
أي؟
مسجد وضع في األرض َّأول؟ قال(( :المسجد الحرام)) .قلت :ثم ُّ
قال(( :المسجد األقصى)) .قلت :كم بينهما؟ قال(( :أربعون سنة ،وأينما
صل ،فهو مسجد))(.)2 أدركتك الصالة ف ّ
وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال :قال رسول اهلل (( :نزل الحجر األسود
فسودته خطايا بني آدم)) .ولفظ ابن
اللبنَّ ، من الجنة ،وهو أشد بياضاً من
خزيمة ..(( :أشد بياضاً من الثلج))(.)3
وعنه قال :قال رسول اهلل (( :واهلل ليبعثنه اهلل يوم القيامة ،له عينان
يبصر بهما ،ولسان ينطق به ،يشهد على من استلمه بحق))(.)4
وعن أبي هريرة أن رسول اهلل قال(( :صالة في مسجدي هذا
خير من ألف صالة فيما سواه إال المسجد الحرام)) .ولفظ مسلم:
((صالة في مسجدي هذا أفضل من ألف صالة فيما سواه إال المسجد
الحرام))( .)5والصواب أن الصالة في المسجد الحرام تضاعف داخل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم.213/2 ،
َ ( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب األنبياء ،باب ووهب َنا ِل َداوود س َليم َ ِ
اب برقم ،322ان ن ْع َم ا ْل َع ْب ُد ِإنَّ ُه أ َّو ٌ ُ َ ُ َْ َ َ َْ
وبرقم ،4433ومسلم،كتاب المساجد ومواضع الصالة ،باب المساجد ومواضع الصالة ،برقم .220
( )3الترمذي ،وقال :حسن صحيح ،كتاب الحج ،باب ما جاء في فضل الحجر األسود والركن
والمقام ،برقم ،877وابن خزيمة في صحيحه ،220/3 ،وصححه األلباني في صحيح سنن
الترمذي،341/1،وحسنه األرنؤوط في جامع األصول.272/1،
( )4الترمذي ،كتاب الحج ،باب ما جاء في الحجر األسود ،برقم ،131وابن خزيمة ،20/3 ،وأحمد،
، 233/1وقال الترمذي :هذا حديث حسن ،وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي،
،283/1ورواه الحاكم ،327/1 ،وصححه ووافقه الذهبي.
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب فضل الصالة في مسجدي مكة والمدينة ،برقم ،1110ومسلم ،كتاب
الحج ،باب فضل الصالة بمسجدي مكة والمدينة ،برقم .1413
065 مكان صالة الجماعة :المساجد
الحرم كله(.)1
وعن جابر أن رسول اهلل قال(( :صالة في مسجدي أفضل من
ألف صالة فيما سواه إال المسجد الحرام ،وصالة في المسجد الحرام
أفضل من مائة ألف صالة فيما سواه))( .)2وقد جاء(( :والصالة في بيت
المقدس بخمسمائة صالة))(.)3
تشد الرحال إال إلى ثالثة وعن أبي هريرة عن النبي (( :ال
ّ ّ
مساجد :مسجدي هذا ،ومسجد الحرام ،والمسجد األقصى)) .ولفظ
البخاري(( :ال تشد الرحال إال إلى ثالثة مساجد :المسجد الحرام،
ومسجد الرسول ،ومسجد األقصى))(.)4
وعن أبي هريرة أن النبي قال(( :ما بين بيتي ومنبري روضة من
رياض الجنة ،ومنبري على حوضي))(.)5
-3مسجد قباء أفضل المساجد بعد المساجد الثالثة؛ لحديث عبد اهلل بن
ٍ
سبت ماشي ًا عمر رضي اهلل عنهما قال(( :كان النبي يأتي مسجد قباء كل
وراكباً)) .وكان عبد اهلل بن عمر يفعله .وفي لفظ لمسلم(( :كان رسول اهلل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :مجموع فتاوى اإلمام ابن باز.240/12 ،
( )2ابن ماجه ،كتاب إقامة الصالة والسنة فيها ،باب ما جاء في فضل الصالة في المسجد الحرام
ومسجد النبي ،برقم ،1303وأحمد ،434/4 ،وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه،
،243/1وإرواء الغليل.431/3 ،
( )3جاء من حديث أبي الدرداء عند البزار ،وابن عبد البر ،والبيهقي في الشعب ،وحسنه البزار ،ونقله
ابن حجر في الفتح ،37/4 ،ولم يتعقبه بشيء ،ولم يتضح لأللباني فتوقف عنه في إرواء الغليل،
، 432/3وانظر :التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل ،لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز
آل الشيخ ،ص.38
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب فضل الصالة في مسجد مكة والمدينة ،باب فضل الصالة في مسجد
مكة والمدينة ،برقم ، 1181ومسلم ،كتاب الحج ،باب فضل المساجد الثالثة ،برقم .1417
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب فضل الصالة في مسجد مكة والمدينة ،باب فضل ما بين القبر
والمنبر ،برقم ،1113ومسلم ،كتاب الحج ،باب فضل مابين قبره ومنبره ،وفضل موضع منبره،
برقم .1411
مكان صالة الجماعة :المساجد 065
()1
يأتي مسجد قباء ،راكب ًا ،وماشي ًا ،فيصلي فيه ركعتين)) .
تطهر في بيته،
منّ )2 وعن سهل بن حنيف قال :قال رسول اهلل (( :
(
ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صالة كان له كأجر عمرة)) .
وعن أسيد بن ظُهير األنصاري عن النبي أنه قال(( :الصالة في
كعمرة))(.)3 ٍ
مسجد قباء ُ
يشد الرحال ،وإنما زار مسجد قباء من المدينة ،أو قدموهذا لمن لم َّ
شد الرحال فال يجوز إال للمساجد الثالثة
للمدينة ثم أراد زيارة قباء ،أما ُّ
كما تقدم آنف ًا.
-2فضل بناء المساجد وعمارتها ،جاء فيه نصوص كثيرة تدل على
آم َن بِاهلل َوا ْلي ْو ِم
اج َد اهلل َم ْن َالعناية بها ،كقول اهلل ِ :إنَّما ي ْعمر َمس ِ
َ َ ُُ َ
َ
ِ
الز َكا َة َو َلم َي ْخ َش ِإال َّ اهلل َف َع َسى أ ُ ْو َلـئ َك أَن ِ
اآلخرِ َوأَ َق
ْ الصالَ َة َو َآتى َّ
َّ ام
َ
ين .)4(وتكون عمارة المساجد ببنائها ،وتنظيفها، ِ ِ
َي ُكونُو ْا م َن الـْ ُم ْه َتد َ
وفرشها ،وإنارتها ،كما تكون عمارتها :بالصالة فيها ،وكثرة التردد عليها
لحضور الجماعات ،وتعلم وتعليم العلوم النافعة ،وأعظم العلم النافع
تع ُّلم القرآن وتعليمه ،وغير ذلك من أنواع الطاعات( ،)5وإخالص هذه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق علي ه:البخاري،كتاب فضل الصالة في مسجد مكة والمدينة،باب من أتى مسجد قباء كل
سبت،برقم ،1114ومسلم،كتاب الحج،باب فضل مسجد قباء وفضل الصالة فيه،برقم .1411
( )2النسائي ،كتاب المساجد ،باب فضل مسجد قباء والصالة فيه ،برقم ،700وابن ماجه ،كتاب إقامة
الصالة والسنة فيها ،باب ما جاء في الصالة في مسجد قباء ،برقم ،1312وصححه األلباني في
صحيح النسائي ،120/1 ،وصحيح ابن ماجه.247/1 ،
( )3الترمذي ،كتاب الصالة ،باب ما جاء في الصالة في مسجد قباء ،برقم ،423وابن ماجه ،كتاب
إقامة الصالة ،باب ما جاء في الصالة في مسجد قباء ،برقم ،1311وصححه األلباني في صحيح
الترمذي ،103/1 ،وصحيح ابن ماجه.247/1 ،
( )4سورة التوبة ،اآلية.18 :
( )5انظر :مفردات ألفاظ القرآن للراغب األصفهاني ،ص ،283وجامع البيان عن تأويل آي القرآن،
للطبري ،132/13 ،وتفسير البغوي ،173/2 ،وتفسير السعدي ،ص.211
065 مكان صالة الجماعة :المساجد
اج َد هلل َفال َت ْد ُعوا َم َع العبادات كلها هلل تعالى ،كما قال َ :وأَ َّن الـمس ِ
َْ َ
اهلل أَ َح ًدا.)1(
وت أَ ِذ َن اهلل أَن ُتر َف َع َويُ ْذ َكر ِف َيها ْاس ُم ُه يُ َسب ُح َل ُه ِف َيها وقال اهلل ِ :في بي ٍ
ّ َ ْ ُُ
ال الّ ُت ْلهِ يهِ م ِتجار ٌة وال بيع عن ِذ ْكرِ اهلل و ِإ َق ِام الصالةِ بِا ْل ُغ ُدو واآلص ِ
ال ،رِ َج ٌ
َّ َ ْ َ َ َ َْ ٌ َ ّ َ َ
ارِ ،لي ْجزِ َي ُهم اهلل ُ ص
َ ب
ْ َ أل او َ وب
ُ لق
ُُْل ا ِ
يه ِ
ف ب
ُ الز َك ِاة َ َ ُ َ َ ْ ً َ َ َ َّ
ل ق تت ام و ي ون فاخ ي َوإ َِيتاء َّ
ُ َ
اب.)2( أَ ْح َس َن َما َع ِم ُلوا َو َيزِ َيد ُهم ّمن َف ْض ِل ِه َواهلل َير ُز ُق َمن َي َش ُاء ب َِغيرِ ِح َس ٍ
ْ ْ
وقوله تعالى :أَ ِذ َن اهلل أَن تُر َف َع :أي أمر اهلل ببنائها ،ورفعها ،وأمر
ْ
بعمارتها ،وتطهيرها ،وقيل :أمر اهلل بتعاهدها ،وتطهيرها من الدنس،
واللغو ،واألقوال ،واألفعال التي ال تليق فيها( .)3وذكر اإلمام الطبري
رحمه اهلل أن معنى :أَ ِذ َن اهلل أَن تُر َف َع أي :أذن اهلل أن ُتبنى ،وقال
ْ
بعضهم(( :أذن اهلل أن تعظم.))...ثم رجح القول األول فقال((:وأولى
القولين عندي بالصواب القول الذي قاله مجاهد،وهو أن معناه:أذن اهلل أن
ت.)4( ترفع بناء،كما قال جل ثناؤه:و ِإ ْذ ير َفع إبراهيم ا ْل َقو ِاع َد ِمن ا ْلبي ِ
َ (ْ َ)5 َ َ َْ ُ ً
وذلك أن هذا هو األغلب في معنى الرفع في البيوت واألبنية)) .
وت أَ ِذ َن اهلل أَن تُر َف َع وقال العالمة السعدي -رحمه اهلل ِ :-في بي ٍ
ْ ُُ
يها ْاس ُم ُه هذا مجموع أحكام المساجد ،فيدخل في رفعها: ِ
َويُ ْذ َك َر ف َ
بناؤها ،وكنسها ،وتنظيفها من النجاسات واألذى ،وصونها من المجانين
والصبيان ،الذين ال يتحرزون من النجاسات ،وعن الكافر ،وأن تصان
عن اللغو فيها ،ورفع األصوات بغير ذكر اهلل))(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة الجن ،اآلية.18 :
( )2سورة النور ،اآليات.48-43 :
( )3تفسير القرآن العظيم ،البن كثير ،ص.134
( )4سورة البقرة ،اآلية.127 :
( )5جامع البيان عن تأويل آي القرآن ،للطبري ،110/11 ،وانظر :تفسير البغوي .437/4
( )6تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ،للعالمة السعدي ،ص.218
مكان صالة الجماعة :المساجد 055
وعن عمرو بن ميمون -رحمه اهلل -قال(( :أدركت أصحاب رسول
اهلل ،وهم يقولون :المساجد بيوت اهلل ،وإنه حق على اهلل أن يكرم من
زاره))(.)1
ورغب في ذلك ،فعن عثمان بن حث النبي على بناء المساجد َّ وقد ّ
عفان عن النبي أنه قال(( :من بنى مسجد ًا)) قال بكير :حسبت أنه قال:
((يبتغي به وجه اهلل)) ((بنى اهلل له مثله في الجنة)) .ولفظ مسلم(( :من بنى
مسجداً هلل)) قال بكير :حسبت أنه قال(( :يبتغي به وجه اهلل تعالى ،بنى اهلل له
بيتاً في الجنة))(.)2
وذكر ابن حجر رحمه اهلل أن قوله (( :من بنى مسجداً)) التنكير فيه
للشيوع فيدخل فيه الكبير والصغير))( .)3ووقع في رواية أنس عن
النبي أنه قال(( :من بنى هلل مسجداً صغيراً أو كبيراً بنى اهلل له بيتاً في
الجنة))( .)4وجاء من حديث أبي ذر عن النبي قال(( :من بنى هلل
مسجداً ولو قدر مفحص قطاة( )5بنى اهلل له بيتاً في الجنة))(.)6
قال الحافظ ابن حجر -رحمه اهلل (( :-وحمل أكثر العلماء ذلك على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أخرجه ابن جرير في جامع البيان.181/11 ،
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب الصالة ،باب من بنى مسجداً ،برقم ،320ومسلم ،كتاب الصالة،
باب فضل بناء المساجد ،والحث عليها ،برقم .244
( )3فتح الباري ،البن حجر.232/1 ،
( )4الترمذي ،كتاب الصالة ،باب ما جاء في فضل بنيان المسجد ،برقم ،411وحسنه األلباني في
صحيح الترغيب والترهيب.110/1 ،
( )5مفحص قطاة :القطاة :واحدة القطا ،وهو طائر معروف ببطء سيره ،والمفحص من الفحص :أي
الحفر ،والمراد هنا :الموضع الذي تحفره لترقد فيه فتضع فيه بيضها .وانظر :الترغيب والترهيب
للمنذري.232/1 ،
( )6البزار بلفظ [مختصر زوائد البزار على الكتب الستة ومسند أحمد ،البن حجر 210/1 ،برقم ،]230
والطبراني في المعجم الصغير [مجمع البحرين ،331/1 ،برقم ،]278وابن حبان [اإلحسان،
،310/3برقم ،]1310وقال الهيثمي في مجمع الزوائد(( :7/2 ،رواه البزار والطبراني في الصغير،
ورجاله ثقات)) ،وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب.101/8 ،
055 مكان صالة الجماعة :المساجد
المبالغة؛ ألن المكان الذي تفحص القطاة عنه؛ لتضع فيه بيضها ،وترقد
عليه ال يكفي مقداره للصالة فيه ،وقيل :هو على ظاهره ،والمعنى أن يزيد
في مسجد قدر ًا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر ،أو يشترك جماعة
في بناء مسجد ،فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر ،وهذا كله بناء على
أن المراد بالمسجد ما يتبادر إلى الذهن ،وهو المكان الذي يتخذ للصالة
فيه ،فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع الجبهة فال
يحتاج إلى شيء مما ذكر ،لكن قوله(( :بنى)) يشعر بوجود بناء على
الحقيقة ،ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة رضي اهلل عنها(( :من بنى هلل بيتاً)) أخرجه
سمويه في فوائده بإسناد حسن ...لكن ال يمنع إرادة اآلخر مجاز ًا إذ بناء
كل شيء بحسبه ،وقد شاهدنا كثير ًا من المساجد في طرق المسافرين
يحوطونها إلى جهة القبلة ،وهي في غاية الصغر ،وبعضها ال تكون أكثر
من قدر موضع السجود ،وروى البيهقي في الشعب من حديث عائشة نحو
حديث عثمان ،وزاد :قلت :وهذه المساجد التي في الطرق؟ قال :نعم،
وللطبراني نحوه من حديث أبي قرصافة وإسنادهما حسن))(.)1
أما قوله ((:من بنى مسجداً هلل)) فمعناه((:أي مخلصاً في بنائه هلل تعالى))(.)2
وذكر ابن حجر رحمه اهلل عن ابن الجوزي -رحمه اهلل -أنه قال((:من كتب
اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيداً من إلخالص))( .)3ومن بناه باألجرة ال
يحصل له هذا الوعد المخصوص؛لعدم اإلخالص،وإن كان يؤجر في الجملة على
حسب إخالصه،لكن اإلخالص الكامل ال يحصل إال من المتطوع(.)4
أما قوله في حديث عثمان (( :بنى اهلل له مثله في الجنة)) فقال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتح الباري شرح صحيح البخاري.232/1 ،
( )2المفهم ِل َـما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ،للقرطبي.140/2 ،
( )3فتح الباري شرح صحيح البخاري.232/1 ،
( )4فتح الباري شرح صحيح البخاري.232/1 ،
مكان صالة الجماعة :المساجد 055
القرطبي -رحمه اهلل (( :-هذه المثلية ليست على ظاهرها ...وإنما يعني
بناء أشرف وأعظم ،وأرفع))( .)1وقال اإلمام النووي
أنه بنى له بثوابه ً
رحمه اهلل تعالى (( :-يحتمل قوله (( :مثله)) أمرين :أحدهما أن يكون
معناه :بنى اهلل تعالى له مثله في مسمى البيت ،وأما صفته في السعة
وغيرها فمعلوم فضلها أنها مما ال عين رأت ،وال أذن سمعت ،وال
خطر على قلب بشر.
الثاني(( :أن معناه أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على
بيوت الدنيا))(.)2
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه اهلل ((:-ومن األجوبة المرضية،أيضاً أن
المثلية هنا بحسب الكمية،والزيادة حاصلة بحسب الكيفية،فكم من بيت
خير من عشرة بل من مائة))(.)3وهذا هو االحتمال األول عند النووي.
وال شك أن التفاوت حاصل قطعاً بالنسبة إلى ضيق الدنيا ،وسعة
الجنة؛ألن موضع شبر فيها خير من الدنيا وما فيها(.)4
وجاء عن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل (( :إن مما يلحق المؤمن من
عمله وحسناته بعد موته:علماً ع َّلمه ونشره،وولداً صالحاً تركه،ومصحفاً
ورثه،أو مسجداً بناه،أو بيتاً البن السبيل بناه،أو نهراً أجراه،أو صدقة أخرجها
َّ
()5
من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته)) .
رضي اهلل عنها -3تنظيف المساجد ،وتطييبها ،وصيانتها؛لحديث عائشة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ،للقرطبي.140/2 ،
( )2شرح النووي على صحيح مسلم.18/2 ،
( )3فتح الباري بشرح صحيح البخاري.233/1 ،
( )4فتح الباري بشرح صحيح البخاري .233/1،
( )5ابن ماجه ،المقدمة ،باب من بلغ علماً ،برقم ،232وحسنه األلباني في صحيح الترغيب
والترهيب.111/1 ،
055 مكان صالة الجماعة :المساجد
()1
وأن تنظف، قالت(( :أمر رسول اهلل ببناء المساجد في الدور
وتطيب))(.)2
وعن سمرة أنه كتب إلى ابنه(( :أما بعد ،فإن رسول اهلل كان
يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في دورنا ،ونصلح صنعتها ،ونطهرها))(.)3
()4
يقم المسجد
أسود أو امرأة سوداء كان َُّ وعن أبي هريرة أن رجالً
فمات ولم يعلم النبي بموته ،فذكره ذات يوم ،فقال(( :ما فعل ذلك
اإلنسان))؟ قالوا :مات يا رسول اهلل ،قال(( :أفال آذنتموني))؟ فقالوا :إنه كان
كذا وكذا قصته ،قال :فحقروا شأنه ،قال(( :دلّوني على قبره)) أو قال(( :على
قبرها)) فأتى قبرها فصلى عليها[ ،ثم قال(( :إن هذه القبور مملوءة ظلمة
على أهلها ،وإن اهلل ي ّنورها لهم بصالتي عليهم))( .])5وعن أنس
قال :بينما نحن في المسجد مع رسول اهلل ،إذ جاء أعرابي فقام يبول في
المسجد ،فقال أصحاب رسول اهلل :مه ،مه()6؟ قال :قال رسول اهلل :
((ال تزرموه( )7دعوه)) فتركوه حتى بال ،ثم إن رسول اهلل دعاه فقال له:
((إن هذه المساجد ال تصلح لشيء من هذا البول والقذر ،إنما هي لذكر اهلل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1بناء المساجد في الدور:قال سفيان:يعني في القبائل،جامع األصول البن األثير .208/11
( )2أحمد في المسند ،271/3 ،وأبو داود ،كتاب الصالة ،باب اتخاذ المساجد في الدور ،برقم ،322
والترمذي ،كتاب الجمعة ،باب ما ذكر في تطييب المساجد ،برقم ،213وابن ماجه ،كتاب
المساجد والجماعات ،برقم ،721 ،728وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود.12/1 ،
( )3أبو داود ،كتاب الصالة ،باب اتخاذ المساجد في الدور ،برقم ،323وصححه األلباني في صحيح
سنن أبي داود.12/1 ،
(َ )4ق ُّم المسجد :هو كنسه .الترغيب والترهيب للمنذري.238/1 ،
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب الصالة ،باب كنس المسجد والتقاط الخرق ،واألذى ،والعيدان ،برقم
، 328وكتاب الجنائز ،باب الصالة على القبر بعدما يدفن ،برقم ،1447ومسلم كتاب الجنائز،
باب الصالة على القبر ،برقم ،123وما بين المعقوفين من رواية مسلم.
(َ )6م ْه َم ْه :معناه اكفف ،وهي كلمة زجر قيل :أصلها ما هذا؟ ثم حذف تخفيفاً ،وتقال مكررة ومفردة.
انظر :نيل األوطار للشوكاني.82/1 ،
( )7ال تزرموه :أي ال تقطعوا عليه بوله .شرح السنة للبغوي.301/2 ،
مكان صالة الجماعة :المساجد 055
والصالة ،وقراءة القرآن)) أو كما قال رسول اهلل ،قال :فأمر رجالً من
فشنه( )1عليه))(.)2 ٍ
القوم فجاء بدلوٍ من ماء َّ
وعن أنس بن مالك قال :قال رسول اهلل (( :البزاق في المسجد
خطيئة ،وك َّفارتها دفنه)) .وفي لفظ لمسلم(( :التفل في المسجد خطيئة
وكفارتها دفنها))(.)3
وعن أبي ذر عن النبي قالُ (( :عرضت علي أعمال أمتي :حسنها
ّ
وسيئها ،فوجدت في محاسن أعمالها ،األذى يُماط عن الطريق،
ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة( )4تكون في المسجد وال
تدفن))( .)5قال اإلمام النووي رحمه اهلل(( :هذا ظاهر أن هذا القبح أو الذم
ال يختص بصاحب النخاعة بل يدخل فيه هو ،وكل من رآها وال يزيلها
حك ،ونحوه))(.)6 بدفن أو ٍّ
-7يبتعد المسلم عن الروائح الخبيثة إذا ذهب إلى المسجد؛ لحديث
جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل قال(( :من أكل ثوماً أو بصالً
وليقعد في بيته)) .وفي لفظ لمسلم(( :فإن
ْ مسجدنا،
َ ليعتزل
ْ فليعتز ْلنا ،أو
المالئكة تتأ َّذى مما يتأ َّذى منه بنو آدم))(.)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1شنَّه عليه :أي صبه عليه .المرجع السابق.301/2 ،
باب :صب الماء على البول في المسجد ،برقم ،221 ( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب الوضوءٌ ،
ومسلم واللفظ له ،كتاب الطهارة ،باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في
المسجد ،وأن األرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها ،برقم .282
( ) 3متفق عليه :البخاري ،كتاب الصالة ،باب كفارة البزاق في المسجد ،برقم ،312ومسلم ،كتاب
المساجد ومواضع الصالة ،باب النهي عن البصاق في المسجد ،في الصالة وغيرها ،والنهي عن
بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه ،برقم .222
( )4النخاعة :البزقة التي تخرج من أصل الفم مما يلي أصل النخاع .النهاية في غريب الحديث البن
األثير ،باب النون مع الخاء.44/2 ،
( )5مسلم ،كتاب المساجد ،باب النهي عن البصاق في المسجد ،برقم .224
( )6شرح النووي على صحيح مسلم.32/2 ،
( )7متفق عليه :البخاري ،برقم ،822ومسلم ،برقم ،233وتقدم تخريجه في مكروهات الصالة.
050 مكان صالة الجماعة :المساجد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،كتاب المساجد ومواضع الصالة ،برقم .233
( )2تقدمت أدلة هذه الفضائل في فضل المشي إلى صالة الجماعة.
( )3تقدمت األدلة على ذلك في حكم صالة الجماعة.
مكان صالة الجماعة :المساجد 056
()1
الناس عامة)) .قال اإلمام ابن القيم -رحمه اهلل تعالى (( :-من تأمل
الت ُّأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على األعيان ،إال
السنة حق ّ
لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة ،فترك حضور المسجد لغير
عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر ،وبهذا تتفق جميع األحاديث
ندين اهلل به أنه ال يجوز ألحد التخلف عن الجماعة فيُ واآلثار ...فالذي
المسجد إال من عذر ،واهلل أعلم بالصواب))(.)2
-10تحريم اتخاذ القبور مساجد،لحديث أبي هريرة أن رسول اهلل
قال((:لعن اهلل اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))()3؛
()5
ولحديث عائشة وابن عباس قاالَ (( :ل ّما نزل( )4برسول اهلل طفق
يطرح خميصة له على وجهه ،فإذا اغتم بها( )6كشفها عن وجهه ،فقال
وهو كذلك(( :لعنة اهلل على اليهود والنصارى ،اتخذوا قبور أنبيائهم
مساجد يحذر ما صنعوا))(.)7
وعن ُجندب قال :سمعت النبي قبل أن يموت بخمس وهو يقول:
((إني أبرأ إلى اهلل أن يكون لي منكم خليل؛فإن اهلل تعالى قد اتخذني خليالً
كما اتخذ إبراهيم خليالً،ولو كنت ُمتخذاً من أمتي خليالً التخذت أبا بكر
خليالً،أال وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب :حدثنا عبد اهلل بن يوسف ،برقم ،442ومسلم،كتاب( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب التيممٌ ،
المساجد ومواضع الصالة،باب المساجد ومواضع الصالة برقم.221
( )2كتاب الصالة ،البن القيم ،ص.81
باب :حدثنا أبو اليمان ،برقم ،343ومسلم ،كتاب المساجد
( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب الصالةٌ ،
ومواضع الصالة،باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم.240
( )4نزل :أي نزل ملك الموت برسول اهلل .
( )5طفق :جعل.
( )6اغتم :أي تغطَّى بها .انظر :المصباح المنير للفيومي.323 ،
باب :حدثنا أبو اليمان ،برقم ،343ومسلم ،كتاب المساجد
( )7متفق عليه :البخاري ،كتاب الصالةٌ ،
ومواضع الصالة،باب النهي عن بناء المساجد على القبور،برقم .241
055 مكان صالة الجماعة :المساجد
دل هذان الحديثان على النهي عن نشد الضالة في المسجد ،ويلحق به ّ
ما في معناه :من البيع والشراء ،واإلجارة ،ونحوها من العقود ،وكراهة
رفع الصوت في المسجد ،والدعاء عليه :عقوبة له على مخالفته
وعصيانه ،وينبغي لسامعه أن يقول :ال وجدت فإن المساجد لم تبن
لهذا ،أو يقول :ال وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له( .)1والضالة:
الضائعة ،ونشدها طلبها والسؤال عنها(.)2
-13تحريم البيع والشراء في المساجد؛ لحديث أبي هريرة أن رسول
اهلل قال(( :إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع( )3في المسجد فقولوا :ال أربح اهلل
رد اهلل عليك))(.)4
تجارتك ،وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا :ال ّ
والحديث يدل على تحريم البيع والشراء في المسجد ،وأنه ينبغي
لمن رأى ذلك أن يقول لكل من البائع والمشتري :ال أربح اهلل تجارتك،
جهراً للفاعل( )5هذا فيه تعزير بالدعاء ،والعلة في قوله فيما سلف(( :فإن
المساجد لم تبن لذلك)).
-12ال تقام الحدود في المساجد وال يستقاد فيها؛لحديث حكيم بن
حزام أنه قال((:نهى رسول اهلل أن يستقاد في المسجد،وأن تنشد فيه
األشعار،وأن تقام فيه الحدود))(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :شرح النووي على صحيح مسلم.21-28/2 ،
( )2انظر :جامع األصول ،البن األثير.204/11 ،
( )3يبتاع :أي يشتري .سبل السالم للصنعاني.181/2 ،
( )4الترمذي ،بلفظه ،كتاب البيوع ،باب النهي عن البيع في المسجد ،برقم ،1421والنسائي في عمل اليوم
والليلة ،برقم ،173وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم ،123والحاكم وصححه ووافقه الذهبي،
،23/2وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي،43/2،وفي إرواء الغليل،برقم .1312
( )5انظر :سبل السالم للصنعاني.181/2 ،
( )6أبو داود ،كتاب الحدود ،باب في إقامة الحد في المسجد ،برقم ،3310بلفظه ،وأحمد في
المسند ،43/4 ،والحاكم في المستدرك ،478/3 ،والدارقطني في السنن ،83/4 ،برقم ،13
والبيهقي في السنن الكبرى ، 428/8 ،وعزاه ابن حجر في التلخيص الحبير إلى ابن السكن،
وضعف إسناده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ،وقال في التلخيص الحبير(( :78/3 ،ال بأس
=
مكان صالة الجماعة :المساجد 055
يدل على تحريم إقامة الحدود في المساجد ،وعلى تحريم والحديث ّ
االستقادة فيها( ،)1أما األشعار التي ال تجوز في المساجد فهي أشعار
الجاهلية ،وأهل المعاصي ،بخالف األشعار التي تدعو إلى الفضيلة فال
بأس بها .وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل
-يقول(( :الحديث وإن كان ضعيف ًا لكن معناه تشهد له األدلة األخرى؛فإن
إقامة الحدود في المساجد قد تلوثها عند الضرب أو القطع ،فيحصل
تلويث المسجد بالبول أو غيره))(.)2
-13النوم واألكل والسكن وبقاء المريض في المسجد؛ لحديث عائشة
()3
رضي اهلل عنها قالت(( :أصيب سعد يوم الخندق فضرب عليه رسول اهلل
خيمة في المسجد ليعوده من قريب))( .)4وهذا يدل على جواز النوم في
المسجد ،وبقاء المريض فيه ،ونصب الخيمة( .)5وسمعت شيخنا اإلمام
عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -يقول(( :ال بأس من اتخاذ
خيمة ،أو خيام في المسجد ،سواء كانت لالعتكاف ،أو لرجل له شأن،
ليزار ،أو للسكن لمن لم يكن له سكن))(.)6
وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أنه كان ينام وهو شاب أعزب ال أهل له
في مسجد النبي .)7(وعن عائشة رضي اهلل عنها أن وليدة سوداء كان لها خباء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
بإسناده)) ،وحسنه األلباني في صحيح سنن أبي داود.820/4 ،
( )1انظر :سبل السالم للصنعاني.111/2 ،
( )2سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .231
( )3فضرب عليه خيمة :أي نصب عليه خيمة .سبل السالم للصنعاني.114/2 ،
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب الصالة ،باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم ،برقم ،334
ومسلم ،كتاب الجهاد ،باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم
حاكم عدل أهل للحكم ،برقم .1731
( )5انظر :سبل السالم للصنعاني .114/2،
( )6سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .270
( )7البخاري ،كتاب الصالة ،باب نوم الرجال في المسجد ،برقم ،330ومسلم ،كتاب فضائل
الصحابة ،باب من فضائل عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما برقم .2371
055 مكان صالة الجماعة :المساجد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب الجهاد والسير ،باب اللهو بالحراب ونحوها ،برقم ،2101ومسلم،
كتاب صالة العيدين ،باب الرخصة في اللعب الذي ال معصية فيه ،برقم .814
( )2فتح الباري بشرح صحيح البخاري.231/1 ،
( )3المرجع السابق.332/2 ،
( )4انظر :سبل السالم للصنعاني.112/2 ،
( )5سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام البن حجر ،الحديث رقم .271
( )6يتباهى الناس :يتفاخرون في بناء المساجد :بالنقش والكثرة .انظر :جامع األصول البن األثير،
،210/11ونيل األوطار للشوكاني.312/1 ،
055 مكان صالة الجماعة :المساجد
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -يقول:
((فعل عثمان يدل على تحسين المسجد بالحجارة المنقوشة ،واألخشاب
الطيبة ،والقصة يعني صبغ الجدار ال بأس بذلك ،وإن كان حياة السلف أولى
حسن الناس مساكنهم ،ونفروا من البنايات القديمة ،وصار وأفضل ،لكن إذا َّ
ترك المسجد على حالته القديمة قد ينفرهم من الصالة واالجتماع في
المساجد ،فال بأس أن يفعل مثل ما فعل عثمان للترغيب في المساجد،
أما للمفاخرة فال ،ويكره أن يكتب في المسجد فاألولى أن يكون سادة))(.)5
-11الكالم في المسجد ال بأس به إذا كان مباح ًا؛ لحديث جابر بن
سمرة وفيه أن النبي ((:كان ال يقوم من مصالّه الذي صلى فيه الصبح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
ابن حجر في فتح الباري(( :241/1 ،وهذا التعليق رويناه موصوالً في مسند أبي يعلى،وصحيح ابن
خزيمة،من طريق أبي قالبة،أن أنساً قال(( :سمعته يقول((:يأتي على أمتي زمان يتباهون في المساجد،ثم
ال يعمرونها إال قليالً)).
( )1سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري ،قبل الحديث رقم .333
( )2القصة :الجص بلغة أهل الحجاز .جامع األصول البن األثير.183/11 ،
( )3الساج:نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند.فتح الباري،البن حجر.230/1 ،
( )4البخاري ،كتاب الصالة ،باب بنيان المسجد ،برقم .333
( )5سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .273
050 مكان صالة الجماعة :المساجد
ديني جزاك اهلل خير ًا))( ،)1وسمعته يقول عن كالم النبي لكعب وابن
أبي حدرد(( :هذا من باب اإلصالح ،والصواب أنهما إذا اتفقا على
تعجيل الدين والوضع منه فال بأس.)2())...
-21الصالة بين السواري في المسجد ،ال بأس بها للمنفرد ،واإلمام،
أما المأمومون فتكره صالتهم بينها عند السعة؛ ألن السواري تقطع
الصفوف ،وال تكره عند ضيق المسجد ،وقد جاء في ذلك حديث أنس بن
مالك ،فعن عبد الحميد بن محمود قال :كنت مع أنس بن مالك
أصلي ،قال :فألقونا بين السواري ،قال :فتأخر أنس ،فلما صلينا قال :إنَّا
ُك َّنا نتقي هذا على عهد رسول اهلل .)3())وعن معاوية بن قرة عن أبيه
قال(( :كنا نُ ْنهى عن الصالة بين السواري ونطرد عنها طرداً))(.)4
أما جواز ذلك لإلمام والمنفرد؛ فلحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما(( :أن النبي
لما دخل الكعبة صلى بين الساريتين))(.)5
التح ُّلق في المسجد قبل صالة الجمعة ،جاء فيه حديث عبد اهللّ -22
بن عمرو رضي اهلل عنهما(( :أن النبي نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل
الصالة ،وعن الشراء والبيع في المسجد)) .ولفظ الترمذي(( :نهى عن
تناشد األشعار في المسجد ،وعن البيع والشراء فيه ،وأن يتح َّلق الناس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري ،الحديث رقم .327
( )2سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري ،الحديث رقم .2318
( )3أبو داود ،كتاب الصالة ،باب الصفوف بين السواري ،برقم ،374والترمذي ،برقم ،221والنسائي،
،13 /2وأحمد ،141 /4 ،والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ،218/1 ،وصححه األلباني في
صحيح سنن أبي داود.131 /1 ،
( )4ابن ماجه ،برقم ،1002والحاكم وصححه ،218/1وقال األلباني في صحيح ابن ماجه،
(( :218 /1حسن صحيح )).
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب الصالة ،باب الصالة بين السواري في غير جماعة ،برقم ،203
ومسلم ،كتاب الحج ،باب استحباب دخول الكعبة ،برقم .1421
مكان صالة الجماعة :المساجد 055
ِ
والح َلق :جمع َح ْلقة: ()1
فيه يوم الجمعة قبل الصالة)) .والتحلق،
الجماعة من الناس ،فنهاهم أن يجلسوا متحلقين حلقة واحدة أو أكثر،
حتى ولو كان ذلك لمذاكرة العلم؛ ألنه ربما قطع الصفوف مع كونهم
والتراص في الصفوف :األول ،فاألول،ّ مأمورين بالتبكير يوم الجمعة،
والتحلق قبل الصالة يوهم غفلتهم عن األمر الذي ندبوا إليه ،فإذا فرغ
من صالة الجمعة فال حرج وال كراهة( .)2وقد كان شيخنا اإلمام عبد
العزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -يعمل بهذا الحديث فيوقف
الحلقات يوم الجمعة ابتداء من صالة الفجر إلى الفراغ من صالة
الجمعة ،ثم يكون هناك حلقة بعد صالة الجمعة في بيته.
-24االنتقال عند النعاس في المسجد إلى مكان آخر؛ لحديث ابن
عمر رضي اهلل عنهما قال :سمعت رسول اهلل يقول(( :إذا نعس أحدكم وهو
في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره))( .)3ولفظ الترمذي:
((إذا نعس أحدكم يوم الجمعة ،فليتحول عن مجلسه ذلك)) .ولفظ
أحمد(( :إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم الجمعة فليتحول إلى غيره)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1النسائي ،كتاب المساجد ،باب النهي عن البيع والشراء في المسجد وعن التحلق قبل صالة الجمعة،
برقم ،713 :وأبو داود ،كتاب الجمعة ،باب التحلق يوم الجمعة قبل الصالة ،برقم ،1071والترمذي،
كتاب الصالة ،باب ما جاء في كراهة البيع والشراء ،وإنشاد الضالة والشعر في المسجد ،برقم ،422
وابن ماجه ،كتاب المساجد والجماعات ،باب ما جاء في الحلق يوم الجمعة قبل الصالة واالحتباء
واإلمام يخطب ،برقم .1144
وحسنه األلباني في صحيح سنن النسائي ،123/1 ،وفي صحيح سنن أبي داود ،221/1،وصحيح
سنن الترمذي ،104/1 ،وصحيح سنن ابن ماجه ،183/1 ،وحسنه األرنؤوط في حاشيته على جامع
األصول البن األثير.203/11 ،
( )2انظر :تحفة األحوذي للمباركفوري ،272/2 ،وشرح السندي على سنن ابن ماجه.21/2 ،
( )3أبو داود بلفظه ،كتاب الصالة ،باب الرجل ينعس واإلمام يخطب ،برقم ،1111والترمذي ،كتاب
الجمعة ،باب فيمن نعس يوم الجمعة أنه يتحول من مجلسه ،وقال(( :حسن صحيح)) ،برقم ،223
وأحمد في المسند ،142 ،42 ،22/2 ،وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود،
، 208/1وحسنه األرنؤوط في حاشيته على جامع األصول البن األثير ،203/11 ،قلت :وقد
صرح محمد بن إسحاق بالسماع في رواية أحمد.142/2 ،
055 مكان صالة الجماعة :المساجد
وفي لفظ ألحمد(( :إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة فليتحول
من مجلسه ذلك إلى غيره)) .وفي لفظ((:إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم
الجمعة فليتحول منه إلى غيره)).
وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز -رحمه اهلل -يقول(( :وظاهر األوامر
الوجوب))(.)1
والحكمة من االنتقال أن الحركة تذهب النعاس ،ويحتمل أن الحكمة
فيه :انتقاله من المكان الذي أصابته فيه الغفلة بنومه ،وإن كان النائم ال
حرج عليه ،فقد أمر النبي في قصة نومهم عن صالة الصبح باالنتقال
من المكان الذي ناموا فيه ،وأيض ًا من جلس ينتظر الصالة فهو في صالة،
والنعاس في الصالة من الشيطان ،فربما كان األمر بالتحول إلذهاب ما هو
منسوب إلى الشيطان من حيث غفلة الجالس في المسجد عن الذكر ،أو
سماع الخطبة ،أو ما فيه منفعة(.)2
وقوله(( :إذا نعس أحدكم يوم الجمعة)) لم يرد بذلك جميع اليوم بل
المراد به إذا كان في المسجد ينتظر صالة الجمعة ،وسواء فيه حال
الخطبة أو قبلها ،لكن حال الخطبة أكثر .وقوله(( :يوم الجمعة)) يحتمل
أنه خرج مخرج األغلب؛ لطول مكث الناس في المسجد؛ للتبكير إلى
صالة الجمعة؛ ولسماع الخطبة ،وأن المراد انتظار الصالة في المسجد
في الجمعة وغيرها ،كما في لفظ أبي داود في الباب(( :إذا نعس أحدكم
وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره)) ،فيكون ذكر يوم
الجمعة من التنصيص على بعض أفراد العام ،ويحتمل أن المراد يوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعته أثناء تقريره على سنن الترمذي ،الحديث رقم .223
( )2نيل األوطار للشوكاني،223/2 ،وتحفة األحوذي شرح جامع الترمذي،للمباركفوري،33/4 ،
وعون المعبود.331/4 ،
مكان صالة الجماعة :المساجد 055
()1
الجمعة فقط؛ لالعتناء بسماع الخطبة)) .
-23الصالة في الكنيسة وإزالتها واتخاذ مكانها مسجد؛ لحديث طلق
بن علي قال :خرجنا وفداً إلى النبي فبايعناه ،وصلينا معه،
وأخبرناه أن بأرضنا بيعة( )2لنا فاستوهبناه من فضل طهوره ،فدعا فتوضأ،
ٍ
إداوة( ،)3وأمرنا فقال(( :اخرجوا فإذا أتيتم وتمضمض ،ثم صبه في
أرضكم فاكسروا بيعتكم ،وانضحوا مكانها بهذا الماء ،واتخذوها
بعيد والحر شديد ،والماء ينشف ،فقال(( :مدوه مسجداً)) قلنا :إن البلد ٌ
من الماء؛ فإنه ال يزيده إال طيب ًا)) ،فخرجنا حتى قدمنا فكسرنا بيعتنا ،ثم
نضحنا مكانها ،واتخذناها مسجداً فنادينا فيه باألذان ،قال :والراهب
حق ،ثم استقبل تلع ًة( )4من
رجل من طيئ ،فلما سمع األذان قال :دعوة ٍّ
تالعنا فلم نره بعد))(.)5
وقال عمر لبعض عظماء النصارى(( :إنا ال ندخل كنائسكم من أجل
التماثيل التي فيها الصور))((( .)6وكان ابن عباس رضي اهلل عنهما يصلي في
البيعة إال بيعة فيها تمثال))(.)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :نيل األوطار للشوكاني.223/2 ،
البيعة :قيل :صومعة الراهب ،وقيل :كنيسة النصارى ،ورجح ابن حجر في فتح الباري أن القول (َ )2
الثاني هو المعتمد.241/1 ،
( )3إداوة :اإلناء الصغير.
( )4تلعة :قيل مجرى أعلى األرض إلى بطون األودية ،وقيل :هو ما ارتفع من األرض وما انهبط منها.
فهو إذن من األضداد .جامع األصول البن األثير.210/11 ،
( )5النسائي ،كتاب المساجد ،باب اتخاذ البيع مساجد ،برقم ،701وصحح األلباني إسناده في
صحيح النسائي.121/1 ،
( )6البخاري ،كتاب الصالة ،باب الصالة في البيعة ،قبل الحديث رقم ،343وقال الحافظ ابن حجر
في فتح الباري(( :241/1 ،وصله عبد الرزاق)).
( )7البخاري ،كتاب الصالة ،باب الصالة في البيعة ،قبل الحديث رقم ،343وقال الحافظ ابن حجر
في فتح الباري(( :242/1 ،وصله البغوي في الجعديات ،وزاد فيه(( :فإن كان فيها تماثيل خرج
فصلى في المطر)).
055 مكان صالة الجماعة :المساجد
وهذا الحديث يدل على جواز تحويل أماكن الكنائس إلى مساجد،
وتدل اآلثار على جواز الصالة في الكنائس وال يُص َّلى إلى الصور ،وال
في مكان نجس(.)1
وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز -رحمه اهلل -يقول(( :ال بأس بالصالة
في الكنيسة ،وال يصلي إلى الصور ،هذا إذا لم يجد مكان ًا يصلي فيه
غيرها))(.)2
-22األمر بإمساك نصال السالح في المساجد واألسواق؛ لحديث
أبي موسى عن النبي أنه قال(( :إذا مر أحدكم في مسجدنا ،أو في
ّ
سوقنا ومعه نبل( )3فليمسك على نصالها)) ( ،)4أو قال(( :فليقبض بكفه أن
يصيب أحداً من المسلمين منها شيء)) .وفي رواية(( :من مر في شيء
ّ
من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها ،ال يعقر بك ّفه
مسلماً))(.)5
وعن جابر :أن رجالً مر في المسجد بأسهم قد بدا نصولها ،فأُمر
ّ
أن يأخذ بنصولها ال يخدش مسلماً .وفي لفظ مسلم :فقال له رسول اهلل
(( :أمسك بنصالها)) .وفي لفظ آخر لمسلم(( :أن رجالً مر بأسهم في
َّ
المسجد قد أبدى نصولها ،فأُمر أن يأخذ بنصولها كي ال يخدش
مسلم ًا))(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :نيل األوطار للشوكاني.387/1 ،
( )2سمعته من سماحته أثناء تقريره على صحيح البخاري ،قبل الحديث رقم .343
( )3نبل :النبل :السهام العربية .فتح الباري ،البن حجر.333/1 ،
( )4نصل:النصول والنصال:جمع نصل،وهو حديدة السهم.شرح النووي على صحيح مسلم ،307/13،وهو:
حديدة السهم والسيف ،وانظر :غريب ما في الصحيحين للحميدي ،ص.142 ،71
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب الصالة ،باب المرور في المسجد ،برقم ،322وكتاب الفتن ،باب قول
النبي :من حمل علينا السالح فليس منا ،برقم ،7072ومسلم ،كتاب البر والصلة ،باب أمر من مر
بسالح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها ،برقم .2312
باب :يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد ،برقم ،321وكتاب
( )6متفق عليه :البخاري ،الصالةٌ ،
=
مكان صالة الجماعة :المساجد 055
قال اإلمام النووي -رحمه اهلل (( :-في هذا األدب وهو اإلمساك
بنصالها عند المرور بين الناس في مسجد أو سوق أو غيرهما))( .)1وهذا
فيه اجتناب كل ما يخاف منه والتحذير مما يؤذي المسلمين(.)2
يحل ألحدكم أن ّ وعن جابر قال :سمعت النبي يقول(( :ال
يحمل بمكة السالح))( .)3قال اإلمام النووي -رحمه اهلل (( :-هذا النهي
إذا لم تكن حاجة فإن كانت حاجة جاز ،وهذا مذهبنا ومذهب
الجماهير ،قال القاضي عياض :وهذا محمول عند أهل العلم على حمل
السالح لغير ضرورة وال حاجة.)4())...
وقد جاء التشديد في النهي عن اإلشارة بالسالح حتى لو كان من باب
المزاح ،فعن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل (( :ال يشير أحدكم
على أخيه بالسالح؛ فإنه ال يدري لعل الشيطان ينزغ في يده ،فيقع في
حفرة من حفر النار))( .)5ولفظ مسلم(( :ال يشير أحدكم( )6إلى أخيه
بالسالح فإنه ال يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع( )7في يده فيقع في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
الفتن ،باب قول النبي :من حمل علينا السالح فليس منا ،برقم ،7073ومسلم ،كتاب الصالة،
باب أمر من مر بسالح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك
ّ
نصالها ،برقم .2313
( )1شرح النووي على صحيح مسلم.307/13 ،
( )2انظر :المرجع السابق.307/13 ،
( )3مسلم،كتاب الحج،باب النهي عن حمل السالح بمكة من غير حاجة،برقم .1423
( )4شرح النووي على صحيح مسلم ،141/1 ،وانظر :المفهم للقرطبي.377/4 ،
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب الفتن ،باب قول النبي :من حمل علينا السالح فليس منا ،برقم
، 7072ومسلم ،كتاب البر والصلة ،باب النهي عن اإلشارة بالسالح إلى مسلم ،برقم .2317
( )6يشير :قال النووي :هكذا وقع في جميع النسخ :ال يشير بالياء بعد الشين وهو صحيح ،وهو نهي
بلفظ الخبر .الشرح على صحيح مسلم ،308/13 ،وقال الحافظ ابن حجر(( :ووقع لبعضهم ال
يشر بغير ياء ،وهو بلفظ النهي ،وكالهما جائز)) ،فتح الباري.23/14 ،
( )7ينزع :هذا في جميع النسخ عند مسلم ،ومعناه يرمي في يده ويحقق ضربته ورميته ،وفي البخاري:
((ينزغ :أي يحمل على تحقيق الضرب به ويزين ذلك)) .شرح النووي على صحيح مسلم.308/12 ،
055 مكان صالة الجماعة :المساجد
حفرة من النار))()1؛ولعظم األمر قال النبي (( :من أشار إلى أخيه
بحديدة؛ فإن المالئكة تلعنه حتى يدعه ،وإن كان أخاه ألبيه وأمه))(.)2
وأعظم من ذلك حمل السالح على المسلمين؛ لقتالهم ،فعن عبد اهلل بن
عمر ،وأبي موسى عن النبي أنه قال(( :من حمل علينا السالح
()3
سل السيف على المسلمين، يدل على الوعيد لمن ّفليس منا)) .وهذا ّ
وحمل السالح عليهم لقتالهم به بغير حقِ ،ل َما في ذلك من تخويفهم
وإدخال الرعب عليهم(.)4
سداً
وقد حرص النبي على سالمة المؤمنين من كل ما يؤذيهم ّ
ألبواب الشرور ،ومن ذلك نهيه عن تناول السيف مسلوالً ،فعن جابر
أن النبي نهى أن يُتعاطى السيف مسلوالً(.)5
-23صالة النساء في المساجد جاءت في األحاديث الصحيحة ،وصالتهن
في البيوت أفضل ،فإذا لم يكن في خروجهن ما يدعو إلى الفتنة :من طيب ،أو
حلي أو زينة وجب على الرجال اإلذن لهن وعدم تبرج وسفور ،أو إظهار ٍّ
منعهن ،أما مع وجود هذه المنكرات فال يجب وال يجوز ،ويحرم عليهن
الخروج ،ومن األحاديث في ذلك ما يأتي:
الحديث األول:عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما عن النبي (( :إذا استأذنت
أحدكم امرأته إلى المسجد فال يمنعها)).وفي لفظ لمسلم((:ال تمنعوا إماء اهلل
مساجد اهلل))( .)6ولفظ أبي داود(( :ال تمنعوا نساءكم مساجد اهلل وبيوتهن خير
ٌ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،كتاب البر والصلة ،باب النهي عن اإلشارة بالسالح ،برقم .2317
( )2مسلم،كتاب البر والصلة،باب النهي عن اإلشارة بالسالح إلى مسلم،برقم .2313
( )3البخاري،كتاب الفتن،باب قول النبي ((:من حمل علينا السالح فليس منا)) ،برقم .7071 ،7070
( )4انظر :فتح الباري البن حجر.23/14 ،
( )5أبو داود ،كتاب الجهاد ،باب في النهي أن يتعاطى السيف مسلوالً ،برقم ،2288وصححه
األلباني في صحيح سنن أبي داود.311/2 ،
( ) 6متفق عليه:البخاري ،كتاب النكاح ،باب استئذان المرأة زوجها إلى المسجد وغيره ،برقم ،2248
ومسلم ،كتاب الصالة ،باب خروج النساء إلى المساجد ،برقم .332
مكان صالة الجماعة :المساجد 055
لهن))(.)1
الحديث الثاني :عن زينب الثقفية عن رسول اهلل أنه قال(( :إذا َشهِ َد ْت
إحداك َّن العشاء فال تطيب تلك الليلة)) ،وفي لفظ(( :إذا شهدت إحداكن ُ
َّ()2
تمس طيباً)) .
المسجد فال ّ
الحديث الثالث :عن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل (( :أيما امرأة
أصابت بخوراً فال تشهد معنا العشاء اآلخرة))(.)3
الحديث الرابع :عن أبي هريرة أن رسول اهلل قال(( :ال تمنعوا
إماء اهلل مساجد اهلل ،ولكن ليخرجن وهن َت ِفالت(.)5()))4
الحديث الخامس :عن عبد اهلل بن مسعود عن النبي قال:
((صالة المرأة في بيتها( )6أفضل من صالتها في حجرتها( ،)7وصالتها في
َم ْخدعها( )8أفضل من صالتها في بيتها))(.)9
فدل الحديث على أن ثواب صالة المرأة في مسكنها الذي تسكن فيه،
وتأوي إليه أكثر من ثواب صالتها في حجرتها:أي صحن دارها التي تكون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أبو داود ،كتاب الصالة ،باب في خروج النساء إلى المسجد ،برقم ،237وصححه األلباني في
صحيح سنن أبي داود.114/1 ،
( )2مسلم ،كتاب الصالة ،باب خروج النساء إلى المساجد ،برقم .334
( )3مسلم ،كتاب الصالة ،باب خروج النساء إلى المساجد ،برقم .333
( )4تفالت :أي غير متطيبات .نيل األوطار للشوكاني.422/2 ،
( )5أبو داود ،كتاب الصالة ،باب خروج النساء إلى المساجد ،برقم ،232وأحمد ،348/2 ،وقال
األلباني في صحيح سنن أبي داود(( :114/1 ،حسن صحيح)).
( )6صالة المرأة في بيتها :أي الداخلي ،لكمال سترها .عون المعبود.277/2 ،
( )7حجرتها :صحن الدار ،وأراد بالحجرة ما تكون أبواب البيوت إليها وهي أدنى حاالً من البيت في
الستر ،انظر :عون المعبود ،277/2 ،والمنهل العذب المورود للسبكي.270/3 ،
(ُ )8م ْخ َد ُع :بيت صغير يحرز فيه الشيء ،يكون داخل البيت الكبير ،تحفظ فيه األمتعة النفيسة ،من
الخدع وهو إخفاء الشيء :أي في خزانتها .انظر :المصباح المنير ،للفيومي ،132/1 ،وعون
المعبود شرح سنن أبي داود.277/2 ،
( )9أبو داود ،كتاب الصالة ،باب التشديد في ذلك ،برقم ،270وصححه األلباني في صحيح سنن
أبي داود.113/1 ،
050 مكان صالة الجماعة :المساجد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ،ابن تيمية ،217-213/23 ،و.88/27
( )2انظر :الفتاوى السعدية ،ص ، 182وقد سمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل يفتي
بعدم جواز ذلك،إال إذا كان اإلنسان في المسجد ثم خرج للوضوء ثم يعود.
( )3سورة النساء ،اآلية.34 :
( )4انظر :جامع البيان عن تأويل آي القرآن .482-482/8،
( )5تفسير القرآن العظيم ،ص.427
( )6الخمرة :السجادة أو ما في معناها.
( )7مسلم ،كتاب الحيض ،باب االضطجاع مع الحائض في لحاف واحد ،برقم .218
655 مكان صالة الجماعة :المساجد
وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال :قال رسول اهلل (( :اجعلوا في بيوتكم
من صالتكم وال تتخذوها قبوراً))(.)1
والمراد بالصالة في البيوت:النوافل؛ألن الفرائض تقام مع الجماعة في
المسجد ،وقوله ((:وال تتخذوها قبوراً))؛ألن القبور ليست بمحل للصالة،
وقد استنبط البخاري من هذا الحديث كراهية الصالة في المقابر(.)2
وال يُص ّلي المسلم في معاطن اإلبل وهي مبارك اإلبل؛ لحديث البراء بن
عازب قال :سئل رسول اهلل عن الصالة في مبارك اإلبل؟ فقال(( :ال
تصلوا في مبارك اإلبل؛ فإنها من الشياطين)) .وسئل عن الصالة في مرابض
الغنم؟ فقال(( :صلوا فيها فإنها بركة))(.)3
وعن عبد اهلل بن مغفل المزني قال:قال رسول اهلل (( :صلوا في
مرابض الغنم،وال تصلوا في أعطان اإلبل،فإنها ُخلقت من الشياطين))(.)4
وعن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل (( :صلوا في مرابض الغنم
وال تصلوا في أعطان اإلبل))(.)5
وعن سبرة بن معبد الجهني أن رسول اهلل قال(( :ال يُص َّلى في
أعطان اإلبل ،ويُص ّلى في مراح الغنم))(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب الصالة ،باب كراهية الصالة في المقابر ،342 ،ومسلم ،كتاب صالة
المسافرين ،باب استحباب صالة النافلة في بيته ،برقم .777
( )2انظر :نيل األوطار.372/1 ،
( )3أبو داود ،كتاب الصالة ،باب النهي عن الصالة في مبارك اإلبل ،برقم ،314ورقم ،183
وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود.17/1 ،
( )4النسائي ،كتاب المساجد ،باب ذكر نهي النبي عن الصالة في أعطان اإلبل ،برقم ،743وابن
ومراح الغنم ،برقم ،731
ماجه بلفظه ،كتاب المساجد والجماعات ،باب الصالة في أعطان اإلبل ُ
وصححه األلباني في صحيح سنن النسائي ،128/1 ،وفي صحيح سنن ابن ماجه.128/1 ،
( )5الترمذي بلفظه ،كتاب الصالة ،باب ما جاء في الصالة في مرابض الغنم ،وأعطان اإلبل ،برقم ،438
وابن ماجه،كتاب المساجد والجماعات،باب الصالة في أعطان اإلبل ومراح الغنم،برقم ،738وأحمد،
،120/3وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي ،110/1 ،وصحيح ابن ماجه.128/1 ،
( ) 6ابن ماجه ،كتاب المساجد والجماعات ،باب الصالة في أعطان اإلبل ،برقم ،770وقال األلباني
في صحيح ابن ماجه(( :128/1 ،حسن صحيح)).
مكان صالة الجماعة :المساجد 656
وعن جابر بن سمرة أن رجالً سأل رسول اهلل :أأتوضأ من
لحوم الغنم؟ قال(( :إن شئت فتوضأ ،وإن شئت فال تتوضأ)) قال :أتوضأ
من لحوم اإلبل؟ قال(( :نعم فتوضأ من لحوم اإلبل)) .قال :أصلي في
مرابض الغنم؟ قال(( :نعم)) .قال :أصلي في مبارك اإلبل؟ قال(( :ال))(.)1
جاء في معظم األحاديث التعبير بمعاطن اإلبل ،ووقع في بعضها
((مبارك اإلبل)) وفي بعضها(( :أعطان اإلبل)) .وفي بعضها(( :مناخ اإلبل)).
وفي بعضها(( :مرابد اإلبل)) .وفي بعضها(( :مزابل اإلبل)) واألحاديث تدل
على جواز الصالة في مرابض الغنم ،وعلى تحريم الصالة في معاطن
اإلبل ،وإليه ذهب اإلمام أحمد فقال(( :ال تصح بحال)) ومن صلى في
معاطن اإلبل أعاد لهذه األحاديث ،وذهب الجمهور إلى حمل النهي
على الكراهة ،والصواب أن النهي يقتضي التحريم ،وقد نقل ابن حزم
أن أحاديث النهي عن الصالة في أعطان اإلبل متواترة ،بنقل متواتر
يوجب العلم .وقد قيل :إن حكمة النهي :كونها خلقت من الشياطين،
وقيل :لكونها ال تخلو غالباً عن نجاسة من يستتر بها عند قضاء الحاجة؛
أو لئال يتعرض لنفارها في صالته فتؤدي إلى قطعها أو أذى يحصل له
تشوش عليه فتزيل الخشوع ،وهذا كله مما يؤكد على المصلي ّ منها ،أو
أن يجتنب الصالة في معاطنها(.)2
وال يصلي المسلم في مواضع الخسف والعذاب؛ لحديث عبد اهلل بن
عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل قال(( :ال تدخلوا على هؤالء المعذبين
إال أن تكونوا باكين ،فإن لم تكونوا باكين فال تدخلوا عليهم ،ال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،كتاب الحيض ،باب الوضوء من لحوم اإلبل ،برقم .430
( )2انظر :المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي ،303/1 ،وشرح النووي على صحيح
مسلم ،281/3 ،وفتح الباري ،البن حجر ،227/1 ،ونيل األوطار للشوكاني ،377/1 ،وسبل
السالم للصنعاني.120/2 ،
655 مكان صالة الجماعة :المساجد
قال :يقول :فما يسألوني؟ قال :يسألونك الجنة ،قال :يقول :وهل رأوها؟
قال :يقولون :ال ،واهلل يا رب ما رأوها ،قال :فيقول :فكيف لو أنهم
رأوها؟ قال :يقولون :لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرص ًا وأشد لها
طلباً ،وأعظم فيها رغبة ،قال :فمم يتعوذون؟ قال :يقولون :من النار ،قال:
َ
يقول :وهل رأوها؟ قال يقولون :ال ،واهلل يا رب ما رأوها ،قال :يقول:
أشد منها فراراً ،وأشد لها
فكيف لو رأوها؟ قال :يقولون :لو رأوها كانوا ّ
مخافة ،قال :فيقول :فأشهدكم أني قد غفرت لهم ،قال :يقول ملك من
المالئكة :فيهم فالن ليس منهم إنما جاء لحاجة ،قال :هم الجلساء ال
يشقى بهم جليسهم))( .)1وفي لفظ مسلم(( :إن هلل تبارك وتعالى مالئكة
سيارة ُف ُضالً( )2يبتغون مجالس الذكر ،فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا
وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء َّ معهم،
الدنيا ،فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء ،قال :فيسألهم اهلل وهو
ٍ َّ
عباد لكفي األرض: أعلم بهم ،من أين جئتم؟ فيقولون :جئنا من عند
يسبحونك ،ويكبرونك ،ويهللونك ،ويحمدونك ،ويسألونك ))...الحديث.
وفيه(( :قد غفرت لهم ،وأعطيتهم ما سألوا ،وأجرتهم مما استجاروا ،قال:
عبد خطّاء إنما مر فجلس معهم ،قال :فيقول :وله يقولون :رب فيهم فالن ٌ
( ّ)3
جليسهم)) .
ُ غفرت ،هم القوم ال يشقى بهم
وسمعت اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -يقول(( :وهذا
فضل عظيم نسأل اهلل أن يتقبل،ومجالس العلم أعظم من مجالس التسبيح))(.)4
ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب الدعوات ،باب فضل ذكر اهلل عز وجل ،برقم ،3308ومسلم ،كتاب
الذكر والدعاء ،باب فضل مجالس الذكر ،برقم .2381
( )2سيارة :معناه :سياحون في األرض ،وأما معنى ((فضالً)) على جميع الروايات :أنهم مالئكة زائدون
على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخالئق ،فهؤالء السيارة ال وظيفة لهم ،وإنما مقصودهم
حلق الذكر .شرح النووي على صحيح مسلم ،18/17 ،وانظر :فتح الباري البن حجر.201/11 ،
( )3مسلم ،برقم ،2381وتقدم تخريجه في الهامش الذي قبل السابق.
( )4سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري ،الحديث رقم .3308
مكان صالة الجماعة :المساجد 655
وعن أبي واقد الليثي أن رسول اهلل بينما هو جالس في المسجد
والناس معه ،فأقبل ثالثة نفر ،فأقبل اثنان إلى رسول اهلل وذهب
واحد ،قال :فوقفا على رسول اهلل ،فأما أحدهما فرأى ُفرجة في
ْ
الحلقة فجلس فيها ،وأما اآلخر فجلس خلفهم ،وأما الثالث فأدبر ذاهباً،
فلما فرغ رسول اهلل قال(( :أال أخبركم عن النفر الثالثة :أما أحدهم
فآوى إلى اهلل فآواه اهلل ،وأما اآلخر فاستحيا فاستحيا اهلل منه ،وأما اآلخر
فأعرض فأعرض اهلل عنه))(.)1
وهذا الحديث فيه فوائد عظيمة ،منها :جواز اإلخبار عن أهل المعاصي،
وأحوالهم للزجر عنها ،وأن ذلك ال يعد من الغيبة ،وفيه فضل مالزمة حلق
والمذكر في المسجد ،وفيه :الثناء على
ّ العلم والذكر ،وجلوس العالم
المستحي ،والجلوس حيث ينتهي به المجلس( ،)2وسمعت اإلمام عبد
العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول(( :وهذا يدل على أن العالم ينبغي
له أن يكون له في مسجده حلقات ،حتى يستفيد الناس ،وفيه أن الطالب
يشرع له أن يدخل في فرج الحلقات ،وحضورها ،واألولى االنضمام في
الحلقة والدخول فيها))( .)3وسمعته أيض ًا يقول(( :وهذا فيه الحرص على
حلقات العلم ،والقرب من المحدث ،ويخشى على من يخرج من
المواعظ أن يدخل في اإلعراض))(.)4
()5
الص ّفة
في ّ وعن عقبة بن عامر قال :خرج رسول اهلل ،ونحن
ان أو العقيق( )1فيأتي منه ()6
فقال(( :أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بُ ْط َح َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري ،كتاب الصالة ،باب الحلق والجلوس في المسجد ،برقم ،373وكتاب العلم ،باب من قعد حيث
ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها ،برقم .33
( )2انظر :فتح الباري البن حجر.127/1 ،
( )3سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري ،الحديث رقم .33
( )4سمعته أثناء تقريره على الحديث رقم 373من صحيح البخاري.
( )5الصفة :سقيفة كانت في المسجد ،يأوي إليها الفقراء .المفهم للقرطبي.321/2 ،
( )6يغدو :يبكر .المفهم للقرطبي.321/2 ،
655 مكان صالة الجماعة :المساجد
رحم؟)) فقلنا :يا رسول اهلل ٍ إثم وال قطعبناقتين َكوماوي ِن( )2في غير ٍ
ْ َ ْ
أحد ُكم إلى المسجد فيع َلم أو يقرأ ُ آيتين نحب ذلك ،قال(( :أفال يغدو ُ
ُ
وأربع ٍ
ثالث، وثالث خير له من ٌ ناقتين،
ِ من كتاب اهلل ،خير له من
ٌ ٌ
خير له من أرب ٍع ،ومن أعدادهن من اإلبل))( .)3قال اإلمام القرطبي رحمه
ٌ
اهلل(( :ومقصود الحديث :الترغيب في تع ُّل ِم القرآن ،وتعليمه ،وخاطبهم
جزء من ثواب القرآن ٍ على ما تعارفوه ،فإنهم أهل إبل ،وإال فأقل
وتعليمه خير من الدنيا وما فيها))( ،)4وقد قال (( :ولقاب قوس
ٌ
أحدكم( )5أو موضع ٍ
قدم خير من الدنيا وما فيها))(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
( )1بطحان ،والعقيق ،واديان بينهما وبين المدينة قريب من ثالثة أميال ،أو نحوها .المرجع السابق،
،321/2وشرح النووي على صحيح مسلم.447/3 ،
( )2الكوماوان ،تثنية كوماء :الناقة العظيمة السنام ،كأنه كوم ،انظر :المفهم للقرطبي ،321/2 ،وشرح
النووي على صحيح مسلم.447/3 ،
( )3مسلم ،كتاب صالة المسافرين ،باب فضل قراءة القرآن وتعلمه ،برقم .804
( )4المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم.321/2 ،
موضع قدره ،وقيل :قدر ذراع ،وفي لفظ للبخاري [برقم
ٌ ( )5لقاب قوس أحدكم :القاب القدر ،أي
(( ]2713ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع ٍ
قيد يعني سوطه خير من الدنيا وما فيها)) ،وفي
ٌ
الترمذي عن أبي هريرة [ برقم (( ]4014إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها)).
وانظر :تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ،ص ،433والنهاية في غريب الحديث واألثر،
البن األثير ،باب القاف مع الواو.118/3 ،
( )6متفق عليه .البخاري ،واللفظ له ،كتاب الرقاق ،باب صفة الجنة والنار ،برقم ،3238ومسلم،
كتاب اإلمارة ،باب فضل الغدوة والروحة في سبيل اهلل ،برقم .1880
اإلمامة في الصالة
655
الصالة
المبحث السادس والعشرون :اإلمامة في ّ
أوالً :مفهوم اإلمامة واإلمام:
اإلمامة :مصدر َّأم الناس :صار لهم إماماً يتبعونه في صالته( .)1أي:
تقدم رجل المصلين ليقتدوا به في صالتهم ،واإلمامة :رياسة المسلمين، ّ
واإلمامة الكبرى :رياسة عامة في الدين والدنيا ،خالفة عن النبي ،
والخالفة هي اإلمامة الكبرى ،وإمام المسلمين :الخليفة ومن جرى
مجراه( .)2واإلمامة الصغرى :ربط صالة المؤتم باإلمام بشروط(.)3
اقت ِدي به ،و ُق ّدم في األمور ،والنبي إمام األئمة،
اإلمام :كل من ُ
والخليفة :إمام الرعية ،والقرآن إمام المسلمين ،وإمام الجند :قائدهم.
واإلمام َج ْم ُع ُه :أئمة ،واإلمام في الصالة :من يتقدم المصلين ويتابعونه
في حركات الصالة .واإلمام :من يأتم به الناس من رئيس وغيره ،مح ّقاً
كان أو مبطالً ،ومنه :إمام الصالة ،واإلمام :العالم المقتدى به ،وإمام كل
شيء :قيمه والمصلح له(.)4
ّ
ثانياً :فضل اإلمامة في الصالة والعلم:
يؤم
والية شرعية ذات فضل؛ لقول النبي ُّ (( : -1اإلمامة في الصالة
القوم أقرؤهم لكتاب اهلل))( .)5ومعلوم أن األقرأ أفضل ،فقرنها بأقرأ يدل
على أفضليتها(.)6
ويدل على ذلك عموم قول ّ -2اإلمام في الصالة يُقتدى به في الخير،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1حاشية الروض المربع ،للعالمة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم.213/2 ،
( )2انظر :القاموس الفقهي لغة واصطالحاً ،لسعدي أبو حبيب ،ص.23
( )3انظر :المصدر السابق ،ص.23
( )4انظر:معجم مقاييس اللغة،البن فارس،كتاب الهمزة،باب الهمزة في الذي يقال له مضاعف،ص،38
ولسان العرب،البن منظور،باب الميم،فصل الهمزة ،22/12 ،ومفردات ألفاظ القرآن،للراغب
األصفهاني ،مادةَّ (( :أم)) ،ص ،87ومعجم لغة الفقهاء ،لألستاذ الدكتور محمد رواس ،ص.31-38
( )5مسلم،كتاب المساجد ومواضع الصالة،باب من أحق باإلمامة،برقم ،374من حديث أبي مسعود .
( )6انظر :الشرح الممتع ،للعالمة محمد بن صالح العثيمين.43/2 ،
655 اإلمامة في الصالة
عقبة بن عامر قال :سمعت رسول اهلل يقولَ (( :من ّأم الناس فأصاب
الوقت فله ولهم ،ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه وال عليهم))(.)1
وعن سهل بن سعد قال :سمعت رسول اهلل يقول(( :اإلمام
ضامن فإن أحسن فله ولهم ،وإن أساء -يعني -فعليه وال عليهم))(.)2
ثالثاً :طلب اإلمامة في الصالة إذا صلحت النية ال بأس به؛
لحديث عثمان بن أبي العاص قال :يا رسول اهلل ،اجعلني إمام
قومي ،فقال(( :أنت إمامهم واقت ِد بأضعفهم ،واتخذ مؤذناً ال يأخذ على
أذانه أجراً))(.)3
يدل على جواز طلب اإلمامة في الخير ،وقد ورد في أدعية عباد والحديث ّ
ين ِ
الرحمن الذين وصفهم اهلل بتلك األوصاف الجميلة أنهم يقولونَ :والَّ (ذَ )4
ِ ِ ِ ون َربَّ َنا َه ْب َل َنا ِم ْن أَ ْز َو ِ
ين إ َِماماً. اج َنا َو ُذ ّريَّات َنا ُق َّر َة أَ ْع ُي ٍن َو ْ
اج َع ْل َنا ل ْل ُم َّتق َ َي ُقولُ َ
وليس ذلك من طلب الرياسة المكروهة؛ فإن ذلك فيما يتعلق برياسة
الدنيا التي ال يعان من طلبها ،وال يستحق أن يُعطاها من سألها( ،)5فإذا
صلحت النية وتأكدت الرغبة في القيام بالواجب والدعوة إلى اهلل
فال حرج من طلب ذلك.
رابعاً :أولى الناس باإلمامة :األق أر( )6العالم فقه صالته ،فإن استووا في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أحمد ،123/3 ،وابن ماجه ،كتاب الصالة ،باب ما يجب على اإلمام ،برقم ،184أبو داود ،كتاب الصالة،
باب جماع اإلمامة وفضلها ،برقم ،280وقال األلباني في صحيح سنن أبي داود(( :112/1 ،حسن
صحيح)) ،وصححه في صحيح سنن ابن ماجه.214/1 ،
( )2ابن ماجه ،كتاب الصالة ،باب ما يجب على اإلمام ،برقم ،181وصححه األلباني في صحيح
سنن ابن ماجه.212/1 ،
( )3أبو داود ،برقم ،241والترمذي ،برقم ،201والنسائي ،برقم ،372وتقدم تخريجه في األذان،
آداب المؤذن ،وصححه األلباني في اإلرواء.412/2 ،
( )4سورة الفرقان ،اآلية.73 :
( )5انظر :سبل السالم ،للصنعاني ، 83/2 ،والمنهل العذب المورود في شرح سنن اإلمام أبي داود،
للشيخ محمود بن محمد بن خطاب السبكي.208 /3 ،
( )6األقرأ :قيل :األقرأ :هو أكثرهم قرآناً ،وقيل :أجودهم وأحسنهم وأتقنهم قراءة ،والصواب القول األول؛
=
اإلمامة في الصالة
656
القراءة وعلم فقه الصالة( )1فأفقههم ،فإن استووا فأقدمهم هجرة ،فإن استووا
فأقدمهم إسالم ًا ،لحديث أبي مسعود األنصاري قال :قال رسول اهلل :
يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اهلل( )2فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة،
ُّ ((
()3
سواء
(ً )1 الهجرة في كانوا فإن ، سواء فأقدمهم هجرة
ً فإن كانوا في السنة
()4
جل في سلطانه ، جل ا َّلر َ
يؤم َّن ال َّر ُ
فأقدمهم سلماً -وفي رواية -سنّاً وال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
لحديث عمرو بن سلمة وفيه ...(( :وليؤمكم أكثركم قرآناً))[ ،البخاري برقم ]3402؛ ولحديث أبي
سعيد الخدري وفيه(( :وأحقهم باإلمامة أقرؤهم))[ ،مسلم برقم ،]372ومعناه :أكثرهم قرآناً ،ولكن
لو استووا في القرآن بحيث قد استظهروا القرآن كله فيرجح من كان أتقنهم قراءة وأضبط لها ،وأحسن
ترتيالً؛ ألنه األقرأ بالنسبة لهؤالء الذين استووا في كثرة الحفظ[ .انظر :المفهم ،للقرطبي،217/2 ،
والمغني ،البن قدامة ،13/2 ،ونيل األوطار ،للشوكاني.]410/2 ،
( )1العالم فقه صالته :أي يعلم شروطها ،وأركانها ،وواجباتها ،ومبطالتها ،ونحو ذلك ،قال الحافظ
ابن حجر(( :وال يخفى أن محل تقديم األقرأ إنما هو حيث يكون عار ًفا بما يتعين معرفته من
أحوال الصالة ،فأما إذا كان جاهالً بذلك فال يقدم اتفاقاً)) فتح الباري ،171/2 ،وانظر :حاشية ابن
قاسم على الروض المربع ،213/2 ،والشرح الممتع ،البن عثيمين.211/3 ،
( )2يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اهلل :فيه دليل واضح على أنه يقدم األقرأ على األفقه ،وهو مذهب اإلمام
أحمد ،وأبي حنيفة ،وبعض أصحاب الشافعي ،وقال اإلمام مالك والشافعي وأصحابهما :األفقه مقدم
على األقرأ؛ ألن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط ،وقد
يعرض في الصالة أمر ال يقدر على مراعاة الصواب فيه إال كامل الفقه ،لكن في قوله (( :فإن كانوا
في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)) :دليل على تقديم األقرأ مطلقاً ،والصواب أن األقرأ يقدم إذا كان
عارفاً فقه صالته[ .انظر :شرح النووي على صحيح مسلم ،178/2 ،والمفهم في تلخيص كتاب
مسلم ،للقرطبي ،217/2 ،والمغني البن قدامة ،12-11/4 ،وفتح الباري البن حجر ،171/2 ،ونيل
األوطار للشوكاني ،481/2 ،وحاشية ابن قاسم على الروض المربع ،213/2 ،والشرح الممتع البن
عثيمين ،211-281/3 ،وسبل السالم للصنعاني.]12/4 ،
المقدم بها في اإلمامة ال تختص بالهجرة في
َّ ( )3فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة :الهجرة
عصره ، بل هي التي ال تنقطع إلى يوم القيامة كما ثبت ذلك في األحاديث؛ ألن الهجرة من دار
الكفر إلى دار اإلسالم قربة وطاعة ،فقدم السابق إليها؛ لسبقه إلى الطاعة .انظر :المغني البن
قدامة ، 12/4 ،وشرح النووي على صحيح مسلم ،171/2 ،ونيل األوطار للشوكاني،410/2 ،
وسبل السالم للصنعاني.13/4 ،
( )4األقدم سلماً وفي رواية ((سنّاً)) ،وفي الرواية األخرى ((فأكبرهم سنّاً)) ،وهذا لفضيلة السبق إلى
اإلسالم ،والرواية األخرى ((سنّاً)) راجع إ لى سبق السن باإلسالم؛ ألن األكبر سبق األصغر[ .انظر:
المفهم للقرطبي ]218/2 ،وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث
=
655 اإلمامة في الصالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
سناً إال أن يكونوا كفاراً ثم أسلموا ،فأقدمهم إسالماً هو
رقم (( :343ومن كان أقدم سلم ًا فهو أكبرهم ّ
من جنس أقدمهم هجرة)) [وانظر:شرح النووي على صحيح مسلم ،180/2،ونيل األوطار
للشوكاني،410/2،وسبل السالم للصنعاني،13/4،والمغني البن قدامة.]12/4،
يؤم ّن الرجل الرجل في سلطانه أي في موضع سلطته،وهو ما يملكه أو يتسلط عليه بالتصرف ( )1وال ّ
فيه،ويدخل فيه صاحب البيت والمجلس،وإمام المسجد،وأعظم السلطة السلطان األعظم؛ ألن واليته
عامة ،وصاحب المكان أحق فإن شاء تقدم وإن شاء قدم من يريده ،وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضوالً
بالنسبة للحاضرين؛ألنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء،والسلطان مقدم على إمام المسجد وصاحب
البيت،ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه[ .انظر:المفهم للقرطبي،
،211/2والمغني البن قدامة،32/4 ،وشرح النووي،180/2 ،ونيل األوطار للشوكاني ،411/2 ،وسبل
السالم للصنعاني،17/4 ،والشرح الممتع البن عثيمين.]211/3 ،
((( )2وال يقعد على تكرمته إال بإذنه)) ،وفي رواية(( :وال تجلس على تكرمته في بيته إال أن يأذن لك
أو بإذنه)) ،والتكرمة :الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به ،ووجه هذا المنع أنه
مبني على منع التصرف في ملك الغير إال بإذنه ،غير أنه خص التكرمة بالذكر للتساهل في القعود
عليها ،وإذا منع القعود فمنع التصرف بنقلها أو بيعها أولى.المفهم للقرطبي،211/2 ،وشرح
النووي على صحيح مسلم.180/2،
( )3صحيح مسلم،كتاب المساجد ومواضع الصالة،باب من أحق باإلمامة،برقم .374
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب األذان ،باب من قال :ليؤذن في السفر مؤذن واحد ،برقم ،328ومسلم ،كتاب
المساجد ومواضع الصالة ،باب من األحق باإلمامة ،برقم .373
( )5انظر :شرح النووي على مسلم ،181/2 ،والمفهم للقرطبي.401/2 ،
( )6انظر :الشرح الممتع.213/3 ،
اإلمامة في الصالة
655
خامساً :أنواع اإلمامة في الصالة على النحو اآلتي:
-1إمامة الصبي جائزة على الصحيح()1؛ لحديث عمرو بن سلمة
قال :كنا بماء ممر الناس( ،)2وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس ما
ّ ّ ()3 ّ
للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون :يزعم أن اهلل أرسله ،أوحى إليه،
يقر في صدري، ذاك )4الكالم ،فكأنما ُّ أوحى اهلل بكذا ،فكنت أحفظ
تلوم بإسالمهم الفتح( ،فيقولون اتركوه وقومه ،فإن ظهر وكانت العرب َّ
عليهم فهو نبي صادق ،فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم
بإسالمهم ،وبدر أبي قومي بإسالمهم( ،)5فلما َق ِد َم قال((:جئتكم واهلل من
عند النبي ح ّقاً،فقال((:ص ّلوا صالة كذا في حين كذا ،وص ّلوا صالة
ليؤمكم
أحدكم ،و َّ ُ الصالة فليؤ ّذن
كذا في حين كذا ،فإذا حضرت ّ
أكثركم قرآناً)) فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً منّ ِ
ي؛ل َما كنت أتل َّقى من
ُ
فقدموني بين أيديهم،وأنا ابن ست أو سبع سنين،وكانت علي ّ الركبان،
َّ ()6
بردة ،كنت إذا سجدت تق َّلصت عني ،فقالت امرأة من الحي:أال
تغطُّون عنا است قارئكم؟ فاشتروا( )7فقطعوا لي قميصاً فما فرحت
بشيء فرحي بذلك القميص)).وفي أبي داود زيادة((:قال عمرو بن سلمة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اختلف أهل العلم في إمامة الصبي :فمذهب الشافعية أنها تصح مطلقاً في الفريضة والنفل،
ومذهب المالكية ،والحنفية ،والحنابلة أن إمامة الصبي ال تصح في الفرض بالبالغ .انظر :المغني
البن قدامة ،70/4 ،والشرح الكبير ومعه المقنع واإلنصاف ،487/3 ،وفتح الباري البن حجر،
،24/8ونيل األوطار للشوكاني.301/2 ،
( )2بماء ممر الناس :موضع مرورهم .انظر :فتح الباري البن حجر ،24/8 ،وإرشاد الساري
للقسطالني.283/1 ،
( )3ما هذا الرجل :يسألون عن حال النبي وحال العرب معه .فتح الباري البن حجر.24/8 ،
تلوم :تنتظر .فتح الباري البن حجر.24/8 ،
(َّ )4
( )5بدر :سبق .المرجع السابق.24/8 ،
( )6بردة :كساء صغير مربع ويقال كساء أسود ،ومعنى :تقلصت :انكشفت عنه .انظر :فتح الباري البن
حجر ،24/8 ،ونيل األوطار للشوكاني.301/2 ،
( )7فاشتروا :أي ثوباً ،انظر :فتح الباري.24/8 ،
655 اإلمامة في الصالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أبو داود ،كتاب الخراج ،باب في الضرير يولَّى ،برقم ،2141وصححه األلباني في صحيح سنن
أبي داود.233/2 ،
( )2انظر :سبل السالم للصنعاني ،120/4 ،ونيل األوطار للشوكاني.412/2 ،
( )3البخاري،كتاب األذان،باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله،برقم .337
( )4البخاري ،كتاب األذان ،باب إمامة العبد والمولى ،برقم .312
( )5البخاري ،كتاب األحكام ،باب استقضاء الموالي واستعمالهم ،برقم .7172
( )6انظر :فتح الباري البن حجر ،183/2 ،ونيل األوطار للشوكاني.413/2 ،
655 اإلمامة في الصالة
يؤمهم أقرؤهم لكتاب اهلل)) وال يُمنع العبد من الجماعة بغير علة))(.)1
النبي ُّ (( :
-3إمامة المرأة للنساء صحيحة؛ لحديث أم ورقة بنت عبد اهلل بن
الحارث أن رسول اهلل كان يزورها في بيتها ،وجعل لها مؤذناً يؤذن لها،
تؤم أهل دارها .قال عبد الرحمن بن خالَّد الراوي عنها(( :أنا َّ وأمرها أن
يدل على مشروعية صالة النساء جماعة رأيت مؤذنها شيخاً كبير ًا))( .)2وهذا ّ
ُ
()3
منفردات عن الرجال ،ورجح اإلمام ابن القيم -رحمه اهلل -استحباب
صالة النساء جماعة؛ لحديث أم ورقة؛ وألن عائشة رضي اهلل عنها َّأمت نسوة في
فأمتهن بينهن وسط ًا()4؛ وألن أم سلمة رضي اهلل عنها َّأمت نساء فقامت
َّ المكتوبة
وسطهن( ،)5ولو لم يكن في المسألة إال عموم قوله (( :تفضل صالة
الجماعة على صالة الفذ بسبع وعشرين درجة))( )6لكفى(.)7
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -
يدل على مشروعية ذلك ،وال بأس به، يقول عن حديث ورقة(( :وأنه ّ
ويستحب ذلك ،والحديث وإن كان في إسناده كالم ،ولكن مثله نوع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري ،كتاب األذان ،باب إمامة العبد والمولى ،قبل الحديث رقم .312
( )2أبو داود ،بلفظه ،كتاب الصالة ،باب إمامة النساء ،برقم ،212وأحمد ،302/3 ،والحاكم،
،204/1والبيهقي ،140/4 ،والدارقطني ،304/1 ،وابن خزيمة في صحيحه،81/4،برقم ،1373
وحسنه األلباني في صحيح سنن أبي داود.118/1،
( )3اختلف العلماء في صالة الجماعة للنساء منفردات عن الرجال في بيوتهن :فقيل :سنة؛ ألن النبي
أمر ورقة أن تؤم أهل دارها ،وقيل :مكروهة ،وقالوا :بأن حديث ورقة ضعيف ،وقيل :مباحة؛
ألن النساء من أهل الجماعة في الجملة؛ ولهذا أبيح لها أن تحضر في المسجد إلقامة الجماعة،
فتكون إقامة الجماعة في بيتها مباحة مع ما في ذلك من التستر .انظر :المغني البن قدامة ،47/4
والشرح الممتع البن عثيمين .111-118/3
( )4عبد الرزاق في المصنف 131/4 ،برقم ،2083وابن أبي شيبة ،81/2 ،والحاكم ،204/1
والدارقطني ،303/1 ،والبيهقي ،141/4 ،وابن حزم.171/4 ،
( )5عبد الرزاق في المصنف،130/2 ،برقم ،2082وابن أبي شيبة،88/2 ،والشافعي في المسند،83/3 ،
والدارقطني ،303/1 ،والبيهقي ،141/4 ،وابن حزم.172/4 ،
( )6متفق عليه ،وتقدم تخريجه في فضل صالة الجماعة.
( )7إعالم الموقعين.427/4 ،
اإلمامة في الصالة
655
مستقل ويعمل به ،ويعضده ما جاء عن عائشة ،وأم سلمة أنهما كانتا
تؤمان أهل بيتهما ،لكن تقف في وسط النساء ،وصالة الجماعة ال تجب
عليهن ،ولكن تستحب))(.)1
-2إمامة الرجل للنساء فقط صحيحة؛ ألخبار وردت في ذلك()2؛
وألن األصل صحة صالة الجماعة وانعقادها بالنساء مع الرجل ،بل
بالمرأة مع الرجل ومن منع فعليه الدليل( ،)3إال إذا كانت أجنبية وحدها
يؤمها؛ لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما يرفعه(( :ال يخلو َّن
َّ فإنه يحرم أن
أحدكم بامرأة إال مع ذي محرم))( ،)4والصحيح أن إمامة النساء ال تكره ُ
إال إذا خاف الفتنة؛ ابتعد عن ذلك؛ ألن ما كان ذريعة إلى حرام فهو
حرام( ،)5وقد كان ذكوان مولى عائشة رضي اهلل عنهما يؤمها من المصحف(.)6
-3إمامة المفضول للفاضل صحيحة؛لحديث المغيرة بن شعبة حينما
كان مع النبي في غزوة تبوك ،وذكر وضوء النبي وأنه جاء معه قال:
قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حين كان حتى نجد الناس قد َّ
وقت الصالة ،قال :ووجدنا عبد الرحمن وقد صلى بهم ركعة من صالة
فصف مع المسلمين فصلى وراء عبد الرحمن بن الفجر،فقام رسول اهلل َّ
يتم صالته،
عوف الركعة الثانية،فلما س َّلم عبد الرحمن قام رسول اهلل ُّ
قال :فلما قضى رسول اهلل صالته أقبل عليهم ثم قال(( :أحسنتم)) ،أو
صحة
ّ ((قد أصبتم)) ،يغبطهم أن ص ّلوا الصالة لوقتها( ،)7وهذا ّ
يدل على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام،الحديث رقم ،337وانظر:مجموع فتاوى ومقاالت له.140/12،
( )2مسند أبي يعلى 443/4 ،برقم ،1801وانظر :مجمع الزوائد للهيثمي ،73/2 ،وسبل السالم
للصنعاني.111/4 ،
( )3انظر :نيل األوطار للشوكاني.431/2 ،
( )4متفق عليه:البخاري،برقم ،1832ومسلم،برقم ،1431وتقدم تخريجه في صالة الجماعة.
( )5انظر :الشرح الممتع ،البن عثيمين.422/3 ،
( )6البخاري ،كتاب األذان ،باب إمامة العبد والمولى ،قبل الحديث رقم .312
( )7متفق عليه:البخاري،برقم ،182ومسلم برقم ،273وتقدم تخريجه في صالة الجماعة.
655 اإلمامة في الصالة
البرد من أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن الضرر منه(.)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة النساء ،اآلية.21 :
( )2أبو داود ،كتاب الطهارة ،باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ برقم ،443وأحمد ،204/3 ،والدارقطني،
،178/1والحاكم ،177/1 ،والبيهقي ،223/1 ،وابن حبان ،برقم ،1412والبخاري تعليقاً في كتاب التيمم،
باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم ،قبل الحديث رقم ،432
وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود.38/1 ،
( )3أبو داود في الكتاب والباب المذكور ،برقم ،442وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود.38/1 ،
( )4فتح الباري.323/1 ،
( )5فتح الباري ،323/1والمغني البن قدامة.33/4 ،
( )6المغني.33/4 ،
( )7انظر :نيل األوطار للشوكاني.213/1 ،
اإلمامة في الصالة
655
-8إمامـــــة المســـــافر للمقـــــيم صـــــحيحة ويـــــتم المقـــــيم بعـــــد ســـــالم
المسافر؛لآلثار في ذلك( )1واإلجماع ،قال اإلمام ابن قدامة -رحمه اهلل -
(( :أجمع أهل العلم على أن المقيم إذا ائتم بالمسافر وسلم المسـافر مـن ركعتـين
أن على المقيم إتمام الصالة))( .)2وعن عمر أنه كان إذا قـدم بمكـة صـلى بهـم
سفر))(.)3 ركعتين ثم يقول(( :يا أهل مكة أتموا صالتكم فإنا قوم
ٌ ٌْ
فظهر من ذلك أن المقيم إذا صلى خلف المسافر صالة الفريضة:
كالظهر ،والعصر ،والعشاء ،فإنه يلزمه أن يكمل صالته أربعاً ،أما إذا
صلى المقيم خلف المسافر طلب ًا لفضل الجماعة ،وقد صلى المقيم
فريضته ،فإنه يصلي مثل صالة المسافر :ركعتين؛ ألنها في حقه نافلة(.)4
تامة صحيحة وخالف
فأتم بهم فصالتهم ّ وإذا ّأم المسافر المقيمين
َّ
األفضل(.)5
-1إمامة المقيم للمسافر صحيحة ،ويتم المسافر مثل صالة إمامه ،سواء
ّ
أدرك جميع الصالة ،أو ركعة ،أو أقل ،وحتى لو دخل معه في التشهد األخير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1روي عن عمران يرفعه(( :أنه أقام بمكة زمان الفتح ثماني عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين
ركعتين إال المغرب ثم يقول :يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا سفر)) أحمد بلفظه،
،340/3وأبو داود ،كتاب صالة السفر ،باب متى يتم المسافر ،برقم 1221ولفظه(( :يا أهل البلد
صلوا أربعاً فإنا قوم سفر)) ،وفي سنده علي بن زيد بن جدعان ضعيف ،قال الشوكاني(( :وإنما
حسن الترمذي حديثه ( )232لشواهده)) ،نيل األوطار.302/2 ، ّ
( )2المغني ،133/4 ،وانظر :نيل األوطار للشوكاني.304/2 ،
( )3مالك في الموطأ موقوفاً ،كتاب قصر الصالة في السفر ،باب صالة المسافر إذا كان إماماً أو كان
وراء اإلمام ،برقم .131/1 ،11قال اإلمام الشوكاني في نيل األوطار(( :302/2 ،وأثر عمر رجال
إسناده أئمة ثقات)).
( )4انظر :مجموع فتاوى ومقاالت متنوعة ،لإلمام ابن باز.231-221/12 ،
( )5انظر :المغني ،البن قدامة ،133/4 ،ومجموع فتاوى ابن باز ،230/12 ،وقد كان عثمان يتم
بالناس في الحج في السنوات األخيرة من خالفته ،وثبت عن عائشة رضي اهلل عنها أنها كانت تتم
الصالة في السفر ،وتقول :إنه ال يشق عليها ،فال حرج في إتمام المسافر ،ولكن األفضل ما فعله
النبي ؛ ألنه المشرع المعلم .انظر :مجموع فتاوى ابن باز ،230/12 ،وحديث عثمان في
مسلم ،برقم .312 ،313
650 اإلمامة في الصالة
قبل السالم فإنه يتم ،وهذا هو الصواب من قولي أهل العلمِ ،ل َما ثبت عن ابن
عباس رضي اهلل عنهما من حديث موسى بن سلمة -رحمه اهلل -قال :كنّا مع ابن
عباس بمكة فقلت :إنا إذا ُكنّا معكم ص ّلينا أربعاً وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا
ركعتين ،قال(( :تلك سنّة أبي القاسم .)1())وكان ابن عمر رضي اهلل عنهما إذا ص ّلى
مع اإلمام ص ّلى أربعاً وإذا صالها وحده ص ّلى ركعتين(.)2
وذكر اإلمام ابن عبد البر -رحمه اهلل -أن في إجماع الجمهور من
الفقهاء على أن المسافر إذا دخل في صالة المقيمين فأدرك منها ركعة
أنه يلزمه أن يصلي أربع ًا( .)3وقال(( :قال أكثرهم إنه إذا أحرم المسافر
خلف المقيم قبل سالمه أنه تلزمه صالة المقيم ،وعليه اإلتمام))(.)4
يدل على أ ّن المسافر إذا صلى خلف المقيم يلزمه اإلتمام عمومومما ّ
قوله (( :إنما ُجعل اإلمام ليؤتم به فال تختلفوا عليه ،فإذا كبر
َّ ّ
فكبروا.)6()))5(...
ّ
-10إمامة من يؤدي الصالة بمن يقضيها صحيحة على القول الصحيح من
قولي أهل العلم ،مثال ذلك رجل وجد الناس يصلون ظهر اليوم وذكر أن عليه
صالة الظهر باألمس ،فإنه يدخل معهم خلف اإلمام وينوي ظهر أمس؛ فصالته
الصلوات واجب فيصلي ٍ ٍ
الترتيب بين ّ
مؤد؛ وأل ّن ّ
صحيحة ،ألنه قاض صلى خلف ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أحمد في المسند ،213/1 ،قال األلباني في إرواء الغليل(( :21/4 ،قلت وسنده صحيح رجاله رجال
أصل مع اإلمام؟ فقال:
الصحيح)) ،والحديث أخرجه مسلم بلفظ(( :كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم ّ
((ركعتين سنة أبي القاسم ،))مسلم ،كتاب صالة المسافرين وقصرها ،باب صالة المسافرين
وقصرها ،برقم .388
( )2مسلم،الكتاب والباب السابق،برقم ،)388( 17وانظر آثاراً في موطأ اإلمام مالك.120-131/1 ،
( )3التمهيد.412-411/13 ،
( )4التمهيد .412/13
( )5متفق عليه من حديث أبي هريرة :البخاري،كتاب األذان،باب إقامة الصف من تمام الصالة ،برقم
،722ومسلم،كتاب الصالة،باب ائتمام المأموم باإلمام،برقم .313
( )6انظر :المغني البن قدامة ،133/4 ،ومجموع فتاوى اإلمام ابن باز ،230 ،121/12 ،والشرح
الممتع ،البن عثيمين .211/3
اإلمامة في الصالة
656
الصالة بنية الفائتة ثم يصلي الحاضرة(.)1
ّ
ّ
-11إمامة من يقضي الصالة بمن يؤديها عكس المسألة السابقة
صحيحة على القول الصحيح ،فيكون اإلمام هو الذي يقضي والمأموم
هو الذي يؤدي،مثال ذلك رجل عليه ظهر أمس فصلى فدخل معه من
يصلي ظهر اليوم،فاإلمام يصلي بنية ظهر أمس،والمأموم بنية ظهر
اليوم،فصحة المؤداة خلف المقضية وبالعكس؛أل ّن الصالة واحدة وإنما
ّ
الزمن(.)2 اختلف ّ
-12إمامة المفترض للمتنفل صحيحة بال خالف؛ لحديث أبي سعيد
تصدق
أن رسول اهلل أبصر رجالً يصلي وحده ،فقال(( :أال رجل ي ّ
على هذا فيصلي معه))()3؛ وألحاديث إعادة صالة الجماعة لمن أدرك
الجماعة وقد صلى قبل ذلك( ،)4ومنها حديث يزيد بن األسود وفيه:
((إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها
لكما نافلة))(.)5
قال اإلمام ابن قدامة -رحمه اهلل (( :-وال نعلم بين أهل العلم فيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،ص ،103واإلنصاف في معرفة الراجح من
الخالف ،للمرداوي المطبوع مع المقنع والشرح الكبير ،308/3 ،وحاشية ابن قاسم على الروض
المربع ،428/2 ،والشرح الممتع البن عثيمين ،427/3 ،ومجموع فتاوى اإلمام عبد العزيز بن
عبد اهلل ابن باز.182/12 ،
( )2انظر :اإلنصاف لمعرفة الراجح من الخالف للمرداوي ،المطبوع مع المقنع والشرح الكبير،301/3 ،
واالختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،ص ،103وحاشية ابن قاسم على الروض المربع،
،428/2والشرح الممتع البن عثيمين ،427/3 ،ومجموع فتاوى اإلمام ابن باز،183 ،182/12 ،
.111 ،181 ،188 ،183
( )3أبو داود ،برقم ،273والترمذي ،برقم ،220وأحمد ،33 ،32/4وغيرهم ،وصححه األلباني في
إرواء الغليل ،413/2 ،وتقدم تخريجه في الصلوات ذوات األسباب آخر صالة التطوع.
( )4تقدم تخريجها في صالة الجماعة فيمن صلى ثم أدرك جماعة أعادها معهم نافلة.
( )5الترمذي ،برقم ،211وأبو داود ،برقم ،272والنسائي ،برقم ،828وتقدم تخريجه في الصلوات
ذوات األسباب آخر صالة التطوع.
655 اإلمامة في الصالة
اختالفاً))(.)1
-14إمامة المتنفل للمفترض جائزة على القول الصحيح؛ لحديث
جابر أن معاذ بن جبل (( كان يصلي مع رسول اهلل العشاء ثم يأتي
مسجد قومه فيصلي بهم تلك الصالة))( .)2ومعلوم أن الصالة األولى هي
الفريضة والثانية لمعاذ هي النافلة ،ولم ينكر عليه النبي .
وقد صلى النبي في بعض أنواع صالة الخوف بالطائفة األولى ركعتين،
ثم سلم ،ثم صلى بالطائفة الثانية ركعتين ثم سلم( ،)3فالصالة األولى فرض
النبي ،والثانية نفالً( ،)4وهو اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل(.)5
فعلى هذا تجوز صالة العشاء خلف من يصلي صالة التراويح وغيرها(.)6
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -يقول عن
هذين الحديثين(( :وهذا واضح في جواز إمامة المتنفل بالمفترض))(.)7
-13إمامة من يصلي العصر أو غيرها بمن يصلي الظهر أو غيرها جائزة
على القول الصحيح؛ ألنها فرع من إمامة المتنفل بالمفترض على
الصحيح ،وهي مثلها في الحكم ،بل هنا أولى؛ لصحة صالة من يصلي
الظهر خلف من يصلي الجمعة ،فلو أدرك المأموم اإلمام في صالة الجمعة
بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية من صالة الجمعة دخل معه بنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني.38/4 ،
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب األذان ،باب :إذا طول اإلمام وكان للرجل حاجة فخرج وصلى ،برقم
،700ومسلم بلفظه ،كتاب الصالة ،باب القراءة في العشاء ،برقم 180و.]333[ 181
( )3النسائي ،كتاب صالة الخوف ،برقم ،1222وصححه األلباني ،في صحيح سنن النسائي .430/1
( )4انظر :سبل السالم للصنعاني ،210/4 ،ونيل األوطار للشوكاني ،303/2 ،والشرح الممتع البن
عثيمين ،410/3 ،وفتاوى اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ،178/12 ،واإلحكام شرح أصول
األحكام البن قاسم.481/1 ،
( )5انظر :االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،ص.103
( )6المغني البن قدامة،31/4 ،وانظر :مجموع فتاوى اإلمام ابن تيمية ،483/24 ،ومجموع فتاوى ابن
باز 181/12،جمع الشويعر،و 334 ،313-314/3جمع الطيار.
( )7سمعته منه أثناء تقريره على المنتقى من أحاديث المصطفى الحديث رقم .1348
اإلمامة في الصالة
655
الظهر فإذا سلم اإلمام قام فصلى أربعاً ظهراً( .)1وهذا هو اختيار شيخ
اإلسالم ابن تيمية ،وشيخنا اإلمام ابن باز وغيرهما -رحمهم اهلل .)2(-
وأما قول النبي (( :إنّما ُج ِعل اإلمام ليؤتم به فال تختلفوا عليه.)3())...
()4
ّ
فاالختالف المراد به في الحديث االختالف في األفعال واألقوال ،كما
جاء مفسر ًا بقوله(( :إنّما ُجعل اإلمام ليؤتم به ،فإذا كبر فكبروا وال تكبروا
ّ َّ
حتى يُكبر ،وإذا ركع فاركعوا وال تركعوا حتى يركع ،وإذا قال سمع اهلل
ّ
لمن حمده فقولوا :اللهم ربّنا لك الحمد ،وإذا سجد فاسجدوا وال
تسجدوا حتى يسجد ،وإذا صلى قائماً فصلوا قيام ًا ،وإذا ص ّلى قاعد ًا
فص ّلوا قعوداً أجمعون))( .)5قال اإلمام الصنعاني -رحمه اهلل (( :-الحديث لم
فدل أنها إذا اختلفت نية اإلمام والمأموم -كأن يشترط المساواة في النيةّ ،
ينوي أحدهما فرضاً واآلخر نفالً ،أو ينوي هذا عصراً ،واآلخر ظهر ًا أنها
تصح الصالة جماعة))( .)6وسمعت سماحة شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن ّ
عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -يقول في شرحه لهذا الحديث(( :فقد ذكر
فدل على أن النية مغتفرة))( ،)7فعلى ذلك األفعال واألقوال ولم يذكر النية ّ
ال يؤثر اختالف النية :فتصح إمامة من يصلي الظهر بمن يصلي العشاء،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :حاشية ابن قاسم على الروض المربع.440/2 ،
( )2انظر :االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،ص ،103ومجموع فتاوى ابن باز،
،111/12وهو مذهب الشافعي كما في المجموع للنووي ،120/3 ،واختاره أيضاً الشيخ
محمد بن إبراهيم في فتاويه.403/2 ،
( )3متفق عليه :البخاري،برقم ،722ومسلم،برقم ،313وتقدم تخريجه في إمامة المقيم للمسافر.
( )4انظر :الشرح الكبير البن قدامة ،312/3 ،وحاشية ابن قاسم على الروض المربع،421/2 ،
واإلحكام شرح أصول األحكام البن قاسم ،482/1 ،والشرح الممتع البن عثيمين.432/3 ،
( )5أبو داود بلفظه ،كتاب الصالة ،باب اإلمام يصلي من قعود ،برقم ،304وهو حديث صحيح،
وأصله متفق عليه:البخاري ،برقم ،722ومسلم ،برقم ،313وتقدم تخريجه في إمامة المقيم
للمسافر.
( )6سبل السالم شرح بلوغ المرام.71/4 ،
( )7سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .321
655 اإلمامة في الصالة
وإمامة من يصلي الظهر بمن يصلي العصر ،ومن يصلي العصر بمن يصلي
الظهر ،ومن يصلي صالة أكثر بمن يصلي أقل ،ومن يصلي أقل بمن يصلي
أكثر مثال من يصلي صالة أكثر خلف من يصلي أقل :كمن يصلي العشاء
خلف من يصلي المغرب ،فإنه يصلي مع اإلمام فإذا س ّلم إمامه قام وأتى
بركعة .ومثال من يصلي صالة أقل خلف من يصلي صالة أكثر ،كمن
يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء ،فإنه إن أدرك اإلمام في الركعة
الثانية فما بعدها فال إشكال؛ ألنه يتابع إمامه ويسلم معه ،وإن دخل في
الركعة الثالثة أتى بعده بركعة ،وإن دخل في الرابعة أتى بعده بركعتين ،لكن
إن أدرك اإلمام في الركعة األولى فإنه يلزمه إذا قام اإلمام إلى الرابعة أن
يجلس وال يقوم معه بل ينتظر في التشهد حتى يسلم مع إمامه ،هذا هو
األفضل ،وإن نوى االنفراد وقرأ التشهد األخير ثم سلم فال حرج( ،)1وهو
اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية( ،)2وشيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن
باز( ،)3والشيخ العالمة محمد بن إبراهيم آل الشيخ( )4رحمهم اهلل تعالى (.)5
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول...(( :
وهكذا على األرجح لو جاء وهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب
بسبب السفر أو المرض [فقد] اختلف العلماء :فقيل يصلي معهم
العشاء نافلة ثم يصلي المغرب ،وقيل :يجوز عدم الترتيب ،وقيل :يصلي
معهم المغرب بنية المغرب فإذا قاموا إلى الرابعة جلس ينتظرهم ثم
يسلم معهم ،وهذا قول حسن وجيد وهو معذور في الجلوس كما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف للمرداوي ،المطبوع مع المقنع والشرح الكبير
313-314/3وذكر أنه اختيار المجد في شرحه ،واختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية.
( )2انظر:األخبار العلمية من االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية،ص.102-103
( )3انظر :مجموع فتاوى ومقاالت متنوعة لإلمام ابن باز.110 ،183/12 ،
( )4انظر :فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم.403-402/2 ،
( )5وانظر :الشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين.438-433/3 ،
اإلمامة في الصالة
655
يجلس المسبوق ثم يتم صالته،حتى ولو لم يدرك إال ركعة جلس معهم
ثم أتم،فالتأخر لعذر والمتابعة لعذر شرعي))(.)1
تصح صالته لنفسه صحيحة على القول ّ -12إمامة الفاسق الذي
الصحيح من قولي أهل العلم ،إذا كانت معصيته أو بدعته ال تخرجه عن
اإلسالم ،لكن ينبغي أن ال يرتب إماماً في الصالة وغيرها(.)2
صحة إمامة الفاسق حديث أبي ذر قال :قال لي ّ يدل علىومما ّ
رسول اهلل (( :كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يُ َؤ ّخرون الصالة عن
صل وقتها أو يميتون الصالة عن وقتها))؟ قال :قلت فما تأمرني؟ قالّ (( :
فصل فإنها لك نافلة [وال تقل إني قد
ّ الصالة لوقتها ،فإذا أدركتها معهم
ص ّليت فال أصلي]))()3؛ ولحديث أبي هريرة عن النبي أنه قال:
((يص ّلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم ،وإن أخطأوا فلكم وعليهم))()4؛
وألن جمع ًا من الصحابة كانوا يصلون الجمعة ،والجماعة ،واألعياد
خلف األئمة الفجار وال يعيدون الصالة ،كما كان عبد اهلل بن عمر يصلي
أشد الناس تحري ًا
ّ خلف الحجاج بن يوسف( ،)5وابن عمر كان من
ّ
التباع السنة ،واحتياطاً لها ،والحجاج معروف بأنه من أفسق الناس.
وكذا أنس كان يصلي خلف الحجاج،وكذلك عبد اهلل بن مسعود وغيره
من الصحابة كانوا يص ّلون خلف الوليد بن أبي معيط ،وقد ص ّلى بهم الصبح يوماً
الحد ،فجلده
ركعتين ،ثم قال :أزيدكم؟ فشهد عليه رجالن عند عثمان فأقام عليه ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعته أثناء تقريره على الحديث رقم 321من بلوغ المرام .وانظر :مجموع الفتاوى له،
.110 ،183/12
( )2انظر :مجموع فتاوى اإلمام ابن باز ،112/12 ،ومن ،127-103والمغني البن قدامة،22/4 ،
والكافي البن قدامة.312/1 ،
( )3مسلم،برقم ،338وتقدم تخريجه في الصلوات ذوات األسباب في آخر صالة التطوع.
( )4البخاري ،برقم ،313وتقدم تخريجه في فضل اإلمامة.
( )5البخاري ،كتاب الحج ،باب التهجير بالرواح يوم عرفة ،برقم ،1330وباب الجمع بين الصالتين
بعرفة ،برقم ،1332وباب قصر الخطبة بعرفة ،برقم .1334
655 اإلمامة في الصالة
وكل
أربعين ،ثم قال :جلد النبي أربعين ،وأبو بكر أربعين ،وعمر ثمانينٌّ ،
سنة وهذا أحب إلي(.)1
ّ
وفي الصحيح عن عبيد اهلل بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن
عفان وهو محصور فقال :إنك إمام عامة ونزل بك ما نرى ويصلي
لنا إمام فتنة ونتحرج ،فقال(( :الصالة أحسن ما يعمل الناس ،فإذا أحسن
الناس فأحسن معهم ،وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم))(.)2
وصلى أبو سعيد الخدري خلف مروان بن الحكم صالة العيد في
قصة تقديمه الخطبة على الصالة( .)3قال اإلمام الشوكاني -رحمه اهلل :-
(( ...وقد ثبت إجماع أهل العصر األول من بقية الصحابة ومن معهم من
التابعين إجماعاً فعلياً ،وال يبعد أن يكون قولياً على الصالة خلف
ّ ّ
الجائرين؛ ألن األمراء في تلك األعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس،
فكان الناس ال يؤمهم إال أمراؤهم ،في كل بلدة فيها أمير))( .)4وقال:
صحت صالته لنفسه ((والحاصل أن األصل عدم اشتراط العدالة وأن كل من ّ
محل النّزاع إنما هو صحة الجماعة خلفصحت صالته لغيره...واعلم أن ّ
من ال عدالة له،وأما أنها مكروهة فال خالف في ذلك))(.)5قال اإلمام
الطحاوي-رحمه اهلل(( :-ونرى الصالة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة
وعلى من مات منهم))( .)6وقد تكلم الشارح كالم ًا نفيساً رجح فيه صحة
الصالة خلف الفاسق ،وأن من أظهر بدعته وفسقه ال يرتب إمام ًا
للمسلمين؛ ألنه يستحق التعزير حتى يتوب ،وإن أمكن هجره حتى يتوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حد الخمر ،برقم .1707
( )1مسلم ،كتاب الحدود ،باب ّ
( )2البخاري ،كتاب األذان ،باب إمامة المفتون والمبتدع ،برقم .312
( )3صحيح مسلم ،كتاب صالة العيدين ،باب كتاب صالة العيدين ،برقم .881
( )4نيل األوطار.418/2 ،
( )5نيل األوطار ،411/2 ،وانظر الشرح الممتع البن عثيمين.307/3 ،
( )6الطحاوية مع شرحها ،ص.321
اإلمامة في الصالة
655
كان حسناً ،وأما إذا كان ترك الصالة خلفه يفوت المأموم الجمعة
والجماعة ،فهذا ال يترك الصالة خلفه إال مبتدع مخالف للصحابة
وكذلك إذا كان اإلمام قد رتبه والة األمور ليس في ترك الصالة خلفه
مصلحة شرعية ،فال يترك الصالة خلفه بل الصالة خلفه أفضل ،فال
يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير،وال دفع أخف الضررين
بحصول أعظمهما؛ فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها،
جمع والجماعات وتعطيل المفاسد وتقليلها ،بحسب اإلمكان،فتفويت الُ َ
أعظم فساداً من االقتداء فيهما باإلمام الفاجر ،وال سيما إذا كان التخلف
عنها ال يدفع فجور ًا فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية دون دفع المفسدة.
أما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهذا أولى من فعلها
وحينئذ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر فهو موضع ٍ خلف الفاجر.
()1
اجتهاد العلماء :منهم من قال :يعيد ،ومنهم من قال :ال يعيد ،
واألقرب أنه ال يعيد(.)2وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز -رحمه اهلل -
يقول((:من يسلم من األئمة من الفسق وال سيما آخر الزمان،فالقول بعدم
صحة الصالة خلف الفاسق فيه حرج عظيم،ومشقة كبيرة ،فالصواب أنها
تصح،ولكن على المسؤولين أن يختاروا))( )3واهلل المستعان(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :شرح العقيدة الطحاوية ،ص.324
( )2انظر :مجموع فتاوى اإلمام ابن باز ،113/12 ،والشرح الممتع البن عثيمين ،407/3 ،واإلحكام
شرح أصول األحكام البن قاسم ، 478-477/1 ،واالختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية،
ص ،107واختار أن الصالة ال تصح خلف أهل األهواء والبدع والفسقة مع القدرة على الصالة
خلف غيرهم .وانظر :حاشية ابن قاسم على الروض المربع ،408-407/4 ،واإلنصاف في
معرفة الراجح من الخالف.422/3 ،
( )3سمعته أثناء تقريره على األحاديث رقم 1342-1321من المنتقى من أخبار المصطفى ،ألبي
البركات ابن تيمية.
صحت إمامته ،قال العالمة محمد بن عثيمين في الشرح الممتع،ّ صحت صالته لنفسه ّ ( )4فكل من
(( :407/3وهذا القول ال يسع الناس اليوم إال هو ،ألننا لو طبقنا القول األول على الناس ما
وجدنا إمام ًا يصلح لإلمامة)).
655 اإلمامة في الصالة
المنزل أحق باإلمامة من الزائر)) .قال(( :وقال بعض أهل العلم :إذا أَ ِذ َن
فال بأس أن يصلي به))( .)1وقال أبو البركات ابن تيمية(( :وأكثر أهل العلم
أنه ال بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان()2؛ لقوله في حديث أبي
مسعود (( :إال بإذنه))(.)3
يحل لرجل يؤمن باهلل واليوموعن أبي هريرة عن النبي قال(( :ال ّ
يحل لرجل يؤمن اآلخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف)) .وقال(( :وال ّ
يختص نفسه بدعوة ّ باهلل واليوم اآلخر أن يؤم قوماً إال بإذنهم ،وال
دونهم( ،)4فإن فعل فقد خانهم))( .)5قال اإلمام الشوكاني -رحمه اهلل :-
((وقوله في حديث أبي هريرة ((إال بإذنهم)) يقتضي جواز إمامة الزائر عند
رضا المزور ،قال العراقي :ويشترط أن يكون المزور أهالً لإلمامة؛ فإن
لم يكن أهالً كالمرأة في صورة كون الزائر رجالً ،واألمي في صورة
كون الزائر قارئاً ونحوهما فال حق له في اإلمامة))( .)6وسمعت شيخنا
اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -يقول(( :وفي حديث
يقعد
ْ الرجل في سلطانه ،وال
َ الرجل
ُ يؤم َّن
أبي مسعود في آخره(( :وال َّ
يؤمهم كمافي بيته على تكرمته إال بإذنه)) هذا يفيد أن من زار قوماً فال ّ
في حديث مالك بن الحويرث وإن كان في سنده ضعف لكن حديث
أبي مسعود صحيح،فالزائر ال يؤم إال ٍ
بإذن إذا زار [القوم] في مسجدهم
أو في بيتهم ،وحضرت الصالة فاإلمام صاحب البيت،وإن كان في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الترمذي ،بعد الحديث رقم ،423وتقدم تخريجه في الذي قبله.
( )2المنتقى من أخبار المصطفى ،بعد الحديث رقم .1322
( )3مسلم ،برقم ،374وتقدم تخريجه في أولى الناس باإلمامة.
( )4قوله(( :وال يختص نفسه بدعوة دونهم)) أي الذي يؤمنون عليه خلفه :كالدعاء في القنوت وغيره
واهلل أعلم .هكذا سمعته من شيخنا ابن باز.
( )5أبو داود ،كتاب الطهارة ،باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟ برقم ،11قال األلباني في صحيح سنن
أبي داود(( :42/1 ،صحيح إال جملة الدعوة)).
( )6نيل األوطار للشوكاني.413/2 ،
اإلمامة في الصالة
656
المسجد فصاحب السلطان،فال يتقدم عليه،وإن كان الزائر أعلم أو أكبر
سنّاً،إال أن يقدمه ويأذن له فال بأس؛ ألن رسول اهلل قال(( :إال بإذنه))،
صح فهو محمول على بغير اإلذن، َّ أما حديث(( :من زار قوم ًا)) لو
وحديث(( :من زار قوماً)) تعضده األدلة األخرى ،وبعض الناس قد يأذن
يلح عليه صاحب أن)1ال يعجل في التقدم حتى َّ حياء ،فينبغي للزائر
ً
(
السلطان ويشدد ويلزم)) .
-18اإلمامة في مسجد قبل إمامه ال تجوز إال إذا تأخر عن الوقت المحدد
أو بإذنه؛ لقوله (( :وال يؤمن الرجل الرجل في سلطانه))( .)2فال يجوز
يوكله فيقول:
لإلنسان أن يؤم في مسجد له إمام راتب إال بإذن اإلمام ،كأن ّ
ت عن موعد اإلقامة فصلوا. تأخ ْر ُ
صل بالناس ،أو يقول للجماعة إذا َّ
ّ
يقدموا أحدهم؛ لفعل ويجوز للجماعة إذا تأخر اإلمام تأخر ًا ظاهر ًا أن ّ
الص ّديق )3(وعبد الرحمن بن عوف حين غاب النبي فقال النبي ّ
(( :أحسنتم))( ،)4وإذا َّأم في مسجد قبل إمامه بدون إذن اإلمام أو عذره
تصح ،ويجب عليهم اإلعادة مع اإلمام الراتب ،وقيل: ّ فقيل :الصالة ال
ّ
الص ّحة حتى يقوم الدليل
اإلثم وهذا هو الصواب؛ ألن األصل ّ تصح مع
ّ
()5
على الفساد .
-11اإلمامة من المصحف صحيحة على الصحيح من قولي أهل
عبدها ذكوان من المصحف( .)6قاليؤمها ُ
العلم؛ ألن عائشة رضي اهلل عنها كان ُّ
اإلمام ابن باز -رحمه اهلل (( :-يجوز ذلك إذا دعت الحاجة إليه ،كما يجوز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى ،األحاديث .1322-1313
( )2مسلم ،برقم ،374وتقدم تخريجه في أولى الناس باإلمامة.
( )3متفق عليه :البخاري ،برقم ،383ومسلم ،برقم ،321ويأتي تخريجه في انتقال اإلمام مأموماً.
( )4متفق عليه :البخاري ،برقم ،182ومسلم ،برقم ،273وتقدم تخريجه في صالة الجماعة.
( )5انظر :الروض المربع مع حاشية ابن قاسم ،238-237/2 ،والشرح الممتع البن عثيمين،
،218/3ومجموع فتاوى اإلمام ابن باز.134/12 ،
( )6البخاري،كتاب األذان،باب إمامة العبد والمولى،في ترجمة الباب،قبل الحديث رقم .312
655 اإلمامة في الصالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :الشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين.422/3 ،
( )2انظر :المرجع السابق ،481/3 ،والكافي البن قدامة ،343/1 ،والروض المربع،430/2 ،
ومجموع فتاوى ابن باز ،141/12 ،واالختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،ص.101
( )3أخرجه عبد الرزاق في المصنف ،برقم ،2082وابن أبي شيبة ،88/2 ،والشافعي في المسند،
،82/3والدارقطني،303/1 ،والبيهقي،141/4 ،وابن حزم في المحلى واحتج به.172/4 ،
( )4أخرجه عبد الرزاق ،برقم ،2083وابن أبي شيبة ،81/2 ،والحاكم ،204/1 ،والدارقطني،303/1،
والبيهقي،141/4،وابن حزم في المحلى واحتج به.171/4 ،
( )5انظر:اإلنصاف للمرداوي ،مع الشرح الكبير ،332/3 ،والشرح الممتع ،470/3 ،و،122/4
المغني البن قدامة ،47/4 ،و ،420-411/2وحاشية الروض البن قاسم.441/2 ،
( )6مجموع فتاوى ابن باز.140/12 ،
( )7انظر:المغني البن قدامة ،418/2،والشرح الممتع،البن عثيمين، 470/3،و.183/2
655 اإلمامة في الصالة
له))( .)1وهذا على سبيل الوجوب إال إذا كانوا عمياً ،أو في ظلمة فإنه يصلي بهم
أمامهم(.)2
-1وقوف الرجال ،والصبيان ،والنساء مع اإلمام على النحو اآلتي:
أ -يصف الرجال خلف اإلمام إن َسب ُقوا.
ب -ثم يصف الصبيان خلف الرجال ما لم يسبقوا أو يمنع مانع.
ج -ثم يصف النساء خلف الصبيان.
ويدل على هذا الترتيب حديث أبي مسعود قال:كان رسول اهلل
يمسح مناكبنا في الصالة ويقول((:استووا وال تختلفوا فتختلف قلوبكم،
ليلني منكم أُولو األحالم والنهى(،)3ثم الذين يلونهم،ثم الذين ِ
يلونهم))(.)4وفي حديث عبد اهلل بن مسعود ((:ليلني منكم أولو األحالم
والنهى،ثم الذين يلونهم-ثالثاً-وإياكم وهيشات( )5األسواق))(.)6قال اإلمام
النووي-رحمه اهلل تعالى(( :-فاألفضل إلى األمام؛ ألنه أولى باإلكرام؛ وألنه
ربما يحتاج اإلمام إلى استخالف فيكون هو أولى؛ وألنه يتفطن لتنبيه
اإلمام على السهو ِل َما ال يتفطن له غيره؛ وليضبطوا صفة الصالة
ويحفظوها ،وينقلوها ويُع ّلموها للناس؛وليقتدي بأفعالهم من وراءهم ،وال
يختص هذا التقديم بالصالة ،بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني البن قدامة.420-418/2 ،
( )2الشرح الممتع البن عثيمين.470/3 ،183/2 ،
( )3األحالم والنهى :العقول واأللباب ،وهما بمعنى واحد :وهي العقول :واحدها :نهية؛ ألنه ينهى
صاحبه عن الرذائل ،انظر :المفهم للقرطبي ،32/2 ،وجامع األصول البن األثير.211/2 ،
( )4مسلم،كتاب الصالة،باب تسوية الصفوف،وإقامتها،وفضل األول فاألول منها ،واالزدحام على
الصف األول،والمسابقة إليها،وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من اإلمام،برقم .))342(( -122
( )5هيشات األسواق :اختالطها ،والمنازعة ،والخصومات وارتفاع األصوات ،واللغط والفتن التي
ْ
فيها .شرح النووي على صحيح مسلم.300/3 ،
( )6مسلم ،كتاب الصالة،باب تسوية الصفوف وإقامتها،وفضل األول فاألول منها ،واالزدحام على
الصف األول ،والمسابقة إليها ،وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من اإلمام ،برقم .))342(( -124
اإلمامة في الصالة
655
إلى اإلمام وكبير المجلس :كمجالس العلم ،والقضاء ،والذكر ،والمشاورة،
ومواقف القتال ،وإمامة الصالة،والتدريس ،واإلفتاء ،وإسماع الحديث،
ونحوها ،ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين ،والعقل،
والشرف ،والسن ،والكفاءة في ذلك الباب ،واألحاديث الصحيحة متعاضدة
على ذلك))(.)1
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول اهلل رأى في أصحابه تأخراً
فائتموا بي وليأتم بكم َم ْن بعدكم( ،)2ال يزال قوم تقدموا
فقالّ (( :
ّ (ّ )4( )3
يتأخرون حتى يؤخرهم اهلل)) .وفي لفظ أبي داود عن عائشة رضي اهلل عنها:
((ال يزال قوم يتأخرون عن الصف األول حتى يؤخرهم اهلل في النار))(.)5
والمقصود فيما تقدم أن يتقدم الرجال ،ثم بعد ذلك الصبيان؛ ألن الصبيان
فضل اهلل الذكور على اإلناث فهم أقدم من النساء ،ثم بعد ذلك ذكور وقد ّ
النساء؛ ألن النبي قال(( :خير صفوف الرجال ّأولها وشرها آخرها،
ّ
وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها))( .)6ويلزم من ذلك تأخر صفوف
(ّ )7
النساء عن صفوف الرجال .
أما ترتيب صفوف الصبيان فال شك أن األولى أن يكونوا خلف
الرجال إال إذا حصل بذلك تشويش على المصلين فإنا نجعل بين كل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1شرح النووي على صحيح مسلم.300-411/3 ،
( )2معنى وليأتم بكم من بعدكم :أي يقتدوا بي مستدلين على أفعالي بأفعالكم ،ففيه جواز اعتماد
المأموم في متابعة اإلمام الذي ال يراه وال يسمعه على مبلغ عنه ،وصف قدامه يراه متابعاً لإلمام.
شرح النووي على صحيح مسلم.304/3 ،
( )3ال يزال قوم يتأخرون :أي عن الصفوف األول حتى يؤخرهم اهلل تعالى عن رحمته أو عظيم فضله
ورفع المنزلة ،وعن العلم ونحو ذلك ،شرح النووي.304/3 ،
( )4مسلم ،كتاب الصالة ،باب تسوية الصفوف وإقامتها ،برقم .348
( )5أبو داود ،كتاب الصالة ،باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف األول ،برقم ،371
وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود.200/1 ،
( )6مسلم ،كتاب الصالة ،باب تسوية الصفوف ،برقم .330
( )7انظر :الشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين.410/3 ،
655 اإلمامة في الصالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مجموع فتاوى ابن باز ،جمع الطيار.313/3 ،
( )2اختلف العلماء من السلف فمن بعدهم متى يقوم الناس للصالة على أقوال :فقيل :يقوم المصلي
عند ((حي على الفالح)) يذكر عن أبي حنيفة ،وقيل :عند ((حي على الصالة)) يذكر عن أبي حنيفة أيضاً،
وقيل :يستحب أال يقوم حتى يفرغ المؤذن من اإلقامة ،ويذكر عن الشافعي ،وقيل :يقوم إذا أخذ المؤذن في
اإلقامة ،يذكر عن مالك ،وقيل :القيام موكول إلى قدرة الناس ،فإن منهم الثقيل والخفيف ،وليس في ذلك
حد محدود ،ويذكر ذلك عن مالك في الموطأ أيضاً.وقيل:يقوم إذا قال المؤذن قد قامت الصالة ،يذكر ذلك
عن أنس ،وبه قال أحمد ،وقيل :إذا كان اإلمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ اإلقامة ،وإذا لم
يكن اإلمام في المسجد فال يقوموا حتى يروه .انظر :شرح اإلمام النووي على صحيح مسلم،103/2 ،
والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي ،221/2 ،وفتح الباري البن حجر ،120/2 ،والمغني
البن قدامة ،124/2 ،واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف ،للمرداوي ،المطبوع مع المقنع والشرح
الكبير،301/4 ،ونيل األوطار للشوكاني،348/2،وحاشية ابن قاسم على الروض المربع،7-3/2،والشرح
الممتع البن عثيمين،10-1/4،وصالة الجماعة للسدالن،ص،17وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز
-رحمه اهلل -يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري،الحديث رقم ،347وعلى الروض المربع حاشية ابن
قاسم((:3/2 ،والصواب أنه ال حرج في القيام في أول اإلقامة أو في أثنائها أو في آخرها،فاألمر واسع)).
( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب األذان ،باب متى يقوم الناس إذا رأوا اإلمام عند اإلقامة ،برقم ،347
ومسلم ،كتاب المساجد ومواضع الصالة ،باب متى يقوم الناس للصالة ،برقم ،303وما بين
المعقوفين له.
650 اإلمامة في الصالة
دحضت الشمس( )1فال يقيم حتى يخرج النبي فإذا خرج أقام الصالة
()2
حين يراه)) .ويجمع بين هذا الحديث وحديث أبي قتادة السابق أن بالالً
كان يراقب خروج النبي ،فيراه أول خروجه قبل أن يراه غيره أو إال
القليل ،فعند أول خروجه يقيم بالل وال يقوم الناس حتى يروا النبي
عدلوا صفوفهم(.)3قال اإلمام القرطبي - ،ثم ال يقوم الرسول حتى يُ ّ
يصح الجمع
ّ رحمه اهلل تعالى -بعد أن ذكر هذا الجمع(( :وبهذا الترتيب
بين األحاديث المتعارضة في هذا المعنى))(.)4
وأما حديث أبي هريرة (( :أن الصالة كانت تقام لرسول اهلل
فيأخذ الناس مصا ّفهم قبل أن يقوم النبي مقامه))( )5فقال اإلمام
النووي -رحمه اهلل -عنه(( :وقوله في رواية أبي هريرة :فأخذ الناس
مصافهم قبل خروجه :لعله كان مرة أو مرتين ونحوهما لبيان الجواز ،أو
لعذر ،ولعل قوله (( :فال تقوموا حتى تروني)) كان بعد ذلك ،قال
العلماء(( :والنهي عن القيام قبل أن يروه؛ لئال يطول عليهم القيام؛ وألنه
قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه))(.)6
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه اهلل تعالى -عن حديث أبي هريرة :
(( ...يجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز ،وبأن
صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إذا دحضت الشمس :أي إذا زالت عن كبد السماء ،وأصل الدحض :الزلق .المفهم ِل َما أشكل من
تلخيص كتاب مسلم ،للقرطبي.222/2 ،
( )2مسلم،كتاب المساجد ومواضع الصالة،باب متى يقوم الناس للصالة،برقم .303
( )3انظر:المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم،222/2،وشرح النووي على صحيح مسلم.103/2،
( )4المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم.222/2 ،
( )5متفق عليه واللفظ لمسلم ،البخاري ،كتاب األذان ،باب متى يقوم الناس إذا رأوا اإلمام عند
اإلقامة ،برقم ،341ومسلم ،كتاب المساجد ،باب متى يقوم الناس للصالة ،برقم .302
( )6شرح النووي على صحيح مسلم،103/2 ،وانظر :بدائع الفوائد ،البن القيم.31/4 ،
اإلمامة في الصالة
656
قتادة ،وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصالة ولو لم يخرج النبي ،فنهاهم
عن ذلك؛ الحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم
انتظاره ،وال يرد هذا حديث أنس اآلتي( :)1أنه قام في مقامه طويالً في حاجة
بعض القوم؛ الحتمال أن يكون ذلك وقع نادراً ،أو فعله؛ لبيان الجواز))(.)2
ثامناً :الصفوف في الصالة والعناية بها:
-5ترتيب الصفوف؛لحديث أبي مسعود عن النبي ،وفيه:
(( ِلي ِلني منكم أولو األحالم والنُّهى ،ثم الذين يلونهم،ثم الذين
َ
يلونهم))( ،)3وعن عبد اهلل بن مسعود أن رسول اهلل قال(( :ليلني
منكم أولو األحالم والنهى ،ثم الذين يلونهم -ثالثاً -وإياكم وهيشات
األسواق))(.)4
ففي هذا الحديث ترتيب الصفوف على حسب األفضلية خلف
اإلمام :الرجال،ثم الصبيان،ثم النساء،ما لم يسبق الصبيان إلى الصفوف
األ ُ َول ،أو يمنع مانع ،فإن سبقوا فهم أولى بها ،أما إذا كان المأموم
واحداً ،فإنه يقف على يمين اإلمام ،لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما(.)5
وإذا كان المأمومون اثنين وقفا خلفه؛ لحديث جابر بن عبد اهلل
رضي اهلل
عنهما في قصته وجبار بن صخر ،وأن النبي جعلهما خلفه( ،)6وإذا
كانت امرأة واحدة وقفت خلف الرجال؛لحديث أنس وفيه(( :فأقامني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1حديث أنس :قال(( :أقيمت الصالة والنبي يناجي رجالً في جانب المسجد ،فما قام إلى الصالة
حتى نام القوم)) البخاري ،برقم .332
( )2فتح الباري بشرح صحيح البخاري.120/2 ،
( )3مسلم ،برقم ،342وتقدم في موقف الرجال والصبيان والنساء مع اإلمام.
( )4مسلم،برقم ،)342( - 124وتقدم في موقف الرجال والصبيان والنساء مع اإلمام.
( )5متفق عليه :البخاري ،برقم ،3413ومسلم ،برقم ،734وتقدم تخريجه في صالة التطوع جماعة.
( )6مسلم ،برقم ،733ورقم ،4010وتقدم تخريجه في موقف االثنين خلف اإلمام.
655 اإلمامة في الصالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،ص.73
( )2الشرح الممتع على زاد المستقنع.11/3 ،
( )3البخاري بلفظه،كتاب األذان،باب إقبال اإلمام على الناس عند تسوية الصفوف،برقم .711
( )4البخاري بلفظه ،كتاب األذان ،باب إقامة الصف من تمام الصالة ،برقم .724
( )5مسلم ،بلفظه ،كتاب الصالة ،باب تسوية الصفوف ،برقم .344
( )6مسلم ،بلفظه ،كتاب الصالة ،باب تسوية الصفوف ،برقم ،342وأصله عند البخاري بلفظ:
((وأقيموا الصف في الصالة؛ فإن إقامة الصف من حسن الصالة)) ،كتاب األذان ،باب إقامة الصف
من تمام الصالة ،برقم .722
( )7مسلم بلفظه،كتاب الصالة باب تسوية الصفوف،برقم ،)342(- 122و.)342(-124
655 اإلمامة في الصالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
برقم ،372وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود.118/1 ،
( )1أبو داود ،كتاب الصالة ،باب تسوية الصفوف ،برقم ،337وصححه األلباني في صحيح سنن أبي
داود.118/1 ،
رص الصفوف والمقاربة بينها ،برقم ،813 ( )2النسائي ،كتاب اإلمامة ،باب حث اإلمام على ّ
وصححه األلباني في صحيح النسائي.231/1 ،
( )3أبو داود بلفظه ،كتاب الصالة ،باب تسوية الصفوف ،برقم ،371وصححه األلباني في صحيح
سنن أبي داود.118/1 ،
( )4سنن النسائي بلفظه ،كتاب اإلمامة ،باب كم مرة يقول :استووا ،برقم ،812وصححه األلباني في
صحيح النسائي.231/1 ،
( )5سنن أبي داود ،كتاب الصالة ،باب تسوية الصفوف ،برقم ،333عن البراء بن عازب ،وصححه
األلباني في صحيح سنن أبي داود.117/1 ،
( )6أحمد في المسند،382/2،وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب.443/1،
( )7مسلم ،برقم ،340وتقدم تخريجه في فضل صالة الجماعة.
605 اإلمامة في الصالة
فقال رسول اهلل (( :استقبل صالتك فال صالة لرجل فرد خلف
الصف))( ،)1وهذان الحديثان يدالن على بطالن صالة الرجل الذي صلى
منفرداً وحده خلف الصف( ،)2لكن من ركع دون الصف ثم دخل في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أحمد في المسند، 24/3،وابن ماجه،كتاب إقامة الصالة ،باب صالة الرجل خلف الصف وحده،
برقم ،1004وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود،211/1،وفي إرواء الغليل.428/2 ،
( )2اختلف السلف في صالة الرجل المأموم خلف الصف وحده ،على أقوال:
القول األول :ال يجوز وال يصح ،وممن قال بذلك النخعي ،والحسن بن صالح ،وأحمد،
وإسحاق،وحماد،وابن أبي ليلى،ووكيع؛لهذين الحديثين الثابتين الصريحين..
القول الثاني :يجوز للرجل الفرد أن يصلي خلف الصف ،وممن قال بذلك ،الحسن البصري،
واألوزاعي ،ومالك ،والشافعي ،وأصحاب الرأي ،واستدلوا بحديث أبي بكرة ،قالوا :ألنه أتى
ببعض الصالة خلف الصف ولم يأمره النبي باإلعادة ،ومما تمسكوا به أيضاً :حديث ابن
عباس عند البخاري ،برقم ،3413ومسلم ،برقم ،734وحديث جابر عند مسلم،برقم ،733إذ
مؤتماً به وحده ،فأدار كل واحد منهما حتى جعله
ّ جاء كل واحد منهما فوقف عن يسار النبي
عن يمينه ،فعلى هذا فقد صار كل واحد منهما خلف رسول اهلل في تلك اإلدارة .وهذا متمسك
غير مفيد؛ ألن المدار من اليسار إلى اليمين ال يسمى مصلياً خلف الصف ،وإنما هو مصل عن
ّ
اليمين ،وهذا القول الثاني هو قول أكثر أهل العلم إن الصالة منفرداً خلف الصف صحيحة سواء
كان لعذر أو غير عذر ،ولو كان في الصف سعة ،وهو رواية عن أحمد أيضاً.
القول الثالث :قال بعض العلماء :المسألة فيها تفصيل ،فإن صلى خلف الصف منفرداً لعذر
صحت الصالة ،وإن لم يكن له عذر لم تصح الصالة .واختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية ،وتلميذه
ابن القيم ،وعبد الرحمن بن ناصر السعدي ،ومحمد بن صالح العثيمين .انظر :المغني البن قدامة،
،31/4ونيل األوطار للشوكاني ،321/2 ،وسبل السالم للصنعاني ،111-110/4 ،والشرح
الممتع البن عثيمين ،482-437/3 ،وفتاوى ابن باز ،221-211/12 ،والمختارات الفقهية لشيخ
اإلسالم ابن تيمية ،ص ،108وفتاوى ابن تيمية ،300-414/24 ،وإعالم الموقعين البن القيم،
،31/2والفتاوى السعدية ،171/1والمختارات الجلية للسعدي ،ص.32
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -يرجح القول األول وذلك
أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم 334و ،333فيقول(( :هذان الحديثان يدالن على أنه
ال صالة لمنفرد خلف الصف،وكما يدل عليه حديث أبي بكرة المتقدم:زادك اهلل حرصاً وال تعد،
والمراد:ال تركع خلف الصف،فدل ذلك على أن من ركع دون الصف ثم دخل في الصف أو جاء معه
آخر قبل االستمرار في السجود فال حرج،أما إذا استمر وسجد،فإنه يؤمر باإلعادة جمعاً بين
النصوص.وذهب األكثرون إلى صحة الصالة،وأنه من باب األدب ومن الكمال،وليس من باب
اإليجاب،والحق قول من قال:بالوجوب؛ألن هذا هو األصل في النفي ((ال صالة لمنفرد خلف الصف))
هذا هو األصل،ثم فعل النبي وأمره أن يعيد يوضح هذا المعنى،وأن المراد نفي اإلجزاء ،واحتج
بعضهم بأن اإلمام يصلي وحده،وهذه حجة باطلة؛ألن اإلمام مأمور بهذا فال يقاس ما أمر به على ما
=
اإلمامة في الصالة
605
الصف أو دخل معه رجل آخر قبل السجود أجزأته الركعة وصالته
صحيحة؛ لحديث أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي وهو راكع فركع
قبل أن يصل إلى الصف ،ف ُذكر ذلك للنبي فقال(( :زادك اهلل حرصاً
وال تعد))( ،)1ولم يأمره النبي بقضاء الركعة ،فدل ذلك على إجزائها،
وأن مثل هذا العمل مستثنى من قوله (( :ال صالة لمنفرد خلف
الصف)) واهلل ولي التوفيق(.)2
-8صالة الصفوف بين السواري مكروهة لغير حاجة؛ لحديث أنس
فعن عبد الحميد بن محمود قال :كنا مع أنس فصلينا مع أمير من
األمراء ،فدفعونا حتى قمنا وصلينا بين ساريتين ،فجعل أنس يتأخر،
وقال(( :قد كنا نتقي هذا على عهد رسول اهلل .))وفي لفظ(( :صليت
مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدفعونا إلى السواري ))...الحديث .وفي
لفظ(( :صلينا خلف أمير من األمراء ،فاضطرنا الناس فصلينا بين
َّ
الساريتين ))...الحديث( .)3وعن قرة قال(( :كنا نُنهى أن نصف بين
طرد عنها طرد ًا))( ،)4ويجوز لإلمام
السواري على عهد رسول اهلل ،ونُ ُ
والمنفرد الصالة بين السواري؛ لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما ((أن النبي
َل ّما دخل الكعبة صلى بين الساريتين))(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
نهي عنه)).
( )1البخاري ،كتاب األذان ،باب :إذا ركع دون الصف ،برقم .784
( )2مجموع فتاوى اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز.228/12 ،
( )3النسائي ،كتاب اإلمامة ،باب الصف بين السواري ،برقم ،820وأبو داود ،كتاب الصالة ،باب
الصفوف بين السواري ،برقم ، 374والترمذي ،كتاب الصالة ،باب ما جاء في كراهية الصف بين
السواري ،برقم ،221وأحمد ،841/4 ،والحاكم وصححه ،218/1 ،وصححه األلباني في
صحيح سنن النسائي.271/1 ،
( )4سنن ابن ماجه،كتاب إقامة الصالة،باب الصالة بين السواري في الصف،برقم ،1002والحاكم
وصححه ،218/1 ،وقال األلباني في صحيح سنن ابن ماجه(( :218/1 ،حسن صحيح)).
( )5متفق عليه:البخاري،برقم ،203ومسلم،برقم ،1421وتقدم تخريجه في المساجد ((الصالة بين السواري)).
600 اإلمامة في الصالة
رحمه اهلل وحديث أنس وحديث بريدة األسلمي بلفظ اإلمام أحمد -
رحمه اهلل تعالى -على أن الرجل قطع القدوة فقط ولم يخرج من
الصالة؛ بل استمر فيها منفرداً حتى أتمها( .)2ودلّت رواية اإلمام مسلم
على أن الرجل قطع الصالة وابتدأها من جديد ،ولهذا قال اإلمام
استدل المصنف
ّ الشوكاني -رحمه اهلل -في شرحه لمنتقى األخبار(( :
بحديث أنس وبريدة رضي اهلل عنهما المذكورين على جواز صالة من قطع
وج ِم َع بينه وبين ما فياالئتمام بعد الدخول فيه لعذر وأتم لنفسهُ ،
الصحيحين من أنه سلم ،ثم استأنف بتعدد الواقعة))( .)3قال ابن تيمية -
رحمه اهلل -في منتقى األخبارَ ...(( :ف ُع ِلم بذلك أنهما قضيتان إما لرجل
أو رجلين))(.)4
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -
يقول عن حديث أنس وبريدة رضي اهلل عنهما(( :فيه الداللة على جواز االنفراد
عن اإلمام لعذر ،سواء أتم لنفسه أو قطعها وابتدأها من جديد ،كما في
َّ
القصتين ،وهذا عذر شرعي؛ إلطالة اإلمام ،ويظهر من هذا أنه ينبغي لإلمام
أال يطول ،ويراعي الناس حتى ال يشق عليهم))(.)5
-11انتقال المنفرد إماماً ال بأس به؛ لحديث أنس قال(( :كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوى إسناده ابن حجر في فتح الباري.114 /2 ،
( )1أحمد في المسندّ ،422 /2 ،
( )2اختلف العلماء -رحمهم اهلل -هل الرجل استأنف صالته أم أتمها خفيفة ،وانظر :التحقيق في
ذلك :فتح الباري البن حجر ،117 ،112-113/2 ،وشرح النووي على صحيح مسلم،
،328-323/3ونيل األوطار للشوكاني.474-471/2 ،
( )3نيل األوطار.474-471/2 ،
( )4المنتقى من أخبار المصطفى ، ألبي البركات عبد السالم ابن تيمية الحراني ،301/1 ،على
الحديث رقم .1483
( )5سمعته أثناء تقريره على منتقى األخبار ألبي البركات ابن تيمية ،األحاديث رقم .1483-1484
اإلمامة في الصالة
605
رسول اهلل يصلي في رمضان ،فجئت فقمت إلى جنبه ،وجاء رجل
كنا رهطاً ،فلما حس النبي أنا خلفه جعل آخر فقام أيضاً ،حتى َّ
يتجوز في الصالة ،ثم دخل رحله( )1فصلى صالة ال يصليها عندنا ،قال
-قلنا له حين أصبحنا :أفطنت لنا الليلة؟ فقال(( :نعم ذلك الذي حملني
على الذي صنعت))()2؛ ولحديث زيد بن ثابت أن رسول اهلل اتخذ
ُحجرة في المسجد من حصير في رمضان ،فصلى فيها ليالي ،فصلى
بصالته ناس من أصحابه ،فلما علم بهم ،جعل يقعد فخرج إليهم فقال:
((قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم ،فصلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن
أفضل الصالة صالة المرء في بيته إال المكتوبة)) .وفي رواية(( :ثم جاؤوا
ليلة فحضروا وأبطأ رسول اهلل عنهم ،فلم يخرج عليهم ،فرفعوا
أصواتهم وحصبوا الباب ،فخرج إليهم مغضباً ،فقال لهم رسول اهلل :
((ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم [ولو كتب عليكم
ما قمتم به] ،فعليكم بالصالة في بيوتكم؛ فإن خير صالة المرء في بيته
إال الصالة المكتوبة))()3؛ ولحديث عائشة رضي اهلل عنها قالت :كان رسول اهلل
يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير ،فرأى الناس
شخص النبي ،فقام أناس يصلون بصالته ،فأصبحوا فتحدثوا بذلك،
فقام ليلة الثانية فقام معه ناس يصلون بصالته ،صنعوا ذلك ليلتين أو
ثالثاً ،حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول اهلل فلم يخرج ،فلما أصبح
ذكر ذلك الناس فقال(( :إني خشيت أن تكتب عليكم صالة الليل))(.)4
قال أبو البركات -ابن تيمية -رحمه اهلل (( :-باب انتقال المنفرد إماماً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1رحله :منزله ،ويتجوز في صالته :أي يخفف ويقتصر على الجائز المجزي مع بعض المندوبات.
شرح النووي على صحيح مسلم.221/7 ،
( )2مسلم ،كتاب الصيام ،باب النهي عن الوصال ،برقم .1103
( )3البخاري ،كتاب األذان ،باب صالة الليل ،برقم ،741وكتاب األدب ،باب ما يجوز من الغضب
والشدة ألمر اهلل تعالى ،برقم ، 3114وكتاب االعتصام بالكتاب والسنة ،باب ما يكره من كثرة
السؤال ومن تكلف ما ال يعنيه ،برقم .7210
األذان،باب إذا كان بين اإلمام وبين القوم حائط أو سترة،برقم .721
ٌ ( )4البخاري،كتاب
605 اإلمامة في الصالة
يتأخر فأومأ إليه أن مكانك ،ثم جيء به يُهادى بين رجلين حتى جلس
إلى جنبه عن يسار أبي بكر ،وكان أبو بكر يصلي قائم ًا ،وكان رسول اهلل
قاعداً ،يقتدي أبو بكر بصالة رسول اهلل ،والناس بصالة أبي بكر)).
وفي لفظ للبخاري :أنها صالة الظهر ،وفي لفظ لمسلم(( :وكان النبي
يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير))(.)1
-14انتقال المأموم إماماً إذا استخلفه اإلمام ال بأس به؛ لحديث
عمرو بن ميمون قال(( :إني لقائم ما بيني وبين عمر -غداة أصيب -إال
عبد اهلل بن عباس ،فما هو إال أن كبر فسمعته يقول :قتلني أو أكلني
َّ
فقدمه ،فصلى
الكلب حين طعنه ،وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف َّ
بهم عبد الرحمن صالة خفيفة))(.)2
قال اإلمام الشوكاني -رحمه اهلل (( :-وفيه جواز االستخالف لإلمام
عند عروض عذر يقتضي ذلك؛ لتقرير الصحابة لعمر على ذلك ،وعدم
اإلنكار من أحد منهم فكان إجماعاً ،وكذلك فعل علي وتقريرهم له
على ذلك))( .)3واهلل أعلم(.)4
تاسعاً :االقتداء وشروطه ولوازمه على النحو اآلتي:
-1صفة االقتداء باإلمام وعدم سبقه ومقارنته؛ لحديث أبي هريرة
قال :قال رسول اهلل (( :إنما جعل اإلمام ليؤتم به[ ،فال تختلفوا عليه]
َّ
فإذا كبر فكبروا ،وال تكبروا حتى يكبر ،وإذا ركع فاركعوا ،وال تركعوا
ّ ّ
حتى يركع ،وإذا قال سمع اهلل لمن حمده فقولوا :اللهم ربنا لك الحمد،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،باب الرجل يأتم باإلمام ويأتم الناس بالمأموم ،برقم ،714ومسلم ،كتاب
الصالة ،باب استخالف اإلمام إذا عرض له عذر ،برقم .318
( )2البخاري مختصراً ،كتاب فضائل أصحاب النبي ،باب قصة البيعة واالتفاق على عثمان بن
عفان ،برقم .4700
( )3نيل األوطار من أسرار منتقى األخبار.313/2 ،
ٍ
( )4وتأتي أحكام االستخالف ،وأحكام االقتداء بمن أخطأ بترك شرط أو ركن ،واالقتداء بمن ذكر أنه
محدث ،بعد صفحات.
اإلمامة في الصالة
665
وإذا سجد فاسجدوا ،وال تسجدوا حتى يسجد ،وإذا صلى قائماً فصلوا
قياماً ،وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون))( .)1هذا الحديث دل على
قتدى باإلمام ،ومن شأن التابع والمأموم أن ال يتقدم
أن شرعية اإلمامة؛ ُلي َ
متبوعه ،وال يساويه ،وال يتقدم عليه في موقفه ،بل يراقب أحواله ويأتي
على إثرها بنحو فعله ،ومقتضى ذلك أن ال يخالفه في شيء من األحوال،
فصل الحديث ذلك ،ويقاس ما لم يذكر من أحواله - :كالتسليم - وقد َّ
()2
على ما ذكر ،فمن خالفه في شيء مما ذكر فقد أثم .
توعد النبي من سابق إمامه بقوله َ (( :أما -2مسابقة اإلمام .قد ّ
رأس ُه رأس حمار)) ،وفي لفظ حول ُ يخشى الذي يرفع رأسه قبل اإلمام أن يُ َّ
البخاري(( :أن يجعل اهلل رأسه رأس حمار ،أو يجعل اهلل صورته صورة
حمار))( ،)3وعن أنس بن مالك قال :صلى بنا رسول اهلل ذات يوم ،فلما
قضى الصالة أقبل علينا بوجهه فقال(( :أيها الناس إني إمامكم فال تسبقوني
بالركوع ،وال بالسجود ،وال بالقيام ،وال باالنصراف()4؛ فإني أراكم أمامي
ومن خلفي ،والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليالً ولبكيتم
كثير ًا)) قالوا :ما رأيت يا رسول اهلل؟ قال(( :الجنة والنار))(.)5
وعن أبي هريرة موقوفاً عليه(( :الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل اإلمام إنما
ناصيته بيد شيطان))( .)6قال اإلمام مالك -رحمه اهلل -فيمن سها فرفع رأسه قبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أبو داود ،كتاب الصالة ،باب اإلمام يصلي من قعود ،برقم ،304وأصله في صحيح البخاري،
كتاب األذان ،باب إقامة الصف من تمام الصالة ،برقم ،722ومسلم ،كتاب الصالة ،باب ائتمام
المأموم باإلمام ،برقم ،313وما بين المعقوفين من لفظ البخاري ومسلم.
( )2سبل السالم للصنعاني ،78/4 ،وانظر :فتح الباري البن حجر ،217 ،201/2 ،وشرح النووي
على صحيح مسلم.477/3 ،
( )3متفق عليه من حديث أبي هريرة :البخاري،كتاب األذان باب إثم من رفع رأسه قبل اإلمام ،برقم
،311ومسلم ،كتاب الصالة،باب تحريم سبق اإلمام بركوع وسجود أو نحوهما،برقم .327
( )4االنصراف :المراد به السالم.
( )5مسلم،كتاب الصالة،باب تحريم سبق اإلمام :بركوع ،أو سجود ،أو نحوهما ،برقم .323
( )6أخرجه مالك في الموطأ ،كتاب الصالة ،باب ما يفعل من رفع رأسه قبل اإلمام،
=
665 اإلمامة في الصالة
اإلمام في الركوع أو السجود(( :إن السنة في ذلك أن يرجع راكعاً أو ساجداً ،وال
ينتظر اإلمام ،وذلك خطأ ممن فعله؛ ألن الرسول قال(( :إنّما ُج ِع َل اإلمام
ليؤتم به فال تختلفوا عليه)) .وقال أبو هريرة :الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل
اإلمام((:إنما ناصيته بيد شيطان))(.)1وعن البراء بن عازب قال(( :كنا نصلي
منا ظهره حتى أحد َّ
يحن ٌ خلف النبي ،فإذا قال(( :سمع اهلل لمن حمده)) لم ِ
()2
يضع النبي جبهته على األرض [ثم يخر من وراءه ساجد ًا])) .
ّ
وعن معاوية بن أبي سفيان قال :قال رسول اهلل (( :ال تبادروني
بركوع وال بسجود ،إنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت
بدنت(.)4()))3
إني قد َّ
وعن عمرو بن حريث قال(( :صليت خلف النبي الفجر،
ـج َوارِ ا ْل ُكنَّ ِس ،)5(وكان ال يحني فسمعته يقرأَ :فال أ ُ ْق ِسم بِا ْل ُ ِ
ـخنَّس (*6ا) ْل َ ُ
رجل منا ظهره حتى يستتم ساجداً)) .قال النووي -رحمه اهلل (( :-في
هذا الحديث وغيره ما يقتضي مجموعه أن السنة للمأموم التأخر عن
اإلمام قليالً بحيث يشرع في الركن بعد شروعه وقبل فراغه منه واهلل
أعلم))(.)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
،12/1برقم ،27وانظر :فتح الباري.184/2 ،
( )1موطأ مالك ،كتاب الصالة ،باب ما يفعل من رفع رأسه قبل اإلمام.12/1 ،
( )2متفق عليه:البخاري،كتاب األذان،اب متى يسجد َمن خلف اإلمام؟برقم ،310وباب رفع البصر إلى
اإلمام في الصالة،برقم ،737وباب السجود على سبعة أعظم،برقم ،811ومسلم ،كتاب الصالة،باب
متابعة اإلمام والعمل بعده ،برقم ،373واللفظ للبخاري،وما بين المعقوفين لمسلم.
كبر،وب ُدن:إذا سمن.جامع األصول البن األثير.321/2 ،
َ :بدن الرجل:إذا
(َّ )3بدنت َّ
( )4أبو داود ،كتاب الصالة ،باب ما يؤمر به المأموم من اتباع اإلمام ،برقم ،311وقال األلباني في
صحيح سنن أبي داود(( :183/1 ،حسن صحيح)).
( )5سورة التكوير ،اآليتان.13 -12 :
( )6مسلم ،كتاب الصالة ،باب متابعة اإلمام والعمل بعده ،برقم .372
( )7شرح النووي على صحيح مسلم.343/3 ،
اإلمامة في الصالة
665
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -
يقول عن حديث أبي هريرة أول هذه األحاديث(( :المقصود أنهم يتأخرون
عنه قليالً ال كثير ًا ،إذا انتهى صوته مكبر ًا كبروا ،وإذا استوى راكع ًا ركعوا،
وإذا استوى ساجداً سجدوا في غير مهلة ،وقد ذكر األفعال واألقوال ولم
يذكر النية ،فدل على أن النية مغتفرة))(.)1
-4أحوال المأموم مع إمامه :أربعة أحوال :مسابقة ،وموافقة أو
مقارنة ،وتأخر ،ومتابعة ،وتفصيل ذلك على النحو اآلتي:
الحال األول :المسابقة :وهي أن يسبق المأموم إمامه في شيء من األفعال
أو األقوال في الصالة ،مثل :أن يتقدمه في تكبير ،أو ركوع ،أو رفع ،أو
سجود ،أو سالم ،أو غير ذلك من األفعال أو األقوال داخل الصالة(.)2
متوعد عليها بالعقوبة ،باتفاق العلماء؛ لألدلة
َّ ومسابقة اإلمام حرام
السابقة آنف ًا ،قال شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل تعالى ...(( :-أما
مسابقة اإلمام فحرام باتفاق األئمة :ال يجوز ألحد أن يركع قبل إمامه،
وال يرفع قبله ،وال يسجد قبله))( .)3ثم قال(( :ومن فعل ذلك استحق
العقوبة والتعزير الذي يردعه وأمثاله ،كما ُروي عن عمر :أنه رأى رجالً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .321
( )2انظر:المغني،البن قدامة،212-208/2 ،والمقنع البن قدامة مع الشرح الكبير،427-217/3 ،
والشرح الكبير البن قدامة مع المقنع،427-417/3،واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف،
للمرداوي مع المقنع والشرح الكبير،423-417/3،ومنتهى اإلرادات مع حاشية النجدي،
،214-287/1وحاشية الروض المربع البن قاسم ،3/2 ،وإرشاد أولي البصائر واأللباب لنيل
الفقه بأقرب الطرق وأيسر األسباب ،للسعدي ،ص ،28-23والشرح الممتع البن عثيمين،
،270-227/3وصالة الجماعة ،للسدالن ،ص ،181-173والمختارات الجلية للسعدي،
ص ،22واإلقناع لطالب االنتفاع،ألبي النجا الحجاوي ،222-221/1،ونيل األوطار
للشوكاني،433-434/2،ومنار السبيل للضويان.132 ،133/1،
( )3مجموع فتاوى ابن تيمية.443/24 ،
660 اإلمامة في الصالة
يسابق اإلمام ،فضربه ،وقال :ال وحدك صليت وال بإمامك اقتديت))(.)1
قال العالمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه اهلل تعالى :-
((والصواب أن مسابقة اإلمام عمد ًا ،إذا كان المسابق عالم ًا بالحال
والحكم ،أنها مبطلة للصالة بمجرد ذلك ،سواء سبقه إلى ركن( ،)2أو
بركن( ،)3أو ركنين( ،)4وسواء كان ذلك ركوع ًا ،أو سجود ًا ،أو غيرهما،
وسواء أدركه اإلمام أو رجع إلى ترتيب الصالة()5؛ ألن النهي والوعيد
يتناول هذا ،وما نهي عنه لخصوص العبادة كان من مفسداتها ،وأما
القول :بأن ذلك محرم ،واإلبطال يتوقف على السبق بركن الركوع ،أو
َّ
بركنين غيره ،فهذا القول ال دليل عليه ،وكما أنه خالف النص؛ فإنه
خالف نص اإلمام أحمد كما صرح بذلك في رسالته المشهورة))(.)6
وقال العالمة عبد الرحمن السعدي -رحمه اهلل -أيضاً(( :وأما إذا
وقع السبق نسياناً أو جهالً فال يخلو :إما أن يرجع فيأتي بما سبق به مع
اإلمام أو ال ،فإن رجع صحت ركعته مطلقاً؛ سواء كان السبق إلى ركن،
أو بركن ،أو ركنين ،أو أكثر ،فإن لم يرجع حتى لحقه اإلمام فإن كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مجموع فتاوى ابن تيمية.447/24 ،
( )2سبقه إلى ركن ،مثل :أن يركع أو يسجد أو يرفع قبل إمامه.
( )3سبقه بركن ،مثل :أن يركع ويرفع قبل ركوع إمامه [وال يعد سابقاً بركن حتى يتخلص منه ،فال يعد
سابقاً بالركو ع حتى يرفع ،وال بالرفع حتى يهوي إلى السجود] حاشية منتهى اإلرادات للنجدي،
.281/1
( )4سبقه بركنين ،مثل :أن يسجد المأموم قبل سجود إمامه ثم يرفع ،ثم يسجد الثانية قبل أن يصله
اإلمام.
( )5أو رجع إلى ترتيب الصالة ،مثل :أن يرجع إلى ما سبق به إمامه فيأتي به بعده .انظر هذه األمثلة:
إرشاد أولي البصائر للسعدي ،ص ،27واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف ،للمرداوي،
المطبوع مع المقنع والشرح الكبير ،422/3 ،وحاشية ابن قاسم على الروض المربع.287/2 ،
( )6المختارات الجلية للسعدي ،ص ،22وانظر :المغني البن قدامة ،210/2 ،أما رسالة اإلمام أحمد:
فهي الرسالة السنية ،انظر :مجموعة الحديث النجدية ،ص .333
اإلمامة في الصالة
666
سبقه إلى ركن الركوع :بأن ركع ساهياً أو جاهالً قبل إمامه ،ثم ركع
اإلمام والسابق في ركوعه صحت ركعته واعتد بها ،ومثله السبق بركن
واحد غير الركوع ،وإن كان السبق بركن الركوع ،أو بركنين غير الركوع
فإن رجع قبل وصول اإلمام له صحت أيضاً ركعته ،وإن لحقه اإلمام
لغت الركعة التي وقع فيها السبق))(.)1
وقال العالمة محمد بن صالح العثيمين -رحمه اهلل (( :-والصحيح أنه
متى سبق إمامه عالم ًا ذاكر ًا فصالته باطلة بكل أقسام السبق( ،)2وإن كان
جاهالً أو ناسياً فصالته صحيحة إال أن يزول عذره( )3قبل أن يدركه
اإلمام ،فإنه يلزمه الرجوع ليأتي بما سبق فيه بعد إمامه ،فإن لم يفعل
عالماً ذاكراً بطلت صالته وإال فال))(.)4
الحال الثاني :الموافقة أو المقارنة ،وهي أن يوافق المأموم اإلمام عند
االنتقال إلى ركن ،كأن يركع أو يسجد معه سواء بسواء ،وهي مكروهة
في غير تكبيرة اإلحرام؛ ألن تكبيرة اإلحرام يشترط أن يأتي بها بعد
إمامه فلو أتى بها معه لم يعتد بها.
والموافقة قسمان:الموافقة في األقوال والموافقة في األفعال:
القسم األول :الموافقة في األقوال ،ال تضر إال في تكبيرة اإلحرام
والسالم.
أما تكبيرة اإلحرام؛ فإن المأموم ال يكبر إال بعد أن يتم اإلمام تكبيرة
اإلحرام؛ فإن كبر قبل انتهاء إمامه نهائي ًا منها لم تنعقد صالته.
وأما الموافقة في السالم فيكره أن يسلم مع اإلمام ،فاألولى أن يسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إرشاد أولي البصائر واأللباب ،ص.28-27
( )2أقسام السبق :السبق إلى ركن ،والسبق بركن الركوع ،والسبق بركن غير الركوع ،والسبق بركنين
غير الركوع .انظر :الشرح الممتع البن عثيمين.232-231 /3 ،
( )3والعذر :كالجهل والنسيان.
( )4الشرح الممتع.234/3 ،
665 اإلمامة في الصالة
قال :قال رسول اهلل (( :إنما ُجعل اإلمام لي ْؤ َتم به ،فال تختلفوا عليه ،فإذا
ُ َّ
كبر فكبروا ،وال تكبروا حتى يكبر ،وإذا ركع فاركعوا وال تركعوا حتى يركع،
ّ ّ
وإذا قال :سمع اهلل لمن حمده فقولوا :اللهم ربنا لك الحمد ،وإذا سجد
فاسجدوا وال تسجدوا حتى يسجد ،وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً ،وإذا صلى
قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون))(.)1
-3ارتفاع مكان اإلمام اليسير على المأمومين ال يضر؛ لحديث سهل بن
سعد وفيه :أن النبي جلس على المنبر في أول يوم ُو ِض َع فكبر
وهو عليه ،ثم ركع ،ثم نزل القهقرى( )2فسجد في أصل المنبر ،ثم عاد
فلما فرغ أقبل على الناس فقال(( :أيها الناس ،إنما صنعت هذا؛ لتأتموا
بي؛ ولتع َّلموا صالتي)) .وفي لفظ(( :وقام عليه رسول اهلل حين عمل
وو ِضع فاستقبل القبلة ،كبر وقام الناس خلفه فقرأ وركع ،وركع الناسُ
َّ
خلفه ،ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى سجد باألرض ،ثم عاد إلى
المنبر ،ثم قرأ،ثم ركع،ثم رفع رأسه،ثم رجع القهقرى حتى سجد
باألرض،فهذا شأنه ،قال أبو عبد اهلل( :)3قال علي بن المديني :سألني
أحمد بن حنبل -رحمه اهلل -عن هذا الحديث ،قال :فإنما أردت أن
النبي كان أعلى من الناس بهذا الحديث)4())...؛ ولحديث أنس :
أن رسول اهلل سقط عن فرسه فجحش( )5ساقه أو كتفه ،وآلى من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
قاسم.282/2 ،
( )1أبو داود برقم ،304والبخاري،برقم ،722ومسلم،برقم ،313وتقدم تخريجه في االقتداء وشروطه.
( )2القهقرى :المشي إلى الخلف ،والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة ،انظر :نيل األوطار
للشوكاني.334/2 ،
( )3هو اإلمام البخاري رحمه اهلل.
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب الصالة ،باب الصالة في السطوح ،والمنبر ،والخشب ،برقم ،477
وكتاب الجمعة ،باب الخطبة على المنبر ،برقم ،117ومسلم ،كتاب المساجد ،باب جواز الخطوة
والخطوتين في الصالة ،وأنه ال كراهة في ذلك إذا كان لحاجة ،وجواز صالة اإلمام على موضع
أرفع من المأمومين للحاجة كتعليم الصالة أو غير ذلك ،برقم .233
( )5الجحش :الخدش ،أو أشد منه قليالً .فتح الباري البن حجر.387/1 ،
اإلمامة في الصالة
655
نسائه( )1شهراً ،فجلس في َم ْشربة( )2له درجتها من جذوع ،فأتاه أصحابه
ُ
يعودونه فصلى بهم جالساً وهم قيام ،فلما سلم قال(( :إنما جعل اإلمام
ليؤتم به ،فإذا كبر فكبروا ،وإذا ركع فاركعوا ،وإذا سجد فاسجدوا ،وإن
َّ َّ
صلى قائماً فصلوا قياماً))(.)3
وهذان الحديثان فيهما جواز االرتفاع اليسير لمكان اإلمام على
المأموم عند الحاجة لذلك.
()5
أما حديث أبي مسعود((:أن حذيفة َّ أم الناس بالمدائن( )4على دكان
فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه ،فلما فرغ من صالته قال :ألم تعلم أنهم
مددتني))( .)6وحديث كانوا ينهون عن ذلك؟ قال :بلى ،قد ذكرت حين ْ
حذيفة في قصته مع عمار بن ياسر وأخذه على يديه وإنزاله من الصالة
فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ عمار من على الدكان المرتفعَّ ،
صالته قال له حذيفة :ألم تسمع رسول اهلل يقول(( :إذا َّأم الرجل القوم،
فال يقم في مكان أرفع من مقامهم)) أو نحو ذلك( ،)7فهذان الحديثان وما
علواً أكثر مما فعل
علو اإلمام على المأموم ّ
في معناهما يدالن على كراهة ّ
النبي ،جمع ًا بين األخبار( ،)8واهلل أعلم(.)1وسمعت شيخنا اإلمام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1آلى من نسائه :أي حلف ال يدخل عليهن شهراً .فتح الباري البن حجر .381/1،
( )2مشربة :الغرفة المرتفعة :فتح الباري البن حجر.388/1 ،
( )3متفق عليه :البخاري ،برقم ،478ومسلم ،برقم ،311ويأتي تخريجه في اقتداء الجالس القادر
على القيام بالجالس المعذور.
( )4المدائن :مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد .نيل األوطار للشوكاني .331/2،
( )5الدكان :الدكة ،وهو الموضع المرتفع يجلس عليه ،جامع األصول البن األثير.344/2،
( )6أبو داود ،كتاب الصالة ،باب اإلمام يقوم مكاناً أرفع من مكان المأموم،برقم ،217وصححه
األلباني في صحيح سنن أبي داود.178/1 ،
( )7أبو داود ،الصالة ،باب اإلمام يقوم مكاناً أرفع من مكان المأموم ،برقم ،218قال عنه األلباني في
صحيح سنن أبي داود(( :171/1 ،حسن بما قبله إال ما خالفه)).
( )8انظر:المغني،البن قدامة،38/4،واإلنصاف مع شرح الكبير والمقنع،322/3 ،وحاشية ابن قاسم على
=
655 اإلمامة في الصالة
عبدالعزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -يقول(( :يكره العلو الكثير من
اإلمام على المأمومين ،أما العلو اليسير فال بأس به عند أحمد وجماعة،
ولعل الحكمة في ذلك واهلل أعلم؛ ألنه قد يؤثر في نفس اإلمام شيئ ًا ،فمن
التواضع أن يصلي مساوياً لهم ،وهذا إذا لم يكن حاجة ،أما إذا كان هناك
حاجة [مثل] :الزحمة ،زالت الكراهة ،ثم إذا كان معه بعض الصفوف
زالت الكراهة ،أما علو المأموم فال كراهة في ذلك ،كما يفعل الناس أيام
الجمع من الصالة فوق السطوح ،وإنما جاءت الكراهة لإلمام ،وإذا كان
العلو للتعليم والتوجيه زالت الكراهة))(.)2
أما إذا كان مع اإلمام في المكان المرتفع بعض الصفوف من المأمومين زال
المنع فال حرج وال كراهة؛ ألن اإلمام في هذه الحالة لم ينفرد بمكانه( ،)3فحينئذ
يُصلى معه وفوقه ،وتحته(.)4
علو المأموم على اإلمام فال بأس به ،مثل أن يصلي على السطوحأما ّ
أو في مكان أعلى من اإلمام بحيث ال يكون ف ّذاً وحده؛ ألن أبا هريرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
الروض المربع،421-420/2،والكافي البن قدامة،347/1 ،وفتح الباري البن حجر ،388-383/2،
ومنتهى اإلرادات مع حاشية النجدي ،417/1 ،والشرح الممتع ،البن عثيمين ،323-324/3،ونيل األوطار
للشوكاني،332-330/2 ،ومنار السبيل للضويان،174/1،وفتاوى اإلمام ابن باز.13/12 ،
علو اإلمام على المأموم ،فقيل :يمنع ارتفاع اإلمام على( )1اختلف العلماء -رحمهم اهلل -في مسألة ّ
المأموم مطلقاً ،وأما صالته على المنبر فقيل إنه إنما فعل ذلك لغرض التعليم ،وقيل :الصالة
على مكان مرتفع من خصائص النبي ،وقيل :إنه ال يكره مطلقاً؛ ألن الحديث ضعيف.
والصواب أن الذي يكره هو االرتفاع الكثير ،أما اليسير فال بأس به .انظر :المغني البن قدامة،
، 38-37/4واإلنصاف مع الشرح الكبير والمقنع ،324/3 ،والشرح الممتع البن عثيمين،
.323/3
( ) 2سمعته أثناء تقريره على منتقى األخبار ،ألبي البركات المجد ابن تيمية ،األحاديث-1313 :
،1318وذلك يوم اإلثنين الموافق 1310/11/11هـ.
( )3انظر:اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف،327/3 ،وفتاوى اإلمام ابن باز 13/12 ،و،12
والشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين .420/3 ،وحاشية ابن قاسم على الروض المربع.420/2 ،
( )4سمعته من شيخنا عبد العزيز ابن باز،أثناء تقريره على صحيح البخاري،الحديث رقم .477
اإلمامة في الصالة
655
صلى على سقف المسجد بصالة اإلمام()1؛ ولما جاء من اآلثار عن
ابن عمر رضي اهلل عنهما والحسن البصري( .)2أما إذا كان المؤتم فوق اإلمام
وكان ارتفاعه ارتفاع ًا مفرط ًا بحيث يكون فوق ثالثمائة ذراع على وجه
ال يمكن المؤتم العلم بأفعال اإلمام فهو ممنوع باإلجماع ،وإن كان دون
ذلك فاألصل الجواز حتى يقوم الدليل على المنع ،ويعتضد هذا األصل
بفعل أبي هريرة ولم ينكر عليه(.)3
وقيل يكره دخول اإلمام في الطاق الذي يقال له :المحراب؛ آلثار
وردت في ذلك عن علي بن أبي طالب وغيره من السلف
الصالح()4؛ وألنه إذا دخل في الطاق استتر عن بعض المأمومين فال
يرونه لو أخطأ في الركوع أو السجود ،فإن لم يمنع المحراب رؤية
اإلمام لم يكره ،وكذلك إذا احتاج إليه اإلمام لكثرة الزحام فال بأس أن
يتقدم فيدخل( )5فيه(.)6
-2االقتداء باإلمام داخل المسجد وخارجه ،والحوائل بينه وبين
المأمومين على النحو اآلتي:
أوالً :يصح اقتداء المأموم باإلمام في المسجد وإن لم يره وال من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري معلقاً مجزوماً به،كتاب الصالة،باب الصالة في السطوح والمنبر والخشب،قبل الحديث رقم .477
( )2البخاري ،قبل الحديث رقم .477
( )3انظر :نيل األوطار ،للشوكاني ،332/2،والروض المربع مع حاشية ابن قاسم ،421/2 ،والشرح
الكبير مع اإلنصاف ،323/3 ،ومنار السبيل البن ضويان ،173/1 ،والشرح الممتع البن عثيمين،
.311/3 ،323/3
( )4انظر:مصنف ابن أبي شيبة،30-21/2،والروض المربع مع حاشية ابن قاسم.421/2 ،
( )5اختلف في صالة اإلمام في الطاق الذي يقال له :المحراب ،فقيل :يكره لما تقدم ،وقيل :ال يكره،
وقيل :تستحب الصالة فيه ،ومحل الخالف في الكراهة إذا لم تكن له حاجة ،فإن كان ثَم حاجة،
ّ
ومحل الخالف إذا كان المحراب يمنع رؤية المأمومين لإلمام فإن
ّ كضيق المسجد زالت الكراهة،
كان ال يمنعه ،كالخشب ونحوه لم يكره الوقوف فيه .انظر :اإلنصاف في معرفة الراجح من
الخالف ،للمرداوي ،مع الشرح الكبير.328-327/3 ،
( )6انظر :الشرح الممتع ،البن عثيمين.327/3 ،
655 اإلمامة في الصالة
فالبد من رؤية اإلمام أو المأموم ،ولو سمع الصوت ،وال بأس لو انقطعت
الصفوف ،ألنه يرى المأمومين))(.)1
-3المسبوق إذا أدرك ركعة من الصالة فقد أدرك الصالة؛لحديث أبي
هريرة وفيه((:من أدرك ركعة من الصالة فقد أدرك الصالة))(.)2وعنه
يرفعه(( :إذا جئتم إلى الصالة ونحن سجود فاسجدوا وال تعدوها شيئاً ،ومن
أدرك الركعة فقد أدرك الصالة))(.)3وفي لفظ البن خزيمة والدارقطني والبيهقي:
((من أدرك ركعة من الصالة فقد أدركها قبل أن يقيم اإلمام صلبه))(.)4
والمسبوق يصلي ما أدرك مع اإلمام،فإذا سلم إمامه صلى ما بقي من صالته
من غير زيادة؛ألن النبي حينما تأخر هو والمغيرة في غزوة تبوك ،صلى عبد
الرحمن بن عوف بالناس صالة الفجر،فأدرك النبي والمغيرة الركعة
الثانية،فلما سلم عبد الرحمن قاما فقضى كل واحد منهما ركعة(.)5
وما يدركه المأموم مع اإلمام هو أول صالته؛ لقوله في حديث أبي
هريرة (( :فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا))( .)6والمأموم إذا أتى
واإلمام على حال فليصنع كما يصنع اإلمام ،ثم يتم ما فاته من صالته(.)7
-7اقتداء الصف األول ومن بعده باإلمام ،واقتداء الثاني باألول،
والصف الثالث بالثاني ،ونحوه أو بمن يبلغ عن اإلمام؛ لحديث أبي
سعيد الخدري أن رسول اهلل رأى في أصحابه تأخراً فقال لهم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعته أثناء تقريره على المنتقى ألبي البركات،الحديث رقم ،1311يوم األحد 1311/3/11هـ.
( )2متفق عليه:البخاري ،برقم ،280ومسلم ،برقم ،307وتقدم تخريجه في صالة الجماعة.
( )3أبو داود ،برقم ،814وحسنه األلباني في صحيح سنن أبي داود ،131/1 ،وتقدم تخريجه في
صالة الجماعة.
( )4الدارقطني ،433/1،وسنن البيهقي الكبرى ،81/2 ،وصحيح ابن خزيمة ،32/4 ،وتقدم تخريجه
في صالة الجماعة،وانظر:اإلرواء،الحديث رقم .230/2 ،81
( )5القصة متفق عليها :البخاري ،برقم ،182ومسلم ،برقم ،273وتقدم تخريجها في صالة
الجماعة.
( )6متفق عليه:البخاري،برقم ،343ومسلم،برقم ،108وتقدم تخريجه صالة الجماعة.
( )7تقدم البحث عن أحكام المسبوق في صالة الجماعة.
اإلمامة في الصالة
656
بعدكم ،ال يزال قوم يتأخرون حتى وليأتم بكم َم ْن َ ((تقدموا فأتموا بي
َّ
يتأخرون عن الصف ّ يؤخرهم اهلل))( .)1ولفظ أبي داود(( :ال يزال قوم
َّ
األول حتى يؤخرهم اهلل في النار))( .)2قال اإلمام النووي -رحمه اهلل :-
َّ
((معنى وليأتم بكم َم ْن بعدكم :أي يقتدوا بي مستدلين على أفعالي
ّ
بأفعالكم ،ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة اإلمام الذي ال يراه وال
يسمعه على ُمب ّلغ عنه ،أو صف قدامه يراه متابعاً لإلمام))(.)3
-8االقتداء بمن أخطأ بترك شرط أو غير ذلك ولم يعلم المأموم؛
لحديث أبي هريرة عن النبي أنه قال(( :يصلون لكم فإن أصابوا
فلكم [ولهم] وإن أخطأوا فلكم وعليهم))()4؛ ولحديث سهل بن سعد
قال :سمعت رسول اهلل يقول(( :اإلمام ضامن فإن أحسن فله
ولهم ،وإن أساء -يعني -فعليه وال عليهم))()5؛ ولحديث عقبة بن عامر
قال :سمعت رسول اهلل يقول(( :من َّأم الناس فأصاب الوقت فله
ولهم ،ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه وال عليهم))(.)6
وقد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه صلى بالناس الصبح ثم غدا
إلى أرضه بالجرف( )7فوجد في ثوبه احتالم ًا ،فاغتسل وغسل االحتالم
من ثوبه ،وأعاد صالته بعد أن طلعت الشمس ولم يعد الناس(.)8
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،برقم ،348وتقدم تخريجه في وقوف الرجال والصبيان والنساء مع اإلمام.
( )2أبو داود ،برقم ،371وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود ،220/1 ،وتقدم تخريجه في
وقوف الرجال والصبيان والنساء مع اإلمام.
( )3شرح النووي على صحيح مسلم،304/3،وانظر:سبل السالم للصنعاني.83/4،
( )4البخاري ،برقم ،313وأحمد ،422/2 ،وتقدم تخريجه في عظم شأن اإلمامة.
( )5ابن ماجه ،برقم ،181وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه ،212/1 ،وتقدم تخريجه في عظم
شأن اإلمامة.
( )6أبو داود ،برقم ،280وابن ماجه ،برقم ، 184وصححه األلباني في صحيح سنن ابن ماجه،
،214/1وتقدم تخريجه في عظم شأن اإلمامة.
الجرف :موضع على ثالثة أميال من المدينة نحو الشام .معجم البلدان.128/1 ، (ُ )7
( )8موطأ اإلمام مالك ،31/1 ،برقم ،82 ،81وعبد الرزاق في المصنف ،438/2 ،برقم ،4338
=
655 اإلمامة في الصالة
يقول(( :هذه األحاديث فيما يتعلق بصالة اإلمام وهو محدث ،أو سبقه
الحدث بعدما دخلها وهو على طهارة :حديث أبي بكرة وما جاء في
معناه كلها تدل على أن اإلمام إذا دخل وهو على غير طهارة ثم ذكر أنه
على غير طهارة فإنه ينفتل ويتطهر ويأتيهم على حالهم ويكمل بهم؛ ألنه
قال(( :مكانكم)) وبقوا صفوفاً .وقد اختلفت الروايات في هذا ،ففي
روايات أبي بكرة وبعض روايات أبي هريرة أنه كبر ودخل في الصالة،
َّ
تكبيره ثم قال لهم:
ُ وفي رواية في الصحيحين أنه وقف وانتظر الناس
((مكانكم)) قبل أن يكبر وذهب واغتسل.
اختلف العلماء في ذلك :هل هما قصتان أو قصة واحدة؟ فذهب قوم
إلى أنهما قصة واحدة ورجحوا رواية الصحيحين وأنه لم يكبر وإنما
ذكر قبل أن يكبر ثم ذهب واغتسل وجاء عليه الصالة والسالم.
وقال آخرون :كالنووي ،وابن حبان ،وجماعة :إنهما قصتان :قصة فيها
أنه كبر ،وقصة فيها أنه لم يكبر ،وكل واحدة لها حكمها ،فالتي فيها أنه
َّ
كبر بنى على صالته بالنسبة إليهم ،فإنهم بقوا على حالهم ،فلما جاء كبر
وصلى بهم فدل ذلك على أن صالتهم ال تبطل بسبقه الحدث ،أو َت َذ َّكر
أنه محدث وهذا هو الصواب ،فإذا صلى بهم مثالً :ركعة أو ركعتين ثم
بان له أنه ليس على طهارة فإن شاء قال :مكانكم ،ثم ذهب فتطهر ،ثم
جاء وكمل بهم ،ثم ينتظرونه حتى يكمل ما عليه.
قدم عبد الرحمن وصلى وإن شاء استخلف كما استخلف عمر لما طعن ّ
بالناس وهذا أرفق بالناس ،وال سيما إذا كان مكانه بعيد ًا؛ألن الرسول
مكانه قريب في المسجد؛ ولهذا ذهب بسرعة ورجع عليه الصالة والسالم
وصلى بهم.
وكمل لنفسه كما ُف ِعل في قصة
كل صلى لنفسهَّ ، وإن صلوا وحداناً ٌّ
يقدم من
معاوية فال حرج ،لكن األفضل أن يفعل كما فعل عمر ،وأن ّ
اإلمامة في الصالة
655
يص ّلي بهم ،فيتم ما بقي على اإلمام؛ وال ينتظرون؛ ألن االنتظار قد
يكون فيه مشقة كبيرة في بعض األحيان.
أما إذا تذكر وهو واقف قبل أن يكبر فحينئذ إن أمرهم أن ينتظروه فال
ّ
بأس ،وإن أمرهم أن يصلوا حتى ال يشق عليهم فعل ،والناس يحتاجون
مثل هذا:منهم من يكون محله قريباً يستطيع أن يرجع عليهم بسرعة،
ومنهم من يكون محله بعيد ًا يشق عليهم االنتظار،فاإلمام ينظر ما هو
األصلح ،وفعله يدل على أن انتظارهم هو األولى إذا كان قريباً وال مشقة
في ذلك؛ألنه قال((:مكانكم)) ولم يستخلف،فيدل على أن هذا هو األفضل
إذا تيسر ولم يكن فيه مشقة ،أما إذا كان هناك مشقة فاألدلة الشرعية تدل
على أنه يشرع الرفق بالجماعة،وعدم المشقة،واالستخالف يكون أصلح في
هذه الحالة وأرفق بالمأمومين ،كما فعل عمر ،)1())واهلل أعلم(.)2
-10اقتداء الجالس القادر على القيام بالجالس المعذور؛ لحديث
عائشة أم المؤمنين رضي اهلل عنها أنها قالت :صلى رسول اهلل في بيته وهو
اك فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا ،فلما َش ٍ
اإلمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا ،وإذا رفع
ُ انصرف قال(( :إنما ُجعل
َّ
فارفعوا ،وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً))(.)3
فج ِح َش ش ّقه األيمن
وعن أنس قال :سقط النبي عن فرس ُ
فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصالة فصلى بنا قاعداً فصلينا وراءه
اإلمام ليؤتم به ،فإذا كبر
ُ قعوداً ،فلما قضى الصالة قال(( :إنما ُجعل
َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى ،ألبي البركات ابن تيمية ،األحاديث رقم
.1322-1322
( )2انظر:التمهيد البن عبد البر،110-174/1،والمغني البن قدامة ،212-203/2،وحاشية ابن قاسم
على الروض المربع ،273/2 ،والشرح الممتع البن عثيمين ،418-412/2 ،و،432-447/3
وفتاوى ابن باز.132-142/12 ،
( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب األذان ،باب :إنما جعل اإلمام ليؤتم به ،برقم ،388ومسلم ،كتاب
الصالة ،باب ائتمام المأموم باإلمام ،برقم .312
655 اإلمامة في الصالة
فكبروا[ ،فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً] وإذا سجد فاسجدوا ،وإذا رفع
فارفعوا ،وإذا قال :سمع اهلل لمن حمده فقولوا :ربنا ولك الحمد ،وإذا
صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون))(.)1
وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما قال :اشتكى رسول اهلل فصلينا وراءه
وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره ،فالتفت إلينا فرآنا قيام ًا فأشار إلينا
فقعدنا،فصلينا بصالته قعود ًا،فلما سلم قال(( :إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل
فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فال تفعلوا ،ائتموا
بأئمتكم،إن صلى قائماً فصلوا قياماً،وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً))(.)2وفي
حديث أبي هريرة((:وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون))(.)3
وهذه األحاديث فيها حجة على أن اإلمام إذا عجز عن القيام صلى
جالساً ويصلي الناس قعوداً متابعة له ،أما صالة النبي جالساً في
مرضه والناس قياماً فهذا يدل على الجواز ،ولكن األفضل إذا صلى
اإلمام قاعداً أن يصلي المأمومون خلفه قعوداً(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب األذان ،باب :إنما جعل اإلمام ليؤتم به ،برقم ،381ومسلم ،كتاب
الصالة ،باب ائتمام المأموم باإلمام ،برقم .311
( )2مسلم ،كتاب الصالة ،باب ائتمام المأموم باإلمام ،برقم .314
( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب األذان ،باب إقامة الصف من تمام الصالة ،برقم ،722ومسلم ،كتاب
الصالة ،باب ائتمام المأموم باإلمام ،برقم .313
( )4اختلف العلماء في الجلوس خلف اإلمام المعتل الذي ال يقدر على القيام .فقال قوم :يجب أن
يصلي المأمومون خلفه قعوداً ،وقال بعضهم :ال تصح صالة القائم خلف القاعد ال قائماً وال قاعداً .وقال
آخرون :تصح صالة القائم خلف القاعد ،وال يتابعه في القعود؛ ألن الصحابة صلوا خلف النبي في
مرض موته قياماً فكان ذلك ناسخاً ألمر النبي بالقعود؛ فإن ذلك كان في صالته حين جحش وانفكت
قدمه فكان هذا آخر األمرين ،وقيل :األمر بالجلوس لالستحباب ،وقيل :إذا ابتدأ اإلمام الصالة قاعداً
لمرض يرجى برؤه ،فإنهم يصلون خلفه قعوداً ،وإذا ابتدأ اإلمام الصالة قائماً لزم المأمومين أن يصلوا خلفه
قياماً .انظر :فتح الباري البن حجر،173-172/2 ،والمغني البن قدامة،32-30/4،وسبل السالم للصنعاني،
،84-80/4ونيل األوطار للشوكاني.311-308/2 ،
وسمعت اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز -رحمه اهلل -يقول(( :قوله وإذا صلى قاعداً فصلوا
قعوداً ))..هذا فيه حجة على أن اإلمام إذا اعتل فال بأس أن يصلي قاعداً والناس قعوداً متابعة له،
وصرف هذا األمر عن الوجوب ما فعل آخر حياته ،فقد صلى بالناس قاعداً والناس قياماً
=
اإلمامة في الصالة
655
-11اقتداء القائم بالجالس المعذور جائز؛ لحديث عائشة
رضي اهلل عنها
فليصل بالناس))،
ّ قالت(( :مرض رسول اهلل ،فقالُ (( :مروا أبا بكر
فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي في نفسه خفة فخرج يهادى( )1بين
رجلين،فأراد أبو بكر أن يتأخر،فأومأ إليه النبي أن مكانك،ثم أتيا به
حتى جلس إلى جنبه عن يسار أبي بكر،وكان أبو بكر يصلي قائم ًا،وكان
رسول اهلل يصلي قاعداً،يقتدي أبو بكر بصالة رسول اهلل ،والناس
بصالة أبي بكر)).وفي لفظ للبخاري((:فخرج يهادى بين رجلين في صالة
الظهر)).وفي لفظ لمسلم((:وكان النبي يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم
التكبير))(.)2قال اإلمام الشوكاني -رحمه اهلل (( :-وقد استدل بحديث الباب
القائلون بجواز ائتمام القائم بالقاعد))(.)3
وقرر الحافظ ابن حجر -رحمه اهلل :-أن الروايات تضافرت عن
عائشة رضي اهلل عنها بالجزم بما يدل على أن النبي كان هو اإلمام في تلك
الصالة ،ثم بين بعد أن ذكر الخالف أن من العلماء من سلك الترجيح
ّ
فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموماً للجزم بها ،ومنهم من ّ
ورجح أ ّن أبا بكر كان إمام ًا ،ومنهم من سلك الجمع
ّ سلك عكس ذلك
فحمل القصة على التعدد ،وأنه صلى تارة إماماً وتارة مأموماً في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
يقتدون بأبي بكر مبلغاً ،وهذا يدل على جواز قيام المأمومين ،فالراجح أن الصالة مع اإلمام
القاعد قعود ًا أفضل ،وإذا صلوا خلفه قيام ًا جاز ،وقيل :هذا ناسخ للجلوس ،والصواب أنه ليس
بناسخ؛ ألن القاعدة أن الجمع مقدم إذا أمكن ،والجمع ممكن ،وهو أن الجلوس أفضل متابعة
لإلمام ،وإن قاموا وصلوا قياماً كما فعل النبي آخر حياته فال بأس ،وقيل :إن شرع اإلمام قائماً
ثم اعتل أتموا قياماً ،وإن شرع جالساً صلوا جلوساً)) .سمعته منه -رحمه اهلل -أثناء تقريره على
بلوغ المرام ،الحديث رقم .321
( )1يهادى :أي يعتمد على رجلين متمايالً يميناً وشماالً في مشيته من شدة الضعف .انظر :المفهم
للقرطبي ،21/2 ،ونيل األوطار.478/2 ،
( )2متفق عليه :البخاري ،برقم ،714ومسلم ،برقم ،318وتقدم تخريجه في انتقال اإلمام مأموماً.
( )3نيل األوطار.471/2 ،
650 اإلمامة في الصالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
بالجالس المعذور.
( )1مسلم ،برقم ،473وتقدم تخريجه في صالة الجماعة.
( )2سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أحاديث المصطفى ألبي البركات،الحديث رقم 1331و.1332
( )3أبو داود ،برقم ،824والترمذي ،برقم ،411وتقدم تخريجه في صفة الصالة.
( )4أحمد في المسند ،310/2 ،وحسن إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير.241/1 ،
655 اإلمامة في الصالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
كتاب الصالة ،باب القراءة في العشاء برقم .332
( )1منفرين:المنفر الذي يذكر لإلنسان شيئاً يخافه ويكرهه فينفر منه.جامع األصول البن األثير.211/2،
( ) 2متفق عليه :البخاري ،كتاب األذان ،باب تخفيف اإلمام في القيام ،وإتمام الركوع والسجود ،برقم
، 702ومسلم ،كتاب الصالة ،باب أمر األئمة بتخفيف الصالة في تمام ،برقم ،333وما بين
المعقوفين من رواية للبخاري ،برقم .10
( )3فأتجوز:التجوز في األمر:التخفيف والتسهيل.جامع األصول البن األثير.211/2،
( )4البخاري ،كتاب األذان ،باب من أخف الصالة عند بكاء الصبي ،برقم ،707وثبت أيضاً من
حديث أنس عند البخاري ،برقم ،701ومسلم ،برقم .374
( )5مسلم ،كتاب الصالة ،باب أمر األئمة بتخفيف الصالة في تمام ،برقم .338
( ) 6متفق عليه :البخاري ،كتاب األذان ،باب اإليجاز في الصالة وإكمالها ،برقم ،703ومسلم ،كتاب
الصالة ،باب أمر األئمة بتخفيف الصالة في تمام ،برقم .331
655 اإلمامة في الصالة
ويؤمنا بالصافات))( ،)1قال اإلمام ابن القيم -رحمه اهلل (( :-فالقراءة
ُّ
()2 ِ
بالصافات من التخفيف الذي أُمر به واهلل أعلم)) .
َ
والتخفيف المطلوب من اإلمام ينقسم إلى قسمين:
القسم األول :تخفيف الزم ،وهو أال يتجاوز ما جاءت به السنة؛ فإن
تجاوز ما جاءت به السنة فهو مطول ،والدليل على ذلك قوله (( :إذا َّأم
أحدكم الناس فليخفف))(.)3
القسم الثاني:تخفيف عارض،وهو أن يكون هناك سبب يقتضي
اإليجاز عما جاءت به السنة فيخفف أكثر مما جاءت به السنة ،والدليل
على ذلك تخفيف النبي الصالة عند سماعه بكاء الصبي مخافة أن
يشق على أمه( ،)4وهذان النوعان كالهما من السنة(.)5
َّ
-2تطويل الركعة األولى أكثر من الثانية؛ لحديث أبي سعيد الخدري
قال(( :لقد كانت صالة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ،ثم
يأتي أهله فيتوضأ ،ثم يرجع إلى المسجد ورسول اهلل في الركعة األولى مما
يطيلها))(.)6
واستثنى العلماء مسألتين:
المسألة األولى :إذا كان الفرق يسيراً فال حرج ،مثل :سبح والغاشية
في يوم الجمعة وفي يوم العيد؛ فإن الغاشية أطول ،ولكن الطول يسيراً.
المسألة الثانية :الوجه الثاني في صالة الخوف؛ فإن من األوجه أو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1النسائي ،كتاب اإلمامة ،باب الرخصة لإلمام في التطويل ،برقم ،823وصححه األلباني في
صحيح سنن النسائي.272/1 ،
( )2زاد المعاد.213/1 ،
( )3البخاري ،برقم ،704ومسلم ،برقم ،337وتقدم تخريجه في أول آداب اإلمام.
( )4البخاري ،رقم ،707وتقدم تخريجه في أول آداب اإلمام.
( )5الشرح الممتع البن عثيمين.271/3 ،
( )6مسلم ،كتاب الصالة ،باب القراءة في الظهر والعصر ،برقم .323
اإلمامة في الصالة
655
األنواع التي وردت أن اإلمام يقسم الجيش إلى قسمين ،قسم يبقون أمام
العدو ،وقسم يدخل مع اإلمام يصلي ،فإذا قام إلى الركعة الثانية انفرد
الذين يصلون معه وأتموا صالتهم ،واإلمام واقف ،ثم انصرفوا إلى
مكان الطائفة الثانية ،وجاءت الطائفة الثانية ودخلوا مع اإلمام وصلوا
معه الركعة التي بقيت ،فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا ألنفسهم ثم سلم
بهم .فهذا جاءت به السنة مراعاة للطائفة الثانية(.)1
-4تطويل الركعتين األوليين وتقصير األخريين من كل صالة؛
لحديث جابر بن سمرة وفيه أن سعداً قال لعمر بن الخطاب:
فأمد في األوليين وأحذف في
ُّ ((إني ألصلي بهم صالة رسول اهلل ،
األخريين ،وال آلو ما اقتديت به من صالة رسول اهلل .)2())
-3مراعاة مصلحة المأمومين بشرط أال يخالف السنة؛لحديث جابر
فقد راعى فيه النبي مصلحة الناس فيؤخر العشاء إذا لم يجتمع
عجل ،وإذا
أصحابه ،قال جابر)3(((:والعشاء أحيان ًا وأحيان ًا:إذا رآهم اجتمعوا َّ
أخر)) .فالصالة هنا يسن تأخيرها،ولكن النبي يراعي رأهم أبطؤوا َّ
أحوالهم وال يشق عليهم فيقدمها إذا اجتمعوا،أما غير العشاء من الصلوات
األخرى فكان يصليها في أول وقتها ما عدا الظهر في شدة الحر(.)4
فظهر أن أحوال المأمومين يراعيها اإلمام إذا لم يخالف بمراعاته
السنة،ومما يدل على هذه المراعاة:إيجاز النبي في الصالة عند سماعه
يشق على أمه،وتطويله الركعة األولى في َّ بكاء الصبي مخافة أن
الصالة؛ليدرك الناس الركعة األولى،وانتظاره الطائفة الثانية في صالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :الشرح الممتع البن عثيمين.273-272/3 ،
يطو ل في األوليين ويحذف في األخريين ،برقم ،770
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب األذان ،باب ّ
ومسلم ،كتاب الصالة ،باب القراءة في الظهر والعصر ،برقم .324
( )3متفق عليه:البخاري ،برقم ،230ومسلم،برقم ،333وتقدم تخريجه في شروط الصالة.
( )4انظر :الشرح الممتع البن عثيمين.277-273/3 ،
655 اإلمامة في الصالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1النسائي ،كتاب السهو ،باب جلسة اإلمام بين التسليم واالنصراف ،برقم ،1444وصححه األلباني
في صحيح النسائي.328/1 ،
( )2البخاري ،كتاب األذان ،باب يستقبل اإلمام الناس إذا سلم ،برقم .832
( )3انظر :فتح الباري ،البن حجر.443/2 ،
( )4وال يختص نفسه بدعوة دونهم :أي الذي يؤمنون عليه :كالدعاء في القنوت وغيره ،واهلل أعلم،
هكذا سمعته من شيخنا ابن باز -رحمه اهلل .-
( )5أبو داود ،برقم ،11وله شاهد عند الترمذي ،برقم ،427وأحمد ،220/2 ،من حديث ثوبان ،وقال
األلباني في صحيح سنن أبي داود(( :42/1 ،صحيح إال جملة الدعوة)) وتقدم تخريجه في إمامة الزائر.
( ) 6تقدم الدليل على كراهة ارتفاع اإلمام على المأموم في ارتفاع مكان اإلمام اليسير على المأمومين.
وانظر :المغني البن قدامة ،38/4 ،والشرح الممتع البن عثيمين.323-324/3 ،
( )7انظر :مصنف ابن أبي شيبة ، 30-21/2 ،واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف للمرداوي،
المطبوع مع الشرح الكبير ،328-327/3 ،والشرح الممتع ،328-327/3 ،وحاشية الروض
المربع البن قاسم.421/2 ،
اإلمامة في الصالة
656
رضي اهلل عنها قالت :كان النبي ال يقعد إال مقدار ما يقول(( :اللهم أنت
السالم ومنك السالم ،تباركت يا ذا الجالل واإلكرام))( )1ثم يستقبل
الناس بوجهه كما تقدم في حديث سمرة .)2(
-12ينصرف إلى الناس بعد السالم تارة عن يمينه وتارة عن شماله ،ال
حرج في شيء من ذلك؛ لحديث عبد اهلل بن مسعود قال(( :ال يجعل
أحدكم للشيطان شيئاً من صالته يرى أن ح ّقاً عليه أن ال ينصرف إال عن
يمينه ،لقد رأيت النبي كثير ًا ينصرف عن يساره)) .ولفظ مسلم(( :أكثر ما
رأيت رسول اهلل ينصرف عن شماله))( .)3وعن أنس قال(( :أما أنا
فأكثر ما رأيت رسول اهلل ينصرف عن يمينه)) .وفي رواية لمسلم(( :كان
ينصرف عن يمينه))(.)4
قال اإلمام النووي -رحمه اهلل (( :-وجه الجمع بينهما أن النبي
كان يفعل تارة هذا ،وتارة هذا ،فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه األكثر فيما
فدل على جوازهما ،وال كراهة في واحد منهما ،وأما الكراهة يعلمهّ ،
التي اقتضاها كالم ابن مسعود فليست بسبب أصل االنحراف عن اليمين
أو الشمال ،وإنما هي في حق من يرى أن ذلك البد منه؛ فإن من اعتقد
وجوب واحد من األمرين مخطئ؛ ولهذا قال :يرى أن ح ّقاً عليه؛ فإنما
ذم من رآه ح ّقاً عليه ،ومذهبنا أنه ال كراهة في واحد من األمرين ،لكن
يستحب أن ينصرف في جهة حاجته ،سواء كانت عن يمينه أو شماله،
فإن استوت الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين أفضل لعموم
األحاديث المصرحة بفضل اليمين في باب المكارم ونحوها .هذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،برقم ،211وتقدم تخريجه في صفة الصالة.
( )2البخاري ،برقم ،832وتقدم تخريجه في البند السابع.
( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب األذان ،باب االنفتال واالنصراف عن اليمين وعن الشمال ،برقم ،822
ومسلم ،كتاب صالة المسافرين ،باب جواز االنصراف من الصالة عن اليمين والشمال ،برقم .707
( )4مسلم ،كتاب صالة المسافرين ،باب جواز االنصراف من الصالة عن اليمين والشمال ،برقم .708
655 اإلمامة في الصالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه:البخاري،برقم ،347ومسلم برقم ،303وتقدم تخريجه في وقت قيام المأمومين للصالة.
( )2النسائي ،كتاب اإلمامة ،باب االئتمام بمن يأتم باإلمام ،برقم ،718ورقم ،1111وصححه
األلباني في صحيح النسائي.233/1 ،
( )3متفق عليه :البخاري ،برقم ،714ومسلم ،برقم ،318وتقدم تخريجه في انتقال اإلمام مأموماً.
( )4متفق عليه:البخاري،برقم ،722ومسلم ،برقم ،313وتقدم تخريجه في االقتداء وشروطه.
( ) 5أبو داود ،كتاب الصالة ،باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع ،برقم ،831وقال األلباني في
صحيح سنن أبي داود(( :241/1 ،حسن مقطوع)).
( )6متفق عليه:البخاري،برقم ،383ومسلم،برقم ،321وتقدم تخريجه في انتقال المأموم إماماً.
655 اإلمامة في الصالة
المأموم قبل انصراف إمامه عن القبلة؛ لئال يذكر سهواً فيسجد ،إال أن
يخالف إمامه السنة في إطالة الجلوس مستقبل القبلة ،فال بأس بانصراف
المأموم حي ٍ
نئذ(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،برقم ،182ومسلم ،برقم ،283وتقدم تخريجه في مسألة المسبوق يصلي
ما بقي من صالته.
( )2مسلم،برقم ،710وتقدم تخريجه في صالة التطوع في ترك الرواتب وغيرها إذا أقيمت الصالة.
( )3مسلم،برقم ،884وتقدم تخريجه في صالة التطوع في الفصل بين الرواتب والفرائض بخروج أو كالم.
( )4وال باالنصراف :قال النووي :المراد باالنصراف السالم ،شرح النووي ،413/3،وقال القرطبي
في المفهم(( :وذهب الحسن والزهري إلى أن حق المأموم أال ينصرف حتى ينصرف اإلمام أخذاً
بظاهر هذا الحديث ،والجمهور على خالفهما؛ ألن االقتداء باإلمام قد تم بالسالم من الصالة،
خاص ًا بالنبي ، ويحتمل أن يريد باالنصراف المذكور :التسليم؛ فإنه يقال:
ّ ورأوا أن ذلك
انصرف من الصالة :أي سلم منها)) ،المفهم.2121/2 ،
( )5مسلم،كتاب الصالة،باب تحريم سبق اإلمام بركوع أو سجود ونحوهما ،برقم .323
( )6انظر:المغني،البن قدامة،وفتاوى ابن تيمية،227/20202/22،والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف،
،331/3وحاشية ابن قاسم على الروض المربع،422-423/2،والكافي البن قدامة.422/1 ،
اإلمامة في الصالة
555
صف بين السواري إال لحاجة؛ لحديث أنس قال: يصف في ٍّ -10ال ّ
()1
((قد كنا نتقي هذا على عهد رسول اهلل ))؛ ولحديث قرة ُ (( :كنّا نُنهى
نصف بين السواري على عهد رسول اهلل ،ونُطرد عنها طرد ًا))(.)2 أن َّ
-11يدخل مع اإلمام إذا سبقه على أي حال يدركه؛ لحديث أبي
هريرة يرفعه وفيه(( :فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا))(.)3
-12ال يالزم بقعة بعينها في المسجد ال يصلي إال فيها؛ لحديث عبد
الرحمن بن شبل أن رسول اهلل نهى عن ثالث(( :عن نقرة الغراب،
وافتراش السبع ،وأن يوطن الرجل المقام للصالة كما يوطن البعير))(.)4
-14الفتح على اإلمام إذا لُبس عليه في القراءة؛ لحديث المسور بن يزيد
ّ
المالكي :أن رسول اهلل ،وفي لفظ :شهدت رسول اهلل يقرأ في
الصالة ،فترك شيئ ًا لم يقرأه ،فقال له رجل :يا رسول اهلل ،تركت آية كذا
وكذا ،فقال رسول اهلل (( :هال أ ْذ َكر َت ِنيها))؟ [قال :كنت أ ُ َراها نسخت]))(.)5
ْ
عن عبد اهلل بن عمر أن النبي صلى صالة فقرأ فيها َف ُلب َِس عليه،
ألبي(( :أصليت معنا))؟ قال :نعم ،قال(( :فما ٍّ فلما انصرف قال:
منعك))؟(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1النسائي ،برقم ،820وأبو داود ،برقم ،221وصححه األلباني في صحيح النسائي،177/1 ،
وتقدم تخريجه في الصالة بين السواري.
( )2ابن ماجه ،برقم ،1002وقال األلباني في صحيح ابن ماجه(( :218/1 ،حسن صحيح)) ،وتقدم
تخريجه في الصالة بين السواري.
( )3متفق عليه :البخاري ،برقم ،343ومسلم ،برقم ،108وتقدم في صالة الجماعة.
( )4النسائي ،كتاب التطبيق ،باب النهي عن نقرة الغراب ،برقم ،1111وابن ماجه ،كتاب إقامة الصالة،باب
ما جاء في توطين المكان في المسجد يصلي فيه،برقم ،1321وأبو داود ،كتاب الصالة،باب صالة من
ال يقيم صلبه في الركوع والسجود،برقم ،832وأحمد في المسند ،337 -333/2 ،والحاكم وصححه
ووافقه الذهبي،221/1،وحسنه األلباني في صحيح النسائي.430/1 ،
( )5سنن أبي داود ،كتاب الصالة ،باب الفتح على اإلمام في الصالة ،برقم (( 107أ)) ،وحسنه األلباني
في صحيح سنن أبي داود.223/1 ،
( )6سنن أبي داود ،الكتاب والباب المشار إليهما آنفاً برقم (( 107ب)) ،وصححه األلباني في صحيح
سنن أبي داود.223/1 ،
555 اإلمامة في الصالة
قدام اإلمام()1؛ لحديث أبي هريرة يرفعه ،وفيه: -13ال يصلي َّ
()2
((إنما ُجعل اإلمام ليؤتم به)) .وذكر المرداوي رحمه اهلل :أن ذلك في
َّ
غير الكعبة؛ فإن المأمومين إذا استداروا حول الكعبة واإلمام منها على
صحت صالتهم ،وذكر أن المجد قال َّ ذراعين والمقابلون له على ذراع
في شرحه :ال أعلم فيه خالفاً .وقال أبو المعالي :صحت إجماعاً .هذا
إذا كانوا في جهات ،أما إذا كانوا في جهة فال يجوز تقدم المأمومين
عليه(.)3
واهلل أعلم وأحكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قدام اإلمام فصالته باطلة؛ لحديث أبي ( )1وهو مذهب الحنابلة ،والشافعية والحنفية :أن من صلى َّ
هريرة(( :إنما جعل اإلمام ليؤتم به))؛ وألنه يحتاج إلى االلتفات إلى ورائه .أما مالك وإسحاق فقاال:
تصح ألن ذلك ال يمنع االقتداء .واختار ابن تيمية قوالً ثالثاً وقال :إنه رواية عن أحمد أنها تصح صالة
المأموم قدام اإلمام مع العذر .انظر :فتاوى ابن تيمية ،303-303/24 ،واالختيارات الفقهية له،
ص ،108ورجحه ابن عثيمين في الشرح الممتع ،472/3 ،ورجحه ابن القيم في إعالم الموقعين،
،22/2أما صاحب المغني ،22/4 ،والشرح الكبير ،318/3 ،واإلنصاف في معرفة الراجح من
قدام اإلمام مطلقاً ،وقال اإلمام ابن باز(( :ليس
الخالف 318/3 ،فكلهم قال ببطالن صالة من صلى َّ
ألحد أن يصلي أمام اإلمام؛ ألن ذلك ليس موقفاً للمأموم ،واهلل ولي التوفيق)) الفتاوى له.212/12 ،
( )2البخاري ،برقم ،722ومسلم ،برقم ،313وتقدم تخريجه في االقتداء وشروطه.
( )3اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف للمرداوي،311/3 ،المطبوع مع المقنع والشرح الكبير.311/3 ،
صالة المريض 555
المبحث السابع والعشرون :صالة المريض
السقم ،نقيض الصحة ،ويقال: أوالً :مفهوم المرض :المرضُّ :
جميعا ،كما يقال الصحة في البدنً والسقم في البدن والدين
ُّ المرض
جميعا ،والمرض في القلب يطلق على كل ما خرج به اإلنسان ً والدين
عن الصحة في الدين ،وأصل المرض :النقصان ،يقال :بدن مريض:
ناقص القوة ،ويقال :قلب مريض :ناقص الدين ،والمرض في القلب:
فتور األعضاء( ،)1والمرض :جمع ُ فتور عن الحق ،وفي األبدان،
ٌ
أمراض؛ فساد المزاج وسوء الصحة بعد اعتدالها ،ومرض الموت :العلة
التي يقرر األطباء أنها علة مميتة( .)2وعلى هذا فالمريض :هو الذي
اعتلت صحته ،سواء كانت في جزء من بدنه أو في جميع بدنه(.)3
ثانيا :صبر المريض واحتسابه .المريض يجب عليه أن يصبر ً
ويحتسب على اهلل الثواب الذي وعده سبحانه الصابرين ،قال اهلل
اب.)4(وقال َ :و َل َنب ُل َونَّ ُكم ون أَ ْجر ُهم ب َِغيرِ ِح َس ٍ الصاب ُِر َ
َّ ِ :إنَّ َما يُ َو َّفى
ْ ْ ْ َ
ار ُكم .)5(وقال : َ
ين َو َن ْب ُل َو أ ْخ َب َ الصابِرِ َ
َّ نكم َو ين ِم ُ ِِ
َح َّتى َن ْع َل َم ا ْلـ ُم َجاهد َ
ْ ْ
ون. )6( ِالش ّر َوا ْلـ َخ ْيرِ ِف ْت َن ًة َو ِإ َل ْي َنا تُ ْر َج ُع َ
وكم ب َّ ُ ك ُّل َن ْف ٍس َذ ِائ َق ُة ا ْلـ َم ْو ِت َو َن ْب ُل ُ
اب ِمن ُّم ِصيب ٍة ِفي األَ ْر ِض َوال ِفي أَن ُف ِس ُكم إِال ِفي وقال َ :ما أَ َص َ
ْ َ
اب ّمن َقب ِل أَن نَّبرأَ َها ِإ َّن َذ ِل َك َع َلى اهلل َي ِسير * ِل َكيال َت ْأ َس ْوا َع َلى َما ِك َت ٍ
ْ ٌ َْ ْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :لسان العرب البن منظور ،باب الضاد ،فصل الميم ،242-241/7 ،والقاموس المحيط
للفيروزآبادي ،باب الضاد ،فصل الميم ،ص ،834والمعجم الوسيط ،834/2 ،ومختار الصحاح،
مادة ((مرض)) ،ص.221
رواس ،ص.411
( )2انظر :معجم لغة الفقهاء ،لألستاذ الدكتور محمد ّ
( )3انظر :الشرح الممتع البن عثيمين.321/3 ،
( )4سورة الزمر ،اآلية.10 :
( )5سورة محمد ،اآلية.41 :
( )6سورة األنبياء ،اآلية.42 :
صالة المريض
555
ال َف ُخورٍ .)1(وقال ب ُك َّل م ْخ َت ٍ
ُ
ِ
اك ْم َواهلل ال يُح ُّ َف َات ُك ْم َوال َت ْف َر ُحوا ب َِما َآت ُ
اب ِمن ُّم ِصيب ٍة إِال ِب ِإ ْذ ِن اهلل َو َمن يُ ْؤ ِمن بِاهلل َي ْه ِد َق ْلب ُه َواهلل تعالىَ :ما أ َص َ
َ
َ َ
يم . وقال تعالىَ :و َل َن ْب ُل َونَّ ُك ْم ب َِشي ٍء ّم َن ا ْلـ َخ ْ ِك ّل َشي ٍء َع ِل
()2
وف ب ُ
ْ ٌ ْ
ين ِ ِ ِ َ ِ ٍ
ين*الَّذ َ الصابِرِ َ
َوا ْلـ ُجو ِع َو َن ْقص ّم َن األ َم َوال َواألن ُفس َوالثَّ َم َرات َو َب ّشرِ َّ
ِإ َذا أَصابتهم م ِصيب ٌة َقالُو ْا ِإنَّا ِ َّ ِ
هلل َو ِإنَّـا ِإ َلي ِه َر ِ
ات عون*أُو َل ِـئ َك َع َل ْيهِ ْم َص َل َو ٌ اج َ ْ َ َ ْ ُ ُّ َ
()3
ّمن َّربّهِ م َو َر ْح َم ٌة َوأُو َل ِـئ َك ُهم ا ْل ُم ْه َت ُدو َن . وقال تعالىَ :و َل َمن َصبر
ََ ُ ْ
آمنُو ْا ين و َغ َفر ِإ َّن َذ ِل َك لَ ِمن عز ِم األُمورِ .)4(وقال تعالى :يا أَيها الَّ ِ
ذ
َ َ َ ُّ َ ُ ْ َْ َ َ
ين . وقال رسول اهلل : ( )5 ِ ِ
الصابِرِ َ الص)6الَة ِإ َّن اهلل َم َع َّ ِالص ْبرِ َو ( َّ
ْاس َتعينُو ْا ب َّ
(( ...والصبر ضياء)) .وعن صهيب قال :قال رسول اهلل (( :عجبا
ً
ألحد إال للمؤمن ،إن ٍ ألمر المؤمن إن أمره كله خير ،وليس ذلك
أصابته سراء شكر فكان خيرا له ،وإن أصابته ّضراء صبر فكان خيرا
ً ً َّ
له))( .)7وعن أنس قال :سمعت رسول اهلل يقول((:إن اهلل
عوضته منهما الجنة)) يريد عينيه(.)8 قال:إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر َّ
وعن عائشة رضي اهلل عنها أنها سألت رسول اهلل عن الطاعون فأخبرها ((أنه
عذابا يبعثه اهلل على من شاء فجعله رحمة للمؤمنين( ،)9فليس من عبد كان ً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة الحديد ،اآليتان.24 -22 :
( )2سورة التغابن ،اآلية.11 :
( )3سورة البقرة ،اآليات.127-122 :
( )4سورة الشورى ،اآلية.34 :
( )5سورة البقرة ،اآلية.124 :
( )6مسلم ،كتاب الطهارة ،باب فضل الوضوء ،برقم ،224من حديث أبي مالك األشعري .
( )7مسلم ،كتاب الزهد والرقائق ،باب المؤمن أمره كله خير ،برقم .2111
( )8البخاري ،كتاب المرض ،باب فضل من ذهب بصره ،برقم .2324
( )9الطاعون :قيل هو الموت العام ،وقيل :المرض العام الذي يفسد له الهواء ،وتفسد به األمزجة
واألبدان ،وقيل :هو الوباء ،وقيل :هو المرض الذي يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات،
وقيل :أصل الطاعون :القروح الخارجة في الجسد ،والوباء عموم األمراض ،فسميت طاعو ًنا
=
صالة المريض 555
يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه ال يصيبه إال ما
ً ً
كتب اهلل له إال كان له مثل أجر الشهيد))( .)1وقال ...(( :إنما الصبر عند
الصدمة األولى))(.)2
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي اهلل عنهما عن النبي قال(( :ما يصيب
المسلم من نصب( ،)3وال وصب( ،)4وال هم ،وال حزن ،وال أذى ،وال
غم ،حتى الشوكة يُشاكها إال كفر اهلل بها من خطاياه))(.)5
ّ
وعن عبد اهلل بن مسعود ،قال :قال رسول اهلل (( :ما من مسلم
تحط الشجرة
ّ حط اهلل سيئاته كما
يُصيبه أذى من مرض فما سواه إالّ َّ
ورقها))(.)6
وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت :قال رسول اهلل (( :ما من مسلم يشاك
ومحيت عنه بها خطيئة))(.)7
شوكة فما فوقها ،إال ُكتب له بها درجة ُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
لشبهها بها في الهالك ،وإال فكل طاعون وباء ،وليس كل وباء طاعو ًنا ،انظر :فتح الباري البن
حجر ، 180/10 ،وقال النووي في تهذيب األسماء واللغات(( :183/4 ،مرض معروف هو بثر
ويسود ما حواليه ،أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة ّ جدا يخرج مع لهب وورم مؤلم ً
ّ ّ
يحصل معه خفقان القلب والقيء ،ويخرج في المراق واآلباط غالبا واأليدي واألصابع وسائر
ً
الجسد)) ورجح ابن حجر في فتح الباري (( 181/10 ،أن الطاعون يكون من طعن الجن
وقرعه)) ،واستشهد لذلك بأدلة وصحح بعضها.
( )1البخاري ،كتاب الطب ،باب أجر الصابر على الطاعون ،برقم .2743
()2متفق عليه :البخاري ،كتاب الجائز ،باب زيارة القبور ،برقم ،1284ومسلم ،كتاب الجنائز ،باب
الصبر على المصيبة عند الصدمة األولى ،برقم .123
( )3النصب :التعب.
( )4الوصب :المرض.
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب المرضى ،باب ما جاء في كفارة المرض ،برقم ،2332 ،2331
ومسلم ،كتاب البر والصلة ،باب ثواب المؤمن فيما يصيبه ،برقم .2274
( )6متفق عليه :البخاري ،كتاب المرضى ،باب شدة المرض ،برقم ،2338 ،2337ومسلم ،كتاب
البر والصلة ،باب ثواب المؤمن فيما يصيبه ،برقم .2271
( )7مسلم ،كتاب البر والصلة ،باب ثواب المؤمن فيما يصيبه ،برقم .2272
صالة المريض
550
()1
صب
خيرا يُ ْ وعن أبي هريرة قال:قال رسول اهلل ((:من يُرد اهلل به
ً
منه))(.)2
وعن أنس يرفعه(( :إن ِعظم الجزاء مع عظم البالء ،وإن اهلل إذا
السخط))(.)3
قوما ابتالهم فمن رضي فله الرضى ،ومن سخط فله ُّ
أحب ً
أشد
وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال:قلت:يا رسول اهلل،أي الناس ُّ
بالء؟ قال((:األنبياء ثم األمثل فاألمثل،فيبتلى الرجل على حسب دينه ،فإن
ً
ا،اشتد بالؤه،وإن كان في دينه رق ٌة ابتلي على حسب
َّ كان في دينه ُصلب
ً
يبرح البالء بالعبد حتى يتركه يمشي على األرض ما عليه ُ دينه،فما
خطيئة))(.)4
ثالثًا :المسلم يسأل اهلل العفو والعافية في الدنيا واآلخرة ،وال يسأل
البالء؛ لحديث العباس بن عبد المطلب قال :قلت :يا رسول اهلل علمني
أياما ثم جئت فقلت :يا شيئا أسأله اهلل؟ قال(( :سل اهلل العافية)) ،فمكثت ً
ً
عباس يا عم رسول اهلل:
ُ شيئا أسأله اهلل ،فقال لي(( :يا
رسول اهلل علمني ً
َّ
((سل اهلل العافية في الدنيا واآلخرة))()5؛ ولحديث أبي بكر الصديق أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1يصب منه :معناه يبتليه بالم صائب ،ليثيبه عليها ،وقيل :يوجه إليه البالء فيصيبه .فتح الباري البن
حجر ، 108/10 ،وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اهلل يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري،
الحديث رقم (( :2332أي يصيبه بالمصائب بأنواعها ،وحتى يتذكر فيتوب ،ويرجع إلى ربه)).
( )2البخاري ،كتاب المرضى ،باب ما جاء في كفارة المرض ،برقم .2332
( )3الترمذي ،كتاب الزهد ،باب ما جاء في الصبر على البالء ،برقم ،2413وابن ماجه ،كتاب الفتن،
باب الصبر على البالء ،برقم ،3041وحسنه األلباني في صحيح الترمذي ،233/2 ،وفي صحيح
ابن ماجه ،420/4 ،وفي الصحيحة ،برقم .133
( )4التر مذي ،كتاب الزهد ،باب ما جاء في الصبر على البالء ،برقم ،2418وابن ماجه في كتاب
الفتن ،باب الصبر على البالء ،برقم ،3024وقال األلباني في صحيح الترمذي ،232/2 ،وفي
صحيح ابن ماجه ،418/4 ،وفي الصحيحة ،برقم (( :2280 ،134حسن صحيح)).
الدعوات،باب :حدثنا يوسف بن عيسى ،برقم ،4213وقال :هذا حديث صحيح،
ٌ ()5الترمذي،كتاب
وصححه األلباني في صحيح الترمذي ،333/4 ،وفي سلسلة األحاديث الصحيحة ،برقم .1224
صالة المريض 556
ط
أحدا لم يُ ْع َ
النبي قال على المنبر(( :سلوا اهلل العفو والعافية؛ فإن ً
بعد اليقين خيرا من العافية)) ()1؛ ولحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال:
ً
كان من دعاء رسول اهلل (( :اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك،
وتحول عافيتك ،وفجاءة نقمتك ،وجميع سخطك))()2؛ ولحديث أبي
هريرة أن النبي (( كان يتعوذ من سوء القضاء ،ومن درك الشقاء،
ومن شماتة األعداء ،ومن جهد البالء))(.)3
ابعا:االجتهاد في حال الصحة في األعمال الصالحة؛ لتكتب له رً
كاملة في حال عجزه عن العمل؛ لحديث أبي موسى األشعري قال:
ِ
رسول)4اهلل ((:إذا مرض العبد أو سافر ُكت َب له مثل ما كان يعمل ً
مقيما
(
قال
صحيحا))
ً
ســـر الشـــريعة اإلســـالمية وســـهولتها ،وكمالهـــا ،قـــال اهلل : خامســـاُ :ي ْ
ً
ِكـم يـد اهلل ب ()5
ين م ْـن َح َـر ٍج . وقـال سـبحانه :يُرِ ُ ِ الد ِ ِ
َ و َما َج َع َل َع َل ْي ُك ْم في ّ
( ُُ )7
ـات ُقوا اهلل َمــا ْاسـ َـت َط ْع ُتم. ِكــم ا ْل ُع ْســر .)6(وقــال تعــالىَ :فـ
اليســر وال يرِ يــد ب
ْ َّ َ ُْْ َ َ َ ُ ُ ُ ُ
وقال النبي (( :دعوني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم
واخــــــتالفهم علــــــى أنبيــــــائهم ،فــــــإذا أمــــــرتكم بشــــــيء فــــــأتوا منــــــه مــــــا
استطعتم ،وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه))(.)8وقال(( :إن الدين يسر))(.)9
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب :حدثنا محمد بن بشار ،برقم ،4228وابن ماجه ،كتاب الدعاء ،باب الدعاء
( )1الترمذي ،كتاب الدعواتٌ ،
بالعفو والعافية ،برقم ،4831وقال األلباني في صحيح سنن الترمذي((:333/4 ،حسن صحيح))،وفي
صحيح ابن ماجه(( :221/4،صحيح)).
( )2مسلم ،كتاب الرقاق ،باب أكثر أهل الجنة الفقراء ،برقم .2741
باب :في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء ،وغيره ،برقم .2707( )3مسلم ،كتاب الذكر والدعاءٌ ،
والسير،باب:يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في اإلقامة ،برقم .2113
ٌ ( )4البخاري،كتاب الجهاد
( )5سورة الحج ،اآلية.78 :
( )6سورة البقرة ،اآلية.182 :
( )7سورة التغابن ،اآلية.13 :
( )8متفق عليه من حديث أبي هريرة :البخاري ،كتاب االعتصام بالكتاب والسنة ،باب االقتداء بسنن
رسول اهلل ،برقم ،7288ومسلم ،كتاب الحج ،باب فرض الحج مرة في العمر ،برقم .1447
باب :الدين يسر ،برقم 41من حديث أبي هريرة .
( )9البخاري ،كتاب اإليمانٌ ،
صالة المريض
555
سادسا :كيفية طهارة المريض على النحو اآلتي:
ً
-1يجب على المريض أن يتوضأ من الحدث األصغر( :نواقض
الوضوء) ،ويغتسل من الحدث األكبر( :موجبات الغسل).
-5يجب أن يزيل ما على السبيلين من النجاسة بالماء قبل الوضوء؛
ألن النبي كان يستنجي بالماء(.)1
واالستجمار بالحجارة،أو ما يقوم مقامها يقوم مقام االستنجاء بالماء،
ويقوم مقام الحجارة ما في معناها من كل جامد طاهر ليس له حرمة:
كالخشب ،والخرق ،والمناديل ،وكل ما أنقى به فهو كالحجارة على
الصحيح()2؛ لقوله (( :إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثالثة
أحجار يستطيب بهن؛ فإنها تجزئ عنه))( .)3والبد في االستجمار من
ثالثة أحجار أو ما يقوم مقامها فأكثر؛ لحديث سلمان يرفعه إلى
النبي (( :لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ،أو نستنجي باليمين،
أو نستنجي بأقل من ثالثة أحجار،أو نستنجي برجيع( )4أو بعظم))( .)5فإن
وخامس ا حتى ينقي المحل، رابع ا، تكف ثالثة أحجار زاد ِ لم
ً ً
واألفضل أن يقطع االستجمار على وتر؛ لحديث أبي هريرة عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه من حديث أنس ، البخاري ،كتاب الوضوء ،باب االستنجاء بالماء ،برقم ،120
ومسلم ،كتاب الطهارة ،باب االستنجاء بالماء من التبرز ،برقم .271
( )2انظر :المغني البن قدامة.214/1 ،
( )3أبو داود ،من حديث عائشة رضي اهلل عنها برقم ، 30وحسنه األلباني في صحيح أبي داود،10/1 ،
وتقدم تخريجه في الطهارة في آداب قضاء الحاجة.
( )4الرجيع :الروث والعذرة.
( )5مسلم ،برقم ،232وتقدم تخريجه في الطهارة ،في آداب قضاء الحاجة.
صالة المريض 555
النبي وفيه ((:ومن استجمر فليوتر))(.)1
واألفضل أن يستجمر اإلنسان بالحجارة ثم يتبعها بالماء؛ ألن
الحجارة تزيل عين النجاسة والماء يطهر المحل ،فيكون أبلغ في
الطهارة ،وهو مخير بين االستجمار بالحجارة ،أو االستنجاء بالماء أو
الجمع بينهما وهو األفضل ،وإن أراد االقتصار على أحدهما فالماء
أفضل؛ ألنه يطهر المحل ويزيل العين واألثر.
واالستنجاء يكون من الخارج الرطب من السبيلين :كالبول والغائط،
أما النوم ،والريح ،وأكل لحم اإلبل ،ومس الفرج فال يُستنجى منها؛ ألن
االستنجاء إنما شرع إلزالة النجاسة من السبيلين(.)2
-4إذا كان المريض ال يستطيع الحركة؛ فإنه يوضئه شخص آخر،
وإذا كان عليه حدث أكبر ساعده في الغسل ،وال ينظر إلى عورته.
- 3فإن كان المريض ال يستطيع أن يتطهر بالماء؛ لخوفه تلف
النفس ،أو تلف عضو ،أو حدوث مرض ،أو لعجزه ،أو خوف زيادة
المرض أو تأخر برئه؛ فإنه يتيمم؛ لقول اهلل تعالىَ :والَ َت ْق ُت ُلو ْا أَن ُف َس ُكم
ْ
يما.)3( ِ ِإ َّن اهلل َك َ
ِك ْم َرح ً ان ب ُ
وكيفية التيمم :أن ينوي رفع الحدث ،ثم يضرب بيديه على التراب
الطاهر ضربة واحدة فيمسح جميع وجهه ،بباطن أصابعه ،ثم يمسح
كفيه براحتيه؛ لقول اهلل تعالىَ :وإِن ُك ُنتم َّمر َضى أَ ْو َع َلى َس َفرٍ أَ ْو َج َاء
ْ
يدا نكم ّمن ا ْل َغ ِآئ ِط أَ ْو الَ َم ْس ُت ُم النساء َف َل ْم َتج ُدو ْا َم ًاء َف َت َي َّم ُمو ْا َصع ً
ِ ِ أَ َح ٌد ّم ُ
ورا)4(؛ ولقوله ان َع ُف ًّوا َغ ُف ً وه ُك ْم َوأَ ْي ِد ُ
يك ْم ِإ َّن اهلل َك َ طيبا َفامسحو ْا بِوج ِ
ُ ُ ًَّ ْ َ ُ
نكم ّم َن ا ْل َغ ِائ ِط أَ ْو تعالىَ :وإِن ُك ُنتم َّم ْر َضى أَ ْو َع َلى َس َفرٍ أَ ْو َج َاء أَ َح ٌد َّم ُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه:البخاري،برقم ،132ومسلم،برقم ،247وتقدم تخريجه في الطهارة ،آداب قضاء الحاجة.
( )2انظر :فتاوى سماحة الشيخ ابن باز.243/12 ،
( )3سورة النساء ،اآلية.21 :
( )4سورة النساء ،اآلية.34 :
صالة المريض
555
ْ
طيبا َفامسحو ْا بِوج ِ
وه ُكم ُ ُ يدا َ ّ ً ْ َ ُ الَ َم ْس ُت ُم النساء َف َل ْم َت ِج ُدو ْا َم ًاء َف َت َي َّم ُمو ْا َص ِع ً
يد ِلي َط َّهر ُكم ـكن يرِيد اهلل ِليجع َل ع َلي ُكم من حر ٍج و َل ِ يكم ّم ْن ُه َما يُرِ ُ َوأَ ْي ِد ُ
ُ ُ ُ َ ْ َ ْ َ َ ْ (َ َ َ ْ ّ )1
ون. َو ِل ُي ِت َّم ِن ْع َم َت ُه َع َل ْي ُك ْم َل َع َّل ُك ْم َت ْش ُك ُر َ
-2فإن لم يستطع أن يتيمم بنفسه؛ فإنه ييممه من عنده من المرافقين
أو الحاضرين ،يحضر التراب الطاهر ثم ييممه به.
-3من به جروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء؛فإنه يتيمم سواء
كان محد ًثا حد ًثا أصغر أو أكبر،لكن لو أمكنه أن يغسل الصحيح من جسده
أو أعضائه وجب عليه ذلك وتيمم للباقي؛لقول اهلل تعالىَ :ف َّات ُقوا اهلل َما
ْاس َت َط ْع ُتم)2(؛ ولقوله :الَ يُ َك ّل ُف اهلل َن ْف ًسا ِإال َّ ُو ْس َع َها.)3(
ْ
-7إذا كان في بعض أعضاء الطهارة جرح يستطيع أن يغسله بالماء
مسحا ،فإن كان ً غسله ،فإن كان الغسل بالماء يؤثر عليه مسحه بالماء
أيضا فإنه يشد عليه جبيرة أو لزقة ويمسح عليها ،فإن المسح يؤثر عليه ً
عجز فحينئذ يتيمم عنه بعد الطهارة.
مستورا بجبس أو لزقة أو جبيرة،أو ما أشبه ذلك ففي
ً أما إذا كان الجرح
هذا الحال يمسح على الساتر ويغنيه عن الغسل،وال يشترط لبس الجبيرة
على طهارة على القول الراجح،وليس للمسح على الجبيرة توقيت؛ ألن
مسحها لضرورة فيقدر بقدرها،ويمسح عليها في الحدث األكبر
واألصغر(.)4والصواب أنه إذا مسح على العضو يكفيه عن التيمم ،فال
يجمع بين المسح والتيمم إال إذا كان هناك عضو آخر لم يستطع المسح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة المائدة ،اآلية .3
( )2سورة التغابن ،اآلية.13 :
( )3سورة البقرة ،اآلية.283 :
( )4انظر :ما تقدم في الطهارة :المسح على الجبائر.
صالة المريض 555
عليه(.)1
-8إذا تيمم لصالة وبقي على طهارته إلى وقت الصالة األخرى؛ فإنه
يصليها بالتيمم األول؛ وال يعيد التيمم للصالة الثانية؛ ألنه لم يزل على
طهارته ولم يحصل ما يبطلها من نواقض الطهارة؛ ألن التيمم ال يبطل
إال بما يبطل الوضوء.
-1يجب على المريض أن يطهر بدنه وثيابه ،وموضع صالته من
النجاسات ،فإن عجز عن شيء من ذلك ولم يجد من يقوم بتطهير
النجاسة صلى على حسب حاله وصالته صحيحة وال إعادة عليه ،ولكن
لو استطاع أن يبدل ثيابه النجسة بثياب أخرى طاهرة أو يفرش على
فراشا طاهرا وجب عليه ذلك.
الفراش النجس ً
ً
-10ال يجوز للمريض أن يؤخر الصالة عن وقتها من أجل العجز
عن الطهارة ،بل يتطهر بقدر ما يستطيع ،ويطهر بدنه وثوبه والبقعة التي
يصلي عليها؛ فإن عجز عن استعمال الماء تيمم ،فإن عجز عن استعمال
التيمم سقطت عنه الطهارة وصلى على حسب حاله(.)2
-11المريض المصاب بسلس البول ،أو استمرار خروج الدم ،أو
الريح ،ولم يبرأ بمعالجته ،عليه أن يتوضأ لكل صالة بعد دخول وقتها،
ثوبا طاهرا إن تيسر له
ويغسل ما يصيب بدنه ،وثوبه ،أو يجعل للصالة ً
ً
ذلك ،ويحتاط لنفسه احتيا ًطا يمنع انتشار البول أو الدم في ثوبه أو جسمه،
أو مكان صالته ،وله أن يفعل في وقت الصالة ما تيسر من صالة،
وقراءة في المصحف حتى يخرج الوقت فإذا خرج الوقت فعليه أن يعيد
الوضوء أو التيمم إن عجز عن الوضوء؛ ألن النبي أمر المستحاضة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر:فتاوى العالمة ابن باز،230/12،وفتاوى العالمة ابن عثيمين.172 ،122/11،
( )2انظر:ما تقدم في الطهارة:التيمم،ومن يجوز له التيمم،ونواقض التيمم ومبطالته،وفاقد الطهورين:الماء
والتراب.وانظر:فتاوى العالمة ابن باز،241/12،وفتاوى العالمة ابن عثيمين.123/11 ،
صالة المريض
555
أن تتوضأ لوقت كل صالة()1؛ولقول اهلل تعالىَ :ف َّات ُقوا اهلل َما
ْاس َت َط ْع ُتم ،)2(وهذا فيه الداللة على يسر الشريعة وسماحتها(.)3
ْ
سابعا :كيفية صالة المريض على النحو اآلتي:
ً
-1يجب على المريض الذي ال يخاف زيادة مرضه أن يصلي الفريضة
ين.)4( ِِ
ومو ْا هلل َقانت َ
قائما؛ لقول اهلل تعالىَ :و ُق ُ
ً
-2إن قدر المريض على القيام بأن يتكئ على عصا أو يستند إلى حائط
أو يعتمد على أحد جانبيه لزمه القيام؛لحديث وابصة عن أم قيس رضي اهلل
عمودا في مصاله يعتمد
ً أسن وحمل اللحم اتخذ أن رسول اهلل لما َّ عنها:
عليه()5؛ وألنه قادر على القيام من غير ضرر؛ لحديث عمران بن حصين
قائما.)6())...
صل ً أن النبي قال لهّ (( :
-4إن قدر المريض على القيام إال أنه يكون منحنيا على هيئة الراكع؛
ً
كاألحدب ،أو الكبير الذي انحنى ظهره وهو يستطيع القيام لزمه القيام؛
لحديث عمران المتقدم.
-3المريض الذي يقدر على القيام لكنه يعجز عن الركوع أو السجود
قائما إن عجز
قائما ويومئ بالركوع ً
ال يسقط عنه القيام ،وعليه أن يصلي ً
تقوس ظهره فصارعنه ،وإن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته ،وإن ّ
جالسا إن عجز
ً كأنه راكع زاد في انحنائه قليالً ،ثم يجلس فيومئ بالسجود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تقدمت األدلة في الطهارة في أحكام السلس واالستحاضة ،وانظر فتاوى العالمة ابن باز.230/12 ،
( )2سورة التغابن ،اآلية.13 :
( )3انظر :مجموع فتاوى العالمة ابن باز ،231-242/12 ،ومجموع فتاوى ورسائل العالمة ابن
عثيمين.123-123/11 ،
( )4سورة البقرة ،اآلية.248 :
( )5أبو داود ،كتاب الصالة ،باب الرجل يعتمد في الصالة على عصا ،برقم ،138وصححه األلباني في صحيح
سنن أبي داود ،233/1 ،وفي األحاديث الصحيحة ،برقم .411
( )6البخاري ،برقم ،1117وتقدم تخريجه في صفة الصالة.
صالة المريض 555
عنه ويقرب وجهه إلى األرض في السجود أكثر ما يمكنه؛ لقول اهلل تعالى:
ين)1(؛ ولقول النبي لعمران بن حصين رضي اهلل عنهما: َ ومو ْا هلل َق ِان ِت
ُ َ و ُق
قائما))()2؛ وألن القيام ركن قدر عليه فلزمه اإلتيان به(.)3 صل ً (( ّ
-2المريض الذي يزيد القيام في مرضه ،أو يشق عليه مشقة شديدة،
قاعدا؛ لقول اهلل تعالىَ :ف َّات ُقوا ً أو يضره ،أو يخاف زيادة مرضه يصلي
اهلل َما ْاس َت َط ْع ُتم)4( ؛ ولقوله :الَ يُ َك ّل ُف اهلل َن ْف ًسا ِإال َّ ُو ْس َع َها)5( ؛
()6
ْ
ِكم ا ْل ُع ْسر ، ولقوله يد اهلل بِكم اليسر وال يرِ يد ب ولقوله :يُرِ ُ
َ ُ ُ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ُ ( ُُ)7
ين ِم ْن َحر ٍج ؛ ولحديث عمران بن سبحانهَ :و َما َج َع َل َع َل ْي ُك ْم ِفي ّ
الد ِ
َ
فقاعدا)8())...؛ ولحديث ً قائما ،فإن لم تستطع صل ً
حصين رضي اهلل عنهما وفيهّ (( :
فجحش شقه األيمن فدخلنا عليه أنس قال :سقط النبي عن فرس ُ
قاعدا(.)9
نعوده فحضرت الصالة فصلى بنا ً
جالسا(.)10
ً وقد أجمع العلماء على أن من ال يطيق القيام له أن يصلي
متربعا في موضع
ً جالسا أن يكون
ً -3األفضل للمريض إذا صلى
القيام ،والصحيح أنه إذا ركع يركع وهو متربع؛ ألن الراكع قائم؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة البقرة ،اآلية.248 :
( )2البخاري ،برقم ،1117وتقدم تخريجه.
( )3انظر:المغني البن قدامة ،273 ،2720272/2،والشرح الكبير ،لعبد الرحمن بن قدامة،14/2 ،
واإلنصاف للمرداوي مع الشرح الكبير.2/2 ،
( )4سورة التغابن ،اآلية.13 :
( )5سورة البقرة ،اآلية.283 :
( )6سورة البقرة ،اآلية.182 :
( )7سورة الحج ،اآلية.78 :
( )8البخاري ،برقم ،1117وتقدم تخريجه.
( )9متفق عليه:البخاري،برقم ،381ومسلم،برقم ،311وتقدم تخريجه في اإلمامة في االقتداء.
( )10المغني البن قدامة ،270/2 ،والشرح الكبير ،3/2 ،واإلنصاف.3/2 ،
صالة المريض
555
متربعا))( ،)1والسنة
ً لحديث عائشة رضي اهلل عنها قالت(( :رأيت النبي يصلي
له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع ،أما في حال السجود
فالواجب أن يسجد على األرض ،فإن لم يستطع وجب عليه أن يجعل
يديه على األرض وأومأ بالسجود؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي اهلل عنهما
قال :قال النبي (( :أمرت أن أسجد على سبعة أعظم :على الجبهة -
وأشار بيده على أنفه -واليدين ،والركبتين ،وأطراف القدمين))()2؛ فإن
لم يستطع جعل يديه على ركبتيه وأومأ بالسجود وجعله أخفض من
الركوع؛ لقول اهلل تعالىَ :ف َّات ُقوا اهلل َما ْاس َت َط ْع ُتم)3(؛ ولقوله ...(( :
(ْ )5( )4
وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم )) .
قاعدا صلى على جنبه مستقبلً -7إن عجز المريض عن الصالة
القبلة بوجهه ،واألفضل أن يصلي على جنبه األيمن؛ لحديث عمران
فقاعدا ،فإن لم تستطع فعلى جنب))()6؛
ً صل قائ ًما فإن لم تستطع وفيهّ (( :
تنعله،
ولحديث عائشة رضي اهلل عنها قالت)7((( :كان النبي يعجبه التيمن في ُّ
وترجله ،وطهوره ،وفي شأنه كله)) . ُّ
-8فإن عجز المريض عن الصالة على جنبه صلى مستلقيا رجاله إلى
ً ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1النسائي ،كتاب قيام الليل ،باب كيف صالة القاعد ،برقم ،1332وابن خزيمة ،برقم ،1248
والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ،228/1 ،وصححه األلباني في صحيح النسائي.248/1 ،
()2متفق عليه :البخاري ،كتاب األذان ،باب السجود على األنف في الطين،برقم ،812ومسلم ،في
كتاب الصالة ،باب أعضاء السجود برقم .310
( )3سورة التغابن ،اآلية.13 :
( )4متفق عليه:البخاري،برقم ،7288ومسلم،برقم ،1447وتقدم تخريجه في أول المبحث.
( )5انظر :المغني البن قدامة ،272/2 ،ومجموع فتاوى العالمة عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز،
، 237-232/12ومجموع فتاوى العالمة محمد بن صالح العثيمين.421/11 ،
( )6البخاري ،برقم ،1117وتقدم تخريجه.
( )7متفق عليه :البخاري ،كتاب الوضوء ،باب التيمن في الوضوء والغسل ،برقم ،138ومسلم ،كتاب
الطهارة ،باب التيمن في الطهور وغيره ،برقم .138
صالة المريض 555
صل
القبلة؛ لحديث عمران بن حصين رضي اهلل عنهما عن النبي أنه قال لهّ (( :
فقاعدا ،فإن لم تستطع فعلى جنب))( ،)1زاد النسائي: ً قائما ،فإن لم تستطع ً
()2
نفسا إال وسعها)) .وسمعت ((فإن لم تستطع فمستلقياً ال يكلف اهلل ً
شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول(( :وزاد
قائما،
فمستلقيا)) ،ثم قال :فكانت الصفاتً (( : النسائي(( :فإن لم تستطع
(ً )3
جالسا ،على جنب ،مستلقيا)) . ً
ً
-1فإن عجز المريض عن الصالة إلى القبلة ولم يوجد من يوجهه
إليها صلى على حسب حاله؛ لقوله تعالى:الَ يُ َك ّل ُف اهلل َن ْف ًسا ِإال َّ
ُو ْس َع َها.)4(
-10فإن عجز المريض عن الصالة مستلقيا صلى على حسب حاله
()5 ً
على أي حال كان؛ لقول اهلل تعالىَ :فاتَّ ُقوا اهلل َما ْاس َت َط ْع ُتم.
ْ
-11فإن عجز المريض عن جميع األحوال السابقة صلى بقلبه :فيكبر،
ّ
ويقرأ ،وينوي الركوع والسجود ،والقيام والقعود بقلبه ،فإن الصالة ال تسقط
ثابتا بأي حال من األحوال؛ لألدلة السابقة(.)6 عنه مادام عقله ً
عاجزا عنه :من قيام
ً -12إذا قدر المريض في أثناء صالته على ما كان
أو قعود،أو ركوع،أو سجود ،أو إيماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري ،برقم .1117
أيضا المجد ابن تيمية في منتقى ( )2عزاه إليه ابن حجر في التلخيص الحبير 222/1 ،برقم ،443وعزاه إليه ً
األخبار ،برقم ،1207وقال شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز((:وزاد النسائي)) ثم ذكر الزيادة ،انظر:
أيضا بعد أن ساق اللفظ كامالً(( :وهذا لفظ النسائي))، مجموع الفتاوى ،232/12 ،وقال في الفتاوى ً
،237/12ولم يعزه المزي في تحفة األشراف إلى النسائي ،182/8 ،برقم .10844
( )3سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .437
( )4سورة البقرة ،اآلية.283 :
( )5سورة التغابن ،اآلية.13 :
( )6انظر :المغني البن قدامة ،273/2 ،ومجموع فتاوى ابن باز ،234/12 ،ومجموع فتاوى ابن
عثيمين.242/11 ،
صالة المريض
550
قادرا فعجز أثناء الصالة أتم صالته على حسب
صالته ،وهكذا لو كان ً
صحيحا فبنى عليه كما لو لم يتغير
ً حاله؛ألن ما مضى من الصالة كان
حاله(.)1
-14إن عجز المريض عن السجود على األرض؛ فإنه يومئ بالسجود
شيئا يسجد عليه؛ لحديث جابر يرفعه :أن رسول في الهواء وال يتخذ ً
عودا
مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها ،فأخذ ًً اهلل عاد
صل على األرض إن استطعت وإال ليصلي عليه فأخذه فرمى به ،قالّ (( :
إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك))(.)2 ِ
فأوم
ً
-13يجب على المريض أن يصلي كل صالة في وقتها ،ويفعل كل ما
يقدر عليه مما يجب فيها؛ فإن شق عليه فعل كل صالة في وقتها فله
الجمع بين الظهر والعصر ،وبين المغرب والعشاء ،إما جمع تقديم بحيث
يقدم العصر مع الظهر ،والعشاء مع المغرب ،وإما جمع تأخير بحيث
يؤخر الظهر مع العصر ،والمغرب مع العشاء ،حسبما يكون أيسر له ،أما
صالة الفجر فال تجمع مع ما قبلها وال مع ما بعدها؛ ألن وقتها منفصل
عما قبلها وعما بعدها( ،)3ومما يدل على جواز الجمع للمريض الذي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :المغني البن قدامة ،277/2 ،والشرح الكبير ،12/2 ،واإلنصاف ،12/2 ،ومجموع فتاوى
ابن باز.234/12 ،
( )2البيهقي في السنن الكبرى ،403/2 ،قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام(( :رواه البيهقي بسند
قوي ،ولكن صحح أبو حاتم وقفه)) ،وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز يقول أثناء تقريره على
الحديث رقم 438من بلوغ المرام(( :إسناده قوي)) ،ومال إلى رفعه؛ ألنه يقدم قول من رفع على من
وقف إذا كان من رفع ثقة؛ للقاعدة ،وانظر :التلخيص الحبير البن حجر ،227-223/1 ،والحديث
رواه الطبراني عن ابن عمر رضي اهلل عنهما في المعجم الكبير ،231/12 ،برقم ،14082وذكره األلباني في
األحاديث الصحيحة ،وذكر طرقه ثم قال في الحديث رقم 424في المجلد األول(( :والذي ال شك
فيه أن الحديث بمجموع طرقه صحيح واهلل تعالى هو الموفق)) ،ثم ذكر رواية أخرى عن ابن عمر
موقو ًفا ،ثم قال(( :وسنده صحيح على شرط الشيخين)) .وانظر :صفة صالة النبي لأللباني ،ص.38
( )3انظر :المغني البن قدامة ،142/4 ،وفتاوى العالمة ابن باز ،233/12 ،ومجموع فتاوى العالمة
ابن عثيمين.240/11 ،
صالة المريض 556
رضي يشق عليه فعل الصالة في وقتها ويضعف عن ذلك حديث ابن عباس
جميعا ،والمغرب والعشاء
ً اهلل عنهما قال(( :صلى رسول اهلل الظهر والعصر
جميعا في غير خوف وال سفر)) .وفي لفظ(( :جمع رسول اهلل بين ً
الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف وال مطر)) فسئل
أحدا من أمته)) ،وفي
ابن عباس لم فعل ذلك؟ فقال(( :أراد أن ال يحرج ً
لفظ(( :أراد أن ال يحرج أمته))( .)1والصواب في تأويل هذا الحديث قول
من قال :هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه
من األعذار(.)2
وقد ثبت أن النبي أمر حمنة بنت جحش رضي اهلل عنها لما كانت
مستحاضة بتأخير الظهر وتعجيل العصر ،وتأخير المغرب وتعجيل
العشاء( ،)3وهذا هو الجمع الصوري.
-12ال يجوز للمريض ترك الصالة بأي حال من األحوال مادام عقله
ثابتا ،بل يجب على المكلف أن يحرص على الصالة أيام مرضه أكثر ً
من حرصه عليها أيام صحته ويصليها في وقتها المشروع حسب
متعمدا وهو عاقل عالم بالحكم الشرعي مكلف ً استطاعته ،فإذا تركها
إيماء فهو آثم ،وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى ً يقوى على أدائها ولو
كفره بذلك()4؛ لقول النبي (( :العهد الذي بيننا وبينهم الصالة ،فمن تركها
فقد كفر))()5؛ ولحديث جابر قال :سمعت رسول اهلل يقول(( :بين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
()1مسلم ،كتاب ص الة المسافرين وقصرها ،باب الجمع بين الصالتين في الحضر ،برقم ،)702(-31
.)702(-23 ،)702(-20
( )2انظر :شرح النووي على صحيح مسلم ،223/2 ،والمغني البن قدامة ،142/4 ،وسمعت شيخنا
اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول بهذا القول.
( )3أبو داود ،برقم ،287والترمذي ،برقم ،128وابن ماجه ،برقم ،327وحسنه األلباني في إرواء
الغليل ،برقم ،188وتقدم تخريجه في الطهارة في أحكام المستحاضة.
( )4انظر :مجموع فتاوى اإلمام ابن باز.233/12 ،
( )5الترمذي عن بريدة ،برقم ،2321والنسائي ،برقم ،334وابن ماجه ،برقم ،1071وصححه
األلباني في صحيح النسائي ،123/1 ،وتقدم تخريجه في منزلة الصالة ،حكم تارك الصالة.
صالة المريض
555
الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصالة))()1؛ ولحديث معاذ وفيه:
((رأس األمر اإلسالم ،وعموده الصالة ،وذروة سنامه الجهاد))(.)2
-13إذا نام المريض عن صالته ،أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال
استيقاظه ،أو ذكره لها ،وال يجوز له تركها إلى دخول وقت مثلها ليصليها
فيه؛ لحديث أنس عن النبي أنه قال(( :من نسي صالته فليص ّلها إذا
ذكرها ،ال كفارة لها إال ذلك)) ،وفي لفظ لمسلم(( :من نسي صالته أو نام
عنها ))...الحديث(.)3
ويقضي الصالة المغمى عليه ثالثة أيام فأقل؛ ألنه يلحق بالنائم ،أما إذا
كانت المدة أكثر من ذلك فال قضاء عليه؛ ألنه يلحق بالمجنون لجامع
زوال العقل(.)4
-17إذا كان المريض مسافرا يعالج في غير بلده ،فإنه يقصر الصالة
ً
الرباعية،فيصلي الظهر،والعصر،والعشاء،ركعتين ركعتين مادام مسافرا لم
ً
ي ِ
جم ْع على إقامة أكثر من أربعة أيام(،)5أما صالة المغرب فيصليها ثال ًثا ُ
سفرا وحضرا،وهكذا صالة الفجر يصليها اثنتين سفرا وحضرا،ويصلي
ً ً ً ً
سنة الفجر قبلها :ركعتين؛ألن النبي كان يصليهما حضرا وسفرا،قالت
ً ً
أبدا))(،)6ويصلي الوتر كذلك؛لحديث عائشة رضي اهلل عنها((:لم يكن يدعهما ً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،برقم ،73وتقدم تخريجه في منزلة الصالة ،حكم تارك الصالة.
( )2الترمذي ،برقم ،2313وابن ماجه ،برقم ،4174وحسنه األلباني في إرواء الغليل.148/2 ،
()3متفق عليه :البخاري ،برقم ،217ومسلم ،برقم ،383وتقدم تخريجه في منزلة الصالة.
( )4انظر:المغني البن قدامة،22-20/2 ،والشرح الكبير ،8/4 ،ومجموع فتاوى ابن باز.327/2 ،
( )5انظر :المغني البن قدامة ،143-103/4 ،والشرح الكبير ،83-23/2 ،واإلنصاف في المطبوع مع
الشرح الكبير 83-23/2،وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ،18 ،12 ،14-10/8،وفتاوى
ابن باز.280-233/12 ،
( )6متفق عليه :البخاري ،برقم ،1121ومسلم ،برقم ،723وتقدم تخريجه في التطوع.
صالة المريض 555
ابن عمر رضي اهلل عنهما قال((:كان النبي يصلي في السفر على راحلته حيث
إيماء صالة الليل إال الفرائض ،ويوتر على راحلته)).
ً توجهت به يومئ
وفي لفظ(( :كان يوتر على راحلته))( .)1أما السنن الرواتب فالسنة أن ال
يصليها في السفر؛ لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما قال(( :صحبت رسول اهلل
في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اهلل))(.)2
أما التطوع المطلق فمشروع في الحضر والسفر مطل ًقا،مثل:صالة
الضحى ،وصالة الليل،وسنة الوضوء وغيرها من النوافل،قال النووي
رحمه اهلل((:وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في
السفر .)3())...وهذا لمن لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام ،أو ال
يدري متى يرتحل؛ فإ َّن له أحكام السفر حتى يعزم على إقامة أكثر من
أربعة أيام أو يرجع إلى وطنه .واألحوط للمسلم أن ال يقصر في أقل من
مسافة يوم وليلة لإلبل والمشاة بالسير العادي ،وذلك يقارب ثمانين
كيلو تقريبا؛ ألن هذه المسافة تعتبر سفرا ُعر ًفا عند الجمهور ،فإن عزم
ً ً
على اإلقامة أكثر من أربعة أيام ،أو كانت المسافة أقل من مسيرة يوم
أربعا
بأحكام السفر)5( ،بل يتم الصالة ً وليلة فاألحوط للمؤمن أن ال يأخذ
كالمقيمين :الظهر ،والعصر ،والعشاء( )4واهلل الموفق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،برقم ،111ومسلم ،برقم ،700وتقدم تخريجه في التطوع.
( )2متفق عليه :البخاري ،برقم ،1011ومسلم ،برقم ،381وتقدم تخريجه في التطوع.
( )3شرح النووي على صحيح مسلم.202/2 ،
( )4انظر :مجموع فتاوى اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل ،280-233/12 ،وانظر:
المغني البن قدامة.143-103/4 ،
( )5انظر :المغني البن قدامة ،143-103/4 ،والشرح الكبير ،83-23/2 ،واإلنصاف للمرداوي
المطبوع مع المقنع والشرح الكبير ،83-23/2 ،وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء،
،118-10/8 ،114 ،110 ،107 ،100 ،11 ،18 ،12 ،12 ،10/8وفتاوى اإلمام ابن باز رحمه
اهلل ،280-233/12 ،وانظر للفائدة :فتاوى ابن تيمية ،132-7/23 ،ومجموع فتاوى ابن عثيمين،
،338-222/12والشرح الممتع له.237-310/3 ،
صالة المريض
555
ثام ًنا :الصالة في السفينة والطائرة ،والقطار ،والسيارة ،أو على
الراحلة على النحو اآلتي:
القطار،قائما عند القدرة؛
ً -1تصح صالة الفرض في السفينة والباخرة و
لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما،قال((:سئل النبي عن الصالة في السفينة،
قائما إال أن تخاف الغرق))(.)1
صل فيها ً
فقال:كيف أصلي في السفينة؟قالّ ((:
وعن عبد اهلل بن أبي عتبة قال((:صحبت جابر بن عبد اهلل،وأبا سعيد
،أمهم بعضهم ،وهم قياما في جماعة ّ في)3سفينة فصلوا ً الخدري ،وأبا هريرة
(( )2
الج َّد ) ،قال اإلمام الشوكاني رحمه اهلل((:والمراد أنهم يقدرون على ُ
)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الحاكم ، 272/1 ،وقال :صحيح اإلسناد على شرط مسلم ،ووافقه الذهبي ،272/1 ،والدارقطني
في السنن ،412/1 ،وذكره األلباني في صفة الصالة ،ص ،38ونقل تصحيح الحاكم وموافقة
الذهبي ،وقال الشيخ محمد شمس الحق في التعليق المغني على الدارقطني(( :فيه بشر بن فأفأ
ضعفه الدارقطني ،كذا في الميزان ،لكن ما بين وجه الضعف فهو جرح مبهم)).412/1 ،
الجد :شاطئ البحر .انظر :نيل األوطار للشوكاني.331/2 ،
َّ ()2
( )3الحديث أخرجه سعيد بن منصور في سننه كما عزاه إليه المجد بن تيمية في منتقى األخبار ،رقم.1210
( )4نيل األوطار.331/2 ،
( )5سورة التغابن ،اآلية.13 :
( )6انظر :الشرح الكبير ،لعبد الرحمن بن قدامة المقدسي ،20/2 ،واإلنصاف للمرداوي المطبوع مع
المقنع والشرح الكبير.20/2 ،
صالة المريض 555
عن القبلة اتجهوا إليها(.)1
-2الصالة المفروضة في الطائرة صحيحة؛ ألن الطائرة في الجو على
متن الهواء كالباخرة في البحر على متن الماء ،ولكن يجب على المسلم
أن يفعل ما يجب عليه في الصالة :من القيام باألركان ،والواجبات،
والشروط مثل :الطهارة ،واستقبال القبلة ،والقيام ،والقعود ،والركوع،
والسجود ،وغير ذلك مما يجب ،وإذا كان ال يستطيع القيام بذلك فال
يصلي في الطائرة بل ينتظر حتى تهبط إال إذا علم أن الهبوط بعد خروج
الوقت ،وكانت الصالة التي أدركته في الجو ال يمكن جمعها مع ما بعدها،
مثل :العصر والفجر ويعلم بأن هبوط الطائرة بعـد خروج وقتها لزمه أن
يصـليها في الطـائرة وال يؤخرها عن وقتها ،فيصليها كالصالة في السفينة
قائما ،فإن لم يستطع صلى قائما صلى ًكما تقدم ،فإن استطاع أن يصلي ً
قاعدا ويكون مستقبل القبلة ويدور مع القبلة حيث دارت ،ويومئ بالركوع ً
والسجود ويكون أخفض من الركوع ،ويقوم بما يستطيع؛ لقول اهلل تعالى:
َ ف َّات ُقوا اهلل َما ْاس َت َط ْع ُتم ،)2(أما إذا كانت الصالة مما يجمع جمع تقديم
ْ
أو تأخير ،فإن األفضل للمسلم أن يصليها إذا أدركه وقت األولى قبل
اإلقالع ،فيصلي التي أدركه وقتها كالظهر مثالً ثم يصلي العصر ،وهكذا
المغرب والعشاء إذا كان مسافرا قد خرج من بلده ،أما إذا لم يدخل وقت
ً
األولى وأقلعت الطائرة أو القطار أو السفينة قبل دخول الوقت فإنه
يؤخرها إلى وقت الثانية فيصلي جمع تأخير مع قصر الرباعية إذا كان
مسافرا.
ً
أما إذا دخل الوقت أثناء السير وهو يعلم أن وقت الصالة الثانية يخرج قبل
الهبوط وجب عليه أن يصليها قبل خروج وقت الثانية على حسب استطاعته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
()1اإلنصاف مع الشرح الكبير ،20/2 ،والروض المربع حاشية ابن قاسم.474/2 ،
( )2سورة التغابن ،اآلية.13 :
صالة المريض
555
-4الصالة في السيارة أو على الراحلة على النحو اآلتي:
أ -إذا كانت السيارة كبيرة وفيها مكان واسع للصالة يستطيع اإلنسان
ساجدا،مستقبل القبلة،وقد تطهر،فال حرج
ً راكعا
ً قائما
أن يصلي الفرض ً
عليه أن يصلي فيها،كما يصلي في السفينة والطائرة والقطار كما تقدم.
ب -إذا كان ال يستطيع أن يقوم بما يجب عليه في صالة الفريضة فإنه
ال يصلي في السيارة إال إذا لم يستطع النزول منها وخشي خروج وقت
الصالة ،فإنه حينئذ يصلي على حسب حاله كما تقدم.
جـ -أما الصالة على الرواحل :كاإلبل ،والخيل ،والبغال ،وغيرها
فال تصح إال عند خشية التأذي بمطر ،أو وحل إذا نزل على األرض
وال يستقر في صالته فإنه حينئذ يصلي ولكن يستقبل القبلة ،ويعمل
ما يستطيع في صالته ،وكذا يصح الفرض على الراحلة إذا خاف
انقطاع ا عن رفقته بنزوله ،أو خاف على نفسه من عدو أو عجز عن ً
ركوب إن نزل ،وعليه أن يستقبل القبلة إن قدر على ذلك ،وعليه أن
يركع ويسجد ويجعل سجوده أخفض من ركوعه؛ لقول اهلل تعالى:
َ ف اتَّ ُق وا اهلل َم ا ْاس َت َط ْع تُم ، )1(ولقوله سبحانه :الَ يُ َك لّ ُف اهلل نَ ْف ًسا
ْ
ِإ ال َّ ُو ْس َع َه ا.)2(
-3صالة النافلة في السفر تصح على جميع وسائل النقل ،سواء
كانت :من السفن ،أو البواخر ،أو الطائرات ،أو السيارات ،أو الراحلة؛
ألن النبي كان يصلي النافلة وهو على راحلته حيث توجهت به ،وقد
رآه ابن عمر رضي اهلل عنهما يصلي الوتر كذلك على الراحلة()3؛ لكن األفضل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة التغابن ،اآلية.13 :
( )2سورة البقرة ،اآلية .283
( )3متفق عليه من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما ،البخاري ،برقم ،111ورقم ،1012 ،1000
و ،1018 ،1013و ،1102ومسلم ،برقم ،700وتقدم تخريجه في صالة التطوع.
صالة المريض 555
()1
أن يستقبل القبلة عند تكبيرة اإلحرام ثم يصلي كيفما توجهت به
السفينة ،أو الطائرة ،أو الراحلة أو غير ذلك( ،)2ولو لم يستقبل القبلة في
النافلة عند تكبيرة اإلحرام فال حرج في ذلك ،ولكن هذا من باب
االستحباب.
واهلل أعلم وأحكم ،وهو الموفق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أبو داود ،برقم ،1222وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام،الحديث رقم ،228وتقدم
تخريجه في صالة التطوع.
( )2انظر :الصالة في السفينة والطائرة ،والقطار ،والسيارة ،وعلى الراحلة ما في المغني البن قدامة،
،18-17/2 ،423 ،424/2والشرح الكبير ،20/2 ،واإلنصاف مع المقنع والشرح الكبير،
،20/2والروض المربع ،مع شرح ابن قاسم ،474/2 ،والشرح الممتع البن عثيمين-383/3 ،
،381والفتاوى له ، 222-233/12 ،وفتاوى اإلمام ابن باز جمع عبد اهلل الطيار،333-331/3 ،
وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء.127-111/8 ،
555 صالة المسافر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1لسان العرب البن منظور ،باب الراء ،فصل السين .438/3،وقيل :السفر لغة :قطع المسافة،
وشرعا :هو الخروج على قصد مسيرة ثالثة أيام ولياليها فما فوقها بسير اإلبل ومشي األقدام.
ً
التعريفات للجرجاني ،ص ،127وقال :المسافر :هو من قصد سيرا وس ًطا ثالثة أيام ولياليها،
ً
وفارق بيوت بلده ،التعريفات للجرجاني،ص.233
( )2معجم لغة الفقهاء ،للدكتور محمد رواس ،ص.211
( )3انظر:المغني البن قدامة،112/4 ،والشرح الممتع البن عثيمين رحمه اهلل.312/3،
صالة المسافر 555
-0سفر مكروه ،مثل :سفر اإلنسان وحده بدون رفقة إال في أمر البد
منه()1؛ لقوله (( :لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب
بليل وحده))(.)2
فهذه أنواع السفر التي ذكرها أهل العلم ،فيجب على كل مسلم أن ال
يسافر إلى سفر محرم ،وينبغي له أن ال يتعمد السفر المكروه ،بل يقتصر
في جميع أسفاره على السفر الواجب ،والمستحب ،والمباح(.)3
ثالثًا :آداب السفر والعمرة والحج:
اآلداب التي ينبغي للمسافر والمعتمر والحاج المسافر معرفتها
والعمل بها؛ ليحصل على عمرة مقبولة ،ويُو َّفق لحج مبرور ،وسفر
مبارك آداب كثيرة منها :آداب واجبة وآداب مستحبة،وأذكر منها على
سبيل المثال ال الحصر اآلداب اآلتية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر:المغني البن قدامة،117-113/4،والشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين.312-311/3،
( )2البخاري،كتاب الجهاد والسير،باب السير وحده،برقم ،2118من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما .
( )3اختلف العلماء في نوع السفر الذي تختص به رخص السفر:من القصر،والجمع ،والفطر،والمسح
تطوعا على أقوال:
ً على الخفين والعمائم ثالثة أيام،والصالة على الراحلة
-1فقيل :رخص السفر :من القصر ،والجمع ،والفطر في رمضان ،والمسح ثال ًثا ،والصالة على
تطوعا تكون في السفر الواجب ،والمندوب ،والمباح ،أما السفر المحرم والمكروه فال ً الراحلة
تباح فيه هذه الرخص.
-2وقيل :ال يقصر إال في الحج والعمرة والجهاد؛ ألن الواجب ال يترك إال لواجب ،أما السفر المباح
والمحرم والمكروه فال.
-4وقيل ال يقصر إال في سفر الطاعة؛ ألن النبي إنما قصر في سفر واجب أو مندوب.
-3وذهب اإلمام أبو حنيفة وشيخ اإلسالم ابن تيمية ،وجماعة كثيرة من العلماء إلى أنه يجوز القصر
حتى في السفر المحرم ،قال شيخ اإلسالم ابن تيمية(( :والحجة مع من جعل القصر والفطر
مشروعا في جنس السفر ولم يخص سفرا دون سفر ،وهذا القول هو الصحيح ،فإن الكتاب ً
ً
والسنة قد أطلقا السفر)) .مجموع الفتاوى ،101/23 ،وانظر :المغني البن قدامة،117-112/4 ،
واألخبار العلمية ،من االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،ص ،110والكافي البن قدامة،
،337/1والشرح الكبير المطبوع مع المقنع ،40/2 ،واإلنصاف للمرداوي المطبوع مع الفتح
والشرح الكبير،43/2،والشرح الممتع البن عثيمين،314/3،والفتاوى له.281-273 ،230/12 ،
550 صالة المسافر
سمع اهلل به ،ومن يُرائي يُرائي اهلل به))( .)7قال اهلل تعالىَ :و َما أ ُ ِمروا سمع َّ َّ
ُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر االستخارة في البخاري ،132/7 ،وحصن المسلم ،ص ،32للمؤلف.
( )2سورة األنعام ،اآليتان.134 -132 :
( )3سورة الكهف ،اآلية.110 :
( )4سورة اإلسراء ،اآلية.18 :
( )5مسلم ،كتاب الزهد والرقائق ،باب من أشرك في عمله غير اهلل ،برقم .2182
( )6أحمد في المسند 328/2،وحسنه األلباني في صحيح الجامع.32/2،
( )7متفق عليه من حديث جندب :البخاري ،كتاب الرقاق ،باب الرياء والسمعة،برقم ،3311
ومسلم ،كتاب الزهد والرقائق ،باب من أشرك في عمله غير اهلل،برقم .2187
صالة المسافر 556
الز َكا َة ِ ِ ِ ِ
الصال َة َويُ ْؤتُوا َّ
يموا َّ
ين ُح َن َف َاء َويُق ُالد َ
ين َل ُه ّ
إِال ل َي ْع ُب ُدوا اهلل ُم ْخل1صـ َ
ين ا ْل َقي َمة.) (َو َذ ِل َك ِد
ُ ّ
-4على الحاج والمعتمر التفقه في أحكام العمرة والحج ،وأحكام
السفر قبل أن يسافر :من القصر ،والجمع ،وأحكام التيمم ،والمسح على
الخفين ،وغير ذلك مما يحتاجه في طريقه إلى أداء المناسك قال :
((من يرد اهلل به خيرا يفقهه في الدين))(.)2
ً
حاجا أو معتمرا، ًّ -3التوبة من جميع الذنوب والمعاصي ،سواء كان
ً
أو غير ذلك فتجب التوبة من جميع الذنوب والمعاصي ،وحقيقة التوبة:
اإلقالع عن جميع الذنوب وتركها ،والندم على فعل ما مضى منها،
ردها والعزيمة على عدم العودة إليها ،وإن كان عنده للناس مظالم ّ
عرضا أو ماالً ،أو غير ذلك من قبل أن ً وتحللهم منها ،سواء كانت:
يُؤخذ ألخيه من حسناته ،فإن لم يكن له حسنات أ ُ ِخ َذ من سيئات أخيه
فطرحت عليه(.)3
-2على الحاج أو المعتمر أن ينتخب المال الحالل لحجه وعمرته؛
ألن اهلل طيب ال يقبل إال طيبا؛ وألن المال الحرام يسبب عدم إجابة
ًّ
الدعاء( ،)4وأيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به .
()5
ٍ ِ
ب َغ ًدا َو َما َت ْدرِ ي َن ْف ٌس ِبأَ ّي أَ ْرض َت ُم ُ
وت ِإ َّن َو َما َت ْدرِ ي َن ْف ٌس َّ1ما َذا َت ْكس ُ
اهلل َع ِليم َخبِير ،) (وقال (( :ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن
ٌ ٌ
يوصي فيه يبيت ليلتين إال ووصيته مكتوبة عنده))( .)2ويشهد عليها،
ويقضي ما عليه من الديون ،ويرد الودائع إلى أهلها أو يستأذنهم في
بقائها.
- 7يستحب للمسافر أن يوصي أهله بتقوى اهلل تعالى ،وهي وصية
اب ِمن ِ
ين أُوتُو ْا ا ْلك َت َ
ِ
اهلل تعالى لألولين واآلخرينَ :و َل َق ْد َو َّص ْي َنا الَّذ َ
ات َو َما ِفي اكم أَ ِن َّات ُقو ْا اهلل وإِن َت ْك ُفرو ْا َف ِإ َّن هلل ما ِفي السمو ِ قب ِلكم وإِي
َّ َ َ َ َ (ُ )3 َ ْ ُ ْ َ َّ ُ ْ
ان اهلل َغ ِن ًّيا َح ِم ً
يدا. األَ ْر ِض َو َك َ
- 8يستحب للمسافر أن يجتهد في اختيار الرفيق الصالح،ويحرص
أن يكون من طلبة العلم الشرعي؛فإن هذا من أسباب توفيقه وعدم
وقوعه في األخطاء في سفره وفي حجه وعمرته؛لقول النبي (( الرجل
على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل))()4؛ولقوله (( ال تصاحب إال
مؤمنا وال يأكل طعامك إال تقي))( ،)5وقد مثل النبي الجليس الصالح
ً
()6
بحامل المسك ،والجليس السوء بنافخ الكير .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة لقمان ،اآلية.43 :
( )2متفق عليه من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما :البخاري ،كتاب الوصايا ،باب الوصايا ،برقم ،2748
ومسلم ،كتاب الوصية ،برقم .1327
( )3سورة النساء ،اآلية.141 :
( )4أبو داود ،كتاب األدب ،باب من يؤمر أن يجالس ،برقم ،3844وحسنه األلباني في صحيح سنن
أبي داود.188/4 ،
( )5أبو داود ،كتاب األدب ،باب من يؤمر أن يجالس ،برقم ،3842والترمذي ،كتاب الزهد ،باب ما
جاء في صحبة المؤمن ،برقم ،2412وحسنه األلباني في صحيح أبي داود ،برقم ،3842
وصحيح الترمذي ،برقم .2211
( )6متفق عليه من حديث أبي موسى :البخاري ،كتاب الذبائح والصيد ،باب المسك ،برقم ،2243
ومسلم ،كتاب البر والصلة ،باب استحباب مجالسة الصالحين ،ومجانبة قرناء السوء ،برقم .2328
صالة المسافر 555
-1يستحب للمسافر أن يودع أهله ،وأقاربه ،وأهل العلم:من جيرانه،
وأصحابه ،قال (( :من أراد سفرا فليقل لمن يخ ّلف :أستودعكم اهلل
ً
الذي ال تضيع ودائعه))( ،)1وكان النبي يودع أصحابه إذا أراد أحدهم
سفرا فيقول(( :أستودع اهلل دينك وأمانتك وخواتيم عملك))( ،)2وكان
ً
زودك اهلل التقوى ،وغفر
َّ يقول لمن طلب منه أن يوصيه من المسافرين(( :
سهمها خرج بها معه))( .)1وهذا هو السنة ،إذا أراد أن يسافر ببعض
نسائه ،فالقرعة فيها راحة عظيمة(.)2
-12يستحب له أن يخرج للسفر يوم الخميس من أول النهار؛لفعله قال
كعب بن مالك (( :لق َّلما كان رسول اهلل يخرج إذا خرج في سفر إال يوم
الخميس))( .)3ودعا ألمته بالبركة في أول النهار فقال(( :اللهم بارك ألمتي في
بكورها))(.)4
يستحب له أن يدعو بدعاء الخروج من المنزل فيقول عند ُّ -14
خروجه(( :بسم اهلل ،توكلت على اهلل ،وال حول وال قوة إال باهلل( ،)5اللهم
أزل أو أ ُ َز َّل ،أو ِ
أظلم أو أُظ َلم ،أو َّ إني أعوذ بك أن ِ
أض َّل أو أ ُ َض َّل ،أو
َ َ
جهل علي))(.)6 أجهل أو يُ َ
َ
َّ
يستحب له أن يدعو بدعاء السفر ،إذا ركب دابته ،أو سيارته ،أو ّ -13
الطائرة ،أو غيرها من المركوبات فيقول(( :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) 1متفق عليه ،البخاري ،كتاب الهبة ،باب هبة المرأة لغير زوجها ،برقم ،2214ومسلم ،كتاب
فضائل الصحابة ،باب فضائل عائشة رضي اهلل عنها ،برقم .2332
( )2سمعته من شيخنا اإلمام ابن باز أثناء تقريره على صحيح البخاري ،الحديث رقم .2871
فورى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس،برقم .2138
( )3البخاري،كتاب الجهاد ،باب من أراد غزوة ّ
( ) 4أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد ،باب في االبتكار في السفر (رقم ،)2303والترمذي في كتاب
البيوع ،باب ما جاء في التبكير بالتجارة( ،رقم ،)1212وابن ماجه في كتاب التجارات ،باب ما يرجى
من البركة في البكور( ،رقم ،)2243وأحمد في مسنده ،)313/4 ،123/1( ،قال أبو عيسى :حديث
حسن ،وصححه األلباني في صحيح أبي داود ،313/2 ،وصحيح الترمذي.8-7/2 ،
( ) 5أخرجه أبو داود في كتاب األدب ،باب ما يقول إذا خرج من بيته( ،رقم ،)2012والترمذي في
كتاب الدعوات ،باب ما يقول إذا خرج من بيته( ،رقم ،)4323وقال :هذا حديث حسن صحيح
غريب ،وصححه األلباني في صحيح الترمذي ،310/4 ،وصحيح أبي داود.121/4 ،
( )6أخرجه أبو د اود في كتاب األدب ،باب ما يقول إذا خرج من بيته( ،رقم ،)2013والترمذي في
كتاب الدعوات ،باب منه( ،رقم ،) 4327والنسائي في كتاب االستعاذة ،باب االستعاذة من دعاء
ال يستجاب( ،رقم ،)2243وابن ماجه في كتاب الدعوات ،باب ما يدعو الرجل إذا خرج من بيته،
(رقم ،)4883وقال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح،وصححه األلباني في صحيح أبي داود،
،121/4وصحيح الترمذي.311-310/4 ،
صالة المسافر 555
()1
، ين* َو ِإ َّنا ِإ َلى َربّ َنا َل ُمن َق ِل ُب َ
ون ِ سب َ ِ
حان الَّذي َس َّخ َر َل َنا َه َذا َو َما ُك َّنا َل ُه ُم ْقرِ ن َ ُْ
((اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ،ومن العمل ما ترضى،
ّ
هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده ،اللهم أنت الصاحب في اللهم ّ
ّ ّ
السفر ،والخليفة في األهل ،اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ،وكآبة
ّ
المنظر ،وسوء المنقلب :في المال ،واألهل ))..وإذا رجع من سفره
قالهن وزاد فيهن(( :آيبون ،تائبون ،عابدون ،لربنا حامدون))(.)2
يستحب له أن ال يسافر وحده بال رفقة؛لقوله ((:لو يعلم الناس ما فيّ -12
()3
الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده)) .وقال ((:الراكب شيطان،والراكبان
شيطانان ،الثالثة ركب))(.)4
أجمع لشملهم،وأدعى أحدهم؛ليكون َ يؤمر المسافرون ِ -13
َ ّ
التفاقهم ،وأقوى لتحصيل غرضهم ،قال (( :إذا خرج ثالثة في سفر
فليؤمروا أحدهم))(.)5
ّ
-17يستحب إذا نزل المسافرون منزالً أن ينضم بعضهم إلى بعض،
ّ
فقد كان بعض أصحاب النبي إذا نزلوا منزالً تفرقوا في الشعاب
واألودية ،فقال (( :إنما تفرقكم في هذه الشعاب واألودية إنما ذلكم
()6
بعضهم إلى بعض حتى لو بسط ينضم ُ
ُّ ذلك بعد فكانوا . من الشيطان))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة الزخرف ،اآليتان.13-14 :
( )2أخرجه مسلم في كتاب الحج،باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره( ،رقم .)1432
( )3أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير ،باب السير وحده( ،رقم .)2118
( )4أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد،باب في الرجل يسافر وحده(،رقم ،)2307والترمذي في كتاب
الجهاد،باب ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده(،رقم ،)1373وقال:حديث حسن
صحيح.وأحمد في مسنده،)213 ،183/2(،والحاكم في المستدرك )102/2(،وقال :صحيح اإلسناد
الذهبي،وحسنه األلباني في الصحيحة(،رقم ،)32وصحيح الترمذي.232/2 ،
ّ ولم يخرجاه،ووافقه
( )5أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد،باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم(،رقم ،)2301 ،2308
وحسنه األلباني في صحيح سنن أبي داود.312 ،313/2 ، ّ
( )6أبو داود ،كتاب الجهاد ،باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته ،برقم ،2328وصححه األلباني
في صحيح سنن أبي داود.140/2 ،
555 صالة المسافر
الغيبة ،وال يجادل مع أصحابه وغيرهم إال بالتي هي أحسن ،وال يكذب،
وال يقول على اهلل ما ال يعلم ،وغير ذلك من أنواع المعاصي والسيئات
ث َوالَ ات َف َمن َف َر َض ِفيهِ َّن الحج َفالَ َر َف َ قال سبحانه:الحج أَ ْش ُه ٌر َّم ْع ُلو َم ٌ
ون الـم ْؤ ِم ِ ()1
ين
َ ن ُْ َ ذُ ؤ ي
َ ُْين ِ
ذ َّ لا و
َ تعالى: ،وقال وق َوالَ ِج َد َال ِفي الحج ُف ُس َ
2
اح َت َم ُلوا بُ ْه َتا ًنا َو ِإ ْث ًما ُّمب ًِينا ،) (والمعاصي ِ والـم ْؤ ِم َن ِ
اك َت َس ُبوا َف َقد ْات ب َِغ ْيرِ َما ْ َ ُ
ين َك َفروا في ْ الحرم ليست كالمعاصي في غيره ،قال سبحانهِ :إ َّن الَّ ِ
ذ
ُ َ
اس َس َو ًاء ِيل اهلل والـمس ِج ِد الـحر ِام الَّ ِذي جع ْل َناه ِللن ِ ون َعن َسب ِ َو َي ُص ُّد َ
َ َ ُ َّ َ ْ َ َ َْ ْ
3
( )
يم. اك ُف ِف ِيه وا ْلب ِاد ومن يرِ ْد ِف ِيه ِبإِلـح ٍاد ِبظُ ْل ٍم نُ ِذ ْقه ِمن َع َذا ٍب أَ ِل ٍ ا ْلع ِ
ُ ْ ْ َ َ َ ََ ُ َ
-23يحافظ على جميع الواجبات ،ومن أعظمها الصالة في أوقاتها
مع الجماعة ،ويكثر من الطاعات :كقراءة القرآن ،والذكر ،والدعاء،
واإلحسان إلى الناس بالقول والفعل ،والرفق بهم ،وإعانتهم عند
الحاجة .قال (( :مثل المؤمنين في توادهم ،وتراحمهم ،وتعاطفهم مثل
الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))(.)4
-27يتخلق بالخلق الحسن ،ويخالق به الناس ،والخلق الحسن يشمل:
الصبر ،والعفو ،والرفق ،واللين ،والحلم ،واألناة وعدم العجلة في األمور،
والتواضع ،والكرم والجود ،والعدل ،والثبات ،والرحمة ،واألمانة ،والزهد
والورع ،والسماحة ،والوفاء ،والحياء ،والصدق ،والبر واإلحسان،والعفة،
والنشاط ،والمروءة؛ ولعظم فضل حسن الخلق قال النبي (( :أكمل المؤمنين
إيما ًنا أحسنهم خل ًقا ،)5())..وقال (( :إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة البقرة ،اآلية.118 :
( )2سورة األحزاب ،اآلية.28 :
( )3سورة الحج ،اآلية.22 :
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب األدب ،باب رحمة الناس والبهائم ،برقم ،3011ومسلم في كتاب
البر والصلة واآلداب ،باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم( ،رقم .)2283
( ) 5أخرجــه أبــو داود فــي كتــاب الســنة ،بــاب الــدليل علــى زيــادة اإليمــان ونقصــانه( ،رقــم ،)3382
والترمذي في كتاب الرضاع ،باب ما جاء في حق المرأة على زوجها( ،رقم ،)1132وقال :حديث
=
صالة المسافر 555
()1
الصائم القائم)) .
-28يعين الضعيف ،والرفيق في السفر :بالنفس ،والمال ،والجاه،
ويواسيهم بفضول المال وغيره مما يحتاجون إليه ،فعن أبي سعيد
فليع ْد
((أنهم كانوا مع رسول اهلل في سفر فقال(( :من كان معه فضل ظهر ُ
فليع ْد به على من ال زاد
ُ به على من ال ظهر له ،ومن كان معه فضل زاد
له)) ،فذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه ال حق ألحد منا في فضل))(.)2
وعن جابر قال(( :كان رسول اهلل يتخلف في المسير فيزجي
الضعيف( ،)3ويردف ،ويدعو لهم))( .)4وهذا يدل على رأفته وحرصه
على مصالحهم؛ ليقتدي به المسلمون عامة ،والمسؤولون خاصة.
يتعجل في العودة وال يطيل المكث في السفر لغير حاجة؛ لقوله ّ -21
((:السفر قطعة من العذاب،يمنع أحدكم طعامه وشرابه،ونومه،فإذا قضى
أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله))(.)5
يستحب له أن يقول أثناء رجوعه من سفره ما ثبت عن النبي
ّ -40
أنه كان إذا قفل من غزو ،أو حج ،أو عمرة ،يكبر على كل شرف من
ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
حسن صحيح .وأحمد في مسنده ،)372 ،220/2( ،والحاكم في مستدركه ،)4/1( ،وقال :صحيح
علــى شــرط مســلم .ووافقــه الــذهبي .وصــححه األلبــاني فــي الصــحيحة( ،رقــم ،)283وصــحيح
الترمذي.213/1 ،
( )1أخرجه أبو داود في كتاب األدب ،با ب في حسـن الخلـق( ،رقـم ،) 3718وصـححه األلبـاني فـي
صحيح أبي داود ،) 111/4( ،وفي صحيح الجامع( ،رقم .)1142
( )2أخرجه مسلم في كتاب اللقطة ،باب استحباب المؤاساة بفضول المال( ،رقم .)1728
( )3ومعنى يزجي الضعيف :أي يسوقه ويدفعه حتى يلحق بالرفاق .انظر :النهاية في غريب الحديث
البن األثير.217/2 ،
( )4أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد ،باب في لزوم الساقة( ،رقم ،)2341والحاكم في المستدرك،
(،) 112/2وقال:صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .ووافقه الذهبي .وصححه األلباني في
صحيح أبي داود ،)200/2( ،وفي الصحيحة( ،رقم .)2120
( )5أخرجه البخاري في كتاب العمرة ،باب السفر قطعة من العذاب( ،رقم ،)1803ومسلم في كتاب
اإلمارة ،باب السفر قطعة من العذاب واستحباب تعجيل المسافر إلى أهله بعد قضاء شغله( ،رقم
،)1127والنهمة :هي الحاجة.
550 صالة المسافر
األرض ثالث تكبيرات ثم يقول(( :ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،له
الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير،آيبون،تائبون،عابدون،
ساجدون ،لربنا حامدون،صدق اهلل وعده،ونصر عبده ،وهزم األحزاب
وحده))(.)1
يستحب له إذا رأى بلدته أن يقول(( :آيبون ،تائبون ،عابدون،
ّ -41
()2
ويردد ذلك حتى يدخل بلدته؛ لفعله . ّ لربنا حامدون)).
الغيبة لغير حاجة إال إذا ب َّلغهم -42ال يقدم على أهله ليالً إذا أطال
َْ
بذلك،وأخبرهم بوقت قدومه ليالً؛لنهيه عن ذلك،قال جابر بن عبد اهلل
رضي اهلل عنهما(( :نهى النبي أن يطرق( )3الرجل أهله ليالً))( .)4ومن الحكمة
وتستحد
َّ في ذلك ما فسرته الرواية األخرى(( :حتى تمتشط الشعثة،
المغيبة)) ،وفي أخرى(( :نهى رسول اهلل أن يطرق الرجل أهله ليالً َّ
يتخونهم ،أو يلتمس عثراتهم))(.)5
ّ
يستحب للقادم من السفر أن يبتدئ بالمسجد الذي بجواره ّ -44
ويصلي فيه ركعتين؛ لفعله ؛ فإنه ((كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد
فركع فيه ركعتين))(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أخرجه البخاري في كتاب العمرة،باب ما يقول إذا رجع من الحج( ،رقم ،)1717ومسلم في
كتاب الحج ،باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره( ،رقم .)1433
( )2أخرجه مسلم في كتاب الحج ،باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره( ،رقم .)1432
( )3ال يطرق أهله :أي ال يدخل عليهم ليالً إذا قدم من سفر.
( )4أخرجه البخاري في كتاب العمرة،باب ال يطرق أهله إذا بلغ المدينة(،رقم ،)1801ومسلم في
كتاب اإلمارة ،باب كراهة الطروق وهو الدخول ليالً لمن ورد من سفر( ،رقم .)183/1128
( )5أخرجه مسلم في كتاب اإلمارة ،باب كراهة الطروق وهو الدخول ليالً لمن ورد من سفر( ،رقم
.)183/1128
( )6أخرجه البخاري في كتاب الصالة ،باب الصالة إذا قدم من سفر بعد الحديث رقم ،334ومسلم
في كتاب صالة المسافرين وقصرها ،باب استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول
قدومه( ،رقم .)713
صالة المسافر 556
-43يستحب للمسافر إذا قدم من سفر أن يتلطف بالوِ ْل َدان من أهل
بيته وجيرانه ويحسن إليهم إذا استقبلوه،فعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال:لما
واحدا بين يديهً قدم النبي مكة استقبله أُغيلمة بني عبد المطلب فحمل
واآلخر خلفه(.)1وقال عبد اهلل بن جعفر ((:كان إذا قدم من سفر ُت ُل ّقي
بناَ ،ف ُت ُل ّقي بي وبالحسن أو بالحسين فحمل أحدنا بين يديه واآلخر خلفه
َ
حتى دخلنا المدينة))(.)2
تستحب الهدية ،لما فيها من تطييب القلوب وإزالة الشحناء،ّ -42
ردها لغير مانع شرعي؛ ولهذا قال
ويستحب قبولها ،واإلثابة عليها ،ويكره ّ
(( :تهادوا تحابّوا))( ،)3والهدية سبب من أسباب المودة بين المسلمين؛
ولهذا قال بعضهم:
تولــــــد فــــــي قلــــــوبهم الوصــــــاال
هـــدايا النـــاس بعضـــهم لـــبعض
شـيئا فغضـب وقد ُذ ِك َر أن أحـد الحجـاج عـاد إلـى أهلـه فلـم ّ
يقـدم لهـم ً
واحد منهم وأنشد شعرا فقال:
ً
سواكا وال نعالً ً ولم يحملوا منها كـــأن الحجـــيج اآلن لـــم يقربـــوا
( )4
وال وضعوا في كف طفل لنا نقال ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
أتونـــا فمـــا جـــادوا بعـــود أراكـــة منـ
ومن أجمل الهدايا ماء زمزم؛ ألنها مباركة ،قال في ماء زمزم(( :إنها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أخرجه البخاري في كتاب العمرة،باب استقبال الحاج القادمين والثالثة على الدابة(،رقم ،)1718
وفي كتاب اللباس ،باب الثالثة على الدابة( ،رقم .)2132
( )2أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة ،باب فضائل عبد اهلل بن جعفر رضي اهلل عنهما( ،رقم
،)37/2328وأبو داود في كتاب الجهاد ،باب في ركوب ثالثة على دابة( ،رقم ،)2233وابن ماجه
في كتاب األدب،باب ركوب ثالثة على دابة(،رقم ،)4774وانظر فتح الباري.)413/10( ،
( )3أخرجه أبو يعلى في مسنده( ،رقم ،)3138والبيهقي في سننه الكبرى ،)131/3( ،وفي شعب
اإليمان( ،رقم ،)8173والبخاري في األدب المفرد( ،رقم ،)213وقال الحافظ ابن حجر في
حسنه األلباني في إرواء الغليل( ،رقم .)1301
التلخيص الحبير :)70/4( ،إسناده حسن .وكذا ّ
( )4انظر :المنهاج للمعتمر والحاج لسعود بن إبراهيم الشريم ،ص.123
555 صالة المسافر
القراءة))(.)1
وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال(( :فرض اهلل الصالة على لسان نبيكم
أربعا ،وفي السفر ركعتين ،وفي الخوف ركعة))( ،)2وعن عبد في الحضر ً
اهلل بن مسعود (( :صليت مع رسول اهلل بمنى ركعتين ،وصليت مع
أبي بكر الصديق بمنى ركعتين ،وصليت مع عمر بن الخطاب
ركعتين ،فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان)) .وفي لفظ:
((صليت مع النبي ركعتين ،ومع أبي بكر ركعتين ،ومع عمر
ركعتين ،ثم تفرقت بكم الطرق ،يا ليت حظي من أربع :ركعتان
متقبلتان))(.)3
-4وأما اإلجماع ،فقد أجمع أهل العلم على أن من سافر سفرا تقصر
ً
في مثله الصالة :في حج ،أو عمرة ،أو جهاد أن له أن يقصر الرباعية
فيصليها ركعتين( ،)4وأجمعوا على أن ال يقصر في المغرب وال في صالة
الصبح(.)5
خامسا :القصر في السفر أفضل من اإلتمام؛ لحديث عبد اهلل بن ً
خصه
رسول اهلل (( :إن اهلل يحب أن تؤتى ُر ُ عمر رضي اهلل عنهما ،قال :قال
كما يكره أن تؤتى معصيته))( ،)6وفي رواية(( :إن اهلل يحب أن تؤتى
عزائمه))( .)7ولكن لو أتم المسافر الصالة
ُ رخصه كما يحب أن تؤتى ُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسند أحمد ،231/3 ،وابن خزيمة ،برقم ،402وابن حبان ،برقم .2748
( )2مسلم ،كتاب صالة المسافرين وقصرها ،باب صالة المسافرين وقصرها ،برقم .387
( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب التقصير ،باب الصالة بمنى ،برقم ،1083وكتاب الحج ،باب الصالة
بمنى،برقم ،1323ومسلم،كتاب صالة المسافرين ،باب قصر الصالة بمنى ،برقم .312
( )4انظر :اإلجماع البن المنذر ،ص ،33والمغني البن قدامة.102/4 ،
( )5انظر :اإلجماع البن المنذر ،ص.33
( )6أخرجه اإلمام أحمد في المسند ،108/2 ،وصححه األلباني في إرواء الغليل ،برقم .233
( )7أخرجه ابن حبان من حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما ،31/2 ،برقم ،423والطبراني في المعجم الكبير ،برقم
=
صالة المسافر 555
أربعا فصالته صحيحة ولكنه خالف األفضل؛ألن عائشة
رضي اهلل عنها
ً الرباعية
كانت تتم في السفر بعد موت النبي ،وأتم عثمان بمنى( ،)1ولكن
ما داوم عليه رسول اهلل في أسفاره أفضل بال شك( ،)2وسمعت
شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول(( :أصل
الصالة ركعتان كما فرضها اهلل تعالى ،ثم زاد فيها سبحانه في الحضر بعد
الهجرة ثنتين،في العشاء،والظهر ،والعصر،وبقيت صالة السفر على حالها:
الظهر ،والعصر،والعشاء ركعتان ،وهذا يؤيد األصل ،والمغرب والفجر
بقيت على أصلها ،فالقصر سنة مؤكدة ،ولكن ال مانع من اإلتمام في
أربعا فال حرج ،وقد كانتالسفر ،والقصر صدقة من اهلل ،فمن صلى ً
عائشة رضي اهلل عنها تتم في السفر ،وتأولت أنه ال يشق عليها ،ولم ينكر عليها
الصحابة ،وهي من أعلم الناس))(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
،11880وصححه األلباني في إرواء الغليل ،11/4 ،برقم .233
( )1إتمام عائشة رضي اهلل عنها في السفر رواه مسلم ،في كتاب صالة المسافرين ،باب صالة المسافرين وقصرها،
برقم ،)382(-4وإتمام عثمان في منى رواه البخاري في كتاب التقصير ،باب الصالة بمنى ،برقم
،1083وكتاب الحج ،باب الصالة بمنى ،برقم ،1323ومسلم ،كتاب صالة المسافرين وقصرها ،باب
قصر الصالة بمنى ،برقم .312
( )2قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل(( :وقد تنازع العلماء في التربيع [في السفر] هل هو محرم
أو مكروه أو ترك األولى؟ أو مستحب؟ أو هما سواء؟ على خمسة أقوال(( :أحدها :قول من يقول:
كقول للشافعي ،والثاني :قول من يسوي بينهما كبعض أصحاب مالك ،والثالث: ٍ اإلتمام أفضل،
قول من يقول القصر أفضل ،كقول الشافعي الصحيح ،وإحدى الروايتين عن أحمد ،والرابع :قول
من يقول :ال قصر واجب ،كقول أبي حنيفة ومالك في رواية ،وأظهر األقوال :قول من يقول :إنه
سنة واإلتمام مكروه؛ ولهذا ال تجب نية القصر عند أكثر العلماء :كأبي حنيفة ،ومالك ،وأحمد في
أحد القولين عنه في مذهبه)) .مجموع الفتاوى.22-21 ،10 ،1/23 ،
( )3سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام ،على األحاديث ذات األرقام ،322 ،323 ،324 ،322
وقال على حديث عائشة رضي اهلل عنها(( :إن النبي كان يقصر في السفر ويتم ويصوم ويفطر)) قال
أهل العلم ليس بمحفوظ ،بل هو شاذ ،والمحفوظ عن النبي في السفر أنه كان يقصر ،فقد
خالفت هذه الرواية رواية الثقات ك أنس وغيره ،لكن فعل عائشة يدل على الجواز كما تقدم،
ولكن ما سار عليه النبي هو أولى وأفضل ،وقد كان عثمان يقصر ثم أتم بعد ذلك ،وصلى معه
بعض أصحابه.
555 صالة المسافر
وإذا نسي صالة الحضر فذكرها في السفر فعليه أن يصليها صالة حضر
أربعا ،فلم يجز لهتعين عليه فعلها ً إجماعا؛ ألن الصالة
ً تامة من غير قصر
َّ
أربع،وأما إن نسي النقصان من عددها؛وألنه إنما يقضي ما فاته وقد فاته ٌ
صالة السفر فذكرها في الحضر،فقال اإلمام أحمد:عليه اإلتمام احتيا ًطا،
وبه قال األوزاعي،وداود،والشافعي في أحد قوليه،وقال مالك والثوري
وأصحاب الرأي :يصليها صالة سفر؛ ألنه إنما يقضي ما فاته ،ولم يفته
إال ركعتان( ،)1واهلل أعلم( .)2وإن نسيها في سفر وذكرها فيه أو ذكرها
في سفر آخر قضاها مقصورة؛ ألنها وجبت في السفر و ُفعلت فيه(.)3
سادسا :مسافة قصر الصالة في السفر :قال البخاري رحمه اهلل: ً
وما وليلة سفرا ،وكان ابنوسمى النبي ي ً
َّ باب :في كم يقصر الصالة،(( ٌ
ً ُ
عمر وابن عباس يقصران ويفطران في أربعة برد وهي ستة عشر
()4
باب في كمٌ قوله:فرسخا)) ،قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل تعالى(( :
ً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني البن قدامة ، 132-131/4 ،واإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف المطبوع مع المقنع والشرح
الكبير ،23-24/2 ،وحاشية الروض المربع البن قاسم.487/2 ،
( )2اختار العالمة محمد بن صالح العثيمين أن الراجح فيمن نسي صالة سفر فذكرها في حضر
صالها قصرا ؛ ألنها صالة وجبت عليه في سفر وصالة السفر مقصورة فال يلزمه إتمامها ،وعلى
ً
هذا فللمسألة أربع صور:
-1ذكر صالة سفر في سفر ،يقصر.
-2ذكر صالة حضر في حضر ،يتم.
-4ذكر صالة سفر في حضر ،يقصر على الصحيح.
-3ذكر صالة حضر في سفر،يتم.انظر:الشرح الممتع البن عثيمين 211-217/3،و.234-232/2
( )3المغني البن قدامة.132/4 ،
( )4البخاري ،كتاب التقصير ،باب :في كم يقصر الصالة؟ قبل الحديث رقم ،1083قال الحافظ ابن
حجر عن أثر بن عمر وابن عباس(( :وصله ابن المنذر من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن
أبي رباح :أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك)) فتح
الباري ، 233/2 ،وقال األلباني عن أثر ابن عباس وابن عمر رضي اهلل عنهما (( :صحيح ...وصله
البيهقي في سننه :147/4 ،إن عبد اهلل بن عمر وعبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما كانا يصليان ركعتين
ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك وإسناده صحيح)) .إرواء الغليل.17/4 ،
صالة المسافر 555
يقصر الصالة؟ يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ
له القصر،وال يسوغ له في أقل منها ...وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ
االستفهام وأورد ما يدل على اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة))(.)1
يوما وليلة سفرا)) .قال الحافظ وقول البخاري رحمه اهلل(( :وسمى النبي ً
ً
ابن حجر رحمه اهلل(( :والمعنى سمى مدة اليوم والليلة سفرا ،كأنه يشير إلى
ً
حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب))( ،)2قلت :وهو قوله (( :ال
يحل المرأة تؤمن باهلل واليوم اآلخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها
حرمة))( ،)3وفي لفظ لمسلم(( :ال يحل المرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إال
ومعها رجل ذو محرم منها)) .وفي لفظ(( :ال يحل المرأة تؤمن باهلل واليوم
اآلخر تسافر مسيرة يوم إال مع ذي محرم)) .وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن
النبي قال(( :ال تسافر المرأة ثالثة أيام إال مع ذي محرم)) ،وفي لفظ(( :ال
تسافر المرأة ثال ًثا إال مع ذي محرم)) .وفي لفظ لمسلم(( :ال يحل المرأة
تؤمن باهلل واليوم اآلخر تسافر مسيرة ثالث ليال إال ومعها ذو محرم))(.)4
وعن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول اهلل (( :ال يحل المرأة تؤمن
فصاعدا إال ومعها أبوها،ً باهلل واليوم اآلخر أن تسافر سفرا يكون ثالثة أيام
ً
أو ابنها ،أو زوجها ،أو أخوها ،أو ذو محرم منها))(.)5
ومن حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما عن النبي (( :ال يخلو َّن رجل بامرأة
إال ومعها ذو محرم ،وال تسافر المرأة إال مع ذي محرم))(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتح الباري.233/2 ،
( )2المرجع السابق.233/2 ،
باب :في كم يقصر الصالة ،برقم ،1088ومسلم ،كتاب( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب التقصيرٌ ،
الحج ،باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره ،برقم .1441
باب :في كم يقصر الصالة ،برقم ،1083ومسلم ،كتاب ( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب التقصيرٌ ،
الحج ،باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره برقم .1448
( )5مسلم ،كتاب الحج ،باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره ،برقم .1431
( )6متفق عليه :البخاري ،كتاب النكاح ،باب ال يخلون رجل بامرأة إال ذو محرم ،برقم ،2244
ومسلم،كتاب الحج،باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره،برقم .1431
555 صالة المسافر
قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل تعالى((:فإن ُحمل اليوم المطلق أو الليلة
المطلقة على الكامل:أي يوم بليلته،أو ليلة بيومها قل االختالف واندرج في
()1
الثالث فيكون أقل المسافة يوما وليلة)) ،وقد ثبت عن ابن عباس رضي اهلل عنهما
()2
ً
من قوله((:ال تقصر إلى عرفة وبطن نخلة،واقصر إلى عسفان ،والطائف،
وجدة ،فإذا قدمت على أهل أو ماشية فأتم))(.)3
َّ
والخالصة أن الجمهور من أهل العلم على أن مسافة السفر التي
تقصر فيها الصالة أربعة ُبرد ،والبريد مسيرة نصف يوم ،وهو أربعة
ُ
فراسخ ،والفرسخ ثالثة أميال ،فإذا كانت مسافة سفر اإلنسان ستة عشر
فرسخا أو ثمانية وأربعين ميالً فله أن يقصر عند الجمهور( ،)4وهذا هو ً
األحوط للمسلم ،وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز
رحمه اهلل يقول((( :)5األولى في هذا أن ما يعد سفرا تلحقه أحكام السفر:
ً
من قصر وجمع ،وفطر ،وثالثة أيام للمسح على الخفين؛ ألنه يحتاج
إلى الزاد والمزاد :أي ما يعد سفرا وما ال فال ،ولكن إذا عمل المسلم
ً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتح الباري.233/2 ،
( )2عسفان :منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة .معجم البلدان.121/3 ،
( )3البيهقي في السنن الكبرى،147/4 ،وابن أبي شيبة في مصنفه واللفظ له ،332/2 ،قال األلباني في
إرواء الغليل(( :13/4 ،وإسناده صحيح)).
( )4المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر إذا خرج عن جميع بيوت قريته من
نحوا من عشرين قوالً ،وذكر
األمور التي اختلف فيه العلماء حتى حكاه ابن المنذر وغيره فيها ً
شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل :أن العلماء تنازعوا هل يختص القصر بسفر دون سفر ،أو يجوز
في كل سفر ،واختار أن أظهر األقوال أنه يجوز في كل سفر قصيرا كان أو طويالً ،كما قصر أهل
ً
مكة خلف النبي بعرفة ومنى ،وبين مكة وعرفة نحو بريد :أربعة فراسخ ،ولكن البد أن يكون
ذلك مما يعد سفرا مثل :أن يتزود له ،ويبرز للصحراء ،وتنازع العلماء في قصر أهل مكة ،فقيل:
ً
كان ذلك ألجل النسك ،وقيل :كان ذلك ألجل السفر ،وكال القولين قال به بعض أصحاب أحمد،
والقول الثاني هو الصواب ،وهو أنهم قصروا ألجل سفرهم؛ ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة
وعدما .انظر مجموع فتاوى ابن تيمية-11-23 ،
ً وجودا
ً وكانوا محرمين ،والقصر معلق بالسفر
.31والمغني البن قدامة ،101-102/4 ،وفتح الباري البن حجر.238-233/2 ،
( )5سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .327
صالة المسافر 555
()1
عد سفرا هو يومين قاصدين ،أما البريد بقول الجمهور وهو أ َّن ما يُ ُّ
ً
والفراسخ الثالثة فال تعد عندهم سفرا ،فلو عمل اإلنسان بهذا القول
ً
فهذا حسن من باب االحتياط؛ لئال يتساهل الناس فيصلوا قصرا فيما ال
ً
ينبغي لهم ذلك؛ لكثرة الجهل ،وقلة البصيرة ،وال سيما عند وجود
السيارات؛ فإن هذا قد يفضي إلى التساهل حتى يفطر في ضواحي البلد،
واليومان هما سبعون كيلو أو ثمانون كيلو تقريبا))(.)2
ً
وقال شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل تعالى(( :وقال بعض أهل العلم
عد سفرابالعرف وال يحدد بالمسافة المقدرة بالكيلوات ،فما يُ ُّ إنه يحدد ُ
ً ()3
العرف يسمى سفرا ،وما ال فال ،والصواب ما قرره جمهور أهل ُ في
ً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اليومان القاصدان هما أربعة برد ،والبريد مسيرة نصف يوم ،ومعنى القاصدين :أي ال يسير فيها اإلنسان
بحتا ،وال يكون كثير النزول واإلقامة ،والبريد قدروه بأربعة فراسخ ،فتكون أربعة برد
سيرا ً ونهارا
ً ليالً
ً
فرسخا ،والفرسخ قدروه بثالثة أميال ،فتكون ثمانية وأربعين ميالً ،والميل المعروف ألف ً ستة عشر
وستمائة متر ،فتكون األربعة برد = 7368كيلو تقريبا ،وقيل 80633 :كيلو ،وقيل ،72 :قال العالمة
ً
محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل:والميل المعروف = كيلو وستين في المائة.انظر:الشرح
الممتع ،313/3،تيسير العالم للبسام،274/1،والفتح الرباني للبنا.108/2 ،
حد للسفر بالمسافة بل كل ما يعد سفرا يتزود له ويبرز
( )2واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل كما تقدم أنه ال ّ
ً
للصحراء فهو سفر ،ورجحه العالمة ابن عثيمين ،بل واختاره ابن قدامة في المغني .انظر :المغني البن قدامة،
،101/4ومجموع فتاوى ابن تيمية،142-11/23،ومجموع فتاوى ابن عثيمين ،321-222/12،واالختيارات
للسعدي ،ص.32
( )3ذكر ابن تيمية رحمه اهلل :أن حد السفر الذي علق عليه الشارع الفطر ،والقصر اضطرب الناس فيه،
فقيل :ثالثة أيام ،وقيل يومين ،وقيل أقل من ذلك ،حتى قيل :ميل ،والذين حددوا ذلك بالمسافة،
منهم من قال :ثمانية وأربعون ميالً ،ومنهم من قال :ستة وأربعون ،وقيل :خمسة وأربعون ،وقيل:
أربعون ،فالذين قالوا ثالثة أيام ،احتجوا بحديث يمسح المسافر ثالثة أيام ،وحديث ال تسافر
المرأة مسيرة ثالثة أيام إال ومعها ذو محرم ...والذين قالوا :يومين اعتمدوا على قول ابن عمر
أحدا
أيضا أن ابن حزم قال(( :لم نجد ً
وابن عباس .مجموع الفتاوى .30-48/23 ،وذكر ابن تيمية ً
يقصر في أقل من ميل)) .فتاوى ابن تيمية.31/23 ،
ركعتين)) وعن أنس قال(( :كان رسول اهلل إذا خرج مسيرة ثالثة أميال أو فراسخ صلى
مسلم ،في كتاب صالة المسافرين وقصرها ،باب صالة المسافرين وقصرها ،برقم ،311وقوله:
((ثالثة أميال أو فراسخ)) شك من الراوي ،وقال الظاهرية :مسافة القصر ثالثة أميال ،وأجيب
عليهم بأنه مشكو ك فيه فال يحتج به على الثالثة األميال ،نعم يحتج به على التحديد بالثالثة
الفراسخ إذ يحتج به على الثالثة األميال ،نعم يحتج به على التحديد بالثالثة الفراسخ إذ األميال
=
550 صالة المسافر
العلم وهو التحديد بالمسافة التي ذكرت ،وهذا الذي عليه أكثر أهل
العلم فينبغي االلتزام بذلك))(.)1
سابعا :يقصر المسافر إذا خرج عن جميع بيوت قريته أو مدينته إذا ً
كان سفره تقصر في مثله الصالة ،قال ابن المنذر رحمه اهلل(( :وأجمعوا على أن
للذي يريد السفر أن يقصر الصالة إذا خرج عن جميع البيوت من القرية التي خرج
منها))( ،)2وهذا مذهب جمهور أهل العلم أن المسافر إذا أراد سفرا تقصر في مثله
ً
الصالة ال يقصر حتى يفارق جميع البيوت( ،)3قال أنس (( :صليت الظهر مع النبي
أربعا ،وبذي الحليفة ركعتين)) ،وفي لفظ(( :أن رسول اهلل صلى الظهر
ً بالمدينة
أربعا ،وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين))( ،)4وهذا فيه داللة على أنه ليس
بالمدينة ً
لمن نوى السفر أن يقصر حتى يخرج من عامر بيوت قريته أو مدينته أو خيام قومه
ويجعلها وراء ظهره(.)5وخرج علي فقصر وهو يرى البيوت،فلما رجع قيل له:هذه
الكوفة؟ قال:ال،حتى ندخلها(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
داخلة فيها فيؤخذ باألكثر احتياطًا .انظر :فتح الباري البن حجر ،237/2 ،وسبل السالم
للصنعاني ، 143/4 ،وسمعت هذا المعنى من شيخنا ابن باز أثناء تقريره على بلوغ المرام،
سفرا طويالً
ً
الحديث رقم .327وقال ابن قدامة في المغني(( :108/4 ،يحتمل أنه أراد إذا سافر
أربعا وبذي الحليفة
قصر إذا بلغ ثالثة أميال ،كما قال في لفظه اآلخر ((إن النبي صلى بالمدينة ً
ركعتين))وقال الصنعاني في سبل السالم(( :144/4،المراد من قوله إذا خرج :إذا كان قصده مسافة
هذا القدر ال أن المراد أنه كان إذا أراد سفرا طويالً فال يقصر إال بعد هذه المسافة)).
ً
( )1مجموع فتاوى ابن باز.237/12 ،
( )2اإلجماع البن المنذر ،ص.37
( )3انظر :فتح الباري البن حجر.231/2 ،
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب تقصير الصالة ،باب يقصر إذا خرج من موضعه برقم ،1081وكتاب
الحج،باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح،برقم ،1233ومسلم،كتاب صالة المسافرين وقصرها،
باب صالة المسافرين وقصرها،برقم .310
( )5انظر :المغني البن قدامة ،111/4 ،والشرح الكبير مع المقنع ،33/2 ،واإلنصاف مع المقنع
والشرح الكبير ،33/2 ،والشرح الممتع البن عثيمين.212/3،
التقصير،باب :يقصر إذا خرج من موضعه،قبل الحديث رقم .1081
ٌ ( )6البخاري،كتاب
صالة المسافر 556
وإذا سافر بعد دخول وقت الصالة فله قصرها؛ ألنه سافر قبل خروج
وقتها ،قال ابن المنذر :أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن له
قصرها ،وهذا قول مالك ،واألوزاعي ،والشافعي ،وأصحاب الرأي،
وهو إحدى الروايتين في مذهب الحنابلة( )1واهلل أعلم(.)2
ثام ًنا :إقامة المسافر التي يقصر فيها الصالة،قال ابن المنذر رحمه اهلل:
((وأجمع أهل العلم ال اختالف بينهم على أن لمن سافر سفرا يقصر في مثله
()3 ً
الصالة وكان سفره في حج أو عمرة،أو غزو أن له أن يقصر مادام مسافرا)) .
ً
فعن أنس بن مالك قال((:خرجنا مع رسول اهلل من المدينة إلى
مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين ،قلت:كم أقام بمكة()4؟قال:عشرا))(.)5
ً
قال ابن قدامة رحمه اهلل(( :وجملة ذلك أن من لم يُجمع إقامة مدة
تزيد على إحدى وعشرين صالة فله القصر ولو أقام سنين))(.)6
أما إذا نوى اإلقامة في بلد أكثر من أربعة أيام؛ فإنه يتم؛ألن النبي
قدم مكة في حجة الوداع يوم األحد من ذي الحجة،وأقام فيها األحد،
واإلثنين ،والثالثاء ،واألربعاء ،ثم خرج إلى منى يوم الخميس،فقد قدم
لصبح رابعة،فأقام اليوم الرابع،والخامس،والسادس،والسابع،وصلى الفجر
باألبطح يوم الثامن،فكان يقصر الصالة في هذه األيام،وقد أجمع على
إقامتها ،فإذا أجمع المسافر أن يقيم كما أقام النبي قصر،وإذا أجمع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني البن قدامة ، 134/4 ،وانظر :اإلنصاف للمرداوي المطبوع مع المقنع ،والشرح الكبير،
، 24/2والرواية الثانية عند الحنابلة وهي الرواية الصحيحة من مذهبهم أنه يتمها .انظر :اإلنصاف
المطبوع مع المقنع والشرح الكبير ،24/2 ،المغني البن قدامة.134/4 ،
( )2واختار العالمة ابن عثيمين القصر فقال(( :لو دخل وقت وهو في بلده ثم سافر فإنه يقصر ،ولو دخل
اعتبارا بحال فعل الصالة)) الشرح الممتع.224/3 ،
ً وقت الصالة وهو السفر ثم دخل بلده فإنه يتم،
( )3اإلجماع البن المنذر ،ص.37
( )4السائل هو الراوي عن أنس :يحيى بن أبي إسحاق.
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب تقصير الصالة ،باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر ،برقم
،1081ومسلم كتاب صالة المسافرين ،باب صالة المسافرين وقصرها ،برقم .314
( )6المغني البن قدامة.124/4 ،
555 صالة المسافر
على أكثر من ذلك أتم(،)1قال ابن عباس رضي اهلل عنهما((:قدم النبي وأصحابه
َّ
يلبون بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة إال من معه رابعة ُّ لصبح
الهدي))(.)2
قال شيخ اإلسالم بن تيمية رحمه اهلل(( :إذا نوى أن يقيم بالبلد أربعة
أيام فما دونها قصر الصالة كما فعل النبي لما دخل مكة ،فإنه أقام
بها أربعة أيام يقصر الصالة ،وإن كان أكثر ففيه نزاع ،واألحوط أن يتم
غدا أسافر ،أو بعد غد أسافر ،ولم ينوِ المقام فإنه الصالة ،وأما إن قال ً
يوما ،يقصر الصالة ،وأقام بتبوك
عشر ً يقصر؛ فإن النبي أقام بمكة بضعة
()3
عشرين ليلة يقصر الصالة .واهلل أعلم)) .
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول
يوما يقصر الصالة(:)4عن إقامة النبي عام الفتح بمكة تسعة عشر ً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :المغني البن قدامة ،138-137/4 ،والشرح الكبير المطبوع مع المقنع ،38/2 ،واإلنصاف
المطبوع مع الشرح الكبير،138/2 ،وحاشية ابن قاسم على الروض المربع.410/2،
( )2متفق عليه:البخاري،كتاب التقصير،باب كم أقام النبي في حجته،برقم .1082
( )3مجموع الفتاوى البن تيمية ،17/23 ،وسئل رحمه اهلل عن رجل يعلم أنه يقيم شهرين فهل يجوز
له القصر فأجاب (( :الحمد هلل هذه مسألة فيها نزاع بين العلماء منهم من يوجب اإلتمام ،ومنهم من
يوجب القصر ،والصحيح أن كليهما سائغ فمن قصر فال ينكر عليه ،ومن أتم ال ينكر عليه،
وكذلك تنازعوا في األفضل ،فمن كان عنده شك في جواز القصر فأراد االحتياط فاإلتمام أفضل،
وأما من تبينت له السنة ،وعلم أن النبي لم يشرع للمسافر أن يصلي إال ركعتين ،ولم يحد
أيضا بزمن محدود ،ال ثالثة ،وال أربعة ،وال اثنا عشر ،وال السفر بزمان أو بمكان ،وال حد اإلقامة ً
خمسة عشر ،فإنه يقصر كما كان غير واحد من السلف يفعل ،حتى كان مسروق قد ولَّوه والية لم
يكن يختارها ،فأقام سنين يقصر الصالة ،وقد أقام المسلمون بنهاوند ستة أشهر يقصرون الصالة،
وكانوا يقصرون الصالة مع علمهم أن حاجتهم ال تنقضي في أربعة أيام وال أكثر كما أقام النبي وأصحابه
يوما يقصرون الصالة ،وأقاموا بمكة أكثر من عشرة أيام يفطرون في رمضان، قريبا من عشرين ً بعد فتح مكة
ً
وكان النبي لما فتح مكة يعلم أنه يحتاج أن يقيم بها أكثر من أربعة أيام ،وإذا كان التحديد ال أصل له
شهورا واهلل أعلم)).مجموع الفتاوى،18-17/23 ،ً فمادام المسافر مسافرا يقصر الصالة ولو أقام في مكان
ً
وانظر :مواضع أخرى في الفتاوى،130/23 ،و ،147/23وانظر :االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن
تيمية ،ص ،110والشرح الممتع البن عثيمين ،241-221/3،واالختيارات الجلية للسعدي ،ص.33
( ) 4البخاري ،كتاب التقصير ،باب ما جاء في التقصير ولم يقيم حتى يقصر ،برقم ،1080وفي كتاب
المغازي ،برقم .3211 ،3218
صالة المسافر 555
((وقد أقام في مصالح اإلسالم والمسلمين ،وهذه اإلقامة لم يكن
مجمعاً عليها؛ لهذه األغراض ،فلما حصل المقصود ارتحل إلى المدينة،
ومن المعلوم أن المهاجر ال يقيم في بلده أكثر من ثالثة أيام ،ولكنه أقام
لهذه المصالح ،فإذا أقام المسافر إقامة لم يُجمعها قصر))( .)1وسمعته
يوما يقصر الصالة(:)2يقول عن إقامة النبي في غزوة تبوك عشرين ً
يوما في تبوك ينظر فيما يتعلق بحرب الروم ،هل ((وإقامته عشرين ً
يتقدم أم يرجع ،ثم أذن اهلل له أن يرجع ،واحتج بهذه القصة وقصة
الفتح على أنه ال بأس بالقصر مدة اإلقامة العارضة ،ولو طالت ،حتى
قال أهل العلم :لو مكث سنين مادام لم يجمع إقامة؛ فإنه في سفر ،وله
أحكام السفر ،وهذا هو الصواب ،أما إذا أجمع إقامة فاختلف العلماء
يوما ،أو بثالثة أيام،
يوما ،أو بتسعة عشر ً في مقدارها هل تقدر بعشرين ً
أو أربعة أيام على أقوال :وأحسن ما قيل في ذلك :أربعة أيام؛ ألنها
إقامة النبي في حجة الوداع ،فإذا أجمع اإلقامة أكثر من أربعة أيام
فأقل قصر؛ ألنها إقامة معزوم عليها ،وعليه ّ أتم ،وإن كانت أربعة
َّ
الشافعي ،وأحمد ،ومالك ،وبقول الشافعي وأحمد ومالك ،تنتظم
األدلة ،ويكون ذلك صيانة من تالعب الناس ،وهذا هو األحوط ،كما
قال الجمهور :أربعة أيام؛ ألن ما زاد عنها غير مجمع عليه ،وما نقص
من هذا مجمع عليه :أي داخل في المجمع عليه))( .)3وبهذا يخرج
المسلم من الخالف ويترك ما يريبه إلى ما ال يريبه ،واهلل أعلم(.)4
تاسعا :قصر الصالة بمنى ألهل مكة وغيرهم من الحجاج؛ لحديث ً
عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما،قال((:صليت مع النبي بمنى ركعتين ،وأبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام،الحديث رقم ،321وانظر:فتح الباري البن حجر.232/2 ،
( )2أبو داود ،كتاب الصالة ،باب إذا أقام بأرض العدو يقصر ،برقم ،1242وصححه األلباني في
صحيح أبي داود.443/1 ،
( )3سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .331
( )4انظر :مجموع فتاوى اإلمام ابن باز ،273/12 ،وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء .11/8
555 صالة المسافر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أما إتمام عثمان فله تأويالت كثيرة ذكر اإلمام ابن القيم منها ستة تأويالت يعتذر له بها ،منها:
أن األعراب كثروا في ذلك العام ،وقد قال له بعضهم :إنه صلى ركعتين فقال(( :يا أمير المؤمنين
مازلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين)) فأحب عثمان أن يعلم األعراب أن الصالة أربع،
وغير ذلك من التأويالت .أما عائشة رضي اهلل عنها ،فقد قيل إنها تأولت أن القصر رخصة وأن
أربعا فقلت لها:
اإلتمام لمن ال يشق عليه أفضل ،فعن عروة عن أبيه أنها كانت تصلي في السفر ً
لو صليت ركعتين؟ فقالت :يا ابن أخي إنه ال يشق علي)) رواه البيهقي في السنن الكبرى،134/4 ،
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(( :271/2 ،إسناده صحيح)).
وانظر :للفائدة الستكمال االعتذار لعثمان ولعائشة أم المؤمنين رضي اهلل عنها :زاد المعاد البن
القيم ،372-332/1 ،وفتح الباري البن حجر.271-270/2 ،
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب الوتر ،باب الوتر في السفر ،برقم ،1000 ،111ورقم ،1012
، 1102 ،1018 ،1013ومسلم ،كتاب صالة المسافرين ،باب جواز صالة النافلة على الدابة في
السفر حيث توجهت ،برقم .700
( )3متفق عليه :البخاري ،برقم ،1103 ،1014ومسلم ،برقم ،701وتقدم تخريجه.
505 صالة المسافر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتح الباري بشرح صحيح البخاري ،272/2 ،وقد ذكر صاحب المغني أن األحكام التي يستوي
فيها السفر الطويل والقصير ثالثة :التيمم ،وأكل الميتة في المخمصة ،والتطوع على الراحلة ،وبقية
الرخص تختص بالسفر الطويل .المغني البن قدامة.31/2 ،
( )2المقصود:حصلت منه التفاتةٌ إلى جهة المكان الذي صلَّى فيه.انظر:شرح النووي.203 /2 ،
( )3متفق عليه:البخاري بنحوه،كتاب التقصير،باب من لم يتطوع في السفر دبر الصالة،برقم ،1101
،1102ومسلم بلفظه،كتاب صالة المسافرين،باب صالة المسافرين وقصرها،برقم .381
( )4متفق عليه :البخاري ،برقم ،1121ومسلم ،برقم ،723وتقدم تخريجه.
( )5أخرجه مسلم ،برقم ،381وتقدم تخريجه.
505 صالة المسافر
يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به ،يومئ إيماء صالة الليل إال
الفرائض ،ويوتر على راحلته)) .وفي لفظ(( :كان يوتر على البعير))(.)1
قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل(( :وكان تعاهده ومحافظته على سنة
الفجر أشد من جميع النوافل ولم يكن يدعها هي والوتر سفرا وال
ً
حضرا ...ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى سنة راتبة غيرهما))(.)2
ً
وأما التطوع المطلق فمشروع في الحضر والسفر مطل ًقا ،مثل:صالة
الضحى ،والتهجد بالليل ،وجميع النوافل المطلقة ،والصلوات ذوات
األسباب :كسنة الوضوء ،وسنة الطواف ،وصالة الكسوف ،وتحية
المسجد وغير ذلك(.)3
قال اإلمام النووي رحمه اهلل(( :وقد اتفق العلماء على استحباب
النوافل المطلقة في السفر.)4())...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب الوتر ،باب الوتر على الدابة ،برقم ،111وباب الوتر في السفر ،برقم
،1000ومسلم ،كتاب صالة المسافرين ،باب جواز صالة النافلة على الدابة في السفر حيث
توجهت به ،برقم .700
( )2زاد المعاد في هدي خير العباد .412/1 ،
( )3انظر :مجموع فتاوى ومقاالت لإلمام ابن باز.411-410/11 ،
( )4شرح النووي صحيح مسلم ،202/2 ،وقال(( :واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة فكرهها ابن
عمر وآخرون ،واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور ،ودليله األحاديث المطلقة في ندب
الرواتب)) ،202/2 ،وانظر :فتح الباري البن حجر ،277/2 ،وقال ابن قدامة :فأما سائر السنن
والتطوعات قبل الفرائض وبعدها فقال أحمد :أرجو أن ال يكون بالتطوع في السفر بأس ،وروي
عن الحسن ،قال :كان أصحاب رسول اهلل يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها ،وروي
ذلك عن عمر ،وعلي ،وابن مسعود ،وجابر ،وأنس ،وابن عباس ،وأبي ذر ،وجماعة من التابعين
كثير ،وهو قول مالك ،والشافعي ،وإسحاق ،وأبي ثور ،وابن المنذر ،وكان ابن عمر ال يتطوع مع
الفريضة قبلها وال بعدها ،إال من جوف الليل ،ونقل ذلك عن سعيد بن المسيب ،وسعيد بن جبير،
وعلي بن الحسين ...ثم قال :وحديث الحسن عن أصحاب رسول اهلل قد ذكرناه [مصنف ابن
أبي شيبة ،] 482/1 ،فهذا يدل على أنه ال بأس بفعلها ،وحديث ابن عمر يدل على أنه ال بأس
بتركها ،فيجمع بين األحاديث واهلل أعلم .المغني.127-122/4 ،
قلت:والصواب ما رجحه شيخنا اإلمام ابن باز – رحمه اهلل :-أن المشروع ترك الرواتب في السفر،
وهذا هو السنة أن يترك راتبة الظهر،والمغرب،والعشاء،ما عدا الوتر وسنة الفجر ،فال يتركهما؛
=
صالة المسافر 505
ويتم المقيم بعد
الثاني عشر :صالة المقيم خلف المسافر صحيحة ُّ
سالم المسافر؛ لآلثار في ذلك(،)1واإلجماع ،قال ابن قدامة رحمه اهلل(( :أجمع
أهل العلم على أن المقيم إذا ائتم بالمسافر ،وسلم المسافر من ركعتين أن
ّ 2
على المقيم إتمام الصالة))( ) .وعن عمر أنه كان إذا قدم مكة صلى بهم
قوم سفر))(.)3 ركعتين ثم يقول(( :يا أهل مكة أتموا صالتكم فإنا
ٌ ٌ
فظهر من ذلك أن المقيم إذا صلى خلف المسافر صالة الفريضة:
أربعا ،أما إذا
كالظهر ،والعصر ،والعشاء ،فإنه يلزمه أن يكمل صالته ً
صلى المقيم خلف المسافر طلبا لفضل الجماعة ،وقد صلى المقيم
ً
فريضته ،فإنه يصلي مثل صالة المسافر :ركعتين؛ ألنها في حقه نافلة(.)4
وإذا ّأم المسافر المقيمين فأتم بهم فصالتهم تامة صحيحة وخالف األفضل(.)5
الثالث عشر :صالة المسافر خلف المقيم صحيحة ،ويتم المسافر
مثل صالة إمامه ،سواء أدرك جميع الصالة ،أو ركعة ،أو أقل ،وحتى لو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
لحديث ابن عمر وغيره أن النبي كان يدع الرواتب في السفر ،أما النوافل المطلقة فمشروعة في
السفر والحضر ،وهكذا ذوات األسباب .انظر :فتاوى اإلمام ابن باز.411-410/11 ،
( )1روي عن عمران يرفعه(( :أنه أقام بمكة زمان الفتح ثماني عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين
ركعتين إال المغرب ثم يقول :يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا سفر)) أحمد بلفظه،
، 340/3وأبو داود ،كتاب صالة السفر ،باب متى يتم المسافر ،برقم ،1221ولفظه(( :يا أهل البلد
أربعا فإنا قوم سفر)) وفي سنده علي بن زيد بن جدعان ضعيف ،قال الشوكاني(( :وإنما صلوا ً
حسن الترمذي حديثه ( )232لشواهده)) ،نيل األوطار.302/2 ، ّ
( )2المغني ،133 /4 ،وانظر :نيل األوطار للشوكاني.304 /2 ،
إماما أو كان
( )3مالك في الموطأ موقو ًفا ،كتاب قصر الصالة في السفر ،باب صالة المسافر إذا كان ً
وراء اإلمام ،برقم ،131/1 ،11قال اإلمام الشوكاني في نيل األوطار(( :302/2 ،وأثر عمر رجال
إسناده أئمة ثقات)).
( )4انظر :مجموع فتاوى ومقاالت متنوعة ،لإلمام ابن باز.231-221/12 ،
( )5انظر :المغني البن قدامة،133/4 ،ومجموع فتاوى ابن باز،230/12 ،وقد كان عثمان يتم بالناس
في الحج في السنوات األخيرة من خالفته،وثبت عن عائشة أنها كانت تتم الصالة في السفر،
وتقول:إنه ال يشق عليها،فال حرج في إتمام المسافر،ولكن األفضل ما فعله النبي ألنه المشرع
المعلم ،انظر:مجموع فتاوى ابن باز،230/12،وحديث عثمان في مسلم،برقم .312 ،313
500 صالة المسافر
دخل معه في التشهد األخير قبل السالم فإنه يتم ،وهذا هو الصواب من
قولي أهل العلم؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي اهلل عنهما من حديث موسى بن
سلمة رحمه اهلل قال :كنا مع ابن عباس بمكة فقلت :إنا إذا كنا معكم
أربعا وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين ،قال(( :تلك سنة أبي
صلينا ً
()1
أربعا
رضي)اهلل عنهما إذا صلى مع اإلمام صلى ً القاسم . ))وكان ابن عمر
وإذا صالها وحده صلى ركعتين(. 2
وذكر اإلمام ابن عبد البر رحمه اهلل أن في إجماع الجمهور من الفقهاء
على أن المسافر إذا دخل في صالة المقيمين فأدرك منها ركعة أنه يلزمه
أربعا( .)3وقال(( :قال أكثرهم إنه إذا أحرم المسافر خلف ً أن يصلي
المقيم قبل سالمه أنه تلزمه صالة المقيم ،وعليه اإلتمام))(.)4
ومما يدل على أن المسافر إذا صلى خلف المقيم يلزمه اإلتمام عموم
قوله (( :إنما ُجعل اإلمام ليؤتم به فال تختلفوا عليه ،فإذا كبر
َّ
فكبروا.)6( )5( ))...
ّ
الرابع عشر :نية القصر أو الجمع عند افتتاح الصالة والمواالة بين
الصالتين المجموعتين:
اختلف العلماء هل يشترط للقصر والجمع نية؟ قال شيخ اإلسالم ابن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أحمد في المسند ،213/1 ،قال األلباني في إرواء الغليل(( :21/4 ،قلت وسنده صحيح رجاله
أصل مع
ّ رجال الصحيح)) ،والحديث أخرجه مسلم بلفظ(( :كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم
اإلمام))؟ فقال(( :ركعتين سنة أبي القاسم ،))مسلم ،كتاب صالة المسافرين وقصرها ،باب صالة
المسافرين وقصرها ،برقم .388
آثارا في موطأ اإلمام مالك.120-131/1 ،
( )2مسلم ،الكتاب والباب السابق ،برقم ،)388( 17وانظر ً
( )3التمهيد.412-411/13 ،
( )4المرجع السابق.412/13 ،
( )5متفق عليه من حديث أبي هريرة :البخاري ،كتاب األذان ،باب إقامة الصف من تمام الصالة ،برقم ،722
ومسلم ،كتاب الصالة ،باب ائتمام المأموم باإلمام ،برقم .313
( )6انظر :المغني البن قدامة ،433/4 ،ومجموع فتاوى اإلمام ابن باز ،230 ،121/12 ،والشرح
الممتع ،البن عثيمين.211/3،
صالة المسافر 506
تيمية رحمه اهلل(( :الجمهور ال يشترطون النية :كمالك ،وأبي حنيفة ،وهو
أحد القولين في مذهب أحمد ،وهو مقتضى نصوصه ،والثاني تشترط:
كقول الشافعي ،وكثير من أصحاب أحمد :كالخرقي وغيره ،واألول أظهر،
ومن علم بأحد القولين لم ينكر عليه))( .)1وقال رحمه اهلل(( :واألول هو
الصحيح الذي تدل عليه سنة النبي ،فإنه كان يقصر بأصحابه وال يعلمهم
قبل الدخول في الصالة أنه يقصر ،وال يأمرهم بنية القصر ...وكذلك لما
جمع بهم لم يعلمهم أنه جمع قبل الدخول ،بل لم يكونوا يعلمون أنه يجمع
أيضا أن الجمع ال يفتقر إلى أن ينوي حتى يقضي الصالة األولى ،فعلم ً
حين الشروع في األولى))( ،)2وقال رحمه اهلل(( :والنبي لما كان يصلي
أحدا منهم بنية الجمع والقصر،بل خرجوقصرا لم يكن يأمر ً جمعا
ً بأصحابه
ً
من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين من غير جمع،ثم صلى بهم الظهر بعرفة
ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها ثم صلى بهم العصر،ولم
يكونوا نووا الجمع،وهذا جمع تقديم،وكذلك لما خرج من المدينة صلى
بهم بذي الحليفة ركعتين ولم يأمرهم بنية قصر))(.)3
وقال سماحة شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل...(( :
والراجح أن النية ليست بشرط عند افتتاح الصالة األولى ،بل يجوز
الجمع بعد الفراغ من األولى إذا وجد شرطه :من خوف ،أو مطر ،أو
مرض))( .)4فظهر أن الصحيح من قولي أهل العلم أن النية ليست بشرط
عند افتتاح الصالة في القصر والجمع(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ،13/23 ،وانظر :المغني البن قدامة.111/4 ،
( )2فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية،21/23،وانظر:اإلنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير.102/2 ،
( )3مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية.20/23 ،
( )4مجموع فتاوى ابن باز.213/12 ،
( )5ورجح ذلك شيخ اإلسالم كما تقدم ،واإلمام ابن باز ،والسعدي في المختارات الجلية ،ص،37
والمرداوي في اإلنصاف ،المطبوع مع المقنع والشرح الكبير ،32/2 ،وابن عثيمين في الشرح
الممتع ،222-224/3 ،و ،233وانظر :االختيارات الفقهية البن تيمية ،ص.114
505 صالة المسافر
أما المواالة بين الصالتين المجموعتين فقد اشترطها بعضهم ،واختار شيخ
اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل ،والعالمة السعدي ،عدم اشتراط المواالة(.)1
وقال شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل(( :الواجب
في جمع التقديم المواالة بين الصالتين ،وال بأس بالفصل اليسير ُعر ًفا؛
لما ثبت عن النبي في ذلك وقد قال (( :صلوا كما رأيتموني
أصلي))( .)2أما جمع التأخير فاألمر فيه واسع؛ ألن الثانية تفعل في وقتها؛
ولكن األفضل هو المواالة بينهما تأسيا بالنبي في ذلك ،واهلل ولي
ً
التوفيق))( )3واهلل أعلم(.)4
الخامس عشر :رخص السفر:
من قواعد الشريعة(( :المشقة تجلب التيسير))( ،)5ولما كان السفر قطعة
من العذاب؛ لقوله (( :السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه
وشرابه ،ونومه ،فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله))( ،)6رتّب الشارع ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ،21/23 ،و ،23واالختيارات الفقهية له ،ص،112
والمختارات الجلية للسعدي ،ص ،38واإلنصاف للمرداوي.103/2 ،
( )2البخاري ،كتاب األذان ،برقم .341
( )3مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز.212/12 ،
( )4قال العالمة ابن عثيمين(( :واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية :أنه ال تشترط المواالة بين المجموعتين،
وقتا
وقال :إن معنى الجمع هو الضم بالوقت :أي ضم وقت الثانية لألولى بحيث يكون الوقتان ً
نصوصا عن اإلمام أحمد تدل على ما ذهب إليه من أنه ال
ً واحدا ...وقد ذكر شيخ اإلسالم رحمه اهلل
ً
تقديما كما أن المواالة ال تشترط بالجمع بينهما تأخيرا،
ً الصالتين بين الجمع في المواالة تشترط
ً
واألحوط أن ال يجمع إذا لم يتصل ،ولكن رأي شيخ اإلسالم له قوة))الشرح الممتع.231-238/3،
واألقوال ثالثة :األول :المواالة ليست شرطًا في جمع التقديم وال في جمع التأخير ،وهذا رأي
شيخ اإلسالم ابن تيمية.
الثاني :المواالة شرط في الجمعين؛ ألن الجمع هو الضم ،وهو قول بعض العلماء.
الثالث :تشترط المواالة في جمع التقديم وال تشترط في جمع التأخير ،وهذا هو المشهور من
مذهب الحنابلة .الشرح الممتع البن عثيمين.278/3،
( )5انظر:إرشاد أولي البصائر واأللباب للعالمة السعدي،ص،114ورسالة القواعد الفقهية له،ص.20-31
( )6البخاري ،كتاب العمرة ،باب السفر قطعة من العذاب ،برقم .1803
صالة المسافر 505
خلوه من المشاق؛ ألن األحكام
ُّ رتب من الرخص ،حتى ولو ُفرِ ض ّ
تع َّلق بعللها العامة ،وإن تخلفت في بعض الصور واألفراد ،فالحكم
الفرد يُلحق باألعم ،وال يفرد بالحكم ،وهذا معنى قول الفقهاء رحمهم
اهلل(( :النادر ال حكم له)) ،يعني ال ينقض القاعدة وال يخالف حكمه
حكمها ،فهذا أصل يجب اعتباره ،فأعظم رخص السفر وأكثرها حاجة
ما يأتي:
-1القصر؛ ولذلك ليس للقصر من األسباب غير السفر؛ ولهذا
أضيف السفر إلى القصر الختصاصه به ،فتقصر الرباعية من أربع إلى
ركعتين.
-2الجمع بين الظهر والعصر ،والمغرب والعشاء في وقت إحداهما،
والجمع أوسع من القصر؛ ولهذا له أسباب أُخر غير السفر :كالمرض،
واالستحاضة ،والمطر ،والوحل ،والريح الشديدة الباردة ،ونحوها من
الحاجات ،والقصر أفضل من اإلتمام ،بل يكره اإلتمام لغير سبب ،وأما
الجمع في السفر فاألفضل تركه إال عند الحاجة إليه ،أو إدراك الجماعة،
فإذا اقترن به مصلحة جاز.
-4الفطر في رمضان من رخص السفر.
-3الصالة النافلة على الراحلة أو وسيلة النقل إلى جهة سيره.
-2وكذلك المتنفل الماشي.
-3المسح على الخفين ،والعمامة ،والخمار ،ونحوها ،ثالثة أيام
بلياليها؛ لحديث علي بن أبي طالب ، قال(( :جعل رسول اهلل ،
ويوما وليلة للمقيم))( .)1وأما التيمم فليس
ً ثالثة أيام ولياليهن للمسافر،
سببه السفر ،وإن كان الغالب أن الحاجة إليه في السفر أكثر منه في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،كتاب الطهارة ،باب التوقيت في المسح على الخفين ،برقم .273
505 صالة المسافر
الحضر ،وكذلك أكل الميتة للمضطر عام في السفر والحضر ،ولكن في
الغالب وجود الضرورة في السفر.
-7ترك الرواتب في السفر ،وال يكره له ذلك ،مع أنه يكره تركها في
الحضر ،أما راتبة الفجر وصالة الوتر،والصلوات المطلقة فتصلى حضرا
ً
وسفرا.
ً
- 8من رخص السفر ما ثبت عن النبي أنه قال(( :إذا مرض العبد
صحيحا))( .)1فاألعمال التي
ً مقيما
ً أو سافر ُكتب له مثل ما كان يعمل
يعملها في حضره :من األعمال القاصرة على نفسه ،والمتعدية يجري له
أجرها إذا سافر ،وكذلك إذا مرض ،فيا لها من نعمة ما أجلها وأعظمها.
وأما صالة الخوف فليس سببه السفر،ولكنه فيه أكثر(.)2
السادس عشر :الجمع وأنواعه ودرجاته:
-1الجمع بعرفة؛ لحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال(( :إنهم كانوا
السنّة))((( ،)3وكان ابن عمر رضي اهلل عنهما إذا
يجمعون بين الظهر والعصر في ُّ
()4
فاتته الصالة مع اإلمام جمع بينهما)) .وعن جابر في حديثه في
حجة الوداع ،وفيه :أن النبي أتى بطن الوادي فخطب الناس ،ثم أذن،
شيئا))(.)5
يصل بينهما ً ّ ثم أقام فصلى الظهر ،ثم أقام فصلى العصر ،ولم
ومما يدل على أنه صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين حديث أنس
قال(( :خرجنا مع النبي من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين
ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة)) .وفي لفظ لمسلم(( :خرجنا من المدينة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والسير،باب:يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في اإلقامة ،برقم .2113
ٌ ( )1البخاري،كتاب الجهاد
( )2انظر :إرشاد أولي البصائ ر واأللباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر األسباب ،للعالمة السعدي،
ص 113-114بتصرف يسير.
( )3البخاري ،كتاب الحج ،باب الجمع بين الصالتين بعرفة ،برقم .1332
( )4البخاري ،كتاب الحج ،باب الجمع بين الصالتين بعرفة ،قبل الحديث رقم .1332
( )5مسلم ،كتاب الحج ،باب حجة النبي ،برقم .1218
صالة المسافر 565
()1
. )) إلى الحج..
-2الجمع بمزدلفة؛ لحديث جابر أن النبي حينما أفاض من
عرفة(( :أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين،
شيئا))()3؛ ولحديث أسامة بن زيد ، وفيه(( :أن ً
()2
ولم يسبح بينهما
النبي لما جاء المزدلفة نزل فتوضأ ،فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصالة
فصلى المغرب ،ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ،ثم أقيمت العشاء
()4
شيئا)) ؛ ولحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما
يصل بينهما ًّ فصالها ،ولم
ِج ْم ٍع ،ليس بينهما قال(( :جمع رسول اهلل بين المغرب والعشاء ب َ
()5
سجدة ،وصلى المغرب ثالث ركعات وصلى العشاء ركعتين)) .
-4الجمع في األسفار األخرى أثناء السير في وقت األولى أو الثانية أو
بينهما؛ لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال(( :كان رسول اهلل يجمع بين
صالة الظهر والعصر ،إذا كان على ظهر سير( ،)6ويجمع بين المغرب
والعشاء))( ،)7وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال(( :كان النبي يجمع بين
جد به السير( ،)9()))8وعن أنس قال(( :كان النبي المغرب والعشاء إذا َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،برقم ،1081ومسلم ،برقم ،314وتقدم تخريجه في قصر الصالة بمنى.
يصل صالة النافلة .جامع األصول البن األثير.721/2 ،
( )2ولم يسبح بينهما :لم ّ
( )3مسلم ،كتاب الحج ،باب حجة النبي ،برقم .1218
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب الحج ،باب الجمع بين الصالتين بمزدلفة ،برقم ،1372ومسلم،
جميعا
ً كتاب الحج ،باب اإلفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صالتي المغرب والعشاء
بالمزدلفة في هذه الليلة ،برقم .1280
( )5مسلم ،كتاب الحج ،باب اإلفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صالتي المغرب والعشاء
جميعا بالمزدلفة في هذه الليلة ،برقم .1288
ً
( )6إذا كان على ظهر سير :أي إذا كان سائرا .فتح الباري البن حجر.280/2 ،
ً
( )7البخاري،كتاب تقصر الصالة،باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء،برقم .1107
( )8إذا جد به السير :أي إذا اهتم به وأسرع فيه .النهاية في غريب الحديث ،233/1 ،وقال الحافظ:
((إذا جد به السير :أي اشتد)) .فتح الباري.280/2 ،
( )9متفق عليه :البخاري ،كتاب التقصير ،باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء برقم ،1103
ومسلم ،كتاب صالة المسافرين ،باب جواز الجمع بين الصالتين في السفر ،برقم .704
565 صالة المسافر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1النسائي ،كتاب المواقيت ،باب الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر،برقم ،287
وأبو داود ،كتاب الصالة ،باب الجمع بين الصالتين،برقم ،1203وموطأ اإلمام مالك ،كتاب قصر
الصالة ،باب الجمع بين الصالتين في الحضر والسفر 133-134/1،وصححه األلباني في
صحيح سنن أبي داود ،440/1 ،وفي صحيح سنن النسائي.113/1،
560 صالة المسافر
الظهر وهو تعبان ،سهران ،جائع محتاج إلى راحة وأكل ونوم ،فيؤخر
الظهر إلى وقت العصر ،ثم يحتاج أن يقدم العشاء مع المغرب وينام بعد
ذلك؛ ليستيقظ نصف الليل لسفره ،فهذا ونحوه يباح له الجمع .وأما
أياما في قرية أو مصر وهو في ذلك كأهل المصر :فهذا وإن كان النازل ً
()1
يقصر؛ ألنه مسافر فال يجمع)) .
واست ِد َّل على أن المسافر يجمع بين الصالتين عند الحاجة في نزوله في ُ
السفر بحديث أبي جحيفة :أنه أتى النبي وهو نازل بمكة باألبطح في
حجة الوداع في قبة له حمراء من أدم،قال :فخرج النبي بالهاجرة عليه
حلة حمراء،فتوضأ وأذن بالل،ثم ُر ِك َزت له عنزة فتقدم فصلى بهم بالبطحاء
الظهر ركعتين ،والعصر ركعتين،)2())...قال النووي رحمه اهلل(( :فيه دليل على
القصر والجمع في السفر،وفيه أن األفضل لمن أراد الجمع وهو نازل في
وقت األولى أن يقدم الثانية إلى األولى،وأما من كان في وقت األولى سائرا
ً
فاألفضل تأخير األولى إلى وقت الثانية))(،)3واهلل تعالى أعلم(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ، 32-33/23 ،وأما تلميذه ابن القيم فال يرى الجمع وقت
النزول ،انظر :زاد المعاد في هدي خير العباد ،381/1 ،وأما شيخنا عبد العزيز ابن باز ،فيرى أن
الجمع للمسافر وقت النزول ال بأس به ،ولكن تركه أفضل .انظر :مجموع فتاوى ابن باز،
.217/12
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب الوضوء ،باب استعمال فضل وضوء الناس ،برقم ،187ومسلم،
كتاب الصالة ،باب سترة المصلي ،برقم .204
( )3شرح النووي على صحيح مسلم.338/3 ،
( )4ذكر العالمة محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل خالف العلماء في مسألة جمع المسافر أثناء
السير والنزول :قال:
أ -فمنهم من يقول :ال يجوز الجمع للمسافر إال إذا كان سائرا ال إذا كان نازالً ،وذكر أدلتهم.
ً
ب -والقول الثاني :أنه يجوز الجمع للمسافر سواء كان نازالً ،أم سائرا واستدلوا بما يلي:
ً
-1أن النبي جمع بغزوة تبوك وهو نازل.
-2ظاهر حديث أبي جحيفة الثابت في الصحيحين أن النبي كان نازالً باألبطح في حجة
الوداع فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين.
-4عموم حديث ابن عباس (( :جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير
=
صالة المسافر 566
- 2الجمع للمريض الذي يلحقه بتركه مشقة وضعف جائز؛ لحديث
ابن عباس رضي اهلل عنهما قال(( :جمع رسول اهلل بين الظهر والعصر،
والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف وال مطر)) ،وفي لفظ(( :صلى
جميعا ،في غير
ً جميعا ،والمغرب والعشاء
ً رسول اهلل الظهر والعصر
خوف وال سفر)) ،وسئل ابن عباس ِلم فعل ذلك؟ قال(( :أراد أن ال يحرج
()1 َ
أحدا من أمته)) .
أمته)) ،وفي لفظ(( :أراد أن ال يحرج ً
وسبعا
ً جميعا،
ً وعنه قال(( :صليت مع رسول اهلل بالمدينة ثمانيا
ً
جميعا ،الظهر والعصر ،والمغرب والعشاء))(.)2
ً
قال الحافظ ابن حجـر رحمـه اهلل(( :فـانتفى أن يكـون الجمـع المـذكور:
للخــوف ،أو الســفر ،أو المطــر ،وجــوز بعــض العلمــاء أن يكــون الجمــع
المــذكور للمــرض ،)3())..قــال اإلمــام النــووي رحمــه اهلل ...(( :ومــنهم مــن
قال :هو محمول على الجمع بعـذر المـرض أو نحـوه ممـا هـو فـي معنـاه
مــن األعــذار ...وهــو المختــار فــي تأويلــه لظــاهر الحــديث ،ولفعــل ابــن
عباس وموافقة أبي هريرة؛ وألن المشقة فيه أشد من المطر .)4())...وقـال
شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن بـاز رحمـه اهلل(( :الصـواب حمـل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
خوف وال سفر)).
-3أنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه فجوازه في السفر من باب أولى.
-2أن المسافر يشق عليه أن يفرد كل صالة في وقتها :إما للعناء أو قلة الماء أو غير ذلك.
قال رحمه اهلل (( :والصحيح أن الجمع للمسافر جائز لكنه في حق السائر مستحب وفي حق النازل
جائز غير مستحب ،إن جمع فال بأس وإن ترك فهو أفضل)) الشرح الممتع.224-220/3 ،
( )1مسلم ،برقم ،)702(-31ورقم ،)702(-23وتقدم تخريجه في صالة المريض.
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب مواقيت الصالة ،باب تأخير الظهر إلى العصر ،برقم ،234وكتاب التطوع ،باب
من لم يتطوع بعد المكتوبة ،برقم ،1173ومسلم ،كتاب صالة المسافرين ،باب الجمع بين الصالتين في
الحضر ،برقم ،)702(-22ورقم .)702(-32
( )3فتح الباري البن حجر.23/2 ،
( )4شرح النووي على صحيح مسلم ،223-222/2 ،وانظر اإلعالم بفوائد عمدة األحكام لإلمام
عمر بن علي المعروف بابن الملقن.80/3 ،
565 صالة المسافر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :الشرح الممتع ،البن عثيمين.228/3،
( )2حاشية الروض المربع ،البن قاسم ،302/2 ،وذكر القولين ابن قدامة في المغني ،142/4 ،وفي
الكافي ،321/1 ،والمرداوي في اإلنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير.13/2 ،
( )3المختارات الجلية ،ص.38
( )4مجموع فتاوى ابن باز.210-281/2 ،
555 صالة المسافر
المشقة ،فإذا جمع بين الظهر والعصر جميع تقديم فال بأس كالمغرب
والعشاء ،سواء جمع في أول الوقت ،أو في وسطه))(.)1
وأما صالة العصر في جميع األعذار فال يصح أن تجمع إلى صالة
الجمعة؛ ألن الجمعة صالة منفردة مستقلة في شروطها ،وهيئاتها،
وأركانها ،وثوابها ،والسنة إنما وردت في الجمع بين الظهر والعصر ،ولم
يرد عن النبي أنه جمع العصر إلى الجمعة ،فال يصح أن تقاس الجمعة
على الظهر ،ولكن لو صلى المسافر ظهرا يوم الجمعة ولم يصل الجمعة
ً
مع المقيمين فال حرج أن يجمع إليها العصر؛ ألن المسافر ال جمعة عليه؛
وألن النبي جمع بين الظهر والعصر في حجة الوداع ،يوم الجمعة يوم
عرفة ،بأذان واحد وإقامتين ولم يصل جمعة ،ومن جمع من أهل األعذار
صالة العصر مع الجمعة فعليه أن يعيد صالة العصر؛ ألنه صلى قبل
الوقت على وجه ال يجوز فيه الجمع ،فال يجوز الجمع بين صالة الجمعة
والعصر :ال في سفر ،وال مطر ،وال وحل ،وال غير ذلك ،وإنما يجب على
من صلى الجمعة من أهل األعذار أن يصلي العصر في وقتها(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :مجموع فتاوى ابن باز .212/2
( )2انظر :مجموع فتاوى اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز ،400/12و ،404-401/12والشرح
الممتع للعالمة محمد بن صالح العثيمين.272/3،
صالة الخوف 555
المبحث التاسع والعشرون :صالة الخوف
اصـطالحا :عبـادة
ً أوالً :مفهوم صالة الخـوف :الصـالة :لغـة الـدعاء ،و
هلل ذات أقـــوال وأفعـــال معلومـــة ،مخصوصـــة ،مفتتحـــة بـــالتكبير مختتمـــة
()1
بالتسليم ،وسميت صالة الشتمالها على :دعاء العبادة ،ودعاء المسألة .
والخوف لغة :الفزع وال ُّذعر ،قال ابن فارس رحمه اهلل(( :الخاء،
والواو ،والفاء أصل واحد يدل على ال ُّذعر والفزع ،يقال :خفت الشيء
()2
خو ًفا ،وخيفة ))..مصدر خاف.
واصطالحا :اضطراب في النفس؛ لتوقع نزول مكروه ،أو فوات
ً
()3
محبوب ،ومنه إخافة السبيل .
غم على
قال اإلمام الحافظ المعروف بابن الملقن رحمه اهلل(( :والخوف ٌّ
()4
غم على ما مضى)) .
ما سيكون ،والحزن ٌّ
ثانيا:سماحة اإلسالم ويسر الشريعة ومحاسنها مع الكمال ورفع ً
الحرج ،ال شك أن دين اإلسالم :دين الرحمة ،والبركة ،واإلحسان،
والحكمة ،ودين فطرة ،ودين العقل ،والصالح ،والفالح ،والشرع
اإلسالمي ال يأتي بما تحيله العقول ،وال بما ينقضه العلم الصحيح،
وهذا من أكبر األدلة على أن ما عند اهلل محكم ثابت ،صالح لكل
()5
زمان ومكان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :لسان العرب ،البن منظور ،باب الياء ،فصل الصاد ،332/13 ،والمغني البن قدامة،
،2/4وتقدم التفصيل في مفهوم الصالة في منزلة الصالة في اإلسالم.
( )2معجم المقاييس في اللغة؛البن فارس،كتاب الخاء،باب الخاء والواو،وما يثلثهما ،ص.443
( )3معجم لغة الفقهاء ،لألستاذ الدكتور محمد رواس ،ص.180
( )4اإلعالم بفوائد عمدة األحكام.431 ،281/3 ،
( ) 5انظر :الدرة المختصرة في محاسن الدين اإلسالمي ،للعالمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي،
ص.41 ،11 ،17
صالة الخوف
550
وقد دلت األدلة من القرآن العظيم ،والسنة النبوية الشريفة على يسر
الشريعة اإلسالمية وسماحتها ،وعلى رفع الحرج،ومن هذه األدلة ما
يأتي:
أ -من القرآن الكريم آيات كثيرة وهي على نوعين:
النوع األول :اآليات الكريمة التي تنص على نفي الحرج ،ومنها:
()1
ين ِم ْن َحر ٍج ، أي لم ِ الد
ّ -5قال اهلل تعالىَ :و َما َج َع َل َع َلي ُكم ِفي
َ ْ ْ
وسهله
ّ التيسير، غاية يسره بل ،ا
ً يجعل عليكم في الدين مشق ًة ،وعسر
غاية السهولة ،فلم يُلزم إال بما هو سهل على النفوس :ال يُثقلها ،ثم إذا
عرض بعض األسباب الموجبة للتخفيف خ َّفف ما أمر به :إما
بإسقاطه ،أو إسقاط بعضه ،ويؤخذ من هذه اآلية قاعدة شرعية :وهي أن
المشقة تجلب التيسير ،والضرورات تبيح المحظورات ،فيدخل في ذلك
()2
من األحكام الفرعية شيء كثير معروف في كتب األحكام .
يد اهلل ِل َي ْج َع َل َع َل ْي ُكم ّم ْن َح َر ٍج َو َل ِكن يُرِ ُ
يد -5قال اهلل َ : ما يُرِ ُ
()3
ِلي َط َّهر ُكم َو ِلي ِتم ِن ْع َم َت ُه َع َلي ُكم َل َع َّل ُكم َت ْش ُكرو َن لم يجعل اهلل علينا
ُ ْ ْ ْ ُ َ ْ ُ َّ
فيما شرع لنا من حرج ،وال مشقة ،وال عسر ،وإنما هو رحمة منه
()4
بعباده .
ين ِ ِ
الض َع َفاء َوالَ َع َلى الـْ َم ْر َضى َوالَ َع َلى الَّذ َ -5قال تعالى :لَّ ْي َس َع َلى ُّ
ين ِمن ِ ِ ِِ
ون َح َر ( ٌجِ )5إ َذا َن َص ُحو ْا هلل َو َر ُسوله َما َع َلى الـْ ُم ْحسن َالَ َي ِج ُدو َن َما يُ ِنف ُق َ
ور َّر ِحيم، وهذه اآلية أصل في سقوط التكاليف عن ِيل َواهلل َغ ُف ٌ َسب ٍ
ٌ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة الحج ،اآلية.78 :
( )2انظر :تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ،للسعدي ،ص.237
( )3سورة المائدة ،اآلية.3 :
( )4انظر :تيسير الكريم الرحمن في تفسير المنان ،للسعدي ،ص.223
( )5سورة التوبة،اآلية،11:وانظر:سورة النور،31:وسورة األحزاب،48-47 :وسورة الفتح.17 :
صالة الخوف 556
العاجز ،فكل من عجز عن شيء سقط عنه،فتارة إلى بدل هو فعل،وتارة
إلى عزم هو غرم،وال فرق بين العجز من جهة المال،والعجز من جهة
()1
القوة ،ويستدل بهذه اآلية على قاعدة وهي:أن من أحسن إلى غيره في
نفسه أو في ماله ،ونحو ذلك،ثم ترتب على إحسانه نقص أو تلف أنه غير
ضامن ،وال سبيل على المحسنين،كما أنه يدل على أن غير المحسن وهو
()2
السيئ :كالمفرط والمتعدي أن عليه الضمان .
-5قال اهلل تعالى :الَ يُ َك ّل ُف اهلل َن ْف ًسا ِإال َّ ُو ْس َع َها َل َها َما َك َسب ْت
َ ()3
اك َت َسب ْت ، فأصل األوامر والنواهي ليست األمور التي وعليها ما
َ َ َْ َ َ ْ َ
تشق على النفوس ،بل هي غذاء لألرواح ،ودواء لألبدان ،وحمية عن
الضرر ،فاهلل أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسا ًنا ،ومع هذا إذا حصل
بعض األعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل ،إما
بإسقاطه عن المكلف أو إسقاط بعضه ،كما في التخفيف عن المريض،
()4
والمسافر ،والخائف ،وغيرهم وغير ذلك من اآليات.
النوع الثاني:اآليات التي تدل على التيسير والتخفيف ،ومنها:
()5
ِكم ا ْل ُع ْسر أي يد اهلل بِكم اليسر وال يرِ يد ب
-5قال اهلل : يُرِ ُ
َ ُ ُ ُْْ َ َ َ ُ ُ ُ ُ
ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، يريد اهلل تعالى أن ّ
ويسهلها أبلغ تسهيل؛ولهذا كان جميع ما أمر به عباده في غاية السهولة في ّ
سهله تسهيالً آخر :إما
أصله ،وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :رفع الحرج في الشريعة اإلسالمية ،للدكتور صالح بن حميد ،ص.31
( )2انظر :تيسير الكريم الرحمن ،للسعدي ،ص.438
( )3سورة البقرة ،اآلية ،283 :واألعراف ،32 :والمؤمنون ،32-27 :والبقرة ،44 :والطالق،71 :
واألنعام.122 :
( )4انظر :تيسير الكريم الرحمن ،للسعدي ،ص.120
( )5سورة البقرة ،اآلية.182 :
صالة الخوف
555
بإسقاطه،أو تخفيفه بأنواع التخفيفات ،وهذه جملة ال يمكن تفصيلها؛ ألن
()1
تفاصيلها جميع الشرعيات ،ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات .
نكم َو ُخ ِل َق اإلنسانيد اهلل أَن يخفف ع
-5قال تبارك وتعالى :يُرِ ُ
ُ َ َّ َ ُْ ()2
َض ِعي ًفا أي بسهولة ما أمركم به وما نهاكم عنه ،ثم مع حصول المشقة
في بعض الشرائع أباح لكم ما تقتضيه حاجاتكم ،وذلك لرحمته التامة،
وإحسانه الشامل ،وعلمه ،وحكمته بضعف اإلنسان من جميع الوجوه:
ضعف البنية ،وضعف اإلرادة ،وضعف العزيمة ،وضعف اإليمان،
وضعف الصبر ،فناسب ذلك أن يخفف اهلل عنه ما َي ْض ُعف عنه ،وما ال
()3
يطيقه إيمانه وصبره وقوته .
()4
-5قال تعالىَ :ونُي ّسر َك ِل ْلي ْسرى وهذه بشارة كبيرة أن اهلل
()5 ُ َ َ ُ
ييسر رسوله لليسرى في جميع أموره ،ويجعل شرعه ودينه يسرا . ّ
ً
()6
-5قال َ : ف ِإ َّن َم َع ا ْل ُع ْسرِ يُ ْسرا * ِإ َّن َم َع ا ْل ُع ْسرِ يُ ْسرا هذه بشارة
ً ً
عظيمة أنه كل ما ُوجد عسر وصعوبة فإن اليسر يقارنه ،حتى لو دخل
العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه ،كما قال اهلل تعالى:
()7
َ سي ْج َع ُل اهلل َب ْع َد ُع ْسرٍ يُ ْسرا وتعريف ((العسر)) في اآليتين يدل أنه
ً َ
واحد ،وتنكير ((اليسر)) يدل على تكراره ،فلن يغلب عسر يسرين ،وفي
ٌ
تعريف العسر باأللف والالم الدالة على استغراق العموم يدل على أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :تيسير الكريم الرحمن ،للسعدي ،ص.87
( )2سورة النساء ،اآلية.28 :
( )3انظر :تيسير الكريم الرحمن ،للسعدي ،ص.172
( )4سورة األعلى ،اآلية.8 :
( )5انظر :تيسير الكريم الرحمن ،ص.121
( )6سورة الشرح ،اآليتان.3-2 :
( )7سورة الطالق ،اآلية.7 :
صالة الخوف 555
()1
كل عسر وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ فإن في آخره التيسير مالزم له .
ب -األدلة من السنة على اليسر والسماحة والسهولة كثيرة منها:
يشاد
َّ -5عن أبي هريرة عن النبي قال(( :إن الدين يسر ،ولن
()2
أحد إال غلبه ،فسددوا ،وقاربوا ،وأبشروا ،واستعينوا :بالغدوة،
الدين ٌّ
()5 ()4 ()3
الدلجة [القصد القصد تبلغوا))] . والروحة ،وشيء من ُّ
باب :الدين يسر ،وقول النبي :
-5قال اإلمام البخاري رحمه اهللٌ)6( :
ٌ
((أحب الدين إلى اهلل الحنيفية السمحة)) ،والمقصود أن أحب خصال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :تيسير الكريم الرحمن ،ص .121
( )2ولن يشاد الدين أحد إال غلبه :المعنى ال يتعمق أحد في األعمال الدينية ويترك الرفق إال عجز
وانقطع فيغ َلب ،وليس المراد منع طلب األكمل في العبادة؛ فإنه من األمور المحمودة ،بل منع
ُ
اإلفراط المؤدي إلى المالل ،أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك األفضل ،أو إخراج الفرض
عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صالة
الصبح في الجماعة ،أو إلى أن خرج الوقت المختار ،أو إلى أن خرجت الشمس فخرج وقت
الفريضة .فتح الباري للحافظ ابن حجر.13/1 ،
( )3الغدوة :أول النهار ،والروحة :آخر النهار بعد الزوال ،والدلجة السير آخر الليل ،وقيل :سير الليل كله،
وهذه األوقات أطيب أوقات المسافر ،وكأنه خاطب مسافرا إلى مقصد ،فنبهه على أوقات نشاطه؛
ً
جميعا عجز وانقطع ،وإذا تحرى السير في هذه األوقات المنشطة ً ألن المسافر إذا سافر الليل والنهار
أمكنه المداومة من غير مشقة ،وحسن هذه االستعارة أن الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى اآلخرة ،وأن
هذه األوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة .فتح الباري البن حجر.12/1 ،
( )4القصد ،القصد :بالنصب فيهما اإلغراء ،والقصد :األخذ باألمر األوسط ،فاألولى للعبد أن ال
يجهد نفسه بحيث يعجز عن العمل وينقطع ،بل يعمل بتلطف وتدرج ليدوم عمله وال ينقطع .فتح
الباري للحافظ ابن حجر.12/1 ،
( )5البخاري ،كتاب اإليمان ،باب الدين يسر ،برقم ،41وما بين المعقوفين من كتاب الرقاق ،باب:
كيف كان عيش النبي وأصحابه وتخليهم عن الدنيا ،برقم .3334
( )6البخاري ،كتاب اإليمان،باب:الدين يسر،قبل الحديث رقم ،41قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري،
(( :13/1وهذا الحديث المعلق لم يسنده المؤلف في هذا الكتاب (يعني صحيح البخاري) ألنه ليس
على شرطه ،نعم وصله في كتاب األدب المفرد [رقم ،287وكذا وصله أحمد بن حنبل برقم ]2107
وغيره،بإسناد حسن،فتح الباري،13/1،وحسنه األلباني لغيره في صحيح األدب المفرد،ص ،122وفي
،وانظر:أيضا سلسلة األحاديث الصحيحة،رقم .1342
ً سلسلة األحاديث الصحيحة،برقم 881
صالة الخوف
555
سمحا -
ً الدين الحنيفية،وخصال الدين كلها محبوبة،لكن ما كان منها
أي سهالً -فهو أحب إلى اهلل تعالى،والحنيفية :ملة إبراهيم،والحنيف
في اللغة ما كان على ملة إبراهيم،وسمي إبراهيم حني ًفا؛لميله عن الباطل
إلى الحق؛ ألن أصل الحنف الميل،والسمحة:السهلة:أي إنها مبنية على
()1
السهولة .
قال:شهدت األعراب يسألون النبي :
ُ -5وعن أسامة بن شريك
أعلينا حرج في كذا؟ أعلينا حرج في كذا؟ فقال لهم(( :عباد اهلل وضع اهلل
()2
شيئا فذلك الذي حرج)) ، الحرج إال من اقترض من عرض أخيه ً
فقالوا :يا رسول اهلل ،هل علينا جناح أن نتداوى؟ قال(( :تداووا عباد اهلل،
فإن اهلل سبحانه لم يضع دا ًء إال وضع معه شفاء ،إال الهرم)) قالوا :يا
()3
رسول اهلل ،ما خير ما أُعطي العبد؟ قال(( :خلق حسن)) .
()4
روا،وبشروا وال تن ّفروا)) .
ّ تعس
يسروا وال ّ
-5وعن أنس أن النبي قالّ ((:
-0وعن أبي موسى األشعري أن النبي بعثه ومعاذ بن جبل إلى
()5
. )) وبشرا وال تُن ّفرا ،وتطاوعا وال تختلفا
عسراّ ،
يسرا وال تُ ّ
اليمن فقالّ (( :
قال اإلمام النووي رحمه اهلل((:إنما جمع هذه األلفاظ بين الشيء وضده؛
يسروا)) لصدق ذلك على من ألنه قد يفعلهما في وقتين،فلو اقتصر على (( ّ
عسروا)) انتفى
يسر مرة أو مرات وعسر في معظم الحاالت،فإذا قال ((وال ُت ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :فتح الباري ،البن حجر.13/1 ،
( )2فذلك الذي حرج :أي الذي ُحرم.
داء إال أنزل له شفاء ،برقم ،3443وأحمد،( )3ابن ماجه بلفظه ،في كتاب الطب ،باب ما أنزل اهلل ً
،278/3والحاكم ، 118/3 ،وصححه العالمة األلباني في صحيح سنن ابن ماجه،128/4 ،
وانظر :سلسلة األحاديث الصحيحة ،برقم .344
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب العلم ،باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة والعلم كي ال ينفروا،
برقم ،31ومسلم ،كتاب الجهاد ،باب في األمر بالتيسير وترك التنفير ،برقم .1743
( )5مسلم ،كتاب الجهاد ،باب األمر بالتيسير وترك التنفير ،برقم .1744
صالة الخوف 555
التعسير في جميع األحوال من جميع وجوهه وهذا هو المطلوب ،وكذلك
()1
عسرا،وتطاوعا وال تختلفا)) .وغير ذلك من السنة
يسرا وال ُت ّ
يقال()2في (( ّ
كثير .
ج -منهج الصحابة ومن تبعهم بإحسان :اتباع اليـسر والسماحة،
ُ
والصحابة هم الذين يطبقون الكتاب والسنة ،وقد جاء عنهم أخبار
كثيرة طبقوا فيها اإلسالم كما جاء ،وعملوا بالتيسير وتركوا التعسير؛
وذلك لفهم الكتاب والسنة ،وعدم التنطع في الدين؛ ولهذا جاء عن ابن
فليستن بمن قد مات؛ فإن
َّ مستنا
ًّ مسعود أنه قال(( :من كان منكم
الحي ال تؤمن عليه الفتنة ،أولئك أصحاب محمد؛ فإنهم كانوا أبر هذه
َّ
هديا ،اختارهم اهلل
وأقومها ً
َ علما ،وأق َّلها تك ُّل ًفا،
قلوبا ،وأعمقها ً
ً األمة
تعالى لصحبة نبيه[ ،وإلقامة دينه] فاعرفوا لهم فضلهم ،واتبعوهم في
()3
. )) آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم
وما تقدم من أدلة الكتاب والسنة ،وهدي الصحابة يدل على رفع
()4
الحرج عن األمة ،وأن اإلسالم دين اليسر والسماحة .
ثالثًا :األصل في مشروعية صالة الخوف:الكتاب والسنة ،واإلجماع:
الصالَ َة
ت َل ُه ُم َّ يهِم َفأَ َق ْم َ نت ِف
-1أما الكتاب؛ فلقول اهلل تعالىَ :و ِإ َذا كُ َ
ْ
ط ِآئ َف ٌة ّم ْن ُهم َّم َع َك َو ْليأْ ُخ ُذو ْا أَ ْس ِل َح َت ُهم َف ِإ َذا َس َج ُدو ْا َف ْلي ُكونُو ْا ِمن َو َر ِآئ ُكم
َف ْل َت ُق ْم َ
ْ َ ْ َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1شرح النووي على صحيح مسلم.283/11 ،
( )2انظر :رفع ا لحرج في الشريعة اإلسالمية ،للدكتور صالح بن عبد اهلل بن حميد ،ص ،83-72فقد
ذكر ثالثين دليالً من السنة على رفع الحرج.
( )3جاء هذا األثر في عدة روايات،أخرجها ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ،133/2،برقم
،1810 ،1807وانظر:إغاثة اللهفان البن القيم،121/1،ومجمع الزوائد للهيثمي.181/1 ،
( )4انظر :رفع الحرج ،البن حميد ،ص ، 87ورفع الحرج في الشريعة اإلسالمية دراسة أصولية
تأصيلية للدكتور يعقوب عبد الوهاب ،ص.38
صالة الخوف
555
ط ِآئ َف ٌة أ ُ ْخرى َلم يُ َص ُّلو ْا َف ْلي َص ُّلو ْا َم َع َك َو ْليأْ ُخ ُذو ْا ِح ْذ َر ُهم َوأَ ْس ِل َح َت ُهمَو ْل َت ْأ ِت َ
ْ ْ َ ُ ْ َ
ون َع َلي ُكم َّمي َل ًة ود ال ِذين كفروا لو تغفلون عن أَس ِلح ِتكم وأَم ِتع ِتكم في ِميل
ْ َ َّ َّ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ
اح َع َلي ُكم إِن َكا َن ب ُِكم أَ ًذى ّمن َّم َطرٍ أَ ْو ُك ُنتم َّمر َضى أَن َت َض ُعو ْا اح َد ًة َوالَ ُج َنو ِ
( ْ)1 ْ ْ ْ َ َ
ِ ِ ِ ِ
هِينا. أَ ْسل َح َت ُك ْم َو ُخ ُذو ْا ح ْذ َر ُك ْم ِإ َّن اهلل أَ َع َّد ل ْل َكافرِ َ
ين َع َذ ًابا ُّم ً
-2وأما السنة ،فقد ثبتت األحاديث الصحيحة أن النبي صلى
()2
بأصحابه صالة الخوف مرات متعددة على صفات متنوعة .
-4وأما اإلجماع ،فأجمع الصحابة على فعلها ،فكان الصحابة في
الخوف يصلون صالة الخوف ،جاء ذلك عن علي ليلة ِص ّفين ،وجاء
عن أبي هريرة ،وأبي موسى األشعري ،وعن سعيد بن العاص ،وحذيفة
()4 ()3
وال ينظر إلى األقوال الشاذة التي تخالف ذلك .
رابعا :أنواع صالة الخوف :جاءت صالة الخوف في أحاديث كثيرة،
ً
()5
وأشكال متباينة ،والصواب أن كل صفة ثبتت عن النبي جائزة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة النساء ،اآلية.102 :
( )2انظر:المغني البن قدامة،213/4،والشرح الكبير البن قدامة المطبوع مع المقنع واإلنصاف.113/2،
( )3انظر :المغني ،217/4 ،والشرح الكبير ،113/2 ،وحاشية ابن قاسم على الروض المربع،
،311/2وتيسير العالم شرح عمدة األحكام ،للبسام ،438/1 ،واإلعالم بفوائد عمدة األحكام،
البن الملقن ،420/3 ،والشرح الكبير المطبوع مع المقنع واإلنصاف.112/2 ،
( )4كقول من يقول :إن صالة الخوف مختصة بالنبي ،وبمن صلى معه وذهبت بوفاته ،وهذا يذكر
عن أبي يوسف ،وقوله ال حجة فيه؛ ألن اهلل قد أمر باتباع النبي والتأسي به ويلزمنا ذلك مطل ًقا
حتى يدل الدليل على الخصوص؛ وألن النبي قال(( :صلوا كما رأيتموني أصلي)) البخاري برقم
،3008ومسلم برقم 373؛ وألن الصحابة لم يقولوا بالخصوص ،وادعى المزني :نسخ صالة
الخوف؛ ألنها لم تفعل يوم الخندق ،والجواب :أنها لم تشرع حينذاك وإنما شرعت بعد ذلك.
وانفرد مالك فقال :ال يجوز فعلها في الحضر ،وقد ذكر اإلمام القرطبي في المفهم أنه صالها ببطن
نخل على باب المدينة ،ومن العلماء من رأى أن الصالة تؤخر إلى وقت األمن وال تصلى في حال
الخوف ،كما فعل النبي يوم الخندق ،والجواب :أن فعله كان قبل نزول صالة الخوف
باإلجماع .انظر :اإلعالم بفوائد عمدة األحكام البن الملقن ،421-420/3 ،والمفهم لما أشكل من
تلخيص كتاب مسلم ،373-331/2 ،وشرح النووي على صحيح مسلم.478-472/3 ،
( )5جاءت صالة الخوف عن النبي على أنواع مختلفة ،ذكر اإلمام النووي في شرحه لصحيح
=
صالة الخوف 555
حسب مواطنها ،يتحرى المسلمون فيها ما هو أحوط للصالة وأبلغ في
َّ
الحراسة ،فهي على اختالف صورها متفقة المعنى ،ومن هذه األنواع
الثابتة في األحاديث الصفات اآلتية:
النوع األول :ما يوافق ظاهر القرآن :يقسم األمير أو القائد من معه
إلى طائفتين :طائفة وجاه العدو؛ لئال يهجم ،وطائفة تصلي معه ،فيصلي
بهذه الطائفة ركعة ،فإذا قام إلى الركعة الثانية نووا االنفراد وأتموا
ألنفسهم ركعة واإلمام واقف ،وسلموا قبل ركوعه ،ثم ذهبوا إلى الطائفة
التي وجاه العدو ،ثم تأتي الطائفة التي كانت تحرس وجاه العدو إلى
اإلمام فتجده ينتظرها واق ًفا في الركعة الثانية فتدخل معه فيها وتصلي
معه هذه الركعة ،فإذا جلس للتشهد قامت فقضت ركعة واإلمام ينتظرها
خوات عمن في التشهد ،فإذا تشهدت سلم بهم؛ لحديث صالح بن َّ
()2 ()1
صالة الخوف ،أن طائفة يوم ذات الرقاع صلى مع رسول اهلل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
نوعا ،وهي مفصلة في صحيح مسلم، مسلم أنها جاءت في أحاديث يبلغ مجموعها ستة عشر ً
وبعضها ف ي سنن أبي داود ،واختار الشافعي منها ثالثة أنواع :بطن نخل ،وذات الرقاع ،وعسفان.
شرح النووي ،472/3 ،واإلعالم بفوائد عمدة األحكام .421/3 ،وذكر الحاكم في مستدركه،
نوعا
،448 ،442/1ثمانية أنواع منها .وصحح ابن حزم في صفتها عن رسول اهلل أربعة عشر ً
[المحلى ،32 ،44/2 ،وابن خزيمة ،407 ،214/2 ،وذكر القرطبي في المفهم عشرة أحاديث
منها وتكلم عليها .المفهم ، 373-338/2 ،قال أبو داود :جميع ما روي عن النبي في صالة
الخوف جائز ،ال نرجح بعضه على بعض ،وقال اإلمام أحمد :ما أعلم في هذا الباب إال حدي ًثا
صحيحا ،واختار حديث سهل بن أبي حثمة .اإلعالم بفوائد عمدة األحكام ،البن الملقن،422/3 ، ً
وانظر :المغني ،البن قدامة ،413-411/4 ،وقال اإلمام ابن القيم بعد أن ذكر ست صفات من أنواع
صالة الخوف ،وقد روي عنه صفات أخرى ترجع كلها إلى هذه ،وهذه أصولها ،وربما اختلف
بعض ألفاظها ،وقد ذكر بعضهم عشر صفات ،وذكرها أبو محمد بن حزم نحو خمس عشرة صفة،
وجوها من فعلً والصحيح ما ذكرناه أوالً ،وهؤالء كلما رأوا اختالف الرواة في قصة ،جعلوا ذلك
النبي ،وإنما هو من اختالف الرواة ،واهلل أعلم)) زاد المعاد.242/1 ،
( )1وفي رواية لمسلم برقم ،831عن صالح بن خوات بن جبير ،عن سهل بن أبي حثمة ،فصرح به
في هذه الرواية ،وفي رواية أبهمه.
( )2ذات الرقاع :غزوة معروفة ،قال النووي(( :سميت ذات الرقاع؛ ألن أقدام المسلمين نقبت من
الحفاء فلفوا عليها الخرق هذا هو الصحيح في سبب تسميتها)) وقال(( :كانت سنة خمس)) شرح
النووي على صحيح مسلم ، 473/3 ،وذكر ابن القيم رحمه اهلل أن أهل السير قالوا :كانت في
=
صالة الخوف
555
()1
قائما
صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ،ثم ثبت ً
وأتموا ألنفسهم ،ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو ،وجاءت الطائفة
جالسا وأتموا
ً األخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صالته ،ثم ثبت
()2
ألنفسهم ،ثم سلم بهم)) ،وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل
ابن باز رحمه اهلل يقول(( :وهذا أيسر األنواع ،والصحابي المبهم في سند
()3
الحديث هو سهل بن أبي حثمة)) وهذا النوع اختاره اإلمام أحمد بن
حنبل ،لموافقته ظاهر القرآن ،وأقر جميع األنواع األخرى ،وأن كل
()4
حديث صح في صالة الخوف يجوز العمل به .
النوع الثاني :إذا كان العدو في جهة القبلة وال يخفى بعضهم على
جميعا ،ثم
ً المسلمين صف اإلمام المسلمين خلفه صفين ،فيكبر ويكبروا
جميعا معه ،ثم ينحدر
ً جميعا ،ثم يرفع من الركوع ويرفعوا
ً يركع فيركعوا
قائما
فيسجد ويسجد معه الصف األول الذي يليه ،ويبقى الصف الثاني ً
يحرس مواجهة العدو ،فإذا صلى بالصف األول سجدتين وقام إلى
الركعة الثانية سجد الصف الثاني الذي كان يحرس سجدتين ،ثم قاموا
فتقدموا إلى مكان الصف األول ،وتأخر الصف األول مكانهم ،ثم يركع
جميعا ،ثم يسجد ويسجد
ً جميعا ،ثم يرفع ويرفعوا
ً اإلمام ويركعوا معه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
السنة الرابعة جمادى األولى ،وقيل محرم ،ورجح أنها كانت بعد خيبر ،وسمعت شيخنا ابن باز
يرد هذا القول ويرجح أنها قبل الخندق .انظر :زاد المعاد ،224-220/4 ،وانظر للفائدة :اإلعالم
بفوائد عمدة األحكام.333 ،317/7 ،422/3 ،
( )1وجاه العدو:يقال:وجاه وتجاه:أي قبالته،والطائفة:الفرقة.شرح النووي.477/3،
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب المغازي ،باب غزوة ذات الرقاع ،برقم ،3121ومسلم ،كتاب صالة
المسافرين ،باب صالة الخوف ،برقم .832
( )3سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .311
( )4انظر :المغني البن قدامة ، 411 ،211/4 ،والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف،
،122/2والمقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف ،117/2 ،والكافي.337/1 ،
صالة الخوف 555
معه الصف األول الذي كان في الركعة األولى هو الثاني ،فإذا سجد
سجدتين وجلس للتشهد سجد الصف الثاني ولحقوه في التشهد،
()1
جميعا ؛ لحديث جابر بن عبد اهلل ً جميعا ،ثم سلم بهم
ً وتشهدوا
قال :شهدت مع رسول اهلل صالة الخوف فصفنا صفين :صف خلف
جميعا ،ثم
ً رسول اهلل والعدو بيننا وبين القبلة فكبر النبي وكبرنا
جميعا ،ثم انحدر
ً جميعا ،ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا
ً ركع وركعنا
()2
بالسجود والصف الذي يليه ،وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما
قضى النبي السجود وقام الصف الذي يليه ،انحدر الصف المؤخر
بالسجود وقاموا ،ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ،ثم ركع
جميعا ،ثم
ً جميعا ،ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا
ً النبي وركعنا
انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة األولى،
ً
وقام الصف المؤخر في نحر العدو ،فلما قضى النبي السجود والصف
الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ،ثم سلم النبي ،
()3
جميعا)) .
ً وسلمنا
النوع الثالث :يقسم اإلمام أصحابه إلى طائفتين :فرقة تجاه العدو
وفرقة تصلي معه ،فيصلي بإحدى الطائفتين ركعة ثم تنصرف قبل أن
تسلم وهي في صالتها إلى مكان الفرقة األخرى ،ثم تأتي الفرقة
األخرى إلى مكان هذه خلف اإلمام فتصلي معه الركعة الثانية ،ثم يسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني ،412/4 ،والشرح الكبير ،118/2 ،وزاد المعاد ،221/1 ،والشرح الممتع،284/3 ،
والكافي البن قدامة.371/1 ،
( )2في نحر العدو :أي في مقابله ،ونحر كل شيء أوله .شرح النووي.473/3 ،
( )3مسلم ،كتاب صالة المسافرين ،باب صالة الخوف ،برقم ،830وفي رواية أنها صالة العصر،
وألبي داود في س ننه عن أبي عياش الزرقي في كتاب الصالة ،باب صالة الخوف ،برقم ،1243
أن هذه الصالة كانت بعسفان ،وعسفان موضع على مرحلتين من مكة ،كما في القاموس المحيط،
ص ،1082والمصباح المنير ،ص ،122قال اإلمام ابن القيم(( :وال خالف بينهم أن غزوة عسفان
كانت بعد الخندق)) زاد المعاد.222/4 ،
صالة الخوف
550
وحده ،وتقضي كل طائفة ركعة؛ لحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما ،قال:
()1
نجد فوازينا العدو ،فصاففناهم ،فقام رسول غزوت مع النبي ِ قبل ٍ
َ
اهلل يصلي لنا ،فقامت طائفة معه وأقبلت طائفة على العدو ،فركع
()2
رسول اهلل بمن معه وسجد سجدتين ،ثم انصرفوا مكان الطائفة
تصل ،فجاؤوا فركع رسول اهلل بهم ركعة وسجد سجدتين،
ّ التي لم
()3
ثم س َّلم ،فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين
))
وفي لفظ لمسلم(( :ثم سلم النبي ،ثم قضى هؤالء ركعة وهؤالء
()4
أيضا((:ثم قضت الطائفتان:ركعة ركعة)) ،
ركعة)) وفي لفظ لمسلم ً
وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول((:صلى بهم ركعة ثم
انصرفوا ،وجاءت الطائفة الثانية فركع بهم ركعة ثم سلم،فقام كل واحد
فركع لنفسه ركعة،قضوا الركعة كلهم بعد سالم النبي ،وسمح لهم في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اإلزاء :المقابل ،فوازينا العدو :أي قابلناهم :فتح الباري البن حجر.340/2 ،
تصل :أي فقاموا في مكانهم .فتح الباري البن حجر.340/2 ،
( )2ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم ّ
((( )3فقام كل واحد فركع لنفسه ركعة)) قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل(( :لم تختلف الطرق عن ابن
عمر في هذا،وظاهره أنهم أتموا ألنفسهم في حالة واحدة،ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو
الراجح من حيث المعنى ،وإال فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة،وإفراد اإلمام وحده،ويرجحه ما
رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه(( :ثم سلم فقام هؤالء -أي الطائفة -فقضوا ألنفسهم
ركعة ،ثم سلموا ،ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا ألنفسهم ركعة ثم سلموا[ ،سنن أبي
داود برقم ،]1232 ،1233وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها،ثم أتمت الطائفة األولى
تبعا من كتب الفقه أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت بعدها ووقع في الرافعي ً
وجاءت الطائفة األولى فأتموا ركعة،ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا،ولم نقف على ذلك في
شيء من الطرق،وبهذه الكيفية أخذ الحنفية،واختار الكيفية التي في حديث ابن مسعود:أشهب
واألوزاعي،وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك عن يحيى بن سعيد،واستدل
بقوله طائفة على أنه ال يشترط استواء الفريقين في العدد،لكن البد أن تكون التي تحرس يحصل
الثقة بها في ذلك،والطائفة تطلق على القليل والكثير،فلو كانوا ثالثة ووقع لهم خوف جاز ألحدهم
أن يصلي بواحد ويحرس واحد،ثم يصلي باآلخر)) فتح الباري البن حجر.341/2 ،
( )4متفق عليه واللفظ للبخاري :البخاري ،كتاب صالة الخوف ،باب صالة الخوف ،برقم ،132ورقم
،3144ومسلم،كتاب صالة المسافرين،باب صالة الخوف ،برقم .841
صالة الخوف 556
هذه الحركة؛ للحاجة ،وانصراف الطائفة األولى قبل سالمهم،وهذا جائز
()1
. )) والنوع األول أسهل
النوع الرابع :أن يصلي اإلمام بكل طائفة صالة منفردة :فيصلي
بالطائفة األولى ركعتين ثم يسلم بها ،ثم تأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم
ركعتين ثم يسلم بهم؛ لحديث جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما :أن النبي
أيضا
صلى بطائفة من أصحابه ركعتين،ثم سلم،ثم صلى بآخرين ً
()2
ركعتين،ثم سلم)) ؛ ولحديث أبي بكرة ،قال :صلى النبي في
خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو ،فصلى بهم ٍ
ركعتين ثم سلم ،فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم ،ثم
جاء أولئك فصلوا خلفه ،فصلى بهم ركعتين ،ثم سلم ،فكانت لرسول
أربعا ،وألصحابه ركعتين)) وبذلك كان يفتي الحسن ،قال أبو داود اهلل ً
()3
. )) ست ركعات ،وللقوم ثالث ثالث
في المغرب؛ يكون لإلمام ُّ
وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول(( :يصلي بالطائفة
األولى ركعتين ،ثم يسلم ،ويصلي بالطائفة الثانية ركعتين ،ثم يسلم،
مجزوما
ً وروى مسلم ما رواه النسائي وأبو داود ،ورواه البخاري معل ًقا
()4
به ،وهذا دليل على جواز إمامة المتنفل)) .
وعن جابر ، قال :كنا مع النبي بذات الرقاع ،فإذا أتينا على
شجرة ظليلة تركناها للنبي ،فجاء رجل من المشركين وسيف النبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .200
( )2سنن النسائي ،كتاب صالة الخوف ،برقم ،1221ورقم ،1224وصححه العالمة األلباني في
صحيح النسائي.203 ،204/1 ،
أربعا ،برقم
ً ( )3أبو داود ،كتاب الصالة ،باب من قال يصلي بكل طائفة ركعتين ،وتكون لإلمام
،1238والنسائي،كتاب صالة الخوف،برقم ،122301220وصححه األلباني في صحيح أبي
داود،432/1،وصحيح النسائي.203 ،204/1،
( )4سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم ،204ورقم .203
صالة الخوف
555
معلق بالشجرة فاخترطه فقال له :تخافني؟ فقال له(( :ال)) قال :فمن يمنعك
مني؟ قال(( :اهلل)) فتهدده أصحاب النبي وأقيمت الصالة فصلى بطائفة
أربع
تأخروا وصلى بالطائفة األخرى ركعتين ،وكان للنبي ٌ ركعتين ،ثم
وللقوم ركعتان)) ،)1قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل((:وهذا مثل الوجه
()3 ()2
الذي قبله إال أنه ال يسلم في الركعتين األوليين)) .وقال اإلمام
النووي رحمه اهلل عن حديث جابر هذا ((صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا
وصلى بالطائفة األخرى ركعتين ،فكانت لرسول اهلل أربع ركعات
وللقوم ركعتان)) .قال [النووي] ((صلى بالطائفة األولى ركعتين وسلم
()4
. وسلموا ،وبالثانية كذلك..
))
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل يقول(( :هذه صفة من
أنواع صالة الخوف :صلى ركعتين ثم سلم ،ثم صلى بطائفة أخرى ركعتين
ثم سلم ،وهذا هو الصواب ،ومن قال :إنه صلى بدون سالم فقد غلط ،ومن
أهم شيء عند طالب العلم إذا أشكل عليه بعض األحاديث أن يجمع
()5
الروايات وطرقها حتى يتضح له األمر)) .
شيئا،
النوع الخامس :يصلي اإلمام بإحدى الطائفتين ركعة ثم تذهب وال تقضي ً
شيئا؛
ثم تأتي الطائفة األخرى فتصف خلفه ويصلي بهم ركعة ثم يسلم وال تقضي ً
لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال :صلى رسول اهلل صالة الخوف بذي قرد :أرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب المغازي ،باب غزوة ذات الرقاع ،برقم ،3143ومسلم ،كتاب صالة
المسافرين ،باب صالة الخوف ،برقم .834
( )2يعني بذلك رحمه اهلل نفس النوع الرابع الذي دل عليه حديث جابر عند النسائي ،برقم .1221
( )3المغني البن قدامة ،414/4 ،والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف ،148/2 ،والكافي البن قدامة،
،331/1وزاد المعاد البن القيم ،221/1 ،وكل هذه المراجع ذكر أصحابها أن حديث جابر في
خامسا ال يدخل في النوع الرابع ،واهلل أعلم.
ً نوعا
عدوه ً
الصحيحين بدون سالم للنبي ؛ ولهذا ُّ
( )4شرح النووي على صحيح مسلم،478/3،وكذلك اختار المجد ابن تيمية أن حديث جابر في الصحيحين تكون كل
ركعتين بسالم [انظر:الحديث رقم 1413من منتقى األخبار المطبوع مع نيل األوطار].
( )5سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري ،الحديث رقم .3143
صالة الخوف 555
()1
من أرض بني سليم ،فصلى الناس خلفه َص َّفين :ص ًّفا يوازي العدو ،وص ًّفا خلفه،
فصلى بالصف الذي يليه ركعة ،ثم نهض هؤالء إلى مصاف هؤالء ،وهؤالء إلى
مصاف هؤالء فصلى بهم ركعة أخرى)) .ولفظ النسائي((:أن رسول اهلل صلى
فصف الناس خلفه َص َّفين :ص ًّفا خلفه وص ًّفا موازي العدو ،فصلى بالذين
بذي قرد ّ
خلفه ركعة ثم انصرف هؤالء إلى مكان هؤالء،وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم
2
يقضوا))( )؛لحديث حذيفة ((:أن النبي صلى صالة الخوف بهؤالء ركعة،
()3
وبهؤالء ركعة ،ولم يقضوا)) ،وسمعت شيخنا اإلمام يقول((:صلى بطائفة ركعة
()4
وبطائفة ركعة،ولم يقضوا فكان له ركعتان)) .
وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال((:فرض اهلل الصالة على لسان نبيكم :في
()5
أربعا،وفي السفر ركعتين،وفي الخوف ركعة)) ،قال اإلمام الصنعاني ً الحضر
رحمه اهلل((:صالة الخوف ركعة واحدة في حق اإلمام والمأموم)) ( ،)6وسمعت
شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول عن هذا النوع(( :صالة الخوف ركعة
على أي حال كان ،يعني لإلمام والمأمومين))( ،)7وهذه األنواع الستة ثبتت،
()8
وذكرها أهل العلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ذو قرد :ماء على ليلتين من المدينة ،بينها وبين خيبر ،وكان رسول اهلل خرج إليه لما خرج في
طلب عيينة حين أغار على لقاحه .معجم البلدان.22/3 ،
( )2أحمد ، 482/2 ،والنسائي ،كتاب صالة الخوف ،برقم ،1242والبخاري بنحوه ،في كتاب صالة
بعضا في صالة الخوف ،برقم ،133وصححه األلباني في صحيح الخوف ،باب :يحرس بعضهم ً
سنن النسائي.313/1 ،
( )3أحمد ،411/2 ،والنسائي ،كتاب الخوف ،برقم ،1228وأبو داود ،كتاب صالة السفر ،باب صالة
الخوف ،برقم ،1233وصححه األلباني في صحيح أبي داود ،432/1 ،وصحيح النسائي.312/1 ،
( )4سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .202
( )5مسلم،كتاب صالة المسافرين،وقصرها،باب صالة المسافرين وقصرها،برقم .387
( )6سبل السالم.214/4 ،
( )7سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .207
( )8انظر:المغني البن قدامة،423-218/4،والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف،133-117/2 ،
والكافي البن قدامة ،272-237/1 ،وزاد المعاد ،البن القيم.241-221/1 ،
صالة الخوف
555
خامسا :صالة الخوف في الحضر تؤدى بدون قصر ،قال اإلمام ابن القيم
ً
رحمه اهلل(( :وكان من هديه في صالة الخوف أن أباح اهلل قصر أركان
الصالة وعددها إذا اجتمع الخوف والسفر ،وقصر العدد وحده إذا كان سفر
ال خوف معه ،وقصر األركان وحدها إذا كان خوف ال سفر معه ،وهذا كان
من هديه وبه ُتعلم الحكمة في تقييد القصر في اآلية بالضرب في
()1
األرض والخوف)) .وهذا يبين أن صالة الخوف جائزة في الحضر إذا
()2 ّ
احتاج الناس إلى ذلك؛ لنزول العدو قريبا من البلد .فإن خاف الناس
ً
وقت اإلقامة ص َّلى اإلمام الصالة الرباعية بكل طائفة ركعتين وأتمت الطائفة
()3
األولى بالحمد هلل في كل ركعة ،والطائفة الثانية تتم بالحمد هلل وسورة .
مغربا ،صلى اإلمام بالط ـ ـ ـ ـ ـائفة األولـى
قال الخرقي رحمه اهلل(( :وإن كانت الصالة ً
ركعتين ،وأتمت ألنفسها ركعة تقرأ فيها بالحمد هلل ،ويصـلي بالطائفـة األخـرى ركعـة
()4
وأتم ـ ـ ـ ـ ــت ألنفس ـ ـ ـ ـ ــها ركعت ـ ـ ـ ـ ــين ،تق ـ ـ ـ ـ ــرأ فيهم ـ ـ ـ ـ ــا بالحم ـ ـ ـ ـ ــد هلل وس ـ ـ ـ ـ ــورة)) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زاد المعاد في هدي خير العباد.221/1 ،
( )2وذكر عن اإلمام مالك أن صالة الخوف ال تجوز في الحضر ،ألن اآلية إنما دلّت على صالة
أربعا؛ وألن النبي لم يفعلها في الحضر ،وخالفه أصحابه فقالوا كقولنا، ركعتين ،وصالة الحضر ً
الصالَ َة وهذا عام في كل حال، ِ
نت فيهِ ْم َفأ َ َق ْم َولنا من األدلة أن اهلل تعالى قالَ :و ِإ َذا ُك َ
ت لَ ُه ُم َّ
وترك النبي فعلها في الحضر إنما كان لغناه عن فعلها في الحضر .انظر :المغني،402/4 ،
والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف ،140/2 ،والكافي البن قدامة.274/1 ،
( )3وهل تفارقه الطائفة األولى في التشهد أو حين يقوم إلى الثالثة على وجهين:
أحدها :حين يقوم إلى الثالثة ،وهو قول مالك األوزاعي.
جائزا .انظر:المغني
والثاني:تفارقه في التشهد؛لتدرك الطائفة الثانية جميع الركعة الثالثة وعلى أي الصفتين فعل كان ً
البن قدامة،402/4،والمقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف،141-140/2،والكافي البن قدامة.374/1،
( )4المغني .401 /4 ،وبهذا قال مالك ،واألوزاعي ،وسفيان والشافعي في أحد قوليه ،وقال في القول
اآلخر :يصلي باألولى ركعة ،وبالثانية ركعتين ،قال المرداوي في اإلنصاف(( :وإن كانت الصالة
مغربا صلى باألولى ركعتين وبالثانية ركعة بال نزاع ،ونص عليه .ولو صلى باألولى ركعة وبالثانية ً
ركعتين عكس الصفة األولى صحت على الصحيح من المذهب ،وعليه األصحاب ونص عليه))
.121/2قال الحافظ ابن حجر في الفتح(( :323/2 ،لم يقع في شيء من األحاديث المروية في
صالة الخوف تعرض لكيفية صالة المغرب ،وقد أجمعوا على أنه ال يدخلها القصر ،واختلفوا هل
األولى أن يصلي باألولى ثنتين والثانية واحدة أو العكس)) وقال الشوكاني(( :وحكي عن الشافعي
=
صالة الخوف 555
()1
واهلل أعلم .قال اإلمـام الحـافظ ابـن المنـذر رحمـه اهلل(( :ويصـلي صـالة الخـوف
في الحضر ،يجعلهم طـائفتين ،فيصـلي بالطائفـة األولـى ركعتـين ،وينتظـرهم
جالسـا ،ويتمـون ألنفسـهم ،وينصـرفون ،وتـأتي الطائفـة األخــرى ً فـي التشـهد
جالســـا ويصـــلون ألنفســـهم ،فـــإذا جلســـوا
ً فيصـــلي بهـــم ركعتـــين ،ويثبـــت
وتشـــهدوا ســـلم بهـــم ،وإذا كانـــت صـــالة المغـــرب صـــلى بالطائفـــة األولـــى
()3 ()2
ركعتين ،وبالطائفة الثانية ركعة على هذا المثال)) ،واهلل أعلم .
سادسا:صالة الخوف حال القتال والتحام الحرب،قال اهلل تعالىَ :ح ِافظُو ْا ً
إن ِخ ْف ُتم َفرِ َجاالً أوَ ين * َف ْ ِ ِ ِ ِ
ْ (ْ )4 ومو ْا هلل َقانت َ
لصالَة ا ْل ُو ْس َطى َو ُق ُ الص َل َوات وا َّ َع َلى َّ
ون . قال ُر ْك َبا ًنا َف ِإ َذا أَ ِم ُنت ْم َفا ْذ ُك ُرو ْا اهلل َك َما َع َّل َم ُكم َّما َل ْم َت ُكونُو ْا َت ْع َل ُم َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
التخيير ،قال وفي األفضل وجهان أصحهما ركعتان باألولى ،واستدل له بفعل النبي ،وليس
للنبي فعل في صالة المغرب وال قول كما عرفت)) .نيل األوطار.340/2 ،
( )1وهل تفارق اإلمام الطائفة األولى في التشهد األول أو في الركعة الثالثة على وجهين:أحدهما حين
قيامه إلى الثالثة،وهو قول مالك واألوزاعي.والوجه الثاني تفارقه في التشهد،قيل وكال األمرين
جائز.انظر:الشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف،142-141/2،والمغني،410/4،والكافي.374/1،
( )2اإلقناع لإلمام ابن المنذر.124/1 ،
( )3وإذا صلى [اإلم ام] بالطائفة الثانية الركعة الثالثة وجلس للتشهد فإن الطائفة تقوم وال تتشهد معه،
تشهد لها بخالف الرباعية ،ويحتمل أن تتشهد معه؛ ألنها تقضي ٍ ذكره القاضي؛ ألنه ليس بموضع
ركعتين متواليتين على إحدى الروايتين ،فيفضي إلى أن تصلي ثالث ركعات بتشهد واحد ،وال
نظير لهذ ا في الصلوات ،فعلى هذا االحتمال تتشهد معه التشهد األول ثم تقوم كالصالة الرباعية
سواء)) المغني البن قدامة ،410/4 ،والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف،140-121/2 ،
والكافي ،374/1 ،وقال اإلمام المرداوي(( :فائدة :ال تتشهد الطائفة الثانية بعد ثالثة المغرب على
الصحي ح من المذهب؛ ألنه ليس محل تشهدها ،وقيل :تتشهد معه ،إن قلنا :تقضي ركعتين
متواليتين؛ لئال تصلي المغرب بتشهد واحد ،قلت :فعلى األول إن قلنا :تقضي ركعتين متواليتين
يعايى بها ،لكن يظهر بعد هذا أن ُيقال :ال تتشهد بعد الثالثة ،وإذا قضت تقضي ركعتين متواليتين،
أيضا ست تشهدات بأن يدرك المأموم اإلمام في التشهد األول ،فيتشهد معه، ويتصور في المغرب ً
ويكون على اإلمام سجود سهو محله بعد السالم ،فيتشهد معه ثالث تشهدات ،ثم يقضي فيتشهد
عقب ركعة ،وفي آخر صالته ،وسهو لما يجب سجوده بعد السالم ،وبأن يسلم قبل إتمام صالته،
فيعايى بها)) اإلنصاف مع المقنع والشرح الكبير.144-142/2 ،
( )4سورة البقرة ،اآليتان.241 -248 :
صالة الخوف
555
اإلمام ابن كثير رحمه اهلل(( :لما أمر اهلل تعالى عباده بالمحافظة على
الصلوات والقيام بحدودها ،وشدد األمر بتأكيدها ذكر الحال التي
يشتغل الشخص فيها عن أدائها على الوجه األكمل ،وهي حال القتال
إن ِخ ْف ُتم َفرِ َجاالً أَ ْو ُر ْكبا ًنا أي فصلوا على
والتحام الحرب ،فقالَ :ف ْ
()1
َ ْ
أي حال كان :رجاالً أو ركبا ًنا ،يعني مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ،
كما قال مالك عن نافع :إن ابن عمر كان إذا سئل عن صالة الخوف
قياما على
وصفها ،ثم قال :فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجاالً ً
أقدامهم ،أو ركبا ًنا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها ،قال مالك :قال
نافع :ال أرى عبد اهلل بن عمر ذكر ذلك إال عن رسول اهلل ،))ولفظ
قائما ،تومئ
راكبا ،أو ً فصل
ّ مسلم(( :فإذا كان خوف أكثر من ذلك
ً ()2
إيماء)) ،وفي حديث عبد اهلل بن أنيس لما بعثه رسول اهلل إلى ً
خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات فقال(( :اذهب فاقتله))
قال فرأيته وقد حضرت صالة العصر ،فقلت :إني ألخاف أن يكون بيني
إيماء
ً وبينه ما يؤخر الصالة فانطلقت أمشي وأنا أصلي ،وأومئ
()3
نحوه ))...الحديث .
وقال اإلمام البخاري رحمه اهلل تعالى(( :باب صالة الطالب والمطلوب
وإيماء ،وقال الوليد :ذكرت لألوزاعي صالة شرحبيل بن السمط ً راكبا
ً
وأصحابه على ظهر الدابة ،فقال :كذلك األمر عندنا إذا ُت ُخ ّو َف الفوت،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تفسير القرآن العظيم ،ص.117
إن ِخ ْف ُتم َفرِ َجاالً أ َ ْو ُر ْكبا ًنا َف ِإ َذا أ َ ِم ُنتم ،برقم 3242
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب التفسير ،باب قولهَ :ف ْ
ْ َ ْ
[و ،]134 ،132ومسلم ،كتاب صالة المسافرين ،باب صالة الخوف ،برقم .)841(-403
( )3أحمد ،313/4 ،وأبو داود ،كتاب صالة السفر ،باب صالة الطالب ،برقم ،1231قال اإلمام الحافظ
ابن كثير في تفسيره،ص(( :117رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد)) .وقال الحافظ ابن حجر في فتح
الباري(( :347/2 ،وإسناده حسن)) وضعفه األلباني في ضعيف سنن أبي داود ،ص ،17برقم .1231
صالة الخوف 555
()1
))واحتج الوليد بقول النبي (( :ال يصلين أحد العصر إال في بني قريظة
قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل :قال ابن المنذر :كل من نحفظ عنه من
إيماء ،وإن كان طالبا
ً أهل العلم يقول :إن المطلوب يصلي على دابته يومئ
ً
نزل فصلى على األرض ،قال الشافعي :إال أن ينقطع عن أصحابه فيخاف
عود المطلوب عليه،فيجزئه ذلك ،وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل،
بخالف المطلوب ،ووجه الفرق أن شدة الخوف في المطلوب ظاهرة؛
لتحقق السبب المقتضي لها،وأما الطالب فال يخاف استيالء العدو عليه،
وإنما يخاف أن يفوته العدو،وما نقله ابن المنذر متعقب بكالم األوزاعي؛
()2
يستثن طالبا من مطلوب)) ،ثم ذكر ابن حجر ِ فإنه قيده بخوف الفوت ولم
()3
ً
وحسن إسناده .رحمه اهلل حديث عبد اهلل بن أنيس المتقدم ّ
وقال البخاري رحمه اهلل تعالى(( :باب الصالة عند مناهضة الحصون
ولقاء العدو .وقال األوزاعي :إن كان تهيأ الفتح وعقدوا على الصالة صلوا
ّ
أخروا الصالة حتى ّ اإليماء على إيماء كل امرئ لنفسه ،فإن لم يقدروا
ً
ينكشف القتال،أو ي ْأ َمنوا فيصلوا ركعتين،فإن لم يقدروا صلوا ركعة
وسجدتين،فإن لم يقدروا فال يجزيهم التكبير ويؤخرونها حتى ي ْأ َمنوا ،وبه
()4
قال مكحول.وقال أنس بن مالك :حضرت عند مناهضة حصن ُتستر
عند إضاءة الفجر -واشتد اشتعال القتال -فلم يقدروا على الصالة،فلم
نصل إال بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى َف ُف ِت َح لنا،وقال
ّ
()5
أنس :وما يسرني بتلك الصالة الدنيا وما فيها)) ،ثم ساق البخاري عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري،كتاب صالة الخوف،باب صالة الطالب والمطلوب،قبل الحديث رقم ،133والحديث
الذي احتج به الوليد ،هو نفسه رقم ،133ورقم .3111
( )2فتح الباري.347-343/2 ،
( )3انظر :المرجع السابق.347/2 ،
( )4تستر :بلد معروف من بالد األهواز ،وذكر خليفة أن فتحها كان في سنة عشرين في خالفة عمر
،فتح الباري البن حجر.342/2 ،
( )5البخاري،كتاب صالة الخوف،باب الصالة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو،قبل الحديث رقم .132
صالة الخوف
555
جابر بن عبد اهلل قال :جاء عمر يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش،
ويقول :يا رسول اهلل،ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب.فقال
النبي ((:وأنا واهلل ما صليتها بعد)) قال:فنزل إلى بطحان فتوضأ وصلى
()1
العصر بعدما غابت الشمس،ثم صلى المغرب بعدها)) .
مما تقدم من األدلة على صالة الخوف عند اشتداد الحرب اختلف العلماء
على قولين:
-5قال جمهور العلماء :ال تؤخر الصالة عند اشتداد الحرب والتحام
القوم بعضهم ببعض ،بل يصلون على حسب أحوالهم على أي صفة كانوا
إيماء سواء كانوا مستقبلين القبلة أو مستدبرين ،وسواء
ً ولو ركعة واحدة
كانوا رجاالً على األقدام أو ركبا ًنا على الخيل واإلبل وغيرها ،فقالوا تكون
الصالة على ما ورد به القرآن ووردت به األحاديث ،وأن الصالة ال تؤخر،
()2
أما تأخير الصالة يوم الخندق؛ فألن صالة الخوف لم تشرع بعد .
-5وذهب قوم من أهل العلم إلى أن صالة الخوف في اشتداد القتال يجوز
تأخيرها إلى الفراغ من التحام القتال إذا لم يستطع المجاهدون أن يعقلوا
صالتهم ،وهذا أحد القولين في مذهب اإلمام أحمد رحمه اهلل وغيره ،واختاره
البخاري،واألوزاعي ،ومكحول،وهو الذي عمل به الصحابة زمن عمر بن
الخطاب في فتح تستر ،وقد اشتهر ولم ينكر عليهم تأخير صالة الفجر إلى أن
()3
استتم الفتح ضحى فصلوها بعد ارتفاع الشمس ،ورجح شيخنا اإلمام عبد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب صالة الخوف ،باب الصالة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو ،برقم
، 132ومسلم ،كتاب المساجد ومواضع الصالة ،باب الدليل لمن قال الصالة الوسطى هي
العصر ،برقم .341
( )2انظر :المغني البن قدامة،413/4 ،والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف ،122/2 ،وزاد المعاد،
،224/4والكافي البن قدامة ،322/1 ،ومنتهى اإلرادات ،432/1 ،ونيل األوطار ،341/2 ،ومنار
السبيل ،182/1 ،واإلقناع البن المنذر ،122/1 ،واإلقناع لطالب االنتفاع ،للحجاوي،288/1 ،
والروض المربع مع حاشية ابن قاسم.312/2 ،
( )3انظر فتح الباري ،البن حجر ،343-343/2 ،وتفسير القرآن العظيم ،البن كثير ،ص،118-117
واإلعالم بفوائد عمدة األحكام ،البن الملقن ،473/3 ،والشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين،
=
صالة الخوف 555
العزيز ابن باز رحمه اهلل أنه يجوز تأخير الصالة في حال المسايفة إلى أن
يتمكن من فعلها ،فسمعته يقول(( :والصواب أن غزوة ذات الرقاع قبل
أخروا
أخر الصالة كما فعل الصحابة يوم تستر َّ
األحزاب،وأنه إذا اشتد الخوف ّ
()1
أيضا العالمة محمد بن
صالة الفجر إلى الضحى لشدة الحرب)) .ورجح ذلك ً
صالح العثيمين رحمه اهلل ،وبين أنه يجوز تأخير الصالة إذا اشتد الخوف بحيث
ّ
ال يتدبر اإلنسان ما يقول ،وذكر أن تأخير صالة النبي يوم األحزاب ليس
منسوخا ،بل هو محكم إذا دعت الضرورة القصوى إلى ذلك ،بحيث ال يقر ً
للمقاتلين قرار ،ثم قال(( :ونحن في هذا المكان ال ندركه وإنما يدركه من كان
()2
في ميدان المعركة)) ،قال ابن رشيد رحمه اهلل(( :من باشر الحرب ،واشتغال
()3
القلب ،والجوارح ،إذا اشتغلت عرف كيف يتعذر اإليماء)) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
،282/3وزاد المعاد ،البن القيم ،224/4 ،ونيل األوطار للشوكاني.341/2 ،
( )1سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد.224/4 ،
( )2الشرح الممتع بتصرف يسير.283/3 ،
( )3نقالً عن فتح الباري البن حجر.343/2 ،
550 صالة الجمعة
وج ُمعات ،والذين قالوا :الجمعة ذهبوا بها إلى ُ وجمعة جمعهاُ :ج َمع،
والج َمعة(.)4( )3
ُ صفة اليوم ،ويقال :الجمعة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1معجم المقاييس في اللغة ،كتاب الجيم ،باب الجيم والميم وما بينهما ،ص. 223
( )2انظر :النهاية في غريب الحديث البن األثير ،باب الجيم مع الميم ،287 ،وقال(( :وفي حديث
جمعت بعد المدينة بجواثى جمعت :بالتشديد أي صليت ،ويوم الجمعة الجمعة :أول جمعة ّ
سمي به الجتماع الناس فيه)) النهاية. 217/1 ،
( )3انظر :لسان العرب البن منظور ،باب العين ،فصل الجيم ،28/8 ،والقاموس المحيط ،باب العين،
فصل الجيم ،ص. 117
( )4وسميت بالجمعة؛ الجتماع الناس لها ،وقيلِ :ل َما جمع فيها من الخير ،وقيل :لجمعها الخلق
الكثير ،وقيل :ألن آدم جمع مع حواء فيها ،وقيل :ألنه اليوم الذي اجتمعت فيه المخلوقات
وكمالها ،وقيل :سمي يوم الجمعة؛ ألن آدم جمع خلقه فيها ،ونقل المرداوي عن مجمع البحرين
أن هذا القول أولى ،وقال عبد الرحمن بن محمد بن قاسم :قال الحافظ :هو أصحها ،ويليه:
الجتماع الناس لها .قال اإلمام ابن خزيمة رحمه اهلل(( :باب ذكر العلة التي أحسب لها سميت
الجمعة جمعة)) ثم أورد حديث سلمان قال :قال رسول اهلل (( :يا سلمان ما يوم الجمعة))؟ قلت:
اهلل ورسوله أعلم .قال(( :يا سلمان ما يوم الجمعة))؟ قال :قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال(( :يا سلمان
ما يوم الجمعة))؟ قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال(( :يا سلمان يوم الجمعة به جمع أبوك -أو أبوكم -
أنا أحدثك عن يوم الجمعة ،ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمرتم يخرج من بيته حتى يأتي
الجمعة ،فيقعد ،فينصت حتى يقضي صالته إال كان كفارة ِل َما قبله من الجمعة)) صححه ابن
خزيمة ،118 -117/4 ،برقم ،1742وقال العالمة األلباني(( :إسناده حسن)) ،والحديث أخرجه
الطبراني في المعجم الكبير،247/3 ،برقم ،3081وأحمد في المسند،330-341/2،وفي الفتح
الرباني،32/3،قال الهيثمي في مجمع الزوائد ((:173/2روى النسائي بعضه [ ،]103/4ورواه
الطبراني في الكبير بإسناد حسن)) انتهى.
وفي لفظ أحمد …(( :ال يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم يأتي يوم الجمعة فينصت حتى يقضي
اإلمام صالته إال كان كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة)) ،341/2وفي لفظ
ألحمد أيضاً …(( :أال أحدثك عن يوم الجمعة؟ ال يتطهر رجل مسلم ثم يمشي إلى المسجد ثم
=
صالة الجمعة 556
والجمعة اصطالحاً :بضم الجيم والميم ،ويجوز سكون الميم
وفتحها ،يوم من أيام األسبوعُ ،تص َّلى فيه صالة خاصة هي صالة
الجمعة(.)1
وصالة الجمعة :صالة مستقلة بنفسها ،تخالف الظهر :في الجهر،
والعدد ،والخطبة ،والشروط المعتبرة لها ،وتوافقها في الوقت(.)2
جمعة في مسجد رسول اهلل في مسجد ٍ ٍ
جمعة ُج ّم َع ْت بعد وأول
()3
عبد القيس بجواثى من البحرين)) .
ثانياً:األصل في وجوب صالة الجمعة:الكتاب والسنة واإلجماع:
ودي ِللص ِ
الة - 1أما الكتاب فقول اهلل تعالى :يا أَيها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َذا نُ ِ
َّ َ َ َ ُّ َ
اس َع ْوا ِإ َلى ِذ ْكرِ اهلل َو َذ ُروا ا ْلبي َع َذل ُكم َخير لَّ ُكم إِن ُك ُنتم
ِ
الجمعة َف ْ ِمن َي ْو ِم
ْ ْ ٌْ ْ َْ
ون )4(فأمر بالسعي ،ومقتضى األمر الوجوب ،وال يجب السعي إال َت ْع َل ُم َ
إلى واجب ،ونهى عن البيع؛ لئال يشتغل به عنها ،فلو لم تكن فرضاً َل َما نهى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
ينصت حتى يقضي اإلمام صالته إال كانت كفارة ِل َما بينها وبين الجمعة التي بعدها ما اجتنبت
المقتلة)) . 330/2
يسمى في الجاهلية(( :العروبة))؛ ألن العرب كانت تعظمه ،وقيل [ذكره َّ وقد كان يوم الجمعة
السهيلي في الروض األنف : ]113/2 ،8/1 ،أول من سمى العروبة كعب بن لؤي ،فكانت قريش
تجتمع إليه في هذا اليوم ،فيخطبهم ،ويذكرهم بمبعث رسول اهلل ويعلمهم بأنه من ولده،
ويأمرهم باتباعه واإليمان به)) انظر :الكشاف للزمخشري ،17/3 ،والوسائل في مسامرة األوائل،
للسيوطي ،11 ،واإلعالم بفوائد عمدة األحكام ،البن الملقن ،104-102/3 ،واإلنصاف في
معرفة الراجح من الخالف ،للمرداوي،172/2،وحاشية ابن قاسم على الروض المربع،318/2،
وسبل السالم. 124/4 ،
رواس ،ص ، 132وانظر :اإلعالم بفوائد عمدة األحكام البن ( )1معجم لغة الفقهاء ،للدكتور محمد َّ
الملقن. 101/3 ،
( )2انظر :زاد المعاد ،البن القيم ،343-342/1 ،واإلنصاف للمرداوي المطبوع مع المقنع والشرح الكبير،
،130-121/2والشرح الكبير المطبوع مع المقنع واإلنصاف ،178/2 ،وحاشية عبد الرحمن بن محمد
بن قاسم على الروض المربع. 320/2 ،
( )3البخاري ،كتاب الجمعة ،باب الجمعة في القرى والمدن ،برقم . 3471 ،812
( ) 4سورة الجمعة ،اآلية.1 :
555 صالة الجمعة
عن البيع من أجلها ،والمراد بالسعي هنا الذهاب إليها ال اإلسراع؛ فإن
الع ْد ُو(.)1
السعي في كتاب اهلل لم ُي َر ْد به َ
السنَّة؛ فلحديث ابن عمر وأبي هريرة أنهما سمعا رسول اهلل ُّ - 2وأما
ليختمن اهلل على قلوبهم ،ثم أو يقول(( :لينتهين أقوام عن ودعهم( )2الجم ِ
عات
َّ ُ ُ َ ْ َّ
ليكونُ َّن من الغافلين))()3؛ ولحديث أبي الجعد الضمري :أن رسول اهلل
اوناً بها طبع اهلل على قلبه))( ،)4ولفظ الترمذي قال(( :من ترك ثالث ُج َمع َت َه ُ
()5
وابن ماجه(( :من ترك الجمعة ثالث مرات تهاوناً بها طبع اهلل على قلبه)) .
وعن حفصة رضي اهلل عنها ،أن النبي قال(( :رواح الجمعة واجب على كل
محتلم))(.)6
- 4وأما اإلجماع ،فأجمع المسلمون على وجوب الجمعة( ،)7وقال ابن
المنذر رحمه اهلل(( :وأجمعوا على أن الجمعة واجبة على األحرار،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :المغني البن قدامة ،128/4 ،،والشرح الكبير. 127/2 ،
( )2ودعهم :الودع :الترك ،وهو مصدر :ودع يدع ودعاً ،وزعم بعض النحويين أن مصدر مثل هذا
الفعل :متروك ،وكذلك أفعالها الماضية ،وأنهم يستغنون عن ((ودع)) بترك ،وعن الودع بالترك،
ونحو ذلك،ورسول اهلل أفصح وأعرف بالعربية.جامع األصول البن األثير.337/2 ،332،
( )3مسلم ،كتاب الجمعة ،باب التغليظ في ترك الجمعة ،برقم . 832
( )4طبع اهلل على قلبه :الطبع والختم واحد ،والمراد أنه بتركه الجمعة قد أغلق قلبه وختم عليه فال
يصل إليه شيء من الخير .جامع األصول البن األثير. 333/2 ،
( )5أخرجه أبو داود ،كتاب الصالة ،باب التشديد في ترك الجمعة ،برقم ،1022والنسائي ،كتاب
الجمعة ،باب التشديد في التخلف عن الجمعة ،برقم ،1470والترمذي ،كتاب الجمعة ،باب ما
جاء في ترك الجمعة من غير عذر ،برقم ، 200وابن ماجه ،كتاب إقامة الصلوات ،باب فيمن ترك
الجمعة من غير عذر ،برقم ،1122والحديث حسنه الترمذي،وقال األلباني في صحيح سنن
النسائي(( :332/1،حسن صحيح)) وقال عبد القادر األرناؤوط في تحقيقه لجامع األصول،
(( :333/2وصححه جماعة ،وهو حديث صحيح بشواهده)) ،ورواه النسائي من حديث جابر
برقم ،1438وابن ماجه برقم ،1123بلفظ(( :من ترك الجمعة ثالث ًا من غير ضرورة طبع اهلل على
قلبه)) ،وقال األلباني في صحيح النسائي(( :332/1 ،حسن صحيح)).
( )6النسائي ،كتاب الجمعة ،باب التشديد في التخلف عن الجمعة ،برقم ،1470وصححه األلباني
في صحيح النسائي. 334/1 ،
( )7المغني البن قدامة. 121/4 ،
صالة الجمعة 555
()1
. )) البالغين ،المقيمين الذين ال عذر لهم
ثالثاً :حكم صالة الجمعة:من تجب عليه ،ومن ال تجب عليه:
صالة الجمعة فرض عين على كل مسلم ،بالغ ،عاقلُ ،ح ٍر(،)2
ّ
مستوطن ببناء يشمله اسم واحد وال تفرق يسيراً ،فإن كان في البلد الذي
تقام فيه الجمعة لزمته ،ولو كان بينه وبين موضعها فراسخ ،ولو لم
يسمع النداء؛ ألن البلد كالشيء الواحد مثل :اسم :مكة ،والمدينة،
والرياض ،فما دام البناء يشمله اسم واحد فهو بلد واحد ،ولو فرض أن
هذا البلد اتسع وصار بين أطرافه أميال كثيرة ،أو فراسخ فتلزم الجمعة
من بأقصاه الشرقي ،كما تلزم من بأقصاه الغربي ،وهكذا الشمال
والجنوب؛ ألنه بلد واحد ليس بينه وبين المسجد أكثر من ثالثة أميال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اإلجماع البن المنذر ،ص. 33
الة ِمن
ودي ِللص ِ
َّ
( )2وقيل :تجب على المملوك؛ ألنه داخل في قوله تعالى :يا أَيها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َذا نُ ِ
َ َ َ ُّ َ
اس َع ْوا ِإ َلى ِذ ْكرِ اهلل َو َذ ُروا ا ْلبي َع َذ ِل ُكم َخير لَّ ُكم إِن ُك ُنتم َت ْع َل ُمو َن[ الجمعة .]1 :وهي ِ ِ
َي ْوم الـ ْ ُج ُم َعة َف ْ
ْ ْ ٌْ ْ َْ
رواية عن أحمد ،وقيل :إذا أذن له سيده لزمته وإذا لم يأذن له ال تلزمه ،وهي رواية ثالثة عن
أحمد ،انظر :اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف للمرداوي ،171/2 ،والمغني البن قدامة،
،217/4والشرح الكبير ،130/2 ،وقال السعدي رحمه اهلل(( :الصواب أن الجمعة والجماعة تجب
على العبيد األرقاء؛ ألن النصوص عامة في دخولهم ،وال دليل يدل على إخراج العبيد ،وأما
حديث طارق بن شهاب(( :الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إال أربعة)) ،فذكر منهم
العبد المملوك فهو حديث ضعيف اإلسناد… وأصح منه حديث حفصة في سنن النسائي مرفوعاً:
((رواح الجمعة واجب على كل محتلم)) [برقم ،1470وصححه األلباني في صحيح النسائي،
]334/1وهو عام في الحر والممل وك ،واألصل أن المملوك حكمه حكم الحر في جميع
العبادات البدنية المحضة التي ال تعلق لها بالمال)) .االختيارات الجلية ،ص ،31واختار تلميذه
محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل القول الثالث ،وهو أن الجمعة تلزم العبد إذا أذن له سيده،
وقال(( :وهذا القول قول وسط بين قول من يلزمه جمعة مطلقاً وقول من ال يلزمه مطلقاً)) الشرح
الممتع ، 1/2 ،ولكن سماحة شيخنا اإلمام ابن باز ذكر أن حديث طارق بن شهاب صحيح؛ وأن
مرسل الصحابي ال يضر ،وهو مقبول وقد ذكر غير واحد إجماع أهل العلم على قبول مرسل
الصحابي ،وقد صرح بالسماع عن أبي موسى األشعري فزال ما يخشى منه معنى كالمه رحمه اهلل،
وسيأتي نصه إن شاء اهلل مع تخريج الحديث.
وقال شيخ اإلسالم في الفتاوى((:183/23،وجوبها على العبد قوي إما مطلق ًا وإما إذا أذن له سيده)).
555 صالة الجمعة
تقريب ًا إذا لم يكن له عذر؛ ألن الموضع الذي يسمع منه النداء في
الغالب ،إذا كانت األصوات هادئة ،والموانع منتفية ،والريح ساكنة،
والمؤذن صيت ًا على موضع عال ،والمستمع غير ٍ
ساه ثالثة أميال أو ما
ّ
فح َّد بذلك تقريباً ،واهلل أعلم( .)1هذا إذا كان خارج البلد ،أما إذا
يقاربهاُ ،
كان البلد واحد ًا ،فإن الجمعة تلزمه ولو كان بينه وبين موضع الجمعة
فراسخ كما تقدم.
وخالصة القول :أن صالة الجمعة تلزم من توفرت فيه هذه الثمانية
شروط ،وهي :اإلسالم ،والبلوغ ،والعقل ،والذكورية ،والحرية،
واالستيطان ،وإمكان سماع النداء إذا كان ال يشمل المستمع اسم البلد،
وانتفاء األعذار(.)2
- 1أما اإلسالم؛ فألن الكافر ال تصح منه الصالة ،وال أي عبادة؛
ورا،)3( ِ ِ ِ
لقول اهلل َ : و َقد ْم َنا ِإ َلى َما َعم ُلوا م ْن َع َم ٍل َف َج َع ْل َنا ُه َه َب ًاء َّمنثُ ً
اء ِم ْن ِعب ِاد ِه َو َل ْو أَ ْشر ُكو ْا ِ ِ ِ
وقوله تعالىَ :ذل َك ُه َدى اهلل َي ْه(د)4ي بِه َمن َي َش ُ
َ َ
ون ، والكافر مخاطب بفروع الشريعة ِط َع ْن ُهم َّما َكانُو ْا َي ْع َم ُل َ
َل َحب َ
اإلسالمية كما هو مخاطب بأصولها ،ولكن لو عمل بفروع الشريعة ولم
يدخل في اإلسالم ال تقبل منه حتى يدخل في اإلسالم(.)5
- 2وأما البلوغ؛ فلحديث علي بن أبي طالب عن النبي قال:
(( ُرفع القلم عن ثالثة :عن النائم حتى يستيقظ ،وعن الصبي حتى يحتلم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :المغني ،333-233/4 ،والشرح الكبير ،البن قدامة ،133-130/2 ،واإلنصاف للمرداوي،
،133-130/2والروض المربع مع حاشية ابن قاسم ،323-318/2 ،والشرح الممتع للعالمة ابن
عثيمين.11-7/2 ،
( )2انظر :الشرح الكبير ،130/2 ،والكافي البن قدامة. 378-377/1 ،
( ) 3سورة الفرقان ،اآلية.24:
( ) 4سورة األنعام ،اآلية.88 :
( )5انظر:حاشية ابن قاسم على الروض المربع،321/2،والشرح الممتع،البن عثيمين.11-10/2 ،
صالة الجمعة 555
()1
وعن المجنون حتى يعقل)) ؛ ولحديث عائشة رضي اهلل عنها عن النبي
قال(( :رفع القلم عن ثالثة :عن النائم حتى يستيقظ ،وعن الصغير حتى
يكبر ،وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق))(.)2
- 4وأما العقل؛ فلحديث علي وعائشة رضي اهلل عنهما كما تقدم.
- 3وأما الذكورية ،فذكر ابن المنذر اإلجماع على أنه ليس على النساء
جمعة(.)3
- 2وأما الحرية؛ فلحديث طارق بن شهاب عن النبي قال:
((الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إال أربعة :عبد مملوك،
أو امرأة ،أو صبي ،أو مريض))(.)4
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل يقول(( :هذا يدل
على أن الجمعة حق واجب))(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحدود،باب في المجنون يسرق أو يصيب حد ًا،برقم ،334واللفظ له ،والترمذي،
ٌ ( )1أخرجه أبو داود،كتاب
كتاب الحدود ،باب من جاء فيمن ال يجب عليه الحد،رقم ،1324وابن ماجه،كتاب الطالق ،باب طالق
المعتوه والصغير والنائم ،برقم ،2032وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود ،23/4 ،وإرواء
الغليل ،3-2/2وغيرهما.
( )2النسائي ،كتاب الطالق ،باب من ال يقع طالقه من األزواج ،برقم ،4342وأبو داود ،كتاب
الحدود ،باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً ،برقم ،3418وابن ماجه ،كتاب الطالق ،باب
طالق المجنون والصغير والنائم ،برقم ، 2032وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود،
،22/1وفي إرواء الغليل ،برقم . 217
( )3انظر :اإلجماع البن المنذر ،ص. 33
( )4أبو داود ،كتاب الصالة ،باب الجمعة للمملوك والمرأة ،برقم ،1037قال أبو داود :طارق بن
شهاب قد رأى النبي ولم يسمع منه شيئاً .وصحح الحديث العالمة األلباني في صحيح أبي
داود ،213/1 ،ورواه الحاكم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى األشعري رضي اهلل عنهما،288/1 ،
وقال(( :هذا حديث صحيح على شرط الشيخين)) ،ووافقه الذهبي .وسمعت شيخنا ابن باز يقول:
((لمرسل مرسل صحابي وقد ذكر غير واحد إجماع أهل العلم على قبول مرسل الصحابي ،وقد
صرح بالسماع عن أبي موسى األشعري فزال ما يخشى ،وإن صلى هؤالء األربعة أجزأتهم))
سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .313
( )5سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم . 313
555 صالة الجمعة
- 3االستيطان ببناء معتاد ،قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل:
شتاء وال صيفاً،
ً ((كل قوم كانوا مستوطنين ببناء متقارب ،ال يظعنون عنه
تقام فيه الجمعة إذا كان مبنياً بما جرت به عادتهم :من مدر( )1وخشب،
أو قصب ،أو جريد ،أو سعف ،أو غير ذلك؛ فإن أجزأ البناء ومادته ال
تأثير لها في ذلك،إنما األصل أن يكونوا مستوطنين،ليسوا كأهل الخيام،
والحلل الذين يتتبعون في الغالب مواقع القطر،ويتنقلون في البقاع،
وينقلون بيوتهم معهم ،إذا انتقلوا ،وهذا مذهب جمهور العلماء ...وقال
اإلمام أحمد :ليس على البادية جمعة؛ ألنهم ينتقلون ،فع َّلل سقوطها
باالنتقال ،فكل من كان مستوطن ًا ال ينتقل باختياره فهو من أهل
القرى))(.)2
والمسافر ال جمعة عليه؛ ألن رسول اهلل كان يسافر أسفار ًا كثيرة:قد
اعتمر ثالث عمر سوى عمرة حجته ،وحج حجة الوداع،ومعه ألوف
مؤلفة ،وغزا أكثر من عشرين غزوة ولم ينقل عنه أحد قط أنه صلى في
السفر ال جمعة وال عيداً،بل كان يصلي ركعتين ركعتين في جميع أسفاره،
ويوم الجمعة يصلي ركعتين كسائر األيام،وكان يوم عرفة في حجة الوداع
يوم الجمعة،وصلى ظهراً،ففي صحيح مسلم من حديث جابر ((:أن
النبي َ ل ّما وصل بطن الوادي يوم عرفة نزل فخطب الناس،ثم بعد
الخطبة أ َّذن بالل،ثم أقام فصلى الظهر ،ثم أقام فصلى العصر))(.)3
يصل الجمعة ،وإنما صلى
ّ وهذا نص واضح صريح صحيح أنه لم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مدر :الطين اليابس .القاموس المحيط ،فصل الميم ،باب الراء ،ص. 301
( )2فتاوى ابن تيمية ،131 ،133/23وقال ابن تيمية رحمه اهلل(( :وتجب الجمعة على من أقام في غير بناء:
كالخيام وبيوت الشعر ونحوها ،وهو أحد قولي الشافعي ،وحكاه األزجي رواية عن أحمد…)) وقال أبو
العباس ابن تيمية في موضع آخر(( :يشترط مع إقامتهم في الخيام ونحوها أن يكونوا يزرعون كما يزرع أهل
القرية)) االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية،ص،111وانظر:المغني البن قدامة.204/4 ،
( )3مسلم ،كتاب الحج ،باب حجة النبي ،برقم . 1218
صالة الجمعة 555
ظهراً( )1هذا هو الحق الذي ال شك فيه .
()2
ودي - 7سماع النداء؛ لقول اهلل تعالى :يا أَيها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َذا نُ ِ
َ َ َ ُّ َ
اس َع ْوا ِإ َلى ِذ ْكرِ اهلل َو َذ ُروا ا ْلبي َع َذل ُكم َخير لَّ ُكم
ِ
الجمعة َف ْ الة ِمن َي ْو ِم
ِللص ِ
َّ
ْ ٌْ ْ َْ ()3
إِن ُك ُنتم َت ْع َل ُمو َن فالمعتبر في رواية عن اإلمام أحمد :إمكان سماع
ْ
النداء ،ويمكن سماعه في الغالب على بعد فرسخ ،وهو :ثالثة أميال
تقريباً إذا كانت األصوات هادئة ،والموانع منتفية ،والريح ساكنة،
ساه ،وهذا إذا كان عال ،والمستمع غير ٍ والمؤذن صيت ًا ،على موضع ٍ
ّ
خارج البلد ،أما إذا كان داخل البلد ،ويشمل موضعه اسم البلد وجبت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :مجموع فتاوى ابن تيمية 171-178/23 ،بتصرف يسير ،والشرح الممتع البن عثيمين،
،14/2والشرح الكبير. 131/2 ،
( )2وحكي عن الزهري ،والنخعي ،أن صالة الجمعة تجب على المسافر؛ ألن الجماعة تجب عليه
فالجمعة أولى ،والصواب ما تقدم .انظر :الشرح الكبير ،131/2 ،والمغني البن قدامة،213/4 ،
لكن إذا أجمع المسافر إقامة تمنع القصر ولم يرد استيطاناً لبلد :كطالب العلم ،أو التاجر الذي
يقيم ليبيع متاعه ،أو مشتري شيء ال ينجز إال في مدة طويلة ففيه وجهان عند الحنابلة:
الوجه األول :تلزمه الجمعة لعموم اآلية،وداللة األخبار؛فإن األخبار جاءت بوجوب الجمعة إال
على خمسة :المريض ،والمسافر،والمرأة ،والصبي،والمملوك ،وليس المسافر المقيم إقامة تمنع
القصر من هؤالء الخمسة.
الوجه الثاني :ال تجب عليه؛ألنه ليس بمستوطن ،واالستيطان من شروط الوجوب؛ وألنه لم ينوِ
اإلقامة في هذا البلد على الدوام ،فأشبه أهل القرية الذين يسكنونها صيفاً ويظعنون عنها شتاء.
انظر :المغني البن قدامة ،218/4 ،والشرح الكبير ،المطبوع مع المقنع واإلنصاف. 170/2 ،
والصواب أن المسافر الذي أقام إقامة تمنع القصر ولم ينو االستيطان أن وجوب صالة الجمعة
عليه فيه تفصيل:
أ -إذا أقام المسافرون إقامة تمنع القصر في مكان ال تقام فيه صالة الجمعة فال تجب عليهم صالة
الجمعة؛ ألنهم أشبه بالمسافرين وسكان البادية ،والجمعة إنما تجب على المستوطنين.
ب -إذا أقاموا في مكان تقام فيه صالة الجمعة من المسلمين المستوطنين فالمشروع أن يصلوا
معهم؛ ألن الجمعة تلزمهم بغيرهم ،ورجحه المرداوي في اإلنصاف قال(( :فالصحيح من المذهب
أن الصالة تلزمه بغيره)) اإلنصاف ، 170/2 ،وهذا ما أفتى به شيخنا ابن باز أهل الغربة في مجموع
الفتاوى ،477-473/12 ،وانظر :المغني البن قدامة ،218/4 ،والشرح الكبير ،170/2 ،والشرح
الممتع البن عثيمين ،22/2 ،وحاشية ابن قاسم مع الروض المربع. 323/2 ،
( ) 3سورة الجمعة ،اآلية.1 :
555 صالة الجمعة
عليه الجمعة ولو كان بينه وبينها فراسخ( ،)1ولو لم يسمع النداء؛ ألن
البلد كالشيء الواحد(.)2
- 8انتفاء األعذار ،فإذا كان من توفرت فيه شروط الجمعة غير
معذور وجبت عليه ،أما إذا كان معذور ًا فال تجب عليه الجمعة ،وقد
ذكرت هذه األعذار بأدلتها في آخر صالة الجماعة( ،)3وهذه الشروط
تنقسم إلى أربعة أقسام:
القسم األول :شرط للصحة واالنعقاد،وهو :اإلسالم والعقل.
القسم الثاني :شروط للوجوب واالنعقاد ،وهي :الحرية على قول،
والذكورية ،والبلوغ ،واالستيطان.
القسم الثالث:شرط لوجوب السعي فقط،وهو انتفاء األعذار.
القسم الرابع :شرط االنعقاد :وهو اإلقامة بمكان الجمعة على قول(.)4
رابعاً:من حضر الجمعة ممن ال تجب عليه من المسلمين العقالء ،أجزأته
عن الظهر ،وانعق ـدت به ،وص ـ ّح أن يؤم فيها على الصحيح؛ إال المرأة ،فال
يصح أن تكون خطيباً وال إماماً ،وال تنعقد بها الجمعة :أي ال تحسب من
العدد الذي تصح به صالة الجمعة ،ولكن لو حضرتها أجزأتها عن صالة
الظهر ،قال ابن المنذر -رحمه اهلل (( :-وأجمعوا على أنهن إذا حضرن اإلمام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تقدم غير مرة :أن الفرسخ ثالثة أميال.
( )2انظر :اإلنصاف للمرداوي ،130/2 ،والمغني البن قدامة ،233/4 ،والشرح الكبير البن قدامة،
،130/2والروض المربع مع حاشية ابن قاسم ،323-218/2 ،والشرح الممتع البن عثيمين،
،11-7/2وصحيح البخاري ،رقم . 102
( )3وقد سبق أن األعذار التي تسقط بها الجمعة والجماعة ثمانية أشياء :المرض ،والخوف على
النفس أو المال أو العرض ،والمطر ،والدحض ،والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة،
وحضور الطعام والنفس تتوق إليه ،ومدافعة أحد األخبثين ،وأن يكون له قريب يخاف موته وال
يحضره ،وتقدمت األدلة على ذلك في األعذار المسقطة لصالة الجماعة.
( )4انظر :الكافي البن قدامة. 371-378/1 ،
صالة الجمعة 555
()2( )1
. ))فصلين معه أن ذلك يجزئ عنهن
خامساً :عقوبة تارك صالة الجمعة عظيمة؛ لحديث عبد اهلل بن
مسعود أن النبي قال لقوم يتخلفون عن الجمعة(( :لقد هممت أن
آمر رجالً يصلي بالناس ثم أُحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة
ّ
بيوتهم))( ،)3ولحديث أبي هريرة وابن عمر أنهما سمعا رسول اهلل
ليختمن اهلل على قلوبهم، َّ الجمعات أو عن)4ودعهم ُ لينتهين أقوام
َّ يقول(( :
(
ثم ليكونُ َّن من الغافلين)) ؛ ولحديث أبي الجعد الضمري أن رسول
اهلل قال(( :من ترك ثالث ُجمع تهاوناً بها طبع اهلل على قلبه))(.)5
سادساً :حكم السفر في يوم الجمعة لمن تلزمه :ال يجوز إذا أذن
وديالمؤذن بعد دخول وقتها؛ لقول اهلل تعالى :يا أَيها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َذا نُ ِ
َ َ َ ُّ َ
الة ِمن َي ْو ِم الجمعة َف ْاس َع ْوا ِإ َلى ِذ ْكرِ اهلل َو َذ ُروا ا ْلبي َع َذ ِل ُكم َخير لَّ ُكم إِن ِللص ِ
َّ
ْ ٌْ ْ َْ ()1()6
إال إذا خاف فوات رفقته ،فإن خاف فواتهم فله أن ون
ُك ُنت ْم َت ْع َل ُم َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اإلجماع البن المنذر ،ص. 33
( )2اختلف أهل العلم في إمامة المسافر في صالة الجمعة ،وكذلك إمامة المملوك ،فقال قوم ال يؤم
المسافر وال المملوك في صالة الجمعة ،وال يعتبر بهما في العدد المشروط ،وقال آخرون :بل تصح إمامتهما
ويعتبر بهما في العدد المشروط ،واختار شيخ اإلسالم أن العبد والمسافر تنعقد بهما الجمعة ،وتصح إمامتهما؛ ألن
من صحت منه انعقدت به ،وصحت إمامته .نقله ابن قاسم في حاشية الروض 327/2 ،وبين أن إمامة المرأة
والخنثى ال تصح بال نزاع ،وأما إمامة العبد والمسافر فتجوز وفاقاً إال مالك ًا في العبد ،وجمهور العلماء على
خالفه ،ونقل أبو حامد إجماع المسلمين على صحتها خلف المسافر ،حاشية ابن قاسم على الروض المربع،
،327/2وذكر المرداوي أن من حضرها منهم أجزأته عن الظهر بال نزاع ،وذكر رواية عن اإلمام أحمد أن صالة
الجمعة تنعقد بالعبد ويؤم فيها ،وقال في الصبي المميز إن قلنا تجب عليه انعقدت به وأم فيها .انظر اإلنصاف،
،173-174/2والمغني ،220/4 ،والشرح الكبير،174/2 ،ورجح العالمة ابن عثيمين أن الصحيح أن الجمعة
تنعقد بالمسافر والعبد ويصح أن يكونوا أئمة وخطباء؛ ألن القول بعدم صحة ذلك ال دليل عليه .الشرح الممتع،
. 24/2
( )3مسلم،كتاب المساجد،باب فضل صالة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها ،برقم . 322
( )4مسلم ،برقم ،832وتقدم تخريجه في األصل في وجوب صالة الجمعة.
( )5أبو داود ،برقم ،1022والنسائي ،برقم ،1470والترمذي ،برقم ،200وتقدم تخريجه في األصل
في وجوب الجمعة.
( )6سورة الجمعة ،اآلية.1 :
550 صالة الجمعة
يسافر؛ ألن هذا عذر في ترك الجمعة نفسها ،فكذلك يكون عذر ًا في السفر
بعد دخول وقت الجمعة بعد الزوال.
وكذلك يجوز له السفر إذا كان يمكنه أن يأتي بصالة الجمعة في
طريقه في مسجد آخر من غير كراهة( ،)2واهلل أعلم(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
( )1يعبر الفقهاء بقولهم(( :ال يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد الزوال)) المغني البن قدامة،
،237/4والشرح الكبير ،182/2 ،والمقنع ،182/2 ،ولكن قال العالمة ابن عثيمين(( :األولى أن يعلق
الحكم بما علقه اهلل به وهو النداء إلى الجمعة؛ ألنه من الجائز أن يتأخر اإلمام عن الزوال… فال ينادى
للجمعة إال عند حضور اإلمام ،ولكن الغالب أن اإلمام يحضر إذا زالت الشمس)) الشرح الممتع،
. 40-21/2
( )2انظر:اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف،للمرداوي،1820182/2،والشرح الممتع. 40/2،
( )3اختلف العلماء في جواز السفر يوم الجمعة على أقوال:
أوالً :اختلفوا في جوازه من طلوع الفجر إلى الزوال على خمسة أقوال:
القول األول:الجواز،وهو قول أكثر العلماء،كعمر بن الخطاب،والزبير بن العوام،وأبي عبيدة ،وابن
عمر،والحسن،وابن سيرين،والزهري،وأبي حنيفة،ومالك في المشهور عنه،واألوزاعي ،وأحمد بن
حنبل في المشهور عنه،وهو القول القديم للشافعي،وحكاه ابن قدامة عن أكثر أهل العلم.
القول الثاني:المنع منه،وهو قول الشافعي في الجديد،ورواية عن أحمد،ورواية عن مالك.
القول الثالث :جواز السفر للجهاد دون غيره ،وهو رواية عن أحمد.
القول الرابع :جواز السفر الواجب دون غيره ،وهو اختيار أبي إسحاق المروزي من الشافعية،
ومال إليه إمام الحرمين.
القول الخامس:جواز سفر الطاعة واجباً كان أو مسنوناً،وهو قول كثير من الشافعية،وصححه الرافعي.
ثانياً :اختلفوا في جواز السفر يوم الجمعة بعد الزوال ،فذهب أبو حنيفة واألوزاعي إلى جوازه
كسائر الصلوات ،وقال عامة العلماء بعدم جوازه وفرقوا بين الجمعة وغيرها .والصواب في ذلك
إن شاء اهلل تعالى أن السفر يوم الجمعة ال يجوز بعد األذان الذي بعد دخول وقت الجمعة إال أن
يخشى حصول مضرة من تخلفه للجمعة :كاالنقطاع عن الرفقة التي ال يتمكن من السفر إال معها،
وما شابه ذلك من األعذار ،وقد جاز التخلف عن الجمعة لعذر المطر الشاق فجوازه لما كان
أدخل في المشقة منه أولى .وكذلك يجوز السفر بعد الزوال إذا تيقن أن يأتي بصالة الجمعة في
طريقه في مسجد آخر ،واهلل أعلم .انظر :نيل األوطار للشوكاني ،314-312/2 ،وزاد المعاد البن
القيم ،482-482/1 ،والمغني البن قدامة ،238-237/4 ،والمقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف،
،182/2وحاشية ابن قاسم على الروض المربع. 340/2 ،
صالة الجمعة 556
سابعاً :فضائل يوم الجمعة،له فضائل كثيرة،منها ما يلي:
- 1هداية هذه األمة ليوم الجمعة فضل عظيم؛ لحديث أبي هريرة
قال :قال رسول اهلل (( :نحن اآلخرون السابقون يوم القيامة بيد( )1أنهم
أُوتوا الكتاب من قبلنا ،ثم هذا يومهم الذي فرض اهلل عليهم اختلفوا
فيه ،فهدانا اهلل له ،فالناس لنا فيه تبع :اليهود غداً ،والنصارى بعد ٍ
غد))
وفي لفظ للبخاري(( :نحن اآلخرون السابقون يوم القيامة بيد كل أمة
أ ُوتوا الكتاب من قبلنا وأ ُوتيناه من بعدهم ))...ولفظ مسلم(( :نحن
اآلخرون األولون يوم القيامة ،ونحن أول من يدخل الجنة ،بيد أنهم
أُوتوا الكتاب من قبلنا وأُوتيناه من بعدهم ،فاختلفوا فهدانا اهلل ِل َما
اختلفوا فيه من الحق ،فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا اهلل له -قال
يوم الجمعة( -)2فاليوم لنا ،وغداً لليهود ،وبعد غد للنصارى))( .)3وقد
أضل اهلل عن فسرته الرواية األخرى عند مسلم من حديث حذيفة ّ ((
الجمعة من كان قبلنا ،فكان لليهود يوم السبت،وكان للنصارى يوم
األحد ،فجاء اهلل بنا فهدانا اهلل ليوم الجمعة،فجعل الجمعة ،والسبت،
واألحد ،وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ،نحن اآلخرون من أهل الدنيا،
واألولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخالئق)).وفي رواية واصل:
ُّ
((المقضي بينهم))(.)4
- 2يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس؛ لحديث أبي هريرة
قال :قال رسول اهلل (( :خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة:
فيه ُخ ِل َق آدم ،وفيه أ ُ ْد ِخ َل الجنة ،وفيه أ ُ ْخرِ َج منها ،وال تقوم الساعة إال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1بيد أنهم :أي غير أنهم؛ فإن بيد تأتي :بمعنى غير ،وبمعنى على ،وبمعنى من أجل .وقيل :ميد
بمعنى غير أيضاً .انظر :المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ،للقرطبي. 311/2 ،
( )2قال :أي قال الراوي ،ويفسره ما في النسائي(( :يعني يوم الجمعة)).
( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب الجمعة ،باب فرض الجمعة ،برقم ،873ورقم ،4383ومسلم ،كتاب
الجمعة،باب هداية اهلل هذه األمة ليوم الجمعة،برقم . 822
( )4مسلم ،كتاب الجمعة ،باب هداية اهلل هذه األمة ليوم الجمعة ،برقم . 823
555 صالة الجمعة
في يوم الجمعة))( ،)1ولفظ أبي داود(( :خير يوم طلعت فيه الشمس يوم
الجمعة :فيه ُخ ِلق آدم ،وفيه أُهبط ،وفيه ِتيب عليه ،وفيه مات ،وفيه تقوم
الساعة ،وما من دابة إال وهي مسيخة( )2يوم الجمعة من حين تصبح حتى
تطلع الشمس شفقاً من الساعة ،إال الجن واإلنس ،وفي ساعة ال يصادفها
عبد مسلم وهو يصلي يسأل اهلل حاجة إال أعطاه إياها)) قال كعب :ذلك
في كل سنة يوم؟ فقلت :بل في كل جمعة ،قال :فقرأ كتب التوراة فقال:
صدق النبي ،قال أبو هريرة :ثم لقيت عبد اهلل بن سالم فحدثته
بمجلسي مع كعب،فقال عبد اهلل بن سالم:قد علمت أي ساعة هي! قال
أبو هريرة:فقلت له:أخبرني بها؟ فقال عبد اهلل بن سالم:هي آخر ساعة من
يوم الجمعة،فقلت:كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول
اهلل ((:ال يصادفها عبد مسلم وهو يصلي)) وتلك الساعة ال يُص َّلى فيها؟
فقال عبد اهلل بن سالم:ألم يقل رسول اهلل ((:من جلس مجلساً ينتظر
الصالة فهو في صالة حتى يصلي)) قال:فقلت :بلى،قال :هو ذاك))(.)3
- 4يوم الجمعة سيد األيام؛ لحديث أبي لبابة بن عبد المنذر ،قال:
قال النبي (( :إن يوم الجمعة سيد األيام ،وأعظمها عند اهلل ،وهو أعظم
عند اهلل من يوم األضحى ،ويوم الفطر ،فيه خمس خالل :خلق اهلل فيه
آدم ،وأُهبط فيه آدم إلى األرض ،وفيه َتو َّفى اهلل آدم ،وفيه ساعة ال يسأل
العبد شيئاً إال أعطاه ما لم يسأل حراماً ،وفيه تقوم الساعة ،ما
ُ اهلل فيها
َ
من ملك مقرب وال سماء وال أرض ،وال رياح ،وال جبال ،وال بحر إال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،كتاب الجمعة ،باب في الساعة التي يوم الجمعة ،برقم . 823
( )2مسيخة ،وروي مصيخة ،والسين بدالً من الصاد ،ومعناهما :منتظرة لقيام الساعة .
( )3أبو داود ،كتاب الصالة ،باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة ،رقم ،1033واللفظ له،210/1 ،
والترمذي ،كتاب الجمعة ،باب ما جاء في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة ،برقم ،311
والنسائي ،كتاب الجمعة ،باب ذكر الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ،برقم ،1321
وصححه األلباني في صحيح أبي داود ،210/1 ،وصحيح الترمذي 278/1 ،وغيرهما.
صالة الجمعة 555
()1
. )) وهن يشفقن من يوم الجمعة
- 3يوم الجمعة أفضل األيام؛ لحديث أوس بن أوس ،قال :قال
رسول اهلل (( :إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه ُخ ِلق آدم ،وفيه
ِض ،وفيه النفخة ،وفيه الصعقة ،فأكثروا علي من الصالة فيه؛ فإن ُقب َ
َّ
صالتكم معروضة علي)) .قال :قالوا :يا رسول اهلل! وكيف ُتعرض
َّ
صالتنا عليك وقد َأر ْم َت؟ -يقولون :بليت -فقال(( :إن اهلل حرم على
َّ
األرض أن تأكل أجساد األنبياء))(.)2
- 2يوم الجمعة عيد األسبوع ،ويوم المزيد ألهل الجنة؛ لحديث أنس بن
مالك قال :عرضت الجمعة على رسول اهلل ،جاء جبريل في كفه
كالمرآة البيضاء ،في وسطها كالنكتة السوداء ،فقال(( :ما هذه يا جبريل))؟
قال :هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولقومك من بعدك،
ولكم فيها خير ،تكون أنت األول ،ويكون اليهود والنصارى من بعدك،
وفيها ساعة ال يدعو أحد ربه بخير هو ِق ْسم إال أعطاه ،أو يتعوذ من شر إال
ٌ
دفع عنه ما هو أعظم منه ،ونحن ندعوه في اآلخرة يوم المزيد ،وذلك أن
ربك اتخذ في الجنة وادي ًا أفيح من مسك أبيض ،فإذا كان يوم الجمعة نزل
وح ّف الكرسي بمنابر من نور ،فجلس من عليين فجلس على كرسيهُ ،
وح َّف المنابر بكراسي من ذهب مكللة بالجواهر ،وجاء عليها النبيونُ ،
الصديقون والشهداء ،فجلسوا عليها ،وجاء أهل الغرف من غرفهم حتى
يجلسوا على الكثيب وهو كثيب أبيض من مسك أذفر ،ثم يتج َّلى لهم ذو
الجالل واإلكرام ،فيقول :أنا الذي صدقتكم وعدي ،وأتممت عليكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن ماجه ،كتاب إقامة الصالة والسنة فيها ،باب فضل يوم الجمعة ،1083 ،وأحمد،340/4 ،
وحسنه األلباني في صحيح ابن ماجه ،421/1 ،ومشكاة المصابيح. 300/1 ،
( )2أبو داود ،كتاب الصالة ،باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة ،برقم ،1037والنسائي ،كتاب
الجمعة ،باب إكثار الصالة على النبي يوم الجمعة ،برقم ،1474وابن ماجه ،كتاب إقامة
الصالة ،باب فضل الجمعة ،برقم ، 1082وصححه األلباني في صحيح أبي داود،210/1 ،
وصحيح ابن ماجه ،422/1 ،وصحيح النسائي. 334/1 ،
555 صالة الجمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،كتاب الجمعة ،باب في الساعة التي في يوم الجمعة ،برقم ،824قال الحافظ ابن حجر في
بلوغ المرام ((( :)388ورجح الدارقطني أنه من قول أبي بردة)) ،قال النووي(( :هذا الحديث مما
استدركه الدارقطني على مسلم ،وقال :لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة ،ورواه جماعة
عن أبي بردة من قوله ،ومنهم من ب لغ به أبا موسى ولم يرفعه ،قال[ :القائل الدارقطني]:
(( والصواب أنه من قول أبي بردة ،كذلك رواه يحيى القطان عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي
بردة وتابعه واصل األحدب ومخالد روياه عن أبي بردة من قوله ،وقال النعمان بن عبد السالم عن
الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه موقوف وال يثبت قوله عن أبيه ،وقال أحمد بن
حنبل عن حماد بن خالد :قلت لمخرمة سمعت من أبيك شيئاً؟ قال :ال .هذا كالم الدارقطني.
وهذا الذي استدركه [القائل النووي] بناه على القاعدة المعروفة له وألكثر المحدثين أنه إذا
تعارض في رواية الحديث :وقف ورفع ،أو إرسال واتصال حكموا بالوقف واإلرسال ،وهي
قاعدة ضعيفة ممنوعة ،والصحيح طريقة األصوليين ،والفقهاء ،والبخاري ،ومسلم ،ومحققي
المحدثين أنه يحكم بالرفع واالتصال؛ ألنها زيادة ثقة ،وقد سبق التنبيه على مثل هذا في الفصول
السابقة في مقدمة الكتاب ،وسبق التنبيه على مثل هذا في مواضع أخرى بعدها ،وقد روينا في
سنن البيهقي عن أحمد بن سلمة قال :ذاكرت مسلم بن الحجاج حديث مخرمة هذا فقال مسلم:
هو أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة)) انتهى كالم النووي رحمه اهلل .شرح النووي على
صحيح مسلم ، 410/3 ،وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز يقول عن حديث أبي بردة عن أبي موسى
أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم (( :388القاعدة أن زيادة الثقة مقبولة ،وهذا ما ال يقال
بالرأي فال يمنع أن يكون مرفوعاً)) ،وسمعته يقول أثناء تقريره على صحيح مسلم ،الحديث رقم
(( :824والصواب مع مسلم ،فإن زيادة الثقة مقبولة ،وهو صحيح مرفوعاً)).
( )2زاد المعاد البن القيم. 410/1 ،
( )3أخرجه النسائي بلفظه،كتاب الجمعة،باب وقت الجمعة،برقم ،1487وما بين المعقوفين من السنن
الكبرى له،1317/223/1 ،وأبو داود،كتاب الصالة،باب اإلجابة،أية ساعة هي في يوم الجمعة،برقم
،1038والحاكم وصححه ووافقه الذهبي،271/1،وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري،
،320/2وصححه األلباني في صحيح النسائي،338/1،وفي صحيح أبي داود. 210/1 ،
صالة الجمعة 555
قلت -ورسول اهلل جالس :-إننا لنجد في كتاب اهلل تعالى في يوم
الجمعة ساعة ال يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل اهلل فيها شيئاً إال قضى
له حاجته .قال عبد اهلل :فأشار إلي رسول اهلل (( :أو بعض ساعة))
َّ
فقلت :صدقت ،أو بعض ساعة .قلت :أي ساعة هي؟ قال(( :هي آخر
ساعات النهار)) قلت:إنها ليست ساعة صالة؟ قال((:بلى،إن العبد المؤمن
إذا صلى ثم جلس ال يحبسه إال الصالة فهو في صالة))()1؛ ولحديث:
((التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة
الشمس))()2؛ ولحديث أبي سعيد ،وأبي هريرة رضي اهلل عنهما ( ،)3وحديث أبي
هريرة عن عبد اهلل بن سالم من قوله ،وفيه مناظرة أبي هريرة له في
ذلك ،واحتجاج عبد اهلل بن سالم بأن منتظر الصالة في صالة( ،)4قال
الحافظ ابن حجر رحمه اهلل(( :وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح
إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناساً من أصحاب رسول اهلل
اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة
من يوم الجمعة))( ،)5واهلل الموفق(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن ماجه،كتاب إقامة الصالة،باب ما جاء في الساعة التي ترجى في الجمعة،برقم ،1141وقال العالمة
األلباني في صحيح ابن ماجه((:447/1،حسن صحيح)) وكذلك في مشكاة المصابيح ،برقم . 1421
( ) 2الترمذي ،كتاب الجمعة ،باب ما جاء في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة ،وحسنه األلباني في
صحيح الترمذي ،277/1 ،وفي صحيح الترغيب. 248/1 ،
( )3أحمد في المسند ،272/2 ،ويشهد له حديث جابر السابق.
( )4أبو داود ،برقم ،1033والترمذي،برقم ،311والنسائي ،برقم ،1321واإلمام مالك في الموطأ،
، 184 ،182/1وصححه األلباني ،وتقدم تخريجه في يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس.
( )5نقالً عن فتح الباري البن حجر ،321/2 ،وزاد المعاد البن القيم. 411/1 ،
( )6وذكر الحافظ أن كثيراً من األئمة رجحوا هذا القول كأحمد وإسحاق ،ومن المالكية الطرطوشي،
وحكى العالئي أن شيخه ابن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص
الشافعي ،وأجابوا عن كونه ليس في أحد الصحيحين بأن الترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما
إنما هو حيث ال يكون مما انتقده الحفاظ :كحديث أبي موسى هذا فإنه أُعل باالنقطاع
واالضطراب .أما االنقطاع؛ فألن مخرمة لم يسمع من أبيه ،قاله أحمد عن حماد بن خالد عن
مخرمة نفسه ،وكذا قال سعيد بن أبي مريم عن موسى بن سلمة عن مخرمة ،وزاد إنما هي كتب
=
555 صالة الجمعة
وقال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى((:وروى سعيد بن جبير،عن ابن
عباس ، قال:الساعة التي تذكر يوم الجمعة ما بين صالة العصر إلى
غروب الشمس .وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلم أحداً
حتى تغرب الشمس ،وهذا قول أكثر السلف وعليه أكثر األحاديث.
ويليه القول بأنها ساعة الصالة وبقية األقوال ال دليل عليها))(.)1
قال ابن القيم((:وعندي أن ساعة الصالة ساعة ُترجى فيها اإلجابة
أيضاً ،فكالهما ساعة إجابة،وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر
ساعة بعد العصر فهي ساعة معينة من اليوم ال تتقدم وال تتأخر،وأما
ساعة الصالة فتابعة للصالة تقدمت أو تأخرت؛ ألن الجتماع
المسلمين ،وصالتهم ،وتضرعهم،وابتهالهم إلى اهلل تعالى تأثير ًا في
اإلجابة،فساعة اجتماعهم ساعة ترجى فيها اإلجابة ،وعلى هذا تتفق
األحاديث كلها .)2())...
وقال رحمه اهلل(( :وهذه الساعة هي آخر ساعة بعد العصر ،يُ َعظّ ُمها
جميع أهل الملل ،وعند أهل الكتاب هي ساعة اإلجابة ،وهذا مما
عرض لهم في تبديله وتحريفه ،وقد اعترف به مؤمنهم))(.)3
وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول عند بيانه لفضل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
كانت عندنا ،وقال علي بن المديني :لم أسمع أحداً من أهل المدينة يقول عن مخرمة إنه قال في
شيء من حديثه سمعت أبي ،وال يقال مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة ،وهو
كذلك هنا؛ ألنا نقول وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه ٍ
كاف في دعوى االنقطاع.
وأما االضطراب فقد رواه أبو إسحاق وواصل األحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من
قوله ،وهؤالء من أهل الكوفة ،وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني ،وهم عدد وهو
فت فيه برأيه بخالف المرفوع ،ولهذا جزم واحد ،وأيضاً فلو كان عن أبي بردة مرفوع ًا لم ي ِ
ُ
الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب)) فتح الباري. 322/2 ،
( )1زاد المعاد في هدي خير العباد. 413/1 ،
( )2المرجع السابق. 413/1 ،
( )3المرجع السابق. 413/1 ،
صالة الجمعة 555
الجمعة(( :هذا يبين أنه ينبغي للمسلم أن يعتني بيوم الجمعة ،ففيه ساعة
ال يوافقها عبد مسلم يدعو اهلل بشيء إال أعطاه إياه ،وهي بعد العصر،
وربما تكون بعد جلوس اإلمام على المنبر ،فإذا جاء اإلنسان وجلس
بعد العصر ينتظر المغرب ويدعو فهو حري باإلجابة ،وكذلك بعد
صعود اإلمام على المنبر ،فيدعو اإلنسان في سجوده ،وجلوسه ،فإنه
حري باإلجابة))(.)1
ٌّ
ثامناً :فضائل صالة الجمعة كثيرة متعددة ،منها ما يأتي:
- 1التبكير إليها من أعظم الصدقات والقربات العظيمة؛ لحديث أبي
هريرة أن رسول اهلل قال(( :من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم
راح فكأنما قرب بدنة ،ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة،
ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ،ومن راح في الساعة
الرابعة فكأنما قرب دجاجة ،ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب
بيضة ،فإذا خرج اإلمام حضرت المالئكة يستمعون الذكر))( .)2وعنه
قال :قال رسول اهلل (( :إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من
أبواب المسجد مالئكة يكتبون األول فاألول ،فإذا جلس اإلمام طووا
المهجر كمثل الذي يهدي ّ الصحف ،وجاؤوا يستمعون الذكر ،ومثل
البدنة ،ثم كالذي يهدي بقرة ،ثم كالذي يهدي الكبش ،ثم كالذي يهدي
الدجاجة ،ثم كالذي يهدي البيضة)) .ولفظ البخاري(( :إذا كان يوم الجمعة
المهجر
ّ وقفت المالئكة على باب المسجد يكتبون األول فاألول ،ومثل
كمثل الذي يهدي بدنة ،ثم كالذي يهدي بقرة ،ثم كبشاً ،ثم دجاجة ،ثم
بيضة ،ثم إذا خرج اإلمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر))(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعته أثناء تقريره على صحيح مسلم ،الحديث رقم . 824
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب الجمعة ،باب فضل الجمعة ،برقم ،881ومسلم ،كتاب الجمعة ،باب
الطيب والسواك يوم الجمعة ،برقم . 820
( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب الجمعة ،باب االستماع إلى الخطبة يوم الجمعة ،برقم ،121ومسلم،
=
550 صالة الجمعة
ُوجد)) قال عمرو :أما الغسل فأشهد أنه واجب ،وأما االستنان والطيب فاهلل
أعلم أواجب هو أم ال؟ ولكن هكذا في الحديث)) .وفي لفظ مسلم(( :غسل
ويمس من الطيب ما َق َد َر
ُّ وسواك،
ٌ الجمعة واجب على كل محتلم،
()1
حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة عليه)) .وعن أبي هريرة ٌّ (( :
أيام يوم ًا ،يغتسل فيه رأسه وجسده)) .وفي رواية للبخاري(( :هلل تعالى على
حق أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً))( .)2وفي لفظ النسائي عن كل مسلم ٌّ
جابر يرفعه(( :على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم ،وهو
يوم الجمعة))(.)3
وقال ابن عمر رضي اهلل عنهما ((:إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة))(.)4
وهذه األحاديث استدل بها جمع من أهل العلم على وجوب الغسل
يوم الجمعة على من يحضر صالة الجمعة؛ لهذه األخبار الصحيحة،
وقال جمع آخر من أهل العلم :غسل يوم الجمعة لمن يشهد صالة
الجمعة سنة مؤكدة جداً ،وال يجب؛ لحديث سمرة بن ُجندب قال :قال
رسول اهلل (( :من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ،ومن اغتسل فالغسل
أفضل))()5؛ ولحديث أبي هريرة قال :قال رسول اهلل (( :من توضأ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب الجمعة ،باب الطيب ،برقم ،880ومسلم ،كتاب الجمعة ،باب الطيب
والسواك يوم الجمعة ،برقم .833
باب :هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء ( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب الجمعةٌ ،
والصبيان وغيرهم ،برقم ،818 ،817ومسلم ،كتاب الجمعة ،باب الطيب والسواك يوم الجمعة،
برقم .831
( )3النسائي ،كتاب الجمعة ،باب إيجاب الغسل يوم الجمعة ،برقم ،1477وصححه األلباني في
صحيح النسائي ،33/1 ،وفي إرواء الغليل.174/1 ،
باب :هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم. ( )4البخاري ،كتاب الجمعةٌ ،
قبل الحديث رقم .813
( )5أبو داود ،كتاب الطهارة ،باب الرخصة في ترك الغسل ،برقم ،423والترمذي ،كتاب الجمعة،
باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة ،برقم ، 317وابن ماجه ،كتاب إقامة الصلوات ،باب ما جاء
في الرخصة في ذلك ،برقم ، 1011والنسائي ،كتاب الجمعة ،باب الرخصة في ترك الغسل يوم
الجمعة ،برقم ،1471وصححه األلباني في صحيح النسائي ،332/1 ،وفي جميع المواضع
=
صالة الجمعة 555
فأحسن الوضوء ،ثم أتى يوم الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه
وبين الجمعة ،وزيادة ثالثة أيام ،ومن مس الحصا فقد لغا))( .)1ورجح
شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل :أن غسل الجمعة
سنة مؤكدة ،ينبغي للمسلم أن يحافظ عليه خروجاً من خالف من قال
بالوجوب ،وأقوال العلماء في غسل الجمعة ثالثة :منهم من قال
بالوجوب مطلقاً ،وهذا قول قوي ،ومنهم من قال :بأنه سنة مؤكدة
فصل فقال :غسل يوم الجمعة يجب على أصحاب مطلق ًا ،ومنهم من َّ
األعمال الشاقة؛ لما يحصل لهم من بعض التعب والعرق ،ومستحب
في حق غيرهم ،وهذا قول ضعيف ،والصواب أن غسل الجمعة سنة
مؤكدة ،أما قوله (( :غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) [ف] معناه
عند أكثر أهل العلم :متأكد كما تقول العرب(( :العدة دين وحق علي
َّ
واجب))،ويقول بعضهم(( :حقك علي واجب)) أي متأكد ،ويدل على هذا
َّ
المعنى اكتفاؤه باألمر بالوضوء في بعض األحاديث ...وهكذا
الطيب ،واالستياك ،ولبس الحسن من الثياب ،والتبكير إلى الجمعة كله
المرغب فيها ،وليس شيء منها واجب( ،)2والقول بأن غسل َّ من السنن
الجمعة سنة مؤكدة هو قول أكثر أهل العلم(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
السابقة في التخريج.
( )1مسلم ،برقم ،)827( - 27وتقدم تخريجه في فضائل صالة الجمعة.
( )2اقتبست هذا كله من فتاوى سماحة شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل ،انظر :مجموع
الفتاوى له ،303/12 ،والفتاوى اإلسالمية ،311/1 ،وسمعته في تقريراته الكثيرة أثناء تقريره على
صحيح البخاري ،الحديث رقم 818وصحيح مسلم ،الحديث رقم ،833ومنتقى األخبار،
األحاديث ذات الرقم ،307-300وبلوغ المرام ،الحديث رقم ،120ورقم .124
( )3وقد ذكر ذلك اإلمام الترمذي بعد أن ساق حديث سمرة بن جندب ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت،
ومن اغتسل فالغسل أفضل)) ،قال الترمذي(( :والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي ومن
بعدهم اختاروا الغسل يوم الجمعة .ورأوا أن يجزئ الوضوء من الغسل يوم الجمعة .قال الشافعي
[القائل الترمذي] ومما يدل على أن أمر النبي بالغسل يوم الجمعة أنه على االختيار ال على الوجوب
حديث عمر حيث قال لعثمان :والوضوء أيض ًا ،وقد علمت أن رسول اهلل أمر بالغسل يوم الجمعة؟ فلو
=
555 صالة الجمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
علما أن أمره على الوجوب ال على االختيار لم يترك عثمان حتى يرده ،ويقول له :ارجع فاغتسل،
ولما خفي على عثمان ذلك مع علمه ،ولكن دل في هذا الحديث أن الغسل يوم الجمعة ،فيه فضل من
غير وجوب يجب على المرء في ذلك)) [الترمذي بعد إخراجه لحديث سمرة بن جندب،برقم .]317
وقال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل في الغسل يوم الجمعة((:ال خالف في استحباب ذلك وفيه آثار
صحيحة...وليس بواجب في قول أكثر أهل العلم...وهو قول األوزاعي،والثوري،ومالك،
والشافعي،وابن المنذر،وأصحاب الرأي،وقيل :إن هذا إجماع)) [المغني البن قدامة...]222/4 ،
وقال اإلمام ابن عبد البر(( :وأجمع العلماء على أن غسل الجمعة ليس بواجب إال طائفة من أهل
الظاهر قالوا بوجوبه وشددوا في ذلك ،وأما سائر العلماء والفقهاء ،فإنما هم فيه على قولين:
أحدهما أنه سنة ،واآلخر أنه مستحب ،وأن األمر به كان لعلة فسقط ،والطيب يجزئ عنه))
[التمهيد ،]122-121/13 ،قال اإلمام ابن قدامة (( :وحكي عن أحمد رواية أخرى أنه واجب))
[المغني.]222/4 ،
وقال اإلمام النووي رحمه اهلل(( :اختلف العلماء في غسل الجمعة فحكى وجوبه عن طائفة من
السلف حكوه عن بعض الصحابة ،وبه قال أهل الظاهر ،وحكاه ابن المنذر عن مالك ،وحكاه
الخطابي عن الحسن البصري ومالك ،وذهب جمهور من العلماء من السلف والخلف ،وفقهاء
األمصار ،إلى أنه سنة مستحبة ليس بواجب ،قال القاضي :وهو المعروف من مذهب مالك،
وأصحابه ،واحتج من أوجبه بظواهر هذه األحاديث ،واحتج الجمهور بأحاديث صحيحة ،منها
حديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب ،وقد ترك الغسل ،وقد ذكره مسلم ،وهذا الرجل هو
عثمان بن عفان جاء مبين ًا في الرواية األخرى ،ووجه الداللة أن عثمان فعله وأقره عمر ،وحاضروا
الجمعة ،وهم أهل الحل والعقد ،ولو كان واجباً لما تركه ،وأللزموه ،ومنها قوله (( :من توضأ
فبها ونعمت ،ومن اغتسل فالغسل أفضل)) حديث حسن في السنن مشهور ،وفيه دليل على أنه
ليس بواجب ،ومنها ،قوله (( :لو اغتسلتم يوم الجمعة)) [ولفظه عند مسلم :عن عائشة أنها
قالت :كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي ،فيأتون في العباء ،ويصيبهم الغبار،
فتخرج منهم الريح ،فأتى رسول اهلل إنسان منهم وهو عندي ،فقال رسول اهلل (( :لو أنكم
تطهرتم ليومكم هذا)) وفي لفظ(( :لو اغتسلتم يوم الجمعة)) برقم .]837وهذا اللفظ يقتضي أنه
ليس بواجب؛ ألن تقديره لكان أفضل وأكمل ،ونحو هذا ...وأجابوا عن األحاديث الواردة في
األمر به أنها محمولة على الندب جمع ًا بين األحاديث ،وقوله (( :واجب على كل محتلم)) أي
متأكد في حقه ،كما يقول الرجل لصاحبه :حقك واجب علي :أي متأكد ،ال أن المراد الواجب
ّ
المتحتم المعاقب عليه)) [شرح النووي على صحيح مسلم.]482-481/3 ،
وذكر اإلمام القرطبي رحمه اهلل أن قوله (( :غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)) ،وقوله
(( :إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل)) ظاهر في وجوب غسل الجمعة ،وبه قال أهل الظاهر،
وحكي عن بعض الصحابة ،وعن الحسن ،وحكاه الخطابي عن مالك ،ومعروف مذهبه
وصحيحه :أنه سنة ،وهو مذهب عامة أئمة الفتوى ،وحملوا تلك األحاديث على أنه واجب
وجوب السنن المؤكدة ،ودلهم على ذلك أمور:
أحدها :قوله في حديث أبي هريرة(( :من توضأ فأحسن الوضوء ،ثم أتى الجمعة فاستمع،
=
صالة الجمعة 555
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
وأنصت ،غفر له[ ))...مسلم ،برقم .]827فذكر فيه الوضوء واقتصر عليه دون الغسل ،ورتب
كاف من غير غسل ،وأن الغسل ليس بواجب [بل الصحة والثواب عليه ،فدل على أن الوضوء ٍ
سنة مؤكدة].
وثانيها :تقرير عمر والصحابة لعثمان على صالة الجمعة بالوضوء من غير غسل ،ولم يأمروه
بالخروج ،ولم ينكروا عليه ،فصار ذلك كاإلجماع منهم على أن الغسل ليس بشرط في صحة
الجمعة وال واجب.
وثالثها :قوله لهم حين وجد منهم الريح الكريهة(( :لو اغتسلتم ليومكم هذا)) وهذا عرض ،وتحضيض،
وإرشاد للنظافة المستحسنة ،وال يقال مثل ذلك اللفظ في الواجب.
ورابعها :ما يقطع مادة النزاع ويحسم كل إشكال حديث الحسن عن سمرة ،قال :قال رسول اهلل (( :من
توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ،ومن اغتسل فالغسل أفضل)) [أبو داود ،برقم ،423والترمذي ،برقم
،317والنسائي ،برقم ،1471وابن ماجه ،برقم ،1011وتقدم تخريجه قبل صفحات] ،وهذا نص في
موضع الخالف ،غير أن سماع الحسن من سمرة مختلف فيه ،وقد صح عنه أنه سمع منه حديث العقيقة،
فيحمل حديثه عنه على السماع إلى أن يدل دليل على غير ذلك ،واهلل تعالى أعلم.
وخامسها :أنه عليه الصالة والسالم قد قال(( :غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ،وسواك،
ويمسك من الطيب ما قدر عليه)) [متفق عليه :البخاري ،برقم ،880ومسلم ،برقم ،]833وظاهر
هذا وجوب السواك ،والطيب ،وليس كذلك باالتفاق ،يدل على أن قوله(( :واجب ليس على
ظاهر ه ،بل المراد به :ندب المؤكد ،إذ ال يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب في لفظ
((الواو)) واهلل تعالى أعلم)) [ .المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم[ ]380-371/2 ،وانظر:
فتح الباري ،البن حجر ،433-423/2 ،وزاد المعاد.]477-473/1 ،
وقال اإلمام شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل تعالى على حديث أبي هريرة المتفق عليه(( :حق على
كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً ،يغسل فيه رأسه وجسده)) [البخاري ،برقم ،818 ،817
ومسلم ،برقم ،]831وحديث جابر(( :على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم ،وهو يوم
الجمعة)) [النسائي ،برقم .]1477قال رحمه اهلل(( :وهذا في أحد قولي العلماء هو غسل راتب مسنون
للنظافة في كل أسبوع ،وإن لم يشهد الجمعة ،بحيث يفعله من ال جمعة عليه ...وأما األحاديث في
غسل يوم الجمعة [فـ]متعددة ،وذلك يعلل باجتماع الناس بدخول المسجد وشهود المالئكة ،ومع
العبد مالئكة ،وقد ثبت عن النبي أنه قال(( :إن المالئكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)) [مسلم ،كتاب
المساجد ،باب نهي من أكل ثوماً أو بصالً أو كراثاً أو نحوها مما له رائحة كريهة عن حضور المسجد
حتى يذهب ذلك الريح وإخراجه من المسجد ،برقم .]233مجموع فتاوى ابن تيمية.408-407/1 ،
واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية(( :أن غسل الجمعة يجب على من له عرق أو ريح يتأذى به غيره ،وهو
بعض مذهب من يوجبه مطلق ًا بطريق األولى)) االختيارات العلمية من االختيارات الفقهية لشيخ
اإلسالم ابن تيمية ،ص ،40والمستدرك على مجموع فتاوى شيخ اإلسالم أحمد ابن تيمية ،جمع
محمد بن عبد الرحمن بن قاسم.31/4 ،
وقال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل عن غسل يوم الجمعة(( :وهو أمر مؤكد جداً ،ووجوبه أقوى من
وجوب الوتر ،وقراءة البسملة في الصالة ،ووجوب الوضوء من مس النساء ،ووجوب الوضوء من
=
555 صالة الجمعة
هذه فلبستها يوم الجمعة ،وللوفد إذا قدموا عليك؟ فقال رسول اهلل :
((إنما يلبس هذه من ال خالق له في اآلخرة))(.)1
ووجه االستدالل به من جهة تقريره لعمر على أصل التجمل
للجمعة ،وللوفد ،وقصر اإلنكار على لبس مثل تلك الحلة؛ لكونها
كانت حريراً( ،)2وعن محمد بن يحيى بن حبان أن رسول اهلل قال:
َّ
((ما على أحدكم إن وجد -أو :ما على أحدكم إن وجدتم -أن يتخذ
ثوبين يوم الجمعة سوى ثوبي مهنته)) .وعن ابن سالم أنه سمع رسول
اهلل يقول ذلك على المنبر(.)3
- 3يستقبل اإلمام بوجهه أثناء الخطبة؛لحديث عبداهلل بن مسعود قال:
((كان رسول اهلل إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا))(.)4
وعن ثابت قال(( :كان النبي إذا قام على المنبر استقبله أصحابه
بوجوههم))(.)5
قال اإلمام الترمذي رحمه اهلل(( :والعمل على هذا عند أهل العلم من
أصحاب النبي وغيرهم :يستحبون استقبال اإلمام إذا خطب ،وهو
قول :سفيان الثوري ،والشافعي ،وأحمد ،وإسحاق))(.)6
- 7يُب ّكر إلى الجمعة؛ لحديث أبي هريرة أن رسول اهلل قال:
َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب الجمعة ،باب يلبس أحسن ما يجد ،برقم ،883ومسلم ،كتاب
اللباس والزينة ،باب تحريم لبس الحرير ،برقم .2038
( )2انظر :فتح الباري البن حجر .473/2
( )3أبو داود ،كتاب الصالة ،باب اللبس للجمعة ،برقم ،1078وصححه األلباني في صحيح أبي
داود.217/1 ،
( )4الترمذي ،كتاب الجمعة ،باب ما جاء في استقبال اإلمام إذا خطب ،برقم ،201وصححه األلباني
في صحيح الترمذي ،287/1 ،وفي الصحيحة ،برقم .2080
( )5ابن ماجه،كتاب إقامة الصلوات،باب ما جاء في استقبال اإلمام وهو يخطب،برقم ،1143وصححه األلباني
في صحيح سنن ابن ماجه،443/1،وفي الصحيحة ،برقم .2080
( )6سنن الترمذي ،في آخر الحديث رقم .201
صالة الجمعة 556
((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ،ثم راح فكأنما قرب بدنة ،ومن
راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ،ومن راح في الساعة الثالثة،
فكأنما قرب كبشاً أقرن ،ومن راح في الساعة الرابعة ،فكأنما قرب
دجاجة ،ومن راح في الساعة الخامسة ،فكأنما قرب بيضة ،فإذا خرج
اإلمام حضرت المالئكة يستمعون الذكر))(.)1
وقوله ((:من اغتسل يوم الجمعة ثم راح)) يدل على أن الغسل
المستحب للجمعة أوله طلوع الفجر،وآخره الرواح إلى الجمعة،فإن
اغتسل قبل دخول يوم الجمعة لم يأت بسنة الغسل ،كما لو اغتسل بعد
صالة الجمعة،وبهذا قال مالك،والشافعي،وأحمد،وأكثر العلماء(.)2
وقوله (( :غسل الجنابة)) قيل :المراد تعميم الجسد بالغسل كما يعمه
بغسل الجنابة ،فيكون المعنى :اغتساله للجمعة كاغتساله للجنابة في
المبالغة وتعميم البدن بالماء ،وهذا قول أكثر الفقهاء من الشافعية
وغيرهم.
وقيل :المراد به غسل الجنابة حقيقة ،وأنه يستحب لمن له زوجة أو
مملوكة أن يطأها يوم الجمعة ثم يغتسل؛ ألنه أغض لبصره(.)3
وقوله (( :ثم راح فكأنما قرب بدنة)) المراد راح في الساعة األولى،
بدليل قوله (( :ومن راح في الساعة الثانية)) وقد صرح اإلمام مالك في
روايته للحديث بذكر الساعة األولى ،وقد اختلف العلماء في المراد بهذه
الساعة ،فقيل :المراد بها الساعة التي بعد زوال الشمس؛ ألن حقيقة الرواح
والغدو يكون قبله ،كما قال اهلل تعالىَ :و ِل ُس َلي َما َن
ّ إنما تكون بعد الزوال،
ْ
اح َها َش ْهر ،)4(وهذا قول مالك وأكثر أصحابه، يح ُغ ُد ُّو َها َش ْه ٌر َو َر َو ُ
الر َ
ٌ ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،برقم ،881ومسلم ،برقم ،820وتقدم تخريجه في فضل صالة الجمعة.
( )2انظر :فتح الباري بشرح صحيح البخاري ،البن رجب.81/8 ،
()3فتح الباري بشرح صحيح البخاري ،البن رجب.10/8 ،
( )4سورة سبأ ،اآلية.12 :
555 صالة الجمعة
ولحديث عباية بن رفاعة قال :أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة
فقال :سمعت النبي يقول(( :من اغبر ْت قدماه في سبيل اهلل َحرمه اهلل
َّ َ
على النار))( .)1وقد أورد البخاري هذا الحديث هنا؛ لعموم قوله (( :في
سبيل اهلل)) فدخلت فيه الجمعة؛ ولكون راوي الحديث استدل به على
ذلك ،وقد جعل أبو عبس حكم السعي إلى الجمعة حكم الجهاد وليس
العدو من مطالب الجهاد ،فكذلك الجمعة()2؛ وألن كل خطوة يخطوها
يكتب له بها درجة( ،)3لكن لو كان منزله بعيد ًا يشق عليه المشي ،أو كان
ضعيفاً أو مريضاً ،فاألولى أال يشق على نفسه.
- 1القراءة فجر يوم الجمعة بـالم السجدة في الركعة األولى وفي
الركعة الثانية بسورة اإلنسان؛لحديث أبي هريرة قال((:كان النبي يقرأ
يل السجدة،وَ ه ْل أَ َتى َع َلى اإلنسان.)4(
في فجر يوم الجمعة:المَ ،تنزِ ُ
- 10القراءة في صالة الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقون؛ لحديث أبي
هريرة (( أنه صلى بها في صالة الجمعة ،فسئل عن ذلك؟ فقال:
سمعت رسول اهلل يقرأ بهما في يوم الجمعة))(.)5
أو يقــرأ بســبح ،والغاشــية؛ لحــديث النعمــان بــن بشــير ،قــال(( :كــان
رسول اهلل يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـَ سب ِح ْاسم َر ّب َك األعلى،
َ ّ
يث الغاشية ،قال :وإذا اجتمع العيـد والجمعـة فـي يـوم اك َح ِد ُ
وَ ه ْل أَ َت َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري ،كتاب الجمعة ،باب المشي إلى الجمعة ...برقم .107
( )2انظر :فتح الباري البن حجر.412-411/2 ،
( )3انظر :المرجع السابق ،212-211/2 ،والمغني البن قدامة.138/4 ،
( )4متفق عليه :البخاري :كتاب الجمعة ،باب ما يقرأ في صالة الفجر يوم الجمعة ،برقم ،811
ومسلم ،كتاب الجمعة ،باب ما يقرأ في يوم الجمعة ،برقم .871
( )5مسلم ،كتاب الجمعة ،باب ما يقرأ في صالة الجمعة ،برقم .877
صالة الجمعة 555
()1
. )) يقرأ بهما أيض ًا في الصالتين
أو يقرأ بسورتي الجمعة والغاشية؛ لرواية مسلم عن النعمان أنه
سئل :أي شيء قرأ رسول اهلل يوم الجمعة سوى سورة الجمعة؟
اك َح ِد ُ
يث الغاشية ))ولفظ أبي داود :ماذا كان فقال(( :كان يقرأَ :ه ْل أَ َت َ
يقرأ به رسول اهلل يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة؟ فقال(( :كان
يث الغاشية.)2()) اك َح ِد ُيقرأ بـَ ه ْل أَ َت َ
- 11يكثر الصالة على النبي يوم الجمعة ،وليلة الجمعة؛ لحديث
أنس قال :قال رسول اهلل (( :أكثروا الصالة علي يوم الجمعة وليلة
َّ
الجمعة ،فمن صلى علي صالة صلى اهلل عليه عشر ًا))()3؛ ولحديث أوس
َّ
بن أوس قال :قال رسول اهلل (( :إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة:
ِض ،وفيه النفخة ،وفيه الصعقة ،فأكثروا علي من َ فيه ُخ ِل َق آدم ،وفيه ُقب
َّ
الصالة فيه؛ فإن صالتكم معروضة علي)) قال :قالوا :يا رسول اهلل!
َّ
وكيف تعرض صالتنا عليك وقد أرمت؟ -يقولون بليت -فقال(( :إن
اهلل حرم على األرض أن تأكل أجساد األنبياء))(.)4
َّ
- 12يكثر الدعاء يوم الجمعة؛ لعله يوافق ساعة اإلجابة؛ لحديث أبي
هريرة قال :قال أبو القاسم (( :إن في الجمعة لساع ًة ال يوافقها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،كتاب الجمعة ،باب ما يقرأ في صالة الجمعة ،برقم .878
( )2مسلم ،كتاب الجمعة ،باب ما يقرأ في صالة الجمعة ،برقم ،)878(-34وأبو داود ،كتاب
الصالة ،باب ما يقرأ به في الجمعة ،برقم .1123
( )3البيهقي في الكبرى ،كتاب الجمعة ،باب ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها من كثرة الصالة على
رسول اهلل .231/4، وذكر العالمة األلباني طرقه في سلسلة األحاديث الصحيحة ،417/4 ،برقم
،1307ثم قال((:وبالجملة فالحديث بهذه الطرق حسن على أقل الدرجات،وهو صحيح بدون ذكر
ليلة الجمعة؛لحديث أوس)) وانظر:تمام المنة في التعليق على فقه السنة لأللباني،ص.423
( )4أبو داود،برقم ،1037والنسائي،برقم ،1474وابن ماجه،برقم ،1082وصححه األلباني في هذه
المواضع،وفي سلسلة األحاديث الصحيحة،رقم ،1227وتقدم تخريجه في فضل يوم الجمعة،رقم
.4
555 صالة الجمعة
عبد مسلم قائم يصلي يسأل اهلل خيراً إال أعطاه إياه))( .)1وقد تقدمت
األقوال في تعيين هذه الساعة ،ولكن ينبغي للعبد المسلم أن يكثر من
الدعاء في جميع ساعات الجمعة لعله أن يُو َّفق لها(.)2
- 14ال يُفرق بين اثنين أثناء دخوله الجامع؛ لحديث سلمان
ّ
الفارسي ،قال :قال رسول اهلل (( :من اغتسل يوم الجمعة ،وتطهر
ما استطاع من طهر ،ثم ادهن ،أو مس من طيب ،ثم راح فلم يفر ْق بين
ّ
اثنين ،فصلى ما كتب له ،ثم إذا خرج اإلمام أنصتُ ،غفر له ما بينه وبين
الجمعة األخرى))(.)3
- 13ال يتخطى رقاب الناس؛ لحديث أبي هريرة وأبي سعيد
رضي اهلل
عنهما ،قاال :قال رسول اهلل (( :من اغتسل يوم الجمعة ،ولبس أحسن
يتخط أعناق
َّ ثيابه ،ومس من طيب إن كان عنده ،ثم أتى الجمعة فلم
الناس ،ثم صلى ما كتب اهلل له ،ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من
صالته كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها)) قال :ويقول أبو
هريرة :وزيادة ثالثة أيام ،ويقول :إن الحسنة بعشر أمثالها))()4؛ ولحديث
عبد اهلل بن عمرو بن العاص رضي اهلل عنهما عن النبي قال(( :من اغتسل يوم
الجمعة ،ومس من طيب امرأته -إن كان لها -ولبس من صالح ثيابه،
يلغ عند الموعظة ،كانت كفارة لما ثم لم يتخط رقاب الناس ،ولم ُ
بينهما ،ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً))()5؛ولحديث أبي
الزاهرية قال:كنا مع عبد اهلل بن بسر -صاحب النبي - يوم الجمعة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه:البخاري،برقم ،142ومسلم ،برقم ،822وتقدم تخريجه في فضل يوم الجمعة برقم.3
( )2تقدمت أقوال أهل العلم في هذه الساعة في فضل يوم الجمعة برقم .3وانظر :المغني البن
قدامة.241-247/4 ،
( )3البخاري ،برقم ،110ورقم ،884وتقدم تخريجه في فضائل صالة الجمعة.
( )4أبو داود ،برقم ،434وتقدم تخريجه في فضائل صالة الجمعة.
( )5أبو داود ،برقم ،437وتقدم تخريجه في فضائل صالة الجمعة.
صالة الجمعة 555
فجاء رجل يتخطى رقاب الناس ،فقال عبد اهلل بن ُبسر :جاء رجل
يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي يخطب فقال له النبي :
((اجلس فقد آذيت))(.)1
- 12ال يقيم أخاه ويقعد مكانه؛لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما ،قال:
الرجل من مقعده،ويجلس فيه)) فقيل لنافع
َ الرجل
ُ ((نهى النبي أن يقيم
()2
وهو الراوي عن ابن عمر:الجمعة؟ قال:الجمعة وغيرها)) .وفي رواية
الرجل من مقعده ثم يجلس فيه،ولكن تفسحوا َ الرجل
ُ لمسلم(( :ال يقيم
وتوسعوا))()3؛ ولحديث جابر عن النبي قال((:ال يُقيمن أحدكم
أخاه يوم الجمعة ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه،ولكن يقول:
تفسحوا))(.)4
ّ
- 13إذا دخل المسجد واإلمام يخطب فال يجلس حتى يصلي
ركعتين؛ لحديث جابر قال :دخل رجل والنبي يخطب الناس يوم
الجمعة ،فقال(( :أصليت يا فالن؟)) فقال :ال .قال(( :قم فاركع)) .وفي
فصل ركعتين )) ،وفي لفظ للبخاري أيضاً(( :إذا جاء
رواية للبخاريّ (( :
فليصل ركعتين)) .وفي لفظ لمسلم:
ّ أحدكم واإلمام يخطب أو قد خرج
ليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول اهلل يخطب فجلس فقال ((جاء ُس ٌ
وتجوز فيهما)) ،ثم قال(( :إذا جاء
َّ سليك قم فاركع ركعتين
ٌ له(( :يا
وليتجوز فيهما))(.)5
َّ أحدكم يوم الجمعة واإلمام يخطب فليركع ركعتين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1النسائي ،كتاب الجمعة ،باب النهي عن تخطي رقاب الناس واإلمام على المنبر يوم الجمعة ،برقم
، 1418وأبو داود بلفظه ،كتاب الصالة ،باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة ،برقم ،1118
وصححه األلباني في صحيح النسائي ،321/1 ،وصحيح أبي داود.407/1 ،
الجمعة،باب:ال يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد مكانه،برقم ،111
ٌ ( )2متفق عليه:البخاري،كتاب
ومسلم،كتاب السالم،باب تحريم إقامة اإلنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه برقم .2177
( )3مسلم ،برقم ،)2177( -28وتقدم تخريجه.
( )4مسلم ،كتاب السالم ،باب تحريم إقامة اإلنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه ،برقم .2178
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب الجمعة ،باب إذا رأى اإلمام رجال ً جاء وهو يخطب أمره أن يصلي
ركعتين ،برقم ،140وباب من جاء واإلمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين ،برقم ،141وكتاب
=
555 صالة الجمعة
- 17ينصت للخطبة؛ لحديث أبي هريرة أن رسول اهلل قال(( :إذا
قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت واإلمام يخطب فقد لغوت))(،)1وفي
حديث أبي هريرة اآلخر عند مسلم((:ومن مس الحصى فقد لغا))(،)2وفي
حديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما عن النبي قال((:يحضر الجمعة ثالثة
نفر:رجل حضرها يلغو وهو حظه منها ))...الحديث()3؛ ولحديث ابن
عباس رضي اهلل عنهما قال :قال رسول اهلل (( :من تكلم واإلمام يخطب فهو
كمثل الحمار يحمل أسفاراً ،والذي يقول :له أنصت ليس له جمعة))(،)4
ومعنى ال جمعة له :أي ال جمعة له كاملة ،ولكنها تجزئه عن صالة
الظهر كما في حديث ابن عمر عند أبي داود كما تقدم ،وهذا لإلجماع
على إسقاط فرض الوقت عنه(.)5
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول عن
حديث ابن عباس السابق وحديث أبي هريرة في الصحيحين(( :هذان
الحديثان يدالن على وجوب اإلنصات ،ومعنى ليس له جمعة :أي يفوته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
التهجد ،باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى ،برقم ،1133ومسلم ،كتاب الجمعة ،باب التحية
واإلمام يخطب ،برقم .872
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب الجمعة ،باب اإلنصات يوم الجمعة واإلمام يخطب ،برقم ،143ومسلم،
كتاب الجمعة ،باب اإلنصات يوم الجمعة في الخطبة ،برقم .821
( )2مسلم ،برقم ،827وتقدم تخريجه في فضائل الجمعة.
( )3أبو داود ،برقم ،1114وحسنه األلباني في صحيح أبي داود ،402/1 ،وتقدم تخريجه بتمامه في
فضائل صالة الجمعة.
( )4أحمد في المسند ،240/1 ،وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ،الحديث رقم (( :378رواه أحمد
بإسناد ال بأس به ،وهو يفسر حديث أبي هريرة في الصحيح مرفوعاً(( :إذا قلت لصاحبك أنصت يوم
الجمعة واإلمام يخطب فقد لغوت)) ا.هـ .وأورده الحافظ ابن حجر أيضاً في فتح الباري،313/2،وقال
عقبه((:وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر موقوفاً)) أهـ.وقال العالمة أحمد شاكر في
شرحه وترقيمه لمسند أحمد،برقم (( :2044إسناده حسن))،وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:183/2 ،
((رواه أحمد والبزار ،والطبراني في الكبير،وفيه مجالد بن سعيد وقد ضعفه الناس،ووثقه النسائي في
رواية)).والحديث ضعفه األلباني في مشكاة المصابيح ،وفي تمام المنة ،ص.447
( )5انظر :فتح الباري ،البن حجر ،313/2 ،وسبل السالم للصنعاني.172/4 ،
صالة الجمعة 555
فضلها ،وإال فهي تجزئه ،وفي مسلم(( :ومن مس الحصى فقد لغا)) ،ولكن
ال مانع [من] اإلشارة لألمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ألن اإلشارة ال
مانع منها في الصالة للحاجة))(.)1
- 18ال تتخذ الحلقات في المسجد قبل صالة الجمعة؛لحديث عبد
اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما (( :أن النبي نهى عن التح ُّلق يوم الجمعة قبل
الصالة ،وعن الشراء والبيع في المسجد)) .ولفظ الترمذي(( :نهى عن
تناشد األشعار في المسجد ،وعن البيع والشراء فيه ،وأن يتحلق الناس
فيه يوم الجمعة قبل الصالة))(.)2
- 11يتحول إذا نعس من مجلسه إلى مقعد آخر؛لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما
فليتحو ْل
َّ قال:سمعت رسول اهلل يقول((:إذا نعس أحدكم وهو في المسجد
من مجلسه ذلك إلى غيره)) ،ولفظ الترمذي((:إذا نعس أحدكم يوم الجمعة
فليتحول عن مجلسه)).ولفظ أحمد((:إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم الجمعة َّ
فليتحول إلى غيره)).وفي لفظ آخر ألحمد((:إذا نعس أحدكم في المسجد يوم
َّ
فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره))(.)3
َّ الجمعة
- 20ال يحتبئ في المسجد قبل صالة الجمعة واإلمام يخطب؛
الحبوة يوم الجمعة
لحديث معاذ بن()4أنس أن رسول اهلل (( :نهى عن ُ
واإلمام يخطب)) .وعن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما قال(( :نهى رسول اهلل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام البن حجر ،الحديث رقم.378
( )2النسائي،برقم ،713وأبو داود،برقم ،1071والترمذي ،برقم ،422وابن ماجه ،برقم ،1144
وحسنه األلباني في هذه المواضع كلها ،وتقدم تخريجه في المساجد :أحكام المساجد ،برقم .13
( )3أبو داود ،برقم ،1111والترمذي ،برقم ،223وأحمد في المسند ،142 ،42 ،22/2 ،وصححه
األلباني في سنن أبي داود ،208/1 ،وقد صرح محمد بن إسحاق بالسماع في رواية أحمد،142/2 ،
وتقدم تخريجه في المساجد ،أحكام المساجد ،برقم .17
( )4أبو داود،برقم ،1110والترمذي،برقم ،213وقال:هذا حديث حسن،وحسنه األلباني في صحيح أبي
داود،203/1،وتقدم تخريجه في المساجد :أحكام المساجد ،برقم .21
550 صالة الجمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
الجمعة)).وانظر:المغني البن قدامة.234/4،
( )1الحاكم ،438/2 ،وصحح إسناده ،وأخرجه البيهقي ،231/4 ،وصححه األلباني في إرواء الغليل،
،14/4برقم ،323وفي صحيح الترغيب والترهيب ،332/1 ،والحديث له عدة ألفاظ ذكرها
العالمة األلباني في اإلرواء ،32-34/4 ،وانظر :صحيح الترغيب والترهيب ،201/1 ،برقم ،222
، 322/1برقم ،743وانظر :زاد المعاد البن القيم ،477/1 ،والشرح الممتع البن عثيمين،
،122-120/2والمغني البن قدامة.243/4 ،
( )2الزوراء :قال البخاري رحمه اهلل(( :موضع بالسوق بالمدينة)) البخاري ،برقم .112
( )3البخاري،كتاب الجمعة،باب األذان يوم الجمعة،برقم ،112وباب المؤذن الواحد يوم الجمعة ،برقم
،114وباب التأذين عند الخطبة،برقم ،113وباب الجلوس على المنبر عند التأذين،برقم .112
صالة الجمعة 555
()1
الحقيقي ،ال اإلقامة)) .والنداء األول للجمعة الذي جعله عثمان
ليس ببدعة؛ ألمر النبي باتباع الخلفاء الراشدين ،بقوله(( :عليكم
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ،تمسكوا بها وعضوا
عليها بالنواجذ))( .)2وقال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل بعد كالمه على
رويات األذان الذي جعله عثمان(( :وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه
إلعالم الناس بدخول وقت الصالة قياساً على بقية الصلوات ،فألحق
الجمعة بها وأبقى خصوصيتها باألذان بين يدي الخطيب))( .)3وعلق
القسطالني في شرحه للبخاري على حديث السائب بن يزيد ،فذكر بأن
النداء الذي زاده عثمان هو عند دخول الوقت ،وسماه ثالثاً باعتبار كونه
مزيداً على األذان بين يدي اإلمام واإلقامة للصالة ،وأطلق على اإلقامة
أذاناً تغليباً بجامع اإلعالم فيهما ،وكان هذا األذان لما كثر المسلمون،
فزاده اجتهاداً منه وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت ،وعدم اإلنكار
فصار إجماعاً))(.)4
وقال اإلمام شيخنا ابن باز رحمه اهلل(( :إن الناس كثروا في عهد
الخليفة الراشد عثمان بن عفان في المدينة ،فرأى أن يزاد األذان
الثالث ،ويقال له األذان األول؛ ألجل تنبيه الناس على أن اليوم يوم
الجمعة حتى يستعدوا ويبادروا إلى الصالة.)5( ))...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتح الباري البن حجر.413/2 ،
( )2أخرجه أبو داود ،كتاب السنة ،باب في لزوم السنة ،برقم ،3307والترمذي ،كتاب العلم ،باب ما
جاء في األخذ بالسنة واجتناب البدع ،برقم ، 2373وقال :هذا حديث حسن صحيح ،وابن ماجه،
المقدمة ،باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين ،برقم ،33-32وأحمد،37-33/3 ،
وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود 111/4 ،وغيره.
( )3فتح الباري ،البن حجر.413/2 ،
( )4انظر :إرشاد الساري شرح صحيح البخاري ،للقسطالني ،282/2 ،وفتاوى اللجنة الدائمة
للبحوث العلمية واإلفتاء.118/8 ،
( )5مجموع فتاوى ابن باز.438/12 ،
555 صالة الجمعة
- 22السنة أن يصلي بعد الجمعة أربع ركعات ،أما قبل صالة الجمعة
فيصلي صالة مطلقة ،وليس لها قبلها سنة راتبة مقدرة،بل يشتغل بالتطوع
المطلق،والذكر حتى يخرج اإلمام(.)1
أما راتبة الجمعة التي بعدها؛ فلحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه حفظ من
رسول اهلل السنن الرواتب وفيه ...(( :وركعتين بعد الجمعة في بيته))(.)2
فليصل
ّ وعن أبي هريرة قال:قال رسول اهلل ((:إذا صلى أحدكم الجمعة
بعدها أربعاً)).وفي لفظ((:إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعاً))،وفي لفظ
فليصل أربعاً)).قال سهيل أحد رواة
ّ ثالث((:من كان منكم مصلياً بعد الجمعة
فصل ركعتين في المسجد،وركعتين إذا ّ الحديث(( :فإن عجل بك شيء
رجعت))(.)3
وذكر ابن القيم أن ابن تيمية قال(( :إن صلى في المسجد صلى أربع ًا ،وإن
صلى في بيته صلى ركعتين))( .)4وكان ابن عمر رضي اهلل عنهما (( :إن صلى في
المسجد صلى أربع ًا ،وإن صلى في بيته صلى ركعتين))( .)5وسمعت شيخنا
اإلمام ابن باز رحمه اهلل يذكر خالف العلماء في ذلك ثم قال(( :وقال
آخرون :أقلها اثنتان وأكثرها أربع ،وال فرق بين كونها تصلى في البيت أو
في المسجد ،وهذا القول أظهر؛ ألن القول مقدم على الفعل ،واألربع
أفضل؛ ألنه يتعلق بها األمر))(.)6
عد ُد صالة الجمعة في القرية الواحدة أو البلد الواحد إال
- 23ال تُ َّ
لحاجة البد منها :كسعة البلد ،وكثرة سكانه ،أو ُبعد الجامع ،أو ضيقه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :زاد المعاد ،البن القيم.478 ،343 ،277/1 ،
( )2البخاري ،برقم ،182وتقدم تخريجه في صالة التطوع :السنن الرواتب.
( )3مسلم ،برقم ،881وتقدم تخريجه في صالة التطوع :راتبة الجمعة.
( )4زاد المعاد.330/1 ،
( )5أبو داود ،برقم ،1140وتقدم تخريجه في صالة التطوع :راتبة الجمعة.
( )6سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم ،383وانظر للفائدة ما تقدم في صالة التطوع:
راتبة الجمعة.
صالة الجمعة 555
أو خوف فتنة ،فيجوز إقامة أكثر من جمعة؛ لهذه األعذار؛ ولغيرها من
األعذار التي تشق على الناس ،قال الخرقي رحمه اهلل تعالى(( :وإذا كان
البلد كبيراً يحتاج إلى جوامع فصالة الجمعة في جميعها جائزة))(.)1
وقال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل تعالى(( :وجملته أن البلد متى كان كبير ًا،
يشق على أهله االجتماع في مسجد واحد ،ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره ،أو
ضيق مسجده عن أهله ...جازت إقامة الجمعة فيما يحتاج إليه من
جوامعها.)2( ))...
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل ...(( :فإقامة الجمعة في المدينة
الكبيرة في موضعين للحاجة يجوز عند أكثر العلماء))( .)3وقال رحمه اهلل:
((ويجوز إقامة جمعتين في بلد واحد؛ ألجل الشحناء ،بأن حضروا كلهم
وقعت الفتنة ،ويجوز ذلك للضرورة إلى أن تزول الفتنة))( .)4أما إذا لم يكن
لذلك حاجة فال يجوز؛ ألن النبي لم يكن يجمع إال في مسجد واحد
هو مسجده بالمدينة( .)5وال يشترط على الصحيح إذن اإلمام إلقامة
الجمعة ،ورجح العالمة محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل :أن إذن اإلمام
يشترط في تعدد الجمعة ،أما إلقامة الجمعة فال يشترط كما تقدم(.)6
رضي - 27إذا أحدث في صالته أخذ بأنفه ثم انصرف؛ لحديث عائشة
اهلل عنها قالت :قال النبي (( :إذا أحدث أحدكم في صالته؛ فليأخذ بأنفه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مختصر الخرقي المطبوع مع المغني البن قدامة.212/4 ،
( )2المغني البن قدامة.214-212/4 ،
( )3مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية.208/23 ،
( )4المستدرك على مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ،لمحمد بن قاسم.127/4 ،
( )5انظر :المغني البن قدامة ، 212-212/4 ،والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف،222 -222/2 ،
والروض المربع مع حاشية ابن قاسم ،333-332/2 ،والكافي البن قدامة،317-313/1 ،
ومجموع فتاوى العالمة ابن باز،428-421/12 ،وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية
واإلفتاء،233 ،233 ،234-223/8،والشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين.14 ،12/2،
( )6الشرح الممتع ،44/2 ،و.170
555 صالة الجمعة
ثم ينصرف))(.)1
- 28ال يصلي المأمومون بين السواري إال لحاجة؛ لحديث أنس(،)2
وحديث قرة( )3رضي اهلل عنهما .
خاصاً ال يصلي إال فيه؛لحديث عبد الرحمن بن َّ - 21ال يتخذ مكاناً
شبل .)4(
يمر بين يدي المصلي وسترته؛لحديث أبي جهم .)5( - 40ال ُّ
( )6
- 41ال يحجز مكاناَ بسجادة ونحوها ،وإنما يتقدم بنفسه .
- 42ال يرفع صوته بالقراءة إذا كان ذلك يشوش على الناس؛
لحديث أبي سعيد .)7(
- 44يستحضر المشي إلى الصالة وما أعد اهلل لذلك(.)8
- 43يلتزم بآداب المشي إلى المسجد(.)9
- 42ال حرج في تكلم الخطيب وتكليمه للمصلحة؛لحديث جابر
،)10(وحديث أبي الزاهرية( ،)11وحديث أنس .)12(
- 43السجود أثناء الزحام(( :من كبرتكبيرة اإلحرام مع اإلمام ثم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أبو داود ،كتاب الصالة ،باب استئذان المحدث لإلمام ،برقم ،1113وصححه األلباني في
صحيح أبي داود.403/1 ،
( )2الحاكم وصححه ،218/1 ،وتقدم تخريجه في المساجد ،أحكام المساجد ،برقم .12
( )3الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 218/1 ،وتقدم في أحكام المساجد ،برقم .12
( )4أبو داود ،برقم 832وغيره ،وتقدم تخريجه في أحكام المساجد ،برقم .28
( )5متفق عليه:البخاري،برقم ،210ومسلم،برقم ،207وتقدم تخريجه في أحكام المساجد،برقم .27
( )6تقدم في المساجد :أحكام المساجد ،برقم .48
( )7أبو داود ،برقم ،1442وغيره ،وتقدم في أحكام المساجد ،برقم .13
( )8تقدم فضل المشي في المساجد من رقم .13-1
( )9تقدمت آداب المشي إلى المساجد في المساجد من رقم .13-1
( )10وتقدم تخريجه في األدب ،رقم 17من هذه اآلداب.
( )11وتقدم تخريجه في األدب ،رقم 17من هذه اآلداب.
( )12البخاري ،برقم ،1021ومسلم ،برقم .817
صالة الجمعة 555
حصل له زحام شديد ال يستطيع السجود؛ فإنه يسجد على حسب
استطاعته ،فقيل :يسجد على ظهر إنسان أو رجله ويُ َم ّكن الجبهة
واألنف ،لقول عمر بن الخطاب (( :إذا اشتد الزحام فليسجد على
ظهر أخيه))( .)1قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل(( :وهذا قاله بمحضر من
الصحابة وغيرهم في يوم جمعة ،ولم يظهر له مخالف فكان إجماع ًا؛
وألنه أتى بما يمكنه حال العجز فصح كالمريض))(.)2
وقيل :ال يسجد على ظهر أحد وال على رجله ،ولكنه يومئ غاية اإلمكان(.)3
وقيل :إن شاء سجد على ظهر إنسان أو رجله ،وإن شاء انتظر الزحام
واألفضل السجود(.)4
وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يرجح أن اإلنسان إذا حصل
له زحام شديد في الحرم فلم يستطع السجود فإنه ينتظر حتى يقوم
الناس ثم يسجد.
ورجح العالمة ابن عثيمين ((أنه يومئ بالسجود إيماء؛ ألن اإليماء في
السجود قد جاءت به السنة ،ويليه القول بأنه ينتظر ثم يسجد.)5( ))...
- 47ال يصلي في موضعه الذي صلى فيه الجمعة ،حتى يتكلم أو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أخرجه أحمد في المسند ،42/1 ،والبيهقي في السنن ،184-182/4 ،والطيالسي في المسند،
برقم ، 70وعبد الرزاق في المصنف ،كتاب الجمعة ،باب من حضر الجمعة فزحم فلم يستطع
يركع مع اإلمام ،244/4 ،برقم ،2332و ،2331قال العالمة األلباني في تمام المنة في التعليق
على فقه السنة ،ص(( :431وصله البيهقي ،وإسناده صحيح)).
( )2المغني البن قدامة ،183/4 ،فذكره عن أحمد وقال(( :وبهذا قال الثوري ،وأبو حنيفة ،والشافعي،
وأبو ثور ،وابن المنذر ،وقال عطاء والزهري ومالك ال يفعل ،قال مالك :وتبطل الصالة)) .وانظر:
الشرح الكبير.211-201/2 ،
( )3نقله المرداوي في اإلنصاف 210/2 ،عن ابن عقيل.
( )4نقله المرداوي في اإلنصاف.210/2 ،
( )5الشرح الممتع ،33/2 ،وانظر :حاشية ابن قاسم على الروض المربع.334-332/2 ،
555 صالة الجمعة
قبلهم.
- 55أنه خيرة اهلل من أيام األسبوع ،كما أن رمضان خيرته من شهور
العام ،وليلة القدر خيرته من الليالي ،ومكة خيرته من األرض ،ومحمد
خيرته من خلقه.
- 55ذكر ابن القيم أن الموتى تدنو أرواحهم من قبورهم وتوافيها في يوم
يمر بهم ويس ّلم عليهم .وذكر في ذلك آثاراً
الجمعة فيعرفون زوارهم ومن ُّ
عن بعض السلف .قلت:وهذا يحتاج إلى دليل صحيح عن المعصوم .
- 55أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إال أن يكون في صيام كان
يصومه كمن يصوم يوماً ويفطر يوماً .ويكره أيضاً إفراد ليلتها بالقيام إال
ما كان يفعله المسلم في غير ليلة الجمعة فال حرج من ذلك.
- 55أنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد ،ويتذكر
المسلمون اجتماع اليوم األكبر(.)1
الحادي عشر :شروط صحة الجمعة على النحو اآلتي:
الشرط األول :الوقت ،فال تصح صالة الجمعة إال في وقتها
المشروع ،ومما يدل على وقت صالة الجمعة حديث أنس بن مالك
(( :أن النبي كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس))( .)2وحديث
نجمع مع رسول اهلل إذا زالت ّ سلمة بن األكوع ،قال(( :كنا
الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء))( .)3وفي لفظ(( :كنا نصلي مع رسول اهلل
الجمعة ،فنرجع وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زاد المعاد البن القيم 322-472/1 ،بتصرف يسير فكل هذه الخصائص لخصتها من هذا الكتاب
القيم البن القيم ،فانظر أدلتها هناك.
( )2البخاري ،كتاب الجمعة ،باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس ،برقم .103
( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب المغازي ،باب غزوة الحديبية ،برقم ،3138ومسلم ،كتاب الجمعة،
باب صالة الجمعة حين تزول الشمس ،برقم .830
صالة الجمعة 556
وعن أنس بن مالك قال(( :كنا نبكر بالجمعة ،ونقيل بعد
الجمعة))( .)1وفي لفظ(( :كنا نبكر إلى الجمعة ثم نقيل)) .وعن جعفر بن
محمد عن أبيه أنه سأل جابر بن عبد اهلل :متى كان رسول اهلل يصلي
الجمعة؟ قال(( :كان يصلي ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها)) .زاد عبد اهلل
في حديثه :حين تزول الشمس :يعني النواضح .وفي رواية(( :كنا نصلي
مع رسول اهلل ،ثم نرجع فنريح نواضحنا(،)2قال حسن :فقلت لجعفر:
في أي ساعة تلك؟ قال :زوال الشمس( .)3وعن سهل بن سعد قال:
((ما كنا نقيل وال نتغدى إال بعد الجمعة)) .زاد ابن ُحجر(( :في عهد
رسول اهلل .)4())
قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل :قوله(( :كان يصلي الجمعة حين تميل
الشمس)) فيه إشعار بمواظبته على صالة الجمعة إذا زالت الشمس،
وأما رواية أبي حميد التي بعدها عن أنس(( :كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد
الجمعة ،فظاهره أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار ،لكن طريق
الجمع أولى من دعوى التعارض،وقد تقرر فيما تقدم أن التبكير يطلق
على فعل الشيء في أول وقته،أو تقديمه على غيره،وهو المراد هنا،
والمعنى :أنهم كانوا يبدؤون بالصالة قبل القيلولة،بخالف ما جرت به
عادتهم في صالة الظهر في الحر؛فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري ،كتاب الجمعة ،باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس ،برقم ،102وباب القائلة بعد
الجمعة ،برقم .130
( )2نريح نواضحنا :هو جمع ناضح وهو البعير الذي يستقى به ،سمي بذلك؛ ألنه ينضح الماء :أي
يصبه ،ومعنى نريح :أن نريحها من العمل وتعب السقي ونخليها منه ،شرح النووي على صحيح
مسلم.418/3 ،
( )3مسلم ،كتاب الجمعة ،باب صالة الجمعة حين تزول الشمس ،برقم .828
ِ ِ
انتشروا في ( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب الجمعة ،باب قول اهلل تعالىَ :ف ِإ َذا ُق ِضي ِت الصالة ف
َّ ُ َ َ ُ َ
األَ ْر ِض َو ْاب َت ُغوا ِمن َف ْض ِل اهلل َوا ْذ ُكروا اهلل َك ِثيرا لَّ َع َّل ُكم تُ ْف ِل ُحو َن[ الجمعة ،]10 :برقم ،131
ْ ً ُ
ومسلم ،كتاب الجمعة ،باب صالة الجمعة حين تزول الشمس ،برقم .821
555 صالة الجمعة
لمشروعية اإلبراد))(.)1
قال اإلمام البخاري رحمه اهلل(( :باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس،
روى عن عمر ،وعلي ،والنعمان بن بشير ،وعمر بن حريث وكذلك يُ َ
.)2())قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل :قوله(( :باب وقت الجمعة)) أي
أوله(( ،إذا زالت الشمس)) جزم بهذه المسألة مع وقوع الخالف فيها
لضعف دليل المخالفة عنده))( ،)3ثم وصل الحافظ ابن حجر رحمه اهلل
اآلثار عن هؤالء الصحابة ،فقال(( :فأما األثر عن عمر ،فروى أبو نعيم
شيخ البخاري في كتاب الصالة له ،وابن أبي شيبة من رواية عبد اهلل بن
سيدان ،قال(( :شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صالته وخطبته إلى
نصف النهار ،وشهدتها مع عمر فكانت صالته وخطبته إلى أن أقول:
انتصف النهار)) رجاله ثقات إال عبد اهلل بن سيدان ...فإنه تابعي كبير ،إال
أنه غير معروف العدالة ،قال ابن عدي :شبه المجهول ،وقال البخاري:
((ال يتابع على حديثه ،بل عارضه ما هو أقوى منه ،فروى ابن أبي شيبة
من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين زالت
الشمس ،وإسناده قوي)) .وفي الموطأ عن مالك بن أبي عامر قال:
((كنت أرى طنفسة( )4لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار
المسجد الغربي فإذا غشيها ظل الجدار خرج عمر)) إسناده صحيح .وهو
ظاهر في أن عمر كان يخرج بعد زوال الشمس ...والذي يظهر [أن
الطنفسة] كانت تفرش داخل المسجد ،وعلى هذا فكان عمر يتأخر بعد
الزوال قليالً ،وفي حديث السقيفة عن ابن عباس قال(( :فلما كان يوم
الجمعة زالت الشمس خرج عمر فجلس على المنبر)) ،وأما علي فروى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتح الباري بشرح صحيح البخاري البن حجر.487/2 ،
( )2البخاري،كتاب الجمعة،باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس،قبل الحديث رقم .104
( )3فتح الباري البن حجر.487/2 ،
( )4الطنفسة :كساء له خمل يجلس عليه ،جامع األصول البن األثير.374/2 ،
صالة الجمعة 555
ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق أنه(( :صلى خلف علي الجمعة بعدما
ّ
زالت الشمس)) .إسناده صحيح .وروى أيضاً من طريق أبي رزين قال:
((كنا نصلي مع علي الجمعة ،فأحيان ًا نجد فيئ ًا وأحيان ًا ال نجد)) .وهذا
محمول على المبادرة عند الزوال ،أو التأخير قليالً .وأما النعمان بن
بشير ،فروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سماك بن حرب قال(( :كان
النعمان بن بشير يصلي بنا الجمعة بعدما تزول الشمس)) .قلت[ :القائل
ابن حجر] وكان النعمان أميراً على الكوفة في أول خالفة يزيد بن
معاوية .وأما عمرو بن حريث فأخرجه ابن أبي شيبة أيضاً ،من طريق
العزار قال(( :ما رأيت إمام ًا كان أحسن صالة للجمعة من الوليد بن ِ
عمرو بن حريث ،فكان يصليها إذا زالت الشمس)) إسناده صحيح أيضاً،
وكان عمرو ينوب عن زياد وعن ولده في الكوفة أيضاً.)1())...
وقال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل(( :المستحب إقامة الجمعة بعد
الزوال؛ ألن النبي كان يفعل ذلك...؛ وألن في ذلك خروجاً من
الخالف؛ فإن علماء األمة اتفقوا على أن ما بعد الزوال وقت للجمعة،
وإنما الخالف فيما قبله ،وال فرق في استحباب إقامتها عقيب الزوال
بين شدة الحر وبين غيره؛ فإن الجمعة يجتمع لها الناس ،فلو انتظروا
اإلبراد شق عليهم ،وكذلك كان النبي يفعلها إذا زالت الشمس في
الشتاء والصيف( )2على ميقات واحد(،)1وهذا هو األفضل واألكمل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتح الباري ،البن حجر :487/2 ،نقل هذه اآلثار عن الصحابة وصححها كما ترى .ثم ذكر ما
يعارض هذه اآلثار ،ومنها أن عبد اهلل بن مسعود صلى الجمعة ضحى ،وضعفه ،ومنها ما نقل أن
معاوية صلى الجمعة ضحى ،وضعفه أيضاً .وقال في احتجاج بعض الحنابلة بقوله (( :إن هذا
يوم جعله اهلل عيداً للمسلمين)) فلما سماه عيداً جازت الصالة فيه وقت العيد كالفطر واألضحى،
وتعقب بأنه ال يلزم من تسمية يوم الجمعة عيداً أن يشتمل على جميع أحكام العيد ،بدليل أن يوم
العيد يحرم صومه مطلقاً سواء صام قبله أو بعده بخالف يوم الجمعة باتفاقهم)) فتح الباري البن
حجر.487/2 ،
بالصالة))( )2وأما حديث أنس (( :كان النبي إذا اشتد البرد بكر بالصالة ،وإذا اشتد الحر أبرد
باب إذا اشتد الحر
يعني الجمعة [البخاري ،برقم ،]103فقال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل :قولهٌ (( :
=
555 صالة الجمعة
واألحوط(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
يوم الجمعة)) لما اختلف ظاهر النقل عن أنس وتقرر أن طريق الجمع أن يحمل األمر على
اختالف الحال بين الظهر والجمعة كما قدمناه جاء عن أنس حديث آخر يوهم خالف ذلك ترجم
المصنف هذه الترجمة ألجله ...قوله(( :وإذا اشتد الحر أبرد بالصالة ،يعني الجمعة)) لم يجزم
المصنف بحكم الترجمة الحتمال الواقع في قوله :يعني الجمعة؛ الحتمال أن يكون من كالم
التابعي ،أو من دونه ،وهو ظن ممن قاله ،والتصريح عن أنس في رواية حميد الماضية أنه كان
يبكر بها مطلقاً من غير تفصيل ،ويؤيده الرواية المعلقة الثانية فإن فيها البيان :بأن قوله(( :يعني
الجمعة)) ،إنما أخذه قائله مما فهمه من التسوية بين الجمعة والظهر عند أنس حيث استدل لما
سئل عن الجمعة(( :كان يصلي الظهر)) وأوضح من ذلك رواية اإلسماعيلي من طريق أخرى عن
حرمي ولفظه(( :سمعت أنساً -وناداه يزيد الضبي يوم الجمعة يا أبا حمزة قد شهدت الصالة مع
رسول اهلل فكيف كان يصلي الجمعة -؟ فذكره ولم يقل يعني الجمعة ...وعرف بهذا أن اإلبراد
بالجمعة عند أنس إنما هو بالقياس على الظهر ،ال بالنص ،لكن أكثر األحاديث تدل على التفرقة
بينهما)) [فتح الباري البن حجر.]481/2 ،
( )1المغني البن قدامة،130-121/4 ،والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف.110/2،
( )2اختلف العلماء في أول وقت صالة الجمعة هل يجوز قبل الزوال ،أو ال يجوز إال بعده .قال اإلمام
القرطبي رحمه اهلل على قوله(( :كنا نجمع مع رسول اهلل إذا زالت الشمس)) دليل للجمهور على
أحمد بن حنبل وإسحاق ،إذ قاال :إنه يجوز أن تصلى الجمعة قبل الزوال ،وهذا الحديث مبين لألحاديث
التي بعده ،وال متمسك ألحمد وإسحاق في شيء منها مع هذا النص ،فإنها كلها محتملة ،وهو القاضي
عليها المبين لها)) [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم.]312/2 ،
ّ
وقال اإلمام النووي رحمه اهلل (( :وهذه األحاديث ظاهرة في تعجيل الجمعة ،وقد قال مالك ،وأبو
حنيفة ،والشافعي ،وجماهير العلماء :من الصحابة ،والتابعين ،فمن بعدهم ال تجوز الجمعة إال
فجوزاها قبل الزوال ،قالّ بعد الزوال ،ولم يخالف في هذا إال أحمد بن حنبل ،وإسحاق،
القاضي :وروي في هذا أشياء عن الصحابة ال يصح منها شيء إال ما عليه الجمهور ،وحمل
الجمهور هذه األحاديث على المبالغة في تعجيلها ،وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا
اليوم إلى ما بعد صالة الجمعة؛ ألنهم ندبوا إلى التبكير إليها ،فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها
خافوا فواتها أو فوت التبكير إليها ،وقوله(( :نتتبع الفيء)) إنما كان ذلك لشدة التبكير ،وقصر
حيطانه ،وفيه تصريح بأنه كان قد صار فيء يسير ،وقوله(( :ما نجد فيئاً نستظل به)) موافق لهذا؛ فإنه
لم ينف الفيء من أصله ،وإنما نفى ما يستظل به ،وهذا مع قصر الحيطان ظاهر في أن الصالة
كانت بعد الزوال متصلة به)) [شرح النووي على صحيح مسلم .]418-417/3،
وقال اإلمام ابن الملقن عن حديث سلمة بن األكوع (( :فيه داللة على أن وقت الجمعة وقت
الظهر ال يجوز إال بعد الزوال،وبه قال مالك،وأبو حنيفة،والشافعي ،وجماعة العلماء من الصحابة
والتابعين فمن بعدهم،ولم يخالف في ذلك إال أحمد وإسحاق ،فقاال:بجوازها قبل الزوال ،قال
الخرقي في السادسة تمسكاً بهذا الحديث)) [اإلعالم بفوائد عمدة األحكام.]171/ ،
=
صالة الجمعة 505
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
وقال الخرقي(( :وإن صلوا الجمعة قبل الزوال في الساعة السادسة أجزأتهم)) قال اإلمام ابن قدامة:
((وظاهر كالم الخرقي أنه ال يجوز صالتها فيما قبل السادسة ،وروي عن ابن مسعود ،وجابر،
وسعيد ،ومعاوية ،أنهم صلوا قبل الزوال .وقال القاضي وأصحابه :يجوز فعلها في وقت صالة
العيد ،وقال مجاهد :ما كان للناس عيد إال في أول النهار ،وروي عن ابن مسعود ،ومعاوية أنهما
صليا الجمعة ضحى ،وقاال :إنما عجلنا خشية الحر عليكم ،وألنها عيد فجاز في وقت العيد:
كالفطر واألضحى ،والدليل على أنها عيد قول النبي (( :إن هذا يوم عيد جعله اهلل للمسلمين))...
[ابن ماجه ،وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه ]423/1 ،وقوله (( :قد اجتمع لكم في
يومكم هذا عيدان)) [أبو داود وغيره ،وصححه األلباني في صحيح أبي داود ]213/1 ،وقال أكثر
أهل العلم :وقتها وقت الظهر إال أنه يستحب تعجيلها في أول وقتها؛ لقول سلمة بن األكوع(( :كنا
نجمع مع النبي إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء)) متفق عليه .وقال أنس :كان رسول اهلل
يصلي الجمعة حين تميل الشمس .رواه البخاري؛ وألنهما صالتا وقت فكان وقتهما واحداً،
كالمقصورة والتامة؛ وألن إحداهما بدل عن األخرى ،وقائمة مقامها ،فأشبها األصل المذكور؛
وألن آخر وقتهما واحد ،فكان أوله واحداً :كصالة الحضر والسفر .ولنا على جوازها في
السادسة :السنة واإلجماع ،أما السنة فما روي عن جابر بن عبد اهلل قال(( :كان رسول اهلل يصلي
-يعني الجمعة -ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس)) .أخرجه مسلم .وعن
سهل بن سعد قال(( :ما كنا نقيل وال نتغدى إال بعد الجمعة في عهد رسول اهلل .))متفق عليه.
قال ابن قتيبة(( :ال يسمى غداء ،وال قائلة بعد الزوال)) .وعن سلمة بن األكوع قال(( :كنا نصلي مع
رسول اهلل الجمعة ،ثم ننصرف وليس للحيطان فيء نستظل به)) .رواه أبو داود .وأما اإلجماع
فروى اإلمام أحمد عن وكيع ،عن جعفر بن برقان ،عن ثابت بن الحجاج ،عن عبد اهلل بن سيدان
قال (( :شهدت يوم الجمعة مع أبي بكر ،وكانت صالته وخطبته قبل نصف النهار ،ثم شهدتها مع
عمر ،وكانت صالته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار ،ثم شهدتها مع عثمان فكانت خطبته
وصالته إلى أن أقول زال النهار ،فما رأيت أحداً عاب ذلك وال أنكره)) [رواه الدارقطني،17/2 ،
وقال في التعليق المغني على الدارقطني :رواته كلهم ثقات إال عبد اهلل بن سيدان متكلم فيه...
قال البخاري :ال يتابع على حديثه ،وقال أبو القاسم الاللكائي :مجهول ،وقال ابن عدي شبه
مجهول ]...وكذلك روي عن ابن مسعود ،وجابر ،وسعيد ،ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال،
وأحاديثهم تدل على أن النبي فعلها بعد الزوال في كثير من أوقاته ،وال خالف في جوازه ،وأنه
األفضل ،واألولى ،وأحاديثنا تدل على جواز فعلها قبل الزوال ،وال تنافي بينهما ،وأما في أول
النهار ،فالصحيح أنها ال تجوز؛ لما ذكره أهل العلم؛ وألن التوقيت ال يثبت إال بدليل :من نص أو
ما يقوم مقامه ،وما ثبت عن النبي وال عن خلفائه أنهم صلوها في أول النهار؛ وألن مقتضى
الدليل كون وقتها وقت الظهر ،وإنما جاز تقديمها عليه بما ذكرنا من الدليل ،وهو مختص بالساعة
السادسة فلم يجز تقديمها عليها ،واهلل أعلم؛ وألنها لو صليت في أول النهار لفاتت أكثر
المصلين؛ ألن العادة اجتماعهم لها عند الزوال ،وإنما يأتيها ضحى آحاد من الناس وعدد يسير،
ً
كما روي عن ابن مسعود أنه أتى الجمعة فوجد أربعة قد سبقوه فقال :رابع أربعة وما رابع أربعة
ببعيد .إذا ثبت هذا فاألولى أن ال تصلى إال بعد الزوال؛ ليخرج من الخالف ،ويفعلها في الوقت
الذي كان النبي يفعلها فيه في أكثر أوقاته ،ويجعلها في أول وقتها في الشتاء والصيف؛ ألن
=
505 صالة الجمعة
وآخر وقت الجمعة هو آخر وقت صالة الظهر وهو أن يكون ظل
الشيء كطوله بعد في الزوال ،فإذا خرج وقت صالة الظهر قبل إدراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
النبي كان يعجلها ،بدليل األخبار التي رويناها؛ وألن الناس يجتمعون لها في أول وقتها،
ويبكرون إليها قبل وقتها ،فلو انتظر اإلبراد بها لشق على الحاضرين ،وإنما يجعل اإلبراد بالظهر
في شدة الحر رفعاً للمشقة التي يحصل أعظم منها باإلبراد بالجمعة)) انتهى كالم ابن قدامة.
[المغني ،]232-241/4 ،وانظر:الشرح الكبير،110-183/2،واإلنصاف للمرداوي-182/2 ،
.] 110ومما يستدل به على أن الجمعة تصح في الساعة السادسة قبل الزوال بساعة حديث أبي
هريرة ((:من راح في الساعة األولى فكأنما قرب بدنة،ثم ذكر:الثانية،والثالثة ،والرابعة،ثم
الخامسة،فإذا خرج اإلمام حضرت المالئكة يستمعون الذكر ،فيكون حضور اإلمام على مقتضى
حديث أبي هريرة في الساعة السادسة [انظر :الشرح الممتع البن عثيمين.]31/2 ،
وذكر العالمة ابن عثيمين رحمه اهلل األقوال الثالثة:
القول األول :أول وقت صالة الجمعة وقت صالة العيد بعد ارتفاع الشمس ،ثم قال :بأن أثر عبد
اهلل بن س يدان ضعيف كما تقدم ،وإن صح فليس فيه دليل؛ ألن قوله :كانت خطبته وصالته قبل
نصف النهار يدل على أنها قريبة من النصف ،ولو كانت في أول النهار ،لقال :كانت صالته في
أول النهار ،وهذا يدل على أن صالة أبي بكر كانت قريبة من الزوال ،والقول بأن صالة
الجمعة تصح قبل الزوال هو المذهب ،بل هو من المفردات.
القول الثاني :أنها ال تصح إال بعد الزوال ،وهذا مذهب األئمة الثالثة.
القول الثالث :أنها تصح في الساعة السادسة قبل الزوال بساعة استناداً لحديث أبي هريرة(( :من
راح في الساعة األولى)) ...وهذا القول هو الراجح أنها ال تصح في أول النهار إنما تصح في
السادسة ،واألفضل على القول بأنها تصح في السادسة أن تكون بعد الزوال وفاقاً ألكثر العلماء.
[الشرح الممتع.]32-31/2 ،
وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول على حديث سلمة بن األكوع (( :وهذا الحديث
يدل على أن وقتها وقت الظهر ،لكن بمراعاة التبكير في أول وقت الظهر ،وبهذا قال جمهور أهل
العلم ،وقال آخرون :يجوز أن تقدم قبل الزوال ،واختلفوا :فبعضهم قال :يكون وقتها بعد ارتفاع
الشمس ،وقال آخرون :الساعة السادسة ُقبيل الزوال ،وهذا أظهر؛ لما جاء في األحاديث
الصحيحة من فضل التبكير ،وأن في الساعة السادسة يخرج اإلمام ،والساعة السادسة ُقبيل الزوال،
والتبكير بالجمعة قبل الزوال ال حرج فيه [يعني في الساعة السادسة] واألحوط ،واألولى،
واألفضل الخروج من الخالف ،وأن تصلى بعد الزوال عمالً باألحاديث كلها ،وخروجاً من
الخالف ،واحتياطاً لهذه العبادة العظيمة)) [سمعته من سماحة اإلمام رحمه اهلل أثناء تقريره على
بلوغ المرام ،الحديث رقم ،370وأثناء تقريره على صحيح مسلم ،الحديث رقم ،828وسمعته
مرة يضعف القول بأن أول وقت الجمعة بعد ارتفاع الشمس كصالة العيد].
وقال اإلمام الشوكاني عن قول الجمهور:ال تصح الصالة قبل الزوال حتى في الساعة السادسة(( :واستداللهم
باألحاديث القاضية بأنه صلى الجمعة بعد الزوال ال ينفي الجواز قبله)) [نيل األوطار.]241/2 ،
صالة الجمعة 505
ركعة بعد أداء الواجب من الخطبتين صليت ظهر ًا؛ لقول النبي (( :من
أدرك ركعة من الصالة فقد أدرك الصالة))( ،)1وهذا هو الصواب أنها ال
تدرك إال بإدراك ركعة( ،)2فإذا أدرك من الوقت ما يمكنه أن يخطب ثم
يصلي ركعة فله أن يفعل ذلك( )3وإال صليت ظهراً(.)4
الشرط الثاني :الجماعة ،فال تنعقد صالة الجمعة إال بحضور جماعة،
والصواب أنها تنعقد بثالثة:واحد يخطب واثنان يستمعان؛ ألن اسم الجمع
ودي ِللص ِ
الة يتناول الثالثة؛ وألن اهلل تعالى قال :يا أَيها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َذا نُ ِ
َّ َ َ َ ُّ َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه:البخاري،برقم ،280ومسلم،برقم ،307وتقدم تخريجه في صالة الجماعة.
( )2وقيل :تدرك بإدراك تكبيرة اإلحرام في الوقت ،قال العالمة ابن عثيمين(( :الصحيح أن جميع
اإلدراكات ال تكون إال بركعة؛ لقول النبي (( :من أدرك ركعة من الصالة فقد أدرك الصالة)) هذا
منطوق الحديث ،ومفهومه أن من لم يدرك ركعة لم يدرك الصالة ،وهذا عام في جميع
اإلدراكات[ .الشرح الممتع ] 34/2 ،وهو الذي اختاره الخرقي رحمه اهلل في مختصره قال(( :ومتى
دخل وقت العصر وقد صلوا ركعة أتموا بركعة أخرى ،وأجزأتهم جمعة)) انظر :مختصر الخرقي
مع المغني ،111/4والشرح الكبير ،114-110/2 ،واإلنصاف.110/2 ،
( )3المغني البن قدامة.112/4 ،
( )4اختلف العلماء بما تدرك به صالة الجمعة في الوقت على النحو اآلتي:
ظاهر كالم الخرقي أن الجمعة ال تدرك إال بإدراك ركعة في وقتها .واختاره ابن قدامة.
وقال القاضي :متى دخل وقت العصر بعد إحرامه أتمها جمعة ،ونحو هذا قال أبو الخطاب؛ ألنه
أحرم بها في وقتها أشبه ما لو أتمها فيه.
والمنصوص عن أحمد أنه إذا دخل وقت العصر بعد تشهده وقبل سالمه سلم وأجزأته ،وهذا قول
أبي يوسف ،ومحمد ،وظاهر هذا أنه متى دخل الوقت قبل ذلك بطلت أو انقلبت ظهراً.
وقال أبو حنيفة :إذا خرج الوقت قبل فراغه منها بطلت وال يبني عليها ظهراً؛ ألنهما صالتان
مختلف تان فال يبني إحداهما على األخرى كالظهر والعصر ،والظاهر أن مذهب أبي حنيفة في هذا
كما ذكرنا عن أحمد؛ ألن السالم عنده ليس من الصالة.
وقال الشافعي :ال يتمها جمعة ويبني عليها ظهراً ،ألنهما صالتا وقت واحد فجاز بناء إحداهما
على األخرى ،كصالة الحضر والسفر ،واحتجوا على أنه ال يتمها جمعة بأن ما كان شرطاً في
بعضها كان شرطاً في جميعها :كالطهارة وسائر الشروط.
والصواب ما قاله الخرقي وابن قدامة؛ ولهذا قال ابن قدامة(( :ولنا قوله (( :من أدرك من الجمعة
ركعة فقد أدرك الصالة)) [متفق عليه]؛ وألنه أدرك من الجمعة ركعة فكان مدرك ًا لها ،كالمسبوق
بركعة؛ وألن الوقت شرط يختص بالجمعة فاكتفي به في ركعة كالجمعة ،وما ذكروه ينتقض
بالجماعة فإنه يكتفى بإدراكها في ركعة)) المغني.112-111/4 ،
505 صالة الجمعة
اس َع ْوا ِإ َلى ِذ ْكرِ اهلل َو َذ ُروا ا ْلبي َع َذ ِل ُكم َخير لَّ ُكم إِن ُك ُنتم
الجمعة َف ْ ِمن َي ْو ِم
ْ ْ ٌْ ْ (ْ َ)2
ون )1(بصيغة الجمع فيدخل فيه الثالثة ؛ ولعموم حديث أبي سعيد َت ْع َل ُم َ
فليؤمهم أحدهم ،وأح ّقهم ّ قال :قال رسول اهلل (( :إذا كانوا ثالثة
باإلمامة أقرؤهم))( ،)3واختار هذا القول شيخ اإلسالم ابن تيميةَ ،فنُ ِق َل عنه
في االختيارات((:وتنعقد الجمعة بثالثة:واحد يخطب،واثنان يستمعان ،وهو
إحدى الروايات عن أحمد(،)4وقول طائفة من العلماء))(،)5وسمعت شيخنا
اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول((:واختلف الناس في
عدد الجمعة ،فقيل:أربعون،وقيل:خمسون ،وقيل:اثنا عشر ،وقيل :أربعة،
ومأمومين، وقيل :ثالثة،وقيل:اثنان،وأحسن ما قيل:إنها تنعقد بثالثة:إمام
َْ
واختاره ابن تيمية ،وهذا فيه احتياط وبرأة للذمة))(،)6وسمعته مرة أخرى
يقول(( :والصواب أن صالة الجمعة تصح بثالثة :اإلمام،واثنان معه))(،)7
قلت :وهذا القول الذي ال تطمئن النفس إال إليه))(.)8
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة الجمعة ،اآلية.1 :
( )2انظر :الشرح الكبير ،البن قدامة مع المقنع واإلنصاف. 111/2 ،
( )3مسلم ،كتاب المساجد ومواضع الصالة ،باب من أحق باإلمامة ،برقم . 372
( )4االختيارات العلمية من االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،ص ،120-111وانظر:
اإلنصاف لمعرفة الراجح من الخالف للمرداوي المطبوع مع المقنع والشرح الكبير،111/2 ،
واإلحكام شرح أصول األحكام للعالمة عبد الرحمن بن محمد القاسم.333-332/1 ،
( )5اختلف العلماء رحمهم اهلل تعالى في العدد الذي تقوم بهم الجمعة،وقد ذكر الحافظ ابن حجر
خمسة عشر قوالً:فقيل:تصح من الواحد ،وقيل :اثنان كالجماعة ،وقيل :اثنان مع اإلمام ،وقيل :ثالثة
مع اإلمام ،وقيل :سبعة ،وقيل :تسعة ،وقيل :اثنا عشر ،وقيل :اثنا عشر غير اإلمام ،وقيل :عشرون،
وقيل :ثالثون ،وقيل :أربعون باإلمام ،وقيل :أربعون غير اإلمام ،وقيل :خمسون ،وقيل :ثمانون،
وقيل :جمع كثير بغير قيد ،قال ابن حجر :ولعل هذا األخير أرجحها من حيث الدليل ،ويمكن أن
يزداد العدد باعتبار زيادة شرط :كالذكورة ،والحرية ،والبلوغ ،واإلقامة ،واالستيطان ،فيكمل بذلك
عشرين قوالً .انظر فتح الباري البن حجر ،324/2 ،بتصرف.
( )6سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام البن حجر ،الحديث رقم .311
( )7سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري ،الحديث رقم .143
( )8وقد استدل اإلمام الشافعي ،واإلمام أحمد وعمر بن عبد العزيز وغيرهم في اشتراط األربعين لصالة
=
صالة الجمعة 505
الشرط الثالث :أن يكونوا بقرية مستوطنين بها مبنية بما جرت به العادة
ال يرحلون عنها صيفاً وال شتاء ،قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل(( :فأما
القرية فيعتبر أن تكون مبنية بما جرت به العادة ببنائها به :من حجر ،أو
طين ،أو َلبِن ،أو قصب ،أو شجر ونحوه ،فأما أهل الخيام وبيوت الشعر...
فال جمعة عليهم وال تصح منهم؛ ألن ذلك لم ينصب لالستيطان غالب ًا،
وكذلك كانت قبائل العرب حول المدينة فلم يقيموا جمعة ،وال أمرهم بها
يخف ولم يُترك نقله مع كثرته وعموم البلوى النبي ،ولو كان ذلك لم َ
به ،لكن إن كانوا مقيمين بموضع يسمعون النداء لزمهم السعي إليها ،كأهل
القرية الصغيرة إلى جانب المصر ...ويشترط في القرية أن تكون مجتمعة
البناء بما جرت به العادة في القرية الواحدة ،فإن كانت متفرقة المنازل
تفرقاً لم تجرِ العادة به لم تجب عليهم الجمعة))( ،)1ولكن لو اجتمع في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
الجمعة ،بما رواه أبو داود ،برقم ،1031وابن ماجه ،برقم 1082عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك
ترحم
وكان قائد أبيه بعدما عمي بصره ،عن أبيه كعب بن مالك أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ّ
جمع بنا في
ألسعد بن زرارة ،فقلت له :إذا سمعت النداء ترحمت ألسعد بن زرارة؟ قال :ألنه ّأول من ّ
هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخصمان ،قلت :كم كنتم يومئذ؟ قال :أربعون))
[وحسنه األلباني في صحيح أبي داود ،212/1 ،وصحيح ابن ماجه ،420/1والعالمة ابن باز في
مجموع الفتاوى .431/12 ،وقال الشوكاني :وصحح الحافظ إسناده] .وذكر اإلمام الشوكاني أيضاً:
((بأنه ال داللة في الحديث على اشتراط األربعين؛ ألن هذه واقعة عين ،وذلك أن الجمعة فرضت على
النبي وهو بمكة قبل الهجرة كما أخرجه الطبراني عن ابن عباس ،فلم يتمكن من إقامتها هنالك من
يجمعوا ،واتفق أن
أجل الكفار ،فلما هاجر من هاجر من أصحابه إلى المدينة كتب إليهم يأمرهم أن ّ
عدتهم إذن كانت أربعين ،وليس فيه ما يدل على أن ما دون األربعين ال تنعقد بهم الجمعة ،وقد تقرر
في األصول أن وقائع األعيان ال يحتج بها على العموم ...وما أخرجه الطبراني عن أبي مسعود
األنصاري قال :أول من قدم المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير وهو أول من جمع بها يوم
الجمعة قبل أن يقدم النبي ،وهم اثنا عشر رجالً ،وفي إسناده صالح بن أبي األخضر وهو ضعيف.
قال الحافظ :ويجمع بينه وبين حديث الباب بأن أسعد كان أميراً ،ومصعب كان إماماً ))...انتهى كالم
السنة أن
الشوكاني في نيل األوطار .312-313/2 ،وأما ما أخرجه الدراقطني عن جابر (( :مضت َّ
في كل أربعين فما فوق جمعة وأضحى وفطر)) .فقال العالمة األلباني في إرواء الغليل:31/4 ،
((ضعيف جداً)) .وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم :311
((ضعيف))؛ بل قد ضعفه ابن حجر في البلوغ أيضاً.
( )1المغني ،البن قدامة.204/4 ،
500 صالة الجمعة
أن النبي كان إذا أذن المؤذن يوم الجمعة خطب خطبتين ،فالسعي
إلى الخطبة واجب ،وما كان السعي إليه واجباً فهو واجب.
- 5أن النبي حرم الكالم واإلمام يخطب وهذا يدل على وجوب
االستماع إلى الخطبة ،ووجوب االستماع إليهما يدل على وجوبهما.
- 5مواظبة النبي موظبة دائمة وهذا الدوام المستمر صيفاً وشتاء،
شدة ورخاء يدل على جوبهما.
- 5أنه لو لم تجب لها خطبتان لكانت كغيرها من الصلوات وال يستفيد
الناس من التجمع لها ،ومن أهم األغراض لهذه الصالة :الموعظة وتذكير
الناس(.)1
ويشرع أن تشتمل الخطبة على أربعة أمور(:)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :الشرح الممتع ،البن عثيمين.33/2 ،
( )2من أهل العلم من جعل هذه األربعة األمور من شروط صحة الخطبتين فال تصح إال بها ،فقال(( :من
شرط صحة الخطبتين :حمد اهلل ،والصالة على رسوله محمد ،وقراءة آية ،والوصية بتقوى اهلل
تعالى ،وقال اإلمام ابن قدامة ،رحمه اهلل(( :ومن شرط صحتهما :حمد اهلل تعالى ،والصالة على رسوله
،وقراءة آية ،والوصية بتقوى اهلل تعالى ،وحضور العدد المشترط)) [المقنع مع الشرح الكبير
واإلنصاف ،218/2 ،وانظر :المغني له .]173-174/4 ،وقال الشيخ العالمة الزركشي(( :واعلم أن
هذه األربع :من الحمد ،والصالة ،والقراءة ،والموعظة أركان للخطبتين ،ال تصح واحدة من الخطبتين
إال بهن)) [شرح الزركشي على مختصر الخرقي ]178/2 ،وذكر اإلمام النووي أنه يشترط عند الشافعي
في الخطبة :الوعظ ،والقرآن ،وأن الخطبتين ال تصح إال بحمد اهلل تعالى ،والصالة على رسول اهلل ،
والوعظ قال(( :وهذه الثالثة واجبات في الخطبتين ،وتجب قراءة آية من القرآن في إحداهما على
األصح ،ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على األصح ،وقال مالك وأبو حنيفة والجمهور:يكفي من
الخطبة ما يقع عليه االسم)) [شرح النووي على صحيح مسلم ،]411/3،وذكر عن ابن تيمية أن ذم الدنيا
وذكر الموت ال يكفي في الخطبة ،بل البد من مسمى الخطبة عرفاً ،وال تحصل باختصار يفوت به
المقصود ،ويجب في الخطبة أن يشهد أن محمداً عبد اهلل ورسوله ،وأوجب في موضع آخر الشهادتين،
وتردد في وجوب الصالة على النبي في الخطبة وقال في موضع آخر ويحتمل -وهو األشبه -أن
الصالة عليه فيها واجبة مع الدعاء ،وال تجب مفردة؛ لقول عمر وعلي رضي اهلل عنهما :الدعاء موقوف بين
السماء واألرض حتى تصلي على نبيك ،وتقديم الصالة عليه على الدعاء؛ لوجوب تقديمه على
النفس ،وبين أن األمر بتقوى اهلل واجب إما بالمعنى وهو أشبه من أن يقال الواجب لفظ التقوى ،وصرح
بوجوب القراءة في الخطبة[ .انظر :االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،ص .]121-120وانظر:
=
صالة الجمعة 505
حمد اهلل تعالى ،والصالة على رسوله وقراءة آية من كتاب اهلل
تعالى ،واألمر بتقوى اهلل تعالى؛لحديث جابر بن عبد اهلل قال :كان
رسول اهلل يخطب الناس :يحمد اهلل ،ويثني عليه بما هو أهله)1())...؛
وألن كل أمر ال يبدأ فيه بحمد اهلل تعالى ،فهو أقطع ،أبتر ،أجذم ،ناقص
البركة والخير()2؛ ولقول عمر بن الخطاب (( :إن الدعاء موقوف بين
السماء واألرض ال يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك )3())؛
ولقول علي بن أبي طالب (( :كل دعاء محجوب حتى تصلي على
محمد وآل محمد))()4؛ ولحديث جابر بن سمرة قال(( :كانت
للنبي خطبتان يجلس بينهما ،يقرأ القرآن ويذكر الناس))( .)5ولفظ أبي
داود(( :كانت صالة رسول اهلل قصداً ،وخطبته قصداً ،يقرأ آيات من
()6
القرآن ويذكر الناس)) ؛ ولحديث أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي اهلل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
اإلنصاف لمعرفة الراجح من الخالف مع المقنع والشرح الكبير ،221-220/2 ،وقال العالمة السعدي
رحمه اهلل(( :وأما اشتراط تلك الشروط في الخطبتين :الحمد ،والصالة على رسول اهلل ،وقراءة آية من كتاب
اهلل فليس على اشتراط ذلك دليل ،والصواب أنه إذا خطب خطبة يحصل بها المقصود والموعظة ،أن ذلك
كاف وإن لم يلتزم بتلك المذكورات ،نعم من كمال الخطبة الثناء فيها على اهلل وعلى رسوله ،وأن تشتمل ٍ
على قراءة شيء من كتاب اهلل ،أما كون هذه األمور شروطاً ال تصح إال بها سواء تركها عمداً أو خطأ أو
سهواً ففيه نظر ظاهر ،وكذلك كون مجرد اإلتيان بهذه األركان األربعة من دون موعظة تحرك القلوب
يجزئ ويسقط الواجب وذلك ال يحصل به مقصود فغير صحيح)) [المختارات الجلية ،ص.]70
( )1مسلم ،كتاب الجمعة ،باب تخفيف الصالة والخطبة ،برقم .837
( )2انظر :مسند اإلمام أحمد ،421/2 ،وسنن أبي داود ،برقم ،3830وابن ماجه ،برقم ،1813وابن
حبان ،برقم ( 1114موارد).
( )3الترمذي ،كتاب الوتر ،باب ما جاء في فضل الصالة على النبي ،برقم ،383وحسنه األلباني
في صحيح الترمذي ، 273/1 ،وفي سلسلة األحاديث الصحيحة تحت الحديث رقم .2042
( )4الطبراني في األوسط 338/3مصورة الجامعة اإلسالمية ،وحسنه األلباني في سلسلة األحاديث
الصحيحة لكثرة طرقه ،الحديث رقم .2042
( )5مسلم ،برقم ،832وتقدم تخريجه في الشرط الرابع من شروط صحة صالة الجمعة.
( )6سنن أبي داود ،كتاب الصالة ،باب الرجل يخطب على قوس،برقم ،1101وحسنه األلباني في
=
505 صالة الجمعة
عنها قالت(( :لقد كانت تنورنا وتنور رسول اهلل واحداً( ،)1سنتين أو سنة
يد إال عن لسان رسول اهلل آن الـم ِج ِ
وبعض سنة ،وما أخذت ق*وا ْل ُقر ِ
َ ْ َ ْ
،يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس))( ،)2وعن صفوان بن
اد ْوا َيا َم ِال ُك ِلي ْق ِض
يعلى عن أبيه أنه سمع النبي يقرأ على المنبرَ :و َن َ
َ
ون ،)4( )3(قال اإلمام النووي رحمه اهلل(( :فيه ع َلي َنا رب َك َق َال ِإنَّ ُكم م ِ
اكثُ َ َّ َ ْ َ ُّ
القراءة في الخطبة وهي مشروعة بال خالف ،واختلفوا في وجوبها،
والصحيح عندنا وجوبها ،وأقلها آية)) .قوله(( :ما حفظت (ق) إال من ِفي
ّ
رسول اهلل يخطب بها كل جمعة)) قال العلماء(( :سبب اختيار ق أنها
مشتملة على البعث ،والموت ،والمواعظ الشديدة ،والزواجر األكدية،
وفيه دليل للقراءة في الخطبة كما سبق ،وفيه استحباب قراءة (ق) أو
بعضها في كل خطبة))( ،)5وعن جابر بن عبد اهلل قال(( :كان رسول اهلل
إذا خطب احمرت عيناه ،وعال صوته ،واشتد غضبه حتى كأنه منذر
جيش يقول :صبحكم ومساكم( ،)6ويقول :بعثت أنا والساعة كهاتين
ويقرن بين إصبعين :السبابة والوسطى ،ويقول :أما بعد ،فإن خير
الحديث كتاب اهلل وخير الهدي( )7هدي محمد ،وشر األمور محدثاتها،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
صحيح أبي داود،404/1،وأصله في صحيح مسلم،برقم .833
( )1التنور :الكانون يخبز فيه .القاموس المحيط ،ص.323
( )2مسلم ،كتاب الجمعة ،باب تخفيف الصالة ،والخطبة ،برقم .874
( )3سورة الزخرف ،اآلية.77 :
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب بدء الخلق ،باب إذا قال أحدكم :آمين والمالئكة في السماء فوافقت
إحداهما األخرى غفر له ما تقدم من ذنبه ،برقم ،4240ومسلم ،كتاب الجمعة ،باب تخفيف
الصالة ،والخطبة ،برقم .871
( )5شرح النووي على صحيح مسلم.310/3 ،
( )6منذر جيش :المنذر :المعلم المعروف للقوم بما يكون قد دهمهم من عدو أو غيره ،وهو
المخوف .جامع األصول البن األثير.380/2 ،
( )7الهدي:السيرة والطريقة.جامع األصول،380/2 ،قال النووي((:لفظ الهدي له معنيان:أحدهما بمعنى الداللة
واإلرشاد،وهو الذي يضاف إلى الرسل والقرآن والعباد.
=
صالة الجمعة 565
وكل بدعة ضاللة)) .ثم يقول(( :أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ،من ترك
ماالً فألهله ،ومن ترك ديناً أو ضياعاً( )1فإلي وعلي)) .وفي لفظ(( :كانت
َّ َّ
خطبة النبي يوم الجمعة :يحمد اهلل ،ويثني عليه ،ثم يقول على إثر
ذلك وقد عال صوته .))...وفي لفظ(( :كان رسول اهلل يخطب الناس:
يحمد اهلل ،ويثني عليه بما هو أهله ،ثم يقول :من يهده اهلل فال مضل له،
ومن يضلل فال هادي له ،وخير الحديث كتاب اهلل.)2())...
وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن ضماداً( )3قدم مكة ،وكان من أزد شنوءة
وكان يرقي من هذه الريح( )4فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون:إن
محمداً مجنون ،فقال :لو أني رأيت هذا الرجل لعل اهلل يشفيه على
يدي،قال :فلقيه فقال :يا محمد إني أرقي من هذه الريح،وإن اهلل يشفي
على يدي من شاء فهل لك؟ فقال رسول اهلل (( :إن الحمد هلل ،نحمده،
ونستعينه ،من يهده اهلل فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد
أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له،وأن محمداً عبده ورسوله،أما بعد))
قال :فقال أعد علي كلماتك هؤالء،فأعادهن عليه رسول اهلل ،ثالث
ّ
مرات ،قال :فقال:لقد سمعت قول الكهنة ،وقول السحرة،وقول الشعراء،
فما سمعت مثل كلماتك هؤالء ،ولقد بلغن ناعوس البحر( ،)5قال:
فقال :هات يدك أبايعك على اإلسالم ،قال :فبايعه ،فقال رسول اهلل :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
والثاني :بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة والتأييد وهو الذي تفرد اهلل به)) شرح النووي على
صحيح مسلم.304/3 ،
( )1الضياع :العيال ،جامع األصول البن األثير .380/2 ،والضياع :األطفال والعيال .شرح النووي،
.303/3
( )2مسلم ،كتاب الجمعة ،باب تخفيف الصالة والخطبة ،برقم .837
( )3ضماد:هو ضماد بن ثعلبة األزدي من أزد شنوءة،تمييز الصحابة البن حجر.210/2 ،
( )4الريح :أي األرواح الخبيثة [الجن].
( )5ناعوس البحر :قيل :لجته ،وقيل :وسطه ،وقيل :قعره األقصى ،وقيل :عمقه ولجته .شرح النووي
على مسلم.307-303/3 ،
565 صالة الجمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مطهرة :الميضأة والمطهرة :ما يتوضأ به ويتطهر فيه من اآلنية ،تفسير غريب ما في الصحيحين
للحميدي ،ص.112
( )2مسلم ،كتاب الجمعة ،باب تخفيف الصالة والخطبة ،برقم .838
( )3شرح النووي على صحيح مسلم.303-302/3 ،
صالة الجمعة 565
وخطبة الحاجة :إن الحمد هلل ،نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ
باهلل من شرور أنفسنا ،ومن سيئات أعمالنا ،من يهده اهلل فال مضل له،
ومن يُضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له،
آمنُو ْا َّات ُقو ْا اهلل َح َّق تُ َق ِات ِه ِ
ورسولهَ )1يا أَيُّ َها الَّذ َ
ين َ وأشهد أن محمداً عبده
َوالَ َت ُموتُ َّن ِإال َّ َوأَ ُنتم ُّم ْس ِل ُمو َنَ . يا أَ ُّي َها الناس َّات ُقو ْا َر َّب ُكم الَّ ِذي َخ َل َق ُكم
(
ُ
ث ِم ْن ُه َما رِ َجاالً َك ِثيرا َون َس ًاء َو َّات ُقو ْا اهلل
ِ اح َد ٍة َو َخ َل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َب َّمن نَّ ْف ٍس و ِ
(ً )2 َ ّ
ِ ِ ِ ِ
آمنُوا ين َ ان َع َل ْي ُك ْم َرق ًيباَ . يا أَ ُّي َها الَّذ َ ون بِه َواألَ ْر َح َام ِإ َّن اهلل َك َ الَّذي َت َس َاءلُ َ
وب ُكم َو َمن َّات ُقوا اهلل وقولوا قوال س ِديدا * يص ِلح لكم أَعمالكم ويغ ِفر لكم ذن
َ ُ ُ َ ْ ً َ ً ُ ْ ْ َ(ْ َ ُ ُ ْ ُ َ ْ)5(ْ َ َ ْ ُ َ َ ْ )4(ْ )ُ 3
[ .أما بعد] . از َف ْو ًزا َع ِظيما
ً يُ ِط ِع اهلل َو َر ُسو َل ُه َف َق ْد َف َ
()6
وكان أحياناً ال يذكر هذه اآليات الثالث ؛ لحديث ابن عباس رضي اهلل
عنهما :أن النبي قال(( :الحمد هلل ،نحمده ،ونستعينه ،ونعوذ باهلل من
شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده اهلل فال مضل له ،ومن يُضلل
فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأن محمداً
عبده ورسوله ،أما بعد))(.)7
وينبغي أن يقول أحياناً بعد قوله :أما بعد(:)8
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة آل عمران ،اآلية.102 :
( )2سورة النساء ،اآلية.1 :
( )3سورة األحزاب ،اآليتان.71-70 :
( )4ابن ماجه ،كتاب النكاح ،باب خطبة النكاح ،برقم ،1812والترمذي ،كتاب النكاح ،باب ما جاء
في خطبة النكاح ،برقم ، 1102وأبو داود ،كتاب النكاح ،باب في خطبة النكاح ،برقم ،2118
والنسائي ،كتاب الجمعة ،باب كيفية الخطبة ،برقم ،1304واللفظ البن ماجه ،وصححه األلباني
في هذه المواضع كلها.
( )5هذه من رواية ابن عباس اآلتية ،وتقدمت أيضاً في قصة ضماد من حديث ابن عباس.
( )6انظر تمام المنة في التعليق على فقه السنة لأللباني ،ص.442
( )7ابن ماجه ،كتاب النكاح ،باب خطبة النكاح ،برقم ،1814وصححه األلباني في هذا الموضع،
وفي خطبة الحاجة ( ،)41وأصله في صحيح مسلم ،برقم 838في قصة ضماد ،وتقدمت.
( )8انظر :تمام المنة في التعليق على فقه السنة ،لأللباني ،ص.442
565 صالة الجمعة
((فإن خير الحديث كتاب اهلل ،وخير الهدي هدي محمد ،وشر األمور
محدثاتها ،وكل بدعة ضاللة [وكل ضاللة في النار]))( ،)1وفي لفظ النسائي:
(( ...إن أصدق الحديث كتاب اهلل ،وأحسن الهدي هدي محمد ،وشر األمور
محدثاتها ،وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضاللة ،وكل ضاللة في النار))(.)2
قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى في خصائص يوم الجمعة ...(( :إن فيه
الخطبة التي يقصد بها الثناء على اهلل ،وتمجيده ،والشهادة له بالوحدانية،
ولرسوله بالرسالة ،وتذكير العباد بأيامه ،وتحذيرهم من بأسه ونقمته،
ووصيتهم بما يقربهم إليه ،وإلى جناته ،ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره،
فهذا هو مقصود الخطبة ،واالجتماع لها))(.)3
وقال رحمه اهلل في موضوع آخر((:وكان مدار خطبه على حمد اهلل،والثناء
عليه بآالئه،وأوصاف كماله،ومحامده ،وتعليم قواعد اإلسالم،وذكر الجنة
والنار،والمعاد ،واألمر بتقوى اهلل ،وتبيين موارد غضبه ،ومواقع رضاه ،فعلى
هذا كان مدار خطبه ،وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة
المخاطبين ،ومصلحتهم ،ولم يكن يخطب خطبة إال افتتحها بحمد اهلل،
ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة ،ويذكر فيها نفسه باسمه العام،وثبت عنه أنه
قال(( :كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء))(.)5( )4
فظهر مما تقدم أهمية مشروعية اشتمال الخطبة على ما يأتي:
حمد اهلل تعالى والثناء عليه بما هو أهله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم،من حديث جابر،برقم ،837وتقدم وما بين المعقوفين من سنن النسائي،برقم .1277
( )2النسائي ،كتاب صالة العيدين ،باب كيف الخطبة ،برقم ،1277وصححه األلباني في صحيح
النسائي ،212/1 ،وهو في مسلم كما تقدم إال ((وكل ضاللة في النار)).
( )3زاد المعاد ،418/1 ،وانظر هديه في خطبته في زاد المعاد 111-183/1،و.330-322/1
( )4أبو داود،كتاب األدب،باب في الخطبة،برقم ،3831والترمذي،في كتاب النكاح،باب ما جاء في
خطبة النكاح ،برقم ،1103وقال :حديث حسن صحيح غريب ،وصححه األلباني في صحيح أبي
داود ،181/4 ،وصحيح سنن الترمذي ،232/1 ،وهو في مسند أحمد.434-402/2 ،
( )5زاد المعاد ،فصل في هديه في خطبته.181-188/1 ،
صالة الجمعة 565
الشهادة هلل بالوحدانية ولنبيه بالرسالة.
الصالة على النبي وخاصة مع الدعاء.
قراءة بعض اآليات من كتاب اهلل تعالى.
الوصية بتقوى اهلل .
وسنن خطبة الجمعة كثيرة ،منها ما يأتي:
- 1يسلم على المأمومين .والسالم هنا نوعان:
النوع األول :يسلم سالم ًا خاص ًا إذا دخل المسجد على من يالقيه
بناء على النصوص العامة التي يؤمر فيها بالسالم على
وهذا من السنة ً
من يقابل من المسلمين؛ لقوله عليه الصالة والسالم في حقوق المسلم
على المسلم(( :وإذا لقيته فسلم عليه))( ،)1ولقوله (( :أفشوا السالم
بينكم))(.)2
النوع الثاني :يسلم تسليماً عامـاً إذا صـعد المنبـر ،قبـل أن يجلـس؛ ألن
ذلــــك روي عــــن النبــــي ،)3(وثبــــت مــــن فعــــل أبــــي بكــــر ،وعمــــر(،)4
وعثمـــان( ،)5وعمـــر بـــن عبـــد العزيـــز( . )1قـــال العالمـــة األلبـــاني رحمـــه اهلل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه من حديث أبي هريرة :البخاري ،كتاب الجنائز ،باب األمر باتباع الجنائز ،برقم
،1230ومسلم ،كتاب السالم ،باب من حق المسلم على المسلم رد السالم ،برقم .2132
( )2مسلم ،كتاب اإليمان ،باب بيان أنه ال يدخل الجنة إال المؤمنون ،برقم .23
( )3روي ذلك عن جابر يرفعه(( :كان إذا صعد المنبر سلم)) ابن ماجه ،برقم ،1101وفيه ابن لهيعة.
( )4عن عطاء أن النبي كان إذا صعد المنبر ،أقبل بوجهه على الناس ،فقال :السالم عليكم .مصنف عبد الرزاق،
112/4مرسالً ،برقم .2281وعن الشعبي قال :كان رسول اهلل إذا صعد المنبر [يوم الجمعة] أقبل على الناس
بوجهه وقال(( :السالم عليكم)) ،فكان أبو بكر وعمر يفعالن ذلك بعد النبي .مصنف عبد الرزاق،
،114/4برقم ،2282وابن أبي شيبة ،113/2 ،واللفظ له ،وصحح مرسل عطاء األرناؤوط في تحقيق زاد المعاد،
،187/1وقال األلباني في األحاديث الصحيحة تحت الحديث رقم 2073عن مرسل الشعبي(( :هو مرسل ال
بأس به في الشواهد)) ،وقال عن مرسل عطاء(( :ورجاله ثقات رجال الشيخين)) .وقال األلباني أيضاً في تمام المنة،
ص(( :444هذان المرسالن ...يقويان حديث جابر وال سيما وقد جرى عمل الخلفاء عليه كما حققته في
الصحيحة ( )2073بما ال تراه في مكان آخر إن شاء اهلل تعالى)).
الكتاب)) ( )5عن أبي نضرة قال :كان عثمان قد كبر فإذا صعد المنبر سلم فأطال قدر ما يقرأ إنسان أم
=
560 صالة الجمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
ابن أبي شيبة ،113/2 ،وقال األلباني في سلسلة األحاديث الصحيحة ،107/2تحت الحديث
رقم (( :2073وإسناده صحيح)).
( )1عن عمر بن هاجر أن عمر بن عبد العزيز كان إذا استوى على المنبر سلم على الناس وردوا عليه.
ابن أبي شيبة ،113/2 ،وقال األلباني في الصحيحة ،107/2 ،برقم (( :2073وسنده صحيح)).
وروى البيهقي عن ابن عمر قال(( :كان رسول اهلل إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده من
الجلوس ،فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلم)) .البيهقي في الكبرى ،202/4،وقال(( :وروي في
ذلك عن ابن عباس ،وابن الزبير ،ثم عن عمر بن عبد العزيز . 202/4 ،وقد أشار العالمة األلباني إلى هذا
الشاهد لما سبق بقوله(( :وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عمر مرفوعاً به وفيه زيادة أوردته من أجلها
في الضعيفة ( )3113من رواية البيهقي وابن عساكر)) األحاديث الصحيحة.107/2 ،
( )2األحاديث الصحيحة.107/2 ،
( )3الشرح الممتع.80/2 ،
( )4انظر :الشرح الكبير ،البن قدامة ،243/2 ،وزاد المعاد البن القيم .183/1،
( )5قال ابن قدامة في الشرح الكبير((:242/2 ،ويستحب أن يكون المنبر عن يمين القبلة؛ألن النبي
هكذا صنع)) وقال المرداوي في اإلنصاف(( :لكن يكون المنبر عن يمين مستقبلي القبلة)) وعبر
عنه ((:عن يمين مستقبل القبلة بالمحراب يلي جنبه من جهة يمين المصلي في المحراب)) حاشية
ابن قاسم على الروض المربع.322/20،
( )6حاشية ابن قاسم على الروض المربع.322/2 ،
صالة الجمعة 566
()1
والمنبر :مرقاة الخطيب سمي منبر ًا؛ الرتفاعه وعلوه ،وقد ثبت أن
النبي اتخذ منبراً في مسجده ،فعن أبي حازم قال :سألوا سهل بن
سعد من أي شيء المنبر؟ فقال(( :ما بقي بالناس أعلم مني :هو من
أثل الغابة عمله فالن مولى فالنة لرسول اهلل .))وفي لفظ(( :بعث
رسول اهلل إلى امرأة أن ُمري غالمك النجار يعمل لي أعواداً أجلس
عليهن)) .وفي لفظ(( :واهلل إني ألعرف مما هو ،ولقد رأيته أول يوم
وضع ،وأول يوم جلس عليه رسول اهلل ،أرسل رسول اهلل إلى
فالنة امرأة من األنصارُ (( :مري غالمك النجار أن يعمل لي أعواداً
ِ
طرفاء الغابة ،ثم جاء أجلس عليهن إذا كلمت الناس)) فأمرته فعملها من
بها فأرسلت إلى رسول اهلل ،فأمر بها فوضعت هاهنا.)2())...
وعن جابر أن امرأة قالت :يا رسول اهلل ،أال أجعل لك شيئاً تقعد
عليه؟ فإن لي غالماً نجاراً ،قال(( :إن شئت)) .وفي لفظ(( :كان جذع يقوم
عليه النبي فلما ُو ِض َع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات
العشارحتى نزل النبي فوضع يده عليه)) ،وفي لفظ(( :فصاحت النخلة
التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق ،فنزل النبي حتى أخذها
يسكت حتى استقرت ،قال:َّ فضمها إليه ،فجعلت تئن أنين الصبي الذي
بكت على ما كانت تسمع من الذكر))( ،)3وفي لفظ(( :كان المسجد
مسقوف ًا على جذوع من النخل ،فكان النبي يقوم إلى جذع منها ،فلما
ُص ِن َع له المنبر فكان عليه ))...الحديث.
()4
قال له تميم بدن
وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن النبي لما َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1لسان العرب ،البن منظور ،باب الراء ،فصل الميم.181/2 ،
( )2البخاري،كتاب الصالة،باب الصالة في السطوح والمنبر والخشب،برقم ،477وباب االستعانة بالنجار
والصناع في أعواد المنبر والمسجد،برقم ،338وكتاب الجمعة،باب الخطبة على المنبر ،برقم .117
( )3البخاري ،كتاب الصالة ،باب االستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد ،برقم ،331
وكتاب الجمعة،باب الخطبة على المنبر،برقم ،118وكتاب البيوع ،باب النجار،برقم ،2012
وكتاب المناقب،باب عالمات النبوة في اإلسالم،برقم .4282
:بدن الرجل بالتشديد:إذا كبر،وبالتخفيفَ ((:ب َد َن)) إذا سمن.جامع األصول البن األثير.188/11 ،
(َّ )4بدن َّ
565 صالة الجمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أبو داود ،كتاب الصالة ،باب اتخاذ المنبر ،برقم ، 1081وصححه األلباني في صحيح سنن أبي
داود.202/1 ،
( )2مسلم ،كتاب المساجد ،باب جواز الخطوة والخطوتين في الصالة ،برقم .233
دنو المصلي من السترة ،برقم .201
( )3مسلم ،كتاب الصالة ،باب ّ
( )4البخاري ،كتاب االعتصام بالكتاب والسنة ،باب ما ذكر عن النبي وحض على اتفاق أهل العلم
وما يجتمع عليه الحرمان :مكة والمدينة ،وما كان بهما من مشاهد النبي والمهاجرين
واألنصار ،ومصلى النبي والمنبر ،برقم .7443
( )5أبو داود،كتاب الصالة،باب الجلوس إذا صعد المنبر،برقم ،1012وصححه األلباني في صحيح أبي
داود،401/1،وأصل الحديث متفق عليه:البخاري،برقم ،120ومسلم،برقم ،832وتقدم تخريجه في
الشرط الرابع من شروط صحة صالة الجمعة.
( )6مسلم ،برقم ، 832وتقدم تخريجه في الشرط الرابع من شروط صحة الجمعة ،وقوله(( :ألفي
صالة :المراد الصلوات الخمس ال الجمعة؛ فإنها أقل من ذلك .انظر :شرح النووي.300/3 ،
صالة الجمعة 565
()1
عنهما أن النبي كان يخطب قائم ًا يوم الجمعة فجاء عير من الشام فانفتل
الناس إليها حتى لم يبق إال اثنا عشر رجالً ،فأنزلت هذه اآلية التي في
وك َق ِائ ًما ُق ْل َما ِع َند اهلل الجمعةَ :و ِإ َذا َرأَ ْوا ِت َج َار ًة أَ ْو لـ َ ْه ًوا ان َف ُّضوا ِإ َل ْي َها َو َت َر ُك َ
ين ،)2(وفي لفظ لمسلم: ِ الت َج َار ِة َواهلل خير ِ
الرازِق َ َ ْ ُ َّ َخ ْي ٌر ّم َن اللهوِ َوم َن ّ
((فابتدرها أصحاب رسول اهلل حتى لم يبق معه إال اثنا عشر رجالً فيهم
أبو بكر وعمر .)3())...وعن أبي عبيدة عن كعب بن عجرة قال :دخل
المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعد ًا ،فقال(( :انظروا إلى هذا
الخبيث يخطب قاعداً وقد قال اهلل تعالىَ :و ِإ َذا َرأَ ْوا ِت َج َار ًة أَ ْو لـ ْه ًوا ان َف ُّضوا
َ ِ ِ ِإ َليها و َتر ُك َ ِ
الت َج َار ِة َواهلل َخير وك َقائ ًما ُق ْل َما ع َند اهلل َخ ْي ٌر ّم َن اللهوِ َوم َن ّ َ َ
ُْ ْ ِ َ ()4
ين. الرازِق َ
َّ
- 2يجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة؛ لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما
قال(( :كان النبي يخطب قائماً ثم يقعد ،ثم يقوم))( ،)5وهذه الجلسة
سنة عند جمهور أهل العلم(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1العير :اإلبل التي تحمل الطعام .شرح النووي على صحيح مسلم.300/3 ،
( )2سورة الجمعة ،اآلية.11 :
( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب الجمعة ،باب إذا نفر الناس عن اإلمام في صالة الجمعة فصالة اإلمام
ومن بقي جائزة ،برقم ،143ومسلم ،كتاب الجمعة ،باب قوله تعالىَ :و ِإ َذا َرأَ ْوا ِت َج َار ًة أَ ْو لـ ْه ًوا ان َف ُّضوا
َ
ين ،برقم .834 ِ
الرازِق َ الت َج َار ِة َواهلل خير
َ ْ ُ َّ
ِ
ند اهلل َخ ْي ٌر ّم َن اللهوِ َوم َن ّ وك َق ِائ ًما ُق ْل َما ِع َ
ِإ َل ْي َها َوتَ َر ُك َ
ِ
وك َقائ ًما ُق ْل َما ِع َند اهلل ( )4مسلم ،كتاب الجمعة،باب قوله تعالىَ :و ِإ َذا َرأ َ ْوا ِت َج َار ًة أَ ْو لـ َ ْه ًوا ان َف ُّضوا ِإ َل ْي َها َو َت َر ُك َ
ين،برقم .833 ِ الت َج َار ِة َواهلل خير ِ
الرازِق َ َ ْ ُ َّ َخ ْي ٌر ّم َن اللهوِ َوم َن ّ
( )5متفق عليه :البخاري ،برقم ،120ومسلم ،برقم ، 831وتقدم تخريجه في الشرط الرابع من
شروط صحة الجمعة.
( )6ذهب اإلمام الشافعي إلى أن خطبة الجمعة ال تصح من القادر على القيام إال قائماً في الخطبتين،
وال يصح حتى يجلس بينهما ،وأن الجمعة ال تصح إال بخطبتين ...وقال أبو حنيفة ومالك
والجمهور :الجلوس بين الخطبتين سنة ليس بواجب وال شرط .شرح النووي على صحيح مسلم،
، 411-418/3وذكر ابن قدامة أن الجلسة بين الخطبتين ليست بواجبة في قول أكثر أهل العلم،
وذكر قول الشافعي بالوجوب .ثم رجح أنها مستحبة؛ ألنه قد سرد الخطبة جماعة منهم :المغيرة
بن شعبة ،وأبي بن كعب ،وعلي؛ وألن جلوس النبي كان لالستراحة فلم تكن واجبة .المغني
البن قدامة.177-173/4 ،
565 صالة الجمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،كتاب الجمعة ،باب تخفيف الصالة والخطبة ،برقم .831
( )2مسلم ،كتاب الجمعة ،باب تخفيف الصالة والخطبة ،برقم .833
( )3النسائي ،كتاب الجمعة ،باب ما يستحب من تقصير الخطبة ،برقم ،1313وصححه األلباني في
صحيح النسائي.323/1 ،
( )4انظر :شرح النووي على صحيح مسلم.302/3 ،
555 صالة الجمعة
((وإن من البيان لسحر ًا)) قيل :من الفهم وذكاء القلب .وقيل فيه تأويالن:
األول:أنه ذم؛ألنه إمالة القلوب وصرفها بمقاطع الكالم إليه حتى يكسب
من اإلثم به كما يكسب بالسحر.
والثاني :أنه مدح؛ ألن اهلل تعالى امتن على عباده بتعليمهم البيان،
وشبهه بالسحر ،لميل القلوب إليه وأصل السحر :الصرف :فالبيان
يصرف القلوب ويميلها إلى ما تدعو إليه ،واختار اإلمام النووي رحمه
اهلل أن هذا هو الصحيح(.)1
وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يذكر أن قوله(( :إن من البيان
لسحر ًا)) على معنيين :إن استخدم في الحق وبيانه وإيضاحه فهو محمود
وحالل ،وإن استخدم في رد الحق وتزيين الباطل فهو مذموم ال يجوز.
وفي تقصير الخطبة ثالث فوائد:ال يحصل الملل للسامعين ،وأوعى للسامع فيحفظ
ما سمع،وفي ذلك اتباع السنة(.)2
- 8يرفع صوته حسب طاقته ويفخم أمر الخطبة ويظهر غاية غضبه
على حسب نوع الخطبة ،ويجزل كالمه؛ لحديث جابر قال(( :كان
ه،واشتد غضبه حتى
ّ صوت
ُ رسول اهلل إذا خطب احمرت عيناه،وعال
ُ َّ
كأنه منذر جيش.)3())...قال اإلمام النووي رحمه اهلل تعالى((:يستدل بهذا
يفخم أمر الخطب،ويرفع صوته ،ويجزل على أنه يستحب للخطيب أن ّ
كالمه،ويكون مطابقاً للفصل الذي يتكلم فيه:من ترغيب أو ترهيب))(.)4
- 1يستحب أن يؤذن المؤذن إذا جلس اإلمام على المنبر ،لحديث
السائب بن يزيد قال :كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس اإلمام
على المنبر على عهد النبي ،وأبي بكر ،وعمر رضي اهلل عنهما ،فلما كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :شرح النووي على صحيح مسلم.308-302/3 ،
( )2انظر :الشرح الممتع البن عثيمين.83/2 ،
( )3مسلم ،برقم ،837وتقدم تخريجه في الشرط الرابع من شروط صحة الخطبة.
( )4شرح النووي على صحيح مسلم.303-302/3 ،
صالة الجمعة 555
()1
. )) عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء
- 10ال يرفع يديه على المنبر في الدعاء بل يشير بإصبعه وال يحرك
يديه عند االنفعال؛ لحديث حصين عن عمارة بن رؤيبة قال((:رأى بشر
بن مروان على المنبر رافعاً يديه،فقال:قبح اهلل هاتين اليدين،لقد رأيت
رسول اهلل ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ،وأشار بإصبعه
المسبحة))(.)2
ولفظ الترمذي(( :عن حصين قال :سمعت عمارة بن رؤيبة الثقفي
وبشر بن مروان يخطب فرفع يديه في الدعاء ،فقال عمارة :قبح اهلل
هاتين اليدين القصيرتين ،لقد رأيت رسول اهلل وما يزيد على أن
يقول :هكذا -وأشار هشيم بالسبابة))(.)3
بن مروان وهو يدعو
بشر َ
بن رؤيبة َ
داود(( :رأى عمار ُة ُ وفي لفظ أبي
في يوم الجمعة.)4())...
قال اإلمام النووي رحمه اهلل((:هذا فيه أن السنة أن ال يرفع اليد في
الخطبة وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم،وحكى القاضي عن بعض
السلف وبعض المالكية إباحته؛ألن النبي رفع يديه في خطبة الجمعة
حين استسقى(.)5وأجاب األولون بأن هذا الرفع كان لعارض))( .)6قلت:
وهو أنه دعا لالستسقاء ،فعن أنس :أن رسول اهلل كان ال يرفع
يديه في شيء من دعائه إال في االستسقاء ،فإنه كان يرفع يديه حتى يُرى
بياض إبطيه))( ،)7فال يرفع اإلمام وال المأموم اليدين في الدعاء أثناء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري،برقم ،113 ،112 ،114 ،112وتقدم تخريجه في آداب الجمعة،رقم .24
( )2مسلم ،كتاب الجمعة ،باب تخفيف الصالة والخطبة ،برقم .873
( )3الترمذي ،كتاب الجمعة ،باب كراهية رفع األيدي على المنبر ،برقم .212
( )4أبو داود ،كتاب الصالة،باب رفع اليدين على المنبر،برقم ،1103وأحمد.143/3،
( )5البخاري ،برقم ،1021ومسلم ،برقم ،817وتقدم تخريجه.
( )6شرح النووي على صحيح مسلم.311/3 ،
( )7متفق عليه :البخاري ،كتاب االستسقاء ،باب رفع اإلمام يده في االستسقاء ،برقم ،1041وكتاب
=
555 صالة الجمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
المناقب ،باب صفة النبي ،برقم ، 4232ومسلم ،كتاب االستسقاء ،باب رفع اليدين بالدعاء في
االستسقاء ،برقم .812
( )1شرح النووي على صحيح مسلم،332/3،وانظر:فتح الباري البن حجر.217/2،
صالة الجمعة 555
()1
النوافل فال حرج كالدعاء بعد صالة االستخارة وغيرها .
- 11يخطب مترسالً معرباً من غير عجلة وال تمطيط؛ألنه أبلغ وأحسن؛
العاد
ُّ عده
يحدث حديثاً لو ّ ّ حديث عائشة رضي اهلل عنها أن النبي (( كان
ألحصاه)).وفي لفظ للبخاري((:إن رسول اهلل لم يكن يسرد الحديث
العاد كلماته،أو مفرداته،أو حروفه ألطاق ذلك
ّ كسردكم))(.)2والمعنى:لو عد
وبلغ آخرها،والمراد بذلك المبالغة في الترتيل،والتفهيم( ،)3وقوله(( :لم يكن
يسرد الحديث كسردكم)) أي لم يكن يتابع الحديث استعجاالً بعضه إثر
بعض؛ لئال يلتبس على المستمع،إنما كان حديث رسول اهلل :فصالً،
فهم ًا ،تفهمه القلوب،واعتذر عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية ،كثير
المحفوظ ،فكان ال يتمكن من المهل عند إرادة التحديث ،كما قال بعض
البلغاء :أريد أن أقتصر فتتزاحم القوافي على ِفي(.)4
َّ
فالسنة للخطيب أن ال يُكثر الحديث؛ لئال يمل الناس ،وال يستعجل
في المتابعة بل يتثبت ويتأنّى(.)5
- 12يقصد تلقاء وجهه؛ألن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراض ًا عن
الجانب اآلخر ،ويذكر أن النبي كان يفعل ذلك يخطب مستقبل
المأمومين،ونقل عن ابن المنذر أنه قال:هذا كاإلجماع،وقال النووي:ال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سمعت شيخنا ابن باز رحمه اهلل يذكر أثناء تقريره على صحيح البخاري ،الحديث رقم 3431أن
األصل في الدعاء رفع اليدين إال المواطن التي لم يرفع فيها النبي وقد وجدت أسباب الرفع
فلم يرفع فنحن ال نرفع.
وذكر العالمة ابن عثيمين أنه ال يحرك الخطيب يديه عند االنفعال.الشرح الممتع.82/2،
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب المناقب ،باب صفة النبي ،برقم ،4238 ،4237ومسلم ،كتاب
فضائل الصحابة ،باب من فضائل أبي هريرة الدوسي ،برقم )2314(-130وكتاب الزهد،
باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم ،برقم .)2314(-71
( )3انظر :فتح الباري ،البن حجر.271-278/3 ،
( )4فتح الباري ،البن حجر.271-278/3 ،
( )5انظر :شرح النووي ،287/13 ،و ،441/18والكافي البن قدامة.314/1 ،
550 صالة الجمعة
يلتفت يمين ًا وال شماالً ،قال ابن حجر :ألن ذلك بدعة( ،)1وأما
المأمومون فإنهم ينحرفون إلى اإلمام ويستقبلونه بوجوههم؛لحديث ابن
مسعود (( :كان رسول اهلل إذا استوى على المنبر استقبلناه
بوجوهنا))()2؛ ولحديث ثابت (( :كان النبي إذا قام على المنبر
استقبله أصحابه بوجوههم))(.)3
- 14يدعو للمسلمين؛ألن الدعاء لهم مسنون في غير الخطبة،ففيها أولى،
وإن دعا للسلطان فحسن؛ألن صالحه نفع للمسلمين،فالدعاء له دعاء لهم(.)4
الثـــاني عشـــر :صـــفة صـــالة الجمعـــة :صـــالة الجمعـــة ركعتـــان بـــالنص
وبإجماع المسلمين،فعن عمر بن الخطـاب قـال((:صـالة الجمعـة ركعتـان،
وصالة الفطر ركعتان ،وصـالة األضـحى ركعتان،وصـالة السـفر ركعتان،تمـام
غير قصر علـى لسـان محمـد .)5())وقـال اإلمـام ابـن المنـذر((:وأجمعـوا علـى
أن صـالة الجمعــة ركعتـان،وأجمعوا علــى أن مـن فاتتـه الجمعـة مــن المقيمــين
أن يصلوا أربعاً))(،)6إذا فـرغ اإلمـام مـن خطبـة الجمعـة نـزل وأخـذ المـؤذن فـي
اإلقامة،ثم أمر اإلمام بتسوية الصفوف،ثم صلى ركعتين يجهر فيهمـا بـالقراءة،
ويســتحب أن يقــرأ فــي الركعــة األولــى بســورة ((الجمعــة)) وفــي الركعــة الثانيــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1نقالً عن حاشية ابن قاسم على الروض المربع ،323/2 ،وانظر :الشرح الكبير ،230/2 ،والمغني
البن قدامة ،171/4 ،والكافي.312/1 ،
( )2الترمذي ،برقم ،201وتقدم تخريجه في آداب الجمعة برقم .3
( )3ابن ماجه ،برقم ،1143وتقدم تخريجه في آداب الجمعة برقم .3
( )4الكافي البن قدامة ،313/1 ،والشرح الكبير ، 234/2 ،وحاشية ابن قاسم على الروض المربع،
والشرح الممتع ،وكأنه توقف عن السنية حتى يأتي الدليل ،وبين بأنه إذا لم يكن دليل فهو جائز.
الشرح الممتع.87/2 ،
( )5النسائي ،كتاب الجمعة ،باب عدد صالة الجمعة ،برقم ،1311وكتاب تقصير الصالة في السفر،
برقم ، 1241وابن ماجه ،كتاب إقامة الصلوات ،باب تقصير الصالة ،برقم ،1033 ،1034
وأحمد ، 47/1 ،وصححه األلباني في صحيح النسائي ،333 ،327/1 ،وفي صحيح ابن ماجه،
،412/1وفي إرواء الغليل ،102/4 ،برقم .348
( )6اإلجماع البن المنذر ،ص ،32برقم ، 74وانظر :الشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف،238/2 ،
وحاشية ابن قاسم على الروض المربع ،330/2 ،والشرح الممتع البن عثيمين.88/2 ،
صالة الجمعة 556
()3 ()2 ()1
كـل )) أو ((بالجمعـة والغاشـية )) بسورة ((المنـافقون)) ،أو ((بسـبح والغاشـية
ذلك ثبت عن النبي .)4(
ومن أدرك مع اإلمام منها ركعة بركوعها وسجدتيها أضاف إليها ركعة
أخرى ،وكانت له جمعة ،ومن أدرك مع اإلمام أقل من ركعة دخل معه
بنية الظهر وأتمها ظهراً إذا كان قد دخل وقت الظهر؛ لحديث أبي هريرة
أن رسول اهلل قال(( :من أدرك ركعة من الصالة فقد أدرك
الصالة))()5؛ولحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال:قال رسول اهلل (( :من
أدرك ركعة من صالة الجمعة أو غيرها فقد أدرك الصالة)).ولفظ
النسائي((:من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فلقد تمت صالته)).وفي
لفظ للنسائي أيض ًا((:من أدرك ركعة من صالة من الصلوات فقد أدركها،
يقضي ما فاته)).ولفظ الدارقطني((:من أدرك ركعة من صالة الجمعة وغيرها
فليضف إليها أخرى وقد تمت صالته))( .)6وتدرك الركعة بإدراك ركوعها
مع اإلمام قبل أن يرفع،وهذا هو الصواب وباهلل التوفيق(.)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،برقم ،877وتقدم تخريجه في آداب الجمعة برقم .11
( )2مسلم ،برقم ،877وتقدم تخريجه في آداب الجمعة برقم .11
( )3رواية لمسلم ،برقم .)878( 34
( )4انظر :الشرح الكبير ،البن قدامة،231/2،وحاشية ابن قاسم على الروض.330/2،
( )5متفق عليه:البخاري،برقم ،280ومسلم،برقم ،307وتقدم تخريجه في صالة الجماعة.
( )6ابن ماجه،كتاب إقامة الصلوات،باب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة،برقم ،1124والنسائي،كتاب
المواقيت،باب من أدركه من الصالة،برقم ،227 ،223والدارقطني،12/2،برقم ،12وصححه األلباني
في إرواء الغليل،83/4،برقم .322
( )7قال اإلمام ابن قدامة(( :أكثر أهل العلم يرون أن من أدرك ركعة من الجمعة مع اإلمام فهو مدرك
لها ويضيف إليها أخرى ،ويجزئه ،وهذا قول اب ن مسعود ،وابن عمر ،وأنس ،وسعيد بن المسيب،
والحسن ،وعلقمة ،واألسود ،وعروة ،والزهري ،والنخعي ،ومالك ،والشافعي ،والثوري،
وإسحاق ،وأبي ثور ،وأصحاب الرأي ،وقال :عطاء ،وطاوس ،ومجاهد ،ومكحول :من لم يدرك
الخطبة صلى أربعاً؛ ألن الخطبة شرط للجمعة فال تكون جمعة في حق من لم يوجد في حقه
شرطها)) ثم رجح ابن قدامة رحمه اهلل :أن من أدرك ركعة فقد أدرك الصالة ،وألنه قول من سمينا
من الصحابة وال مخالف لهم في عصرهم [المغني البن قدامة ]183-184/4 ،وانظر :الشرح
الكبير البن قدامة ،203-203/2 ،والشرح الممتع.32-31/2 ،
555 صالة الجمعة
قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل تعالى(( :أما من أدرك أقل من ركعة،
فإنه ال يكون مدركاً للجمعة ويصلي ظهراً أربعاً))(.)1
والسنة أن يصلي بعد الجمعة أربع ركعات في بيته ،وإن صالها في
المسجد فال بأس ،وإن صلى ركعتين فال بأس؛ لحديث ابن عمر رضي اهلل
عنهما ( ،)2ولكن األفضل أن يصلي أربع ًا؛ لحديث أبي هريرة )3(واهلل
الموفق(.)4
وصلى اهلل وسلم،وبارك على عبده ورسوله،نبينا محمد بن عبد اهلل وعلى
آله وأصحابه ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني البن قدامة.183/4 ،
( )2البخاري ،برقم ،182وتقدم تخريجه في صالة التطوع.
( )3مسلم ،برقم ،881وتقدم تخريجه في صالة التطوع.
( )4تقدم الكالم عن سنة الجمعة بعدها في آداب الجمعة ،برقم .23
صالة العيدين 555
المبحث الحادي والثالثون :صالة العيدين
العيد:كل يوم فيه جمع،والعيد:ما عاد عليك، أوالً :مفهوم العيدينُ :
ويقال :عيدوا :شهدوا العيد .واشتقاقه من عاد يعود،كأنهم عادوا إليه،
َّ
وقيل اشتقاقه من العادة؛ ألنهم اعتادوه،والجمع:أعياد،ويقال :عيد
َّ
المسلمون :شهدوا عيدهم،قال األزهري((:العيد عند العرب:الوقت الذي
يعود فيه الفرح والحزن)).وقال ابن األعرابي((:سمي العيد عيداً؛ ألنه
مجدد))(.)1قال اإلمام النووي رحمه اهلل((:قالوا:
َّ يعود كل سنة بفرح
وسمي عيداً،لعوده،وتكرره،وقيل:لعود السرور فيه،وقيل:تفاؤالً بعوده
على من أدركه،كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤالً لقفولها سالمة،
وهو رجوعها وحقيقتها الراجعة))(.)2وقيل :سمي عيداً؛لكثرة عوائد اهلل
تعالى على عباده في ذلك اليوم؛ألن له عوائد اإلحسان على عباده في
ذلك اليوم كل عام(.)3
سارة ،أو إعادة االحتفال
َّ واصطالحاً :العيد :جمع أعياد :يوم االحتفال بذكرى
بذكرى سارة وأحد العيدين :يوم الفطر ،واآلخر يوم األضحى( ،)4والمسلمون لهم
ثالثة أعياد ال رابع لها :عيد الفطر ،وعيد األضحى ،ويوم الجمعة(.)5
ثانياً :األصل في صالة العيدين:الكتاب،والسنة ،واإلجماع:
-1أما الكتاب فقول اهلل تعالىَ :ف َص ّل ِلربّ َك َوا ْن َحر .)6(والمشهور في
ْ َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1لسان العرب البن منظور ،باب الدال ،فصل العين ،411-417/14 ،وانظر :القاموس المحيط
للفيروزآبادي ،ص. 483
( )2شرح النووي على صحيح مسلم. 321/3 ،
( )3انظر :اإلعالم بفوائد عمدة األحكام ،البن الملقن ،112/3 ،،وحاشية الروض المربع ،البن
قاسم. 312/2 ،
رواس ،ص. 213 ( )4معجم لغة الفقهاء ،للدكتور محمد َّ
( )5فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء. 417/8 ،
( )6سورة الكوثر ،اآلية. 2 :
صالة العيدين
555
التفسير أن المراد بذلك صالة العيد(.)1
- 2وأما السنة ،فثبت بالتواتر أن رسول اهلل كان يُص ّلي صالة
العيدين( ،)2فعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال(( :شهدت العيد مع رسول اهلل
،وأبي بكر ،وعمر ،وعثمان ،فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة))(.)3
وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال(( :كان رسول اهلل ،وأبو بكر ،وعمر رضي اهلل
عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة))(.)4
- 4وأما اإلجماع ،فأجمع المسلمون على صالة العيدين(.)5
ثالثــــاً :حكــــم صــــالة العيــــدين :قيــــل :صــــالة العيــــد فــــرض كفايــــة،
()6
ـــل
والصـــواب أن صـــالة العيـــد فـــرض عـــين ؛ لقـــول اهلل تعـــالىَ :ف َص ّ
ِلر ّبـــــــ َك َوا ْن َحـــــــر)7(؛ ولحـــــــديث أم عطيـــــــة قالـــــــت :أمرنـــــــا -تعنـــــــي
()8 َ
النبـــــــــــي - أن نُخـــــــــــرج فـــــــــــي العيـــــــــــدين :العواتـــــــــــق ،وذوات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني البن قدامة. 224/4 ،
( )2المرجع السابق. 224/4 ،
( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب العيدين ،باب الخطبة بعد العيد ،برقم . 132
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب العيدين ،باب الخطبة بعد العيد ،برقم. 134
( )5المغني البن قدامة. 224/2 ،
( )6اختلف العلماء رحمهم اهلل في حكم صالة العيد على ثالثة أقوال:
أ -ظاهر مذهب اإلمام أحمد أن صالة العيد فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين.
ب -مذهب اإلمام أبي حنيفة و رواية عن اإلمام أحمد أن صالة العيد فرض عين.
ج -وقال ابن أبي موسى :قيل :إنها سنة مؤكدة غير واجبة ،وبه قال اإلمام مالك ،وأكثر أصحاب
اإلمام الشافعي؛ لقول رسول اهلل لألعرابي حين ذكر خمس صلوات ،قال :هل علي غيرهن؟
ّ
قال( :ال ،إال أن تطوع) [البخاري ،برقم ،2378ومسلم ،برقم .]11
انظر :المغني البن قدامة ،223-224/4 ،والشرح الكبير ،413/2 ،وحاشية ابن قاسم على
الروض المربع ،314/2 ،واإلعالم بفوائد عمدة األحكام ،البن الملقن ،113/3 ،وشرح النووي
على صحيح مسلم.328/3 ،
( )7سورة الكوثر ،اآلية. 2 :
( )8العواتق :جمع عاتق ،وهي الجارية البالغة ،وقيل :التي قاربت البلوغ ،وقيل :هي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس
ما لم تتزوج ،والتعنيس طول المقام في بيت أبيها بال زوج حتى تطعن في السن ،وقالوا :سميت عاتقاً؛ ألنها
عتقت من امتهانها في الخدمة والخروج في الحوائج .شرح النووي على صحيح مسلم.328/3 ،
صالة العيدين 555
()2 ()1
الخــدور ،وأمــر الح ـيض أن يعتــزلن مصــلى المســلمين ،وممــا يؤكــد
َّ
فرضــيتها ،وأنهــا واجبــة علــى األعيــان :أن النبــي واظــب عليهــا ،وقــد
السير أن أول صـالة صـالها رسـول اهلل يـوم عيـد الفطـر فـي اشتهر في ّ
السنة الثانية للهجرة ،ولم يزل يواظب عليهـا حتـى فـارق الـدنيا ،صـلوات
اهلل وسالمه عليه ،وواظب عليها الخلفـاء بعـد النبـي ،وهـي مـن أعـالم
الدين وشعائره الظاهرة ،وهذا كله يؤيد الوجوب(.)3
قال العالمة السعدي رحمه اهلل (( :والصحيح أن صالة العيد فرض
عين ،والدليل الذي استدلوا به على فرض الكفاية هو دليل على أنها
فرض عين؛ وألن النبي كان يُحرض عليها حتى يأمر بإخراج العواتق
ّ
وذوات الخدور ،وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى ،ولوال رجحان
َّ
الحض عليها،
ّ يحض أمته هذا
َّ مصلحتها على كثير من الواجبات لم
()4
فدل على أنها من آكد فروض األعيان)) .
وقال شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل((:صالة
العيد فرض كفاية عند كثير من أهل العلم ويجوز التخلف من بعض
األفراد عنها،لكن حضوره لها ومشاركته إلخوانه المسلمين سنة مؤكدة ال
ينبغي تركها إال لعذر شرعي.وذهب بعض أهل العلم إلى أن صالة العيد
فرض عين:كصالة الجمعة،فال يجوز ألي مكلف من الرجال األحرار
المستوطنين أن يتخلف عنها،وهذا القول أظهر في األدلة وأقرب إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ذوات الخدور:وهن األبكار،والخدور:البيوت،وقيل :الخدر:ستر يكون في ناحية البيت.شرح النووي على
صحيح مسلم،328/3،وانظر:اإلعالم البن الملقن.220/3،
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب العيدين ،باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد ،برقم ،180ومسلم،،
كتاب صالة العيدين ،باب إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات
للرجال ،برقم.810
( )3انظر :المغني البن قدامة ،223/4 ،وحاشية ابن قاسم على الروض المربع ،314/2 ،والشرح
الممتع البن عثيمين.122-121/2 ،
( )4المختارات الجلية من المسائل الفقهية ،ص. 72
صالة العيدين
555
الصواب،ويسن للنساء حضورها مع العناية بالحجاب والستر ،وعدم
التطيب))(،)1وقال العالمة محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل في ُّ
القول:إن صالة العيد فرض عين((:وهذا عندي أقرب األقوال))( ،)2واختار
شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل تعالى القول بأن صالة العيد فرض
عين( ،)3وقال رحمه اهلل …(( :ولهذا رجحنا أن صالة العيد واجبة على
األعيان كقول أبي حنيفة وغيره ،وهو أحد أقوال الشافعي وأحد القولين
في مذهب أحمد))( ،)4واختاره تلميذه اإلمام ابن القيم رحمه اهلل(.)5
رابعاً :آداب صالة العيد على النحو اآلتي:
- 1الغسل يوم العيد ،ثبت من فعل الصحابة ،فعن نافع أن عبد
اهلل بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى(.)6
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول:
((لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبي ،))وقال العالمة محمد
ناصر الدين األلباني رحمه اهلل(( :وأحسن ما يستدل به على استحباب
االغتسال للعيدين ،ما روى البيهقي من طريق الشافعي عن زاذان ،قال:
سأل رجل علياً عن الغسل؟ قال(( :اغتسل كل يوم إن شئت)) فقال :ال،
َّ
الغسل الذي هو الغسل؟ قال(( :يوم الجمعة ،ويوم عرفة( ،)7ويوم النحر،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مجموع الفتاوى،7/14 ،وقرره رحمه اهلل أثناء تقريره على بلوغ المرام،الحديث رقم . 214
( )2الشرح الممتع. 122-121/2 ،
( )3االختيارات العلمية من االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،ص. 124
( )4مجموع الفتاوى البن تيمية. 131/24 ،
( )5كتاب الصالة لإلمام ابن القيم ،ص ،11وانظر :فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء،
. 283/8
( )6أخرجه مالك في الموطأ ،كتاب العيدين ،باب العمل في غسل العيدين ،والنداء فيهما واإلقامة،
برقم ،2وانظر :آثار ًا نقلت في وقفات للصائمين ،للشيخ سليمان بن فهد العودة ،ص. 17
( )7أي يوم عرفة للحاج.
صالة العيدين 555
()1
ويوم الفطر)) .وعن سعيد بن المسيب أنه قال(( :سنة الفطر ثالث:
المشي إلى المصلى ،واألكل قبل الخروج ،واالغتسال))(.)2
قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل((:يستحب أن يتطهر بالغسل للعيد ،وكان
ابن عمر يغتسل يوم الفطر،وروي ذلك عن علي ،وبه قال :علقمة،
وعروة،وعطاء،والنخعي،والشعبي،وقتادة،وأبو الزناد ،ومالك ،والشافعي،
وابن المنذر…))(،)3وقال ابن قدامة أيض ًا(( :وروي أيض ًا أن النبي قال
في جمعة من الجمع((:إن هذا يوم عيد جعله اهلل للمسلمين ،فمن جاء إلى
فليمس منه،وعليكم بالسواك))(،)4فلعل َّ طيب
ٌ الجمعة فليغتسل،وإن كان
هذه األشياء بكون الجمعة عيداً؛وألنه يوم يجتمع الناس فيه للصالة
فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة،وإن اقتصر على الوضوء أجزأه؛ألنه إذا
لم يجب الغسل للجمعة مع األمر به فيها فغيرها أولى))(.)5
- 2يستحب أن يتنظف ،ويتطيب ،ويتسوك ،كما ذكر في الجمعة؛
فليمس منه
َّ لحديث ابن عباس المذكور آنفاً ،وفيه(( :وإن كان طيب
وعليكم بالسواك))(.)6
- 4يلبس أحسن ما يجد؛ لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما قال :أخذ عمر
جبة( )7من إستبرق( )8تباع في السوق ،فأخذها فأتى رسول اهلل فقال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1قال في إرواء الغليل(( :177/1 ،وسنده صحيح)) أي موقوف على علي .
( )2قال األلباني في إرواء الغليل(( :103/4 ،رواه الفريابي وإسناده صحيح)).
( )3المغني البن قدامة. 223/4 ،
( )4ابن ماجه ،كتاب إقامة الصالة ،باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة،برقم ،1018من حديث ابن
عباس رضي اهلل عنهما،وحسنه األلباني في صحيح سنن ابن ماجه. 423/1،
( )5المغني البن قدامة ،227/4 ،وانظر :زاد المعاد البن القيم. 332/1 ،
( )6الحديث تقدم تخريجه في الذي قبله ،وانظر :المغني البن قدامة. 227/4 ،
ب وجباب .القاموس المحيط ،ص. 84 جب ٌ ( )7جبة :ثوب جمعه:
َ
( )8إستبرق :هو ما غلظ من الديباج ،والديباج :هي الثياب المتخذة من إبريسم .هدي الساري مقدمة
فتح الباري البن حجر ،ص ،78وص. 113
صالة العيدين
555
فتجمل بها للعيد والوفود ،فقال له رسول اهلل : َّ يا رسول اهلل ابتع هذه
الق( )1له))( ،)2قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل
((إنما هذه لباس من ال َخ َ
التجمل عندهم في هذه المواضع كان ُّ تعالى(( :وهذا يدل على أن
مشهوراً… وقال مالك :سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في
كل عيد ،واإلمام بذلك أحق؛ ألنه المنظور إليه من بينهم))( .)3وقال
الحافظ ابن حجر رحمه اهلل(( :روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد
صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين))( ،)4وقال
اإلمام ابن القيم رحمه اهلل((:وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه،
فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة ،ومرة كان يلبس ُبردين
أخضرين( ،)5ومرة ُبرداً أحمر ،وليس هو أحمر ُمصمتاً( )6كما يظنه بعض
الناس ،فإنه لو كان كذلك لم يكن برد ًا،وإنما فيه خطوط حمر كالبرود
اليمنية فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك…))(.)7
- 3يستحب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى في عيد الفطر تمرات،
واألفضل أن تكون وتر ًا ،أما عيد األضحى فاألفضل أن ال يأكل حتى يرجع
من المصلى ،فيأكل من أضحيته( ،)8فعن أنس قال((:كان رسول اهلل ال
يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات،ويأكلهن وتر ًا))(.)9
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1من ال خالق لـه،الخالق:النصيب.تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي،ص. 32
باب :في العيدين والتجمل فيه ،برقم ،138ومسلم ،كتاب
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب العيدينٌ ،
اللباس ،باب تحريم لبس الحرير وغير ذلك للرجال ،برقم . 2038
( )3المغني البن قدامة. 228-227/4 ،
( )4فتح الباري. 341/2 ،
رد :ثوب مخطط ،القاموس المحيط ،ص. 431 الب ُ ()5
ُ
( )6مصمتاً :الثوب المصمت:هو الذي ال يخالط لونه لون.القاموس المحيط ،ص. 111
( )7زاد المعاد. 331/1 ،
( )8زاد المعاد. 331/1 ،
( )9البخاري ،كتاب العيدين ،باب األكل يوم الفطر قبل الخروج ،برقم . 124
صالة العيدين 555
وعن بريدة قال(( :كان النبي ال يخرج يوم الفطر حتى يطعم،
وال يطعم يوم األضحى حتى يصلي))( ،)1وقد قيل :الحكمة في األكل
قبل صالة الفطر :أن ال يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد ،فكأنه
أراد سد هذه الذريعة ،وقيل :لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب
الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر اهلل تعالى ،ويشعر
بذلك اقتصاره على القليل من ذلك ،ولو كان لغير االمتثال ألكل قدر
الشبع ،وقيل :ألن الشيطان الذي يُحبس في رمضان ال يطلق إال بعد
صالة العيد ،فاستحب تعجيل الفطر ِبداراً إلى السالمة من وسوسته،
وقيل :وقع أكله في كل من العيدين في الوقت المشروع إلخراج
الغدو إلى المصلى،
ّ صدقتهما الخاصة بهما ،فإخراج صدقة الفطر قبل
وإخراج صدقة األضحية بعد ذبحها ،فاجتمعا من جهة وافترقا من جهة
أخرى( ،)2وذكر ابن قدامة رحمه اهلل أن الحكمة من اإلفطار يوم الفطر؛
ألن يوم الفطر حرم فيه الصيام عقب وجوبه فاستحب تعجيل الفطر؛
إلظهار المبادرة إلى طاعة اهلل تعالى ،وامتثال أمره في الفطر على خالف
العادة ،واألضحى بخالفه؛ وألن في األضحى شرع األضحية ،واألكل
منها ،فاستحب أن يكون فطره على شيء منها(.)3
- 2يخرج إلى العيد ماشياً وعليه السكينة والوقار ،قال اإلمام ابن
قدامة رحمه اهلل(( :وممن استحب المشي :عمر بن عبد العزيز،
والنخعي ،والثوري ،والشافعي وغيرهم))( ،)4وقد جاء في ذلك أخبار:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الترمذي ،كتاب الجمعة ،باب ما جاء في األكل يوم الفطر قبل الخروج ،برقم ،232وابن ماجه،
كتاب الصيام ،باب في األكل يوم الفطر قبل أن يخرج ،برقم ،1723وصححه األلباني في صحيح
الترمذي. 402/1 ،
( )2انظر جميع هذه الحكم :فتح الباري البن حجر. 338 ،337/2 ،
( )3انظر :المغني البن قدامة. 221/4 ،
( )4المغني. 232/4 ،
صالة العيدين
550
فعن سعد أن النبي (( كان يخرج إلى العيد ماشي ًا ويرجع ماشي ًا))(،)1
وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال(( :كان رسول اهلل يخرج إلى العيد ماشياً
ويرجع ماشي ًا))(.)2
وعن علي قال((:من السنة أن تخرج إلى العيد ماشي ًا…))(،)3قال اإلمام
الترمذي رحمه اهلل((:والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم:
يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشي ًا،وأن يأكل شيئ ًا قبل أن يخرج
لصالة الفطر ،ويستحب أن ال يركب إال من عذر))( ،)4وعن أبي رافع
أن رسول اهلل كان يأتي العيد ماشي ًا))( ،)5وعن سعيد بن المسيب أنه
قال(( :سنة الفطر ثالث :المشي إلى الصالة،واألكل قبل الخروج،
واالغتسال))(.)6
- 3السنة أن تُص َّلى صالة العيدين في المصلى ،وال يُصلى في
المسجد إال لحاجة؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال(( :كان النبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن ماجه ،كتاب إقامة الصلوات ،باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشياً ،برقم ،1213وحسنه
األلباني في صحيح ابن ماجه. 488/1 ،
( )2ابن ماجه ،كتاب إقامة الصلوات ،باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشياً ،برقم ،1212وحسنه
األلباني في صحيح ابن ماجه. 488/1 ،
( )3الترمذي،كتاب الجمعة،باب ما جاء في المشي يوم العيد،برقم ،240وابن ماجه،كتاب إقامة
الصلوات،باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشي ًا،برقم،1213وحسنه األلباني في صحيح الترمذي،
،213/1وفي صحيح ابن ماجه،488/1،وقد حسنه الترمذي،وذكر األلباني في اإلرواء :104/4 ،أن له
شواهد كثيرة أخرجها ابن ماجه من حديث سعد القرظي،وابن عمر،وأبي رافع،وقد ذكرتها في المتن.
( )4الترمذي ،كتاب الجمعة ،باب ما جاء في المشي يوم العيد ،بعد الحديث رقم. 240
( )5ابن ماجه ،كتاب إقامة الصالة ،باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشياً ،برقم ،1217وحسنه
األلباني في صحيح ابن ماجه.481/1 ،
( )6ذكره األلباني في إرواء الغليل ،103/4 ،وعزاه إلى الفريابي ،وقال(( :وإسناده صحيح)) ،وذكر
األلباني أيضاً في اإلرواء 104/4عن الزهري مرسالً(( :أن رسول اهلل لم يركب في جنازة
قط،وال في خروج أضحى وال فطر))،ثم قال األلباني رحمه اهلل(( :وهذا سند صحيح رجاله كلهم
ثقات ولكنه مرسل)) إرواء الغليل. 103/4،
صالة العيدين 556
()1
يخرج يوم الفطر واألضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصالة)) ،
والمصلى بالمدينة قال عنه الحافظ ابن حجر رحمه اهلل(( :هو موضع
بالمدينة معروف بينه وبين باب المسجد ألف ذراع ،قاله عمر بن شبة
في أخبار المدينة ،عن أبي غسان الكناني صاحب مالك))(.)2
وقال اإلمام النووي رحمه اهلل عن حديث أبي سعيد (( :هذا دليل
لمن قال باستحباب الخروج لصالة العيد إلى المصلى وأنه أفضل من
فعلها في المسجد ،وعلى هذا عمل الناس في معظم األمصار ،وأما أهل
مكة فال يصلونها إال في المسجد من الزمن األول))( .)3قال العالمة ابن
الحاج المالكي(( :والسنة الماضية في صالة العيدين أن تكون في
المصلى؛ ألن النبي قال(( :صالة في مسجدي هذا خير من ألف
صالة فيما سواه إال المسجد الحرام))( ،)4ثم هو مع هذه الفضيلة
العظيمة خرج وتركه( ،)5وقال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل تعالى:
((السنة أن يُص َّلى العيد في المصلى ،أمر بذلك علي ،واستحسنه
األوزاعي ،وأصحاب الرأي ،وهو قول ابن المنذر))( ،)6وقال رحمه اهلل
بعد أن ذكر بعض األقوال المخالفة(( :ولنا أن النبي كان يخرج إلى
المصلى ويدع مسجده،وكذلك الخلفاء بعده وال يترك النبي األفضل
مع قربه،ويتكلف الناقص مع بعده ،وال يشرع ألمته ترك الفضائل؛وألننا قد
أُمرنا باتباع النبي ،واالقتداء به،وال يجوز أن يكون المأمور به هو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب العيدين ،باب الخروج إلى المصلى بغير منبر ،برقم ،123ومسلم،
كتاب صالة العيدين ،باب كتاب صالة العيدين ،برقم . 881
( )2فتح الباري. 331/2 ،
( )3شرح النووي على صحيح مسلم.327/3 ،
( )4متفق عليه:البخاري،كتاب فضل الصالة في مسجد مكة والمدينة،باب فضل الصالة في مسجد مكة
والمدينة،برقم ،1110ومسلم،كتاب الحج،باب فضل الصالة بمسجدي مكة والمدينة ،برقم .1413
( )5المدخل 284/2 ،نقالً عن أحكام العيدين في السنة المطهرة ،للشيخ علي بن حسن عبد الحميد
الحلبي األثري.
( )6المغني.230/4 ،
صالة العيدين
555
الناقص والمنهي عنه هو الكامل،ولم ينقل عن النبي أنه ص ّلى العيد
بمسجده إال من عذر؛وألن هذا إجماع المسلمين))(.)1
وإن حصل عذر يمنع الخروج إلى المصلى :من مطر ،أو خوف،أو
ضعف،أو مرض ،أو غير ذلك صلى في المسجد وال حرج عليه إن شاء
اهلل تعالى(.)2وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول((:فإذا أصاب
األرض دحض صلوا في المسجد،أما مكة فيصلى العيد في المسجد
مطلقاً،ومن صلى في المسجد صلى تحية المسجد))(.)3
- 7السنة أن يذهب إلى المصلى من طريق ويرجع من طريق آخر؛
لحديث جابر قال(( :كان النبي إذا كان يوم عيد خالف الطريق))(.)4
وأعظم الحكم التي يعتمدها المسلم :متابعة النبي ،وهذه الحكمة
أعلى حكمة يقنع بها المؤمن :أن يقال :هذا أمر اهلل ورسوله ،ودليل
()5
ان َل ُكم ِفي رس ِ
ول اهلل أ ُ ْس َوةٌ َح َس َن ٌة لّ َمن ك د ق ل
َ : ذلك قول اهلل تعالى
َ(ُ)6 َْ َ َ ْ
اآلخر َو َذ َكر اهلل َك ِثيرا ، وقول اهلل تعالىَ :و َما ان يرجو اهلل وا ْليوم ِ
َ َْ َ َك َ َ ْ ُ
ً َ َ
ون َل ُهم الـ ِخير ُة ان ِل ُم ْؤ ِم ٍن َوال ُم ْؤ ِم َن ٍة ِإ َذا َق َضى اهلل َو َر ُسولُ ُه أَ ْمرا أَن يك
َك َ
َ ُ َ (َ َ ْ )ُ 7 ً
ِم ْن أَ ْمرِ ِهم َو َمن َي ْع ِص اهلل َو َر ُسو َل ُه َف َق ْد َض َّل َضالال ُّمب ًِينا ، وقول
ْ
عائشة رضي اهلل عنها وقد ُسئلت :لماذا تقضي الحائض الصوم وال تقضي
الصالة؟ قالت(( :كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم وال نؤمر بقضاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المرجع السابق.230/4 ،
( )2انظر :المغني البن قدامة.231/4 ،
( )3سمعته أثناء تقريره على منتقى األخبار ،الحديث رقم .1330
( )4البخاري ،كتاب العيدين ،باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد ،برقم .183
( )5انظر :الشرح الممتع للعالمة ابن عثيمين رحمه اهلل.171 /2 ،
( )6سورة األحزاب ،اآلية.21 :
( )7سورة األحزاب ،اآلية.43 :
صالة العيدين 555
()1
الصالة)) ،ولم تذكر سوى ذلك من الحكم؛ ألن المؤمن لسانه وحاله:
سمعنا وأطعنا(.)2
وال مانع من وجود الحكم األخرى؛ فإن اهلل تعالى ال يشرع شيئاً إال
لحكمة :علمناها أو لم نعلمها .ومما قيل في حكمة مخالفة الطريق يوم
العيد ،ما يأتي:
قيل :يفعل ذلك؛ ليشهد له الطريقان.
وقيل :ليشهد له سكانهما من الجن واإلنس.
وقيل :إلظهار شعار اإلسالم في الطريقين.
وقيل :إلظهار ذكر اهلل تعالى.
وقيل :ليغيظ أعداء اإلسالم.
وقيل:ليدخل السرور على أهل الطريقين،أو لينتفع به أهل الطريقين في
االستفتاء أو التعلم واالقتداء واالسترشاد،أو الصدقة والسالم عليهم.
وقيل :لزيارة األقرباء وصلة األرحام.
وقيل :ليتفاءل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضا.
وقيل :لتخفيف الزحام.
وقيل :ألن المالئكة تقف في الطرقات ،فأراد أن يشهد له فريقان منهم( ،)3قال
اإلمام ابن القيم رحمه اهلل بعد أن ذكر كثير ًا من هذه الحكم(( :وقيل وهو
األصح :إنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي ال يخلو فعله [ ]عنها(.)4
- 8يستحب للمأموم التبكير إلى مصلى العيد بعد صالة الصبح ،أما
اإلمام فيستحب له أن يتأخر إلى وقت الصالة؛ ألن النبي كان يفعل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه:البخاري،برقم ،421ومسلم،برقم ،442وتقدم تخريجه في الطهارة :أحكام الحيض.
( )2انظر :الشرح الممتع ،للعالمة ابن عثيمين.171/2 ،
( )3انظر :فتح الباري البن حجر ،374/2 ،فقد ذكر هذه الحكم وغيرها وقال(( :وقد اختلف في ذلك
على أقوال كثيرة اجتمع لي منها أكثر من عشرين ))...ثم ذكرها.
( )4زاد المعاد في هدي خير العباد ،331/1،وانظر :المغني البن قدامة. 284/4 ،
صالة العيدين
555
ذلك ،فعن أبي سعيد الخدري قال(( :كان النبي يخرج يوم الفطر
واألضحى إلى المصلى ،فأول شيء يبدأ به الصالة…))( ،)1وألن اإلمام
يُنتظر وال َينتظر ،ولو جاء إلى المصلى وقعد في مكان مستتر عن الناس
فال بأس .قال اإلمام مالك :مضت السنّة أن يخرج اإلمام من منزله قدر
ما يبلغ مصالّه ،وقد ح ّلت الصالة ،فأما غيره فيستحب له التبكير،
والدنو من
ّ والدنو من اإلمام ،ليحصل له :أجر التبكير ،وانتظار الصالة،
ُّ
اإلمام من غير تخطي رقاب الناس،وال أذى ألحد،قال عطاء بن
السائب:كان عبدالرحمن بن أبي ليلى ،وعبد اهلل بن معقل ،يصليان
الفجر يوم العيد وعليهما ثيابهما ثم يندفعان إلى الجبانة أحدهما يُكبر
ّ َّ
واآلخر يُه ّلل))(.)2
قال العالمة محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل(( :والدليل على سنية
الخروج بعد صالة الصبح ما يلي:
أ -عمل الصحابة ؛ ألن النبي كان يخرج إلى المصلى إذا
طلعت الشمس ويجد الناس قد حضروا ،وهذا يستلزم أن يكونوا قد
تقدموا.
ب -وألن ذلك أسبق إلى الخير.
ج -وألنه إذا وصل المسجد وانتظر الصالة؛ فإنه ال يزال في صالة.
الدنو من اإلمام ،كل هذه العلل مقصودة
ّ د -وألنه إذا تقدم يحصل له
في الشرع))(.)3
- 1يُكبر في طريقه إلى ُمص ّلى العيد ويرفع صوته بالتكبير؛ لقول اهلل تعالى:
ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،برقم ،123ومسلم ،برقم ،881وتقدم تخريجه في سنة الخروج إلى
المصلى.
( )2المغني البن قدامة ،231/4 ،وشرح السنة للبغوي. 404-402/3 ،
( )3الشرح الممتع. 133-134/2 ،
صالة العيدين 555
َ و ِل ُت ْك ِم ُلو ْا ا ْل ِع َّد َة َو ِل ُت َك ّب ُرو ْا اهلل َع َلى َما َه َد ُ
()1
ون، وقد جاء اك ْم َو َل َع َّل ُك ْم َت ْش ُك ُر َ
أن النبي كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى،وحتى يقضي
ّ
()2
صح عن ابن عمر موقوف ًا أنه ّ .وقد صالته فإذا قضى الصالة قطع التكبير))
((كان يجهر بالتكبير يوم الفطر [ويوم األضحى] إذا غدا إلى المصلى حتى
يخرج اإلمام فيكبر بتكبيره))( ،)3قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل(( :ويكبر في
طريق العيد ويرفع صوته بالتكبير ،وهو معنى قول الخرقي(( :مظهرين
للتكبير)) قال أحمد :يكبر جهراً إذا خرج من بيته حتى يأتي المصلى،روي
ذلك عن علي ،وابن عمر ،وأبي أمامة ،وأبي رهم [كلثوم بن الحصين
الصحابي] وناس من أصحاب رسول اهلل ،وهو قول عمر بن عبد العزيز،
وأبان بن عثمان ،وأبي بكر بن محمد ،وفعله النخعي،وسعيد بن جبير،وعبد
الرحمن بن أبي ليلى،وبه قال الحكم ،وحماد ،ومالك ،وإسحاق ،وأبو
ثور،وابن المنذر وإذا ثبت هذا فإنه يكبر حتى يأتي المصلى… وقال
القاضي [في رواية عن اإلمام أحمد] حتى يخرج اإلمام)).وقال ابن أبي
موسى(( :يكبر الناس في خروجهم من منازلهم لصالتي العيدين جهر ًا،
حتى يأتي اإلمام المصلى ،ويكبر الناس بتكبير اإلمام في خطبته،وينصتون
فيما سوى ذلك))(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة البقرة ،اآلية. 182 :
( )2أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ،2/1/2 ،والمحاملي في كتاب صالة العيدين 2/132/2 ،عن
يتقوى بها ثم قال بعد ذكرها:
الزهري مرسالً بإسناد صحيح ،وقد ذكر له العالمة األلباني شواهد ّ
((وبذلك يصير الحديث صحيح ًا كما تقتضيه قواعد هذا العلم الشريف)) سلسلة األحاديث
الصحيحة ،برقم . 120/1 ،170
( )3قال العالمة األلباني في سلسلة األحاديث الصحيحة تحت الحديث رقم (( :120/1 ،170أخرجه
الفريابي في كتاب أحكام العيدين،ق ((1/120بسند صحيح ،ورواه الدارقطني ( )180وغيره
بزيادة(( :ويوم األضحى)) وسنده جيد)).
ثم قال األلباني عن حديث الزهري المرفوع ،وحديث ابن عمر الموقوف(( :فالحديث صحيح
عندي مرفوعاً وموقوفاً)).
( )4المغني البن قدامة ،223 ،222/4 ،234-232/4 ،وانظر اإلنصاف ،437/2 ،والشرح الممتع
البن عثيمين. 210/2 ،
صالة العيدين
555
وقال العالمة األلباني عن حديث الزهري وابن عمر(( :وفي الحديث دليل
على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهراً في الطريق إلى
المصلى،وإن كان كثير منهم بدأوا يتساهلون بهذه السنة حتى كادت أن تصبح
في خبر كان،وذلك لضعف الوازع الديني منهم ،وخجلهم من الصدع بالسنة
والجهر بها،ومن المؤسف أن فيهم من يتولى إرشاد الناس وتعليمهم ،فكان
بأمس الحاجة
اإلرشاد عندهم محصور بتعليم الناس ما يعلمون ،وأما ما هم ّ
إلى معرفته فذلك مما ال يلتفتون إليه… ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة
أن الجهر بالتكبير هنا ال يشرع فيه االجتماع بصوت واحد،كما يفعله البعض،
وكذلك كل ذكر يشرع فيه رفع الصوت أو ال يشرع ،فال يشرع فيه االجتماع
المذكور… فلتكن على حذر من ذلك،ولتذكر دائماً قوله ((:وخير الهدي
هدي محمد .)1())
- 10السنة أن ال يُص َّلى قبل صالة العيد وال بعدها؛ لحديث ابن
يصل
ّ عباس رضي اهلل عنهما(( :أن النبي خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم
قبلها وال بعدها ،ومعه بالل))( ،)2قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل(( :ولم
يكن هو [ ] وال أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئ ًا قبل
الصالة وال بعدها))( ،)3وقال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل تعالى:
((والحاصل أن صالة العيد لم يثبت لها سنة قبلها وال بعدها خالف ًا لمن
قاسها على الجمعة))(.)4
وأما حديث أبي سعيد الخدري ((:كان النبي ال يصلي قبل العيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سلسلة األحاديث الصحيحة بتصرف يسير،121/1 ،تحت الحديث رقم ،170وللشيخ حمود
التويجري رحمه اهلل رسالة مفردة في إنكار هذا التكبير الجماعي،وهي مطبوعة[.قاله الشيخ علي بن
حسن بن عبد الحميد في أحكام العيدين ،ص.]28
( )2متفق عليه ،البخاري ،كتاب العيدين ،باب الصالة قبل العيد وبعدها ،برقم ،181ومسلم،كتاب صالة
العيدين،باب ترك الصالة قبل العيد وبعدها في المصلى،برقم . 883
( )3زاد المعاد. 334/1 ،
( )4فتح الباري. 373/2 ،
صالة العيدين 555
()1
شيئ ًا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين)) ،فقال عنه العالمة األلباني
رحمه اهلل(( :والتوفيق بين هذا الحديث واألحاديث المتقدمة النافية
للصالة بعد العيد بأن النفي إنما وقع على الصالة في المصلى ،كما أفاد
الحافظ في التلخيص))(.)2
ولكن إذا احتاج الناس إلى الصالة في المسجد؛لخوف ،أو مطر ،أو برد
شديد،أو ريح شديدة،أو غير ذلك من األعذار فال يجلس المسلم حتى
يصلي ركعتين،لقول النبي ((:إذا دخل أحدكم المسجد فال يجلس حتى
يصلي ركعتين))(.)3
- 11السنة :أنه ال أذان وال إقامة لصالة العيدين؛ لحديث جابر بن
سمرة ،قال(( :صليت مع رسول اهلل العيدين غير مرة وال مرتين
بغير أذان وال إقامة))( ،)4ولحديث ابن عباس وجابر بن عبد اهلل ،قاال:
((لم يكن يؤذن يوم الفطر ،وال يوم األضحى))( ،)5ولمسلم عن عطاء
قال:أخبرني جابر بن عبد اهلل األنصاري،أن ال أذان للصالة يوم الفطر
حين يخرج اإلمام وال بعدما يخرج ،وال إقامة،وال نداء،وال شيء،ال
ٍ
يومئذ وال إقامة))(.)6 نداء
قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل(( :وكان إذا انتهى إلى المصلى أخذ
في الصالة،من غير أذان،وال إقامة ،وال قول :الصالة جامعة ،والسنة أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن ماجه ،كتاب إقامة الصالة ،باب ما جاء في الصالة قبل صالة العيد وبعدها ،برقم ،1214
وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ،والبوصيري في الزوائد ،واأللباني في إرواء الغليل،
،100/4وفي صحيح ابن ماجه. 488/1 ،
( )2إرواء الغليل. 100/4 ،
( )3متفق عليه:البخاري،برقم ،33ومسلم،برقم ،713وتقدم تخريجه في صالة التطوع.
( )4مسلم ،كتاب صالة العيدين ،باب كتاب صالة العيدين ،برقم . 887
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب العيدين ،باب المشي والركوب إلى العيد والصالة قبل الخطبة ،وبغير
أذان وإقامة ،برقم ،130ومسلم ،كتاب صالة العيدين ،باب كتاب صالة العيدين ،برقم . 883
( )6مسلم ،كتاب صالة العيدين ،باب كتاب صالة العيدين ،برقم . 883
صالة العيدين
555
ال يُفعل شيء من ذلك))(.)1
وقال اإلمام الصنعاني رحمه اهلل في تعليقه على أحاديث نفي األذان
واإلقامة لصالة العيد(( :وهو دليل على عدم شرعيتهما في صالة العيد
فإنهما بدعة))(.)2
- 12ال يحمل السالح يوم العيد إال لحاجة البد منها؛لحديث سعيد
بن جبير قال :كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص
فنزلت فنزعتها -وذلك بمنى -فبلغ الحجاج
ُ قدمه فلزقت قدمه بالركاب
فجعل يعوده،فقال الحجاج:لو نعلم من أصابك؟ فقال ابن عمر:أنت
أصبتني ،قال :وكيف؟ قال :حملت السالح في يوم لم يكن يحمل فيه،
وأدخلت السالح الحرم ،ولم يكن السالح يدخل الحرم))( .)3وفي رواية
إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه قال(( :دخل
الحجاج على ابن عمر وأنا عنده فقال :كيف هو؟ فقال :صالح ،فقال:
من أصابك؟ قال :أصابني من أمر بحمل السالح في يوم ال يحل فيه
حمله)) يعني الحجاج(.)4
وقال الحسن((:نهوا أن يحملوا السالح يوم عيد إال أن يخافوا عدو ًا))(.)5
وقد جمع الحافظ ابن حجر بين هذا النهي وبين لعب الحبشة في
المسجد بالحراب :بأن قصة الحبشة دائرة بين اإلباحة والندب على ما دل
عليه حديثها وهذا دائر بين الكراهة والتحريم؛ لقول ابن عمر(( :في يوم ال
يحل فيه حمل السالح))،ويجمع بينهما بحمل األولى على وقوعها ممن
حملها بالدربة وعهدت منه السالمة من إيذاء أحد من الناس بها،وحمل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زاد المعاد. 332/1 ،
( )2سبل السالم. 221/4 ،
( )3البخاري،كتاب العيدين،باب ما يكره من حمل السالم في العيد والحرم،برقم.133
( )4البخاري،كتاب العيدين،باب ما يكره من حمل السالح في العيد والحرم،برقم . 137
( )5البخاري معلقاً،كتاب العيدين،باب ما يكره من حمل السالح في العيد والحرم،رقم الباب . 1
صالة العيدين 555
الحالة الثانية على وقوعها ممن حملها :بطر ًا،وأشر ًا،أو لم يتحفظ حال
حملها وتجريدها من إصابتها أحداً من الناس،وال سيما عند المزاحمة
وفي المسالك الضيقة( ،)1وقد سبق أن ذكرت في مبحث المساجد األمر
بإمساك نصال السالح في المساجد واألسواق،وتحريم حمل السالح على
المسلمين ،والمزح به.
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول
عن حمل السالح في يوم العيد(( :ال ينبغي أن يحمل السالح فيه إال أن
يكون هناك خوف ،وهكذا في الحرمين ال يحمل السالح إال إذا دعت
الحاجة كما دخل النبي )2())يعني يوم الفتح.
- 14ال بأس باللعب بالدف للجواري ،واللعب المباح في يوم العيد؛
لحديث عائشة رضي اهلل عنها قالت :دخل علي رسول اهلل وعندي
ّ ()5 ()4 ()3
وحول
َّ الفراش، على فاضطجع عاثب
ُ بغناء تغنيان جاريتان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتح الباري ،322/2 ،وقد ذكر في هذا الموضع آثاراً كثيرة عند عبد الرزاق،
،281/4وابن ماجه ،برقم ، 1413وغير ذلك تدل على النهي عن حمل السالح يوم العيد ،وفي
بعضها إال بحضرة العدو.
( )2سمعته أثناء تقريره على منتقى األخبار للمجد ابن تيمية ،الحديث رقم . 1337
( )3جاريتان :الجارية في النساء كالغالم في الرجال ،وهما يقاالن عن من دون البلوغ منهما[ .المفهم
ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ،للقرطبي.]244/2،
( )4تغنيان:ترفعان أصواتهما بإنشاد شعر العرب،وهو إنشاد بصوت رقيق فيه تمطيط وهو يجري مجرى
الحداء.المفهم ِل َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم،للقرطبي. 244/2 ،
( )5ومعنى يوم بعاث:أما بعاث،فقيل:هو موضع من المدينة على ليلتين،وقيل:هو اسم حصن
لألوس،وقيل:هو موضع في دار بني قريظة فيه أموال لهم،وكان موضع الوقعة في مزرعة لهم هناك،
وال تنافي بين القولين.ويوم بعاث هو آخر وقعة وقعت بين األوس والخزرج،وذلك قبل الهجرة
بثالث سنين.قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل((:وهو المعتمد وهو أصح من قول ابن عبد البر[...إن]
يوم بعاث كان قبل الهجرة بخمس سنين)) [فتح الباري ]331/2 ،وقد كانت الحرب قائمة بين
األوس والخزرج دامت مائة وعشرين سنة إلى اإلسالم،وقع فيها وقائع كثيرة من أشهرها:يوم
السرارة،ويوم قارع،ويوم الفجار األول والثاني،وحرب حصين بن األسلت ،وحرب حاطب بن
قيس،إلى أن كان آخر ذلك يوم بعاث[.فتح الباري البن حجر ،331/2 ،وانظر شرح النووي على
صحيح مسلم ،344/3 ،وشرح السنة للبغوي 422/3 ،والمفهم للقرطبي.]247-244/2 ،
صالة العيدين
550
وجهه ،وجاء أبو بكر فانتهرني ،وقال :مزمارة الشيطان( )1عند رسول اهلل
،فأقبل عليه رسول اهلل فقال(( :دعهما)) فلما غفل غمزتهما
فخرجتا)) .وفي رواية قالت :دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري
األنصار تغنيان مما تقاولت األنصار( )2يوم ُبعاث ،قالت :وليستا
بمغنيتين( ،)3فقال أبو بكر :أبمزامير الشيطان في بيت رسول اهلل ؟
وذلك في يوم عيد ،فقال رسول اهلل (( :يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً
وهذا عيدنا)) .وفي لفظ :أن ذلك في منى وأنهما تدقان وتضربان
فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي عن وجهه وقال(( :دعهما يا أبا بكر
فإنها أيام عيد)) وتلك األيام أيام منى ،وفي رواية لمسلم(( :جاريتان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ِ )1مزمارة الشيطان:يعني الغناء أو الدف؛ألن المزمارة أو المزمار مشتق من الزمير،وهو الصوت الذي له
صفير،ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء،وسميت به اآللة المعروفة التي يزمر بها ،وإضافتها
إلى الشيطان من جهة أنها تلهي ،فقد تشغل القلب عن الذكر،وقيل :المزمور:الصوت ،ونسبته إلى
الشيطان ذم على ما ظهر ألبي بكر،وهذا إنكار منه لما سمع مستصحباً لما كان مقرراً عنده من
تحريم اللهو والغناء جملة،حتى ظن أن هذا من قبيل ما ينكر فبادر إلى ذلك،قياماً عن النبي على
ما ظهر له ،وكأنه ما كان تبين له أن النبي قررهن على ذلك بعد ،وعند ذلك قال له النبي :
((دعهما)) ثم علل اإلباحة بأنه يوم عيد،يعني أنه يوم سرور وفرح شرعي فال ينكر فيه مثل هذا ،كما
ال ينكر في األعراس،ويؤخذ من إنكار أبي بكر:أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تتنزه عن الهوى
واللغو ونحوه وإن لم يكن فيه إثم[.المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ،242/2،وفتح
الباري البن حجر ،332/2 ،وشرح النووي على صحيح مسلم.]323/3 ،
( )2مما تقاولت به األنصار :أي قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء ،وهذا الغناء :كان في الشجاعة،
والقتل ،والحذق في القتال ،ونحو ذلك مما ال مفسدة فيه ،بخالف الغناء المشتمل على ما يهيج
النفوس على الشر ،ويحملها على البطالة والقبح ،قال القاضي عياض :إنما كان غناؤهما بما هو
من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة ،والظهور ،والغلبة ،وهذا ال يهيج الجواري على شر ،وال
إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه وإنما هو رفع الصوت باإلنشاد [شرح النووي على
صحيح مسلم ،344/3 ،وفتح الباري البن حجر.]331/2 ،
((( )3وليستا بمغنيتين)) أي ليستا ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات بذلك ،وهذا منها تحرز
من الغناء المعتاد عند المشهورين به ،الذي يحرك النفوس ،ويبعثها على الهوى ،والغزل ،والمجون،
الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن ،وهذا النوع إذا كان في شعر فيه محاسن النساء ،وذكر الخمور
والمحرمات ال يختلف في تحريمه؛ ألنه اللهو واللعب المذموم باالتفاق[ .المفهم للقرطبي،243/2 ،
وشرح النووي على صحيح مسلم ،343-344/3 ،وفتح الباري البن حجر.]332/2 ،
صالة العيدين 556
()1
تلعبان بدف)) ،ولفظ النسائي(( :أن رسول اهلل دخل عليها وعندها
جاريتان تضربان بدفين ،فانتهرهما أبو بكر ،فقال النبي (( :دعهن فإن
لكل قوم عيداً))(.)2
قال اإلمام البغوي رحمه اهلل(( :وكان الشعر الذي تغنيان في وصف
الحرب ،والشجاعة ،وفي ذكره معونة في أمر الدين ،فأما الغناء بذكر
الفواحش ،واالبتهار بالحرام( )3والمجاهرة بالمنكر من القول فهو
المحظور من الغناء ،وحاشاه [ ]أن يجري شيء من ذلك بحضرته
عليه الصالة والسالم ،فيغفل النكير له ،وكل من رفع صوته بشيء جاهر ًا
غنى ،بدليل قولها:
به ،ومصرحاً باسمه ال يستره وال يكني عنه فقد َّ
((وليستا بمغنيتين))( ،)4وقال اإلمام القرطبي رحمه اهلل(( :وقولها :وليستا
بمغنيتين)) أي ليستا ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات
بذلك ،وهذا منها تحرز من الغناء المعتاد عند المشهورين به الذي
ّ
يحرك النفوس ،ويبعثها على الهوى والغزل ،والمجون ،الذي يحرك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تلعبان بدف :الدف هو الذي يضرب به في األعراس ،وهو الذي ال حلق فيه وال صنوج ،وهو
بضم الدال على األشهر وقد تفتح ،ويقال له أيضاًِ :
الكربال ،وهو الذي ال جالجل فيه ،والدقدقة:
والدف :آلة من آالتُّ والدف :الجنب من كل شيء أو صفحته. َّ استعجال ضرب الدف.
الموسيقى مستديرة كالغربال ،ليس لها جالجل ،يشد الجلد من أحد طرفيها .ويقال :آلة طرب
ينقر عليها .وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اهلل يقول(( :هو مفتوح من جهة والجهة األخرى مغطاة
بجلد)) .انظر :المفهم للقرطبي ،243/2 ،وفتح الباري ،230/2 ،وهدي الساري (مقدمة فتح
الباري ،ص ،117ولسان العرب ،103/1 ،والقاموس المحيط ،ص ،1037والمعجم الوسيط،
رواس ،ص. 183 ،281/1ومعجم لغة الفقهاء ،لمحمد ّ
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب العيدين ،باب الحراب والدرق يوم العيد ،برقم ،131وباب سنة
العيدين ألهل اإلسالم ،برقم ،122وباب إذا فاته العيد صلى ركعتين ،برقم ،187ومسلم ،كتاب
صالة العيدين ،باب الرخصة في اللعب الذي ال معصية فيه في أيام العيد ،برقم ،812والنسائي،
كتاب صالة العيدين ،باب ضرب الدف يوم العيد ،برقم ،1212وصححه األلباني في صحيح
سنن النسائي. 213/1 ،
( )3االبتهار :االشتهار .من قولك ابتهر بفالنة :أي شهر بها.
( )4شرح السنة لإلمام البغوي. 424-422/3 ،
صالة العيدين
555
الساكن ،ويبعث الكامن ،وهذا النوع إذا كان في شعر يُ َشبب فيه بذكر
َّ
النساء ،ووصف محاسنهن ،وذكر الخمور ،والمحرمات ال يُختلف في
تحريمه؛ ألنه اللهو واللعب المذموم باالتفاق ،أما ما يسلم من تلك
المحرمات فيجوز القليل منه ،وفي أوقات الفرح :كالعرس ،والعيد،
وعند التنشيط على األعمال الشاقة ،ويدل على جواز هذا النوع هذا
الحديث وما في معناه على ما يأتي في أبوابه ،مثل :ما جاء في الوليمة،
وفي حفر الخندق ،وفي َح ْدو الحبشة ،وسلمة بن األكوع ،فأما ما أبدعه
الصوفية اليوم من اإلدمان على سماع المغاني باآلالت المطربة فمن
قبيل ما ال يختلف في تحريمه ،لكن النفوس الشهوانية ،واألغراض
الشيطانية قد غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير ،وشهر بذكره حتى
عموا عن تحريم ذلك ،وعن فحشه ،حتى قد ظهرت من كثير منهم
وي ْز ِفنون بحركات
الم َّجان والمخانيث ،والصبيان ،فيرقصونَ ،عورات ُ
الس َفه والمجون ،وقد انتهى
مطابقة وتقطيعات متالحقة ،كما يفعل أهل َّ
التوقح بأقوام منهم إلى أن يقولوا :إن تلك األمور من أبواب القرب
وصالحات األعمال ،وأن ذلك يثمر صفاء األوقات ،وسيئات األحوال،
وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل البطالة ،والمخرقة ،نعوذ
باهلل من البدع ،والفتن ،ونسأله التوبة والمشي على السنن))(.)1
وقال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل(( :وفي هذا الحديث من الفوائد
حصل لهم بسطمشروعية التوسعة على العيال في أيام األعياد بأنواع ما يُ ّ
النفس ،وترويح البدن من كلف العبادة ،وأن اإلعراض عن ذلك أولى،
وفيه أن إظهار السرور في األعياد من شعائر الدين))(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم .243/2 ،وانظر :فتح الباري ،البن حجر،332/2 ،
وشرح النووي. 344/3 ،
( )2فتح الباري البن حجر،344/2،وقد كتب الشيخ علي بن حسن عبد الحميد األثري رسالة نشرت
بعنوان((:الجواب السديد على من سأل عن حكم الدفوف واألناشيد)).
صالة العيدين 555
ومما يؤيد ذلك حديث أنس قال :قدم رسول اهلل المدينة ولهم
يومان يلعبون فيهما فقال :ما هذان اليومان؟ قالوا :كنا نلعب فيهما في
الجاهلية ،فقال رسول اهلل (( :إن اهلل أبدلكم بهما خيراً منهما :يوم
األضحى ويوم الفطر)) ولفظ النسائي(( :كان ألهل الجاهلية يومان في
كل سنة يلعبون فيهما ،فلما قدم النبي المدينة قال(( :كان لكم يومان
تلعبون فيهما ،وقد أبدلكم اهلل بهما خيراً منهما :يوم الفطر ،ويوم
الضحى))(.)1
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول:
((هذا يدل على أن اهلل جعل يوم العيد يوم سرور،ويجوز فيه اللعب فيما
ال محذور فيه للنساء والجواري،وفيه التعلم على اآلالت كما فعل
الحبشة))(.)2
وعن عائشة رضي اهلل عنها ،قالت :دخل رسول اهلل وعندي جاريتان
تغنيان بغنا ُبعاث ،فاضطجع على الفراش ،وحول وجهه ،فدخل أبو بكر
فانتهرني ،وقال :مزمار الشيطان عند رسول اهلل ،فأقبل عليه رسول اهلل
فقال((:دعهما)) فلما غفل غمزتهما فخرجتا،وكان يوم عيد يلعب
بالدرق( )3والحراب،فإما سألت رسول اهلل وإما قال((:تشتهين
السودان َّ
تنظرين))؟ فقلت:نعم،فأقامني وراءه خدي على خده،وهو يقول(( :دونكم
يا بني أرفدة))(،)4حتى إذا مللت قال((:حسبك))؟ قلت:نعم ،قال((:اذهبي)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أبو داود،كتاب الصالة،باب صالة العيدين،برقم ،1143والنسائي،كتاب صالة العيدين،باب ،1برقم
،1222وصححه األلباني في صحيح أبو داود ،411/1 ،وصحيح النسائي. 202/1 ،
( )2سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم . 224
( )3الدرق :جمع درقة وهي الترس .فتح الباري البن حجر. 330/2 ،
( )4يا بني أرفدة بفتح الفاء وكسرها والكسر أشهر:وهو لقب الحبشة،ولفظة ((دونكم)) من ألفاظ
اإلغراء،وحذف المغرى به تقديره عليكم بهذا اللعب الذي أنتم فيه.شرح النووي على صحيح
مسلم. 343/3 ،
صالة العيدين
555
وفي لفظ لمسلم(( :جاء الحبشة يزفنون( )1في يوم عيد في المسجد))(.)2
قال اإلمام القرطبي رحمه اهلل(( :وأما لعب الحبشة في المسجد فكان
لعباً بالحراب والدرق تواثباً ،ورقصاً بهما ،وهو من باب التدريب على
الحرب والتمرين والتنشيط عليه ،وهو من قبيل المندوب ،ولذلك أباحه
النبي في المسجد))(.)3
وعن أبي هريرة قال(( :بينما الحبشة يلعبون بحرابهم عند رسول اهلل
إذ دخل عمر بن الخطاب فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها،فقال رسول اهلل
(( :دعهم يا عمر))(.)4
تمسك منه بالصورة
ٌ قال القرطبي رحمه اهلل(( :وإنكار عمر عليهم
الظاهرة ،كما قلنا في حق أبي بكر رضي اهلل عنهما))(.)5
قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل(( :واللعب بالحراب ليس لعباً مجرد ًا،
بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب واالستعداد للعدو))(.)6
وقال رحمه اهلل في موضع آخر(( :واستدل به على جواز اللعب بالسالح
على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه))(.)7
ويشرع لعب النساء بالدف في العرس دون الرجال؛ لحديث الربيع
بنت معوذ ،وفيه :أن النبي وجد عندها غداة ُب ِني عليها جويريات
َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1يزفنون :معناه يرقصون ،وحمله العلماء على التوثب بسالحهم ولعبهم بحرابهم على قريب من
هيئة الرقص؛ ألن معظم الروايات إنما فيه لعبهم بحرابهم فيؤول هذه اللفظة على موافقة سائر
الروايات .شرح النووي على صحيح مسلم. 343/3 ،
( )2متفق عليه ،واللفظ لمسلم هنا :البخاري ،برقم ،120 ،131ومسلم ،برقم ،)812(-11وتقدم
تخريجه في أول هذا المبحث.
( )3المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم. 243/2 ،
( )4متفق عليه:البخاري،برقم ،2101ومسلم ،برقم ،814وتقدم تخريجه في المساجد.
( )5المفهم. 243/2 ،
( )6فتح الباري. 231/1 ،
( )7المرجع السابق. 332/2 ،
صالة العيدين 555
()1
يندبن من قتل من آبائي يوم بدر يضربن بالدف ،قالت أم الربيعُ (( :
حتى قالت جارية :وفينا نبي اهلل يعلم ما في غد ،فقال النبي (( :ال
تقولي هذا وقولي ما كنت تقولين))( .)2وعن محمد بن حاطب الجمحي،
قال :قال رسول اهلل (( :فصل ما بين الحالل والحرام الدف والصوت
في النكاح))( .)3وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز
رحمه اهلل يقول(( :وهذا يدل على مشروعية الدف والصوت للنساء:
الغناء العادي ،أما المزامير والغناء المحرم فال ،والدف هو ذو الوجه
الواحد ،ويقال له الطار))(.)4
وعن عائشة رضي اهلل عنها أنها ز َّفت امرأة إلى رجل من األنصار ،فقال نبي
اهلل (( :يا عائشة ما كان معكم لهو ،فإن األنصار يعجبهم اللهو))؟(،)5
قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل(( :وفي رواية شريك ،فقال(( :بعثتم معها
جارية تضرب بالدف وتغني))؟ قلت تقول :ماذا؟ قال تقول:
فحيانــــــــــــــــــــــــا وحيــــــــــــــــــــــــاكم أ تينــــــــــــــــــــــــاكم أتينــــــــــــــــــــــــاكم
َّ َّ
مــــــــــــــا حلــــــــــــــت بــــــــــــــواديكم ولـــــــــوال الـــــــــذهب األحمـــــــــر
()6
مـــــــــا ســـــــــمنت عـــــــــذاريكم ولـــــــــوال الحنطـــــــــة الســـــــــمراء
فظهر مما تقدم من األحاديث في اللعب ما يأتي:
- 5جواز اللعب للنساء والجواري والضرب بالدف أيام العيد بشرط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يندبن :الندب أن يذكر الميت بأحسن أوصافه وأفعاله .انظر :النهاية في غريب الحديث البن األثير. 43/2 ،
(ُ )1
باب :حدثني خليفة ،برقم ،3001وكتاب النكاح باب ضرب الدف في ( )2البخاري ،كتاب المغازيٌ ،
النكاح والوليمة ،برقم . 2137
( )3الترمذي ،كتاب النكاح ،باب ما جاء في إعالن النكاح ،برقم ،1088وابن ماجه ،كتاب
النكاح،باب إعالن النكاح،برقم ،1813والنسائي،كتاب النكاح،باب إعالن النكاح،برقم
،4431وحسنه األلباني في صحيح سنن الترمذي 224/1،وغيره.
( )4سمعته أثناء تقريره على سنن النسائي ،الحديث رقم . 4431
( )5البخاري،كتاب النكاح،باب النسوة التي يهدين المرأة إلى زوجها ودعائهن بالبركة،برقم . 2132
( )6فتح الباري. 223/1 ،
صالة العيدين
555
أن ال يكون شعر ًا محرم ًا أو شعر ًا بآالت الطرب المحرمة.
- 5مشروعية الضرب بالدف في النكاح ويكون ذلك للنساء خاصة
بشرط أن ال يقلن األلفاظ المحرمة كما تقدم.
- 5جواز اللعب للرجال الذي فيه تدريب على الحرب والقتال ،وتعلم
الكر والفر في الجهاد في سبيل اهلل تعالى.
ّ ّ
- 5ال يجوز لعب الرجال بالدف وال بغيره ،أما اللعب الذي فيه
تدريب على الجهاد بدون دف فال بأس به كما تقدم.
قال المباركفوري رحمه اهلل(( :اإلذن في ذلك للنساء فال يلحق بهن
الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن ،وكذلك الغناء المباح في العرس
مختص بالنساء،فال يجوز للرجال))(.)1
وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول(( :أما ضرب الدف فهو
من باب إعالن النكاح للنساء خاصة))( )2واهلل الموفق(.)3
- 13خروج النساء إلى مصلى العيد متحجبات غير متطيبات؛
ّ
لحديث أم عطية رضي اهلل عنها قالت عن النبي سمعته يقول(( :تخرج
العواتق وذوات الخدور ،أو العواتق ذوات الخدور ،والحيض،
ّ
وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى)).وفي
ّ
لفظ((:أمرنا رسول اهلل أن نخرجهن في الفطر واألضحى :العواتق،
والحيض،وذوات الخدور،فأما الحيض فيعتزلن الصالة،ويشهدن الخير
ودعوة المسلمين،قلت:يا رسول اهلل:إحدانا ال يكون لها جلباب؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تحفة األحوذي شرح سنن الترمذي. 210/3 ،
( )2سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري ،الحدث رقم . 2137
( )3انظر :في اللعب وأنواعه:جامع األصول البن األثير،341/11 ،وتحفة األحوذي ،214-210/3 ،وفتح
الباري 330/2 ،و،202/1وشرح السنة للبغوي ،31-33/ 1،ونيل األوطار للشوكاني،212-281/3،
ونيل المآرب شرح دليل الطالب. 211/2 ،
صالة العيدين 555
()1
أختها من جلبابها)) .وصالة العيد ليست واجبة على المرأةلتلبسها ُ
قالْ ((:
ولكنها سنة في حقها وتصليها في المصلى مع المسلمين؛ألمر النبي
بذلك(،)2وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز رحمه اهلل يقول((:وخروج النساء في
صالة العيد سنة وليس بواجب))(.)3
- 12خروج الصبيان إلى المصلى؛ ليشهدوا دعوة المسلمين ،قال
اإلمام البخاري رحمه اهلل تعالى(( :باب خروج الصبيان إلى المصلى)) ثم
ساق حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال(( :خرجت مع النبي يوم فطر أو
أضحى فصلى العيد ثم خطب ،ثم أتى النساء فوعظهن ،وذكرهن،
وأمرهن بالصدقة))(.)4
قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل(( :قوله باب خروج الصبيان إلى
المصلى)) أي في األعياد ،وإن لم يصلوا .قال الزين بن المنير :آثر
المصنف في الترجمة قوله :إلى المصلى على قوله :صالة العيد؛ ليعم
()5
من يتأتى منه الصالة ومن ال يتأتى)) .وفي لفظ لحديث ابن عباس رضي
اهلل عنهما حينما سئل :أشهدت العيد مع النبي ؟ قال :نعم ،ولوال مكاني
من الصغر ما شهدته…))( .)6قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل :قال ابن
بطال :خروج الصبيان إلى المصلى إنما هو إذا كان الصبي ممن يضبط
نفسه عن اللعب ويعقل الصالة ويتحفظ مما يفسدها ،أال ترى إلى ضبط
ابن عباس القصة .اهـ [قال الحافظ] :وفيه نظر؛ ألن مشروعية إخراج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب الحيض ،باب شهود الحائض العيدين ،ودعوة المسلمين ويعتزلن
المصلى ،برقم ، 423ومسلم ،كتاب العيدين ،باب خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود
الخطبة مفارقات للرجال ،برقم .)810(-12
( )2فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء. 283/8 ،
( )3سمعته أثناء تقريره على منتقى األخبار للمجد ،الحديث رقم . 1331
( )4البخاري ،كتاب العيدين ،باب خروج الصبيان إلى المصلى ،برقم . 172
( )5فتح الباري ،البن حجر. 333/2 ،
( )6البخاري ،كتاب العيدين ،باب العلم الذي بالمصلى ،برقم . 177
صالة العيدين
555
الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك وإظهار شعار اإلسالم بكثرة من
يحضر منهم ،ولذلك شرع للحيض كما سيأتي ،فهو شامل لمن تقع
َّ
منهم الصالة أو ال ،وعلى هذا إنما يحتاج أن يكون مع الصبيان من
يضبطهم عما ذكر من اللعب ونحوه سواء صلوا أم ال ،وأما ضبط ابن
عباس القصة فلعله كان لفرط ذكائه ،واهلل أعلم))(.)1
- 13التهنئة بالعيد من فعل أصحاب النبي ،قال الحافظ ابن حجر
ور ّوينا في ((المحامليات)) بإسناد حسن عن جبير بن نُفير قال:
رحمه اهللُ :
((كان أصحاب رسول اهلل إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض:
منا ومنك))(.)2
تقبل اهلل َّ
ونقل ابن قدامة رحمه اهلل عن ابن عقيل في تهنئة العيد أن محمد بن
زياد قال :كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي فكانوا
إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض(( :تقبل اهلل منا ومنك)) .وقال
أحمد :إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد ،وقال علي بن ثابت(( :سألت
مالك بن أنس منذ خمس وثالثين سنة وقال :لم نزل نعرف هذا
بالمدينة))((( .)3وقال أحمد رحمه اهلل :وال بأس أن يقول الرجل للرجل
يوم العيد :تقبل اهلل منا ومنك ،وقال حرب :سئل أحمد عن قول الناس
في العيدين :تقبل اهلل منا ومنكم ،قال :ال بأس به يرويه أهل الشام عن
َّ
أبي أمامة ،قيل :وواثلة بن األسقع؟ قال :نعم ،قيل فال تكره أن يقال هذا
يوم العيد؟ قال :ال))((( ،)4وروي عن أحمد أنه قال :ال أبتدي به أحداً،
وإن قاله أحد رددت عليه))( ،)5وسئل شيخ اإلسالم ابن تيمية عن التهنئة
في العيد ،فأجاب(( :أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتح الباري. 333/2 ،
( )2فتح الباري بشرح صحيح البخاري. 333/2 ،
( )3المغني البن قدامة. 213/4 ،
( )4فتح الباري البن حجر. 213/4 ،
( )5المرجع السابق. 212/4 ،
صالة العيدين 555
بعد صالة العيد :تقبل اهلل منا ومنكم ،وأحاله اهلل عليك ،ونحو ذلك فهذا
قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه ،ورخص فيه األئمة
كأحمد وغيره ،لكن قال أحمد :أنا ال أبتدئ أحد ًا ،فإن ابتدأني أحد
أجبته ،وذلك ألن جواب التحية واجب ،وأما االبتداء بالتهنئة فليس سنة
مأمور ًا بها ،وال هو أيض ًا مما نهي عنه ،فمن فعله فله قدوة ،ومن تركه
فله قدوة ،واهلل أعلم))(.)1
- 17يقضي صالة العيد من فاتته مع اإلمام ،قال اإلمام البخاري
باب إذا فاتته العيد يصلي ركعتين .وكذلك النساء ومن كان رحمه اهللٌ (( :
في البيوت ،والقرى ،لقول النبي (( :هذا عيدنا أهل اإلسالم)) ،وأمر
أنس بن مالك موالهم ابن أبي عتبة بالزاوية( )2فجمع أهله وبنيه وصلى
صالة أهل المصر وتكبيرهم ،وقال عكرمة :أهل السواد( )3يجتمعون في
العيد يصلون ركعتين كما يصنع اإلمام ،وقال عطاء :إذا فاته العيد صلى
ركعتين))( ،)4قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل(( :في هذه الترجمة حكمان:
مشروعية استدراك صالة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كانت
باالضطرار أو باالختيار ،وكونها تقضى ركعتين كأصلها))(.)6( )5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مجموع الفتاوى. 224/23 ،
( )2الزاوية :موضع على فرسخين من البصرة كان به ألنس قصر وأرض ،وكان يقيم هناك كثيراً ،فتح
الباري البن حجر. 372/2 ،
( )3أهل السواد :ما حول كل مدينة من القرى :أي كأنها األشخاص والمواضع العامرة بالناس
والنبات بخالف ما ال عمارة فيه.مشارق األنوار للقاضي عياض. 221/2،
( )4البخاري ،كتاب العيدين ،باب إذا فاتته العيد يصلي ركعتين ،قبل الحديث . 187
( )5فتح الباري. 373/2 ،
( )6اختلف العلماء رحمهم اهلل تعالى هل يسن أن تقضى صالة العيد إذا فاتت مع اإلمام أم ال فقال
جماعة :ال تقضى ،منهم المزني ،وقال أبو حنيفة يتخير بين القضاء والترك [فتح الباري البن
حجر ،] 372/2 ،واختار هذا القول العالمة ابن عثيمين ونسبه لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،وأن من
فاتته صالة العيد ال يسن له أن يقضيها؛ ألن ذلك لم يرد عن النبي ؛ وألنها صالة ذات اجتماع
معين فال تشرع إال على هذا الوجه [الشرح الممتع ،208/2 ،وأسئلة وأجوبة صالة العيدين،
ص ،3الجواب رقم .]3
=
صالة العيدين
550
قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل(( :وجملة القول أن من فاتته صالة
العيد فال قضاء عليه))( ،)1ثم يبين رحمه اهلل أنه إن أحب قضاءها استحب
له أن يقضيها ،ثم ذكر األقوال التي أشير إليها آنف ًا(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
وقال جماعة أخرى :يسن أن تقضى فمن فاتته العيد مع اإلمام ،فإنه يقضي ،ثم اختلفوا كم يقضي:
ركعتين أم أربعاً.
- 1فذهب اإلمام البخاري إلى أن من فاتته صالة العيد قضاها ركعتين كأصلها :أي يصلي ركعتين
ست ًا بعد تكبيرة اإلحرام ،وفي الثانية خمس ًا غير تكبيرة االنتقال ،وهذه
بتكبيرها :فيكبر في الركعة األولى ّ
رواية عن اإلمام أحمد .نقل ذلك عن أحمد إسماعيل بن سعيد واختاره الجوزجاني وهذا قول
النخعي ،ومالك ،والشافعي ،وأبي ثور ،وابن المنذر؛ لما روي عن أنس أنه إذا لم يشهد العيد مع اإلمام
بالبصرة جمع أهله ومواليه ثم قام عبد اهلل بن أبي عتبة مواله فيصلي بهم ركعتين يكبر فيهما؛ وألنه
قضاء صالة فكان على صفتها ،كسائر الصلوات ،وهو مخير إن شاء صالها وحده ،وإن شاء في
جماعة ،قيل ألبي عبد اهلل :أين يصلي؟ قال :إن شاء مضى إلى المصلى وإن شاء حيث شاء.
- 2وذهب اإلمام أحمد في رواية إلى أن من فاتته صالة العيد صالها أربعاً ،وهو قول الثوري ،قال
فليصل
ّ الحافظ ابن حجر(( :ولهما في ذلك سلف قال ابن مسعود [ :]من فاته العيد مع اإلمام
أربعاً .أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح))[ .فتح الباري ]372/2 ،وروي عن علي أنه
قال :إن أمرت رجالً أن يصلي بضعفة الناس أمرته أن يصلي أربعاً،رواه سعيد [مصنف ابن أبي
شيبة ،]283/2 ،ويقوي ذلك حديث علي أنه أمر رجالً يصلي بضعفة الناس أربعاً [المغني البن
قدامة 230/4 ،و ،283/4والشرح الكبير ،447/2 ،و ]432/2ألنه قضاء صالة عيد فكانت أربعاً
قضاء الجمعة [المغني ،483/4 ،والشرح الكبير .]433-432/2 ،قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل:
(( ويستحب لإلمام إذا خرج أن يخلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد كما فعل علي ،
فروى هزيل بن شرحبيل قال :قيل لعلي :لو أمرت رجالً يصلي بضعفة الناس هوناً في
المسجد األكبر قال :إن أمرت رجالً يصلي أمرته أن يصلي بهم أربعاً ،وروي أنه استخلف أبا
مسعود البدري فصلى بهم في المسجد [المغني ،283 ،230/4 ،والشرح الكبير ،واإلنصاف،
،432 ،447/2وانظر :سنن البيهقي ،410/4،ومصنف ابن أبي شيبة.]283/2 ،
- 4وفي رواية عن أحمد أنه مخير بين ركعتين وأربع ،وهذا قول األوزاعي؛ ألنها صالة تطوع
أشبهت صالة الضحى [الشرح الكبير ،433/2 ،والمغني ،]282/4 ،وقال أبو حنيفة بهذا القول:
أي مخير بين الثنتين واألربع [فتح الباري ،البن حجر ،]372/2 ،وانظر :الكافي البن قدامة،
،212/1وحاشية الروض المربع البن قاسم. 213/2 ،
( )1المغني البن قدامة ،283/4 ،وانظر :الشرح الكبير ،433-433/2 ،واإلنصاف في معرفة الراجح
من الخالف المطبوع مع الشرح الكبير. 433-433/2 ،
( )2المغني. 283/4 ،
صالة العيدين 556
ثم قال رحمه اهلل(( :وإن أدرك اإلمام في التشهد جلس معه فإذا سلم
اإلمام قام فصلى ركعتين يأتي فيهما بالتكبير؛ألنه أدرك بعض الصالة
التي ليست مبدلة من أربع فقضاها على صفتها كسائر الصلوات.وإن
أدركه في الخطبة:فإن كان في المسجد صلى تحية المسجد؛ألنها إذا
صليت في خطبة الجمعة التي يجب اإلنصات لها ففي خطبة العيد
أولى… فأما إن لم يكن في المسجد؛فإنه يجلس فيستمع ثم إن أحب
قضى صالة العيد على ما ذكرناه))(.)1
خامساً :يشترط االستيطان لوجوب صالة العيد ،والعدد المشترط
لصالة الجمعة؛ ألن النبي لم يصلها في سفره وال خلفاؤه ،وكذلك
العدد المشترط للجمعة وهو على الصحيح ثالثة :إمام ورجالن معه؛
ألنها صالة عيد فأشبهت الجمعة ،وال يشترط إذن اإلمام إلقامة صالة
العيد على الصحيح ،وليس من شرط صحتها االستيطان وال عدد
الجمعة ،وإنما هما شرط للوجوب؛ ألن صالة العيد تصح من الواحد(.)2
واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمـه اهلل أن ((مـن شـرطها االسـتيطان،
وعـــدد الجمعـــة ،فيفعلهـــا المســـافر ،والعبـــد ،والمـــرأة تبعـــ ًا وال يســـتحب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني. 282/4 ،
( )2المغني البن قدامة ،287/4 ،ونص كالمه رحمه اهلل(( :ويشترط االستيطان لوجوبها؛ ألن النبي
لم يصلها ف ي سفره ،وال خلفاؤه ،وكذلك العدد المشترط للجمعة؛ ألنها صالة عيد فأشبهت
الجمعة ،وفي إذن اإلمام روايتان أصحهما ليس بشرط ،وال يشترط شيء من ذلك لصحتها؛ ألنها
تصح من الواحد في الفضاء ،وقال أبو الخطاب في ذلك كله روايتان ،وقال الخطابي :كالم أحمد
يقتضي روايتين إحدا هما ال يقام العيد إال حيث تقام الجمعة وهذا مذهب أبي حنيفة إال أنه ال
يرى ذلك إال في مصر؛ لقوله :ال جمعة وال تشريق إال في مصر جامع ،والثانية يصليها المنفرد،
والمسافر ،والعبد ،والنساء على كل حال ،وهذا قول الحسن والشافعي؛ ألنه ليس من شرطها
االستيطان ،فلم يكن من شرطها الجماعة كالنوافل إال أن اإلمام إذا خطب مرة ثم أرادوا أن يصلوا
لم يخطبوا وصلوا بغير خطبة ،كيال يؤدي إلى تفريق الكلمة ،والتفصيل الذي ذكرناه أولى ما قيل
به إن شاء اهلل تعالى)) ،المغني ،287/4 ،وانظر :الشرح الكبير مع اإلنصاف. 444/2 ،
صالة العيدين
555
قضاؤها لمن فاتته منهم ،وهو قول أبي حنيفة))( ،)1واهلل سبحانه أعلم(.)2
وقال شيخنا اإلمام عبـد العزيـز بـن عبـد اهلل ابـن بـاز رحمـه اهلل تعـالى:
((صالة العيد إنما تقام في المدن والقرى ،وال تشـرع إقامتهـا فـي البـوادي
والسفر ،هكذا جاءت السـنة عـن رسـول اهلل ،ولـم يحفـظ عنـه ،وال
عن أصحابه أنهم صـلوا صـالة العيـد فـي السـفر وال فـي الباديـة ،وقـد
حــج حجــة الــوداع عليــه الصــالة والســالم فلــم يصـ ّـل الجمعــة فــي عرفــة،
يصـل صـالة العيـد فـي منـى ،وفـي ّ وكان ذلك اليوم هو يوم الجمعة ،ولم
()4()3
اتباعه وأصحابه كل الخير والسعادة ،واهلل ولي التوفيق)) .
وقـــال شـــيخنا أيضـــ ًا عـــن العـــدد المشـــترط لصـــالة الجمعـــة والعيـــد:
((واختلف العلماء في العدد المشترط لهما ،وأصح األقـوال أن أقـل عـدد
تقــام بــه الجمعــة والعيــد ثالثــة فــأكثر ،أمــا شــرط األربعــين فلــيس لــه دليــل
صــــحيح يعتمــــد عليــــه ،ومــــن شــــرطهما االســــتيطان ،أمــــا أهــــل الباديــــة
والمسافرون فليس عليهم جمعة وال صالة عيد))(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1االختيارات الفقهية لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،ص ،124والمستدرك على مجموع فتاوى شيخ
اإلسالم لمحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن قاسم. 121/4 ،
( )2واختار العالمة ابن عثيمين اشتراط االستيطان والعدد الذي تنعقد به الجمعة ،أما إذن اإلمام
فاختار أن ذلك ال يشترط ،إال أنه اختار أنه ينبغي اشتراط إذن اإلمام لتعدد مصلى العيد في البلد
الواحد حتى ال يحصل فوضى بين الناس ،ويصير كل واحد فيهم يقيم مصلى عيد .الشرح
الممتع ،171-170/2 ،واختار في تعدد الجمعة كذلك. 44/2 ،
( )3فتاوى ابن باز. 1/14 ،
( )4ورجح العالمة ابن عثيمين أن من شرط صالة العيد االستيطان؛ ألن النبي لم يقم صالة العيد
إال في المدينة ،وسافر إلى مكة عام غزوة الفتح وبقي فيها إلى أول شوال وأتاه العيد ولم ينقل أنه
صلى صالة العيد ،وفي حجة الوداع صادفه العيد وهو في منى ولم يقم صالة العيد؛ ألنه
مسافر ،كما أنه لم يقم صالة الجمعة في عرفة؛ ألنه مسافر ،قال رحمه اهلل :ومن شرطها أيضاً عدد
الجمعة ،وقد سبق لنا أن القول الراجح في عدد الجمعة ثالثة فهذا مبني على ذاك ،فإن لم يوجد
في القرية إال رجل واحد مسلم فإنه ال يقيم صالة العيد ،أو رجالن فال يقيمان صالة العيد.
الشرح الممتع. 170-131/2 ،
( )5مجموع فتاوى ابن باز. 12/14 ،
صالة العيدين 555
سادساً :وقت صالة العيد أوله بعد ارتفاع الشمس قيد رمح؛
لحديث يزيد بن ُحمير الرحبي قال:خرج عبد اهلل بن بسر صاحب رسول
اهلل مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى ،فأنكر إبطاء اإلمام فقال:
((إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه ،وذلك حين التسبيح))(.)1
قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل(( :قوله :وذلك حين التسبيح أي وقت
السبحة وهي النافلة ،وذلك إذا مضى وقت الكراهة)) ،وفي رواية صحيحة
للطبراني(( :وذلك حين تسبيح الضحى)) ،قال ابن بطال(( :أجمع الفقهاء
على أن العيد ال تصلى قبل طلوع الشمس وال عند طلوعها ،وإنما جوزوا
عند جواز النافلة))( ،)2وآخر وقت صالة العيد زوال الشمس ،قال اإلمام
ابن قدامة رحمه اهلل(( :ووقتها من حين ترتفع الشمس ويزول وقت النهي
إلى الزوال ،فإن لم يعلم بها إال بعد الزوال خرج من الغد فصلى بهم))()3؛
لحديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من األنصار من أصحاب رسول
اهلل أنهم قالوا :أغمي علينا هالل شوال فأصبحنا صيام ًا ،فجاء ركب
من آخر النهار فشهدوا عند النبي أنهم رأوا الهالل باألمس ،فأمرهم
رسول اهلل أن يفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد))(.)4وعن عائشة
رضي اهلل عنها قالت:قال رسول اهلل (( :الفطر يوم يفطر الناس ،واألضحى يوم
يضحي الناس))(.)5وعن أبي هريرة أن النبي قال((:الصوم يوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أبو داود ،كتاب الصالة ،باب وقت الخروج إلى العيد ،برقم ،1142وابن ماجه ،كتاب إقامة الصلوات ،باب
في وقت صالة العيد ،برقم ،1417وعلقه البخاري في كتاب العيدين ،باب التبكير للعيد ،قبل الحديث رقم
.138والحديث صححه األلباني في صحيح أبي داود ،411/1 ،وصحيح ابن ماجه. 412/1 ،
( )2فتح الباري البن حجر. 327/2 ،
( )3الكافي. 213/1 ،
( )4أبو داود ،كتاب الصالة ،باب إذا لم يخرج اإلمام للعيد من يومه يخرج من الغد ،برقم ،1127
والنسائي ،كتاب صالة العيدين ،باب الخروج إلى العيدين من الغد ،برقم ،1223وابن ماجه
بلفظه ،كتاب الصيام ،باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهالل ،برقم ،1324وأحمد في المسند،
،28-27/2وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود ،417/1وصحيح النسائي. 202/1 ،
( )5الترمذي ،كتاب الصوم ،باب ما جاء في الفطر واألضحى متى يكون ،برقم ،802وصححه
=
صالة العيدين
555
تصومون ،والفطر يوم تفطرون،واألضحى يوم تضحون))(.)1
واألفضل تعجيل صالة عيد األضحى إذا ارتفعت الشمس قيد رمح،
وتأخير صالة الفطر ،فتصلى إذا ارتفعت الشمس قيد رمحين(.)2
قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل تعالى((:ويسن تقديم صالة األضحى؛
ليتسع وقت التضحية،وتأخير الفطر؛ ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر،
وهذا مذهب الشافعي وال أعلم فيه خالف ًا)3())...؛وألن لكل عيد وظيفة:
فوظيفة الفطر إخراج الفطرة ووقتها قبل الصالة ،ووظيفة األضحى
التضحية ،ووقتها بعد الصالة ،وفي تأخير الفطر وتقديم األضحى توسيع
لوظيفة كل منهما))(.)4
وقال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل((:وكان [ ]يؤخر صالة عيد الفطر
ويعجل األضحى،وكان ابن عمر مع شدة ّاتباعه ال يخرج حتى تطلع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
األلباني في صحيح الترمذي. 320/1 ،
( )1الترمذي ،برقم ، 317وقد فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال :إنما معنى هذا أن الصوم
والفطر مع الجماعة ،وعظم الناس ،ورواه أبو داود ،برقم ،2423وابن ماجه ،برقم ،1130
وصححه األلباني في صحيح الترمذي 472/1 ،وغيره.
( )2جاء في ذلك حديث في األضاحي للحسن بن أحمد البنا من طريق وكيع عن المعلى بن هالل عن
األسود بن قيس عن جندب قال(( :كان النبي يصلي بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين،
واألضحى على قيد رمح)) كما في التلخيص ، 84/1 ،قال العالمة األلباني :لكن المعلى هذا اتفق
النقاد على تكذيبه كما قال الحافظ في التقريب .ثم بين األلباني في اإلرواء 101/4 ،أن هذا أقرب
ّ
إلى عمل المسلمين ،وروى الشافعي في مسنده ،ص ،73وفي األم ،202/1 ،مرسالً(( :أن النبي
وذكر الناس)) قال الحافظ
وأخر الفطرّ ،
عجل األضحى ّ كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن ّ
في التلخيص(( :84/1 ،وهو مرسل وضعيف أيضاً)) .وقال األلباني في اإلرواء ،102/4برقم
(( :344ضعيف جداً)) ،وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على منتقى األخبار للمجد ابن
تيمية ،الحديث رقم (( :1332ضعيف لكن قد ذكر جمع من أهل العلم تعجيل صالة األضحى
وتأخير صالة الفطر)).
( )3ثم ذكر مرسل الشافعي المذكور آنفاً.
( )4المغني البن قدامة. 237/4 ،
صالة العيدين 555
()1
الشمس،يُكبر من بيته إلى المصلى)) ،قال العالمة ابن عثيمين رحمه اهلل
ّ
في الحكمة من تعجيل األضحى وتأخير الفطر((:أما النظر؛ فألن الناس
في صالة عيد الفطر محتاجون إلى امتداد الوقت،ليتسع وقت إخراج
زكاة الفطر؛ ألن أفضل وقت تخرج فيه زكاة الفطر صباح يوم العيد قبل
ؤدى قبل خروج الناس إلى لحديث ابن عمر((:أمر أن ُت َّ الصالة؛
الصالة))(،)2ومعلوم أنه إذا امتدت الصالة وتأخرت صار هذا أوسع
للناس.وأما عيد األضحى فإن المشروع المبادرة بالتضحية؛ألن التضحية
من شعائر اإلسالم وقد قرنها اهلل في كتابه بالصالة فقالَ :ف َص ّل ِلربّ َك
َِِ
هلل َر ّباي َو َم َم ِاتي َّيح مو
ََ َْ َ يكوا ْنحر،)3(وقال تعالىُ :ق ْل ِإ َّن صالَ ِتي ونُس ِ
َ ُ َ َ َْ
ين، ففعلها مبادراً بها في هذا اليوم أفضل،وهذا إنما يحصل إذا ()4
َ ا ْل َعا َل ِم
قدمت الصالة،؛ألنه ال يمكن أن يذبح األضحية قبل الصالة))(.)5
سابعاً :صفة صالة العيد :السنة أن يصلي اإلمام إلى سترة؛
لحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما :أن رسول اهلل كان إذا خرج يوم العيد أمر
بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه ،وكان يفعل ذلك
في السفر ،فمن ثم اتخذها األمراء)) .وفي رواية(( :أن النبي كان ُتركز
له الحربة ُق َّدامه يوم الفطر ،والنحر ،ثم يصلي)) .وفي رواية((:كان النبي
بالم َص َّلى بين
المصلى ،والعنزة بين يديه تُحمل ،وتُنصب ُ يغدو إلى
()6
يديه ،فيصلي إليها)) .وال خالف بين أهل العلم في أن صالة العيد مع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زاد المعاد في هدي خير العباد. 332/1 ،
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب الزكاة ،باب الصدقة قبل العيد ،برقم ،1201ومسلم ،كتاب الزكاة،
باب األمر بإخراج زكاة الفطر ،برقم . 183
( )3سورة الكوثر ،اآلية. 2 :
( )4سورة األنعام ،اآلية. 132 :
( )5الشرح الممتع. 121-128/2 ،
( )6البخاري ،كتاب الصالة ،باب سترة اإلمام ستر من خلفه برقم ،313وكتاب العيدين ،باب الصالة إلى
حربة يوم العيد ،برقم ،172وباب حمل العنزة أو الحربة بين يدي اإلمام يوم العيد ،برقم .174
صالة العيدين
555
اإلمام ركعتان ،وفيما تواتر عن النبي أنه صلى العيد ركعتين وفعله
األئمة بعده إلى عصرنا ،ولم يُعلم أن أحداً فعل غير ذلك،وال خالف
فيه(،)1وقد قال عمر بن الخطاب (( :صالة الجمعة ركعتان ،وصالة
الفطر ركعتان،وصالة األضحى ركعتان ،وصالة السفر ركعتان تمام غير
قصر على لسان نبيكم محمد ،)2())ويصلي الصالة قبل الخطبة(،)3
يكبر في الركعة األولى تكبيرة اإلحرام ثم يقرأ دعاء االستفتاح ،ثم يكبر
ست تكبيرات :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر؛،
لحديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص قال :قال النبي (( :التكبيرة في
الفطر :سبع في األولى ،وخمس في اآلخرة ،والقراءة بعدهما
كلتيهما))()4؛ ولحديث عائشة رضي اهلل عنها((أن رسول اهلل كان يكبر في
الفطر واألضحى في األولى سبع تكبيرات ،وفي الثانية خمس ًا سوى
تكبيرتي الركوع))( .)5وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن
باز رحمه اهلل يقول(( :هذه السبع التكبيرات مع تكبيرة اإلحرام ،وفي
الركعة الثانية يأتي بخمس غير تكبيرة النقل))(.)6
ح ْاسم َربّ َك
ثم يستعيذ ويقرأ الفاتحة وسورة ((ق)) أو سورة (( َس ّب ِ
َ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني البن قدامة،232/4 ،وانظر:الشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف.441/2 ،
( )2النسائي ،برقم ،1311وابن ماجه ،برقم ،1034وأحمد ،47/1وصححه األلباني ،وتقدم
تخريجه في صفة صالة الجمعة.
( )3البخاري،برقم ،123ومسلم،برقم ،881وتقدم تخريجه في أن السنة صالة العيد في المصلى.
( )4أبو داود ،كتاب الصالة ،باب التكبير في العيدين ،برقم ،1121والترمذي ،كتاب الجمعة ،باب ما
جاء في التكبير في العيدين ،برقم ،243وابن ماجه ،كتاب إقامة الصالة ،باب ما جاء في تكبير
اإلمام في صالة العيدين ،برقم ، 1271وحسنه األلباني في صحيح أبي داود ،412/1 ،وغيره،
وقال الترمذي في العلل :سألت البخاري عنه فقال(( :هو صحيح)).
( )5أبو داود ،كتاب الصالة ،باب التكبير في العيدين ،برقم ،1120 ،1131وابن ماجه ،كتاب إقامة
الصالة ،باب ما جاء في كم يكبر اإلمام في صالة العيدين؟ برقم ،1280وأحمد،70/3 ،وصححه
األلباني في صحيح سنن أبي داود 412/1،وغيره.
( )6سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام ،الحديث رقم .211
صالة العيدين 555
األعلى)) ،ثم يكمل الركعة ثم يقوم من الركعة األولى مكبر ًا ،ثم يكبر
خمساً بعد أن يستتم قائماً ،وقد ثبت عن ابن عباس رضي اهلل عنهما(( :أنه كان
يكبر في العيد في األولى سبع تكبيرات بتكبيرة االفتتاح وفي اآلخرة
ستاً بتكبيرة الركعة كلهن قبل القراءة))( .)1ثم يقرأ الفاتحة وسورة اقتربت
أو سورة الغاشية()2؛ لحديث أبي واقد الليثي أن عمر بن الخطاب
سأله :ما كان يقرأ به رسول اهلل في األضحى والفطر ،فقال((:يقرأ
انش َّق القمر)3(؛اع ُة َو َ ِ ِ ِ ِ
الس َ
فيهما بـق َوا ْل ُق ْرآن الـْ َمجيد وا ْق َت َر َبت َّ
ولحديث النعمان بن بشير قال(( :كان رسول اهلل يقرأ في العيدين
يث الغاشية، اك َح ِد ُ ح ْاس َم َربّ َك األعلى،وَ ه ْل أَ َت َ وفي الجمعة بـَ س ّب ِ
قال :وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما في
الصالتين))( .)4ويرفع يديه مع كل تكبيرة لعموم األحاديث()5؛ ولفعل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن أبي شيبة،1/2/2 ،والفريابي ،143/1،وصحح إسناده األلباني في إرواء الغليل.111/4 ،
( )2قال اإلمام ابن قدامة في المغني((:يدعو بدعاء االستفتاح عقيب التكبيرة األولى [اإلحرام] ثم يكبر
تكبيرات العيد،ثم يتعوذ ويقرأ،وهذا [المشهور من مذهب أحمد و] مذهب الشافعي،وعن أحمد رواية
أخرى،أن االستفتاح بعد التكبيرات،اختارها الخالل وصاحبه،وهو قول األوزاعي؛ألن االستفتاح تليه
االستعاذة،وهي قبل القراءة،وقال أبو يوسف:يتعوذ قبل التكبير؛لئال يفصل بين االستفتاح
واالستعاذة،ولنا أن االستفتاح شرع يستفتح به الصالة،فكان في أولها كسائر الصلوات،واالستعاذة
اس َت ِع ْذ بِاهلل شرعت للقراءة،فهي تابعة لها،فتكون عند االبتداء بها؛لقول اهلل تعالىَ :ف ِإ َذا َق َرأْ َت ا ْل ُق ْر َ
آن َف ْ
يم[ سورة النحل .]18 :وقد روى أبو سعيد أن النبي كان يتعوذ قبل القراءة [أبو الشي َط ِ
ان الر ِج ِ ِمن
َّ َ َّ ْ
داود،برقم ،]772وإنما جمع بينهما في سائر الصلوات؛ألن القراءة تلي االستفتاح من غير فاصل،فلزم
أن يليه ما يكون في أولها،بخالف مسألتنا،وأيا ما فعل كان جائزاً)) المغني-274/4 ،
،273وانظر الشرح الكبير البن قدامة المطبوع مع المقنع واإلنصاف. 432-431/2 ،
( )3مسلم ،كتاب العيدين ،باب ما يقرأ في صالة العيدين ،برقم . 811
( )4مسلم ،كتاب الجمعة ،باب ما يقرأ في صالة الجمعة ،برقم . 878
( )5قال اإلمام ابن قدامة(( :وجملته أنه يستحب أن يرفع يديه في حال تكبيره حسب رفعهما مع تكبيرة
اإلحرام،وبه قال عطاء،واألوزاعي ،وأبو حنيفة ،والشافعي ،وقال مالك ،والثوري:ال يرفعهما فيما عدا تكبيرة
اإلحرام؛ ألنها تكبيرات في أثناء الصالة فأشبهت تكبيرات السجود))[،ولكن قد روى الفريابي 143/2،عن الوليد
بن مسلم قال :سألت مالك بن أنس عن ذلك -يعني الرفع في التكبيرات الزوائد -فقال :نعم ارفع يديك مع كل
تكبيرة ،ولم أسمع فيه شيئاً] قال ابن قدامة(( :ولنا ما روي أن النبي كان يرفع يديه مع التكبير [يعني حديث
يرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع ،حتى تنقضي صالته ،أبو داود ،برقم ،722وصححه األلباني في
=
صالة العيدين
555
عمر ،)1(ويقول بين التكبيرات ما ثبت عن ابن مسعود بحضرة
حذيفة وأبي موسى ،أن الوليد بن عقبة قال :إن العيد قد حضر فكيف
أصنع؟ فقال ابن مسعود :تقول :اهلل أكبر ،وتحمد اهلل ،وتثني عليه،
وتصلي على النبي ،وتدعو اهلل ،ثم تكبر ،وتحمد اهلل وتثني عليه،
وتصلي على النبي ،ثم تكبر ،وتحمد اهلل ،وتثني عليه وتصلي على
النبي ،وتدعو اهلل ،ثم تكبر ،وتحمد اهلل ،وتثني عليه ،وتصلي على
النبي وتدعو اهلل ثم تكبر ،فقال حذيفة وأبو موسى :أصاب))(.)2
وقال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل تعالى(( :وكان [ ]يبدأ بالصالة قبل
الخطبة ،فيصلي ركعتين ،يكبر في األولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة
االفتتاح( )3يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة ،ولم يحفظ عنه ذكر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
صحيح أبي داود ،201/1 ،وهو في استفتاح الصالة] قال أحمد :أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله،
وروي عن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة :في الجنازة،وفي العيد.رواه األثرم،وال يعرف له مخالف في
الصحابة،وال يشبه هذا تكبير السجود؛ألن هذه يقع طرفاها في حال القيام،فهي بمنزلة تكبيرة االفتتاح))[.المغني،
ضعف األلباني حديث عمر في إرواء الغليل،112/4 ،وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز يقول ]274-272/4؛ لكن ّ
أثناء تقريره على منتقى األخبار للمجد ابن تيمية ،الحديث رقم ((.1374وال بأس أن يكبر بين التكبيرات :اهلل أكبر
كبيراً ،والحمد هلل كثيراً ،وسبحان اهلل بكرة وأصيالً ،والسنة رفع اليدين في جميع التكبيرات كما فعل عمر ،
وغيره)).
( )1البيهقي 214/4 ،وضعفه األلباني في اإلرواء ،برقم ،330ولكن قال(( :وفي التلخيص (،)132
(( واحتج ابن المنذر والبيهقي بحديث روياه من طريق بقية عن الزبيدي ،عن الزهري عن سالم عن
أبيه في الرفع عند اإلحرام والركوع والرفع منه ،وفي آخره(( :ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل
الركوع)) وصححه األلباني كما تقدم .إرواء الغليل ،112/4 ،واستدلوا بعموم حديث وائل أن
النبي كان يرفع يديه مع التكبير .أحمد ،413/3 ،وحسنه األلباني في إرواء الغليل. 114/4 ،
( )2الطبراني في الكبير،404/1،برقم ،1212ورقم ،1224وصححه األلباني في إرواء الغليل. 112/4،
( )3قال اإلمام ابن قدامة ((قال أبو عبد اهلل :يكبر في األولى سبعاً مع تكبيرة اإلحرام ،وال يعتد بتكبيرة
الركوع؛ ألن بينهما قراءة ،ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات ،وال يعتد بتكبيرة النهوض ،ثم
يقرأ في الثانية ،ثم يكبر ويركع ،وروي ذلك عن فقهاء المدينة السبعة ،وعمر بن عبد العزيز،
والزهري ،ومالك ،والمزني ،وروي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ،وابن عباس ،وابن عمر،
ويحيى األنصاري ،قالوا :يكبر في األولى سبعاً وفي الثانية خمساً ،وبه قال األوزاعي ،والشافعي،
إال أنهم قالوا :يكبر سبعاً في األولى سوى تكبيرة االفتتاح ،وروي عن ابن عباس ،وأنس،
=
صالة العيدين 555
معين بين التكبيرات ،ولكن ُذكر عن ابن مسعود أنه قال:يحمد اهلل،
ويثني عليه ويصلي على النبي ،ذكره الخالل،وكان ابن عمر مع تحريه
لالتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة…))(.)1
ثامناً :خطبة صالة العيد بعد الصالة :فإذا سلم اإلمام قام فاستقبل
الناس وخطبهم( )2بما يناسب الحال ،فإن كان في عيد الفطر :أمرهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
والمغيرة بن شعبة ،وسعيد بن المسيب ،والنخعي ،يكبر سبعاً سبعاً ،وقال أبو حنيفة والثوري في
األولى والثانية :ثالث ًا ثالثاً ،ولنا أحاديث كثيرة ،وعبد اهلل بن عمر ،وعائشة التي قدمناها ،قال ابن
كبر في العيد سبع ًا في األولى ،وخمساً
َّ
عبد البر :قد روي عن النبي من طرق كثيرة حسان أنه
في الثانية ،من حديث عبد اهلل بن عمرو ،وابن عمر ،وجابر ،وعائشة ،وأبي واقد ،وعمرو بن عوف
المزني ،ولم يرو عنه من وجه قوي وال ضعيف خالف هذا ،وهو أولى ما عمل به ))...المغني،
، 272-271/4وانظر :الشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف. 432/2 ،
( )1زاد المعاد. 334/1 ،
( )2األحاديث الصحيحة لم تصرح بخطبتي العيد والذي اعتمد عليه الفقهاء رحمهم اهلل هو ما جاء
عن عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة أحد الفقهاء السبعة زمن التابعين أنه قال(( :السنة أن يخطب اإلمام
في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس)) [أخرجه الشافعي في مسنده ،128/1 ،واألم،211/1 ،
وهو بهامش األم ،ص ،]110قال الشوكاني في هذا الحديث(( :يرجحه القياس على الجمعة،
وعبيد اهلل بن عبد اهلل تابعي كما عرفت فال يكون قوله(( :من السنة)) دليالً على أنها سنة النبي
كما تقرر في األصول)) .نيل األوطار ،303/2 ،وقد ورد في حديث جابر قال :خرج رسول اهلل
يوم فطر أو أضحى فخطب قائماً ،ثم قعد قعدة ثم قام)) [ابن ماجه ،برقم ،1281قال
الشوكاني(( :في إسناده إسماعيل بن مسلم ،وهو ضعيف)) [نيل األوطار ،303/2 ،وقال العالمة
األلباني(( :منكر سند ًا ومتناً :والمحفوظ أن ذلك في خطبة الجمعة ومن حديث جابر بن سمرة كما
في (م) .ضعيف ابن ماجه ،ص ،12والتعليق على ابن خزيمة ،]431/2 ،وسمعت شيخنا اإلمام
عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز أثناء تقريره على حديث عبيد اهلل بن عبد اهلل في منتقى األخبار،
برقم ،1382يقول(( :هذا الحديث مرسل ولكن تقاس خطبة العيد على الجمعة مع هذا الحديث
المرسل ،وعلى هذا العلماء واألخيار ،ومن خطب خطبة واحدة للعيد ،فيذكر باتباع العلماء
واألخيار ،وأنهم لم يخطبوا خطبة واحدة وإنما خطبوا خطبتين)).
وقال العالمة محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل في الشرح الممتع على زاد المستقنع-111/2 ،
:112قوله(( :فإذا سلم خطب خطبتين)) ((هذا ما مشى عليه الفقهاء رحمهم اهلل أن خطبة العيد
اثنتان؛ ألنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر ...ومن نظر في السنة المتفق
عليها ،تبين له بأن النبي لم يخطب إال خطبة واحدة؛ لكنه بعد أن أنهى الخطبة األولى توجه
إلى النساء ووعظهن فإن جعلنا هذا أصالً في مشروعية الخطبتين فمحتمل مع أنه ال يصح؛ ألنه
إنما نزل إلى النساء وخطبهن لعدم وصول الخطبة إليهن ،وهذا احتمال ،ويحتمل أن يكون الكالم
=
صالة العيدين
550
بصدقة الفطر ،وبين لهم وجوبها ،وثوابها ،وقدر المخرج ،وجنسه،
َّ
وعلى من تجب ،وإلى من تدفع ،وأن من أخرجها قبل الصالة فهي زكاة
ُمتقبلة ،ومن أخرجها بعد الصالة فهي صدقة من الصدقات .ويأمر
ّ
بالتقوى ،ويعظ ،ويوصي بطاعة اهلل .وإن كان في عيد األضحى ذكر
األضحية ،وفضلها ،وأنها سنة مؤكدة جد ًا ،وبين ما يجزئ فيها ،ووقتها،
وذبحها ،والعيوب التي تمنع منها ،وكيفية تفرقتها ،وما يقول المسلم
عند ذبحها ،ويأمر بالتقوى ،ويوصي بطاعة اهلل تعالى ويذكر الناس،
ويأمر بالصدقة لفعل النبي .)1(
فقد ثبت في الحديث الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري
قال(( :كان النبي يخرج يوم الفطر واألضحى إلى المصلى ،فأول
شيء يبدأ به الصالة ،ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس
على صفوفهم ،فيعظهم ،ويوصيهم ،ويأمرهم ،فإن كان يريد أن يقطع
بعثاً قطعه ،أو يأمر بشيء أمر به ،ثم ينصرف)) .وفي لفظ مسلم :وكان
يقول(( :تصدقوا ،تصدقوا ،تصدقوا)) .وكان أكثر من يتصدق النساء ،ثم
ينصرف(.)2
وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما قال(( :شهدت مع رسول اهلل
الصالة يوم العيد فبدأ بالصالة قبل الخطبة بغير أذان وال إقامة ،ثم قام
متوكئ ًا على بالل ،فأمر بتقوى اهلل ،وحث على طاعته ،ووعظ الناس،
وذكرهم ،ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن ،وذكرهن ،فقال(( :تصدقن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
وصلهن ،ولكن أراد أن يخصهن بخصيصة؛ ولهذا ذكرهن ،ووعظهن ،بأشياء خاصة بهن)).
( )1انظر :المغني البن قدامة ،278/4 ،واإلعالم بفوائد عمدة األحكام البن الملقن ،222/3 ،وزاد المعاد،
،332/1والمقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف. 424-421/2،
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب العيدين ،باب الخروج إلى المصلى بغير منبر ،برقم ،123ومسلم،
كتاب صالة العيدين ،باب كتاب صالة العيدين ،برقم . 881
صالة العيدين 556
أكثركن حطب جهنم)) فقامت امرأة من ِسطة النساء سفعاء
()1
ّ فإن
()3
الشكاة
كثرن ّ ِ
فقالت:لم يا رسول اهلل؟ قال(( :ألنكن تُ ِ ()2
الخدين
(َ )4
وتكفرن العشير)) قال :فجعلهن يتصدقن من حليهن ،ويلقين في ثوب
ْ
بالل من أقرطهن( )5وخواتيمهن))( .)6ولفظ البخاري(( :قام النبي يوم
الفطر فصلى فبدأ بالصالة ،ثم خطب ،فلما فرغ نزل فأتى النساء،
فذكرهن وهو يتوكأ على يد بالل ،وبالل باسط ثوبه يلقي فيه النساء
الصدقة))(.)7
وعن طارق بن شهاب قال :أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل
الصالة :مروان ،فقام إليه رجل فقال :الصالة قبل الخطبة؟ فقال :قد ترك
ما هنالك ،فقال أبو سعيد :أما هذا فقد قضى ما عليه ،سمعت رسول اهلل
يقول(( :من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن
لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإليمان))(.)8
والخطبة بعد الصالة؛ لفعل النبي ؛ لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سطة النساء :من خيار النساء ،وفي بعض نسخ مسلم :وسطة النساء :والوسط العدل والخيار.
شرح النووي على صحيح مسلم ،322/3 ،ورجح أن المعنى :امرأة من وسط النساء جالسة في
وسطهن .شرح النووي. 323/3 ،
( )2سفعاء الخدين :فيها تغير وسواد .شرح النووي. 323/3 ،
( )3الشكاة :الشكوى .شرح النووي. 323/3 ،
( )4العشير :المخالط ،وحمله األكثرون على الزوج ،والمعنى أنهن يجحدن اإلحسان لضعف عقولهن ،وقلة
معرفتهن ،فيستدل به على ذم من يجحد إحسان ذي اإلحسان .شرح النووي. 323/3 ،
( )5من أقرطهن :جمع قرط ،وهو كل ما علق من شحمة األذن فهو قرط سواء كان من ذهب أو خرز،
وأما الخرص فهو الحلقة الصغيرة من الحلي .شرح النووي على صحيح مسلم. 323/3 ،
( )6خواتيمهن :جمع خاتم وفيه ست لغات ،والفتخ :الخواتيم العظام ،وقيل :هي خواتيم ال فصوص
لها ،اإلعالم بفوائد عمدة األحكام البن الملقن. 432/3 ،
( )7متفق عليه :البخاري ،كتاب العيدين ،باب موعظة اإلمام النساء يوم العيد ،برقم ،178ومسلم،
كتاب صالة العيدين ،باب صالة العيدين ،برقم .)882(-3
( )8مسلم ،كتاب اإليمان ،باب كون النهي عن المنكر من اإليمان ،برقم . 31
صالة العيدين
555
((شهدت( )1العيد مع رسول اهلل ،وأبي بكر ،وعمر ،وعثمان ،فكلهم
كانوا يصلون قبل الخطبة))(.)2
وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال(( :كان رسول اهلل وأبو بكر وعمر
رضي اهلل
عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة))( .)3قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل:
((وجملته أن خطبتي العيدين بعد الصالة ،ال نعلم فيه خالف ًا بين
المسلمين ،إال عن بني أمية… وال يعتد بخالف بني أمية؛ ألنه مسبوق
باإلجماع الذي كان قبلهم ،ومخالف لسنة رسول اهلل الصحيحة ،وقد
وع َّد بدعة ،ومخالفاً للسنة))(.)4 ِ
أ ُنك َر عليهم فعلهمُ ،
وخطبة العيد تبدأ بالحمد( )5قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل((:وكان يفتتح
خطبه كلها بالحمد هلل،ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي
العيدين بالتكبير .)6())...وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل(( :لم ينقل أحد
عن النبي أنه افتتح خطبة بغير الحمد( :)7ال خطبة عيد ،وال خطبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1شهدت :حضرت.
( )2متفق عليه :البخاري ،كتاب العيدين ،باب الخطبة بعد العيد ،برقم ،132ومسلم ،كتاب صالة
العيدين ،باب كتاب صالة العيدين ،برقم . 883
( )3م تفق عليه :البخاري ،كتاب العيدين ،باب الخطبة بعد العيد ،برقم ،134ومسلم ،كتاب صالة
العيدين ،باب كتاب صالة العيدين ،برقم . 888
( )4المغني. 273/4 ،
( )5وقيل يبدأ بالتكبير؛لحديث عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة قال(( :السنة التكبير على المنبر يوم العيد،يبتدئ خطبته
األولى بتسع تكبيرات قبل أن يخطب،ويبدأ اآلخرة بسبع))[أخرجه عبد الرزاق،برقم،2373-2372وابن أبي
شيبة ،110/2،والبيهقي ،211/4 ،وعبيد اهلل من التابعين.وعن عمار بن سعد مؤذن رسول اهلل قال :كان
النبي يكبر بين أضعاف الخطبة ،يكثر التكبير في خطبة العيدين)) [ابن ماجه ،برقم ،1287والحاكم،
ّ
،307/4والبيهقي ،211/4 ،وضعفه األلباني في إرواء الغليل ،120/4 ،لضعف عبد الرحمن بن سعد،
وأبوه وجده ال يعرف حالهم .وانظر :ضعيف ابن ماجه ،ص. 12
( )6زاد المعاد. 337/1 ،
( )7قال ابن القيم(( :وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين ،واالستسقاء ،فقيل :يفتتحان بالتكبير،
وقيل :تفتتح خطبة االستسقاء باالستغفار،وقيل:يفتتحان بالحمد،قال شيخ اإلسالم ابن تيمية:وهو
الصواب؛ألن النبي قال((:كل أمر ذي بال ال يبدأ فيه بحمد اهلل فهو أجذم))[.أحمد ،برقم ،8317وأبو
داود،برقم ،3830وابن ماجه،برقم ،1813وضعفه األلباني في ضعيف أبي داود،ص،413برقم
=
صالة العيدين 555
()1
. )) استسقاء ،وال غير ذلك
ودلت السنة أن النبي كان يخطب يوم العيد على مكان مرتفع؛
لحديث جابر وفيه(( :قام النبي يوم الفطر ،فصلى ،فبدأ بالصالة،
ثم خطب ،فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن…))( .)2قال اإلمام ابن
القيم رحمه اهلل(( :وال ريب أن المنبر لم يكن يخرج من المسجد ،وأول
من أخرجه مروان بن الحكم،فأُنكر عليه ،وأما منبر اللبن والطين فأول
من بناه كثير بن الصلت في إمارة مروان على المدينة ،فلعله كان
يقوم في المصلى إلى مكان مرتفع ،أو دكان ،وهي التي تسمى مصطبة،
ثم ينحدر منه إلى النساء فيقف عليهن ،فيخطبهن ،فيعظهن ،ويذكرهن،
واهلل أعلم( .)3وعن أبي كامل األحمسي قال(( :رأيت النبي يخطب
على ناقة ،وحبشي آخذ بخطام الناقة))(.)4
ٌّ
()5
ورخص النبي لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة ،وأن يذهب ؛ ّ
لحديث عبد اهلل بن السائب قال(( :شهدت مع رسول اهلل العيد
فلما قضى الصالة قال(( :إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة
فليجلس ،ومن أحب أن يذهب فليذهب))( .)6قال اإلمام ابن قدامة رحمه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
،]3830وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد)) .زاد المعاد. 338/1 ،
( )1مجموع فتاوى ابن تيمية. 414/22 ،
( )2متفق عليه :البخاري برقم ،178ومسلم ،برقم ،882وتقدم تخريجه.
( )3زاد المعاد. 337/1 ،
( )4النسائي ،كتاب صالة العيدين ،باب الخطبة على البعير ،برقم ،1272وابن ماجه ،كتاب إقامة
الصلوات ،باب ما جاء في الخطبة في العيدين ،برقم ،1283وحسنه األلباني في صحيح النسائي،
برقم . 1272
( )5زاد المعاد. 338/1 ،
( )6أبو داود،كتاب الصالة،باب الجلوس للخطبة،برقم ،1122والنسائي،كتاب صالة العيدين ،باب
التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين ،برقم ،1270وابن ماجه ،كتاب إقامة الصلوات ،باب ما
جاء في انتظار الخطبة بعد الصالة ،برقم ،1210وصححه األلباني في صحيح النسائي،
،210/1وفي المواضع السابقة كلها وغيرها.
صالة العيدين
555
اهلل(( :والخطبة سنة ال يجب حضورها ،وال استماعها ،وإنما أ ُ ّخرت عن
الصالة واهلل أعلم؛ ألنها لما كانت غير واجبة جعلت في وقت يتمكن
من أراد تركها ِم ْن َتر ِك َها ،بخالف خطبة الجمعة ،واالستماع لها
ْ
أفضل))( ،)1وثبت أن النبي خطب يوم األضحى بمنى في حجة الوداع
على ناقته العضباء( ،)2وخطب بين أوسط أيام التشريق بمنى( ،)3وعن
أبي أمامة قال :سمعت خطبة رسول اهلل بمنى يوم النحر(.)4
وعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال :خطبنا رسول اهلل ونحن
بمنى ف ُفتحت أسماعنا ،حتى ُك َّنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا،فطفق
يعلمهم مناسكهم…))(.)5
فظهر في هذه األحاديث أن النبي خطب في منى في حجة الوداع:
يوم النحر،ثم خطب أوسط أيام التشريق ،ومن أعظم خطبه ما ثبت من
حديث أبي بكر قال :خطبنا رسول اهلل يوم النحر [قعد على بعيره
وأمسك إنسان بخطامه،أو بزمامه ،ثم قال] ((أتدرون أي يوم هذا))؟ قلنا:
اهلل ورسوله أعلم،فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ،فقال((:أليس
أي شهر هذا))؟ قلنا:اهلل ورسوله أعلم، يوم النحر))؟ قلنا :بلى،قالّ (( :
َ
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه،فقال(( :أليس بذي الحجة))؟
أي بلد هذا))؟ قلنا :اهلل ورسوله أعلم ،فسكت حتى ظننا قلنا :بلى ،قالّ (( :
أنه سيسميه بغير اسمه،قال((:أليست بالبلدة الحرام))؟ قلنا :بلى ،قال((:فإن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني ،271/4 ،وانظر :المقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف. 428-421/2 ،
( )2أبو داود ،كتاب المناسك ،باب من قال خطب يوم النحر ،برقم ،1123وحسنه األلباني في
صحيح أبي داود ،231/1،وأخرجه أحمد أيضاً. 382/4،
( )3أبو داود ،كتاب المناسك ،باب أي يوم خطب بمنى ،برقم ،122وصححه األلباني في صحيح
سنن أبي داود. 238/1،
( )4سنن أبي داود ،كتاب المناسك ،باب من قال خطب يوم النحر ،برقم ،1122وصححه األلباني
في صحيح أبي داود. 231/1،
( )5أبو داود ،كتاب المناسك ،باب ما يذكر اإلمام بخطبته في منى ،برقم ،1127وصححه األلباني
في صحيح أبي داود. 231/1،
صالة العيدين 555
دماءكم ،وأموالكم،وأعراضكم ،وأبشاركم ،عليكم حرام:كحرمة يومكم
هذا،في شهركم هذا ،في بلدكم هذا،إلى يوم تلقون ربكم،أال هل
الغائب،فر َّب مب َّلغ الشاهد
ُ ب ّلغت))؟ قالوا :نعم ،قال((:اللهم اشهد ،فليب ّلغ
َ ُ
أوعى من سامع،فال ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب
بعض)).وفي لفظ((:وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم))(.)1
تاسعاً :التكبير أيام العيد نوعان على النحو اآلتي:
النوع األول :التكبير المطلق،وهو الذي ال يتقيد بأدبار الصلوات ،بل
يشرع في كل وقت:وهو في عيد الفطر،وعيد األضحى،والذي ينبغي معرفته
عن التكبير المطلق في العيدين:وقته،وصفته،وذلك على النحو اآلتي:
- 5وقت التكبير المطلق في عيد الفطر،وعيد األضحى على النحو اآلتي:
أ -يبتدئ التكبير المطلق في عيد الفطر من غروب الشمس آخر يوم
من رمضان :إما بإكمال ثالثين يوم ًا ،وإما برؤية هالل شوال ،فإذا غربت
شمس آخر يوم من رمضان شرع التكبير المطلق ،لقول اهلل تعالى:
ون )2(ويستمر َ و ِل ُت ْك ِم ُلو ْا ا ْل ِع َّد َة َو ِل ُت َك ّب ُرو ْا اهلل َع َلى َما َه َد ُ
اك ْم َو َل َع َّل ُك ْم َت ْش ُك ُر َ
في التكبير من غروب الشمس إلى أن يفرغ اإلمام من الخطبة(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري ،كتاب العلم ،باب قول النبي (( :رب مبلغ أوعى من سامع)) ،برقم ،37وكتاب الحج،باب
الخطبة أيام منى،برقم ،1731وكتاب الفتن،باب قول النبي (( :ال ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم
رقاب بعض))،برقم ،7078وكتاب التوحيد،باب قول اهلل تعالى :وجوه يوم ِئ ٍذ ن ِ
اضرة* ِإلى ربها ن ِ
اظرةٌ،
ُ ُ ٌ َ ْ َ َّ َ ٌ َ َ ّ َ َ َ
برقم . 7337
( )2سورة البقرة ،اآلية . 182 :
( )3فقد جاء عن النبي أنه كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي صالته ،فإذا
قضى الصالة قطع التكبير[ ،ابن أبي شيبة في المصنف ،والمحامي في كتاب صالة العيدين ،وتقدم
تخريجه في التكبير في الطريق إلى مصلى العيد] .قال المرداوي في اإلنصاف لمعرفة الراجح من
الخالف(( :437-433/2 ،ويستحب التكبير في ليلتي العيدين ،أما ليلة عيد الفطر فيسن التكبير فيها بال
نزاع أعلمه ،ونص عليه ،ويستحب أيضاً أن يكبر من الخروج إليها إلى فراغ الخطبة على الصحيح من
المذهب وعليه أكثر األصحاب،منهم القاضي وأصحابه،وهو من المفردات،وعنه إلى خروج اإلمام إلى
صالة العيد ،وقيل إلى سالمه ،وعنه إلى وصول المص ّلي إلى المص َّلى،وإن لم يخرج اإلمام)).قال العالمة
ابن عثيمين رحمه اهلل((:ويسن التكبير المطلق في عشر ذي الحجة،وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة إلى
آخر اليوم التاسع،وسميت عشراً وهي تسع من باب التغليب،فالمطلق في ليلتي العيدين من غروب
=
صالة العيدين
555
ب -يبتدئ التكبير المطلق في عيد األضحى من أول عشر ذي الحجة
إلى آخر يوم من أيام التشريق :في جميع األوقات ،في الليل ،والنهار،
والطريق ،واألسواق ،والمساجد ،والمنازل ،وفي كل موضع يجوز فيه ذكر
اهلل تعالى؛ لقول اهلل تعالىِ :لي ْش َه ُدوا َم َن ِاف َع َل ُهم َو َي ْذ ُكروا ْاسم اهلل ِفي أَ َّي ٍام
َ ُ ْ َ
هِيم ِة األنعام َف ُك ُلوا ِم ْن َها َوأَ ْط ِع ُموا ا ْلبائِ َس ا ْل َف ِقير،)1(
َ
مع ُلوم ٍ
ات َع َلى َما َر َز َق ُهم ّمن َب َّ ْ َ
َ َ
ودات ، قال ابن عباس رضي اهلل
ٍ ()2 ٍ َ ِ
وقول اهلل َ :وا ْذ ُك ُرو ْا اهلل في أ َّيام َّم ْع ُد َ
ات :أيام العشر،واأليام المعدودات: عنهما:وي ْذ ُكروا اسم اهلل ِفي أَي ٍام مع ُلوم ٍ
َّ َّ ْ َ َ َ ُ (َ ْ )3
أيام التشريق)) .
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال(( :األيام المعلومات
التي قبل يوم التروية،ويوم التروية ،ويوم عرفة،والمعدودات أيام
التشريق))()4؛ ولحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما ،عن النبي قال(( :ما من
أيام أعظم عند اهلل وال أحب إليه من العمل فيهن ،من هذه األيام العشر،
فأكثروا فيهن :من التهليل ،والتكبير ،والتحميد))()5؛ ولحديث ابن عباس
رضي اهلل عنهما ،قال :قال رسول اهلل ((:ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب
إلى اهلل من هذه األيام العشر)) فقالوا:يا رسول اهلل،وال الجهاد في سبيل
اهلل؟فقال رسول اهلل ((:وال الجهاد في سبيل اهلل إال رجل خرج بنفسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
الشمس إلى أن ينتهي اإلمام من خطبته على مذهب الحنابلة،أو إلى خروج اإلمام من البلد،فإذا رأوه
سكتوا،أو إلى أن تبتدئ الصالة أو إلى أن تنتهي الصالة،والخالف في هذا أمره سهل،ومعلوم أن اإلمام
إذا حضر سيشرع في الصالة وينقطع كل شيء،وإذا انتهى من الصالة سيشرع في الخطبة))،الشرح الممتع،
. 212/2
( )1سورة الحج ،اآلية. 28 :
( )2سورة البقرة ،اآلية. 204 :
( )3البخاري،كتاب العيدين،باب فضل العمل في أيام التشريق،قبل الحديث رقم 131بصيغة الجزم،وقال
النووي في شرح المذهب(( :482/8،رواه البيهقي بإسناد صحيح)).
( )4ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري،328/2،وعزاه إلى ابن مردويه،وقال((:إسناده صحيح)).
( )5أخرجه أحمد،برقم ،2333ورقم ،3123وقال أحمد شاكر في شرحه للمسند((:223/7،إسناده صحيح)).
صالة العيدين 555
()1
وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) .
رضي وقال اإلمام البخاري رحمه اهلل تعالى((:وكان ابن عمر،وأبو هريرة
اهلل عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس
بتكبيرهما ،ويكبر محمد بن علي خلف النافلة))(،)2وقال اإلمام البخاري
رحمه اهلل تعالى(( :وكان عمر يكبر في قبته بمنى،فيسمعه أهل
ترتج منى تكبير ًا،وكان ابن ّ المسجد فيكبرون ويكبر أهل األسواق حتى
عمر يكبر بمنى تلك األيام،وخلف الصلوات،وعلى فراشه،وفي
ُفسطاطه ،ومجلسه ،وممشاه تلك األيام جميع ًا ،وكانت ميمونة تكبر يوم
النحر،وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز َّ
()3
ليالي التشريق مع الرجال في المسجد)) .وعن أم عطية رضي اهلل عنها
قالت:كنا نؤمر أن َنخرج يوم العيد حتى نُخرج البكر من خدرها،حتى
ض،فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ،ويدعون بدعائهم، ّ نُخرج الحي
(ُ)4 ّ
يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته)) ؛ ولحديث نبيشة الهذلي قال:قال
رسول اهلل (( :أيام التشريق أيام أكل وشرب [وذكر هلل]))(.)5
قال اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل(( :أما التكبير في األضحى
فمشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث من شهر ذي الحجة)) ثم
ذكر آية البقرة والحج واألحاديث واآلثار السابقة(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري،كتاب العيدين،باب فضل العمل في أيام التشريق،برقم ،131واللفظ للترمذي،برقم . 727
( )2البخاري ،كتاب العيدين ،باب فضل العمل في أيام التشريق ،قبل الحديث رقم .131وقال
الحافظ في الفتح 328/2 ،في أثر محمد بن علي(( :وقد وصله الدارقطني ...قال حدثنا أبو هنة
رزيق المدني ،قال :رأيت أبا جعفر محمد بن علي يكبر بمنى في أيام التشريق خلف النوافل)).
( )3البخاري،كتاب العيدين،باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة،قبل الحديث رقم . 170
( )4البخاري،كتاب العيدين،باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة،الحديث رقم . 171
( )5مسلم،كتاب الصوم،باب تحريم صوم أيام التشريق،وبيان أنها أيام أكل وشرب وذكر هلل ،برقم 1131
.
( )6مجموع فتاوى ابن باز. 18/14 ،
صالة العيدين
555
- 2صفة التكبير جاء في آثا ٍر عن أصحاب النبي على أنواع متعددة منها ما يلي:
أ -كان عبد اهلل بن مسعود يقول(( :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،ال إله إال
اهلل ،واهلل أكبر ،اهلل أكبر ،وهلل الحمد))( .)1قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل:
((وهذا قول :عمر ،وعلي ،وابن مسعود ،وبه قال الثوري ،وأبو حنيفة،
وأحمد ،وإسحاق ،وابن المبارك إال أنه زاد :على ما هدانا ،لقوله:
َ و ِل ُت ْك ِم ُلو ْا ا ْل ِع َّد َة َو ِل ُت َك ّب ُرو ْا اهلل َع َلى َما َه َد ُْ
اكم.)2(
ب -وكان ابن عباس رضي اهلل عنهما يقول((:اهلل أكبر،اهلل أكبر،اهلل أكبر،وهلل الحمد،
اهلل أكبر وأجل ،اهلل أكبر على ما هدانا))(.)3
ج -وكان سلمان يقول(( :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر كبيراً))(.)4
د -وكان عبد اهلل بن مسعود يقول(( :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر،
ال إله إال اهلل ،واهلل أكبر وهلل الحمد))(.)5
قال اإلمام الصنعاني رحمه اهلل(( :وفي الشرح صفات كثيرة عن عدة
من األئمة وهو يدل على التوسعة في األمر؛ وإطالق اآلية يقتضي
ذلك))( )6واهلل أعلم(.)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن أبي شيبة ،138/2 ،قال العالمة األلباني في إرواء الغليل(( :122/4 ،وإسناده صحيح)) .وقال:
((ولكنه ذكره في مكان آخر بالسند نفسه بتثليث التكبير)).
( )2المغني ،210/4 ،قال :وقال مالك ،والشافعي ،يقول(( :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر؛ ألن جابراً
صلى في أيام التشريق ،فلما فرغ من صالته قال :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر ...،ولنا خبر جابر،
عن النبي ، وهو نص في كيفية التكبير ،وأنه قول الخليفتين الراشدين ،وقول ابن مسعود))
المغني البن قدامة.210/4 ،
( )3البيهقي في السنن الكبرى ،412/4،قال العالمة األلباني في إرواء الغليل(( :122/4 ،وسنده
صحيح أيضاً)).
( )4ذكره ابن حجر في فتح الباري 332/2 ،فقال(( :وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه :ما أخرجه
عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان ،قال :كبروا اهلل :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر كبيراً)) ،وأخرجه
البيهقي في السنن الكبرى ،413/4 ،ولكنه بلفظ(( :كبروا :اهلل أكبر ،اهلل أكبر كبيراً)).
( )5مصنف ابن أبي شيبة. 132/2 ،
( )6سبل السالم. 237/4 ،
( )7قال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل(( :وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق
=
صالة العيدين 555
النوع الثاني التكبير المقيد :وهو الذي يُقيد بأدبار الصلوات في عيد األضحى
َّ َّ
خاصة،ووقته،وصفته على النحو اآلتي:
- 1يبتدئ التكبير المقيد من عقب صالة الفجر يوم عرفة ،وينتهي
َّ
بعد صالة العصر في اليوم الثالث من أيام التشريق؛ لما ورد عن علي بن
أبي طالب الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين (( :أنه كان يكبر من
صالة الفجر يوم عرفة إلى صالة العصر من آخر أيام التشريق ،ويكبر
بعد العصر))( ،)1ولما ورد عن عمر الخليفة الراشد (( :أنه كان يكبر
من صالة الغداة يوم عرفة إلى صالة الظهر من آخر أيام التشريق))(،)2
ولما ورد عن ابن عباس رضي اهلل عنهما ((أنه كان يكبر من صالة الفجر يوم
عرفة إلى آخر أيام التشريق ،ال يكبر في المغرب))( .)3ولما ورد عن ابن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
بسند صحيح عن سلمان قال(( :كبروا اهلل :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر كبيراً)) ونقل عن سعيد بن
جبير ،ومجاهد،وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه جعفر الفريابي في كتاب العيدين،من طريق يزيد
ابن أبي زياد عنهم ،وهو قول الشافعي ،وزاد ((وهلل الحمد)).
وقيل يكبر ثالثاً ،ويزيد :ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،إلخ)) وقيل :يكبر ثنتين بعدهما :ال إله
إال اهلل ،واهلل أكبر ،اهلل أكبر ،وهلل الحمد ،جاء ذلك عن عمر ،وعن ابن مسعود نحوه ،وبه قال
أحمد ،وإسحاق ،وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك ال أصل لها)) [فتح الباري،]332/2 ،
وذكر العالمة ابن عثيمين رحمه اهلل أن صفة التكبير فيها ثالثة أقوال ألهل العلم:
األول :أنه شفع(( :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،ال إله إال اهلل ،واهلل أكبر اهلل أكبر ،وهلل الحمد)).
الثاني :أنه وتر(( :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،ال إله إال اهلل ،واهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر وهلل الحمد)).
الثالث :أنه وتر في األولى شفع في الثانية :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،ال إله إال اهلل ،واهلل أكبر ،اهلل
أكبر ،وهلل الحمد)) .الشرح الممتع ،222/2 ،وانظر :المغني البن قدامة ،210/4 ،واإلعالم بفوائد
عمدة األحكام ،البن الملقن.232/3 ،
( )1مصنف ابن أبي شيبة،132/2،والحاكم وصححه،211،والبيهقي،413/4،وصححه النووي في المجموع
،42/2وقال األلباني في إرواء الغليل((:122/4،وقد صح عن علي .))
( )2ابن أبي شيبة ،133/2 ،والبيهقي في السنن الكبرى ،413/4 ،وفيه الحجاج بن أرطأة ،وقد
صححه الحاكم ،211/1 ،وصححه النووي في المجموع ،42/4 ،وقال األلباني في إرواء الغليل،
(( :122/4وسنده صحيح)).
( )3ابن أبي شيبة ،137/2 ،والبيهقي ،413/4 ،والحاكم وصححه ،211/1 ،وصححه النووي في
المجموع ،42/4 ،وقال األلباني في إرواء الغليل(( :122/4 ،وسنده صحيح)).
صالة العيدين
550
مسعود أنه كان(( :يكبر من صالة الصبح يوم عرفة إلى صالة العصر
من آخر أيام التشريق))( .)1وفي الباب آثار كثيرة عن بعض أصحاب
النبي )2(واهلل أعلم( .)3قال الحاكم رحمه اهلل(( :فأما من ِف ْع ِل عمر،
فصح عنهم التكبير ،من غداةَّ وعلي ،وعبد اهلل بن عباس،وعبد اهلل بن مسعود،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الحاكم وصححه،400-211/1،واللفظ له،وصححه النووي في المجموع ،42/2،وابن أبي شيبة،
،133/2ولكن بلفظ ...(( :إلى صالة العصر من يوم النحر)).
( )2فقد جاء عن جابر مرفوعاً :في الدارقطني ،31/2 ،والبيهقي ،412/4 ،ولكن فيه كالم ،انظر :إرواء
الغليل لأللباني ،123/4وجاء عن زيد بن ثابت ،عند ابن أبي شيبة ،133/2 ،وعن عمار عند
الحاكم ،211/1 ،وصححه ،وضعفه النووي في المجموع. 42/4 ،
( )3قال اإلمام النووي رحمه اهلل(( :أما التكبير بعد الصالة في عيد األضحى فاختلف علماء السلف ومن
بعدهم فيه على نحو عشرة مذاهب ،هل ابتداؤه :من صبح يوم عرفة ،أو ظهره ،أو صبح يوم النحر ،أو
ظهره ،وهل انتهاؤه :في ظهر يوم النحر [وقيل إلى عصره] أو ظهر أول أيام النفر ،أو في صبح آخر
أيام التشريق ،أو ظهره ،أو عصره ،واختار مالك والشافعي وجماعة :ابتداؤه من يوم النحر ،وانتهاؤه
صبح آخر أيام ال تشريق ،وللشافعي قول إلى العصر من آخر أيام التشريق ،وقول إنه من صبح يوم
عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق ،وهو الراجح عند جماعة من أصحابنا وعليه العمل في األمصار)).
شرح النووي على صحيح مسلم ، 340/3 ،وما بين المعقوفين من فتح الباري البن حجر،332/2 ،
نقال ً عن غير ا لنووي .وقال اإلمام ابن الملقن في اإلعالم بفوائد عمدة األحكام(( :221/3 ،وأما
التكبير بعد الصلوات وغيرها :ففي عيد الفطر ال يسن عقب صلوات ليلته على األصح ،وفي عيد
األضحى اختلف علماء السلف)) .ثم ساق كالم النووي .ثم قال(( :فرع :مذهب مالك ،والشافعي،
وجماعة من أه ل العلم استحباب هذا التكبير :للمنفرد ،والجماعة ،والرجال ،والنساء ،والمقيم،
والمسافر ،وقال أبو حنيفة والثوري ،وأحمد :إنما يلزم جماعات الرجال ،ثم قال(( :فرع :اختلفوا في
التكبير عقب النوافل :فاألصح عند الشافعي أنه يكبر ،وقال مالك في المشهور عنه :ال يكبر ،وهو
قول الثوري ،وأحمد وإسحاق)) ا .هـ .وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكره لآلثار عن الصحابة وغيرهم
في التكبير المقيد بأدبار الصلوات (( :وقد اشتملت هذه اآلثار على وجود التكبير في تلك األيام عقب
الصلوات ،ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل ،ومنهم من خصه بالرجال دون النساء،
وبالجماعة دون المنفرد ،وبالمؤداة دون المقضية ،وبالمقيم دون المسافر ،وبساكن المصر دون القرية،
وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع ،واآلثار التي ذكرها تساعده)) فتح الباري شرح صحيح
البخاري ، 332/2 ،وقال العالمة محمد بن صالح العثيمين(( :وإذا رأيت اختالف العلماء بدون أن
نصاً فاصال ً فإن األمر في هذه المسألة واسع ،فإن كبر بعد صالته منفرداً فال حرج عليه ،وإن
يذكروا ّ
ّ
ترك التكبير ولو في الجماعة فال حرج عليه؛ ألن األمر واسع)) .الشرح الممتع البن عثيمين. 218/2 ،
وانظر:المغني البن قدامة،211/4،والمقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف،480-433/2،وشرح
السنة لإلمام البغوي ،400/3 ،وزاد المعاد البن القيم ،331/1 ،والكافي البن قدامة. 223/1 ،
صالة العيدين 556
()1
عرفة ،إلى آخر أيام التشريق)) .وقال الحافظ ابن حجر رحمه اهلل((:وأصح
ما ورد فيه عن الصحابة:قول علي،وابن مسعود،إنه من صبح يوم عرفة
إلى آخر أيام منى .أخرجه ابن المنذر وغيره ،واهلل أعلم))(.)2وقال شيخ
اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل(( :أصح األقوال في التكبير الذي عليه
جمهور السلف والفقهاء من الصحابة واألئمة:أن يكبر من فجر يوم
عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صالة.ويشرع لكل أحد أن يكبر
عند الخروج إلى العيد وهذا باتفاق األئمة األربعة))(.)3
وقال شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل(( :وروي
عن النبي وعن جماعة من الصحابة :التكبير في أدبار الصلوات
الخمس من صالة الفجر يوم عرفة إلى صالة العصر من يوم الثالث
عشر من ذي الحجة ،وهذا في حق غير الحاج ،أما الحاج فيشتغل في
حال إحرامه بالتلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر ،وبعد ذلك
يشتغل بالتكبير عند أول حصاة من الجمرة المذكورة ،وإن كبر مع التلبية
فال بأس ،لقول أنس (( :كان يلبي الملبي فال ينكر عليه ،ويكبر المكبر
فال ينكر عليه))( ،)4ولكن األفضل في حق المحرم هو التلبية وفي حق
الحالل هو التكبير في األيام المذكورة ،وبهذا تعلم أن التكبير المطلق
والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام ،وهي :يوم
عرفة ،ويوم النحر ،وأيام التشريق الثالثة ،وأما اليوم الثامن وما قبله إلى
أول الشهر فالتكبير فيه مطلق ال مقيد ،لما تقدم من اآلية واآلثار))(.)5
وقال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل(( :وأما المحرمون فإنهم يكبرون من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مستدرك الحاكم. 211/1 ،
( )2فتح الباري. 332/2 ،
( )3مجموع فتاوى ابن تيمية. 220/23 ،
( )4البخاري ،كتاب العيدين ،باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة ،برقم . 170
( )5مجموع فتاوى ابن باز. 11-18/14 ،
صالة العيدين
555
صالة الظهر يوم النحر ...ألنهم كانوا مشغولين قبل ذلك بالتلبية
وغيرهم يبتدئ من يوم عرفة لعدم المانع))(.)1
- 2صفة التكبير المقيد :هو مثل التكبير المطلق كما تقدم(((:)2اهلل أكبر،
اهلل أكبر ،ال إله إال اهلل ،واهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد))( ،)3وهو قول
الخليفتين الراشدين :عمر بن الخطاب ،وعلي ،وقول ابن مسعود ،وبه
قال الثوري ،وأبو حنيفة ،وأحمد ،وإسحاق رحمهم اهلل تعالى(.)4
عاش ارً:اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد:إذا وافق يوم عيد يوم
الجمعة حضر اإلمام ومن شاء من الناس ،وصلى بهم؛ لحديث إياس بن
أبي رملة الشامي ،قال :شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن
أرقم ،قال :أشهدت مع رسول اهلل عيدين اجتمعا في يوم؟ قال :نعم،
قال :فكيف صنع؟ قال :صلى العيد ثم رخص في الجمعة ،فقال(( :من
فليصل))()5؛ ولحديث أبي هريرة عن رسول اهلل أنه ّ شاء أن يصلي
قال(( :قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة ،وإنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني البن قدامة. 281/4 ،
( )2تقدم في صفة التكبير المطلق أنه جاء عن الصحابة أنواع من التكبير.فانظرها قبل صفحات.
( )3قال شيخ اإلسالم ابن تيمية(( :وصفة التكبير المنقول عن أكثر الصحابة :قد روي مرفوع ًا إلى النبي
(( :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،ال إله إال اهلل ،واهلل أكبر ،اهلل أكبر ،وهلل الحمد)) وإن قال اهلل أكبر ثالثاً جاز،
ومن الفقهاء من يكبر ثالثاً فقط ،ومنهم من يكبر ثالثاً ويقول :ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،له
الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)) ،مجموع فتاوى ابن تيمية. 220/23 ،
( )4انظر :المغني البن قدامة،210/4،والشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف ،480/2 ،وتقدمت أقوال
األئمة في أنواع التكبير في التكبير المطلق.
( )5أبو داود ،كتاب الصالة ،باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد ،برقم ،170النسائي ،كتاب صالة
العيدين ،باب الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد ،برقم ،1210وابن ماجه ،كتاب
إقامة الصلوات ،باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم ،برقم ،1410وأحمد،472/3،
والحاكم ،288/1 ،وصححه ووافقه الذهبي ،وصححه ابن خزيمة في صحيحه ،421/2 ،برقم
،1333وصححه ابن المديني كما في تلخيص الحبير ،88/2 ،وصححه األلباني في صحيح أبي
داود ،212/1 ،وصحيح النسائي ،213/1 ،وصحيح ابن ماجه. 412/1 ،
صالة العيدين 555
()1
مجمعون)) ؛ ولحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما عن رسول اهلل أنه قال: ّ
((اجتمع عيدان في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا
مجمعون( )2إن شاء اهلل))()3؛ ولحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما قال(( :اجتمع ّ
عيدان على عهد رسول اهلل ،فصلى بالناس ثم قال(( :من شاء أن يأتي
الجمعة فليأتها ،ومن شاء أن يتخ ّلف فليتخ ّلف))(.)4
وهذه األحاديث تدل على أن صالة الجمعة بعد صالة العيد تصير
رخصة :يجوز فعلها وتركها ،وهو خاص بمن صلى العيد دون من لم
يصلها ،ومن لم يحضر صالة الجمعة ،فإنه يصلي ظهراً؛ ألن الظهر هي
الفرض األصلي المفروض ليلة اإلسراء ،والجمعة متأخر فرضها ،ثم إن
الجمعة إذا فاتت في غير يوم العيد وجبت صالة الظهر إجماعاً فهي
البدل عنها( .)5أما اإلمام فال تسقط عنه على الصحيح؛لقوله (( :وإنا
مجمعون))؛ وألنه لو تركها المتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه، ّ
ومن يريدها ،بخالف غيره من الناس))(.)6
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول
عن حديث زيد بن أرقم :إنه ((يدل على أنه ال بأس أن يترك الجمعة من
حضر صالة العيد ،لكن يصلي ظهر ًا ،ومن قال :ال يصلي ظهر ًا ،فقد
غلط ،وهو كاإلجماع من أهل العلم))(.)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أبو داود ،كتاب الصالة ،باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد ،برقم ،1074وصححه األلباني في
صحيح أبي داود. 213/1 ،
( )2وإنا مجمعون :أي مصلون الجمعة.
( )3ابن ماجه ،كتاب إقامة الصلوات ،باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم برقم ،1411
وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه. 412/1 ،
( )4ابن ماجه ،كتاب إقامة الصلوات ،باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم ،برقم ،1414
وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه. 412/1 ،
( )5انظر :سبل السالم للصنعاني 180-171/4 ،بتصرف يسير.
( )6المغني البن قدامة. 234/4 ،
( )7سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام،الحديث رقم .384وانظر:المغني البن قدامة. 234/4،
صالة العيدين
555
الحادي عشر :زكاة الفطر لها أحكام وآداب على النحو اآلتي:
- 1زكاة الفطر فرض على كل مسلم فضل عنده يوم العيد وليلته
صاع من طعام عن قوته وقوت أهل بيته الذين تجب نفقتهم عليه؛
لحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال(( :فرض رسول اهلل زكاة الفطر
نفس من المسلمينُ :ح ٍر أو عبد ،أو رجل ،أو من رمضان على كل ٍ
ّ
امرأة ،صغيرٍ ،أو كبيرٍ ،صاع ًا من تمر ،أو صاع ًا من شعير)) وهذا لفظ
مسلم في رواية ،ولفظ البخاري(( :فرض رسول اهلل زكاة الفطر صاع ًا
من تمر ،أو صاع ًا من شعير ،على العبد ،والحر ،والذكر واألنثى،
ؤدى قبل خروج الناس والصغير والكبير من المسلمين ،وأمر بها أن ُت َّ
إلى الصالة)) .وفي لفظ للبخاري عن نافع عن ابن عمر(( :فرض النبي
صدقة الفطر -أو قال :رمضان -على الذكر واألنثى والحر والمملوك:
صاع ًا من تمر ،أو صاع ًا من شعير ،فعدل الناس به نصف صاع من ٍبر،
ّ
فكان ابن عمر يعطي التمر فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيراً،
فكان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير،حتى إن كان يعطي بني ،وكان ابن
َّ
عمر رضي اهلل عنهما يعطيها للذين يقبلونها،وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو
يومين))( .)1ويستحب إخراج زكاة الفطر عن الحمل؛لفعل عثمان .)2())
- 2وقت إخراج زكاة الفطر ،و َّقت النبي وقت إخراج زكاة الفطر في
حديث ابن عمر السابق بقول ابن عمر عن النبي (( :وأمر بها أن تؤدى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب الزكاة ،باب فرض صدقة الفطر ،برقم ،1204وباب صدقة الفطر على الحر
والمملوك ،برقم ،1211ومسلم ،كتاب الزكاة ،باب زكاة الفطر على المسلمين ،برقم .)183(-13
( )2أخرجه ابن أبي شيبة ، 211/4وأخرجه عبد اهلل بن أحمد في مسألة ،333عن حميد وقتادة(( :أن
عثمان كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل)) .وأخرج ابن أبي شيبة ،311/4وعبد
الرزاق 788عن أبي قالبة قال(( :كانوا يعطون صدقة الفطر ،حتى يعطوا عن الحبل))،وفي رواية
ألحمد أن زكاة الفطر عن الحمل تجب .الشرح الكبير،13/7 ،وانظر:فتاوى اللجنة الدائمة
للبحوث العلمية واإلفتاء. 433/1،
صالة العيدين 555
()1
قبل خروج الناس إلى الصالة)) .أي صالة العيد .وفي رواية عن ابن عمر
رضي اهلل عنهما(( :وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين))()2؛ ولكن األفضل أن
لسد حاجة الفقراء يوم العيد ،وإغنائهم يوم
تخرج يوم العيد قبل الصالة؛ ّ
العيد عن المسألة.
وال يجوز تأخيرها بعد الصالة؛ لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال:
((فرض رسول اهلل زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث،
وطعمة للمساكين ،فمن أداها قبل الصالة فهي صدقة مقبولة ،ومن أداها
بعد الصالة فهي صدقة من الصدقات))(.)3
ولكن زكاة الفطر ال تجب إال بغروب شمس آخر يوم من رمضان:
فمن أسلم بعد الغروب ،أو تزوج ،أو ولد له ولد ،أو مات قبل الغروب
لم تلزم فطرتهم(.)4
- 4مقدار زكاة الفطر وأنواعها :هو صاع من قوت البلد الذي يأكله الناس،
وقد ثبت في حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما الذي ذكرته آنفاً أنه قال(( :فرض
رسول اهلل زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر ،أو صاعاً من شعير…)).
وعن أبي سعيد الخدري أنه كان يقول(( :كنا نُخرج زكاة الفطر :صاعاً من
طعام ،أو صاعاً من شعير ،أو صاعاً من تمر ،أو صاعاً من أقط ،أو صاعاً من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه ،وتقدم تخريجه في الذي قبله.
( )2البخاري ،برقم ،1211وتقدم تخريجه في الهامش الذي قبل السابق.
( )3أبو داود ،كتاب الزكاة ،باب زكاة الفطر ،برقم ،1301وابن ماجه ،كتاب الزكاة ،باب صدقة
الفطر ،برقم ،1827وحسنه األلباني في صحيح أبي داود ،برقم ،1301وصحيح ابن ماجه ،برقم
،1823وإرواء الغليل ،برقم .834
رمضان)) ( )4انظر :الكافي البن قدامة ، 170/1 ،والروض المربع ،وقال اإلمام النووي(( :قوله :من
إشارة إلى وقت وجوبها وفيه خالف للعلماء :فالصحيح من قول الشافعي أنها تجب بغروب
الشمس ودخول أول جزء من ليلة عيد الفطر .والثاني تجب لطلوع الفجر ليلة العيد ،وقال
أصحابنا :تجب بالغروب والطلوع معاً ،فإن ولد بعد الغروب أو مات قبل الطلوع لم تجب ،وعن
مالك روايتان :كالقولين ،وعند أبي حنيفة تجب بطلوع الفجر)) شرح النووي على صحيح مسلم،
،34/7وانظر :المقنع والشرح الكبير مع اإلنصاف. 114/7 ،
صالة العيدين
555
زبيب)) .وفي لفظ للبخاري(( :كنا نُعطيها في زمان النبي .))…وفي لفظ
لمسلم(( :كنا نُخرج إذ كان فينا رسول اهلل زكاة الفطر عن كل صغير،
ٍ
وكبير،حر أو مملوك:صاعاً من طعام،أو صاعاً من أقط،أو صاعاً من شعير ،أو
ّ
صاعاً من تمر،أو صاعاً من زبيب،فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن
حاجاً أو معتمر ًا فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس
أبي سفيان ّ
أن قال:إني أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر،فأخذ الناس
بذلك ،قال أبو سعيد:فأما أنا فال أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبداً ما
عشت))(.)1
وفي لفظ ابن ماجه قال أبو سعيد(( :ال أزال أخرجه كما كنت أخرجه
على عهد رسول اهلل أبد ًا ما عشت))( .)2وفي حديث أبي سعيد
زيادات لم أذكرها؛ ألن فيها نظراً( ،)3أما رأي معاوية في أن البر يعدل
المدين من غيره فيجزئ نصف صاع ،فقال عنه الحافظ ابن َّ المد منه
ّ
حجر رحمه اهلل(( :حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك،
وكذلك ابن عمر ،فال إجماع في المسألة خالف ًا للطحاوي ،وكأن
األشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في
مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج
جنس كان وال فرق بين الحنطة وغيرها ،وهذه حجة هذا المقدار من أي ٍ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري،كتاب الزكاة ،باب صدقة الفطر صاع من طعام ،برقم ،1203وباب صاع من
زبيب ،برقم ،1208ومسلم ،كتاب الزكاة ،باب زكاة الفطر على المسلمين ،برقم . 182
( )2ابن ماجه ،كتاب الزكاة ،باب صدقة الفطر ،برقم . 1821
( )3من ذلك الحنطة ،قال الحافظ بعد ذكره لزيادة الحنطة عند الحاكم وابن خزيمة(( :قال ابن خزيمة:
((ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ وال أدري ممن الوهم ))...ثم نقل الحافظ أن أبا داود
أشار إلى أن ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ ،وذكر أن معاوية بن هشام روى في هذا
الحديث :نصف صاع من بر ،وهو وهم وأن ابن عيينة حدث به عن ابن عجالن عن عياض فزاد
فيه(( :أو صاع ًا من دقيق)) وأنهم أنكروا عليه فتركه ،قال أبو داود [القائل ابن حجر] وذكر الدقيق
وهم من ابن عيينة)) فتح الباري. 474/4 ،
صالة العيدين 555
الشافعي ومن تبعه .وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير
فقد فعل ذلك باالجتهاد))(.)1
وقد قال اإلمام النووي رحمه اهلل(( :قوله :عن معاوية أنه كلم الناس
على المنبر فقال :إني أرى أن مدين من سمراء الشام يعدل صاع ًا من
تمر فأخذ الناس بذلك ،قال أبو سعيد :فأما أنا فال أزال أخرجها كما
كنت أخرجها أبداً ما عشت ،فقوله سمراء الشام :هي الحنطة وهذا
الحديث هو الذي يعتمده أبو حنيفة وموافقوه في جواز نصف صاع
حنطة ،والجمهور يجيبون عنه بأنه قول صحابي وقد خالفه أبو سعيد
وغيره ممن هو أطول صحبة ،وأعلم بأحوال النبي ،وإذا اختلف
الصحابة لم يكن قول بعضهم بأولى من بعض ،فنرجع إلى دليل آخر.
وجدنا ظاهر األحاديث ،والقياس متفقاً على اشتراط الصاع من الحنطة
رأي رآه ال أنه سمعهكغيرها ،فوجب اعتماده ،وقد صرح معاوية بأنه ٌ
من النبي ،ولو كان عند أحد من حاضري مجلسه مع كثرتهم في
تلك اللحظة علم في موافقة معاوية عن النبي لذكره))(.)2
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول
فيمن جعل ُم َّدين من الحنطة تقوم مقام الصاع من غيرها(( :اجتهد
معاوية فجعل عدله مدين ،والصواب أنه البد من صاع أخذاً بالنص؛
ولهذا قال أبو سعيد :أما أنا فال أخرج إال صاعاً وهو الصواب كما
تقدم( ،)3واهلل تعالى أعلم(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتح الباري ،شرح صحيح البخاري. 473/4 ،
( )2شرح النووي على صحيح مسلم. 37/7 ،
( )3سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري ،الحديث رقم . 1208 ،1207
( )4وفي سنن أبي داود ،برقم 1320عن ثعلبة بن صعير قال :قام رسول اهلل خطيباً ،فأمر بصدقة
الفطر صاع تمر ،أو صاع شعير ،عن كل رأس .وفي زيادة(( :أو صاع بر أو قمح بين اثنين ،عن
الكبير والصغير،والحر والعبد)).وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود،331/1،وذكر
الشوكاني الروايات في نيل األوطار ،102/4،التي جاءت في أن نصف الصاع يجزئ،ثم
=
صالة العيدين
555
ومقدار الصاع الذي تؤدى به زكاة الفطر هو صاع النبي ،وهو
خمسة أرطال وثلث بالعراقي(،)1وهو أربعة أمداد،والمد ملء كفي
مد ًا ،قال ومد يديه بهما،وبه سمي ّ َّ اإلنسان المعتدل إذا مألهما
الفيروزآبادي(( :وقد جربت ذلك فوجدته صحيحاً))(،)2والصاع أربع
حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين وال صغيرهما ،إذ ليس
كل مكان يوجد فيه صاع النبي ،قاله الداوودي( .)3قال الفيروزآبادي:
((وجربت ذلك فوجدته صحيح ًا))(.)4
- 3أهل زكاة الفطر الذين تدفع لهم:قيل:تعطى صدقة الفطر لمن يجوز
أن يُع َطى صدقة األموال؛ألن صدقة الفطر زكاة فكان مصرفها مصرف سائر
ات ِل ْل ُف َقر ِاء الزكوات؛وألنها صدقة فتدخل في عموم قوله تعالىِ :إ َّن َما َّ
الص َد َق ُ
َ
ين َو ِفي ِ
اب) َوا ْل َغارِم َوب ُهم َو ِفي الر َق ِ ُ ين َع َلي َها َوالـ ُم َؤ َّل َف ِة ُق ُل
َ ين َوا ْل َع ِام ِل
ِ والـمس ِ
اك َ َْ َ
ّ(6( )5
ْ ْ ْ
ِ ِ
يض ًة ّم َن اهلل َواهلل َعليم َحكيم. ِيل َفرِ َالسب ِ
ٌ ٌ ِيل اهلل َو ْاب ِن َّ
َسب ِ
وقيل :ال يجوز دفع زكاة الفطر إال لمن يستحق الكفارة ،فتجري مجرى
كفارة اليمين ،والظهار ،والقتل ،والجماع في نهار رمضان ،ومجرى كفارة
الحج ،فتدفع لهؤالء اآلخذين لحاجة أنفسهم ،وهم الفقراء والمساكين ،وال
يعطى المؤلفة قلوبهم ،وال الرقاب وال غير ذلك ،قال شيخ اإلسالم ابن تيمية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
قال((:وهذه تنهض بمجموعها للتخصيص)) ،ولكن سماحة شيخنا ابن باز رحمه اهلل يرى أن جميع
الكفارات اإلطعام فيها يكون نصف صاع ،أما زكاة الفطر فقد حددها النبي بصاع.
( )1الدارقطني ،121/2 ،والبيهقي ،278/10 ،قال الشوكاني في رواية البيهقي(( :بإنساد جيد)) .نيل
األوطار. 103/4 ،
( )2القاموس المحيط ،ص. 307
( )3المرجع السابق ،ص. 122
( )4القاموس المحيط ،ص ،122وانظر :فتح الباري البن حجر ،217/11 ،وفتاوى اللجنة الدائمة،
. 432/1
( )5سورة التوبة ،اآلية. 30 :
( )6انظر :المغني البن قدامة ،413/3 ،قال(( :وبهذا قال مالك ،والليث ،والشافعي ،وأبو ثور)) وقال أبو حنيفة:
يجوز دفعها إلى من ال يجوز دفع زكاة المال إليه ،وإلى الذمي)).
صالة العيدين 555
()1
رحمه اهلل(( :وهذا القول أقوى في الدليل)) .
وقال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل(( :وكان من هديه تخصيص
المساكين بهذه الصدقة ولم يكن يقسمها على األصناف الثمانية قبضة
قبضة ،وال أمر بذلك ،وال فعله أحد من أصحابه ،وال من بعدهم ،بل
أحد القولين عندنا :أنه ال يجوز إخراجها إال على المساكين خاصة
وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على األصناف
الثمانية))(.)2
وقال الشوكاني رحمه اهلل عن حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما وفيه(( :وطعمة
المساكين(( .)3())...وفيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم
من مصارف الزكاة))( .)4وقال العالمة ابن عثيمين رحمه اهلل في ذكر القولين:
((هناك قوالن ألهل العلم:األول أنها تصرف مصرف بقية الزكوات،حتى
المؤلفة قلوبهم والغارمين ...والثاني أن زكاة الفطر مصرفها للفقراء فقط،وهو
الصحيح))(.)5
ِ - 2ح َكم زكاة الفطر وفوائدها عظيمة من أهمها ما يلي:
ُ
أ -طهرة للصائم من اللغو والرفث ،فترفع خلل الصوم ،فيكون بذلك
تمام السرور.
ب – طعمة للمساكين.
ج -زكاة للبدن حيث أبقاه اهلل عاماً من األعوام وأنعم عليه
بالبقاء؛ وألجله استوى فيه الكبير والصغير ،والذكر واألنثى ،والغني
والفقير ،والكامل والناقص في مقدار الواجب وهو الصاع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية. 74/22 ،
( )2زاد المعاد في هدي خير العباد. 22/2 ،
( )3أبو داود ،برقم ،1301وابن ماجه ،1827 ،وتقدم تخريجه.
( )4نيل األوطار للشوكاني. 104/4 ،
( )5الشرح الممتع ،183/3 ،وانظر :اإلنصاف مع الشرح الكبير. 147/7 ،
صالة العيدين
550
د -مواساة للمسلمين أغنيائهم وفقرائهم ذلك اليوم فيتفرغ الجميع
لعبادة اهلل تعالى ،والسرور بنعمه.
هـ -شكر نعم اهلل تعالى على الصائمين بالصيام وهلل حكم وأسرار ال
تصل إليها عقول العالمين(.)1
الثاني عشر :األضحية مشروعة ولها أحكام على النحو اآلتي:
– 1مفهومها :هي اسم لما يذبح أو ينحر بسبب العيد :من اإلبل،
والبقر ،والغنم :يوم النحر ،وأيام التشريق الثالثة ،تقرب ًا إلى اهلل تعالى،
وسميت بذلك واهلل أعلم؛ ألن أفضل زمن لذبحها ضحى يوم العيد(.)2
- 2حكمها :األضحية مشروعة بالكتاب ،والسنة ،وإجماع األمة.
فأما الكتاب؛ فلقول اهلل تعالىَ :ف َص ّل ِلر ّب َك َوا ْن َحر.)3(
ْ َ
وأما السنة؛ فلحديث أنس قال((:ضحى النبي بكبشين،
أملحين( )4أقرنين ،ذبحهما بيده ،وسمى وكبر،ووضع رجله على
صفاحهما)) .وفي لفظ لمسلم :ويقول(( :باسم اهلل واهلل أكبر)) .وفي لفظ
للبخاري(( :كان النبي يضحي بكبشين ،وأنا أضحي بكبشين))(.)5
وأما اإلجماع :فأجمع المسلمون على مشروعية األضحية(،)6واألضحية
سنة مؤكدة جداً ال ينبغي تركها لمن يقدر عليها ،وعلى هذا أكثر أهل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إرشاد أولي البصائر واأللباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر األسباب،للشيخ العالمة السعدي،ص. 143
( )2انظر :أحكام األضاحي ،للعالمة محمد بن صالح بن عثيمين ،ص ،2ومجالس عشر ذي الحجة،
للشيخ عبد اهلل بن صالح الفوزان ،ص. 31
( )3سورة الكوثر ،اآلية. 2 :
( )4األملح :يقال :كبش أملح :إذا كان بياضه أكث ر من سواده ،وقيل :هو النقي البياض.جامع األصول
البن األثير،422/4،وانظر:المغني البن قدامة. 430/14،
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب األضاحي ،باب أضحية النبي بكبشين أقرنين ،ويذكر سمينين،
برقم ، 2224ومسلم ،كتاب األضاحي باب استحباب استحسان األضحية وذبحها مباشرة بال
توكيل ،والتسمية والتكبير ،برقم . 1133
( )6المغني البن قدامة. 430/14 ،
صالة العيدين 556
العلم( .)1وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه اهلل يقول:
((والضحية سنة،وقال بعض أهل العلم بوجوبها ،والذي عليه جمهور أهل
العلم أنها سنة مؤكدة لمن قدر لمن كان له سعة،والحجة في ذلك فعله
؛ فإنه كان يضحي كل سنة،فهي سنة من قوله وفعله عليه الصالة
والسالم))(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اختلف العلماء رحمهم اهلل في حكم األضحية ،فقال قوم :بأنها سنة ،وقال آخرون :بالوجوب.
قال اإلمام ابن قدامة (( :أكثر أهل العلم يرون األضحية سنة مؤكدة غير واجبة ،روي ذلك عن أبي
بكر ،وعمر ،وأبي مسعود البدري ،وبه قال سويد بن عقبة ،وسعيد بن المسيب ،وعلقمة،
واألسود ،وعطاء ،والشافعي ،وإسحاق ،وأبو ثور ،وابن المنذر .وقال ربيعة ،ومالك ،والثوري،
واألوزاعي ،والليث ،وأبو حنيفة :هي واجبة؛ لما روى أبو هريرة أن رسول اهلل قال(( :من كان
له سعة ولم يضح فال يقربن مصالنا)) [أحمد،421/2 ،وابن ماجه،برقم ،4124وحسنه األلباني في
صحيح ابن ماجه،]82/4،وعن مخنف بن سليم قال:كنا وقوف ًا عند النبي بعرفة فقال((:يا أيها
الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية[ ))...أحمد ،212/3 ،وأبو داود برقم ،2788
والنسائي،برقم ،3242وابن ماجه،برقم ،4122والترمذي ،وحسنه برقم ،1218وحسنه األلباني في
صحيح ابن ماجه ،]82/4 ،المغني البن قدامة ،431-430/14 ،ومن قال :بأن األضحية سنة احتجوا
بحديث ابن عباس يرفعه(( :ثالث هن علي فرائض وهن لكم تطوع :الوتر ،والنحر ،وصالة الضحى)) وفي
ّ
لفظ الدارقطني(( :وركعتا الفجر)) بدل ((وصالة الضحى)) رواه أحمد ،برقم ،2020والدارقطني،21/2 ،
ونقل أحمد شاكر تضعيف هذا الحديث باللفظين] .واستدل الجمهور أيضاً بحديث أم سلمة :أن النبي
قال(( :إذا دخلت العشر ،وأراد أحدكم أن يضحي فال يمس من شعره وبشره شيئاً)) ،وفي لفظ(( :إذا رأيتم
هالل ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)) ،وفي لفظ ...(( :فال يأخذن من
شعره وال من أظفاره شيئاً حتى يضحي)) [مسلم ،برقم ]1177فقالوا :علقه على اإلرادة ،والواجب ال
يعلق على اإلرادة؛ وألنها ذبيحة لم يجب تفريق لحمها فلم تكن واجبة كالعقيقة ،وردوا على أهل
الوجوب بأن حديثهم قد ُض ّعف ،وقالوا(( :ثم نحمله على تأكيد االستحباب كما قال (( :غسل الجمعة
واجب على كل محتلم)) [تقدم تخريجه] المغني البن قدامة .231/14 ،ولكن من قال بالوجوب استدلوا
أيضاً بحديث في الصحيحين عن جندب بن سفيان البجلي قال :شهدت النبي يوم النحر قال(( :من
ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ،ومن لم يذبح فليذبح [على اسم اهلل])) [البخاري ،برقم ،2232
ومسلم ،برقم ،1130وما بين المعقوفين له] ،وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على هذا
الحديث(( :من ذبح قبل الصالة فالسنة أن يضحي بأخرى ،وإذا صلى اإلنسان دخل وقت ضحيته)).
( )2سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام البن حجر ،الحديث رقم ،1472وانظر :فتاوى اللجنة
الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ، 413/11 ،وروي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا ال يضحيان عن
أهلهما مخافة أن يُرى ذلك واجباً)) .أخرجه البيهقي ،212/1 ،وصححه األلباني في إرواء الغليل،
=
صالة العيدين
555
واألحوط للمسلم أن ال يترك الضحية إذا كان موسراً له قدرة عليها؛
اتباعاً لسنة نبيه :القولية ،والفعلية ،والتقريرية ،وبراءة للذمة ،وخروجاً
من الخالف عند من قال بالوجوب(.)1
- 4ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها لما يلي:
أ -ألن الذبح وإراقة الدم تقرب ًا هلل تعالى عبادة مشتملة على تعظيم اهلل
تعالى ،وإظهار شعائر دينه ،وإخراج القيمة تعطيل لذلك ُ ق ْل ِإ َّن َصالَ ِتي
ِ ِِ
ت يك َل ُه َوب َِذ ِل َك أ ُ ِم ْر ُ
ين * الَ َشرِ َ ِ
اي َو َم (َم)2اتي َّهلل َر ّب ا ْل َعا َلم َ
ِ
َونُ ُسكي َو َم ْح َي َ
ِِ
ين. َوأَ َن ْا أَ َّو ُل الـْ ُم ْسلم َ
ب -ذبح األضحية وعدم التصدق بثمنها هو هدي النبي وعمل
المسلمين،ولم ينقل أحد أن رسول اهلل تصدق بثمنها،وال أحد من أصحابه .
ج -ومما يؤكد أن ذبح األضحية أفضل من التصدق بثمنها ولو زاد
جمع
ٌ الثمن أن العلماء اختلفوا في وجوبها ،وأن القائلين بأنها سنة َصرح
َّ
منهم بأنه يكره تركها للقادر( ،)3قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
برقم .1141
( )1رجح وجوبها على القادر شيخ اإلسالم ابن تيمية ،وقال(( :وأما األضحية فاألظهر وجوبها فإنها
من أعظم شعائر اإلسالم ،وهي النسك العام في جميع األمصار ،وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا
باتباع ملته))[.فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ،132/24،وقال(( :تجوز األضحية عن الميت كما
يجوز الحج عنه ،أو الصدقة عنه ،ويضحى عنه في البيت وال يذبح عند القبر أضحية وال غيرها))
ُ ُ َّ
مجموع الفتاوى ،]403/23 ،وذكر العالمة ابن عثيمين أن األضحية عن األموات ثالثة أٌقسام:
القسم األول:أن تكون تبعاً لألحياء كأن يضحي عن نفسه وأهله وفيهم أموات كما فعل النبي.
القسم الثاني :أن يضحي عن الميت استقالالً ،فقد نص عليه فقهاء الحنابلة ،وبعض العلماء ال
يرى ذلك إال أن يوصي الميت بذلك.
القسم الثالث:أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه فتنفذ الوصية:أحكام األضاحي،ص،17
واختار شيخ اإلسالم أن األضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها .االختيارات ،ص.118
( )2سورة األنعام ،اآليتان. 134 - 132 :
( )3انظر :أحكام األضحية ،للعالمة ابن عثيمين ،ص. 13-13
صالة العيدين 555
()2 ()1
. )) ((واألضحية ،والعقيقة ،والهدي ،أفضل من الصدقة بثمن ذلك
- 3إذا دخل شهر ذي الحجة فال يأخذ من أراد أن يضحي من شعره
وال بشرته شيئاً؛لحديث أم سلمة رضي اهلل عنها عن النبي أنه قال((:إذا
رأيتم هالل ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره
وأظفاره)) وفي لفظ((:فال يأخذن من شعره وال من أظفاره شيئاً حتى
يضحي))(.)3
- 2يبدأ وقت ذبح األضحية من بعد صالة عيد األضحى؛لحديث
البراء ،قال :قال النبي ((:إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي
قبل فإنما هو لحم
ثم نرجع فننحر،من فعله فقد أصاب سنتنا،ومن ذبح ُ
قدمه ألهله ليس من النسك في شيء)) فقام أبو بردة بن دينار -وقد ذبح
-فقال :إن عندي جذعة،فقال(( :اذبحها ولن تجزي عن أحد بعدك))
ضح بها
وفي لفظ لمسلم:يا رسول اهلل إن عندي جذعة من المعز،فقالّ (( :
وال تصلح لغيرك)) .قال مطرف عن عامر ،عن البراء،قال النبي (( :من ذبح
ّ
نسكه وأصاب سنة المسلمين))(.)4ولحديث جندب بن سفيان تم ُ بعد الصالة
َّ
البجلي قال(( :شهدت النبي يوم النحر ،قال(( :من ذبح قبل أن يصلي
فلي ِعد مكانها أخرى ،ومن لم يذبح فليذبح [على اسم اهلل]))()5؛ ولحديث أنس
ُ
قال :قال النبي (( :من ذبح قبل الصالة فإنما ذبح لنفسه ،ومن ذبح بعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الهدي :أي هدي التطوع.
( )2مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية. 403/3 ،
( )3مسلم ،كتاب األضاحي ،باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو يريد التضحية أن يأخذ من
شعره وأظفاره شيئاً ،مسلم ،برقم .1177
( )4م تفق عليه :البخاري ،كتاب األضاحي ،باب سنة األضحية ،وقال ابن عمر :هي سنة ومعروف،
برقم ،2232ومسلم ،كتاب األضاحي ،باب وقتها ،برقم . 1131
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب األضاحي ،باب من ذبح قبل الصالة ،برقم ،2232ومسلم ،كتاب
األضاحي ،باب وقتها ،برقم . 1130
صالة العيدين
555
نسكه ،وأصاب سنة المسلمين))(.)1
تم ُ الصالة فقد
َّ
وآخر وقت ذبح األضاحي هو غروب شمس اليوم الثالث من أيام
التشريق على القول الراجح من أقوال أهل العلم ،فيكون ذبح
األضاحي أربعة أيام :يوم النحر ،وأيام التشريق الثالثة))(.)2
- 3شروط األضحية :األضحية عبادة هلل تعالى ال تقبل إال إذا كانت
خالصة هلل تعالى ،وأن تكون على سنة رسول اهلل ،فإذا لم تكن
خالصة وعلى هدي رسول اهلل عليه الصالة والسالم فهي غير مقبولة بل
مردودة ،وال تكون األضحية على هدي رسول اهلل إال باجتماع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،كتاب األضاحي ،باب سنة األضحية ،برقم ،2233ومسلم ،كتاب األضاحي
باب وقتها ،برقم . 1132
( )2اختلف العلماء في آخر وقت ذبح األضاحي :فقيل :آخر الوقت :آخر اليوم الثاني من أيام
التشريق ،فتكون أيام النحر ثالثة :يوم النحر ،ويومان بعده ،وهذا قول عمر ،وعلي ،وابن عمر،
وابن عباس ،وأبي هريرة ،وأنس ،قال أحمد:أيام النحر ثالثة عن غير واحد من أصحاب رسول اهلل
،وهو قول مالك،والثوري،وأبي حنيفة.
وقيل :آخره آخر أيام التشريق ،وهو مذهب الشافعي ،وقول عطاء ،والحسن ،لما روي ((كل أيام
التشريق ذبح)) [أحمد ،82/3 ،والبيهقي ،212/1 ،وذكر اإلمام ابن القيم أن األقوال أربعة:
- 1الذبح أربعة أيام :يوم النحر وأيام التشريق الثالثة ،وأنه قول علي ،قال :وهو مذهب إمام أهل
البصرة الحسن ،وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح ،وإمام أهل الشام األوزاعي ،وإمام فقهاء أهل
الحديث الشافعي ،واختاره ابن المنذر.
- 2الذبح يوم النحر ويومان بعده ،وهذا مذهب أحمد ،ومالك ،وأبي حنيفة رحمهم اهلل ،قال أحمد:
وهو قول غير واحد من أصحاب النبي وذكره األثرم عن ابن عمر وابن عباس .
- 4وقت النحر يوم واحد وهو قول ابن سيرين.
- 3يوم واحد في األمصار،وثالثة أيام في منى.زاد المعاد ،420-411/2،وسمعت سماحة شيخنا
اإلمام ابن باز يقول أثناء تقريره على زاد المعاد(( :420/2 ،أصح هذه األقوال األربعة أن الذبح
أربعة أيام :يوم النحر ،وثالثة أيام بعده)) .وانظر المغني البن قدامة ،483/14 ،وفتاوى اللجنة
الدائمة للبحوث العلمية. 303/8 ،
صالة العيدين 555
شروطها ،وانتفاء موانعها.
وشروطها أنواع:منها ما يعود للوقت،وتقدم،ومنها ما يعود لعدد المضحين
ضحى به وهي أربعة شروط: للم َّبها،وسيأتي إن شاء اهلل تعالى،ومنها ما يعود ُ
الشرط األول :أن تكون الضحية ملكاً للمضحي ملكها بطريق شرعي،
فال تصح األضحية بمغصوب ،أو مسروق ،أو مملوك بعقد فاسد ،أو ما
كان ثمنه خبيثاً محرماً :كالربا وغيره؛ لقول النبي (( :إن اهلل طيب ال
يقبل إال طيباً))( .)1وينبغي للمسلم أن يختار األضحية التي تجتمع فيها
الصفات المستحبة؛ ألن ذلك من تعظيم شعائر اهلل؛ لقول اهلل تعالى:
وب ،)2(وتعظيم البدن َ ذ ِل َك َو َمن يُ َعظّم َش َع ِائر اهلل َف ِإنَّ َها ِمن َت ْق َوى ا ْل ُق ُل ِ
َ ْ
ِ
من تعظيم شعائر اهلل،وعن مجاهد في قولهَ :و َمن يُ َعظّم َش َعائر اهلل قال
َ ْ
استعظام البدن :استحسانها ،واستسمانها))(.)3
سمنكنا نُ ّسمعت أبا أمامة بن سهل قالَّ (( : ُ قال يحيى بن سعيد
()4
سمنون)) . األضحية بالمدينة،وكان المسلمون يُ ّ
الشرط الثاني :أن تكون األضحية من الجنس الذي عينه الشارع وهو:
اإلبل ،والبقر ،والغنم :ضأنها ومعزها ،وهي بهيمة األنعام فقط ،قال اهلل
نس ًكا ِلي ْذ ُكروا ْاسم اهلل َع َلى َما َر َز َق ُهم ّمن َ تعالىَ :و ِل ُك ّل أ ُ َّم ٍة َج َع ْل َنا َم
َ َ ُ
يم ِة األنعام ،)5(وذكر اإلمام النووي اإلجماع على أنه ال يجزئ في َبهِ َ
()6
األضحية إال :اإلبل ،والبقر ،والغنم .
السن المعتبرة شرعاً ،فال يجزئ إال
ّ الشرط الثالث :أن تبلغ األضحية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم،كتاب الزكاة،باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها،برقم . 1012
( )2سورة الحج ،اآلية. 42 :
( )3فتح الباري ،البن حجر ،243/4 ،والمغني البن قدامة. 437/14 ،
( )4البخاري ،كتاب األضاحي ،باب أضحية النبي بكبشين أقرنين ،ويذكر سمينين ،رقم الباب ،7
قبل الحديث رقم . 2224
( )5سورة الحج ،اآلية. 43 :
( )6شرح النووي على صحيح مسلم. 122/14 ،
صالة العيدين
555
الجذع من الضأن والثني من غيره :والجذع من الضأن :ما له ستة أشهر
ودخل في السابع ،ويُعرف إذا مالت الصوفة على ظهره ُع ِلم أنه قد
َ
أجذع .وثني المعز إذا تمت له سنة ودخل في الثانية ،والبقر إذا صار لها
سنتان ودخلت في الثالثة ،واإلبل إذا صار لها خمس سنين ودخلت في
السادسة ،قال األصمعي وغيره(( :إذا مضت السنة الخامسة على البعير
ودخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني ،ونرى أنه إنما سمي ثنياً؛
ألنه ألقى ثنيته ،وأما البقرة فهي التي لها سنتان؛ ألن النبي قال(( :ال
تذبحوا إال ُم ِسنَّة))( ،)1ومسنة البقرة التي لها سنتان .وقال وكيع(( :الجذع
من الضأن يكون ابن سبعة أو ستة أشهر))( ،)2فالضحية عبادة ال يشرع
فيها إال ما حدده النبي ،وقد قال عليه الصالة والسالم(( :ال تذبحوا
تعسر عليكم ،فتذبحوا جذعة من الضأن))( .)3قال اإلمام ِ
إال ُمسنّة ،إال أن ّ
النووي رحمه اهلل(( :قال العلماء :المسنة هي الثنية من كل شيء :من
اإلبل والبقر ،والغنم ،فما فوقها ،وهذا تصريح بأنه ال يجوز الجذع من
غير الضأن في حال من األحوال ،وهذا ُم ْج َمع عليه على ما نقله القاضي
عياض .وأما الجذع من الضأن فمذهبنا ومذهب العلماء كافة يجزئ
سواء وجد غيره أم ال ،قال الجمهور :هذا الحديث محمول على
االستحباب واألفضل ،وتقديره :يستحب لكم أن ال تذبحوا إال مسنة،
فإن عجزتم فجذعة ضأن ،وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها ال
تجزئ بحال ،وقد أجمعت األمة أنه ليس على ظاهره؛ ألن الجمهور
يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه))(.)4
الشرط الرابع :أن تكون سالمة من العيوب المانعة مـن اإلجـزاء ،ومـن
هذه العيوب ما ثبت في حديث البراء بن عازب أنه قال :قـام فينـا رسـول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المغني البن قدامة. 431/14 ،
( )2المغني البن قدامة ،431/14 ،وانظر :أحكام األضحية البن عثيمين ،ص. 23
( )3مسلم ،كتاب األضاحي ،باب سن الضحية ،برقم . 1134
( )4شرح النووي على صحيح مسلم. 122/14 ،
صالة العيدين 555
اهلل ،وأصابعي أقصر من أصابعه وأنـاملي أقصـر مـن أناملـه ،فقـال(( :أربـع
عورهــــا( ،)1والمريضــــة البــــين
ـــين ُال تجــــوز فــــي األضــــاحي :العــــوراء البـ
(ّ )4 ُ(ّ )3 ()2
ظلعهـــا ،والكســـيرة التـــي ال تنقـــى)) .قـــالُ ن ــي
ـ الب ــاء
ـ والعرج ، مر ُضـــها
ّ
[الــراوي عــن البــراء] قلت:فــإني أكــره أن يكــون فــي الســن نقــص؟ فقــال((:مــا
كرهت فدعه وال تحرمه على أحد)).وهذا لفظ أبي داود ،أما لفـظ الترمـذي:
((ال يُ َض َّحى بالعرجـاء بـين ظلعهـا،وال بـالعوراء بـين عورهـا ،وال بالمريضـة
ّ ّ
بين مرضها،وال بالعجفاء التي ال تنقى)) .ولفظ النسائي(( :أربع ال تجوز فـي
ّ
األضــاحي:العوراء البــين عورها،والمريضــة البــين مرضــها ،والعرجــاء البــين
ّ ّ ّ
ظلعها،والكسيرة التي ال تنقى))[ .قال الراوي عـن البـراء] قلـت:إني أكـره أن
يكـــون فـــي القـــرن نقـــص،وأن يكـــون فـــي الســـن نقـــص ،قـــال(( :مـــا كرهتـــه
فدعــه،وال تحرمــه علــى أحــد)).ولفــظ ابــن ماجــه مثــل لفــظ النســائي إال أنــه
قــال:إني أكــره أن يكــون نقــص فــي األذن،قــال((:فمــا كرهــت منــه فدعــه،وال
تحرمه على أحد)).وفي روايـة الموطـأ نحـو روايـة أبـي داود ،والنسـائي ،إلـى
قوله(( :ال تنقى)) وجعل بدل الكسيرة ((العجفاء))(.)6( )5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1العوراء البين عورها :وهي التي انخسفت عينها أو برزت ،فإن كانت عوراء ال تبصر بعينها ولكن
ّ
عورها غير بين أجزأت والسليمة من ذلك أولى.
( )2المريضة البين مرضها :وهي التي ظهر عليه ا آثار المرض ،مثل :الحمى التي تقعدها عن الرعي،
ّ
ومثل :الجرب الظاهر المفسد للحمها ،أو المؤثر في صحتها ،ونحو ذلك مما يعده الناس مرضاً
بيناً ،فإن كان فيها كسل أو فتور يمنعها من المرعى ،واألكل ،أجزأت لكن السالمة منه أولى.
( )3العرجاء :هي التي ال تستطيع مرافقة السليمة في المشي ،فإن كان فيها عرج يسير ال يتبين أجزأت
والسالمة منه أولى ،والظلع :العرج ،والظالع :الغامز في مشيته .انظر :جامع األصول البن األثير،
،443/4وأحكام األضاحي البن عثيمين ،ص. 43
( )4الكسيرة :الهزيلة ،والتي ال تنقى :أي التي ليس فيها مخ ،أي مخ العظم ،انظر :جامع األصول
البن األثير ،443/4 ،وأحكام األضاحي ،البن عثيمين ،ص. 43
( )5العجفاء :هي الكسيرة التي ال تنقى أي الهزيلة الضعيفة ،انظر جامع األصول البن األثير،
. 442/4
( )6أبو داود ،كتاب الضحايا ،باب ما يكره من الضحايا ،برقم ،280والترمذي ،كتاب األضاحي،
باب ما ال يجزئ من األضاحي ،برقم ،1317والنسائي ،كتاب الضحايا ،باب ما نهي عنه من
األضاحي،برقم ، 3431وابن ماجه ،كتاب األضاحي ،باب ما يكره أن يضحي به ،برقم ،3133
=
صالة العيدين
555
قال اإلمام الترمذي رحمه اهلل(( :والعمل على هذا عند أهل العلم))(.)1
قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل عن هذه األربع المذكورة(( :ال نعلم
بين أهل العلم خالفاً في أنها تمنع اإلجزاء))( .)2ويُلحق بهذه األربع ما
كان به عيب أعظم من هذه العيوب؛ فإن عدم إجزائها أولى ،كالعمياء
التي ال تبصر بعينها؛ ألنها أولى بعدم اإلجزاء من العوراء البين عورها،
ومقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين؛ ألنها أولى بعدم اإلجزاء من
العرجاء البين ظلعها ،وما أصابه سبب الموت :كالمنخنقة ،والموقوذة،
ّ
والمتردية ،والنطيحة ،وما أكل السبع؛ ألن هذه أولى بعدم اإلجزاء من
المريضة البين مرضها ،والعاجزة عن المشي لعاهة -وتسمى :الزمنى -
أولى بعدم اإلجزاء من العرجاء البين ظلعها ،وغير ذلك من العيوب
()3 ّ
التي هي أشد من العيوب األربع المذكورة ،وسمعت شيخنا اإلمام
عبد العزيز بن عبداهلل ابن باز يقول(( :العمياء أشد من العوراء ،فما كان
أشد من هذه األربع في العيب ،كان عدم إجزائه أولى))(.)4
- 7العيوب المكروهة في األضحية على النحو اآلتي:
األولى :العضباء:وهي مقطوعة األذن:النصف فما فوقه.
الثانية :المقابلة :وهي التي ُش ّقت أذنها من األمام عرضاً .وقال ابن
األثير(( :شاة مقابلة إذا قطع من مقدم أذنها وتركت معلقة فيها كأنها
زنمة))(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
وصححه األلباني في صحيح النسائي.373/4 ،
( )1سنن الترمذي ،ص. 433
( )2المغني البن قدامة. 431/14 ،
( )3انظر :أحكام األضاحي البن عثيمين ،ص. 43-42
( )4سمعته أثناء تقريره على سنن النسائي،الحديث رقم ،3431وذلك بتاريخ 1317/3/21هـ.
( )5جامع األصول ،443/4 ،وانظر :أحكام األضاحي ،البن عثيمين ،ص. 47
صالة العيدين 555
الثالثة :المدابرة :وهي التي ُش ّقت أذنها من الخلف عرض ًا ،وقال ابن
األثير(( :المدابرة التي فعل بها ذلك من مؤخرة أذنها ،واسم الجلدة فيها:
اإلقبالة واإلدبارة))(.)1
الرابعة:الشرقاء:وهي التي ُش ّقت أذنها طوالً،وقال ابن األثير(( :الشرقاء
التي ُش ّقت أذنها،وقد شرقت الشاة – بالكسر -فهي شاة شرقاء(.)2
الخامسة :الخرقاء :وهي التي ُخرقت أذنها ،قال ابن األثير(( :الخرقاء
من الغنم التي في أذنها خرق ،وهو ثقب مستدير))(.)3
السادسة :المصفرة :وهي التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها(.)4
السابعة :المستأصلة :وهي التي ذهب قرنها من أصله ،قال ابن األثير:
است ْؤصل قرنها من أصله))(.)5
((والمستأصلة :التي ُ
الثامنة:البخقاء:وهي التي بخقت عينها،قال ابن األثير((:والبخقاء :التي
تبخق عينها))(.)6وقال في النهاية((:والبخق أن يذهب البصر وتبقى العين
قائمة)).وقال في القاموس((:البخق أقبح العور وأكثره غمص ًا)) .وعلى هذا
فإذا كان البخق عوراً بيناً لم تجز كما يدل عليه حديث البراء السابق(.)7
ّ
التاسعة :المشيعة:وهي التي ال تتبع الغنم عجفاً ،وضعفاً،تكون وراء
الغنم:كالمشيع للمسافر،وقيل بفتح الياء؛لحاجتها إلى من يشيعها؛لتلحق
بالغنم،فإن لم يكن فيها مخ فال تجزئ،وإن كان فيها مخ وال تستطيع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1جامع األصول ،443/4 ،وانظر :أحكام األضاحي ،البن عثيمين ،ص. 47
( )2جامع األصول ،443/4 ،وانظر :أحكام األضاحي ،البن عثيمين ،ص. 47
( )3جامع األصول ،443/4 ،وانظر :أحكام األضاحي ،البن عثيمين ،ص. 47
( )4جامع األصول البن األثير ،447/4 ،وقال في التلخيص إنها المهزولة ،وذكرها في النهاية بقيل:
كذا وقيل :كذا .أحكام األضاحي ،ص. 48
( )5جامع األصول. 447/4 ،
( )6جامع األصول. 447/4 ،
( )7انظر :أحكام األضاحي البن عثيمين ،ص. 48
صالة العيدين
550
معانقة الغنم لم تجز أيض ًا؛ألنها كالعرجاء البين ظلعها،وإن كانت
تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة(.)2( )1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :جامع األصول البن األثير،447/4،وأحكام األضاحي البن عثيمين،ص. 48
( )2وجاء في هذه العيوب التسعة حديث علي قال((:أمرنا رسول اهلل أن نستشرف العين واألذن ،وأن
ال نضحي بمقابلة ،وال مدابرة ،وال شرقاء ،وال خرقاء)) وفي رواية(( :المقابلة ما قطع طرف أذنها،
والمدابرة :ما قطع من جانب األذن ،والشرقاء :المشقوقة ،والخرقاء :المثقوبة)) هذا لفظ الترمذي في
كتاب األضاحي ،باب ما يكره من األضاحي ،برقم ،1318وقال(( :حديث حسن صحيح)) ،ولفظ
النسائي(( :أمرنا رسول اهلل أن نستشرف العين ،واألذن ،وأن ال نضحي بمقابلة ،وال مدابرة ،وال
بتراء ،وال خرقاء)) ،وفي لفظ(( :وأن ال نضحي بعوراء)) وفي لفظ ...(( :أو جدعاء)) ،وهذا لفظ
النسائي في كتاب األضاحي ،باب المقابلة ،برقم ،3472وباب المدابرة ،برقم ،3474وباب
الخرقاء ،برقم ،3473وباب الشرقاء ،برقم .3472ولفظ أبي داود(( :أمرنا رسول اهلل أن
نستشرف العين واألذن ،وال نضحي بعوراء ،وال مقابلة ،وال مدابرة ،وال خرقاء ،وال شرقاء)) ،قال
زهير :قلت ألبي إسحاق :أذكر عضباء؟ قال :ال ،قلت :فما المقابلة؟ قال :يقطع طرف األذن،
قلت :فما المدابرة ،قال :يقطع من مؤخر األذن ،قلت :فما الشرقاء؟ قال :تشق األذن ،قلت :فما
الخرقاء؟ قال :تخرق أذنها للسمة)) أبو داود ،كتاب األضاحي ،باب ما يكره من األضاحي ،برقم
.2803ولفظ ابن ماجه(( :نهى رسول اهلل أن نضحي بمقابلة ،أو مدابرة ،أو شرقاء ،أو خرقاء،
أو جدعاء)) .ابن ماجه ،كتاب األضاحي ،باب ما يكره أن يضحي به ،برقم ،4132ولفظ اإلمام
أحمد(( :نهى رسول اهلل أن يضحى بالمقابلة ،أو بمدابرة ،أو شرقاء ،أو خرقاء ،أو جدعاء))،
وفي لفظ عن ُح ّجية بن عدي رجل من كندة قال :سمعت رجالً سأل علياً قال :إني اشتريت هذه
ّ ّ
البقرة لألضحى ،قال عن سبعة ،قال :القرن؟ قال :ال يضرك ،قال العرج؟ قال :إذا بلغت المنسك
فانحر ،ثم قال(( :أمرنا رسول اهلل أن نستشرف العين واألذن)) أحمد برقم ،842ورقم ،743
ورقم ، 823وصحح إسناده أحمد شاكر في هذه المواضع كلها ،ورواه بهذا اللفظ الترمذي عن
حجية بن عدي عن علي قال (( :البقرة عن سبعة ،قلت :فإن ولدت؟ قال :اذبح ولدها معها ،قلت:
فالعرجاء؟ قال :إذا بلغت المنسك ،قلت فمكسورة القرن؟ قال :ال بأس ،أُمرنا -أو أمرنا رسول
اهلل - أن نستشرف العينين ،واألذنين)) .الترمذي ،كتاب الضحايا ،باب في الضحية بعضباء
القرن واألذن ،برقم ، 1204ولفظ ابن ماجه في كتاب األضاحي ،باب ما يكره أن يضحى به ،برقم
،4134عن حجية بن عدي عن علي قال(( :أمرنا رسول اهلل أن نستشرف العين واألذن))،
وصحح إسناد حديث حجية أحمد شاكر كما تقدم آنفاً ،وحسنه األلباني في إرواء الغليل،
،432/3وفي صحيح سنن ابن ماجه ،83/4 ،وقبل ذلك صحح إسناده الحاكم ووافقه الذهبي،
،222/3وروى أحمد لفظ أبي داود في المقابلة والمدابرة والشرقاء ،والخرقاء ،برقم ،821وقال
أحمد شاكر :إسناده صحيح .وقال الشوكاني بعد أن ذكر حديث علي هذا الذي رواه الخمسة:
((وحديث علي أخرجه أيضاً البزار [كشف األستار ،برقم ،]1204وابن حبان [برقم ،]2120
والحاكم [ ،]338/1والبيهقي [ ،]272/1وأعله الدارقطني [نيل األوطار ]382/4 ،وضعفه
األلباني في ضعيف الترمذي ،ص 133في ضعيف أبي داود ص ،217وضعيف سنن النسائي،
=
صالة العيدين 556
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
ص ،133وضعيف ابن ماجه ،ص ،224والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي ،وصحح
إسناده أحمد شاكر كما تقدم ،وقد ذكر األلباني طرقه في إرواء الغليل ،433/3 ،ثم قال(( :وجملة
القول :إن الحديث بمجموع طرقه هذه صحيح وذكر القرن فيه منكر عندي تفرد جري به)).
وأما ما جاء في المستأصلة ،والبخقاء ،والمشيعة ،والكسراء ،والمصفرة؛ لما روي عن يزيد ذي
مصر قال :أتيت عتبة بن عبد السلمي ،فقلت :يا أبا الوليد إني خرجت ألتمس الضحايا ،فلم أجد
شيئاً يعجبني ،غير ثرماء ،فكرهتها ،فما تقول؟ قال :أفال جئتني بها؟ قلت :سبحان اهلل تجوز عنك
وال تجوز عني؟ قال :نعم .إنك تشك وال أشك ،إنما نهى رسول اهلل عن المصفرة ،والمستأصلة،
والبخقاء ،والمشيعة ،والكسراء ،فالمصفرة :التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها ،والمستأصلة
التي استوصل قرنها من أصله ،والبخقاء :التي تبخق عينها ،والمشيعة :التي ال تتبع الغنم عجفاً
وضعفاً ،والكسراء :الكسيرة)) .أبو داود ،كتاب الضحايا ،باب ما يكره من الضحايا ،برقم
،2804وضعفه األلباني في ضعيف أبي داود،ص،217وقال األرنؤوط في تحقيقه لجامع األصول،
(( :447/4وفي إسناده أبو حميد الرعيني ،وهو مجهول ،ويزيد ذو مصر لم يوثقه غير ابن حبان)).
ضحى بعضباء األذن والقرن .قال قتادة وأما عضباء األذن والقرن ،فعن علي أن النبي نهى أن ُي َّ
لسعيد بن المسيب :ما األعضب؟ قال :النصف فما فوقه .هذا لفظ أبي داود،برقم ،2802في كتاب
الضحايا ،باب ما يكره من الضحايا .ولفظ النسائي في كتاب الضحايا ،باب العضباء ،برقم
(( :3481نهى رسول اهلل أن يُضحى بأعضب القرن)) فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب؟
قال((:نعم األعضب النصف وأكثر من ذلك)).ولفظ الترمذي في كتاب األضاحي،باب في الضحية
بعضباء القرن واألذن برقم 1203عن قتادة عن جري بن كليب الهندي عن علي قال(( :نهى رسول
اهلل أن نضحي بأعضب القرن واألذن))،قال قتادة:فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال :العضب ما
ضحى به ،برقمبلغ النصف فما فوق ذلك .ولفظ ابن ماجه في كتاب األضاحي ،باب ما يكره أن يُ َّ
،4132عن علي قال(( :إن رسول اهلل نهى أن يضحى بأعضب القرن واألذن)) .ولفظ اإلمام
ضحى بعضباء القرن واألذن)) ،وحديث علي أحمد في المسند (( :121/1نهى رسول اهلل أن يُ َّ
في النهي عن التضحية بعضباء القرن واألذن قال الترمذي(( :هذا حديث حسن صحيح)) .وقال
الشوكاني في نيل األوطار(( :371/4 ،حديث علي صححه الترمذي ...وسكت عنه أبو داود))،
وتكلم على إسناده أحمد شاكر في المسند ،برقم ،344وقال(( :إسناده صحيح)) ،ولكن األلباني
ضعفه في ضعيف ابن ماجه ،وضعيف النسائي ،وضعيف أبي داود ،وضعيف الترمذي ،وفي إرواء
الغليل ،برقم 1131قال(( :منكر)) .وسمعت شيخنا اإلمام ابن باز يقول أثناء تقريره على منتقى
األخبار البن تيمية ،الحديث رقم (( :2721حديث علي صحيح)) ،واهلل أعلم.
قال الشوكاني (( :فيه دليل على أنها ال تجزئ التضحية بأعضب القرن واألذن وهو ما ذهب نصف
قرنه أو أذنه ،وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أنها تجزئ التضحية بمكسور القرن
مطلقاً ...فالظاهر أن مكسورة القرن ال تجوز التضحية بها إال أن يكون الذاهب من القرن مقداراً
يسيراً ،بحيث ال يقال لها عضباء؛ ألجله ،أو يكون دون النصف ...وكذلك ال تجزئ التضحية
بأعضب األذن وهو ما صدق عليه اسم العضب[ ))...نيل األوطار للشوكاني.]371/4 ،
وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه اهلل يقول أثناء تقريره على سنن
=
صالة العيدين
555
وذكر بعض أهل العلم أنه يلحق بالعيوب المكروهة العيوب اآلتية:
األولى :البتراء ،وهي التي قطع ذنبها :من اإلبل ،والبقر ،والمعز،
()1
فتكره التضحية بها؛ لما جاء في رواية النسائي من حديث علي
وبالقياس على العضباء ،قال ابن األثير رحمه اهلل في معنى البتراء(( :هي
التي قطع ذنبها))()2؛ ألن في الذنب مصلحة للحيوان ،ودفاع ًا لما يؤذيه،
وجماالً لمؤخره ،وفي قطعه فوات هذه األمور .وأما البتراء بأصل
الخلقة فال تكره ولكن غيرها أولى.
وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فال تجزئ،
ألن ذلك نقص بين في جزء مقصود منها ،أما إذا كانت من نوع ال ألية
ّ
له بأصل الخلقة أجزأت بدون كراهة(.)3
الثانية :ما قطع أنفها أو شفتها؛ لما جاء في رواية النسائي من حديث
علي ،)4(قال ابن األثير رحمه اهلل في الجدعاء(( :الجدع قطع األنف،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
النسائي ،الحديث رقم 3472بتاريخ 1317/7/2هـ(( :النقص كالشرق أو الخرق مكروه وكذلك
المقابلة والمدابرة إال إذا كان ذلك أكثر من نصف األذن أو القرن فهذا ال يجزئ ،فيكون غير
المجزئ خمس :العوراء البين عورها ،والعرجاء البين ظلعها ،والهزيلة التي ال تنقى ،والمريضة
البين مرضها ،والعضباء :وهي ما ذهب نصف قرنها أو أذنها)) ،وسمعته يصحح حديث علي في
عضباء األذن والقرن أثناء تقريره على منتقى األخبار للمجد ابن تيمية ،الحديث رقم .2721
واختار اإلمام الخرقي في مختص ره أن عضباء األذن والقرن ال تجزئ ،وقال ابن قدامة في المغني
شارح ًا ذلك(( :أما العيوب األربعة األولى فال نعلم بين أهل العلم خالفاً بأنها تمنع اإلجزاء...
وأما العضب وهو ذهاب نصف األذن والقرن ،وذلك يمنع اإلجزاء أيضاً ،وبه قال النخعي ،وأبو
يوسف ،ومحمد .وقال أبو حنيفة والشافعي تجزئ مكسورة القرن ))...ثم رجح أن عضباء األذن
والقرن ال تجزئ .المغني البن قدامة. 470-431/14 ،
ضحي بمقابلة ،وال
( )1ولفظه عند النسائي(( :أمرنا رسول اهلل أن نستشرف العين واألذن ،وأن ال نُ ّ
مدابرة ،وال بتراء ،وال خرقاء ))...الحديث أخرجه الخمسة وهذا لفظ النسائي ،برقم ،3472
وتقدم الكالم عليه.
( )2النهاية في غريب الحديث. 14/1 ،
( )3انظر :أحكام األضحية البن عثيمين ،ص. 30
( )4ولفظه عند النسائي(( :نهى رسول اهلل : أن نضحي بمقابلة ،أو مدابرة ،أو شرقاء ،أو خرقاء ،أو
=
صالة العيدين 555
()1
. )) واألذن ،والشفة ،وهو باألنف أخص ،فإذا أطلق غلب عليه
الثالثة :ما قطع ذكره فتكره التضحية به ،قياساً على العضباء ،فأما ما
قطعت خصيتاه فال تكره التضحية به؛ ألن الخصاء يزيد سمنه ،وطيب
لحمه( .)2وغير ذلك من العيوب التي ذكرها أهل العلم التي تكره
التضحية بها( ،)3واهلل تعالى أعلم.
- 8تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته ،والبدنة ،والبقرة عن سبعة؛
لحديث أبي أيوب األنصاري ،حينما سئل :كيف كانت الضحايا على
عهد رسول اهلل ،فقال(( :كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته،
فيأكلون ،ويطعمون ،حتى تباهى الناس فصارت كما ترى))( .)4قال اإلمام
الترمذي رحمه اهلل(( :والعمل على هذا عند بعض أهل العلم،وهو قول
أحمد ،وإسحاق))(.)5
وأما البدنة فتجزئ عن سبعة ،والبقرة عن سبعة؛ لحديث جابر بن
عبد اهلل رضي اهلل عنهما ،قال(( :نحرنا مع رسول اهلل عام الحديبية البدنة عن
سبعة ،والبقرة عن سبعة)) .وفي لفظ(( :خرجنا مع رسول اهلل مهلين
بالحج فأمرنا رسول اهلل أن نشترك في اإلبل والبقر كل سبعة منا في
بدنة)) .وفي لفظ(( :حججنا مع رسول اهلل فنحرنا البعير عن سبعة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
جدعاء)) ،برقم ،3473وتقدم تخريجه والكالم عليه.
( )1النهاية في غريب الحديث. 233/1 ،
( )2أحكام األضاحي للعالمة ابن عثيمين ،ص. 31
( )3ذكر من ذلك الهتماء التي سقطت بعض أسنانها،وكذلك ما قطع شيء من حلمات ضرعها،قياساً على
العضباء،واهلل أعلم.انظر:أحكام األضحية البن عثيمين ،ص. 31
( )4الترمذي ،كتاب األضاحي ،باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت ،برقم ،1202وقال:
حديث حسن صحيح ،وابن ماجه ،كتاب األضاحي ،باب من ضحى بشاة عن أهله ،برقم ،4137
وصححه األلباني في إرواء الغليل ،برقم . 1132
( )5سنن الترمذي ،الحديث رقم . 1202
صالة العيدين
555
والبقرة عن سبعة))(.)1
قال اإلمام ابن قدامة رحمه اهلل(( :وهذا قول أكثر أهل العلم ،روي
ذلك عن علي ،وابن عمر ،وابن مسعود ،وابن عباس ،وعائشة ،وبه
قال :عطاء ،وطاوس ،وسالم،والحسن،وعمرو بن دينار،والثوري،
واألوزاعي ،والشافعي ،وأبو ثور ،وأصحاب الرأي))( .)2ولكن هل يجزئ
ُسبع البدنة أو ُسبع البقرة عن الرجل وأهل بيته أم ال يجزئ السبع إال
عن واحد:قوالن ألهل العلم ،والذي مالت إليه اللجنة الدائمة للبحوث
العلمية واإلفتاء أن ُسبع البدنة وسبع البقرة ال يجزئ إال عن واحد واهلل
أعلم ،أما الشاة فتجزئ عن الرجل وأهل بيته(.)3
- 1تتعين األضحية بقول المسلم هذه أضحية ،فتصير واجبة ،أو
بذبحها يوم العيد بنية األضحية ،فإذا تعينت األضحية تعلقت بها
األحكام اآلتية:
الحكم األول :زوال ملكه عنها ،فال يجوز له بيعها ،وال هبتها ،وال
إبدالها إال بخير منها؛ ألنه جعلها هلل تعالى.
الحكم الثاني :ال يتصرف فيها تصرفاً مطلقاً فال يستعملها في حرث،وال
يجز شيئ ًا
يحلب من لبنها ما فيه نقص عليها،أو يحتاجه ولدها المتعين معها،وال ّ
جزه فليتصدق به أو ينتفع به
من صوفها ونحوه إال أن يكون أنفع لها،وإذا َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،كتاب الحج ،باب جواز االشتراك في الهدي ،وإجزاء البدنة والبقرة كل واحدة منهما عن
سبعة ،برقم .1418
( )2المغني البن قدامة. 434/14 ،
( )3فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ،413/11 ،وانظر :حاشية ابن قاسم على الروض
المربع ،220/3 ،فقد قال(( :وأما التشريك في سبع منها فمفهوم هذا الحديث وحديث تجزئ
الشاة عن الرجل وأهل بيته أنه ال يجزئ شرك في سبع من بدنة أو بقرة وجزم به شيخنا وغيره)).
وقال شيخنا عبد العزيز ابن باز (( :في إجزاء السبع من البدنة والبقرة عن الرجل وأهل بيته توقف
من بعض أهل العلم ،والراجح أنه يجزئ عن الرجل وأهل بيته؛ ألنهم في معنى الشخص الواحد))
مجموع فتاوى ابن باز. 32-33/18 ،
صالة العيدين 505
والصدقة به أفضل،وإن ولدت ذبح ولدها معها.
الحكم الثالث :إذا حصل لها عيب يمنع اإلجزاء :كالعرج البين ،فإن
ّ
كان هذا العيب بتفريط منه لزمه إبدالها بسليمة ،وإن كان بدون فعل منه
وال تفريط فإنه يذبحها وتجزئه ما لم تكن واجبة في ذمته قبل التعيين،
ضحي ثم عين نذره فتعيبت بدون فعل منه وال تفريط كما لو نذر أن يُ ّ
َّ
لزمه إبدالها بسليمة؛ ألن ذمته مشغولة بأضحية سليمة قبل أن يعينها فال
يخرج من عهدة الواجب إال بأضحية سليمة.
الحكم الرابع :إذا ضاعت أو سرقت بغير تفريط منه فال ضمان عليه
إال أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين؛ ألنها أمانة عنده واألمين ال
ضمان عليه إذا لم يفرط ،لكن متى وجدها أو استنقذها من السارق لزمه
ذبحها ،ولو فات وقت الذبح ،أما إذا كان ضياعها أو سرقتها بتفريط منه
لزمه إبدالها بمثلها أو أفضل .واهلل أعلم(.)1
الحكم الخامس :ال يجوز بيع شيء من األضحية ،ال جلدها ،وال
لحمها ،وال يعطي الجزار أجرته منها؛ لحديث علي قال(( :أمرني
رسول اهلل أن أقوم على بدنه ،وأن أتصدق بلحمها ،وجلودها،
وأج َّلتها ،وأن ال أعطي الجزار منها ،وقال :نحن نعطيه من عندنا)) ،وفي
لفظ لمسلم(( :أن النبي أمره أن يقوم على بدنه ،وأمره أن يقسم بدنه
كلها :لحومها ،وجلودها ،وجاللها ،في المساكين ،وال يعطي في
جزارتها منها شيئاً))(.)2
لكن إذا دفع إلى جازرها شيئ ًا ،لفقره ،أو على سبيل الهدية فال بأس،
واألفضل أن يعطيه أجرته كاملة أوالً ،ثم يعطيه منها؛ لئال تقع مسامحة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر:المغني البن قدامة ،478-474/14 ،والمقنع مع الشرح الكبير واإلنصاف،303-472/1 ،
وحاشية ابن قاسم على الروض المربع ،248-242/3 ،وأحكام األضحية للعثيمين ،ص. 38-32
( )2متفق عليه:البخاري،كتاب الحج،باب يتصدق بجلود الهدي،برقم ،1717ومسلم،كتاب الحج،
باب الصدقة بلحوم الهدايا وجلودها ،وجاللها ،وأن ال يعطى الجزار منها شيئاً ،برقم .1417
صالة العيدين
505
في األجرة؛ ألجل ما يأخذه ،فيكون من باب المعاوضة(.)1
- 10يأكل من أضحيته ويتصدق؛لقول اهلل َ :ف ُك ُلوا ِم ْن َها َوأَ ْط ِع ُموا
ا ْلب ِائ َس ا ْل َف ِقير ،)2(وعن عبد اهلل بن واقد في بيان األكل من
َ َ
وتصدقوا)) .وفي لفظ((:كلوا َّ روا، خِ واد لوا، فك وفيه: األضاحي
َّ ((
وتزودوا))( ،)3وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما قال(( :كنا نتزود لحوم َّ
األضاحي على عهد النبي إلى المدينة)) .وقال غير مرة(( :لحوم
الهدي))( ،)4وعن سلمة بن األكوع في حديثه عن األكل من لحوم
األضاحي ،وفيه(( :كلوا وأطعموا ،وادخروا))( .)5وعن أبي سعيد الخدري
يرفعه إلى النبي فيه(( :كلوا ،وأطعموا ،واحبسوا ،أو َّادخروا))(.)6
لالدخار ،وثلث ًاضحي أن يقسم أضحيته أثالث ًا :ثلثاً ّ لم ّ
واستحب كثير من العلماء ل ُ
()8()7
وادخروا وتصدقوا)) . للصدقة ،وثلث ًا لألكل؛ لقوله (( :فكلوا َّ
واستحب بعضهم أن يقسمها أثالثاً :يأكل ثلثاً ،ويُهدي ثلثاً ،ويتصدق
بثلث؛ لآلثار في ذلك(.)9
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :فتح الباري ،البن حجر.223/4 ،
( )2سورة الحج ،اآلية. 28 :
( )3مسلم ،كتاب األضاحي ،باب بيان ما كان من النهي عن لحوم األضاحي بعد ثالث في أول
اإلسالم وبيان نسخه وإباحته ،برقم .1171
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب األضاحي ،باب ما يؤكل من لحوم األضاحي ،برقم ،2237ومسلم،
كتاب األضاحي ،باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم األضاحي بعد ثالث في أول اإلسالم
وبيان نسخه وإباحته ،برقم .1172
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب األضاحي ،باب ما يؤكل من لحوم األضاحي ،وما يتزود منها ،برقم
،2231ومسلم،كتاب األضاحي ،باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم األضاحي بعد ثالث
في أول اإلسالم وبيان نسخه وإباحته برقم .1173
( )6مسلم ،كتاب األضاحي ،باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم األضاحي ،برقم .1174
( )7مسلم ،برقم ،1171وتقدم تخريجه في الصفحات السابقة.
( )8سبل السالم للصنعاني.270/7 ،
( )9انظر :المغني ،البن قدامة ، 471/14 ،قال ابن قدامة( :ولنا ما روي عن ابن عباس في صفة ضحية
السوال
َّ النبي ،قال((:ويطعم أهل بيته الثلث ،ويطعم فقراء جيرانه الثلث ،ويتصدق على
بالثلث))،رواه الحافظ أبو موسى األصبهاني في الوظائف ،وقال(( :حديث حسن))؛ وألنه قول ابن
=
صالة العيدين 505
ذكى على النحو اآلتي:
- 11صفة ذبح األضاحي وغيرها مما يُ َّ
ال يذبح إال المسلم المميز العاقل ،أو الكتابي ،ويقصد المذكي
التذكية ،وال يذبح لغير اهلل ،وال يهل لغير اهلل ،ويسمي عند الذبح أو
سن وال ظُفرٍ ،وينهر الدم في موضعه ،وال
ّ النحر ،ويذكي بآلة حادة غير ٍ
بد أن يكون المذكي مأذوناً في ذكاته شرعاً(.)1
ب -يراعي المضحي األمور اآلتية:
األمر األول :يختار األضحية ،فيحرص على أكمل األضاحي؛ ألن
النبي كان يفعل ذلك ،فعن عائشة رضي اهلل عنها أن رسول اهلل أمر
بكبش أقرن،يطأ في سواد ،ويبرك في سواد(،)2وينظر في سواد،فأ ُتي
به،ليضحي به ،قال لعائشة(( :ه ُل ّمي( )3المدية))(،)4ثم قال((:اشحذيها
بحجر))(.)5ففعلت ،ثم أخذها،وأخذ الكبش ،ثم ذبحه ،ثم قال((:بسم اهلل،
اللهم تقبل من محمد وآل محمد،ومن أمة محمد ثم ضحى به))(.)6
ضحى رسول اهلل بكبشين أملحين،أقرنين،ذبحهما وعن أنس قالَّ ((:
بيده،وسمى،وكبر،ووضع رجله على صفاحهما)) .وفي لفظ لمسلم:
((ويقول باسم اهلل واهلل أكبر)).وفي لفظ للبخاري((:كان رسول اهلل
ضحي بكبشين ،وأنا أضحي بكبشين))(.)7يُ ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
مسعود ،وابن عمر ،ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة ،فكان إجماعاً .ا .هـ .المغني،480/14 ،
وانظر :الشرح الكبير مع المقنع واإلنصاف.318-313/1 ،
( )1أحكام األضحية للعالمة محمد بن عثيمين،ص،87-23وذكر هذه الشروط التسعة باألدلة ،فراجعها.
( )2يطأ في سواد،ويبرك في سواد،وينظر في سواد:أي قوائمه سود،وبطنه أسود،وما حول عينيه أسود.
( )3هلمي :أي هاتيها .شرح النووي على مسلم.120/14 ،
( )4المدية :السكين .المرجع السابق.120/14 ،
( )5اشحذيها :حدديها ،شرح النووي على مسلم.120/14 ،
( )6مسلم ،كتاب األضاحي ،باب استحباب استحسان الضحية ،وذبحها مباشرة بال توكيل ،والتسمية
والتكبير ،برقم.1137
( )7متفق عليه:البخاري،برقم ،2224ومسلم،برقم ،1133وتقدم تخريجه في أول األضحية.
صالة العيدين
505
سمنكنا نُ ّ
ويختار السمين العظيم؛ لقول أبي أمامة بن سهل ،قالَّ (( :
سمنون))( .)1وهذا من تعظيم شعائر األضحية بالمدينة ،وكان المسلمون يُ ّ
اهلل( ،)2وغير ذلك من الصفات الحسنة ،التي تزيد األضحية كماالً،
وجماالً؛ ألن اهلل طيب ال يقبل إال طيباً( ،)3وإن ضحى بكبشين فال بأس،
فعن أنس قال(( :كان النبي يضحي بكبشين ،وأنا أضحي
بكبشين))( .)4وسمعت شيخنا اإلمام عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز رحمه
اهلل يقول(( :إذا ضحى بكبشين تأسي ًا به فال حرج))( .)5وعن عائشة
وأبي هريرة رضي اهلل عنهما(( :أن رسول اهلل كان إذا أراد أن يضحي اشترى
كبشين ،عظيمين ،سمينين ،أقرنين ،أملحين ،موجوءين ،فذبح أحدهما
عن أمته ،لمن شهد هلل بالتوحيد وشهد له بالبالغ ،وذبح اآلخر عن
محمد وعن آل محمد .)6())
وعن أبي سعيد قال(( :كان رسول اهلل يضحي بكبش أقرن،
فحيل ،ينظر في سواد ،ويأكل في سواد ،ويمشي في سواد))(.)7
األمر الثاني :اإلحسان إلى الذبيحة ،فيعمل كل ما يريحها عند ال َّذكاة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري ،األضاحي ،باب أضحية النبي بكبشين أقرنين ،ويذكر سمينين ،رقم الباالنحل ،قبل
الحديث رقم.2224
( )2انظر :فتح الباري البن حجر.243/4 ،
( )3ومن الصفات التي ثبتت في األحاديث في أضحية النبي الصفات اآلتية:
-1الكبش -2.األقرن -4.األملح -3.قوائمه سوداء -2.بطنه أسود -3.ما حول عينيه أسود.
-7يأكل في سواد -8 .عظيم -1 .موجوء -10.سمين -11.فحيل ،وجاء في صحيح أبي عوانة
كما قال ابن حجر في البلوغ -12ثمين .انظر :فتح الباري البن حجر.10/10 ،
( )4متفق عليه:البخاري،برقم ،2224ومسلم،برقم ،133وتقدم تخريجه في أول األضحية.
( )5سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري ،الحديث رقم.2224
( )6ابن ماجه ،كتاب األضاحي ،باب أضاحي رسول اهلل ،برقم ،4122وصححه األلباني في
صحيح ابن ماجه. 81/4 ،
( )7أبو داود ،كتاب الضحايا ،باب ما يستحسن من الضحايا ،برقم ،2713وصححه األلباني في
صحيح أبي داود ،183/2 ،ورواه الترمذي ،كتاب األضاحي عن رسول اهلل ،باب ما جاء ما
يستحب من األضاحي ،برقم ،1313والنسائي ،كتاب الضحايا ،باب الكبش ،برقم .3302
صالة العيدين 505
حادة ،وأن يمرها على محل الذبح بقوة ومن ذلك :أن يكون الذبح بآلة َّ
وسرعة؛ ألن المطلوب اإلسراع في إزهاق النفس على أكمل الوجوه من
غير تعذيب؛ لحديث شداد بن أوس قال(( :ثنتان حفظتهما عن
رسول اهلل ،قال(( :إن اهلل كتب اإلحسان على كل شيء ،فإذا قتلتم
أحدكم شفرته، ُ القتلة ،وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ،ولي ِح َّد فأحسنوا ِ
ُ ()1
يحد السكين والبهيمة تنظر إليه؛ لما جاء فليرِ ْح ذبيحته)) .ويكره أن َّ ُ
وارى عن ُ َ ت وأن الشفار، بحد النبي أمر (( قال: عنهما اهلل رضي عمر ابن عن
()2
البهائم ،وقال(( :إذا ذبح أحدكم فليجهِ ْز)) .وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما
ُ ْ
قال :مر رسول اهلل على رجل واضع رجله على صفحة شاة ،وهو
يحد شفرته ،وهي تلحظ إليه ببصرها ،قال(( :أفال قبل هذا؟ أو تريد أن
تميتها موتات))؟ ولفظ الحاكم(( :أتريد أن تميتها موتان؟ هال أحددت
شفرتك قبل أن تضجعها))( .)3قال اإلمام النووي رحمه اهلل(( :ويستحب
أن ال يحد السكين بحضرة الذبيحة ،وأن ال يذبح واحدة بحضرة
األخرى ،وال يجرها إلى مذبحها))(.)4
األمر الثالث:إذا كانت الضحية من اإلبل نحرها قائمة معقولة يدها
يها ِ ِ
اها َل ُكم ّمن َش َعائرِ اهلل َل ُك ْم ف َ اليسرى،لقول اهلل تعالىَ :وا ْل ُب ْد َن َج َع ْل َن َ
َخير َفا ْذ ُكروا ْاسم اهلل َع َلي َها َص َو َّاف َف ِإ َذا َو َجب ْت ُجنُوبُ َها َف ُك ُلوا ِم ْن َها
َ ْ َ ُ ٌْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،كتاب العيد والذبائح ،باب األمر بإحسان الذبح والقتل ،وتحديد الشفرة ،برقم.1122
( )2أحمد في المسند ،108/2 ،وابن ماجه ،كتاب الذبائح ،باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ،برقم
،4172وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب ،341/1 ،وضعفه في ضعيف ابن ماجه،
ص ،222وذكر أنه صححه من طريق أحمد ،وقال وانظر(( :الصحيحة.))4140
( )3الطبراني في الكبير ،442/11 ،برقم ،11113واألوسط ،برقم[ ،131مجمع البحرين] ،والحاكم،
قال المنذري في الترغيب(( :ورجاله رجال الصحيح)) ،وقال الحاكم(( :صحيح على شرط
البخاري)) ،وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب ،340/1 ،وقال في مجمع
الزوائد(( :44/3،رجاله رجال الصحيح)).
( )4شرح النووي على صحيح مسلم ،114/14 ،وانظر :أحكام األضاحي البن عثيمين ،ص.12-13
صالة العيدين
500
ون.)1(قال ِ ِ ِ
َوأَ ْطع ُموا ا ْل َقان َع َوالـْ ُم ْع َت َّر َك َذل َك َس َّخ ْر َن َ
اها َل ُك ْم َل َع َّل ُك ْم َت ْش ُك ُر َ
ابن عباس رضي اهلل عنهما(( :قياماً على ثالث معقولة يدها اليسرى))(.)2وعن
جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما أن النبي وأصحابه كانوا ينحرون البدن
معقولة اليسرى،قائمة على ما بقي من قوائمها))(.)3وعن عبد اهلل بن عمر
رضي اهلل عنهما أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها فقال :ابعثها قيام ًا
مقيدة سنة محمد .)4())فإن لم يتيسر له نحرها قائمة جاز له نحرها
باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة؛ لحصول المقصود بذلك.
األمر الرابع :إذا كانت الضحية من غير اإلبل ذبحها مضجعة على جنبها
األيسر ،ويضع رجله على صفحة عنقها ،ليتمكن منها؛ لحديث أنس
قال(( :ضحى رسول اهلل بكبشين ،أملحين ،أقرنين ،ذبحهما بيده،
وسمى ،وكبر ،ووضع رجله على صفاحهما))( ،)5فإن كان الذابح ال يستطيع
أن يذبح بيمينه ويعمل بيده اليسرى عمل اليمنى وكان األيسر له أن
يضجعها على الجنب األيمن فال بأس أن يضجعها عليه؛ ألن المهم راحة
الذبيحة(.)6
األمر الخامس :أن يستقبل القبلة عند الذبح؛ لما ُروي عن النبي
من حديث جابر قال(( :ضحى رسول اهلل يوم عيد بكبشين فقال حين
وجههما(( :إني وجهت وجهي للذي فطر السموات واألرض))(.)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة الحج ،اآلية. 43 :
( )2تفسير ابن كثير. 222/14 ،
( )3أبو داود ،كتاب المناسك ،باب كيف تنحر البدن؟ برقم ، 1737وصححه األلباني في صحيح سنن
أبي داود.313/1 ،
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب الحج ،باب نحر اإلبل مقيدة ،برقم ،1714ومسلم ،كتاب الحج ،باب
نحر اإلبل قياماً مقيدة ،برقم.1420
( )5متفق عليه:البخاري،برقم ،2224ومسلم،برقم .1133وتقدم تخريجه في أول األضحية.
( )6انظر :أحكام األضاحي ،البن عثيمين ،ص.81-88
( )7ابن ماجه،كتاب األضاحي ،باب أضاحي رسول اهلل ،برقم ،4121وأبو داود ،كتاب الضحايا،
=
صالة العيدين 506
األمر السادس :التسمية عند الذبح والنحر ،وهي واجبة ،لقول اهلل
ين ،)1(وقوله ِِ ِِ ِ ِ ِ
تعالىَ :ف ُك ُلو ْا م َّما ُذك َر ْاس ُم اهلل َع َل ْيه إِن ُك ُنت ْم ب َِآياته ُم ْؤمن َ
ين تعالى :والَ َت ْأ ُك ُلو ْا ِمما َلم ي ْذ َكرِ اسم اهلل ع َلي ِه و ِإنَّه َل ِفس ٌق و ِإ َّن َّ ِ
الش َياط َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ُ َّ ْ ُ َ
()2
وهم ِإنَّ ُكم لـ ُم ْشرِ ُكو َن ؛ ولقول َ ِ ِ ِ ِ
ليوحون ِإلى أوليآئهِم ليجادلوكم وإِن أطعتمَ
ْ َ َُ ُ َ َ ْ َ ْ ُ َ ُ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ ُ ُ ْ
النبي (( :ما أنهر الدم وذكر اسم اهلل عليه فكلوه ما لم يكن سن وال
ظفر))( .)3وذكر اسم اهلل تعالى على الذبح أو النحر شرط من شروط ذكاة
الحيوان( ،)4ويستحب التكبير(( :اهلل أكبر)) مع التسمية(.)5
األمر السابع :من اآلداب المستحبة أن يسمي عند ذبح األضحية من
هي له؛ لحديث جابر قال :شهدت مع رسول اهلل األضحى في
المصلى ،فلما قضى خطبته نزل من منبره وأ ُتي بكبش فذبحه رسول اهلل
يضح منّ بيده ،وقال(( :بسم اهلل واهلل أكبر ،هذا عني وعن من لم
أمتي))()6؛ ولحديث أبي رافع قال(( :ضحى رسول اهلل بكبشين،
أملحين ،موجبين( ،)7خصيين ،فقال :أحدهما لمن شهد بالتوحيد ،وله
بالبالغ ،واآلخر عنه وعن أهل بيته ،قال :فكان رسول اهلل قد كفانا)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
باب ما يستحب من الضحايا ،برقم ،2712والبيهقي ،282/1 ،وضعفه األلباني في ضعيف ابن
ماجه ،ص ،220وانظر :إرواء الغليل. 420/3 ،
( )1سورة األنعام ،اآلية. 118 :
( )2سورة األنعام ،اآلية. 121 :
( )3متفق عليه من حديث رافع بن خديج :البخاري ،كتاب الذبائح والعيد ،باب إذا أصاب قوم غنيمة
فذبح بعضهم غنم ًا أو إبالً بغير أمر أصحابه ،لم تؤكل ،برقم،2234ومسلم،كتاب األضاحي،باب
جواز الذبح بكل ما أنهر الدم ،برقم. 1138
( )4انظر :أحكام األضاحي البن عثيمين ،ص.87-23
( )5المرجع السابق ،ص.11
( )6أبو داود ،كتاب الضحايا ،باب في الشاة يضحى بها عن جماعة ،برقم ،2810والترمذي ،كتاب
األضاحي ،باب ما يقول إذا ذبح ،برقم ،1221وصححه األلباني في صحيح أبي داود،188/2 ،
وصحيح الترمذي.
( )7موجبين :وفي مجمع الزوائد(( :22/3موجوءين)).
صالة العيدين
505
وفي رواية ألحمد(( :أن رسول اهلل كان إذا ضحى اشترى كبشين،
سمينين ،أقرنين ،أملحين ،فإذا صلى وخطب الناس أ ُتي بأحدهما وهو
َ
قائم في مصاله فذبحه بنفسه بالمدية ،ثم يقول(( :اللهم إن هذا عن أمتي
جميعاً ممن شهد لك بالوحدانية ،وشهد لي بالبالغ)) .ثم يُؤتى باآلخر
فيذبحه بنفسه ويقول(( :هذا عن محمد وآل محمد)) فيطعمهما جميع ًا
المساكين ،ويأكل هو وأهله منهما ،فمكثنا سنين ليس رجل من بني
والغر َم))(.)1 هاشم يضحي قد كفاه اهلل المؤنة برسول اهلل
ُْ
األمر الثامن :قطع :الحلقوم ،والمريء ،والودجين ،وإنهار الدم :أي
إجراؤه من شروط صحة الذكاة ،ولكن استكمال هذه األربعة يكون نهاية
الكمال ،وهي:
أ -الحلقوم :وهو مجرى النفس [القصبة الهوائية].
ب -المريء :وهو مجرى الطعام والشراب.
ج – د -الودجان :وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء
فمتى قطعت هذه األشياء األربعة ح َّلت المذكاة بإجماع أهل العلم( .)2وال
يتجاوز ذلك إلى النخاع فإنه ال يشرع( .)3وذكر شيخنا اإلمام ابن باز رحمه
اهلل :أن التذكية الشرعية لإلبل والبقر والغنم:على ثالث حاالت:
الحالة األولى:أن يقطع الذابح:الحلقوم،والمريء،والودجين،وهو
أكمل الذبح وأحسنه،فإذا قطعت هذه األربعة فالذبح حالل عند جميع
العلماء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أحمد في المسند ،8/3 ،و ،411/3وصححه األلباني في إرواء الغليل ،برقم.1137
( )2انظر :بداية المجتهد ،البن رشد ، 442-422/1 ،أحكام األضاحي للعالمة ابن عثيمين ،ص-72
،81ومجموع فتاوى اإلمام ابن باز.23/18 ،
( )3بداية المجتهد ،427/،1وذكر أن اإلمام مالك كرهه إذا تمادى في القطع ولم ينوِ قطع النخاع من
أول األمر؛ ألنه إن نوى ذلك فكأنه نوى التذكية على غير الصفة الجائزة ،وقال مطرف
والماجشون :ال تؤكل إن قطعها متعمداً دون جهل ،وتؤكل إن قطعها ساهياً أو جاهالً.427/1 ،
صالة العيدين 505
الحالة الثانية:أن يقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين وهذا حالل
صحيح وطيب وإن كان دون األول.
والحالة الثالثة :أن يقطع الحلقوم والمريء فقط دون الودجين وهو أيضاً
صحيح ،وقال به جمع من أهل العلم ،ودليلهم قوله (( :ما أنهر الدم وذكر
اسم اهلل عليه فكلوا ،ليس السن والظفر))( ،)1وهذا هو المختار في هذه
المسألة(.)2
األمر التاسع :يدعو عند ذبح األضحية بالقبول؛ لحديث عائشة
رضي اهلل
عنها وفيه(( :اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد))( .)3وفي
حديث جابر((:اللهم منك ولك))(.)4
الثالث عشر:المنكرات في العيد التي يفعلها كثير من الناس كثيرة ال
يمكن حصرها ،ولكن منها ما يأتي:
- 1الشرك باهلل تعالى بالتقرب ألصحاب القبور ودعائهم من دون اهلل
ون اهلل َما في بعض األمصار والبلدان ،وقد قال اهلل :وال َت ْد ُع ِمن ُد ِ
َ
ظ ِال ِ
ين * َوإِن َي ْم َس ْس َك اهلل ت َف ِإ َّن َك ِإ ًذا ّم َن ال َّ َ
م الَ َين َف ُع َك َوالَ َي ُض ُّر َك َفإِن َف َع ْل َ
يب ب ِِه َمن اش َف َله ِإال َّ هو وإِن يرِ د َك ب َِخيرٍ َفالَ ر ِ ِ ِ
آد ل َف ْضله يُ َص ُ
ب ُِض ٍر َفالَ َك ِ
َ َّ ُ َ َ ُ ْ (ْ )5 ُ ّ
ور الر ِحيم . وقال سبحانهُ :ق ْل ِإ َّن َصالَ ِتي فغ ل ا و هو ِ
ه ِ
اد بع ِ نمِ اء يش
َ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ َ ُ ُ َّ ُ
ِ ِِ
تيك َل ُه َوب َِذ ِل َك أ ُ ِم ْر ُ
ين ،الَ َشرِ َ ِ
ب ا ْل َعا َلم َ اي َو َم ( َم)6اتي َّهلل َر ّ
ِ
َونُ ُسكي َو َم ْح َي َ
ِِ
ين . وحد الشرك األكبر الذي يجمع أنواعه وأفراده: َوأَ َن ْا أَ َّو ُل الـْ ُم ْسلم َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه :البخاري ،برقم ،2234ومسلم ،برقم ،1138وتقدم تخريجه في التسمية عند الذبح.
( )2انظر :مجموع فتاوى ابن باز.23/18 ،
( )3مسلم ،برقم ،1137وتقدم تخريجه في صفة ذبح األضحية.
( )4أبو داود ،برقم ،2712وابن ماجه ،برقم ،4121وتقدم تخريجه في التوجيه إلى القبلة ،وقد قال
العالمة األلباني :هذه الجملة لها شاهد من حديث أبي سعيد عند أبي يعلى ،فانظر:مجمع الزوائد،
،22/3وصححه األلباني في إرواء الغليل،برقم.1122
( )5سورة يونس ،اآليتان.107-103 :
( )6سورة األنعام ،اآليتان.134-132 :
صالة العيدين
505
أن يصرف العبد نوع ًا أو فرد ًا من أفراد العبادة لغير اهلل ،فكل اعتقاد أو
قول،أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع فصرفه هلل وحده:توحيد،
وإيمان،وإخالص ،وصرفه لغير اهلل:شرك وكفر،وهذا ضابط للشرك
األكبر ال يشذ عنه شيء،وأما حد الشرك األصغر فهو:كل وسيلة وذريعة
يتطرق منها إلى الشرك األكبر:من اإلرادات،واألقوال،واألفعال التي لم
تبلغ رتبة العبادة(.)1
- 2إسبال الثياب ،والمشالح ،والسراويل ،وغير ذلك من أنواع ألبسة
الرجال التي تنزل تحت الكعبين ،فكثير من الناس يوم العيد يلبس
المالبس وقد خطت على األرض تكنس الشوارع واألرصفة ،وقد قال
النبي (( :ثالثة ال يكلمهم اهلل يوم القيامة ،وال ينظر إليهم ،وال يزكيهم،
ولهم عذاب أليم)) .فقرأها رسول اهلل ثالث مرات -قال أبو ذر:
((خابوا وخسرواَ ،من هم يا رسول اهلل؟ قال(( :المسبل إزاره ،والمنان،
والمنفق سلعته بالحلف الكاذب))(.)2
وعن أبي هريرة عن النبي قال((:ما أسفل من الكعبين من اإلزار في النار))(.)3
وعن عبد اهلل بن عمر عن أبيه رضي اهلل عنهما ،عن النبي قال(( :من جر
َّ
ثوبه خيالء لم ينظر اهلل إليه يوم القيامة))(.)4
وعن أبي هريرة أن رسول اهلل قال(( :ال ينظر اهلل يوم القيامة إلى
َمن جر إزاره بطراً))(.)5
َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1القول السديد في مقاصد التوحيد،لعبد الرحمن بن ناصر السعدي،ص.23 ،42 ،41
( )2مسلم ،كتاب المن بالعطية ،وتنفيق السلعة بالحلف ،وبيان الثالثة الذين ال يكلمهم اهلل تعالى يوم
القيامة وال يزكيهم ،ولهم عذاب أليم ،برقم.103
( )3البخاري ،كتاب اللباس ،باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار ،برقم .2787
( )4متفق عليه :البخاري ،كتاب اللباس ،باب من جر إزاره من غير خيالء ،برقم ،2783ومسلم،كتاب
اللباس والزينة،باب تحريم جر الثوب خيالء ،برقم . 2082
( )5متفق عليه :البخاري ،كتاب اللباس ،باب من جر ثوبه من الخيالء ،برقم ،2788ومسلم ،كتاب
اللباس والزينة ،باب تحريم جر الثوب خيالء ،برقم .2087
صالة العيدين 565
وعن سالم بن عبد اهلل أن أباه حدثه أن رسول اهلل قال(( :بينما رجل
يجر إزاره خسف اهلل به فهو يتجلجل في األرض إلى يوم القيامة))(.)1
ّ
وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال((:مررت على رسول اهلل وفي إزاري
استرخاء،فقال((:يا عبد اهلل،ارفع إزارك)) فرفعته،ثم قال((:زد)) فزدت ،فما زلت
أتحراها بعد،فقال بعض القوم:إلى أين؟ فقال((:إلى أنصاف الساقين))(.)2
جري جابر بن ُسليم يرفعه وفيه(( :وارفع إزارك إلى نصف ٍّ وعن أبي
الساق فإن أبيت فإلى الكعبين ،وإياك وإسبال اإلزار فإنها من المخيلة،وإن
اهلل ال يحب المخيلة))(.)3
وعن عبد الرحمن بن الحالج ،قال :سألت أبا سعيد الخدري عن
اإلزار؟ فقال :على الخبير سقطت ،قال رسول اهلل (( :إزرة المسلم إلى
نصف الساق وال حرج -أو ال ُجناح -فيما بينه وبين الكعبين ،ما كان
أسفل من الكعبين فهو في النار ،من جر إزاره لم ينظر اهلل إليه))(.)4
َّ
وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما عن النبي قال((:اإلسبال في اإلزار،
والقميص،والعمامة،من جر منها شيئاً خيالء لم ينظر اهلل إليه يوم
َّ
القيامة))(.)5
وعن أم سلمة رضي اهلل عنها زوج النبي أنها قالت لرسول اهلل حين
ذكر اإلزار :فالمرأة يا رسول اهلل؟ قال(( :ترخي شبراً)) قالت أم سلمة :إذ ًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1البخاري ،كتاب اللباس ،باب من جر ثوبه من الخيالء ،برقم.2710
( )2مسلم ،كتاب اللباس والزينة ،باب تحريم الثوب خيالء ،برقم.2083
( )3أبو داود ،كتاب اللباس ،باب ما جاء في إسبال اإلزار ،برقم ،3083وصححه األلباني في صحيح
سنن أبي داود ،برقم .3083
( )4أبو داود ،كتاب اللباس ،باب في قدر موضع اإلزار ،برقم.3014
( )5أبو داود ،كتاب اللباس ،باب موضع اإلزار ،وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود ،برقم
،3014وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود ،برقم.1113
صالة العيدين
565
ينكشف عنها! قال(( :فذراعاً ال تزيد عليه))(.)1
رخص رسول اهلل ألمهات المؤمنين في الذيل وعن ابن عمر قالَّ :
لهن ذراعاً(.)2
شبراً ثم استأذننه فزادهن شبر ًا ،فكن يرسلن إلينا فنذرع َّ
وهذه األحاديث تدل على أن إسبال الثياب والعمائم ،والمشالح،
والسراويل من كبائر الذنوب .وأن المسبل من الرجال إن كان متكبراً
فقد ارتكب كبيرتين :الكبر ،واإلسبال ،وإن لم يكن متكبراً فقد ارتكب
كبيرة اإلسبال.
وعن المغيرة بن شعبة قال :رأيت النبي آخذ ًا بحجزة سفيان
بن أبي سهل وهو يقول(( :يا سفيان بن أبي سهل ال تسبل إزارك فإن اهلل
ال يحب المسبلين))(.)3
– 4الكبر :بعض الناس أيام العيد يحتقر الناس ويتكبر عليهم،
ويعجب بنفسه ،ويختال في مشيته ،وهذا محرم في جميع األوقات ،قال
اهلل َ :والَ َت ْم ِش ِفي األَ ْر ِض َمر ًحا ِإنَّ َك َلن َت ْخرِ َق األَ ْر َض َو َلن َتبلُ َغ
ْ َ
اس َوال َت ْم ِش ِفي ا ْل ِجب َال طُوالً .)4(وقال تعالى :وال تُصعر َخ َّد َك ِللن ِ
َّ َ
َ ّْ َ
َ ()5 ٍ ِ ِ
ب ُك َّل ُم ْخ َتال َف ُخورٍ . وقال تعالىَ :سأ ْصرِ ُف األَ ْرض َم َر ًحا ِإ َّن اهلل ال يُح ُّ
ين َي َت َكبرو َن ِفي األَ ْر ِض ب َِغيرِ الـ َح ّق .)6(وقال سبحانهَ :ث ِاني َ َع ْن َآياتِي ا َّل ِذ
ْ ُ َّ
اب
َ
ذَ ع القيامة م و ي هقُ ي الد ْنيا ِ ْخزي ونُ ِ
ذ ُّ ي ِيل اهلل َله ِ
ف ِ ب س ن ع ل َّ ضِع ْط ِف ِه ِل َي ِ
َ َ ُ َْ َ َ ْ ٌ َ ُ َ َ ُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أبو داود ،كتاب اللباس ،باب في قدر الذيل ،برقم ،3117وصححه األلباني في صحيح سنن أبي
داود ،برقم .3117
( )2أبو داود ،كتاب اللباس ،باب في قدر الذيل ،برقم ،3111وصححه األلباني في صحيح سنن أبي
داود ،برقم .3111
( )3أخرجه أحمد،220/3 ،233/3،وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اهلل يقول((:إسناده جيد)).
( )4سورة اإلسراء ،اآلية. 47 :
( )5سورة لقمان ،اآلية. 18 :
( )6سورة األعراف ،اآلية. 133 :
صالة العيدين 565
()1
الـ َحرِ ِيق.
ْ
َ ِ ِ
اب وقال ِ :إ َّن الَّذ َ
ين َك َّذبُو ْا ب َِآيات َنا َو ْاس َت ْك َب ُرو ْا َع ْن َها الَ ُت َف َّت ُح لـ َ ُه ْم أ ْب َو ُ
اط َو َك َذ ِل َك َن ْجزِ ي ون الـجن َة حتى ي ِلج الـجم ُل ِفي سم الـ ِخي ِ ِ
َ ّ ( َْ )3 الس َماء َوالَ َي( ْ2د) ُخ ُل َ ْ َ َّ َ َّ َ َ ْ َ َ َّ
ستكبرين . وقال ِ :إ َّن اهلل حب ا ْلـ ُم ِ
َ إنه ال يُ ُّ ين. وقال ُ : الـْ ُم ْجرِ م َ
ال َف ُخورٍ . وقال اهلل تعالىِ :تلك الدار ِ
اآلخر ُة َن ْج َع ُل َها )4 ( ال ي ِح ُّب ُك َّل م ْخ َت ٍ
ْ َ َّ ُ (َ )5 ُ ُ
ين. ِ ِ ِ ِ َ ِ ِ ِ
ادا َوا ْل َعاق َب ُة ل ْل ُم َّتق َ
ون ُع ُل ًّوا في األ ْرض َوال َف َس ً يد َين ال يُرِ ُ ل َّلذ َ
وعن أبي هريرة عن النبي أنه قال(( :بينما رجل يمشي في ُح َّل ٍة
نفسه،مرج ٌل ُج َّمته،إذ خسف اهلل به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة))(.)6 ّ تعجبه
وعن عبد اهلل بن مسعود ،عن النبي قال((:ال يدخل الجنة من كان في
قلبه مثقال ذرة من كبر)) قال رجل:إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً،ونعله
حسنة ،قال((:إن اهلل جميل يحب الجمال،الكبر:بطر الحق ،وغمط الناس))(.)7
وعن سلمة بن األكوع (( أن رجالً أكل عند رسول اهلل بشماله،
فقال(( :كل بيمينك))،قال:ال أستطيع،قال(( :ال استطعت ما منعه إال الكبر،
قال :فما رفعها إلى فيه))(.)8
وعن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل ،قال اهلل (( :الكبرياء
ردائي ،والعظمة إزاري ،فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار))(.)9
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة الحج ،اآلية. 1 :
( )2سورة األعراف ،اآلية. 30 :
( )3سورة النحل ،اآلية. 24 :
( )4سورة النساء ،اآلية. 23 :
( )5سورة القصص ،اآلية. 84 :
( )6متفق عليه:البخاري،في كتاب اللباس ،باب من جر ثوبه من الخيالء ،برقم ،2781ومسلم،كتاب
اللباس ،باب تحريم التبختر في المشي ،مع إعجابه بثيابه ،برقم.2088
( )7مسلم ،كتاب اإليمان ،باب تحريم الكبر وبيانه ،برقم.11
( )8مسلم ،كتاب األشربة ،باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما ،برقم .2021
( )9أبو داود ،كتاب اللباس ،باب ما جاء في الكبر ،برقم ،3010وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود.
صالة العيدين
565
العز إزاره ،والكبرياء رداؤه ،فمن ينازعني عذبته))(.)1
ولفظ مسلمّ (( :
وعن عياض بن حمار قال :قال رسول اهلل (( :إن اهلل تعالى
أوحى إلي أن تواضعوا حتى ال يبغي أحد على أحد ،وال يفخر أحد
َّ
على أحد))(.)2
وعن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل (( :ما نقصت صدقة من مال،
وما زاد اهلل عبداً بعفوٍ إال ّ
عزاً ،وما تواضع أحد هلل إال رفعه اهلل
تعالى))(.)3
وعن أنس قال :كانت ناقة النبي تسمى العضباء ،وكانت ال
ُت ْسبق ،فجاء أعرابي على قعود له فسبقها ،فاشتد ذلك على المسلمين،
َ
وقالواُ :سبقت العضباء ،فقال رسول اهلل (( :إن ح ّقاً على اهلل أن ال
يرفع شيئاً من الدنيا إال وضعه))(.)4
وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما ،قال :قال رسول اهلل (( :ثالث مهلكات،
وثالث منجيات ،وثالث كفارات ،وثالث درجات :فأما المهلكات:
فشح مطاع ،وهوى متبع ،وإعجاب المرء بنفسه ،وأما المنجيات:
فالعدل في الغضب والرضى ،والقصد في الفقر والغنى ،وخشية اهلل في
السر والعالنية ،وأما الكفارات :فانتظار الصالة بعد الصالة ،وإسباغ
الوضوء في السبرات ،ونقل األقدام إلى الجماعات ،وأما الدرجات:
فإطعام الطعام ،وإفشاء السالم ،والصالة بالليل والناس نيام))(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،كتاب البر والصلة ،باب تحريم الكبر ،برقم.2320
( )2مسلم ،كتاب الجنة ونعيمها ،باب الصفات التي يُعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار،برقم .)2832(-33
( )3مسلم ،كتاب البر الصلة ،باب استحباب العفو والتواضع ،برقم.2288
( )4البخاري كتاب الرقائق ،باب التواضع ،برقم .3201
( )5المعجم األوسط للطبراني[ ،مجمع البحرين في زوائد المعجمين ،123/1 ،برقم ،]132وله
شاهد من حديث أنس في المرجع نفسه ،برقم .122/1 ،131وذكر األلباني أنه روي عن أنس
بن مالك ،وعبد اهلل بن عباس ،وأبي هريرة ،وعبد اهلل بن أبي أوفى ،وعبد اهلل بن عمر ،وذكرها ثم
قال(( :وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن على أقل الدرجات إنشاء اهلل تعالى)).
=
صالة العيدين 565
وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما عن النبي قال(( :من َتعظَّم في نفسه،أو اختال
في مشيته لقي اهلل وهو عليه غضبان))(.)1
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده،عن النبي (( :يحشر
المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال ،يغشاهم الذل من
كل مكان ،يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بُو َلس ،تعلوهم نار
األنيار ،ويسقون من عصارة أهل النار ،طينة الخبال))(.)2
- 3الغناء،والمزامير،والمعازف:بعض الناس يُضيعون أوقات العيد
ّ
المبارك في االجتماع على مزامير الشيطان،وآالت اللهو المحرمة،قال اهلل
ورا
آؤ ُك ْم َج َز ًاء َّم ْو ُف ً للشيطان:ا ْذ َه ْب َف َمن َتب َِع َك ِم ْن ُه ْم َف ِإ َّن َج َهنَّ َم َج َز ُ
ت ِم ْن ُهم ب َِص ْو ِت َك َوأَ ْج ِل ْب َع َليهِ م ب َِخي ِل َك َو َر ِج ِل َك * َو ْاس َت ْفزِ ْز َم ِن ْاس َت َط ْع َ
ْ ْ ْ
الد َو ِع ْد ُه ْم َو َما َي ِع ُد ُه ُم َّ
ارِكهم ِفي األَمو ِال واألَو ِ
()3
ورا. الش ْي َطا ُن ِإال َّ ُغ ُر (ً)4 َْ َ ْ َ َ ُْْ
وش
قال مجاهد في تفسير الصوت هنا:باللهو،والغناء:أي استشغفهم بذلك .
ِيل اهلليث ِل ُي ِض َّل َعن َسب ِ وقال :و ِمن الناس من ي ْش َترِ ي لـهو الـح ِد ِ
َْ َ ْ َ َ َ َ َ
اب ُّمهِ ي ٌن * َو ِإ َذا تُ ْت َلى َع َلي ِه َآياتُ َنا َولَّىٌ ذب َِغ ْيرِ ِع ْل ٍم َو َي َّت ِخ َذ َها ُ ُ ً َ َ َ ُ ْ َ َ
ع م ه ل ك ِ
ئ لوُ أ ا وز ه
ْ
يم.)5(ال ابن اب أَ ِل ٍ
ُم ْس َت ْكبِرا َكأَن لَّم َي ْس َم ْع َها َكأَ َّن ِفي أ ُ ُذ َني ِه َو ْقرا َفب ّشر ُه ب َِع َذ ٍ
ً َ ْ ْ ْ ً
مسعود في تفسير ذلك((:الغناء واهلل الذي ال إله إال هو)) يرددها ثالث
مرات،وتبع ابن مسعود عبد اهلل بن عباس،وجابر،ومجاهد ورحمهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
األحاديث الصحيحة ،برقم ،313/3 ،1802وحسنه في صحيح الجامع.37/4 ،
( )1البخاري في األدب المفرد،برقم ،231وصححه األلباني في األحاديث الصحيحة ،برقم ،234وفي
صحيح األدب المفرد،ص،207ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 30/1 ،بلفظ((:من تعاظم في
نفسه واختال في مشيته،لقي اهلل وهو عليه غضبان)).
( )2أحمد ،118/2 ،والترمذي ،كتاب صفة القيامة ،باب حدثنا هناد ،برقم ،2312وقال(( :هذا حديث
حسن صحيح)) ،والبخاري في األدب المفرد ،برقم ،227وحسنه األلباني في صحيح الترمذي،
،302/2وفي صحيح األدب المفرد،ص.210
( )3سورة اإلسراء ،اآليات.33-32 :
( )4تفسير ابن كثير.20/4 ،
( )5سورة لقمان ،اآليتان . 7-3 :
صالة العيدين
560
ون َوالَ َتب ُكو َن * ون * َو َت ْض َح ُك َ
يث َت ْع َج ُب َوقال اهلل :أَ َف ِمن ه َذا الح ِد ِ
ْ َ ْ َ
َوأَ ُنتم َس ِام ُدو َن .)1(قال ابن عباس في السمود :هو الغناء ،ويقال:
ْ
اسمدي لنا :أي غني لنا ،والسمد أيض ًا :الغفلة واللهو عن الشيء .وقال
الد ْنيا َفا ْلي ْو َم :ال ِذين اتخذوا ِدينهم لـهوا ول ِعبا وغرتهم الـحياة
َ َّ َ َّ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ ً َ َ ً َ َ َّ ْ ُ ُ ْ َ َ ُ ُّ(َ)2
اهم َك َما َن ُسو ْا ِل َق َاء َي ْو ِمهِ م َه َـذا َو َما َكانُو ْا ب َِآي ِات َنا َي ْج َح ُدو َن . واللهو ننس
ْ َ َ ُْ
كل ما ألهى عن طاعة اهلل ،واللعب كل ما ال فائدة فيه.
ند ا ْلبي ِت ِإال َّ ُم َك ًاء َو َت ْص ِد َي ًة.
()3
ان َصالَتُ ُهم ِع وقال َ :و َما َك َ
َ َْ ْ
والمكاء :التصفير ،والتصدية :التصفيق.
وعن أبي مالك األشعري يرفعه(( :ليشربن أناس من أمتي الخمر
ويسمونها بغير اسمها ،يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات،
يخسف اهلل بهم األرض ويجعل منهم القردة والخنازير))( .)4وعنه
الحر والحرير ،والخمر، يرفعه(( :ليكونن من أمتي أقوام يستحلون ِ
َ
والمعازف))( .)5وعن أنس مرفوع ًا(( :صوتان ملعونان في الدنيا واآلخرة:
مزمار عند نعمة ،ورنة عند مصيبة))(.)6
وعـــن ابـــن عبـــاس رضيييي اهلل عنيييهما قـــال :قـــال رســـول اهلل (( :إن اهلل حـــرم
َّ
عليكم :الخمر ،والميسر ،والكوبة( ،)7وقال :كل مسكر حرام))(.)8
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة النجم ،اآليات. 31-21 :
( )2سورة األعراف ،اآلية. 21 :
( )3سورة األنفال ،اآلية. 42 :
( )4ابن ماجه ،كتاب الفتن،باب العقوبات،برقم،3020وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه.417/4 ،
( )5البخاري ،كتاب األشربة ،باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ،ويسميه بغير اسمه ،برقم ،2210قال
شيخنا ابن باز أثناء تقريره على صحيح البخاري على هذا الحديث(( :وكالم ابن حزم فاسد حيث
يرى أن هذا الحديث ليس متصالً)).
( )6ذكره السيوطي في الجامع الصغير ،وعزاه إلى البزار ،والضياء المقدسي في المختارة ،وعزاه
األلباني إلى أبي بكر الشافعي في الرباعيات ،وذكر له شاهداً عند الحاكم ،30/3 ،وحسنه األلباني
في صحيح الجامع ،برقم ،4312وانظر :األحاديث الصحيحة ،رقم.328
( )7الكوبة :الطبل كما في رواية أبي داود ،برقم .4313
( )8أحمد بلفظه ،420/1 ،و ،281 ،278 ،273وأبو داود ،كتاب األشربة ،باب في األوعية ،برقم،4313
=
صالة العيدين 566
وجاء عن ابن مسعود (( :الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت
الماء البقل)) .وفي رواية(( :الزرع)).
وقال اإلمام مالك رحمه اهلل((:إنما يفعله عندنا الفساق)).
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه اهلل(( :بدؤها من الشيطان وعاقبتها
سخط الرحمن)).
وقال الضحاك رحمه اهلل(( :الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب)).
وقال الفضيل بن عياض رحمه اهلل((:الغناء رائد الفجور)).
وقال الوليد بن عبد الملك رحمه اهلل(( :الغناء داعية الزنا))(.)1
- 2حلق اللحى يكثر عند أمة من البشر يوم العيد ،وهو محرم؛ لقول
النبي (( :خالفوا المشركين و ّفروا اللحى وأح ّفوا الشوارب)) .وفي
لفظ(( :أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى))(.)2
جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ،خالفوا وعن أبي هريرة يرفعهُّ ((:
المجوس))(.)3وفي حديث زيد بن أرقم((:من لم يأخذ من شاربه فليس منا)) .
()4
فال يجوز لمسلم يشهد أن ال إله إال اهلل ،وأن محمداً رسول اهلل
حقاً بعد سماعه لهذه األحاديث أن يأخذ من لحيته شيئاً ،واهلل المستعان.
- 3مصافحة النساء من غير المحارم محرمة في كل وقت ،وقد وقع
المحرم ،وخاصة أيام األعياد واألفراح، بعض ضعفاء اإليمان في هذا
ُ َّ
ومما يؤكد تحريم مصافحة النساء األجنبيات حديث معقل بن يسار
عن النبي أنه قالَ (( :ألن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=
وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود ،702/2 ،وفي األحاديث الصحيحة .1803
( )1انظر هذه األقوال :إغاثة اللهفان البن القيم.411-437/1 ،
( )2متفق عليه من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما ،البخاري برقم ،2812ورقم ،2814ومسلم،
برقم ،221وتقدم تخريجه في الطهارة :سنن الفطرة.
( )3مسلم ،برقم ،230وتقدم تخريجه في الطهارة ،سنن الفطرة.
( )4الترمذي،برقم ،2731والنسائي،برقم ،14وصححه األلباني،وتقدم تخريجه في الطهارة،سنن الفطرة.
صالة العيدين
565
تحل له))( .)1وقد ذكرت عائشة
رضي اهلل عنها خير له من أن يمس امرأة ال ُّ
كيفية بيعة النبي للنساء ،ثم قالت(( :وكان رسول اهلل إذا أقررن
بذلك من قولهن قال لهن رسول اهلل (( :انطلقن فقد بايعتكن)) وال واهلل
ما مست يد رسول اهلل يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكالم))(.)2
- 7التشبه بالكفار والمشركين ،في المالبس وغيرها ،سواء كان
التشبه من الرجال أو النساء ،فال يجوز لمسلم أن يتشبه بأعداء اهلل
ورسوله؛ لحديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما ،قال :قال رسول اهلل :
((بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد اهلل وحده ال شريك له،
الذل والصغار على من خالف وجعل ّ وجعل رزقي تحت ظل رمحيُ )3( ، ُ
أمري ،ومن تشبه بقوم فهو منهم)) .
- 8تشبه الرجال بالنساء في المالبس أو الحركات،أو الزينة أو مما هو من
خصائص النساء،وتشبه النساء بالرجال كذلك،وهذا يحصل في األعياد وفي
غيرها،وهو محرم ال يجوز؛لحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال(( :لعن رسول اهلل
المتشبهين من الرجال بالنساء،والمتشبهات من النساء بالرجال)) وفي لفظ:
((لعن النبي المخنثين( )4من الرجال،والمترجالت من النساء ،وقال:
أخرجوهم من بيوتكم))فأخرج النبي فالناً،وأخرج عمر فالناً))(.)5
- 1الخلوة بالنساء أيام األعياد ،أو األفراح أو غير ذلك محرمة ،ومن خال بامرأة
فالشيطان ثالثهما؛ لحديث عقبة بن عامر :أن رسول اهلل قال(( :إياكم والدخول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الطبراني في الكبير،212-211/20،برقم ،387 ،383وقال المنذري في الترغيب والترهيب،
(( :327/2رواه الطبراني والبيهقي،ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح)) ،حسنه األلباني في
غاية المرام،برقم ،113واألحاديث الصحيحة،برقم .223
( )2مسلم ،كتاب اإلمارة ،باب كيف بيعة النساء ،برقم .1833
( )3أحمد،12 ،20/2،وابن أبي شيبة في المصنف،414/2،وصححه األلباني في إرواء الغليل.101/2 ،
( )4المخنثين:المتشبهين بالنساء،والمترجالت:المتشبهات بالرجال،انظر فتح الباري البن حجر.442/1 ،
( )5البخاري ،كتاب اللباس ،باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال ،وباب إخراج المتشبهين
بالنساء من البيوت ،برقم ،2882ورقم .2883
صالة العيدين 565
الحمو
الحمو؟ قالُ (( : َ على النساء)) فقال رجل من األنصار :يا رسول اهلل ،أفرأيت
الموت))( .)2()1ولحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما عن النبي قال(( :ال يخلو َّن رجل
بامرأة إال مع ذي محرم))( .)3وعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص رضي اهلل عنهما وفيه أن
النبي قال(( :ال يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إال ومعه رجل أو
اثنان))( .)4قال الترمذي رحمه اهلل(( :وإنما معنى كراهية الدخول على النساء :على
نحو ما روي عن النبي قال(( :ال يخلو َّن رجل بامرأة إال كان ثالثهما الشيطان)).
ومعنى قوله((:الحمو)) يقال:هو أخو الزوج،كأنه كره له أن يخلو بها))(.)5
- 10تبرج النساء وخروجهن من البيوت إلى األسواق،يكثر أيام العيد
خروج النساء متبرجات إال من عصم اهلل ،وهذا حرام؛لقول اهلل تعالى:
ين ِ َِ ِِ ِ ُ ِ ِ
الصال َة َوآت َ َ و َق ْر َن في بُ ُيوت ُك َّن َوال َت َب َّر ْج َن َت َب ُّر َج الـْ َجاهل َّية األو َلى َوأق ْم َن َّ
نكم الر ْج َس أَ ْه َل ا ْلبي ِت يد اهلل ِليذ ِهب ع الز َكا َة َوأَ ِط ْع َن اهلل َو َر ُسو َل ُه ِإنَّ َما يُرِ ُ
َْ ُْ َ َ ُُ ّ ()6
َّ
َويُ َط ّهر ُكم َت ْطهِ يرا. وعن أبي هريرة قال:قال رسول اهلل ((:صنفان
ً َ ْ
من أهل النار لم أرهما:قوم معهم سياط كأذناب البقر ،يضربون بها الناس،
()9
ونساء كاسيات عاريات( )7مميالت( )8مائالت ،رؤوسهن كأسنمة البخت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه:البخاري،كتاب النكاح،باب ال يخلون رجل بامرأة إال مع ذي محرم ،والدخول على
المغيبة،برقم،2242ومسلم،كتاب السالم،باب تحريم الخلوة باألجنبية،برقم .2172
( )2الحمو:قريب الزوج،والمعنى:فليمت وال يفعلن ذلك .الترغيب والترهيب للمنذري.327/2 ،
( )3البخاري ،كتاب النكاح ،باب ال يخلون رجل بامرأة ،برقم .2244
( )4مسلم ،كتاب السالم ،باب تحريم الخلوة باألجنبية ،برقم .2174
( )5الترمذي،كتاب الرضاع،باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات،برقم 1171من كالم الترمذي.
( )6سورة األحزاب ،اآلية. 44 :
( )7كاسيات عاريات :قيل :كاسيات من نعمة اهلل عاريات من شكرها ،وقيل :تستر بعض بدنها
وتكشف بعضه ،وقيل :تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها .شرح النووي على صحيح مسلم،
.423/13ويدخل في ذلك واهلل أعلم :من تلبس ثوب ًا ضيقاً يبين صورة عورتها.
( )8مميالت مائالت :قيل :مائالت عن طاعة اهلل مميالت :يعلمن غيرهن فعلهن المذموم ،وقيل:
مائالت :يتثنين متبخترات مميالت ألكتافهن ،وقيل :مائالت :يمشطن المشطة المائلة مشطة
البغايا ،مميالت بمشطهن غيرهن تلك المشطة .شرح النووي . 427/13،
( )9رؤوسهن كأسنمة البخت :يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها .شرح النووي.427/13 ،
صالة العيدين
565
المائلة،ال يدخلن الجنة وال يجدن ريحها،وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا
وكذا)).وفي لفظ((:وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))(.)1
ِ
ب التبذير واإلسراف ،يقول اهلل َ :والَ تُ ْسرِ ُفو ْا ِإنَّ ُه الَ يُح ُّ - 11
ِ ()2 ِ
ين . وقال اهلل تعالىَ :والَ تُ َب ّذ ْر َت ْب(3ذ) ًيرا * ِإ َّن الـْ ُم َب ّذرِ َ
ين َكانُو ْا الـْ ُم ْسرِ ف َ
ورا . وقال النبي (( :كلوا ً الشي َطا ُن ِلربّ ِه َك ُف
ان َّ
ين َو َك َ الشي ِ
اط ِ ان َّ إ ِْخ َو َ
َ ْ َ
واشربوا والبسوا،وتصدقوا،في غير إسراف وال مخيلة))(.)4وعن ابن
مسعود عن النبي قال(( :ال تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه
حتى يسأل عن خمس :عن عمره فيما أفناه ،وعن شبابه فيما أباله ،وماله
من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم))(.)5
َ
وعن أبي برزة األسلمي ،قال :قال رسول اهلل (( :ال تزول قدما عبد
يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه ،وعن علمه فيم فعل ،وعن
ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أباله))(.)6
َ َ
- 12عدم العناية بالفقراء والمساكين ،وكثير ًا ما يُظهر أبناء األغنياء
السرور والفرح ،ويأكلون المأكوالت المتنوعة ،يفعلون ذلك أمام الفقراء
وأبنائهم ،دون رحمة أو شفقة ،وال تعاون ،وقد قال النبي (( :ال يؤمن
أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه))(.)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مسلم ،كتاب اللباس والزينة ،باب النساء الكاسيات ،برقم ،2128وكتاب الجنة والنار ،باب النار
يدخلها الجبارون ،برقم .2128
( )2سورة األنعام ،اآلية. 131 :
( )3سورة اإلسراء ،اآليتان. 27-23 :
أخرج
َ ( )4البخاري ،معلقاً ،مجزوم ًا به ،كتاب اللباس ،باب قول اهلل تعالىُ :قل َمن حر َم زين َة اهلل التي
َّ
لعباد ِه ،قبل الحديث رقم .2783
ِ
( )5الترمذي ،كتاب صفة القيامة ،باب في القيامة ،برقم ،2313وصححه األلباني في صحيح سنن
الترمذي ،272/2 ،واألحاديث الصحيحة ،برقم .133
( )6الترمذي ،كتاب صفة القيامة ،باب في القيامة ،برقم ،2317وصححه األلباني في صحيح
الترمذي. 272/2 ،
( )7متفق عليه :البخاري ،كتاب اإليمان ،باب من اإليمان أن يحب ألخيه ما يحب لنفسه ،برقم ،14ومسلم ،كتاب
اإليمان ،باب الدليل على أن من خصال اإليمان أن يحب ألخيه ما يحب لنفسه من الخير ،برقم .32
صالة العيدين 555
- 14عدم صلة األرحام بما يحتاجونه من مساعدات ،أو زيارات ،أو
إحسان ،أو إدخال سرور ،أو غير ذلك من أنواع اإلحسان؛ لحديث أبي
هريرة قال :سمعت رسول اهلل :يقول(( :من سره أن يُبسط له في
رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه)) .وفي لفظ(( :من أحب أن يُبسط
له في رزقه ،ويُنسأ له في أثره ،فليصل رحمه))()1؛ ولحديث جبير بن
مطعم أنه سمع النبي يقول(( :ال يدخل الجنة قاطع))()2؛ ولحديث أبي
هريرة عن النبي قال(( :إن اهلل خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه
قالت الرحم :هذا مقام العائذ بك من القطيعة؟ قال :نعم ،أما ترضين أن
أصل من وصلك ،وأقطع من قطعك؟ قالت :بلى يا رب ،قال :فهو
لك)) .قال رسول اهلل (( :فاقرأوا إن شئتمَ :ف َه ْل َع َسي ُتم إِن َت َولَّي ُتم أَن
ْ ْ ْ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ
ين َل َع َن ُهم اهلل
ُ ُت ْفس ُدوا في األَ ْرض َو ُت َقطّ ُعوا أَ ْر َح َام ُك ْم * أ ُ ْو َلئ َك الَّذ َ
وبآن أَ ْم َع َلى ُق ُل ٍ ار ُه ْم * أَ َفال َي َت َد َّب ُرو َن ا ْل ُق ْر َ َ َ َ
َفأ َص َّم ُه ْم (َ3و)أ ْع َمى أ ْب َص َ
أَ ْق َفالـ َها . ))وعن أبي هريرة أن رجالً قال :يا رسول اهلل ،إن لي قرابة
ُ
أصلهم ويقطعوني ،وأحسن إليهم ويسيئون إلي ،وأحلم عنهم ويجهلون
َّ
المل ،وال يزال معك ّ علي ،فقال(( :لئن كنت كما قلت فكأنما تس ّفهم
َّ
من اهلل ظهير عليهم ما دمت على ذلك))(.)4
واهلل ولي التوفيق ،وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى
آله وأصحابه أجمعين ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1متفق عليه:البخاري،كتاب البيوع،باب من أحب أن يبسط له في الرزق،برقم ،2037وكتاب األدب،باب
من بسط له في الرزق،لصلة الرحم،برقم ،2182ورقم ،2183ومسلم،كتاب البر والصلة،باب صلة
الرحم وتحريم قطيعتها،برقم .2227
( )2متفق عليه:البخاري،كتاب األدب،باب إثم القاطع ،برقم ،2183ومسلم ،كتاب البر والصلة ،باب
صلة الرحم ،برقم .2223
( )3متفق عليه :البخاري ،كتاب األدب ،باب من وصل وصله اهلل ،برقم ،2187ومسلم ،كتاب البر
والصلة ،باب صلة الرحم ،برقم ،2223واآليات من سورة محمد .23-22
( )4مسلم ،كتاب البر والصلة ،باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها ،برقم .2228
صالة الجنائز
555